تحرر من عبودية الشيطان



المعاصي والذنوب سبَبُ الكآبة والخَسارة، سبب رحلة الضياع، سبب كل خير يفوت وشرٍّ يجلَب.
إذا استجبت للشيطان، فأنت تنْزِل في نفَقٍ مظلِم موحِش يَزداد اسودادًا وبُعدًا عن التهوية الصحيَّة، حتى تصل إلى درجة الاختناق والعَمَى، سوف ترى أنَّك تصطدِم بكل شيء؛ لأنك المخلوق الوحيد الذي يَمشي عكْس المسار.
هَرَبوا من الرقِّ الذي خُلِقوا له فَبُلُوا برقِّ النَّفْس والشَّيطانِ
وكلما توجَّهتَ إلى ربك، ازدادتْ أشعة الشمس في طريقِك، ونظرت إلى الكون عامة، وأحسستَ بإيمان بارد يغمُر وجهَك ويُداعِب شعرَك، سوف تشعُر بأن ما في الكون مُسخَّر لك.
المُنغمِس في الذنوب الناسُ من حوله لا يَرون فيه شخصًا مُحترَمًا ولا أمينًا، حتى علاقته مع أهله سوف يرى أنها في اضطراب لا يدري متى ينتهي، يقول الفضيل بن عياض: «والله إنِّي لأرى شؤم مَعصيتي في خُلُق زوجتي ودابتي».
الطائع لربه يرى الكون مُسخرًا له، يَشعُر بتكريم الله له، وتفضيله إيَّاه على خَلْقه.
فتحرَّرْ من عبودية من يضرُّك ولا ينفعك، وارجِع إلى ربك الذي بيده نفْعك وضرُّك، وبيده رزْقك وأجَلك، ومن تقرَّبَ إلى الله شبرًا، تقرَّبَ الله منه ذِراعًا، وإن كان تقرُّبه إلى ربه ذراعًا، كان تقرُّب ربه إليه باعًا.
الصادق مع ربه، الصادق مع الناس، الثابت على شريعة ربه - قد يأتيه الرزق من حيث لا يظنُّ، قد يأتيه الخير ممن لا يتصوَّر منهم الخير.
لذلك أذكر لك:
قامت إحدى الشركات في إحدى دول أوروبا بالإعلان عن حاجتها لموظَّف واحد فقط، تقدَّم أناس كثيرون بالمئات من أبناء ديانتهم وقليل من المسلمين من نفْس الدولة، كانت الشركة والقائمون عليها كلهم نصارى، وكانت المقابلات تُجرى للمُتقدِّمين واحدًا واحدًا، الأسئلة كانت: هل أنت تشرب الخمر؟ هل لك صديقات؟ ما قدْر حاجتك إلى الوظيفة؟
لا أحد يشك في أنها يمكن أن تكون لرجل لا يَدين بدين النصارى، حتى المسلمون كانوا يُجيبون على السؤال الأول والثاني بنعم، بعضهم يقول ذلك حقيقةً، وبعضهم الآخر مُجارٍ لهم لعلِّ الوظيفة تكون من نصيبه، جاء أحد المتقدِّمين المسلمين، سألوه: هل تشرب الخمر؟ قال: لا، قالوا: لماذا؟ أجاب: لأنَّ الله حرَّمها في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهي عندنا في الإسلام مُحرَّمة، سألوه السؤال الثاني: هل لك صديقات؟ أجاب بالنفي، قالوا: لماذا؟ قال: لأنَّ ديننا يحرِّم على المسلم أن يكون له علاقة بالنساء إلا العلاقة الشرعية، وهي الزواج، سألوه السؤال الثالث، فأجاب بأن حاجته ماسَّة، ولولا ذلك لما جاء إليهم، بعد أسبوع خرجتْ نتيجة القَبُول، فلم يُقبَل من أولئك المئات إلا ذلك المسلم الذي لم يُجامِلهم، ثم ذكَروا سببَ القَبُول وقالوا: الشركة تبحَث عن رجل مُنتبِه، رجل لا يَشغَله شيء عن حراسة وأمن الشركة، ورجل يكون دائمًا في قواه العقلية، وقد توافرت الصفات المطلوبة في فلان.
انظر: حتى أعداؤنا لا يُحبُّون الرجل المتلوِّن ذا الوجهين، ولا يَثِقون به؛ لأنه عملة مزيفة.
إن تمسُّك المسلم بدينه أمام أعدائه إنما هو عزَّة ورِفعة له، وتنازُله عن مبادئه الإسلامية لا يزيده إلا ذِلَّة وصَغارًا عندهم.
وصدق عمر - رضي الله عنه -: «نحن قوم أعزَّنا الله بهذا الإسلام، فمهما ابتغَينا العزَّة بغيره، أذلَّنا الله».



اعداد: محمد بن سعد الفصّام