العلاّمة الكبير الشيخ أحمد بن محمد بن عوض العبَّادي - رحمه الله-عالم من علماء اليمن السلفيين غير مشهور، لذلك قد لا يعرفه كثير من طلاب العلم في اليمن فضلا عن طلاب العلم في خارج اليمن، هذا العالم له جهود كبيرة في نشر السنة ومحاربة البدعة لا سيما بدعة القبورية التي عمت وطمت في بعض مناطق اليمن وعلى وجه الخصوص اليمن الجنوبي، ذكره الشيخ العلامة أحمدبن حسن المعلم في رسالته العلمية " القبورية في اليمن"يقول الشيخ المعلم عنه:
(العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن عوض العبّادي - رحمه الله -،ولد بقرية من قرى إب، نشأ بها ثم سافر أسفاراً عديدة وطويلة، وصل خلالها إلى كابول، وأخذ بها عن الحافظ محمد تقي الدين الأفغاني في القرآن الكريم وفقه الشافعية وغيرهما من العلوم، ثم ارتحل إلى الهند، وطلب بها العلم ثمانية عشر شهراً تقريباً، ثم سافر إلى عمان، وتزوج من "صور"، وأقام بها اثنتي عشرة سنة، وحج من هناك مرتين، ثم رجع إلى بلاده ومنها إلى لحج، ثم عدن حيث استقر في الشيخ عثمان إماماً لمسجده الذي عُرف باسمه ويسمى كذلك مسجد "زكُّوا " .
وقد عرف في عدن بدعوته إلى الكتاب والسنة وتجريد التوحيد لله تعالى والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم وكانت بينه وبين علماء عدن من الصوفية القبورية مصادمات وخصام بسبب ذلك، ولعله من أوئل الدعاة المعاصرين السلفيين في الشطر الجنوبي من اليمن سابقاً.
غير أني لم أجد له ترجمة ماعدا النبذة اليسيرة التي قدّم بها العلامة البيحاني لمنظومته: "هداية المريد" ولئن تجاهله المترجمون فلن يتجاهله رب العالمين - سبحانه -، أسأل الله أن يكتبه مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً.
(2)
(3) أثره في مواجهة القبورية:
(4) الأثر الوحيد المكتوب للعبّادي هو منظومته "هداية المريد إلى سبيل الحق والتوحيد"، وهي منظومة متوسطة كلـها في العقيدة والـدعوة إلى التوحيد والاتباع، والتحـذير من الـشرك والابتداع، والرد على المخرفين والدجاجلة، كما وصفهم الشيخ البيحاني - رحمه الله - في التعليق عليها.
(5) وقد افتتحها بمقدمة أبان فيها منهجه وغرضه منها، فهي في اعتقاد السلف ونصيحة لإخوانه في الله، يحذرهم فيها من البدع والمحدثات ، ثم عرّف العلم، وحث عليه لا سيما علم التوحيد، فهو المقدم على كل العلوم، ثم معرفة حقيقة الإيمان بما يجب الإيمان به، ثم معرفة الفروع، وحذر من الجهل بالتوحيد ثم الجهل عموماً ، ثم ابتدأ في شرح العقيدة عموماً، وبدأ بتوحيد الأسماء والصفات، ثم انتقل إلى شروط التوحيد، ثم حذر من الاعتقادات الباطلة، وركز على قول من قال: "لو اعتقد أحدكم في حـجر لنفعه "، وحذره من هذا القول، وبيّن أن الأصنام إنما عبدت بهذا الاعتقاد، ثم استمر في شرح مراده حتى وصل إلى نقطة مهمة في مسيره، هي التحذير من الشرك، وبين قبحه وسوء عقابه في الدنيا والآخرة، وعدد هنا بعض المكفرات، ثم وقف مع بعض ما يفعله القبورية عند القبور من أنواع العبادات كالاستغاثة وحلق الرأس، والطواف والاعتكاف عند القبور ، ثم حذر من تكفير المسلم بغير بينة .
ثم انتقل إلى الدعوة إلى السنة والتحذير من البدعة، وأطال في هذا الفصل، وتعرض لرد بعض الشبهات التي يوردها المبتدعة؛لإثبات بدعهم، مثل جمع الناس على صلاة التراويح في زمن عمر والأذان الثالث للجمعة في زمن عثمان، وأبان أن ذلك قد أقره الصحابة؛ وبذلك يصير سنة بإجماعهم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد صلاها جماعة في حياته فلا حجة للمبتدعة ، ثم تعرض للحقيقة والشريعة، وأبان أن الحقيقة هي ماجاء بها الكتاب والسنة، لا ماجاء بها الصوفية المبتدعة، ثم انثنى عليهم في السماع الصوفي المبتدع والأوراد والأذكار البدعية، وفنّد ذلك، وسخِر منهم في رقصهم ووجْدهم؛ لأنهم إنما يفعلون ذلك عندما يذكر التشبيب والتغزل وتشبيه المرأة بغصن البان، ثم يزعمون أن ذلك من محبة الله، ثم أرشد إلى الذكر المشروع الذي جاء به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم نهى عن الغلو المذموم ، وبعده حذر من التكييف والتشبيه في صفات الله تعالى، ثم تعرض لحكم البناء على القبور، وحذر من ذلك، وبين زيارة القبور الشرعية، وحث عليها والزيارة البدعية، وحذر منها، وما يترتب عليها من الغلو في أرباب القبور وما يحدث في تلك الزيارات من مفاسد عقدية وأخلاقية، وخلص إلى مشايخ الطرق وما يكيدون به الناس من الحيل والمكايد، لأجل ابتزازهم وأخذ ما في أيديهم والضحك على عقولهم ، وانتهى بيان التصوف المحمود، ويعني به الزهد والورع وتخليص القلب من أمراضه، والذي يكون مبنياً على العلم النافع جالباً للعمل الصالح، وعدّد الأعمال الصالحات والآداب الحسنة التي يتحلى بها سالك هذا السبيل، وما ينبغي له من مداومة ذكر الله تعالى على الصفة الشرعية لا البدعية.
هذه هي منظومة العلامة العبّادي، وقد علق عليها العلامة البيحاني - رحمه الله - تعليقات مهمة نافعة، وقد طبعت مرتين، الطبعة الأولى لم أطلع على تاريخها، ثم طبعت مرة أخرى عام (1389هـ) مع نفس التعليقات التي وضعت على الطبعة الأولى.