في الحديث الذي ذكره الألباني في " الضعيفة " ( ح 460 ) وأخرجه ابن أبي شيبة ( 11/27/1) وعبد الرزاق ( 18514) وأبو داود في " المراسيل " ( 207/250) والطحاوي ( 2/111) والدراقطني ( ص 345) والبيهقي ( 8/20-21) من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الرحمن ابن البيلماني :
" أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل من المسلمين قد قتل معاهدا ً من أهل الذمة فأمر به فضرب عنقه وقال : أنا أولى من وفّى بذمته قاله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل مسلم كان قتل رجلاً من أهل الذمة "
- أعله الطحاوي بالإرسال وقد وصله الدارقطني والبيهقي من طريق عمار بن مطر : نا إبراهيم بن محمد الأسلمي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن ابن البيلماني عن ابن عمر به
قال الدراقطني رحمه الله :
" لم يسنده غير ابراهيم بن أبي يحيى وهو متروك الحديث والصواب عن ربيعة عن ابن البيلماني مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم وابن البيلماني ضعيف لا تقوم حجة إذا وصل الحديث فكيف بما يرسله ؟! "
" وأقره الحافظ رحمه الله في " الفتح " ( 12/221)
- ونقل البيهقي عن الإمام صالح بن محمد الحافظ أنه قال :
" هو مرسل منكر "
قال الألباني رحمه الله :
" وروي من وجهين آخرين مرسلين :
- وهذه طرق شديدة الضعف لا يتقوى بها الحديث ويزيده ضعفاً أنه معارض للحديث الصحيح وهوو قوله صلى الله عليه وسلم :
" لا يقتل مسلم بكافر "
أخرجه البخاري ( 12/220 ) وغيره عن علي رضي اله عنه وهو مخرج في " الإرواء " ( 2209 )
وقال رحمه الله :
" وبه أخذ جمهور الأئمة واما الحنفية فأخذوا بالأول على ضعفه ومعارضته للحديث الصحيح ! وقد أنصف بعضهم فرجع إلى الحديث الصحيح فروى البيهقي والخطيب في " الفقيه " ( 2/57) عن عبد الواحد بن زياد قال :
" لقيت زفر فقلت له : صرتم حديثاص في الناس وضحكة ! قال : وما ذلك ؟ قال : قلت : تقولون في الأشياء كلها : ادرؤوا الحدود بالشبهات وجئتم إلى أعظم الحدود فقلتم : تقام بالشبهات ! قال : وما ذلك ؟ قلت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقتل مؤمن بكافر " فقلتم : يقتل به ! قال : فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه "
ورواه أبو عبيد بنحوه وسنده صحيح كما قال الألباني رحمه الله وكما قال الحافظ رحمه الله في " الفتح "
[ ثم وقفت بعد ذلك على فصل " الحقوق العامة لأهل الذمة " في كتابه : " نظرية الإسلام وهديه " فلفت انتباهي فيه مسألتان :
· إن دية الذمي دية المسلم وقد سبق بيان ما فيه من الكلام
· قوله ( ص 341 )
" دم الذمي كدم المسلم فإن قتل مسلم أحدا من أهل الذمة اقتص منه له كما لو قتل مسلماً "
· ثم ذكر هذا الحديث من رواية الدراقطني محتجاً به وقد عرفت ان الدراقطني خرجه وبين ضعفه فالظاهر ان الأستاذ المودودي رحمه الله لم يقف على هذا التضعيف وإنما رأى بعض فقهاء الحنفية الذين لا معرفة عندهم بالتخريج عزى هذا الحديث للدارقطني ولم يذكر معه تضعيفه فظن الأستاذ ان الدراقطني سكت عنه ولولا ذلك لما سكت عنه الأستاذ ولأتبعه بنقل التضعيف كما تقتضيه الأمانة العلمية "
- ثم إن الأستاذ أتبع الحديث ببعض الآثار عن الخلفاء الثلاثة : عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم
- أثر عمر فخلاصته ان رجلا من بني بكر بن وائل قتل رجلاً من أهل الذمة فأمر عمر بتسليم القاتل إلى أولياء المقتول فسلم إليهم فقتلوه
وهذا لا يصح إسناده " لأنه من رواية إبراهيم النخعي .. وهو مرسل
على ان جاء موصولا من طريق أخرى فيها زيادة في آخره تفسد الاستدلال به لو صح وهي : " فكتب عمر أن يودى ولا يقتل "
رواه الطحاوي ( 2/112 )
وأما أثر عثمان ففيه قصة طويلة خلاصتها ان أبا لؤلوة لعنه الله لما قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذهب ابنه عبيد الله إلى ابنة لأبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام فقتلها وقتل معها الهرمزان وجفينة وكان نصرانيا فعل ذلك لظنه أنهم تمالؤوا على قتل أبيه فلما استخلف عثمان رضي الله عنه استشار المهاجرين في قتله فكلهم فأشاروا اليه بذلك ثم حال بينه وبين ذلك ان كثر اللغط والاختلاف من جل الناس ... ثم قال عمرو بن العاص لعثمان : يا أمير المؤمنين ! إن هذا المر قد كان قبل أن يكون لك على الناس سلطان فتفرق الناس عن خطبة عمرو وانتهى إليه عثمان وودي الرجلان والجارية
أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2/111) عن سعيد بن المسيب وفي سنده عبد الله بن صالح وفيه ضعف
لكن :
رواه ابن سعد في " الطبقات " ( 3/1/256) من طريق أخرى بسند صحيح عن سعيد وظاهره الإرسال لأنه كان صغيرا لما قتل عمر كان عمره يومئذ دون التاسعة ويبعد لما كان في مثل هذا السن
وعلى كل حال :
" فليس في القصة نص على أن المسلم يقتل بالذمي لأن عثمان والمهاجرين الذين ارادوا قتله لم يصرحوا بأن ذلك لقتله جفينة النصراني كيف وهو قد قتل مسلمين معه : ابنة أبي لؤلؤة والهرمزان فإنه كان مسلما كما رواه البيهقي فهو يستحق القتل لقتله إياهما لا من أجل النصراني . والله أعلم .
و أما أثر علي فهو نحو أثر عمر...
وهو إسناد ضعيف ضعفه الزيلعي ( 4/337 ) وغيره
الضعيفة ( ج1/ص 674 )
الخلاصة :
" فتبين ان هذه الآثار لا يثبت شيء منها فلا يجوز الاستدلال بها وهذا لو لم تعارض حديثا مرفوعا فكيف وهي معارضة لحديث علي المذكور ؟!
فهذا يبين لك بوضوح أثر الأحاديث الضعيفة بحيث إنه استبيح بها دماء المسلمين ! وعورضت بها الأحاديث الصحيحة الثابتة عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم .
قال العبد الفقير لعفو ربه :
وليس معنى ذلك أن الإسلام لم يحفظ حقوق أهل الذمة بل حرم قتل الذمي والاعتداء عليها والتعرض لها بما يؤذيها ومن ذلك
_ حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل رجلا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً "
أخرجه النسائي ( 8/25) برقم ( 4749) وأحمد ( 4/237 /18097) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 2/319 ) وقال شعيب الأرنوؤط " حديث صحيح وهذا إسناد حسن من أجل والد وكيع واسمه الجراح ابن مليح الرؤاسي "
- قال الإمام البخاري " باب إثم من قتل ذميا بغير جرم من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً "
( أخرجه البخاري ) ( 6/2533/ رقم 6516 )
ثانيا :
وفي كتاب الدكتور / محمد بن عبد الله الغبّان " فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه "قد شكك بأثر عثمان رضي الله عنه
وقال ( ص 95- 100 ) :
" ما اشتهر من ذلك وليس له إسناد "
" تنفرد بعض الكتب التي لا تستند رواياتها بعدة معايب سوغ بها الخارجون على عثمان رضي الله عنه الخروج عليه وعدم وجوود أسانيد لها يشكك في صحة صدورها من الخارجين عليه ولعلها صدرت من أعداء عثمان رضي الله عنه – المتأخرين من الرافضة وغيرهم ومن هذه المعايب :
- عدم إقامة الحد على عبيد الله بن عمر
أقدم من ذكر أن ذلك مما عيب على عثمان رضي الله عنه هو المحب الطبري ولم يسنده والمحب الطبري متأخر فقد توفي سنة 694 ه ثم تلاه ابن المطهر الرافضي المتوفى 726 ه فقد قال في كتابه " منهاج الاستقامة في إثبات الإمامة " عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : " إنه ضيع حدود الله فلم يقتل عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين بعد إسلامه .."
ودافع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة عن هذه الشبة بقوله رحمه الله في " منهاج السنة " ( 6/280 ) :
" إن عبد الرحمن بن أبي بكر أخبره أنه رأى أبا لؤلؤة والهرمزان وجفينة يدخلون في مكان يتشاورون وبينهم خنجر له رأسان مقبضه في وسطه وقتل عمر صبيحة تلك الليلة فاستدعى عثمان رضي الله عنه عبد الرحمن فسأله عن ذلك فقال انظروا إلى السكين فغن كانت ذات طرفين فلا أرى القوم إلا وقد اجتمعوا على قتله فنظروا إليها فوجودها كما وصف عبد الرحمن فلذلك ترك عثمان رضي الله عنه – قتل عبيد الله بن عمر لرؤيته عدم وجوب القود لذلك او لتردده فيه فلم ير الوجوب بالشك "
وكذلك المحب الطبري في الرياض النضرة " ( 3/87و100 ) بقوله :
" ولو ثبت ذلك عند عثمان رضي الله عنه – وانتفى الشك فلترك قتله عذر وذلك خوفا من أن يثير قتله فتنة عظيمة فقد كان فريق من الصحابة رضي الله عنه مانعين قتله حتى قال له عمرو بن العاص رضي الله عنه : قتل أمير المؤمنين عمر بالأمس ويقتل ابنه اليوم ؟ لا والله لا يكون هذا أبداً .. فسكن بذلك الفتنة التي كادت أن تقع "
وقال شيخ الإسلام في " منهاج السنة " ( 6/280 )
" وإذا كان الهرمزان ممن أعان على قتل عمر جاز قتله في أحد القولين قصاصا ً وعمر هو القائل في المقتول : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لأقدتهم به ) انتهى .
وقال ( ص 99 )
" وأما خوف عبيد الله من علي – رضي الله عنه – أن يقتله بعد قتل عثمان رضي الله فليس بصحيح فلم يرد فيه إسناد صحيح فيما اطلعت عليه من مصادر ولا يتوقع ذلك من علي رضي الله عنه