رمضان والعيد
اللجنة العلمية
العيد هو الابتسامة
العيد هو الابتسامة الطيبة ، العيد هو الكلمة الرقيقة الجميلة ، العيد هو المصافحة الحارة الصادقة ، العيد هو المعانقة التي تذيب الحواجز وتطوي المسافات وتزيل الحدود ، العيد هي القلوب التي تتعلم كيف تصفح وتتعلم كيف تحمل المعاني الإيجابية وتتعلم كيف تنسى وكيف تنسى النسيان أيضاً ، العيد هي الروح التي تضمنا جميعاً وتذكرنا بالإخاء والمحبة والوحدة .
العيد فيه مظاهر للفرح الكثير يختلط عليه أحياناً بين الروح الإيمانية العابقة من رمضان لكن يريد أن يفرح ..
بل نفرح بإتمام العدّة (وَلِتُكَبِّرُو اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(الب قرة: من الآية185) ، والعيد هنا هو فرحة الأطفال وبسمتهم فلا نسرق بسمة الأطفال بل نتعلّم منهم كيف نفرح بعفوية وبساطة وبراءة ونبتسم .
في مناسبة العيد الكثير من الناس يلاحقون الأطفال ويمنعونهم من الفرحة ومن ذلك طبعاً الألعاب النارية التي نجد حرب ضروس عليها من الأهل ومن الجيران ومن الناس ، صحيح فيه ألوان من الألعاب قد تكون ضارة وينبغي أنها لا تعمل إلا في مكان مناسب لها لكن أيضاً ينبغي أن نمنح الأطفال قدراً من المتعة في هذا الشهر وما فيه مانع أنه حتى نحن نلعب معهم في مثل هذه الأمور ونتعوّد أن نتخفف من تكلّفنا ومن كبريائنا ومن هيبتنا الغير مبررة أحياناً ، أو الحديث عن آلام الأمة وكأنه يمنعنا أيضاً من الفرح بالعيد .
عيدنا...وتصفية النفوس
العيد سعادة , فيه تجدد معانٍ , وتعاد ذكريات ، تُرسل مع إقباله رسائل التهاني ، تتصافح فيه الأيادي البيضاء .
وتُقال فيه عثرات الأقربين , وتعفو النفوس عنده عن ذنوب المخطئين .
كل صديق بصديقه فِرح , وكل محب بحبيبه سعيد .
كم كان ميقاتاً لزوال خصومة , وتلاقي بُعداء , وتواصل منقطعين , فهو بحق يوم المحبة والصفاء .
وتبقى نفوساً قد علاه ألم خطيئة الغير في حقها , وسكن فؤادها جرح قريبها أو صديقها الذي لم يراع حرمة الميثاق , فيقرر كل متخاصم أن هذا جرح لا يندمل , وخطأ لا يمكن أن يغتفر , فـتكون القطيعة ويحل الهجران , وتمر السنوات , وتتوالى الأعوام ما بين تلك القطيعة وذلك الهجران , فلا النفوس تهدأ , ولا الآلام تنقطع .
ليتدبر ذلك المقاطع في زمانه الفائت , يوم رأى الخصومة علاج لذاك الخطاء , وجفوته لقريبه أو صديقه بلسماَ لذاك الذنب , فإذا الزمن يمضي بلا علاج , وإذا الأيام تُنمّي ذاك الخصام , والأشد والأنكى توارث الأجيال لخصومات الآباء , وزيادة الجفاء بين أبناء العمومة وأحفاد الإخوان .
فيأتي العيد حاملاَ معه السعادة لكل من كان بينه وبين أخيه خصومة , وتقبل هذه المناسبة لتغسل القلوب من آثار ذاك التنافر , فيتذكر عظيم الأجر من الرحمن حين يقرأ قول الكريم المتعال} فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ { , فيرجو الأجر من ربه , ويتلو قوله تعالى }ولْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم{
فيُحب أن يغفر الله له , وربما نادته فطرة الخير في نفسه للقاء من خاصمه , فيأتيه شيطانه ويُوهمه أن هذا ذلة , فيصحح له هذا الوهم حديث نبيه عليه الصلاة والسلام \" وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا \"مسلم
فيعقد العزم على اغتنام هذه المناسبة للقاء قريبه , ومصافاة خليله , فتجتمع النفوس بعد شتاتها , وتقرب القلوب بعد نفرتها , فيفرح له كل قريب , ويسعد بهذا كل حبيب .
إن خلق الرحمة في النفس مِنِّةٌ من الله تعالى يجعلها في قلوب من شاء من عباده الرحماء , وللنفوس حظوظها في التشفي , ولكن لم يجعل الإسلام لها أمداً إلا ثلاثة أيام وبعدها يكون المرء ظالمٌ لنفسه ومتعدٍ لشرع ربه , ومقصراً في حقوق إخوانه , ومن ابتدأ بالسلام كان خير المتخاصمين , ففز أيها المتاجر مع ربك لتنال هذه الخيرية وتفوز بهذا العطاء .
العيد حضر أيها المتخاصم , ومناسبة الفرح حلت يا من لازلت مهاجر , وكلنا على يقينٍ بطهارة نفسك , وسمو خلقك , وأنك راغب ٌ في التواصل , فهل تجعل هذه المناسبة فرصة لنيل رضا ربك , وسعادة إخوانك ومن حولك , ومناسبة كريمة للقاء كل قريب لك ؟
رحم الله قلباً تطهر اليوم .
ونفساً عفت وسامحت .
ويداً للمصافحة مُدت .
ورجالاً ونساءً سعوا في الإصلاح .
التهنئة والعيد
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا رجعوا ـ أي من صلاة العيد ـ يقول بعضهم لبعض : ( تقبل الله منا ومنكم ) ، قال : أحمد بن حنبل : إسناده جيد . اهـ الجوهر النقي حاشية البيهقي ( 3/ 320 – 321 ) وفي الفروع لابن مفلح (2/150 ) قال : ولا بأس قوله لغيره : تقبل الله منا منكم ، نقله الجماعة كالجواب ، وقال : لا أبتدئ بها ، وعنه : الكل حسن ، وعنه : يكره ، وقيل له في رواية حنبل : ترى له أن يبتدئ ؟ قال : لا ونقل علي بن سعيد : ما أحسنه إلا أن يخاف الشهرة ، وفي النصحية : أنه فِعل الصحابة ، وأنه قول العلماء . اهـ .
وجاء في الفتح ( 2/446) : وروينا في المحامليات بإسناد حسن عن جبير بن نفير قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا ومنكم . وسئل مالك رحمه الله : أيكره للرجل أن يقول لأخيه إذا انصرف من العيد : تقبل الله منا ومنك ، وغفر الله لنا ولك ، ويرد عليه أخوه مثل ذلك ؟ قال : لايكره . اهـ من المنتقى (1/322)
وفي الحاوي للسيوطي (1/82) قال : وأخرج ابن حبان في الثقات عن علي بن ثابت قال سألت مالكاً عن قول الناس في العيد : تقبل الله منا منك ، فقال : مازال الأمر عندنا كذلك . اهـ .
وفي سؤالات أبي داود ( ص 61 ) قال أبو داود : سمعت أحمد سئل عن قوم قيل لهم يوم العيد : تقبل الله منا ومنكم ، قال أرجو أن لايكون به بأس . اهـ .
قال ابن قدامة في ( المغني 3/294) : " قال الإمام أحمد – رحمه الله- قوله : ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد : تقبّل الله منا ومنك" ، وقال حرب : "سئل أحمد عن قول الناس : تقبل الله منا ومنكم ؟ قال : لا بأس" ، يرويه أهل الشام عن أبي أمامة ، قيل : وواثلة ابن الأسقع ؟ ، قال : نعم ، قيل : فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد؟ قال : لا .."
وقال الحافظ بن حجر – رحمه الله - : " ويحتج لعموم التهنئة لما يحدث من نعمة ، أو يندفع من نقمة : بمشروعية سجود الشكر ، والتعزية – كذا في (الموسوعة الفقهية) التي نقلت عنها – وربما في الصحيحين عن كعب بن مالك .. " نقلاً عن (الموسوعة الفقهية الكويتية ، 14/99-100) ، وينظر : (وصول الأماني) للسيوطي، وقد بحثت عن كلام الحافظ في مظنته ولم أهتد إليه، وينظر : (وصول الأماني 1/83) ( ضمن الحاوي للفتاوى ) .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (2/228) : هَلْ التَّهْنِئَةُ فِي الْعِيدِ وَمَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ : " عِيدُك مُبَارَكٌ " وَمَا أَشْبَهَهُ , هَلْ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ, أَمْ لا ؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ , فَمَا الَّذِي يُقَالُ ؟
فأجاب :
"أَمَّا التَّهْنِئَةُ يَوْمَ الْعِيدِ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إذَا لَقِيَهُ بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ : تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ , وَأَحَالَهُ اللَّهُ عَلَيْك , وَنَحْوُ ذَلِكَ , فَهَذَا قَدْ رُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَرَخَّصَ فِيهِ , الأَئِمَّةُ , كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ . لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ : أَنَا لا أَبْتَدِئُ أَحَدًا , فَإِنْ ابْتَدَأَنِي أَحَدٌ أَجَبْته , وَذَلِكَ لأَنَّ جَوَابَ التَّحِيَّةِ وَاجِبٌ , وَأَمَّا الابْتِدَاءُ بِالتَّهْنِئَةِ فَلَيْسَ سُنَّةً مَأْمُورًا بِهَا , وَلا هُوَ أَيْضًا مَا نُهِيَ عَنْهُ , فَمَنْ فَعَلَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ , وَمَنْ تَرَكَهُ فَلَهُ قُدْوَةٌ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ" اهـ .
قال ابن القيم – رحمه الله – ضمن سياقه لفوائد تلك القصة في ( زاد المعاد 3/585):"وفيه دليل على استحباب تهنئة من تجددت له نعمة دينية ، والقيام إليه إذا أقبل ومصافحته ، فهذه سنة مستحبة ، وهو جائز لمن تجددت له نعمة دنيوية ، وأن الأوْلى أن يقال : يهنك بما أعطاك الله ، وما منّ الله به عليك ، ونحو هذا الكلام ، فإن فيه تولية النعمة ربهّا ، والدعاء لمن نالها بالتهني بها ". ولا ريب أن بلوغ شهر رمضان وإدراكه نعمة دينية ، فهي أوْلى وأحرى بأن يُهنأ المسلم على بلوغها ، كيف وقد أثر عن السلف أنهم كانوا يسألون الله – عز وجل – ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، وفي الستة الأخرى يسألونه القبول ؟ ونحن نرى العشرات، ونسمع عن أضعافهم ممن يموتون قبل بلوغهم الشهر .
ويقول العلامة السعدي – رحمه الله – مبيناً هذا الأصل في جواب له عن حكم التهاني في المناسبات - كما في ( الفتاوى ) في المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ عبد الرحمن السعدي (348) : " هذه المسائل وما أشبهها مبنية على أصل عظيم نافع ، وهو أن الأصل في جميع العادات القولية والفعلية الإباحة والجواز ، فلا يحرم منها ولا يكره إلا ما نهى عنه الشارع ، أو تضمن مفسدة شرعية ، وهذا الأصل الكبير قد دل عليه الكتاب والسنة في مواضع ، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره . فهذه الصور المسؤول عنها ما أشبهها من هذا القبيل ، فإن الناس لم يقصدوا التعبد بها ، وإنما هي عوائد وخطابات وجوابات جرت بينهم في مناسبات لا محذور فيها ، بل فيها مصلحة دعاء المؤمنين بعضهم لبعض بدعاء مناسب، وتآلف القلوب كما هو مشاهد.
وسئـل الشيخ ابن عثيمين : ما حكـم التهنئة بالعيد ؟ وهل لها صيغة معينة ؟
فأجاب :
"التهنئة بالعيد جائزة ، وليس لها تهنئة مخصوصة ، بل ما اعتاده الناس فهو جائز ما لم يكن إثماً" اهـ . و
قال أيضاً :
"التهنئة بالعيد قد وقعت من بعض الصحابة رضي الله عنهم ، وعلى فرض أنها لم تقع فإنها الاۤن من الأمور العادية التي اعتادها الناس ، يهنىء بعضهم بعضاً ببلوغ العيد واستكمال الصوم والقيام" اهـ .
وسئـل رحمه الله تعالى : ما حكـم المصافحة ، والمعانقة والتهنئة بعد صلاة العيد ؟
فأجاب : "هذه الأشياء لا بأس بها ؛ لأن الناس لا يتخذونها على سبيل التعبد والتقرب إلى الله عز وجل ، وإنما يتخذونها على سبيل العادة ، والإكرام والاحترام ، ومادامت عادة لم يرد الشرع بالنهي عنها فإن الأصل فيها الإباحة" اهـ
يتبع