من سمـات الجيـل الصالـح



الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات:10)، أي: ليس المؤمنون إلا إخوة، وفي ترجمة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه : «وَلَمَّا هَاجَرَ إِلَى المَدِيْنَةِ كَانَ فَقِيْراً لاَ شَيْءَ لَهُ، فَآخَى رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيْعِ، أَحَدِ النُّقَبَاءِ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُشَاطِرَهُ نِعْمَتَهُ، وَأَنْ يُطَلِّقَ لَهُ أَحْسَنَ زَوْجَتَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، وَلَكِنْ دُلَّنِي عَلَى السُّوْقِ، فَذَهَبَ، فَبَاعَ وَاشْتَرَى، وَرَبِحَ، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ أَنْ صَارَ مَعَهُ دَرَاهِمَ، فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى زِنَةٍ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -[- وَقَدْ رَأَى عَلَيْهِ أَثَراً مِنْ صُفْرَةٍ: (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)». اهـ من سير أعلام النبلاء للذهبي.

فهذه أخلاقهم دالة على هذا المعنى، وتكوين جيلهم الصالح في ظل هذه الآية الكريمة هو أحد أهم أهدافهم، لذلك تزينوا بزينة الإيمان، وتحلّوا بصفات عباد الرحمن، ومن أبرز سمات جيلهم الصالح: أن الذي يجمع بينهم ويؤلف بين قلوبهم هو حبهم في الله ولله: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: «أَيْنَ الْمُتَحَابُّون َ بِجَلَالِي، الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي» رواه مسلم. فكما أظلهم حبهم لبعضهم في الدنيا، يُظلهم الله في ظله بهذا الحب يوم تكون الشمس مقدار ميل، ويلجم العرق الناس إلجاماً. وعن عبد الله بن مسعود قال: إن من الإيمان أن يحب الرجلُ الرجلَ ليس بينهما نسب قريب، ولا مال أعطاه إياه، ولا محبة إلا لله عز وجل.وقال أبو الفرج ابن الجوزي لصديق له: «أنت في أوسع العذر من التأخر عني لثقتي بك، وفي أضيقه من شوقي إليك».وكما قال بعض السلف: علامة الحب لله المراقبة للمحبوب، والتحري لمرضاته. يحرصون على تكوين جيلهم الصالح وهم كثر بإخوانهم: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119)، قال عبيد الله بن الحسن لرجل: يا فلان استكثر من الصديق، فإن أيسر ما تصيب أن يبلغه موتك فيدعو لك. وقال عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه: إذا رزقكم الله عز وجل مودة امرئ مسلم فتشبثوا بها. ينتقون أطايب الناس وأحاسنهم كما ينتقون أطايب الثمر: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» رواه أبو داود والترمذي وحسنه الألباني. وقال رجل لداود الطائي: أوصني. قال: اصحب أهل التقوى؛ فإنهم أيسر أهل الدنيا عليك مؤونة، وأكثرهم لك معونة. يحرصون على زيارة بعضهم في الله: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ أَوْ زَارَهُ، قَالَ اللَّهُ لَهُ» طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ، وَتَبَوَّأْتَ مَنْزِلًا فِي الجنة». الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني. كَانَ الرَّبِيْعُ بنُ خُثَيْمٍ إِذَا دَخَلَ عَلَى ابْنِ مَسْعُوْدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِذْنٌ لأَحَدٍ حَتَّى يَفْرُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبِهِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُوْدٍ: يَا أَبَا يَزِيْدَ، لَوْ رَآكَ رَسُوْلُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَحَبَّكَ، وَمَا رَأَيْتُكَ إِلاَّ ذَكَرْتُ المُخْبِتِيْنَ. صحبتهم تُنسي الهموم وتزيل الأحزان: عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَذْكُرُ الرَّجُلَ مِنْ إِخْوَانِهِ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ فَيَقُولُ: «يَا طُولَهَا مِنْ لَيْلَةٍ فَإِذَا صَلَّى الْمَكْتُوبَةَ غَدَا إِلَيْهِ فَإِذَا الْتَقَيَا عَانَقَهُ»، وخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَنْتُمْ جَلَاءُ حُزْنِي. قَالَ الله تَعَالَى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (} (الحجر: 88)، وقال تَعَالَى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159). أفشوا السلام بينهم، فانتشر حبهم، وتصافحوا فتساقطت ذنوبهم: فعن أَبي هريرة رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلاَ أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ» رواه مسلم. وعن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه، وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر «رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني. وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «إني لأخرج ومالي حاجة إلا أن أُسلم على الناس، ويُسلموا عليَّ». تجمعهم أخوة الإيمان ولا يفرق بينهم بُعد الأوطان: قال الأوزاعي رحمه الله: كتب إليَّ قتادة من البصرة: إن كانت الدار فرقت بيننا وبينك؛ فإن أُلفة الإسلام بين أهلها جامعة. وقد حفلت كتب العلماء بالمراسلات بينهم وبين إخوانهم، في دلالة قاطعة على أن بعد الأوطان والأماكن لا يفرق إخوة الإيمان، مهما طال عليها الزمان، فالحمد لله على نعمة الإسلام. لا ترى في أعينهم إلا الفرحة بإخوانهم، والبسمة عند لقائهم: عَنْ جَرِيرٍ رضي الله عنه ، قَالَ: مَا حَجَبَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلممُنْذُ أَسْلَمْتُ، وَلاَ رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي. متفق عليه. وقال حماد: «ما رأيت رجلاً قط أشد تبسُّماً في وجوه الرجال من أيوب». وعن أَبي ذَرٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً، وَلَوْ أنْ تَلْقَى أخَاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ» رواه مسلم. يحبون لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم: قالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} (الحشر: 9). عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»، وعن أنسٍ رضي الله عنه ، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «ثَلاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سَوَاهُمَا، وَأنْ يُحِبّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أنْ يَعُودَ في الكُفْرِ بَعْدَ أنْ أنْقَذَهُ الله مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النَّارِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. لا يبخلون على إخوانهم بشيء: انظر كيف فعل الصحابة مع الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه حينما كاتب سيده، كيف جمعوا له من أموالهم حتى أعانه الله تعالى على عتق نفسه، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه ، قَالَ: «رَأَيْتُنَا وَمَا أَحَدٌ بِأَحَقَّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ». هذا وهم يتصفون بأكثر من هذا، وفي هذا كفاية لك أخي القارئ؛ لتتعرف على «الجيل الصالح» فتماشيه، وتجعله لك عوناً على طاعة الله، وابتغاء مرضاته، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى، وصلِّ اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اعداد: وليد دويدار