تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تذكير العوام والخواص بمناقب عمرو بن العاص

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,477

    افتراضي تذكير العوام والخواص بمناقب عمرو بن العاص

    تذكير العوام والخواص بمناقب عمرو بن العاص (1)




    كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فما أشد حاجتنا لتذكر سيرة سلفنا الصالح، ومطالعة أخبارهم ومعرفة أحوالهم، والتفكر في صفاتهم التي أهلتهم ليكونوا خير الناس بعد الأنبياء، والتعرف على منهجهم في العلم والعمل والدعوة والإصلاح والجهاد والتغيير؛ ذلك أن الأمة لن ينصلح حالها إلا بما صلح به أولها، وضرورة بيان التعريف بهم ونشر سيرهم في زمان شيوع القدوات المفسدة وانبهار الشباب بالأبطال الوهميين، والنجوم الزائفة.
    فحقًّا ما أشد الحاجة لنشر سير السلف الصالحين في زماننا لينهل الشباب منها، ولنعرض أحوالنا على أحوالهم، فنعرف مكامن الخلل وأسباب التأخر والفشل، ونقتفي أثر من رضي عنهم الله -عز وجل-، ونتشبه بهم في القول والعمل.
    وإن من الصحابة الذين أكرمهم الله بخصال نادرة وصفات باهرة، وجمع له الكثير من المناقب النبيلة ما لم يجتمع إلا لقلة من البشر قليلة؛ فاستعمل ما أكرمه الله به من صفات في نشر الدين ونصرته إنه الصحابي الجليل عمرو بن العاص -رضي الله عنه- وأرضاه صاحب الأيادي البيضاء في أجل عصر، والذي أنقذ الله به من النار أهل مصر.
    أحد فرسان قريش وأبطالها، وأذكى رجال العرب، وأشدهم دهاء وحنكة؛ كان إسلامه قبيل فتح مكة وقال: "ما رفعت بصري في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- حياءً منه!"؛ فجمع له -رضي الله عنه- شدة الذكاء وشدة الحياء!
    وقد فرح رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بإسلامه وإسلام خالد، قال عمرو -رضيَ الله عنه-: "ما عَدَلَ بي رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وبخالدٍ منذ أسلمنا أحدًا من أصحابه في حربه" .
    ولئن كان لعمرو بن العاص مواقف وأعمال قبل الإسلام شديدة على المسلمين، ولم يكن يألو جهدًا قبل إسلامه في الصد عن سبيل الله؛ إلا أنه ما إن أسلم إلا وقام بدين الله حق القيام؛ عبادة وجهادًا، وعمل أعمالًا يعوض بها ما قام به، وإن كان الإسلام يجب ما قبله، ولكنه لم يكتفِ بتكفير الإسلام والتوبة لما فعل، وإنما أثبت صدق إيمانه وقوة يقينه وحبه لدينه، حتى كان أهلًا ليؤمره النبي -صلى الله عليه وسلم- على جيش ذات السلاسل، واستعمله في القيام على شئون عمان، وكان أحد أمراء فتوح الشام.
    وبعض الناس يظن أن عمرو بن العاص رضي الله عنه ليس له حظ من المناقب إلا الذكاء والفروسية، بينما هو في حقيقة الأمر جمع بين فضائل الظاهر وجمال الباطن حيث شهد له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- له فقال: (أسلَمَ الناسُ، وآمَنَ عمرُو بنُ العاصِ) (رواه الترمذي، وحسن الألباني)، وفي حديث آخر قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (*ابْنَا *الْعَاصِ *مُؤْمِنَانِ، عَمْرٌو ، وَهِشَامٌ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، و قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ عَمْرَو بْنَ العَاصِ مِنْ *صَالِحِي *قُرَيْشٍ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وهذه شهادة وثناء من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدل على أنهما آمنا طوعًا وحبًّا لله -تعالى- من غير إكراه.
    ورأى ذلك فيه مَن عاشره حتى قال قبيصة بن جابر: "قد صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلًا أبين أو أنصع رأيًا، ولا أكرم جليسًا منه، ولا أشبه سريرة بعلانية منه"، وروي نحو ذلك عن جابر بن عبد الله قال: "صحبت عمرو بن العاص فما رأيت رجلًا أبين قرآنًا، ولا أكرم خلقًا، ولا أشبه سريرة بعلانية منه".
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,477

    افتراضي رد: تذكير العوام والخواص بمناقب عمرو بن العاص

    تذكير العوام والخواص بمناقب عمرو بن العاص (2)




    كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    عمرو الفارس المجاهد والفاتح النبيل والقائد اللبيب:
    منذ أسلم وهو مشارك في الوقائع، يستعمل ما حباه الله من مواهب ومناقب في نصرة الدين وأوليائه، ورفع راية الإسلام، ومجاهدة أعدائه، حتى كان محل ثقة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه؛ فأسند إليه القيادة وأمَّره على الخلفاء الراشدين والصحابة السابقين، وفتح الله على يديه كثيرًا من الأمصار، وأشهرها: مصرنا، واستمر عمرو بن العاص -رضي الله عنه- في فتوحاته في بقية مصر وشمال إفريقيا، وكان الفسطاط مقره في إدارة شؤون البلاد في مصر، وتوفي -رضي الله عنه- ودفن في ثراها.
    وأما عن فقهه في الدِّين واستحضاره لمقاصده وقدرته على الاجتهاد في النوازل؛ فله في ذلك القدر الكبير، وكان -رضي الله عنه- فقيهًا حتى إنه فعل فعلًا استغربه كبار الصحابة ممَّن سبقوه في الإسلام والتعلم، وأقره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على اجتهاده؛ فقد روى عبد الرحمن بن جُبَيْر المصري عن عمرو بن العاص أنه قال: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: (يَا عَمْرُو *صَلَّيْتَ *بِأَصْحَابِكَ *وَأَنْتَ *جُنُبٌ؟) فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ، وَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء: 29)، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
    عاش عمرو -رضي الله عنه- مجاهدًا عابدًا، حاكمًا عادلًا؛ أحبه أهل مصر لفضله وعدله، وما أندر أن يحب الناس حاكمًا، ولا يكون ذلك إلا بتحقق أجمل ما يتصف به الحُكَّام في كلِّ زمان، مِن: (العدل والرفق، والعلم والحكمة والحزم).
    وهذا مع اجتهاده في الطاعة -رضي الله عنه-؛ فإنه كان صوامًا قوامًا، وهذه صفات جمع لعمرو -رضي الله عنه- منها أعلاها، فقد حكم بين الناس بما شرع الله، وكان همه صلاح الناس، وعلو الشرع وإقامة الدِّين؛ ولذا كان من أوائل ما شرع فيه بعد استقرار الأحوال في مصر أن بنى مسجدًا للناس، هو أول مسجد شُيِّد في مصر وإفريقيا، بعد فراغه من فتح الإسكندرية سنة 21هـ، فكان جامعًا وجامعة، ومحكمة، وبيتًا للمال، وقِبْلة لطلاب العلم على مدى قرون.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,477

    افتراضي رد: تذكير العوام والخواص بمناقب عمرو بن العاص

    تذكير العوام والخواص بمناقب عمرو بن العاص (3)



    كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    مواعظ وحِكَم عمرو بن العاص -رضي الله عنه-:

    لعمرو بن العاص -رضي الله عنه- مِن المواعظ والحِكَم ما يدل على سعة علمه، وتفكره في أحوال الدنيا والآخرة، ولا شك أن المقام لا يتسع لحصرها، ولكن منها -على سبيل المثال-: أن معاوية -رضي الله عنه- سأله: "ما بقي من لذة الدنيا تلذه؟ فقال: محادثة أهل العلم، وخبر صالح يأتيني من ضيعتي".

    - وقال معاوية لعمرو بن العاص: "مَن أبلغ الناس؟ قال: مَن اقتصر على الإيجاز، وسلب الفضول. قال: فمَن أصبر الناس؟ قال: مَن كان رأيه رادًّا لهواه. قال: فمَن أسخى الناس؟ قال: من بذل دنياه في صلاح دينه. قال: فمَن أشجع الناس؟ قال: من ردَّ جهله بحلمه".

    ومن حكمته وعلمه واعتباره لمآلات الأفعال، والنظر لمراتب الأحوال لاختيار أصلحها أو أقلها شرًّا؛ قوله لابنه عبد الله: "يا بني، سلطان عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم".

    ولما حضرته الوفاة قال: "اللهم إنك أمرتني فلم آتمِرْ، وزجرتني فلم أنزجر"، ووضع يده على موضع الغل، وقال: "اللهم لا قوي فأنتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستكبر، بل مستغفر، لا إله إلا أنت"، فلم يزل يُردِّدها حتى مات!

    وكان موتُه -رحمه الله- ورضي عنه بمصر ليلةَ عيد الفطر، سنة 43هـ وقد قارب التسعين، فصلى عليه ابنُه عبد اللَّه، ودُفِن بالمقطم.

    قال الإمام الذهبي في ترجمته: "كان مِن رجال قريش رأيًا ودهاءً، وحزمًا وكفاءة، وبصيرًا بالحروب، ومِن أشراف ملوك العرب، ومن أعيان المهاجرين، والله يغفر له ويعفو عنه... وقال عنه: وقد تأمر على مثل أبي بكر وعمر لتبصره بالأمور ودهائه" .

    ولك أن تتخيل بعد هذه المناقب والفضائل أن يعمد أناس لبعض زلات عمرو بن العاص ويتتبعون أخطاءه، ولا يرقبون فيه خيرًا ولا معروفًا، ويتعامون عما قدَّمه للإسلام، ولا يعتبرون رضا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه، ولا يقدِّرون فضيلة صحبته، ولا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مات وهو على عمان ينوب عنه، ولا يلتفتون لفتوحاته التي أسلم على إثرها ملايين من البشر عبر السنين في مصر والشام وإفريقية؛ فأذاعوا عنه شبهات في نسبه وعدالته، وإيمانه وديانته، ونسبوا إليه ما لا يصح نسبته لمسلم ضعيف الإيمان، حديث عهد بإسلام!

    فكيف بمَن اجتمعت له فضيلة الصحبة مع البذل والجهاد والعدل؟!

    وأكثر ما قيل فيه يتعلَّق بالفتنة التي وقعت بين الصحابة بعد مقتل عثمان -رضي الله عنه-، وانقسموا فيها لطائفتين: طائفة علي -رضي الله عنه- ومعه أهل العراق، وطائفة معاوية -رضي الله عنه- ومعه أهل الشام، فإن مذهب أهل السنة والجماعة هو الكف عن الخوض في هذه الفتن التي دارت بين الصحابة، واعتقاد أنها كانت عن اجتهاد منهم؛ المصيب فيه له أجران، والمخطئ له أجر.

    والالتزام بقول عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- المشهور: "تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا؛ فلنعصم منها ألسنتنا". وكفى بالمرء نبلًا أن تعد معايبه.

    وكثير مما نُسِب إلى عمرو -رضي الله عنه- فيه أكاذيب وقصص واهية؛ لا تثبت سندًا، ولا تصح عقلًا، مثل ما يفترون عليه في "قصة التحكيم"، وغيرها؛ قد كشف زيفها أهلُ السنة فلتراجع في مظانها.

    فما أخبث مَن يتتبعون الزلات والأخطاء المغفورة، وينسون الفضائل ويكتمون المناقب المشهورة؛ اتباعًا للهوى، وطعنًا في حملة الدين وناصريه، وأفاضل الصحابة الذين بلَّغوا الرسالة، وأكملوا المسيرة، وقامت على أكتافهم حضارتنا الإسلامية؛ لا يفعل ذلك إلا أهل حقدٍ على الملة والدِّين -فإن الطعن في الرسول طعن في الرسالة، والصحابة رسل رسول الله للعالم وورثته- أو جاهل يستمع لهم، ولا يتحقق مما يقولون.

    فمَن منا يقتبس مِن أنوار هذه السيرة العطرة، ومَن منا يحسن العمل بما وهبه الله ويجعله في مصالح المسلمين كعمرو بن العاص -رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين-؟!

    ومَن مثله ومثلهم ينهض لبيان الحق ونصح الخلق بنشر سِيَر السلف الصالح، وإبطال الافتراءات على جيل الصحابة -رضوان الله عليهم-؟!

    نسأل الله -تعالى- أن يوفقنا لاتباعهم بإحسانٍ، والله المستعان.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •