تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: خطورة صرف آيات الصفات عن مقتضى ظاهرها

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,479

    افتراضي خطورة صرف آيات الصفات عن مقتضى ظاهرها

    خطورة صرف آيات الصفات عن مقتضى ظاهرها (1)



    كتبه/ أشرف الشريف

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد جزمت الأشاعرة بشُعبتيها: (المفوضة والمؤولة)، ومن لفَّ لَفَّهم: أن ظاهر الصفات الخبرية والفعلية غير مراد. فالمفوضة منهم قالوا بأن ظاهر الآيات غير مراد، ولم يُمِرُّوه كما جاء وَفْق لغته العربية المبينة، وفهمه المتبادر للذهن بلا تكييف أو تمثيل، من معنى كلي ذهني يتم به التفرقة بين صفة وصفة؛ مما يحدو بنا إلى التعبد لله بمقتضى هذا المعنى وفق ما جاء في الآيات والأحاديث. بل ذهب مفوضة الأشاعرة إلى أن هذا الظاهر غير مراد؛ لذا أوجبوا تأويله على معنى مخالف لظاهره، لكنهم لم يحددوا هذا المعنى، وفوضوا علمه لله، وكأن الله -بزعمهم!- طلب منا التعبد بمقتضى ما لا يُفْهَم -تعالى الله عن ذلك-.
    أمّا المؤولة منهم - وعلى رأسهم الرازي -: فقد صرفوا اللفظ عن ظاهره، وحددوا معانٍ مجازية للصفات، بناءً على قرينة غير حقيقية. بل هي قرينة متوهمة في عقل هؤلاء الذين ظنوا أن الإثبات يعني تشبيه الخالق بالمخلوق، ونسوا أن الله ليس كمثله شيء، وبما أن ذاته ليست كذواتنا، إذًا صفاته ليست كصفاتنا، ومِن ثَمَّ لسنا بحاجة إلى التأويل المذموم بصرف اللفظ عن ظاهره. وهذه المعاني المجازية عند القوم لا يمكنهم الجزم بصحتها، وهذا ما صرح به الجويني -رحمه الله- لانعدام الدليل الصحيح عليها، كما أنها لو كانت مرادة لورد فيها حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أثر عن الصحابة -رضي الله عنهم-.
    وبذا يكون التأويلُ المذمومُ من هذه الفِرَق مخالفةً صريحةً منهم لما أجمع عليه اللغويون والبلاغيون والمفسرون من شروط التأويل والقول بالمجاز، حيث انعدام القرينة المتحققة وانعدام الدليل، ومثل هذا آذن بشرٍ عظيم؛ إذ يفتح الباب لكل طائفة أن تحرف الآيات على معتقدها، ليقول مَن شاء ما شاء بلا زمام، ويزعم أن هذا هو المراد!
    فتقرير هذه القاعدة السابقة -أعني: الأصل في الكلام الحقيقة، وهي المتبادرة في الذهن، وأن التأويل المقبول لابد فيه من دليل وقرينة متحققة-: ضروري لضمان انضباط التفاهم بين الناس، لما يترتب على إهمالها مِن تعذُّر تفاهمهم، وعدم انضباط معاملاتهم، بل وفسادها؛ إذْ يُفتح الباب لكلّ عابث لأنْ يتنكر لكلِّ الالتزامات التي تفهم من ظاهر كلامه بحجة أنه لم يقصد ظاهرها، وإنما قصد أمرًا آخر، والعيب فيمن لم يفهم، وهكذا يزعم، فلا تنضبط بعد ذلك تعاملات، ولا تثبت التزامات، وتهدر من وراء ذلك الحقوق، وتشيع هنا وهناك فوضى العبث بالألفاظ تحت ستار قرائن وهمية، توهمها أصحابها! كما أن ذلك يكون طريقًا لكلِّ قاصد إلى هدم الشريعة، بأن ينسب إليها كلَّ ما يهواه، ويسقط منها كلَّ ما يخالف هواه، وليس ما يجري على الشاشات من ثلة تزعم البحث الإسلامي والتجديد عنا ببعيد!
    ومن هنا اتفق الأئمة من الأصوليين واللغويين والبلاغيين على وجوب العمل بما دلَّ عليه النص والظاهر حتى يقوم دليل التأويل أو التخصيص أو النسخ.
    وللحديث بقية -إن شاء الله- مع أقوال العلماء في ذلك.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,479

    افتراضي رد: خطورة صرف آيات الصفات عن مقتضى ظاهرها

    خطورة صرف آيات الصفات عن مقتضى ظاهرها (2)




    كتبه/ أشرف الشريف
    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
    فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بعد ذكره للتأويل الذي لا يقوم عليه دليل صحيح من الشرع أو اللغة: "فَإِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ -أَوْ أَكْثَرِهَا وَعَامَّتِهَا- مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ مِنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّ ةِ. وَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى ذَمِّهِ وَصَاحُوا بِأَهْلِهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَرُمُوا فِي آثَارِهِمْ بِالشُّهُبِ. وَقَدْ صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى هَؤُلَاءِ وَسَمَّاهُ: (الرَّدُّ عَلى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّة فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ)، فَعَابَ أَحْمَدُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِغَيْرِ مَا هُوَ مَعْنَاهُ. وَلَمْ يَقُلْ أَحْمَدُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ: إنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَعَانِيَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا ، وَلَا قَالُوا: إنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ لَمْ يَعْرِفُوا تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ. كَيْفَ؟ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِتَدَبُّرِ كِتَابِهِ" (مجموع الفتاوى).
    وقال ابن القيم -رحمه الله-: "وَهَلْ دَخَلَتْ طَائِفَةُ الْإِلْحَادِ مِنْ أَهْلِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ إلَّا مِنْ بَابِ التَّأْوِيلِ؟ وَهَلْ فُتِحَ بَابُ التَّأْوِيلِ إلَّا مُضَادَّةً وَمُنَاقَضَةً لِحُكْمِ اللَّهِ فِي تَعْلِيمِهِ عِبَادَهُ الْبَيَانَ الَّذِي امْتَنَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْإِنْسَان بِتَعْلِيمِهِ" (إعلام الموقعين عن رب العالمين).
    ولمّا كان هذا التأويل الذي لا يقوم عليه دليل هو في حقيقته تحريف، وهو من جنس أقوال الباطنية وتعاملهم مع النصوص؛ وجدته تأويلًا بلا زمام يحكي عظيم جناية التأويل على شريعة التنزيل، وهذا بالضبط ما حدث من الفرق الكلامية حين أدخلت المجاز في الصفات الإلهية، فتراهم وآراءهم شتى متنازعة، يُجَهِّل بعضهم بعضًا، وكلما أتت فرقة شنّعت بجهالة أختها، حتى إذا ادَّاركوا جميعًا نَعَتْ *أُخْرَاهُمْ ِأُولَاهُمْ؛ فالرازي -الأشعري- يشتد في النَّكير بألفاظ شِدَاد على الزمخشري -المعتزلي- الذي عاب -على المعتزلة وبعض الأشاعرة- تأويل "يد الله" بالقدرة والقبضة بالملك، إلخ، وحمل كلام القرآن في الصفات الإلهية عَلَى مَحْضِ التَّمْثِيلِ -وكلاهما خلاف الصواب-.
    قال الرازي في تفسيره: "ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: وَقِيلَ قَبْضَتُهُ؛ مُلْكُهُ، وَيَمِينُهُ؛ قُدْرَتُهُ، وَقِيلَ: مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ أَيْ مَفْنِيَّاتٍ بِقَسَمِهِ لِأَنَّهُ أَقْسَمَ أَنْ يَقْبِضَهَا، وَلَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْوُجُوهَ عَادَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا وُجُوهٌ رَكِيكَةٌ، وَأَنَّ حَمْلَ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَحْضِ التَّمْثِيلِ أَوْلَى، وَبَالَغَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْكَلَامِ فَأَطْنَبَ، وَأَقُولُ: إِنَّ حَالَ هَذَا الرَّجُلِ فِي إِقْدَامِهِ عَلَى تَحْسِينِ طَرِيقَتِهِ، وَتَقْبِيحِ طَرِيقَةِ الْقُدَمَاءِ عَجِيبٌ جِدًّا، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ ترك ظاهر اللَّفْظِ، وَالْمَصِيرُ إِلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَهَذَا طَعْنٌ فِي الْقُرْآنِ وَإِخْرَاجٌ لَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّ *الْأَصْلَ *فِي *الْكَلَامِ *الْحَقِيقَةُ، وَأَنَّهُ لا يجوز العدول عنه إلا لدليل منفل، فهذه الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَطْبَقَ عَلَيْهَا جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِي نَ، فَأَيْنَ الْكَلَامُ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ عَلِمَهُ؟ وَأَيْنَ الْعِلْمُ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْهُ غَيْرُهُ؟ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي التَّأْوِيلَاتِ الْعُسْرِ وَالْكَلِمَاتِ الرَّكِيكَةِ" (مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير للرازي).
    ومَن نظر من جهة البلاغة وشروطها في التأويل تبيَّن له -جليًّا-: أن تأويلات المتكلمين للصفات ركيكة، يزدريها نظر أهل البلاغة، فهي لا تنتمي لجنس البيان وعلومه؛ لندرك بذلك عظيم جناية ذا التأويل على اللغة والعقيدة، والشريعة والفطرة، والله المستعان.
    وللحديث بقية -إن شاء الله-.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •