والآن إخواني:
قدمنا حديث سليك وهذا الحديث هو عمدة في الباب، لذلك فالرد عليه يكفينا الرد على باقي الأدلة.
وقد قسمنا الكلام عليه إلى قسمين:
قسم نذكر فيه الأدلة المُقابلة لهذا الحديث.
وهي أربع:
الآية، والحديثين، والقواعد العامة، وعمل أهل المدينة.
وكنا تناقشنا في الاستدلال بالآية، وبالحديثين.
فبقي بيان وجه التقابل بين حديث سليك، والقواعد العامة، وعمل أهل المدينة.
والقسم الثاني:
نخرج من بيان الأدلة المقابلة للحديث، لنستعرض الروايات المتعلقة بالحديث وندرسها لأنّ فيها بيان ووصف، نتوصل من خلاله إلى القول الراجح بإذن الله.
تعالوا إخواني نواصل ذكر معارضة هذا الخبر لأدلة أخرى.
معارضته للقياس والقواعد العامّة:
قولنا القياس يا إخواني لا يعني أنّنا لا نقبل الخبر لأجله مطلقاً، ولذلك يجب على الفريق القائل بجواز الصلاة أن يقرأ جيدا ما نقول.
إذ القياس أن لا يصلّي والإمام يخطب: فلمّا حَرُم في الخطبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذّي هو أَجَّد فرضيةً من الاستماع، فأقلّ أن يُحرَم ما ليس بفرض، وهو النفل.
ومن القواعد المتفق عليها أنّ كلّ ما يُلهِي ويُشغِل عن الاستماع للخطبة منهي عنه شرعاً: فإن كان العبث بالحصى، والقول لصاحبك "أنصت" والصلاة على النبيّ r، وتشميت العاطس، والتأمين على دعاء الإمام جهراً منهي عنه في الخطبة، فنعجب كلّ العجب !! لصلاة كاملة بمجموع أفعالها وأقوالها، المبتدأة بالتكبير، والمختتمة بالتسليم أن تكون من الأفعال المستحبة، والمندوبة، بل والواجبة عند بعضهم، للداخل يوم الجمعة والإمام على المنبر يخطب.
عجيب !!
معارضته لعمل أهل المدينة.
أحتاج إلى مقدمة لَعَلِّي أُقنِع أخي المظفر والتميمي بما أريد...
فإذا عرفت أخي المظفر الشّافعي ومن معك ممن يعتمدون على ظاهر الحديث أنّ المدينة هي موطن الإسـلام، ومولد دولته، وفيها أُقِيم صرحه، وفيها حُفِظـت بيضته، حَكَمَها النبيّ ثلاثة عشر سنة، واستخلف فيها بعده أصدق النّاس، عُرِفوا بإنكار المنكر، وإعلاء المعروف، فحكمها أبو بكر، وبعده عمر، ثمّ عثمان، فعليّ y أجمعين، وعَلِمت أنّها البلد الوحيد الذّي كان بعيداً عن الفتن، اجتمع فيها أكابر العلماء من الصحابة، ثمّ من التابعين، ثمّ من تابعي التابعين، ثمّ جاء بعدهم مباشرة رجلٌ من خِيرة ما ولدت الحرائر، اجتمع عنده قرب الزمان، واشتراك المكان، حَفِظ عِلمها، وأدرك فضلها، وعَلِم عِلم اليقين ماذا يعني ما هُم عليه أهلها، فقوّى مذهبها، وعضّ عليه بالنواجذ.
فما وجد عليه أهلها، حتّى وإن خالفه غيرها، أدرك يقيناً أنّه الحقّ، لأنّه تَرِكَة وَرِثها خلفاً عن سلف من لدّن الصحابة إلى عهده .
وحديث الأمر بالصلاة خالف ما عليه العمل في المدينة، فلا يحسبنّ الإنسانُ بحفظه هذا الحديث أنّ الأئمة قد غاب عنهم حِفظه، فيقول إنّ مالكاً لو وصله الحديث لعَمِل به !!، ألا ترى أنّ أبا سعيد الخذري ررر كان حافظا لهذا الحديث، ولمّا دخل المسجد ومروان يخطب وأراد أن يمتثل ما فَهِمَه من الحديث، قام الحرس فكادوا أن يُوقِعوا به.
قال النووي (وهو شافعي): "كادوا أن يوقعوا به، أي: ضرباً، أو سباًّ".
فما رأي إخواننا: الحديث يأمر الرجل بالصلاة، والعمل الذّي ترك النبي أصحابه في المدينة يعملون به، فالتعارض قائم، أيهما نقدم ؟.
الجواب: نُقدِّم العمل، لأنّ الأصحاب تركوا العمل بالحديث لأنّهم أدرى بمفهوم الحديث، خُصوصاً وأنّ منهجنا العام هو: الكتاب والسنة على فهم سلف الأمة، فلا يكفيك الحديث فقط، وإنّما يجب أن تأخذ فهم سلف الأمة لهذا الحديث.
تقبلوا تحياتي.