كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424
قوله تعالى
﴿وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا﴾ [الجن: 13].
قوله {وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا}: يعني الجن.
قوله {الهُدى}: القرآن.
قاله البغوي في تفسيره، والماوردي في النكت والعيون، والسمرقندي في بحر العلوم، وابن أبي زمنين في تفسيره، والقرطبي في تفسيره، والنسفي في مدارك التنزيل، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والجلال المحلي في الجلالين، وغيرهم.
إلا أن الماوردي قال: {وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به}: يعني القرآن سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم فآمنوا به وصدقوه على رسالته، وقد كان رسول الله مبعوثا إلى الجن والإنس.
قوله {فَلا يَخافُ بَخسًا}: بَخسًا: أي نقصانا.
قال الخطابي في غريب الحديث: وأصل البخس: النقص.
قال بطال في النظم المستعذب، وابن فارس في مجمل اللغة: البخس: النقصان.
زاد بطال: بخسه فى البيع: إذا نقصه.
قلت (عبدالرحيم): فيه مسألتان:
المسألة الأولى:
قوله تعالى {فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا}: أي نقصا.
والمعنى: لا يخاف أن يُنْقِصَ اللهُ من أجره وحسناته شيئا، ولو كان طفيفا يسيرا، وذلك يوم القيامة، بل يضاعف الأجر والمثوبة فكيف ينقص من حسناته شيئا، وتصديقه قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}.
وقوله {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}: فلا ظلم ولو كان قدر نقطة في ظهر نواة. والنقير: النقطة في ظهر النواة.
ونبه على عدم البخس يوم الحساب الجزاء، لاشاعته في الدنيا. فكم ممن استوفى ولم يوف. كم ممن استوفى من أجير بعد كده وجهده ثم بخسه، أي نقصه في الأجر، ولا يخفى أن الله أنزل في المطففين ما أنزل.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات في غريب القرآن: والباخس: الشيء الطفيف الناقص.
المسألة الثانية:
قوله تعالى {فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا}: أي نقصا. ومنه قوله تعالى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}: بخس: ناقص.
قاله ابن جزي الغرناطي في التسهيل لعلوم التنزيل، والسيوطي المحلي في الجلالين، ومجير الدين العليمي في تفسيره.
زاد ابن جزي: عن قيمته.
وزاد العليمي: عن القيمة.
قال الحوفي في البرهان في علوم القرآن: باعوه بدراهم غير موزونة، ناقصة غير وافية لزهدهم كان فيه.
قال النسفي في مدارك التنزيل: {بثمن بخس} مبخوس ناقص عن القيمة نقصانا ظاهرا أو زيف.
قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وقوله تعالى: {وشروه بثمن بخس} قيل: معناه: باخس، أي: ناقص، وقيل: مبخوس أي: منقوص، ويقال: تباخسوا أي: تناقصوا وتغابنوا فبخس بعضهم بعضا.
ومنه {فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا}: وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا: أي ولا ينقص من الحق شيئا ولو طفيفا يسيرا.
فقوله {وَلَا يَبْخَسْ}: أي ولا ينقص.
قاله الهروي في الغريبين في القرآن والحديث، والماوردي في النكت والعيون.
إلا أن الماوردي قال: أي لا ينقص منه شيئا.
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: أي: لا ينقص من حق الطالب.
قال الواحدي في الوجيز: وقوله: {ولا يبخس منه شيئا} البخس: النقصان، يقال: بخسه حقه. أي: نقصه، أمر من عليه الحق أن يقر بمبلغ المال الذي عليه ولا ينقص شيئا.
ومنه {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}: أي ولا تنقصوا الناس أشياءهم، يعني: الذي لهم، وكانوا أصحاب تطفيف ونقص في الميزان.
قاله يحيى بن سلام في تفسيره.
ومنه {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}: {وهم فيها لا يبخسون} أي: لا ينقصون.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {فَلا يَخافُ بَخسًا}: بَخسًا: أي: نقصا.
قاله ابن قتيبة في غريب القرآن، وأبو بكر السجستاني في غريب القرآن، وابن الهائم في التبيان في غريب القرآن، والواحدي في الوجيز.
إلا أن ابن قتيبة قال: أي نقصا من الثواب.
قال الفراء في معاني القرآن: ينقص من ثواب عمله.
قوله {وَلا}: يخاف.
قوله {رَهَقًا}: أي ظلما.
والمعنى: ولا يخاف نقصانا من حسناته، ولا يخاف زيادة في سيئاته؛ بل المغفرة والتجاوز من الله الكريم.
قال الخليل بن أحمد الفراهيدي في العين، الحميري في شمس العلوم ودواء كلام العرب من المكلوم : والرهق: الظلم.
زاد الخليل: وهو قوله: فلا يخاف بخسا ولا رهقا.
انتهى
فمعنى قوله تعالى {رَهَقًا}: أي: ظلما.
قاله الفراء في معاني القرآن، وابن قتيبة في غريب القرآن، وابن أبي زمنين في تفسيره، وغيرهم، وابن الجوزي في تذكرة الأريب في تفسير الغريب، والسمين الحلبي في عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ، وغيرهم.
زاد ابن قتيبة: وأصل "الرهق": ما رهق الإنسان من عيب أو ظلم.
قال الواحدي في الوجيز: والمعنى: لا نخاف أن ينقص من حسناته ولا أن يزاد في سيئاته.
قال السمعاني في تفسيره: وقوله: {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا} أي: نقصانا من حسناته ولا زيادة في سيئاته.
قال الطبري في تفسيره: {فلا يخاف بخسا}: يقول: لا يخاف أن ينقص من حسناته، فلا يجازى عليها؛ {ولا رهقا}: ولا إثما يحمل عليه من سيئات غيره، أو سيئة لم يعملها.
قال السمرقندي في بحر العلوم: {فلا يخاف بخسا} يعني: نقصانا من ثواب عمله، {ولا رهقا} يعني: ذهاب عمله. وهذا كقوله تعالى (فلا يخاف ظلما ولا هضما).
قال ابن أبي زمنين في تفسيره: {فلا يخاف بخسا} يعني: أن ينقص من عمله {ولا رهقا} ظلما أن يزاد عليه ما لم يعمل.
قال الخضيري في السراج في بيان غريب القرآن: {ولا رهقا}: ولا ظلما يلحقه بزيادة في سيئاته.
وفي كتاب اللغات في القرآن لعبدالله بن حسنون السامري: (فلا يخاف بخسا ولا رهقا) بخسا: نقصا. رهقا: ظلما، بلغة قريش.
المعنى الإجمالي للآية، من كتاب (المختصر في التفسير):
﴿وَأَنّا لَمّا سَمِعنَا الهُدى آمَنّا بِهِ فَمَن يُؤمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخسًا وَلا رَهَقًا﴾ [الجن: 13].
وأنَّا لما سمعنا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم آمنّا به، فمن يؤمن بربه فلا يخاف نقصًا لحسناته، ولا إثمًا يضاف إلى آثامه السابقة.
....................
كتبه: عبدالرحيم بن عبدالرحمن آل حمودة، المصري المكي.
للاشتراك، للإبلاغ عن خطأ: +966509006424