العفو عن يسير النجاسات
د. عبدالرحمن المخضوب
النجاسات يجب إزالتها والتطهر منها لقول الله تعالى "وثيابك فطهر" وقول النبي، صلى الله عليه وسلم: "تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه" رواه الدار قطني وغيره، لذا فإن الطهارة من النجاسة شرط لصحة الصلاة، وقال جمهور العلماء إنه لا يعفى عن يسير البول مثل رؤوس الإبر، قال الإمام أحمد ومالك والشافعي إنه نجاسة لا تشق إزالتها فوجبت إزالتها واستثنوا من ذلك يسير الدم والقيح فإن أكثر أهل العلم يرون العفو عن يسيرهما لما روت عائشة رضي الله عنها، قالت قد كان يكون لإحدانا الدرع فيه تحيض وفيه تصيبها الجنابة ثم ترى فيه قطرة من دم فَتَقْصَعُهُ ـ أي تدلكه بريقها، وفي لفظ ما كان لإحدانا إلا ثوب فيه تحيض فإن أصابه شيء من دمها بلته بريقها ثم قصعته بظفرها ـ رواه البخاري وأبو داود، وهذا يدل على العفو عنه، ومثل هذا لا يخفى على النبي، صلى الله عليه وسلم, ولا يصدر إلا عن أمره وقال به جملة من الصحابة فقد روى الحازم بإسناده, عن نافع أن ابن عمر كان يسجد فتجرح يداه فيضعهما في الأرض وهما يقطران دما من شقاق كان في يديه وعصر يده فخرج منها شيء من دم وقيح فمسحه بيده وصلى ولم يتوضأ".
قلت: إن التفريق بين يسير نجاسة الدم والقيح وغيرهما من النجاسات فيه مشقة وعنت على الكثير، إذ إن تحرج الكثير من يسير البول أكثر من تحرجهم من يسير الدم لكثرة الأول في مقابل الثاني، ولو كلف المتوضئ بإزالة النجاسة وإن قلت لأدى هذا إلى الحرج المنتفي في شرعنا فقد حكي الاتفاق بالعفو عن أثر الاستجمار بعد الإنقاء واستيفاء العدد ومعلوم في غالب الظن أن الاستجمار لا يزيل النجاسة وأثرها تماما بل يبقى أثر لا يزيله إلا الماء ومع ذلك فعفي عنه دفعا للمشقة وله أن يستجمر ولو مع وجود الماء فكيف لا يقال مع هذا إنه لا يعفى عن يسير نجاسة البول فهي مما تعم بها البلوى ويشق على الكثير بل وقد يكون بابا للشيطان يلج منه على كثيري الشكوك وشديدي التحرز حتى يوقعهم في الوساوس.
قال الإمام أبو حنيفة، رحمه الله: يعفى عن يسير جميع النجاسات لأنه يتحرى فيها بالمسح في كل الاستنجاء ولو لم يعف عنها لم يكف فيها المسح ولأنه يشق التحرز منه فعفي عنه كالدم، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله، إذ لا دليل مع من يفرقون بين يسير النجاسات وتمسكا بعموم قول الله تعالى: "وما جعل عليكم في الدين من حرج" لذا من يسير النجاسات التي يعفى عنها لمشقة التحرز منها يسير البول لمن ابتلي بالسلس وهو استمرار خروج البول إذا تحفظ تحفظا كثيرا قدر استطاعته، ومن ابتلي بخروج قطرات من البول عند قيامه وقعوده ولا يستطيع التحرز منه وهذا القول هو الموافق للأصول الشرعية والله تعالى أعلم.
=======================
ماذا يفعل إذا أصاب ثوبه نجاسة
ما هو الحكم إذا ما أصابت بعض نقاط البول السروال التحتي عند التبول العادي أو التبول بسرعة ؟
1- هل يلزم الغسل ليطهر المرء نفسه ؟
2- هل على المسلم أن يغسل السروال التحتي بأكمله ، أم يلزمه تغيير السروال (كلما حدث ذلك) ، أم يكتفي بغسل الموضع الذي أصابه البول ؟
3- وكيف يصلي المسلم ( الذي أصابت نقاط البول سرواله التحتي ) ، وهل تكون الصلاة مقبولة لو صلى وهو على تلك الحالة ؟
4- وما هو الحكم إذا شك المسلم أنه لم يغسل بعض المواضع التي أصابها البول ؟ وهل يؤثر ذلك على الصلاة ، وعلى الطهارة ؟
5- هل على من صلى وهو شاك ( أنه لم يغسل بعض المواضع التي أصابها البول ) أن يعيد صلاته ؟ وهل يجوز له قراءة القرآن ومسه وهو في تلك الحالة ؟
6- ما هي الأمور المحرمة عليه فعلها وهو في تلك الحالة ؟
أرجو أن تزيل ش**** بفتوى واضحة .
الحمد لله
أولاً :
يجب على المسلم أن يجتنب النجاسة ويحاول التحرز منها قدر جهده ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ " الحديث وفي رواية : " وَكَانَ الآخَرُ لا يَسْتَنْزِهُ عَنْ الْبَوْلِ أَوْ مِنْ الْبَوْلِ " رواه مسلم ( الطهارة / 439 )
ومعنى لا يستنزه من بوله أي لا يجتنبه ولا يتحرز منه . ولذلك كان جواز البول قائما بشرط أن يأمن من تطاير رشاش بوله على ثوبه وجسمه ، يراجع جواب سؤال رقم 9790 .
ثانيا :
بالنسبة لفقرات السؤال
1- إصابة النجاسة لثوب الإنسان لا توجب عليه الغُسْل . لأن النجاسة ليست من نواقض الوضوء أو الغسل وإنما يجب الغسل للحدث الأكبر والوضوء للحدث الأصغر والنجاسة ليست حدثاً فإذا كان الإنسان طاهراً وأصاب ثوبه نجاسة فإنه لا يكون محدثاً , وإنما الواجب عليه في هذه الحالة أن يزيل النجاسة .
والعبد مأمور بإزالة النجاسة عن ثيابه لقول الله عز وجل : ( وثيابك فطهِّر ) المدثر/ 4 ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في دم الحيض يصيب الثوب : " تحتُّه ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه " رواه البخاري ( الحيض / 297) ، وإذا كان ما أصابته النجاسة يمكن عصره فلا بد من عصره .
2- وإزالة النجاسة تكون بغسلها حتى يذهب أثر النجاسة فإذا أصابت النجاسة ثوباً فلا يجب عليه إلا غسل موضع النجاسة من الثوب الذي أصابته النجاسة ولا يلزمه أن يغسل غيره ، ولا يجب عليه كذلك أن يبدِّل ثيابه ، وإن أراد أن يبدِّل ثيابه فلا بأس في فعل ذلك .
3- أما حكم الصلاة في ثوب أصابته نجاسة ، فيجب أن يُعلم أن الطهارة من النجاسة شرط لصحة الصلاة وإذا لم يتنزه من ذلك فصلاته باطلة ، لأنه صلى وهو متلبس بهذه النجاسة ، فإذا صلى وهو متلبس بهذه النجاسة فقد صلى على وجهٍ لم يرِدْه الله ورسوله ، ولا أمر به الله ورسوله ، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد "
- أحوال النجاسة إذا أصابت الثوب :
1- إذا جزم الإنسان بإصابة النجاسة موضعاً معيناً في الثوب ، فإنه يجب أن يغسل ما أصابته النجاسة .
2- أن يغلب على الظن أنها أصابت مكاناً معيناً .
3- أن يكون عند الإنسان احتمال في مكان بقعة النجاسة ، فالحالة الثانية والثالثة على الإنسان أن يتحرى فيهما ، فما غلب على ظنه أنه أصابته النجاسة فإنه يغسله .
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 2/221 .
- حكم يسير النجاسة :
قال بعض أهل العلم : لا يعفى عن يسير النجاسة مطلقاً .
وقال بعضهم : يُعفى عن يسير سائر النجاسات ، وهو مذهب أبي حنيفة واختيار شيخ الإسلام لا سيما فيما يبتلى به الناس كثيراً فإن المشقة في مراعاته والتطهرمنه حاصلة والله تعالى يقول : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج ) الحج/78 ، والصحيح ما ذهب إليه أبو حنيفة وشيخ الإسلام ، ومن يسير النجاسات التي يعفى عنها لمشقة التحرز منه يسير سلس البول لمن ابتلي به وتحفظ منه تحفظاً كثيراً قدر استطاعته .
انظر الشرح الممتع لابن عثيمين 1/382
وأما حدُّ اليسير أن المعتبر ما اعتبره أوساط الناس أنه كثير فهو كثير وما اعتبروه قليلاً فهو قليل .
وعليه فيقال : أن الأصل إذا أصاب ثوب الإنسان نقط البول فإنه يغسل ما أصاب ثوبه منه حتى يغلب على ظنه زوال النجاسة ، وما بقي مما لم يغسله فيكون داخلاً في يسير النجاسة المعفو عنه كما سبق . والله أعلم
- أما إذا جهل النجاسة فقد سئل الشيخ ابن باز عن ذلك فقال :
إذا كان لم يعلم نجاستها إلا بعد الفراغ من الصلاة فصلاته صحيحة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا أخبره جبريل وهو في الصلاة أن في نعليه قذَراً خلعهما ولم يُعد أول الصلاة . وهكذا لو علمها ( أي النجاسة ) قبل الصلاة ثم نسي فصلى فيها ولم يذكر إلا بعد الصلاة ، لقول الله عز وجل : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) ، …
أما إذا شك في وجود النجاسة في ثوبه وهو في الصلاة لم يجز له الانصراف منها سواء كان إماماً أو منفرداً وعليه أن يتم صلاته .
فتاوى الشيخ ابن باز 12/396-397 .
4- مسألة الشك في إزالة النجاسة : إذا أصابت النجاسة ثوبه فيكون هذا هو الأصل ويكون هذا الأصل متيقن فيه حتى يزول ، وزواله بزوال النجاسة فإذا شك هل أزال النجاسة أم لا ، فإنه يبني على اليقين ، وهو أنه لم تزل النجاسة . وكذلك العكس فإن تيقن أنه طاهر ثم شك هل أصابت ثيابه نجاسة أم لا فيقال إن الأصل الطهارة لأنها هي المتيقَّنة .
قال الشيخ ابن عثيمين : الإنسان بملابسه الأصل فيه أن يكون طاهراً ما لم يتيقن ورود النجاسة على بدنه أو ثيابه وهذا الأصل يشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم حين شكى إليه الرجل أنه يجد الشيء في صلاته ـ يعني الحدث ـ فقال : " لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً "
فإذا كان الشخص لا يجزم بهذا الأمر فالأصل الطهارة ، وقد يغلب على الظن تلوث الثياب بالنجاسة ولكن ما دام الشخص لم يتيقن فالأصل بقاء الطهارة .
فتاوى ابن عثيمين 11/107
5- والذي لا يجوز للإنسان إذا كانت على ثيابه نجاسة هو الصلاة فقط . حتى ولو كان متطهراً من الحدث أما باقي الأفعال من قراءة القرآن وغيرها فلا تحرم .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
====================
يخرج منه بول يسير بعد الوضوء فهل يعفى عنه
هل يعفى عن سلس البول اليسير ؟ ذلك أني في بعض الأحيان إذا وضعت ملابسي أجد أن شيئاً يسيراً قد خرج مني ، وبدون أن أشعر به. هل يجب علي أن أتفقد ملابسي الداخلية عند كل صلاة ؟ وجزاكم الله خيرا .
الحمد لله
إذا تيقنت من خروج شيء من البول ، فإنه يلزمك إعادة الوضوء وغسل ما أصاب من ثيابك ، وإذا كان موضع البول لا يتبين لك ، فإنك تغسل ما يغلب على الظن أنها أصابته حتى تجزم بزوال النجاسة .
قال في "زاد المستقنع" : " وإن خفي موضع نجاسة غسل حتى يجزم بزواله ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه : " يعني إذا أصابت النجاسة شيئا ، وخفي مكانها ، وجب غسل ما أصابته حتى يتيقن زوالها . واعلم أن ما أصابته النجاسة لا يخلو من أمرين : إما أن يكون ضيقا ، وإما أن يكون واسعا . فإن كان واسعا فإنه يتحرى ، ويغسل ما غلب على ظنه أن النجاسة أصابته ؛ لأن غسل جميع المكان الواسع فيه صعوبة . وإن كان ضيقا فإنه يجب أن يغسل حتى يجزم بزوالها " انتهى من "الشرح الممتع" (1/435).
وبهذا تعلم أنه لا يعفى عن يسير البول .
وينبغي أن تحذر من الوسوسة ، فإنها داء وشر إذا تمكن من الإنسان أدخل عليه الهم ، وأورثه الشك ، وثقّل عليه العبادة ، فاحذر من ذلك .
ولهذا نقول : لا تفتش في ملابسك ، ولا تهتم بهذا الأمر حتى يزول عنك .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا انتهيت من الوضوء واتجهت إلى الصلاة أحس بخروج قطرة من البول من الذكر، فماذا عليَّ ؟
فأجاب : " الذي ينبغي أن يُتلهى عن هذا ويُعرض عنه ، كما أمر بذلك أئمة المسلمين ، ولا يلتفت إليه ، ولا يذهب ينظر في ذكره ، هل خرج أو لا ؟ وهو بإذن الله إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وتركه يزول عنه ، أما إذا تيقن يقيناً مثل الشمس فلابد أن يغسل ما أصابه البول وأن يعيد الوضوء لأن بعض الناس إذا أحس ببرودة على رأس الذكر ، ظن أنه نزل شيء ، فإذا تأكد فكما قلت لك . وهذا الذي تقول ليس فيه سلس ؛ لأن هذا ينقطع، السلس يستمر مع الإنسان ، أما هذا فهو بعد الحركة يخرج نقطة أو نقطتين ، هذا ليس بسلس ؛ لأنه إذا خرجت نقطتان وقف ، فهذا يغسل ويتوضأ مرة ثانية ، وهكذا يفعل دائماً ، وليصبر وليحتسب " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (184/15).
وأما سلس البول فهو خروجه بلا انقطاع في وقت معين ، والمصاب بذلك يلزمه أن يغسل فرجه ، ويعصب عليه ما يمنع انتقال البول إلى بدنه وثوبه ، ويتوضأ بعد الدخول الوقت .
ونرجو مراجعة جواب السؤال رقم (39494) لمعرفة أحكام سلس البول .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب