تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: نصائح وضوابط إصلاحية

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,520

    افتراضي نصائح وضوابط إصلاحية

    نصائح وضوابط إصلاحية (1)



    كتبه/ سامح بسيوني

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فتحقيق العبودية هي الغاية الكبرى التي خلق الله -عز وجل- الخلق من أجلها كما قال -تعالى-: (*وَمَا *خَلَقْتُ *الْجِنَّ *وَالْإِنْسَ *إِلَّا *لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، والعبودية المنشودة التي خلقنا الله من أجلها هي الرسالة الأم التي من أجلها يجب أن يعيش كل مؤمن صادق يسعى في نجاة نفسه وأهله والناس من حوله من عذاب الله، والفوز برضوانه ونعيمه الدائم؛ فرسالة الحياة باختصار هي: "تحقيق العبودية"، هكذا بكل وضوح شرعي، وفهم عقلي، وبذل حركي لذلك.

    هذه الرسالة بشمولها تحتاج في تحقيقها إلى رؤية هادفة يُبنى على أساسها مسار إستراتيجي واضح يتبعه خطوات تنفيذية دافعة لإنجاح هذا المسار.

    هذه الرؤية الهادفة ترتسم معالمها في مواجهة طبائع تلك النفوس البشرية التي وصفها الله -تعالى- في كتابه قائلًا: (*وَمَا *أُبَرِّئُ *نَفْسِي *إِنَّ *النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) (يوسف: 53)، والتي تغرق بطبيعتها في حب الشهوات والبعد عن التزامات العبودية، وإيثار حب الدنيا العاجلة على الآخرة الباقية، كما قال -تعالى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران: 14).

    لذلك تُبنى تلك الرؤية دائمًا عند أصحاب الهمم الصادقة على حمل مشاعل التغيير للنفس أولًا ثم التغيير في باقي دوائر التأثير المحيطة، وذلك بالسعي الدؤوب للعمل على إيجاد الشخصية المسلمة، وبناء الطائفة المؤمنة التي تعمل على تغيير المجتمع لتحقيق العبودية الجماعية المنشودة، أو بمعنى أوضح على رؤية الصلاح والإصلاح؛ فالرؤية ليست قاصرة على إصلاح النفس فقط، بل تتعدى إلى إصلاح الغير أيضا ليكون غالب المجموع محققًا لعبوديته -تعالى-، وهذا يستلزم بذل الجهد والطاقة والعمل ليلًا ونهارًا لإحداث هذا التغيير الإيجابي المنشود؛ لأن القاعدة الثابتة التي قررها الرب -تعالى- هي: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11)، وعلى هذه القاعدة كان مسار الأنبياء والمصلحين عبر الزمان والمكان كما بين الله -تعالى- على لسان نوح -عليه السلام-: (*قَالَ *رَبِّ *إِنِّي *دَعَوْتُ *قَوْمِي *لَيْلًا *وَنَهَارًا . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا. وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا . ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا . ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) (نوح: 5-9).

    وكما وصف الله -سبحانه وتعالى- حال نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- قائلًا: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا) (الكهف: 6)، (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء: 3)، وكما بين الله -تعالى- في كتابه ذلك على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف: 108).

    فجاءت البصيرة التي نوهت إليها الآية لتمثل في جوهرها ذلك المسار الإستراتيجي اللازم للدعاة والمصلحين في أي مكان وزمان، والضروري لتحقيق تلك الرؤية الهادفة التي تخدم الرسالة الأم -أقصد تلك العبودية- التي من أجلها خُلقنا كما أشار لذلك الألوسي -رحمه الله- في تفسيره لتلك الآية حين قال: "وفي الآية إشارة إلى أنه ينبغي للداعي إلى الله -تعالى- أن يكون عارفًا بطريق الإيصال إليه -سبحانه-، عالمًا بما يجب له -تعالى-".

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,520

    افتراضي رد: نصائح وضوابط إصلاحية

    نصائح وضوابط إصلاحية (2)



    كتبه/ سامح بسيوني

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    فيجب الانتباه إلى أن رؤية التغيير ليست مقصودة لذاتها، بل مقصودة لغيرها؛ أعني بذلك أن الرؤية المقصودة الهادفة، هي: تلك الرؤية المبنية على بصيرة أو مسار واضح له مقومات رئيسة تدفع في زيادة تحقيق العبودية في المجتمع بجميع مكوناته لله رب العالمين، وإلا فكل تغيير لا يؤدي إلى ذلك، لا يصح أن يطلق عليه رؤية هادفة.

    كما أنه من البدهي: إدراك أن عدم التحرك على مسار إستراتيجي واضح المعالم يحقق تلك الرؤية الهادفة والرسالة الشاملة، أو عدم وضوح هذا المسار بتفاصيل محاوره الرئيسية ومقوماته اللازمة عند الأفراد والكيانات التي تنشد الإصلاح، يتسبب بلا شك في تبديد الجهود وضياع الأعمار، واضطراب الأحوال، وتنازع الأفراد، والانحراف عن تحقيق الغايات.

    كما أنه من البدهي أيضًا أن نعترف: أن هناك الكثير ممن قد يتفق على الرؤية والرسالة قد يختلفون فيما بينهم في تحديد المسار المناسب طبقًا للأيدولوجيات أو القناعات العقلية، والتي تؤدي إلى التفرق والبعد عن تحقيق الغايات.

    فالنظر للمسار الإصلاحي المناسب ضروري جدًّا لتنفيذ رؤية التغيير الهادف الناجح واللازم لتحقيق رسالة العبودية التي هي الغاية الكبرى للحياة الدنيوية، وهو ما يحتاج منا إلى بسط وبيان للطريقة المناسبة للقيام بالمهمة المنوطة بنا في تحقيق العبودية على أتم صورة، تساعد في إيجاد مجتمع صالح يرضي رب البرية، ويحقق السعادة البشرية.

    ولهذا فسنستعرض معًا -بإذن الله- هنا في هذه الضوابط والتوجيهات الإصلاحية المحاور الآتية:

    - بيان أنواع الأعمال الإصلاحية الموجودة حاليًا على الساحة من حيث طبيعة كل نوع.

    - تعريف العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي المراد لتحقيق الإصلاح المنشود، وأسباب الحاجة إليه (شرعًا وعقلًا) في واقعنا الحالي.

    - الرد على الشبهات التي تُلقى بين حين وآخر في وجه العمل الإصلاحي التعاوني المؤسسي المنشود من أجل تنفير المصلحين منه.

    - مرتكزات وعوامل نجاح أي عمل تعاوني مؤسسي إصلاحي.

    أولًا: أنواع الأعمال الإصلاحية:

    تنقسم الأعمال الإصلاحية الدعوية طبقًا للواقع الحالي إلى ثلاثة أنواع:

    1- عمل إصلاحي فردي.

    2-عمل إصلاحي عبر ما يسمى بالمجموعات الوسيطة.

    3- عمل إصلاحي تعاوني جماعي مؤسسي عبر كيان.

    وللحديث بقية -إن شاء الله-.

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,520

    افتراضي رد: نصائح وضوابط إصلاحية

    نصائح وضوابط إصلاحية (3)






    كتبه/ سامح بسيوني

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

    من أنواع الأعمال الإصلاحية:

    أ*- العمل الإصلاحي الفردي:

    نموذج من نماذج الأعمال الإصلاحية الذي قد يرفع عن صاحبه العذر في دفعه للفساد من حوله، فصاحبه يبذل فيه جهده الذي يتاح له في دائرته الضيقة، والذي يتوقف أثره الناتج على قدرات الشخص الفردية ومدى توفيقه في عمله، ولكن يا للأسف: فإن هذا العمل الإصلاحي الفردي له سلبيات عديدة تجعله ليس هو النموذج الأمثل المطلوب لتحقيق الإصلاح المنشود.

    فمن هذه السلبيات المعروفة والمشاهدة في الواقع الحالي:

    1- سهولة الانقطاع والتوقف؛ فالعمل متوقف على الحالة النفسية أو الصحية أو الحياتية للشخص؛ فيفتر بفتوره ويمرض بمرضه، ويتوقف بسفره أو حتى ينحرف بانحرافه.

    2- تحديد الأولويات الإصلاحية المطلوبة للمجتمع تتوقف على الرؤى الشخصية للفرد، والتي قد تتغافل مصالح الأمة الحقيقية وحاجاتها.

    3- ضعف الأثر الإصلاحي الشمولي للعمل الفردي في المجتمع، حيث يتم الاقتصار على جانب واحد من الجوانب طبقًا لاهتمام القائم على العمل الفردي وإمكاناته.

    4- العمل الفردي بيئة غير مهيئة لاكتشاف الكفاءات المختلفة في المجالات المتنوعة؛ نظرًا للاقتصار على نوع معين من الأعمال والأنشطة عند القائمين على هذا العمل الفردي، والذي يا للأسف ينبني عليه التقييم للأفراد من حيث الكفاءة أو القرب والبعد.

    5- كثرة التنازع بين رؤوس العمل الفردي وأتباعهم والتراشق المستمر بينهم تحت دعوى من أحق بالصدارة بين الناس والإذعان لرأيه وطريقته، مما يتسبب في نفرة الكثيرين من المستهدفين بالإصلاح من هذه النماذج الإصلاحية المتراشقة فيما بينها.

    6- يسهل وقوع التأثير الإيديولوجي أو الانحراف الفكري لصاحب العمل الفردي طبقًا لقوة الضغط عليه من الاتجاهات الفكرية المنحرفة المحيطة به وقدرتهم على استغلال نقاط ضعفه أو فهمهم لمفاتيح شخصيته.

    7- سهولة محاصرة العمل الفردي والتضييق عليه ومنعه.

    ب- العمل الإصلاحي عبر المجموعات الوسيطة:

    المجموعات الوسيطة هي نموذج جديد ما بين العمل الفردي والعمل المؤسسي الشامل أو إن شئنا لقلنا هي فكرة أُوجدت لجذب الأفراد والانتقال بهم من العمل المؤسسي الإصلاحي الشمولي المؤثر إلى العمل الفردي ضعيف التأثير تحت شعار التخصصية عبر مجموعة وسيطة -مع العلم أن البعض ممن يمارس العمل فيها قد يدعي العكس من أنها محاولة للانتقال بالأفراد من الرؤية الفردية إلى المؤسسية، إلا أن النوايا وحدها لا تكفي مع ما ظهر بوضوح واقعيا-؛ ففكرة المجموعات الوسيطة تعتمد على اجتماع مجموعة من أصحاب الفن أو التخصص الواحد أو المتفقين على فكرة ما في مجال ما، معا في تجمع واحد حتى لو اختلفت مشاربهم الفكرية أو رؤيتهم الإصلاحية بغرض خدمة هذا الفن والتخصص أو تحقيق هذه الفكرة الجزئية.

    وهذا النموذج قد ينجذب إليه عدد كبير من الشباب والفتيات تحت دعوى البحث عن التميز والتخصص؛ إلا أن سلبياته كبيرة جدًّا؛ حيث إنه يؤدي إلى:

    1- التعصب للتخصص أو الفكرة الجامعة للمجموعة وتحقير كل المجهودات المبذولة من أي أحد خارج هذا الإطار، بل ومهاجمته وتسفيهه.

    2- التنازع الفردي الذي يحدث بين رموز التخصص الواحد المختلفين فيما بينهم في أمور عدة أخرى والتنافس فيما بينهم على مقدار التأثير فيمن حولهم أو فيمن منهم أحق بالصدارة في هذا التخصص مما يزكي الحالة التنازعية أو التنافسية التراشقية داخل تلك المجموعة الوسيطة مع مرور الزمن مما يسهل هدمها.

    3- الجمع بين رموز تيارات فكرية مختلفة كثيرة جدًّا داخل المجموعة الواحدة مما جمعهم التخصص أو الفكرة الجزئية يؤثر بشدة على تشوش الرؤية الإصلاحية عند الأفراد والشباب المتأثرين برموز هذه المجموعات، حيث إن الإعجاب بالحالة التخصصية يؤدي إلى الانبهار والتأثر ثم المتابعة والموالاة لتلك الرموز باختلاف مشاربهم الفكرية والتي تظهر آثارها بوضوح عند وقوع الفتن والمدلهمات في المجتمع؛ مما يؤدي إلى تحويل المجموعة الوسيطة إلى قنبلة موقوته أفرادها متنازعين فيما بينهم يتبع بعضهم رمز ما برؤيته الفكرية المختلفة، ويتبع آخرين رمز آخر برؤيته الأخرى المتباينة، ومن ثم يؤول الأمر إلى نموذج الفردية لكن بعد فترة من الزمن.

    والجدير بالذكر هنا: أن ننبه على أن فكرة التخصصية هي فكرة رائعة -بلا شك- نافعة للأمة تُسد بها الثغور المطلوبة بلا شك، لكنها لا تحقق غرضها الكامل المراد إلا في إطار من الاصلاح المؤسسي المتكامل المبني على وضوح الرؤية الأيديولوجية الإصلاحية المتفق عليها عند الجميع، بعيدًا عن الفردية.


    وللحديث بقية -إن شاء الله-.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •