بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، أما بعد :
فهذا تفريغ لجواب للشيخ د.سليمان الرحيلي ، عضو هيئة التدريس بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة
بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية ،
أجاب عن سؤال يتعلق بالمنهجية في أصول الفقه وأهميته وحكم تعلم المنطق لفهم الأصول ،
وقد فرَّغته من شريط بعنوان: نفح الطيب في فضائل الحبيب -صلى الله عليه وسلم- شارك فيه الشيخ مع مجموعة من المشايخ ،
وقد ورد هذا السؤال في آخر الندوة ، وفيما يلي نص السؤال والجواب .
السؤال : ما هو المنهج الأسلم في دراسة علم أصول الفقه ، وهل من كان قد قرأ في الورقات تنصحونه بحفظ مراقي السعود ؟
وهل هو نظم مناسب أو أن هناك نظم أنسب منه؟ ، وبما أن أصول الفقه مرتبطة بالمنطق فهل تنصحون بدراسة المنطق تمهيدًا لفهم الأصول ؟
وما هو المناسب في ذلك؟
أفيدونا - أثابكم الله - .
الجواب (قال بعد تعليق على موضوع سابق):
وأما السؤال عن علم أصول الفقه ، فـ "من حرم الأصول حُرم الوصول" ، ولا شك أن أصول الفقه علم ضابط ، يضبط للإنسان فهم الأقوال ، سواء ما يتعلق بالكتاب والسنة ، أو ما يتعلق بفهم كلام السلف ، أو ما يتعلق بفهم كلام الناس ؛ فإن مَن انضبطت له الأصول كان حكمه في الغالب موافقا للمنقول والمعقول ، وأصول الفقه علم شريف بدأ كسائر العلوم ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم - أعني العلوم الشرعية -، واستقر في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعمل به الصحابة ، ولما اختلط اللسان العربي بغيره ، وكثُرَت المناظرات = احتيج إلى تدوينه ، فكان أولَ من ألَّف فيه تأليفا كاملا مستقلا = هو الإمام المطلبي الشافعي محمد بن إدريس ،
ألَّف الرسالة على سنن قيم ،
لكن من أسف أن هذا العلم تلقفه المنحرفون ؛ المنحرفون في علم العقيدة ، والمنحرفون في علم الفقه ، فأخذ هذا يرمي فيه بحجر ، وهذا يرمي فيه بحجر ، حتى كدروا صفوه ، وجعلوه بعيد العبارة ، صعب الإشارة ، فيه كثير من الكلام الذي لا يُفهم ، كأنه تمتمات كاهن أو عزائم ساحر .
وطالب العلم يحتاج أن يفهمه وأن يدرسه دراسة صحيحة ،
والدراسة الصحيحة له ينبغي أن تكون بمقدِّمات :
المقدمة الأولى : إحكام المعتقد وفهم معتقد السلف الصالح - رضوان الله عليهم- ؛ فإن أصول الفقه فيه كثير من المداخل والزلل في هذا الباب .
والمقدمة الثانية : هي بتجريده أولا ، كقراءة كتاب الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله- ، أو نحوه في هذا الباب ، ثم بقراءته على شيخ ، فكل العلوم تحتاج أن تُقرأ على شيخ ؛ لكن علم أصول الفقه يتأكد فيه هذا ؛ لأن علم أصول الفقه فيه كثير من الدخيل الذكي ، الذي يحتاج إلى من ينبه إلى ما فيه .
وطالب العلم إذا قرأ مثلا الورقات - كما جاء في السؤال - الورقات متن مشهور عند الأصوليين ، ولو قرأه طالب العلم على شيخ ينتفع بذلك كثيرا ، ثم الأخ يشير إلى نظم المراقي ، ونظم المراقي نظم في أصول الفقه ، نُظِم فيه جمع الجوامع مع غيره ، وهذ النظم فيه كثير من العبارات المعقدة ، وأنا لا أحبذه ولا أفضله - وإن راج عند الطلاب ترويجًا من بعض مشايخ اصول الفقه - ، وإنما أرى أن طالب العلم إذا قرأ الورقات على شيخ = ينتقل إلى الروضة - روضة الناضر لابن قدامة - ، ثم بعدها ينتقل إلى شرح الكوكب المنير لابن النجار الحنبلي ،
وهذا الكتاب يتميز بميزات :
1- منها أن صاحبه ذو عقيدة صحيحة .
2- ومنها أن الكتاب فيه سعة أصولية ؛ لأن ابن النجار تلميذ البرماوي صاحب الألفية الذي ألف ألفية في أصول الفقه ، قال فيها : سميتها ألفية تقليلا ؛ لأنها ألف وأربع مئة ونيِّف ، ثم شرحها ، البرماوي هو تلميذ الزركشي صاحب البحر المحيط - الموسوعة الأصولية الكبرى في جمع الأقوال من الكتب - ، فابن النجار أخذ من
البرماوي ما أخذه البرماوي من الزركشي من السعة الأصولية مع سلامة معتقده ، فالكتاب نافع جدا ، وأنا أوصي به في المرحلة الثالثة لطالب العلم في دراسة هذا الفن الذي ينبغي على طلاب العلم أن يهتموا به .
هذه إشارة باختصار .
أما دراسة المنطق ، فالمنطق أدخل في أصول الفقه ، وليس من أصول الفقه ، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : إن المنطق يضر البليد -في الحقيقة -، ولا ينفع الذكي .
وما استفاد الأصوليون من إدخال المنطق إلا تكثير العبارة ، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : إنهم ما استقروا على تعريف ، كلما جاء أحدهم بتعريف نقضه الآخر ، لإدخالهم الحدود المنطقية ، والمنطق لا يحتاجه طالب العلم لمعرفة أصول الفقه معرفة صحيحة ، والمنطق يضر ، ولذلك أفتى كثير من أهل العلم بتحريم تعلمه أصلا ، ولا شك أنه من حيث الجملة على الأفراد لا يجوز تعلمه ؛ لأن تعلمه سلسلة تقود إلى ما يسمونه بالمشككات ، والمشككات هو باب إفساد المعتقدات ، ومن أهل العلم من أخذ شيئا من المنطق وسماه بـ (آداب البحث) من المقدمات التي يمكن أن يستفاد منها ؛ لكني أرى أنه ليس لطالب العلم حاجة إلى مثل هذا العلم حتى يفهم أصول الفقه إذا قرأ أصول الفقه على شيخ متمكن ، والله أعلم .
(من شريط : نفح الطيب في فضائل الحبيب - صلى الله عليه وسلم- )