ولي الأمر يحكم مدى الحياة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعدُ: روى البخاري (3455)، ومسلم (1842/44) في «صحيحيهما» من طريق أبي حازم قال: قاعدت أبا هريرة خمس سنين، فسمعته يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وانه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء، فيكثرون». قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فان الله سائلهم عما استرعاهم».بعد ذكره لهذا النظام وان الأمم كانت تقوم على أمرها الأنبياء، ثم أخبر بأنه سيكون آخر الأنبياء، فقال: «كلما هلك نبي خلفه نبي، وانه لا نبي بعدي»، ثم أخبر بعهد الخلفاء ومرحلة كثرتهم وتفرقهم.
وللحديث فوائد: أولا: ان الناس والمجتمعات لا غنى لهم عن من يسوس حياتهم ويديرها، وادارة وتدبير شؤون الحياة هو بالمحافظة على مصالح الدنيا والآخرة.
ثانياً: الولاية والحكم للأصلح، فالأنبياء لا يسوسون الناس إلا بما هو خير، فولي الأمر يكون من الصالحين المصلحين، فهم الأحق، لما يكون على أيديهم من نفع الناس واصلاح أمرهم ثالثاً: الولاية في الرجال، فلم يجعل الله النبوة والرسالة في النساء.وفي قوله: «تسوسهم الأنبياء»، دليل على ان ولاية أمر الناس لا تستقيم الا بالرجال، فلم تساس بني اسرائيل بامرأة، وقال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النساء: 34].ولِما روى البخاري في «صحيحه» (4425، 7099) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: لَمّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ان أهل فارس قد ملّكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة».
«ولي الأمر يحكم مدى الحياة»
رابعاً: الولاية مدى الحياة، وفي ذلك مصالح أعظم مما يسمى بتداول السلطة (الولاية)، وتداول السلطة وأختها المظاهرات هي فرع من حكم الشعب للشعب والتشريع من الشعب فقوله: «كلما هلك نبي خلفه نبي»، أي: ان من ولي أمر المسلمين له الحكم مدى الحياة، ما دام بكامل قواه العقلية، وهذا ثابت بالنص والاجماع، أما النص فيؤخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ساس أصحابه حتى توفاه الله، وقد صح ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنَّتي وسنَّة الخلفاء الراشدين المهديِيِّن، عَضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة»، رواه أبو داود (4607)، والترمذي (2676) في «السنن» من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، وفي رواية صحيحة لأحمد في «المسند«(4/126)، وابن ماجه في «سننه» (43) قال: «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك»، فَقد تولّى الخلافة من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه حتى توفي، وولي الخلافة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى توفي، وولي الخلافة من بعد عمر عثمان بن عفان رضي الله عنه حتى توفي، وولي الخلافة من بعده علي بن أبي طالب رضي الله عنه حتى توفي، والأصل عدم الإحداث والتبديل، لِما روى البخاري (2697) ومسلم (1718) في «صحيحيهما» من حديث عائشةَ رضي اللهُ عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث فِي أَمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد«، وفي رواية لِمسلم في «صحيحه»(1718): «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد». فكيف نغير ونبدل في أمور تفرق شَمل الأمة؟!
تداول السلطة تنازل وطمس لِهُوية الأمة
ان بعض الشعوب ترى ان الشعب هو الحاكم والرئيس وولي الأمر، فهيهات ان يعتقد الرئيس والملك والخليفة والأمير ان له حق السمع والطاعة، (وهذا سبب الفوضى والفتن) وأنه قد أصبح ولي أمر على دولته، ولذا تولّد عن هذه النظرية، شهوة الزعامة والمنصب، وصار الناس في سباق على الرئاسة، لأن أفراد الشعب أهموا بعد الثورة الفرنسية ان لهم حقاً في الحكم، وما عليه الا انتظار فرصته، ومن ثم ذهبوا الى جعل زمن الولاية محدوداً، وكلما قصرت مدة الحكم، صار الأمر أقرب الى المثالية في نظر الشعبيين، لأنها تُمَكّن أكثر عدد من الشعب في ان يكون سلطاناً ورئيساً، فالشعبيون يقدمون المصلحة الخاصة على المصلحة العامة.
ولك أيها القارئ الكريم تفسير ما يحدث من أبناء المسلمين، فان ما نسمع وما يثار من بعض الناس، ما هو الا نتيجة حتمية لوقوع أبناء الأمة تحت تأثير السموم المرئية والمسموعة، والغشاوة التي حجبت نظر المعجبين بهوية مشوهة لمجتمعات غربية مريضة، وان ما حدث من دلائل النبوة، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ونبّه على تَأثُّرِ بعض أمته بتقاليد الغرب، فلنا رواية البخاري (3456، 7320)، ومسلم (2669/2) في «صحيحيهما» من حديث أبي سعيد الخدري رضي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سَنَنَ الذين من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله آليهود والنصارى؟ قال: «فمن»؟ وكذلك لا نُخفي أثر الجهل بهوية هذه الأمة، وعدم معرفة الشعار الذي مَيّزها عن غيرها من الأمم، وجعل الشرق والغرب يحسدها ويتمنى يوم زوال قوتها وطمس هويتها قوله: «وانه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء، فيكثرون»: هذا إخبار بأنه لا نبي بعده، وأنه خاتم النبيين قال تعالى:{وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}[الأحزاب: 40]، ولن يكون الحال كبني إسرائيل، «كلما هلك نبي خلفه نبي»، ولكن «وسيكون خلفاء»، فخلفه أصحابه من بعده، وغيرهم من بعدهم.
الوفاء شعبة من الايمان، كلما هلك خليفة فالبيعة لمن خَلَفه
قوله: «وسيكون خلفاء، فيكثرون»، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم»، أي: ان الوفاء ببيعة الخلفاء والأمراء والملوك من الشرع، ويقدم الأول ثم الذي يليه، كلما هلك خليفة فالبيعة لمن خَلَفه، ولا يُلتفت لمن طلب بيعة يشق بها صف المسلمين، وكذلك الوفاء بالعهود والعقود، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: 1]، وقال: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ان الْعَهْدَ كَانَ مسؤولا}[الاسراء:34].
خامساً: ان الانسان مجموعة من الأقوال والأفعال، منها ما هو توقيفي لا يفعله الا وفق الكتاب والسنة، ومنها ما هو متعلق بالمصالح والمفاسد، فحيث ترجحت المصلحة، يكون العمل مطلوباً، واذا ترجحت المفسدة فالعمل داخل في النهي، ومن السياسة الشرعية منعه، ومن المعلوم ان أفعال المكلفين. اما واجبة أو محرمة أو مستحبة أو مكروهة أو مباحة، وولاة الأمر يسوسون الناس وفق الأحكام الخمسة سالفة الذكر، فتصرفات العبد كلها تُساس بالولاة وبالحكم بلا تفريق بين دين ودولة، ومسمى الدولة الدينية مركب إضافي مُحْدَثٌ، وهو من المصطلحات التي خرجت بعد الثورة الفرنسية والخروج على الكنيسة، والاسلام براء من ذلك، وانما يوصف الاسلام بذلك تنفيرا، والذي جاء في الشرع خلافة على منهاج النبوة، والحمد لله رب العالمين.
د.عبدالعزيز بن ندى العتيبي
جريدة الوطن الكويتية
27-3-2011
الموضوع نقلة الأخ خالد آل كاملة