عندما أسدل الليل ستاره كنت كعادتي أتململ في سريري ..يا إلهي لقد عاودني الأرق ..
أخذني التفكير بعيداً ..
في كل شيء.. في حالي ..
في أمنيَّاتي التي كنت أحلم بها في بداية هذا العام ..
يا الله .. كانت كثيرة ..
تذكرت أحوال أمتي ..
وتذكرت أحوالي مع الله .. تذكرت وتذكرت .. فزعتُ من مكاني وقد شدني صوتٌ من أعماقي ..
لقد مضى عام ...
أسرعت إلى المرآة أنظر إلى ملامح وجهي .. هل تغيرتْ ؟
لقد كبرتُ عاماً كاملاً
أبدو شاحبة .. نعم لقد فات موعد نومي
لا بد أني مرهقة ..
لملمت ذكرياتي وقد تبعثرت في أرجاء غرفتي ..
هُرعت إلى الشرفة ..
وكأن روحي قد أبحرتْ مغادرة ميناء قلبي .. وأخذتْ تحلِّق في سماء هذا الليل الذي ما أراه يزداد إلا سواداً ..
وأخذت أطير مع روحي على أرجوحة ذكرى ذلك العام المنصرم ..
ولكنها ليلة غير مقمرة , نعم لماذا هي متسربلة بهذا السواد الكئيب؟!! ..
وتبدو أكثر ظلاماً .. حتى من غيرها ..
شعرت بخوف ..
تسارعت نبضاتُ قلبي حتى شعرت بها وكأنها تخفق في أذني
بل كاد أن يغص بها حلقي!! ..
وسَرَتْ برودةٌ عجيبةٌ في أطرافي ..
أول مرة أتعجل مجيء الصباح إلى هذا الحد..
تساءلتُ وأنا أرتجف .. أهي بداية عامٍ جديد .. أم نهاية عامٍ ماضٍ ؟؟
عام كامل من حياتي سُجِّل فيه علي كل ما فعلت، ما أذكر وما نسيت وهو أكثر ...وكنت في هذا العام مراقَبة في كل ما فعلت ..ولن يعود أبداً ..
وبدأ حديث قلبي:
لقد مر عامكِ كله ..ماذا عملتِ فيه ؟؟ كنتِ منصرفة لشؤونك الخاصة ..
أخذتْ الصور تتوالى على عقلي تباعاً.. بعضها نقش في قلبي وأصبح ذكرى جميلة وأكثرها كانت أليمة فيما استمر حديث قلبي ..
كل كلمة قلتِها في عامكِ محسوبة عليك وقد قيَّدها السفرة الكرام البررة ..
نعم ترى كم كلمة قلتِها في عامك هذا المنصرم ؟؟ ترى ماذا تعلمتِ ؟ .. ماذا حفظتِ من كتاب الله ؟ .. كم من الناس اغتبتِ..؟؟ كم من مرة نمتِ فيها عن صلاة الفجر ؟؟
شعرت بخوف وهول يسيطر عليّ فلا أجد محيصًا ولا مهربًا.. أنا لا أكاد أذكر شيئاً فقد .. فقد كنت مشغولة .. وأحياناً تعبة ..
وربما .. مغلوب على أمري.. لا أدري ..
وهذا عام كامل أنَّى لي أن أتذكر أحداثه ؟؟ ...
ولكن .. لحظة ..
أكان حقّاً عاماً ؟؟!!
أكان عاماً كاملاً ؟؟
لعلي أخطأت الحساب .. بل لعلي متوهمة !!
لقد مضى سريعاً .. كنت أنوي أن أفعل وأفعل ..
أهناك من سرقه مني ؟؟
يا الله من لي سواك ..
مالك أيها القلب.. دعني أنام وغداً.. غداً .. نكمل .. لابد أن أنام ..!!
استمر قلبي ..
نعم كان عاماً كاملاً .. فيه ما يزيد على خمسين جمعة.. في كل واحدة ساعة استجابة وكان فيه شهر الخير رمضان.. فيه ليلة القدر خير من ألف شهر.. أتراكِ فزتِ بها ؟؟ وعاشوراء، وعشر ذي الحجة.. وغيرها كثير من سائر الأيام الفضيلة التي كانت فرصاً سانحة .. ويا لخسارة من ضيَّعها ..
ألا تذكرين ذلك كلَّه ؟؟
على كل حال .. ذكرتِ أم نسيتِ ..
كما مر عامكِ ستمر حياتكِ كلها، ولكن حينها لا ينفع الندم ولا المحاسبة ..
انظري كم من أناس كانوا معكِ في العام الماضي يمشون على الأرض بصحة وعافية فأخذهم الموت على غرَّة من غير سابق إنذار .. وقد منَّ الله عليكِ بأن أبقاكِ لهذه اللحظة لتتوبي وتستغفري وتبدئي مع إطلالته صفحة جديدة مشرقة من حياتكِ ..
نعم .. مات فلان .. وفلانة ماتت على المعاصي .. حزنتِ عليها
ومات الشيخ فلان ..
مات عمّي على حين غِرة, بعد أن وعدته بلقاء بعد أكثر من عشر سنوات من فِراق كُتب علينا.. لكن.. حيل دونه!
كُفَّ يا قلبي فقد تعبت ..
أجاب : راحتَكِ أريد ..
اسمعي هذا الكلام من خير البرية صلى الله عليه وسلم : " نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس .. الصحَّة والفَراغ ".
هيا توبي إلى الله توبة نصوح، وجدِّدي العهد، وابدئي عامكِ بتوبة خالصة، فباب الرب مفتوح يستقبل التوَّابين.. وهو سبحانه أفرح بتوبة عبده من العبد الذي وجد راحلته بعد أن أضاعها في الصحراء ..
والله تعالى يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ..
اندفعت من عيني دمعاتٌ ساخنة معلنة توبة صادقة إلى الله بعد أن أيقنت أن العام قد .. مضى .. مضى بلا عودة ..
حينها أنقشعتْ آخر سحب الظلام وانبلجتْ أول خيوط الفجر إيذانًا ببدء يوم جديد ..