تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234
النتائج 61 إلى 72 من 72

الموضوع: وقفات إيمانية مع آيات قرآنية

  1. #61
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي




    قال الله تعالى : ( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) الزمر / 73
    وقال في صفة النار ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا ) الزمر / 71



    قال ابن القيم/حادي الأرواح:


    .....بقي أن يقال : فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة و ذكره في آية أهل النار؟


    فيقال : هذا أبلغ في الموضعين فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفاجئهم العذاب بغتة , فحين انتهوا إليها فتحت أبوابها مغلقة حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم فيفاجئهم العذاب بغتة , فحين انتهوا إليها فتحت أبوابها بلا مهلة فإن هذا شأن الجزاء المرتب على الشرط أن يكون عقيبة فإنها دار الإهانة والخزي فلم يستأذن لهم في دخولها ويطلب إلى خزنتها أن يمكنوهم من الدخول


    وأما الجنة فإنها دار الله ودار كرامته ومحل خواصه وأوليائه , فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيرغبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله وكلهم يتأخر عن ذلك حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول أنا لها
    فيأتي إلى تحت العرش ويخر ساجداً لربه فيدعه ما شاء أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه وأن يسأل حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها فيشفعه ويفتحها تعظيماً لخطرها , وإظهاراً لمنزلة رسوله وكرامته عليه , وإن مثل هذا الدار التي هي دارُ ملك الملوك ورب العالمين إنما يدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها , و ما ركبه من الأطباق طبقاْ بعد طبق و قاساه من الشدائد شدة بعد شدة حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبيائه ورسوله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم , وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور مما يقدر بخلاف ذلك لئلا يتوهم الجاهل أنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء
    فجنة الله عالية غالية بين الناس , وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار ما لا تنال إلا به , فما لمن أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ولهذه الدار ؟
    فليبعد عنها إلى ما هو أولى به , وقد خلق له وهيئ له .
    وتأمل ما في سوق الفريقين إلى الدارين زمراً من فرحة هؤلاء بإخوانهم وسيرهم معهم كل زمرة على حدة , مشتركين في عمل متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم مستبشرين أقوياء القلوب كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على خير , كذلك يؤنس بعضهم بعضاً ويفرح بعضهم ببعض


    وكذلك اصحاب الدار الأخرى يساقون إليها زمراً يلعن بعضهم بعضاً ويتأذى بعضهم ببعض وذلك أبلغ في الخزي والفضيحة و الهتيكة من أن يساقوا واحداً فلا تهمل تدبر قوله : ( زُمَرًا ) .
    وقال خزنة أهل الجنة لأهلها ( سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ) فبدأوهم بالسلام المتضمن للسلامة من كل شر ومكروه أي سلمتهم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون , ثم قالوا لهم : ( طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ ) الزمر : 73 , أي سلامتكم ودخولها بطيبكم فإن الله حرمها إلا على الطيبين , فبشروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود .
    وأما أهل النار فإنهم لما انتهوا إليها على تلك الحال من الهم والغم والحزن وفتحت لهم أبوابها وقفوا عليها وزيدوا على ما هم عليه توبيخ خزنتها وتبكيتهم لهم بقولهم :
    ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُ مْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا ) الزمر : 71


    فاعترفوا وقالوا : (( بلى )) فبشروهم بدخولها و الخلود فيها وأنها بئس المثوى لهم .


    وتأمل قول خزنة الجنة لأهلها (( ادخلوها ))
    وقول خزنة النار لأهلها (( ادخلوا أبواب جهنم )) , تجد تحته سرا لطيفاً ومعنى بديعاً لا يخفى على المتأمل وهو أنها لما كانت دار العقوبة وأبوابها أفظع شيء و أشده حراً وأعظمه غماً يستقبل فيها الداخل من العذاب ما هو أشد منها ويدنو من الغم و الخزي والحزن والكرب بدخول الأبواب فقيل ادخلوا أبوابها صغاراً لهم وإذلالاً وخزياً , ثم قيل لهم لا يقتصر بكم على مجرد دخول الأبواب الفظيعة ولكن وراءها الخلود في النار


    و أما الجنة فهي دار الكرامة والمنزل الذي أعده الله لأوليائه فبشروا من أول وهلة بالدخول إلى المقاعد و المنازل والخلود فيها .


    وتأمل قوله سبحانه : ( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ . مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ ) كيف تجد تحته معنى بديعاً وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تغلق أبوابها عليهم بل تبقى مفتحة كما هي ,


    وأما النار فإذا دخلها أهلها أغلقت عليهم أبوابها كما قال تعالى : ( إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ ) الهمزة : 8


    أي مطبقة مغلقة ومنه سمي الباب وصيداً وهي ( مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ ) الهمزة : 8 , 9
    قد جعلت العمد ممسكة للأبواب من خلفها كالحجر العظيم الذي يجعل خلف الباب . قال مقاتل : يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها روح آخر الأبد.


    وأيضاً فإن في تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرفهم وذهابهم وإيابهم وتبوئهم في الجنة حيث شاؤوا ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف و الألطاف من ربهم ودخول ما يسرهم عليهم كل وقت ,


    وأيضاً إشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب كما كانوا يحتاجون إلى ذلك في الدنيا .
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  2. #62
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي




    هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)/الزخرف


    يَقُولُ تَعَالَى: هَلْ يَنْتَظِرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الْمُكَذِّبُونَ لِلرُّسُلِ {إِلا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} ؟
    أَيْ: فَإِنَّهَا كَائِنَةٌ لَا مَحَالَةَ وَوَاقِعَةٌ، وَهَؤُلَاءِ غَافِلُونَ عَنْهَا غَيْرُ مُسْتَعِدِّينَ لَهَا فَإِذَا جَاءَتْ إِنَّمَا تَجِيءُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِهَا، فَحِينَئِذٍ يَنْدَمُونَ كُلَّ النَّدَمِ، حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ.


    وَقَوْلُهُ: {الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ}
    أَيْ: كُلُّ صَدَاقَةٍ وَصَحَابَةٍ لِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّهَا تَنْقَلِبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَدَاوَةً إِلَّا مَا كَانَ لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنَّهُ دَائِمٌ بِدَوَامِهِ. وَهَذَا كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِقَوْمِهِ: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [الْعَنْكَبُوتِ:2 5] .




    تفسير القرآن العظيم/ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)


    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  3. #63
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي


    فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُه ُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45)/ القلم


    {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ. وَهَذَا تَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، أَيْ: دَعْنِي وَإِيَّاهُ مِنِّي وَمِنْهُ، أَنَا أَعْلَمُ بِهِ كَيْفَ أَسْتَدْرِجُهُ، وَأَمُدُّهُ فِي غَيِّهِ وَأَنظره ثُمَّ آخُذُهُ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ؛
    وَلِهَذَا قَالَ:
    {سَنَسْتَدْرِجُ ُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} أَيْ: وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، بَلْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ كَرَامَةٌ، وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إِهَانَةٌ، كَمَا قَالَ: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 55، 56] ، وَقَالَ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44] .


    ولهذا قال هاهنا: {وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أَيْ: وَأُؤَخِّرُهُمْ وَأُنْظِرُهُمْ وَأَمُدُّهُمْ وَذَلِكَ مِنْ كَيْدِي وَمَكْرِي بِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} أَيْ: عَظِيمٌ لِمَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَكَذَّبَ رُسُلِي، وَاجْتَرَأَ عَلَى مَعْصِيَتِي.
    وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ليُمْلي لِلظَّالِمِ، حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْه". ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هُودٍ: 102]
    تفسير القرآن العظيم/أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)
    ============================


    قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَذَرْنِي) أَيْ دَعْنِي. (وَمَنْ يُكَذِّبُ) مَنْ مَفْعُولٍ مَعَهُ أَوْ مَعْطُوفٍ عَلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ.


    (بِهذَا الْحَدِيثِ) يَعْنِي الْقُرْآنَ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَقِيلَ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَهَذَا تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَيْ فَأَنَا أُجَازِيهِمْ وأنتقم منهم.


    ثم قال (سَنَسْتَدْرِجُ ُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) مَعْنَاهُ سَنَأْخُذُهُمْ عَلَى غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ، فَعُذِّبُوا يَوْمَ بَدْرٍ.
    وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: نُسْبِغُ عَلَيْهِمُ النِّعَمَ وَنُنْسِيهِمُ الشُّكْرَ.
    وَقَالَ الْحَسَنُ: كَمْ مُسْتَدْرَجٌ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَكَمْ مَفْتُونٌ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَكَمْ مَغْرُورٌ بِالسِّتْرِ عَلَيْهِ.
    وَقَالَ أَبُو رَوْقٍ: أَيْ كُلَّمَا أَحْدَثُوا خَطِيئَةً جَدَّدْنَا لَهُمْ نِعْمَةً وَأَنْسَيْنَاهُ مُ الِاسْتِغْفَارَ .
    وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: سَنَمْكُرُ بِهِمْ.
    وَقِيلَ: هُوَ أَنْ نَأْخُذَهُمْ قَلِيلًا وَلَا نُبَاغِتَهُمْ.
    وَفِي حَدِيثٍ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ يَا رب كم أعصيك وَأَنْتَ لَا تُعَاقِبُنِي- قَالَ- فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيِّ زَمَانِهِمْ أَنْ قُلْ لَهُ كَمْ مِنْ عُقُوبَةٍ لِي عَلَيْكَ وَأَنْتَ لَا تَشْعُرُ. إِنَّ جُمُودَ عَيْنَيْكَ وَقَسَاوَةَ قَلْبِكَ اسْتِدْرَاجٌ مِنِّي وَعُقُوبَةٌ لَوْ عَقَلْتَ .


    وَالِاسْتِدْرَا جُ: تَرْكُ الْمُعَاجَلَةِ. وَأَصْلُهُ النَّقْلُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ كَالتَّدَرُّجِ. وَمِنْهُ قِيلَ دَرَجَةٌ، وَهِيَ مَنْزِلَةٌ بَعْدَ مَنْزِلَةٍ. وَاسْتَدْرَجَ فُلَانٌ فُلَانًا، أَيِ اسْتَخْرَجَ مَا عِنْدَهُ قَلِيلًا.
    وَيُقَالُ: دَرَجَهُ إِلَى كَذَا وَاسْتَدْرَجَهُ بِمَعْنًى، أَيْ أَدْنَاهُ مِنْهُ عَلَى التَّدْرِيجِ فَتَدَرَّجَ هُوَ.


    (وَأُمْلِي لَهُمْ) أَيْ أُمْهِلُهُمْ وَأُطِيلُ لَهُمُ الْمُدَّةَ. وَالْمُلَاوَةُ: الْمُدَّةُ مِنَ الدَّهْرِ.
    وَأَمْلَى اللَّهُ لَهُ أَيْ أَطَالَ لَهُ. وَالْمَلَوَانِ: اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. وَقِيلَ: وَأُمْلِي لَهُمْ أَيْ لَا أُعَاجِلُهُمْ بِالْمَوْتِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ.
    (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) أَيْ إِنَّ عَذَابِي لَقَوِيٌّ شَدِيدٌ فَلَا يفوتني أحد.


    الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي/أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي


    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  4. #64
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي




    وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) طه


    {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} أَيْ: خَالَفَ أَمْرِي، وَمَا أَنْزَلْتُهُ عَلَى رَسُولِي، أَعْرَضَ عَنْهُ وَتَنَاسَاهُ وَأَخَذَ مِنْ غَيْرِهِ هُدَاهُ


    {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} أَيْ: فِي الدُّنْيَا، فَلَا طُمَأْنِينَةَ لَهُ، وَلَا انْشِرَاحَ لِصَدْرِهِ، بَلْ صَدْرُهُ ضَيِّقٌ حَرَج لِضَلَالِهِ، وَإِنْ تَنَعَّم ظَاهِرُهُ، وَلَبِسَ مَا شَاءَ وَأَكَلَ مَا شَاءَ، وَسَكَنَ حَيْثُ شَاءَ، فَإِنَّ قلبه مَا لَمْ يَخْلُصْ إِلَى الْيَقِينِ وَالْهُدَى، فَهُوَ فِي قَلَقٍ وَحَيْرَةٍ وَشَكٍّ، فَلَا يَزَالُ فِي رِيبَةٍ يَتَرَدَّدُ. فَهَذَا مِنْ ضَنْكِ الْمَعِيشَةِ.


    قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: الشَّقَاءُ.


    وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: كُلُّ مَالٍ أَعْطَيْتُهُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، لَا يَتَّقِينِي فِيهِ، فَلَا خَيْرَ فِيهِ، وَهُوَ الضَّنْكُ فِي الْمَعِيشَةِ.


    وَيُقَالُ: إِنْ قَوْمًا ضُلالا أَعْرَضُوا عَنِ الْحَقِّ، وَكَانُوا فِي سَعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا مُتَكَبِّرِينَ، فَكَانَتْ مَعِيشَتُهُمْ ضَنْكًا؛ ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ مُخَلِّفًا لَهُمْ مَعَايِشَهُمْ، مِنْ سُوءِ ظَنِّهِمْ بِاللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ،
    فَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ يُكَذِّبُ بِاللَّهِ، وَيُسِيءُ الظَّنَّ بِهِ وَالثِّقَةَ بِهِ اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ مَعِيشَتُهُ، فَذَلِكَ الضَّنْكُ.




    وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الْعَمَلُ السَّيِّئُ، وَالرِّزْقُ الْخَبِيثُ، وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ.


    وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ: {مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: يُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ، حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ فِيهِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ يُكَنَّى أَبَا سَلَمَةَ.




    وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعة، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن لَهِيعَةَ، عَنْ دَرَّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: "ضَمَّةُ الْقَبْرِ" الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ.




    .
    وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} قَالَ: "عَذَابُ الْقَبْرِ". إِسْنَادٌ جَيِّدٌ


    وَقَوْلُهُ: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} قَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالسُّدِّيُّ: لَا حُجَّةَ لَهُ.
    وَقَالَ عِكْرِمَةُ: عُمِّي عَلَيْهِ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا جَهَنَّمَ.




    تفسير القرآن العظيم/أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)


    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  5. #65
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي






    وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) / آل عمران




    أخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الزِّيبَقِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَمْرٍو وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ الْجُمَحِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالُوا: " أَرْسَلَ عُمَرُ بْنُ هُبَيْرَةَ، وَهُوَ عَلَى الْعِرَاقِ، إِلَى فُقَهَاءَ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ وَفُقَهَاءَ مِنْ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ وَكَانَ مِمَّنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ الْحَسَنُ وَمِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ الشَّعْبِيُّ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ يَكْتُبُ إِلَيَّ فِي أُمُورٍ أَعْمَلُ بِهَا فَمَا تَرَيَانِ؟


    قَالَ: فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ أَنْتَ مَأْمُورٌ وَالتَّبِعَةُ عَلَى مَنْ أَمَرَكَ


    فَأَقْبَلَ عَلَى الْحَسَنِ فَقَالَ: مَا تَقُولُ قَدْ قَالَ هَذَا قُلْ أَنْتَ. ؟


    قَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ فَكَأَنَّكَ بِمَلَكٍ قَدْ أَتَاكَ فَاسْتَنْزَلَكَ عَنْ سَرِيرِكَ هَذَا، وَأَخْرَجَكَ مِنْ سَعَةِ قَصْرِكَ إِلَى ضِيقِ قَبْرِكَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْجِيكَ مِنْ يَزِيدَ وَإِنَّ يَزِيدَ لَا يُنْجِيَكَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِيَّاكَ أَنْ تَعْرِضَ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْمَعَاصِي فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ.
    ثُمَّ قَامَ فَتَبِعَهُ الْآذِنُ فَقَالَ: أَيُّهَا الشَّيْخُ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا اسْتَقْبَلْتَ بِهِ الْأَمِيرَ؟


    قَالَ: حَمَلَنِي عَلَيْهِ مَا أَخَذَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعُلَمَاءِ فِي عِلْمِهِمْ ثُمَّ تَلَا
    {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّه ُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران: 187] "


    قَالَ: فَأَخْرَجَ أُعْطِيَاتِهِمْ ، وَفَضَّلَ الْحَسَنَ




    قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ فَمَنْ لَنَا الْيَوْمَ بِمِثْلِ الْحَسَنِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِخْلَاصِ نَصِيحَتِهِ وَبَلِيغِ مَوْعِظَتِهِ وَلَوْ صَلَحَتْ مِنَّا الضَّمَائِرُ وَصَفَتِ السَّرَائِرُ لَوَقَعَتِ النَّصِيحَةُ مَوْقِعَهَا وَاللَّهُ يُصْلِحُنَا وَيُصْلِحُ أَئِمَّتَنَا فَإِنَّ فَسَادَهُمْ بِذُنُوبِنَا.


    قَالَ أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ:


    بِذُنُوبِنَا دَامَتْ بَلِيَّتُنَا ... وَاللَّهُ يَكْشِفُهَا إِذَا تُبْنَا


    العزلة/أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي (المتوفى: 388هـ)




    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  6. #66
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي

    وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)/ الانعام


    قَالَ الْعُتْبِيُّ : " كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ


    {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38]


    وَقَالَ: مَا فِي الْأَرْضِ آدَمَيٌّ إِلَّا وَفِيهِ شَبَهٌ مِنْ شَبَهِ الْبَهَائِمِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَهْتَصِرُ اهْتِصَارَ الْأَسَدِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْدُو عَدْوَ الذِّئْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْبَحُ نُبَاحَ الْكَلْبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَطَوَّسُ كَفِعْلِ الطَّاوُسِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُشْبِهُ الْخَنَازِيرَ الَّتِي لَوْ أُلْقِيَ لَهَا الطَّعَامُ الطَّيِّبُ عَافَتْهُ فَإِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ رَجِيعِهِ، وَلَغَتْ فِيهِ فَكَذَلِكَ تَجِدُ مِنَ الْآدَمَيِّينَ مَنْ لَوْ سَمِعَ خَمْسِينَ حِكْمَةً لَمْ يَحْفَظْ وَاحِدَةً مِنْهَا وَإِنْ أَخْطَأَ رَجُلٌ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ حَكَى خَطَأَ غَيْرِهِ تَرَوَّاهُ وَحَفِظَهُ "


    قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ مَا أَحْسَنَ مَا تَأَوَّلَ أَبُو مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ وَاسْتَنْبَطَ مِنْهَا هَذِهِ الْحِكْمَةَ وَذَلِكَ أَنَّ الْكَلَامَ إِذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ مُطَاوِعًا لِظَاهِرِهِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى بَاطِنِهِ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ وُجُودِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ كُلِّ دَابَّةٍ وَطَائِرٍ وَكَانَ ذَلِكَ مُمْتَنِعًا مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ وَعَدَمًا مِنْ جِهَةِ النُّطْقِ وَالْمَعْرِفَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا إِلَى الْمُمَاثَلَةِ فِي الطِّبَاعِ وَالْأَخْلَاقِ.


    وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَاعْلَمْ يَا أَخِي أَنَّكَ إِنَّمَا تُعَاشِرُ الْبَهَائِمَ وَالسِّبَاعَ فَلْيَكُنْ حَذَرُكَ مِنْهُمْ وَمُبَاعَدَتُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى حَسْبِ ذَلِكَ وَمِصْدَاقُ قَوْلِ سُفْيَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حِينَ يَقُولُ فِي تَمْثِيلِ مَنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ بِالْكَلْبِ فَقَالَ عَزَّ وَعَلَا:
    {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف: 176]


    وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة: 5]


    وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179]


    فَجَعَلَهُمْ أَسْوَأَ حَالًا مِنْهَا وَأَبْعَدَ مَذْهَبًا فِي الضَّلَالِ حَتَّى قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ فَلَمْ يُذْعِنُوا لَهَا. وَلِأَجْلِ ذَلِكَ رَأَى الْحُكَمَاءُ أَنَّ السَّلَامَةَ مِنْ آفَاتِ السِّبَاعِ الضَّارِيَةِ أَمْكَنُ وَالْخَلَاصَ مِنْهَا أَسْهَلُ مِنَ السَّلَامَةِ مِنْ شَرِّ النَّاسِ




    قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يُنْشِدُ:


    لَيْتَ الْكِلَابَ لَنَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً ... وَأَنَّنَا لَا نَرَى مِمَّنْ نَرَى أَحَدَا
    إِنَّ الْكِلَابَ لَتَهْدَا فِي مَوَاطِنِهَا ... وَالنَّاسُ لَيْسَ بِهَادٍ شَرُّهُمْ أَبَدَا
    فَاحْفَلْ لِنَفْسِكَ فِي تَفْرِيدِهَا أَبَدًا ... تَعِشْ حَمِيدًا إِذَا مَا كُنْتَ مُنْفَرِدَا"


    وَفِي نَحْوِ هَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَهُوَ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ:




    شَرُّ السِّبَاعِ الضَّوَارِي دُونَهُ وِزْرٌ ... وَالنَّاسُ شَرُّهُمْ مَا دُونَهُ وِزْرُ
    كَمْ مَعْشَرٍ سَلِمُوا لَمْ يُؤْذِهِمْ سَبْعٌ ... وَمَا نَرَى بَشَرًا لَمْ يُؤْذِهِ بَشَرُ


    ثُمَّ وَرُوِّينَا عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا أَشْبَهَ هَذَا الزَّمَانَ إِلَّا بِمَا قَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا:




    عَوَى الذِّئْبُ فَاسْتَأْنَسْتُ بِالذِّئْبِ إِذْ عَوَى ... وَصَوَّتَ إِنْسَانٌ فَكِدْتُ أَطِيرُ


    العزلة/أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي المعروف بالخطابي (المتوفى: 388هـ)
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  7. #67
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي




    {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)/عبس


    قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (الصَّاخَّةُ) اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، عَظَّمَهُ اللَّهُ، وحَذّره عِبَادَهُ.
    قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لَعَلَّهُ اسْمٌ لِلنَّفْخَةِ فِي الصُّورِ.
    وَقَالَ البَغَويّ: (الصَّاخَّةُ) يَعْنِي صَيْحَةَ الْقِيَامَةِ؛ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَصُخّ الْأَسْمَاعَ، أَيْ: تُبَالِغُ فِي إِسْمَاعِهَا حَتَّى تَكَادَ تُصمّها .
    (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) أَيْ: يَرَاهُمْ، وَيَفِرُّ مِنْهُمْ، وَيَبْتَعِدُ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْهَوْلَ عَظِيمٌ، وَالْخَطْبَ جَلِيلٌ.


    قَالَ عِكْرِمَةُ: يَلْقَى الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ فَيَقُولُ لَهَا: يَا هَذِهِ، أَيُّ بَعْلٍ كنتُ لَكِ؟
    فَتَقُولُ: نِعْمَ الْبَعْلُ كنتَ! وَتُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَتْ، فَيَقُولُ لَهَا: فَإِنِّي أطلبُ إِلَيْكِ اليومَ حَسَنَةً وَاحِدَةً تَهَبِينَهَا لِي لَعَلِّي أَنْجُو مِمَّا تَرَيْنَ.
    فَتَقُولُ لَهُ: مَا أَيْسَرَ مَا طلبتَ، وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا أَتَخَوَّفُ مِثْلَ الَّذِي تَخَافُ.


    قَالَ: وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَلْقَى ابْنَهُ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ فَيَقُولُ: يَا بُنَيَّ، أَيُّ وَالِدٍ كنتُ لَكَ؟
    فَيُثْنِي بِخَيْرٍ. فيقولُ لَهُ: يَا بُنَيَّ، إِنِّي احْتَجْتُ إِلَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ حَسَنَاتِكَ لَعَلِّي أَنْجُو بِهَا مِمَّا تَرَى.
    فَيَقُولُ وَلَدُهُ: يَا أَبَتِ، مَا أَيْسَرَ مَا طَلَبْتَ، وَلَكِنِّي أَتَخَوَّفُ مِثْلَ الَّذِي تَتَخَوَّفُ، فَلَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أُعْطِيَكَ شَيْئًا.
    يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ)


    وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ-فِي أَمْرِ الشَّفَاعَةِ-: أَنَّهُ إِذَا طُلِبَ إِلَى كُلٍّ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ أَنْ يَشْفَعَ عِنْدَ اللَّهِ فِي الْخَلَائِقِ، يَقُولُ: نَفْسِي نَفْسِي، لَا أَسْأَلُهُ اليومَ إِلَّا نَفْسِي، حَتَّى إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ يَقُولُ:
    لَا أَسْأَلُهُ الْيَوْمَ إِلَّا نَفْسِي، لَا أَسْأَلُهُ مَرْيَمَ الَّتِي وَلَدَتْنِي.
    وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) .


    قَالَ قَتَادَةُ: الْأَحَبُّ فالأحبَ، وَالْأَقْرَبُ فالأقربَ، مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ.


    وَقَوْلُهُ: (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أَيْ: هُوَ فِي شُغُل شَاغِلٍ عَنْ غَيْرِهِ.


    عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً مُشَاةً غُرلا " قَالَ: فَقَالَتْ زوجته: يا رسول الله، أوَ يرى بَعْضُنَا عَوْرَةَ بَعْضٍ؟
    قَالَ: " (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) أَوْ قَالَ: "مَا أَشْغَلَهُ عَنِ النَّظَرِ".


    عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تُحشَرون حُفاة عُرَاة غُرْلا". فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: أَيُبْصِرُ-أَوْ: يَرَى-بَعْضُنَا عَوْرَةَ بَعْضٍ؟ قَالَ: "يَا فُلَانَةُ، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) .




    عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُبْعَثُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرلا". فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ بِالْعَوْرَاتِ؟ فَقَالَ: " (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) .




    تفسير القرآن العظيم/أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)




    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  8. #68
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي






    {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضرا وَمَا عملت من سوء تود لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمدا بَعيدا} /آل عمرَان 30




    يَا أهل الذُّنُوب تدبروا هَذِه الْآيَة فَإِن فِيهَا بلاغة لمن تذكر وزجرا لمن اعْتبر وتخويفا لمن تدبر ونهيا لمن تفكر
    فالفكرة عبَادَة وَخير وَزِيَادَة لِأَن مولاكم الْكَرِيم قد خوفكم وهددكم وزجركم بهَا زجرا شَدِيدا فَقَالَ


    {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضرا وَمَا عملت من سوء تود لَو أَن بَينهَا وَبَينه أمدا بَعيدا} آل عمرَان 30
    ثمَّ قَالَ {ويحذركم الله نَفسه} آل عمرَان 30
    أَي يحذركم عِقَابه وعذابه إِذا عصيتموه ويجزل لكم ثَوَابه إِذا أطعتموه فَلَا يحقرن أحدكُم من الذُّنُوب شَيْئا وَإِن صغر فَرُبمَا كَانَ فِيهِ شدَّة الْعَذَاب وَالْعِقَاب وَلَا يحقرن أحدكُم حَسَنَة يعملها وَإِن قلت فَرُبمَا كَانَ فِيهِ الرِّضَا من الْملك الْوَهَّاب


    وَاعْلَمُوا أَن الذَّنب الَّذِي يحقره صَاحبه يكون يَوْم الْقِيَامَة فِي ميزَان فَاعله أثقل من جبال الأَرْض فازجر نَفسك عَن غيها وَقدم فِي حياتك ليَوْم فقرك


    وَالْأَصْل فِي الذَّنب الصَّغِير أَن يكون سَببا لدُخُول صَاحبه فِي النَّار


    إِن العَبْد الْمَغْرُور يعْمل الذَّنب ويحقره وَلَا يفكر فِي من قد عَصَاهُ وَهُوَ الْجَبَّار جلّ جَلَاله فَعِنْدَ ذَلِك يغْضب عَلَيْهِ مَوْلَاهُ وَيَقُول لَهُ عَبدِي حقر ذَنبه واستخف بحقي وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأعذبنه عَلَيْهِ بالنَّار وَمن تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ وَغفر لَهُ بِالتَّوْبَةِ


    وَقد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (إيَّاكُمْ ومحقرات الذُّنُوب فَإِن لَهَا من الله طَالبا)


    قَالَ الله سُبْحَانَهُ {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضرا وَمَا عملت} آل عمرَان 30 الْآيَة




    تَجِد وَالله كل نفس مَا قدمت فِي الْأَيَّام من الطَّاعَات والإجرام
    ذَلِك يَوْم المصائب وَيَوْم النوائب وَيَوْم الْعَجَائِب
    يَوْم هتك الأستار يَوْم تسعر فِيهِ النَّار يَوْم يفوز فِيهِ الْأَبْرَار ويندم فِيهِ الْفجار وَتعرض الْعباد على الْوَاحِد القهار


    فالعجب كل الْعجب مِمَّن قطع عمره فِي الاغفال وضيع أَيَّامه فِي الْمحَال وأفنى شبابه فِي الضلال وَلم يعْمل بِمَا فِي كتاب ذِي الْمجد والجلال قَالَ الله الْكَبِير المتعال :
    {يَوْم تَجِد كل نفس مَا عملت من خير محضرا} آل عمرَان 30


    يَقُول الله تَعَالَى يَا ابْن آدم تطلب موعظة سَاعَة وتقيم على الذَّنب سنة وأنشدوا
    (مَا بَال قَلْبك باللذات قد شغفا ... وَعَن فَوَات صَوَاب الْفِعْل مَا أسفا)
    (وَقد توعده الْجَبَّار خالقنا ... وبالذنوب وبالعصيان قد كلفا)


    وَاعْلَمُوا أَن الله تبَارك وَتَعَالَى مسائلكم عَن الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة والخفية والسريرة وَعَن كل مَا قل وَمَا دق وَمَا جلّ
    لَا يغْفل عَن شَيْء يجد العَبْد مَا عمل حَاضرا وَيجْزِي بِهِ وافرا وَيسْأل عَمَّا عمل سرا وظاهرا


    تَجِد وَالله الْقَلِيل وَالْكثير والنقير والذرة والقطمير


    بستان الواعظين ورياض السامعين/ جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي (المتوفى: 597هـ)
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  9. #69
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي




    نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ/يوسف




    {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} قَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: بِالْعِلْمِ.


    فَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ وَالْأَقْدَارِ عَلَى قَدْرِ مُعَامَلَةِ الْقُلُوبِ بِالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ


    فَكَمْ مِمَّنْ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي الْيَوْمِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَآخَرُ لَا يَنَامُ اللَّيْلَ وَآخَرُ لَا يُفْطِرُ وَغَيْرُهُمْ أَقَلُّ عِبَادَةً مِنْهُمْ وَأَرْفَعُ قَدْرًا فِي قُلُوبِ الْأُمَّةِ


    فَهَذَا كُرْزُ بْنُ وَبَرَةَ وكهمس وَابْنُ طَارِقٍ يَخْتِمُونَ الْقُرْآنَ فِي الشَّهْرِ تِسْعِينَ مَرَّةً وَحَالُ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ سِيرِين وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْقُلُوبِ أَرْفَعُ.


    وَكَذَلِكَ تَرَى كَثِيرًا مِمَّنْ لَبِسَ الصُّوفَ وَيَهْجُرُ الشَّهَوَاتِ وَيَتَقَشَّفُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يُدَانِيهِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ أَعْظَمُ فِي الْقُلُوبِ وَأَحْلَى عِنْدَ النُّفُوسِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِقُوَّةِ الْمُعَامَلَةِ الْبَاطِنَةِ وَصَفَائِهَا وَخُلُوصِهَا مِنْ شَهَوَاتِ النُّفُوسِ وَأَكْدَارِ الْبَشَرِيَّةِ وَطَهَارَتِهَا مِنْ الْقُلُوبِ الَّتِي تُكَدِّرُ مُعَامَلَةَ أُولَئِكَ وَإِنَّمَا نَالُوا ذَلِكَ بِقُوَّةِ يَقِينِهِمْ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَكَمَالِ تَصْدِيقِهِ فِي قُلُوبِهِمْ وَوُدِّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَأَنْ يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ


    فَإِنَّ أَرْفَعَ دَرَجَاتِ الْقُلُوبِ فَرَحُهَا التَّامُّ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْتِهَاجُهَا وَسُرُورُهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ}


    وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} الْآيَةَ.


    فَفَضْلُ اللَّهِ وَرَحْمَتُهُ الْقُرْآنُ وَالْإِيمَانُ مَنْ فَرِحَ بِهِ فَقَدْ فَرِحَ بِأَعْظَمِ مَفْرُوحٍ بِهِ وَمَنْ فَرِحَ بِغَيْرِهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَوَضَعَ الْفَرَحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ. فَإِذَا اسْتَقَرَّ فِي الْقَلْبِ وَتَمَكَّنَ فِيهِ الْعِلْمُ بِكِفَايَتِهِ لِعَبْدِهِ وَرَحْمَتِهِ لَهُ وَحِلْمِهِ عِنْدَهُ وَبِرِّهِ بِهِ وَإِحْسَانِهِ إلَيْهِ عَلَى الدَّوَامِ أَوْجَبَ لَهُ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ أَعْظَمَ مِنْ فَرَحِ كُلِّ مُحِبٍّ بِكُلِّ مَحْبُوبٍ سِوَاهُ. فَلَا يَزَالُ مُتَرَقِّيًا فِي دَرَجَاتِ الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ بِحَسَبِ رُقِيِّهِ فِي هَذِهِ الْمَعَارِفِ. هَذَا فِي " بَابِ مَعْرِفَةِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ "


    وَأَمَّا فِي " بَابِ فَهْمِ الْقُرْآنِ " فَهُوَ دَائِمُ التَّفَكُّرِ فِي مَعَانِيهِ وَالتَّدَبُّرِ لِأَلْفَاظِهِ وَاسْتِغْنَائِه ِ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ وَحُكْمِهِ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ


    وَإِذَا سَمِعَ شَيْئًا مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَعُلُومِهِمْ عَرَضَهُ عَلَى الْقُرْآنِ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ بِالتَّزْكِيَةِ قَبِلَهُ وَإِلَّا رَدَّهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ بِقَبُولِ وَلَا رَدٍّ وَقَفَهُ وَهِمَّتُهُ عَاكِفَةٌ عَلَى مُرَادِ رَبِّهِ مِنْ كَلَامِهِ.


    وَلَا يَجْعَلُ هِمَّتَهُ فِيمَا حُجِبَ بِهِ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ الْعُلُومِ عَنْ حَقَائِقِ الْقُرْآنِ إمَّا بِالْوَسْوَسَةِ فِي خُرُوجِ حُرُوفِهِ وَتَرْقِيقِهَا وَتَفْخِيمِهَا وَإِمَالَتِهَا وَالنُّطْقِ بِالْمَدِّ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَالْمُتَوَسِّط ِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.


    فَإِنَّ هَذَا حَائِلٌ لِلْقُلُوبِ قَاطِعٌ لَهَا عَنْ فَهْمِ مُرَادِ الرَّبِّ مِنْ كَلَامِهِ وَكَذَلِكَ شَغْلُ النُّطْقِ بـ {أَأَنْذَرْتَهُ ْ} وَضَمُّ الْمِيمِ مِنْ (عَلَيْهِمْ) وَوَصْلُهَا بِالْوَاوِ وَكَسْرُ الْهَاءِ أَوْ ضَمُّهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ مُرَاعَاةُ النَّغَمِ وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ. وَكَذَلِكَ تَتَبُّعُ وُجُوهِ الْإِعْرَابِ وَاسْتِخْرَاجُ التَّأْوِيلَاتِ الْمُسْتَكْرَهَ ةِ الَّتِي هِيَ بِالْأَلْغَازِ وَالْأَحَاجِيِّ أَشْبَهُ مِنْهَا بِالْبَيَانِ.


    مجموع الفتاوى/ تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ)



    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  10. #70
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي




    فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) / البقرة




    أَرْشَدَ تَعَالَى إِلَى دُعَائه بَعْدَ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِجَابَةِ، وذَمَّ مَنْ لَا يَسْأَلُهُ إِلَّا فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْ أُخْرَاهُ، فَقَالَ: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}


    أَيْ: مِنْ نَصِيب وَلَا حَظٍّ.


    وتضمَّن هَذَا الذَّمُّ التَّنْفِيرَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِمَنْ هُوَ كَذَلِكَ.


    قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ قَوْمٌ مِنَ الْأَعْرَابِ يَجِيئُونَ إِلَى الْمَوْقِفِ، فَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ عَامَ غَيث وَعَامَ خصْب وَعَامَ وَلَادٍ حَسَنٍ. لَا يَذْكُرُونَ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ}


    وَكَانَ يَجِيءُ بَعَدَهُمْ آخَرُونَ [مِنَ الْمُؤْمِنِينَ] فَيَقُولُونَ: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}


    وَلِهَذَا مَدَحَ مَنْ يَسْأَلُهُ لِلدُّنْيَا وَالْأُخْرَى، فَقَالَ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} فَجَمَعَتْ هَذِهِ الدعوةُ كلَّ خَيْرٍ فِي الدُّنْيَا، وصرَفت كُلَّ شَرٍّ


    فَإِنَّ الْحَسَنَةَ فِي الدُّنْيَا تشملُ كُلَّ مَطْلُوبٍ دُنْيَوِيٍّ، مِنْ عَافِيَةٍ، وَدَارٍ رَحْبَةٍ، وَزَوْجَةٍ حَسَنَةٍ، وَرِزْقٍ وَاسِعٍ، وَعِلْمٍ نَافِعٍ، وَعَمَلٍ صَالِحٍ، وَمَرْكَبٍ هَنِيءٍ، وَثَنَاءٍ جَمِيلٍ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ عباراتُ الْمُفَسِّرِينَ ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُنْدَرِجَةٌ فِي الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا.




    وَأَمَّا الْحَسَنَةُ فِي الْآخِرَةِ فَأَعْلَى ذَلِكَ دُخُولُ الْجَنَّةِ وَتَوَابِعُهُ مِنَ الْأَمْنِ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ فِي العَرَصات، وَتَيْسِيرِ الْحِسَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ الصَالِحٍةِ، وَأَمَّا النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ فَهُوَ يَقْتَضِي تَيْسِيرَ أَسْبَابِهِ فِي الدُّنْيَا، مِنَ اجْتِنَابِ الْمَحَارِمِ وَالْآثَامِ وَتَرْكِ الشُّبَهَاتِ وَالْحَرَامِ


    .
    وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: مَنْ أُعْطِيَ قَلْبًا شَاكِرًا، وَلِسَانًا ذَاكِرًا، وَجَسَدًا صَابِرًا، فَقَدْ أُوتِيَ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَوُقِيَ عَذَابَ النَّارِ.




    وَلِهَذَا وَرَدَتِ السُّنَّةُ بِالتَّرْغِيبِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ.


    فَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "اللَّهم ربَّنا، آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"



    و عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دَعْوَةٍ يَدْعُو بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [يَقُولُ] : "اللَّهُمَّ ربَّنا، آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وقنا عذاب النار"
    [وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدَعْوَةٍ دَعَا بِهَا، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ بِدُعَاءٍ دَعَا بِهَا فِيهِ] .


    -قَالَ أَبو طَالُوتَ -: كُنْتُ عِنْدَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: إِنَّ إِخْوَانَكَ يُحِبُّونَ أَنْ تَدْعُوَ لَهُمْ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
    وَتَحَدَّثُوا سَاعَةً حَتَّى إِذَا أَرَادُوا الْقِيَامَ، قَالَ : يَا أَبَا حَمْزَةَ، إِنَّ إِخْوَانَكَ يُرِيدُونَ الْقِيَامَ فَادْعُ لَهُمْ فَقَالَ: تُرِيدُونَ أَنْ أشَققَ لَكُمُ الْأُمُورَ، إِذَا آتَاكُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَوَقَاكُمْ عَذَابَ النَّارِ فَقَدْ آتَاكُمُ الْخَيْرَ كُلَّهُ.


    تفسير القرآن العظيم/ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)


    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  11. #71
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي




    وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى: 30]


    أَخْبَرَكُمْ أَبُو عُمَرَ بْنُ حَيَوَيْهِ، وَأَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ قَالَا: أَخْبَرَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ:


    " مَا مِنْ أَحَدٍ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]


    وَنِسْيَانُ الْقُرْآنِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ "






    الزهد والرقائق لابن المبار/ أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، التركي ثم المرْوزي (المتوفى: 181هـ)


    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  12. #72

    افتراضي

    بارك الله فيكم على هدا الموضوع النافع
    أحسن الله إليكم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •