المنهاج النبوي في الدعوة إلى الله
د. عبد الله بن عبد المحسن التركي



إن المنهاج النبوي في الدعوة إلى الله، وهو المنهاج الوسط، يستدعي أن يتوفر في الدعاة إلى الله أمران مهمان:
الأمر الأول: الإخلاص لله، بحيث تكون نية الداعي في دعوته متجردة عن الهوى وحب الشهرة أو مغالبة الآخرين، أو تكثير الأتباع والأنصار، أو الحصول على مكاسب دنيوية.
أي: تكون خالصة لله وحده، باعتبار الدعوة عبادة لله سبحانه، وتبليغًا عن رسوله صلى الله عليه وسلم مراده سبحانه من رسالة الإسلام.
الأمر الثاني: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله علمًا وعملًا، فهمًا وتطبيقًا. وهذان الأمران هما المرادان من قوله الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}. (الكهف الآية 110).
قال ابن كثير: "وهذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ومتابعة الداعي لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم، تتطلب منه التفقه في دين الله، ومعرفة ما دل عليه الكتاب والسنة فيما يدعو إليه، وما سار عليه السلف الصالح، باعتبارهم جماعة الحق والفرقة الناجية، التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا ملة واحدة، قالوا، من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي". (رواه الترمذي )[1].
لقد ضلت كثير من الفرق والطوائف في التاريخ الإسلامي قديمًا وحديثًا بسبب عدم التفقه في الدين، وعدم متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم معرفة ما كان عليه السلف الصالح.
وبذلك لم تتبع هذه الفرق سبيل المؤمنين، بل شاقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجت عن الفرقة الناجية التي تمثل أمة الإسلام، الأمة الوسط، فاستحقت وعيد الله في قوله سبحانه {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. (النساء الآية 115).
إن علامة الفرقة الناجية، هي متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولزوم طريق المسلمين، من صحابته رضوان الله عليهم، ومن تبعهم وتابعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ومن مقتضى الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم، متابعته وطاعته فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، والاستمساك بسنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، كما قال عليه الصلاة والسلام في موعظته البليغة لأصحابه، التي أوصاهم فيها بالسمع والطاعة، وأخبرهم بأنه من يعش منهم فسيرى اختلاقًا كثيرًا, وأن العاصم من الفتن والمرجع عند الاختلاف، هو العمل بسنته وسنة خلفائه الراشدين: "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن ولي عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ". (رواه الإمام أحمد )[2].
وقال الله تعالى في هذا المعنى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}. (النساء الآية 59).
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}. (آل عمران الآية 31).
وهكذا: إذا أراد أي مسلم النجاة، وعلى وجه الخصوص العالم والداعية، فلا بد أن يتوافر في عمله أمران:إخلاص العمل لله وحده، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وصحبه الكرام، وسلف الأمة الصالح. وبهذا يكون من الفرقة الناجية المعتصمة بالكتاب والسنة.
--------------------
* من كتاب (الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله للشيخ الدكتور / عبد الله بن عبد المحسن التركي.




[1] أخرجه الترمذي في باب ما جاء في افترق هذه الأمة : 10/139 (2853) قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ مُفَسَّرٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لاَ نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إِلاَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

[2] المسند : 37/75 (17608).