وسواس قهري متعلق بالدين والقرآن
أبو البراء محمد بن عبدالمنعم آل عِلاوة

السؤال
الملخص:
شاب لديه وسواسٌ قهري متعلِّق بالدين والقرآن الكريم، ويسأل عن حلٍّ.
التفاصيل:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عندي وسواس قهري في الدين وفي ذات الله سبحانه وتعالى؛ حيث يقع في خاطري سبٌّ لدين الله، وكلام عن الله لا أستطيع أن أكتُبه، وإذا ما سمعت القرآن، فإني أضحك، مع أني لا أريد ذلك، ولا أستطيع التحكم في ذلك إلا نادرًا.
فما حكم ما يحدث لي؟ علمًا بأني أكره هذه الفِعال كرهًا شديدًا، فهل أكفر؟ وبالنسبة إلى هذا الضحك فأحيانًا أستطيع التحكم به وأحيانًا لا أستطيع التحكم؛ فتخرج ضحكة بسرعة، فهل أكفر؟ علمًا بأنه لا يوجد ما يضحك.
وسؤالي الثاني: هناك علماء دين أنكروا وجود مرض الوسواس القهري، وعلى هذا فماذا يسمى ما يحدث لي ولغيري أيضًا؟ فأعراض الوسواس القهري ليست كالوسواس العادي؛ لأن الوسواس العادي يكون سهلًا يذهب بالتعوُّذ.


الجواب
أولًا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.مرحبًا بك أيها الأخ الفاضل، ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق، والسداد والتيسير.
ثانيًا: الوسوسة: هي ما يلقيه الشيطان في ذهن الإنسان من الخواطر غير الطيبة، والتي فيها سوء تتعلق بالله، أو تتعلق بالأمور الغيبية، أو تتعلق بالإيمان، أو بالجنة، أو بالنار، وغيرها مما يوسوس به الشيطان للإنسان.
فلا تحزن أيها الأخ الفاضل فإن ما تشعر به دليلٌ على إيمانك، وأن في قلبك الخير؛ ففي الحديث عن أبي هريرة قال: ((جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلَّم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان))؛ [مسلم (132)].
قال القرطبي: "إن هذه الإلقاءات والوساوس التي يلقيها الشيطان في صدور المؤمنين، تنفر منها قلوبُهم، ويعظُم عليهم وقوعُها عندهم، وذلك دليلٌ على صحة إيمانهم ويقينهم، ومعرفتهم بأنها باطلة ومن إلقاءات الشيطان، لولا ذلك لركنوا إليها ولقالوها، ولم تعظم عندهم ولا سموها وسوسة"؛ [المفهم (3/ 109)].
وعلاج هذا الوسواس القهري:
1- تحقيق الإخلاص وحسن التوكل على الله؛ قال تعالى حكاية عن إبليس: ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُ مْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [ص: 82، 83].
2- أن تبتعد عن هذه الوساوس، وتنتهي عنها وتفكِّر في غيرها، وتستعيذ بالله من الشيطان، وتقول: آمنت بالله؛ كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي الشيطان أحدكم، فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه، فليستعذ بالله، ولينتهِ، وفي رواية مسلم: فليقل: آمنت بالله، وزاد في رواية: ورسله))؛ [البخاري: (3276)، ومسلم: (134)].
3- أن تقرأ سورة الإخلاص، وتتفل عن يسارك ثلاثًا، وتستعيذ بالله من الشيطان؛ كما في حديث أبي هريرة، وفيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((فإذا قالوا ذلك فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، ثم ليتفل عن يساره ثلاثًا، وليستعذ من الشيطان))؛ [أبو داود: (4722)، وصححه الألباني في الصحيحة: (116)].
4- الرقية الشرعية من أحسن علاجات الوسواس القهري إذا صدرت من مؤمن مستقيم موقن بالله تعالى، وداوَم العبد عليها حتى يحصُل الدواء؛ فقد ذكر ابن عبدالسلام أن الوسواس من الخواطر الشيطانية؛ ويؤيد صحة ذلك قول الله تعالى: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾ [الناس: 1 - 6].
5- من أعظم العلاج كذلك أن يُعرِض الإنسان عن الوسواس إعراضًا، وتشغل فكرك وقلبك عنه بما ينفع؛ من تعلُّمِ علمٍ نافعٍ، وعمل مثمر؛ كعبادة، أو خدمة اجتماعية، أو نشاط خيري.
6- عدم انفرادك بنفسك، وحرصك على مصاحبة أهل الخير والاستقامة، والبعد عن مجالسة أصحاب السوء، وعليه فمن وجد الوسوسة، فليفعل الآتي:
1- الاستعاذة بالله من الشيطان.
2- الانتهاء عن ذلك؛ أي: قطع هذه الوساوس.
3- أن يقول: آمنت بالله، أو آمنت بالله ورسله.
4- يتفل عن يساره ثلاثًا.
5- يقرأ سورة الإخلاص.
6- الرقية الشرعية.
7- الانشغال بالعمل الخيري.
8- الصحبة الصالحة.
والرقية الشرعية والدعاء والأذكار، ولا بأس من الاستعانة بمن يرقيك إن كنت تعجز عن رقية نفسك، بشرط أن يكون راقيًا من أهل السنة المشهود لهم بالعلم والديانة. وأن تحرِص على قراءة سورة الفاتحة، وآية الكرسي، وسورة البقرة، وسورة الإخلاص، والمعوذات - سورتي الفلق والناس - وبعض الأدعية النبوية؛ أمثال:
اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقمًا.
أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق.
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم. وغيرها من الأذكار والأدعية النبوية.
أما قولك: "هناك علماء دين أنكروا وجود مرض الوسواس القهري"، فلم أقف في الحقيقة على من أنكر ذلك.
والنصيحة لك: أن تقويَ ذاتك، وتعالج هذا الوسواس القهري من خلال رفضه وتحقيره وتجاهله وعدم مناقشته، وإن كان فعلًا أو قولًا نستبدله بما هو مخالف له، هذا هو العلاج الرئيس أو ما يسمى بالعلاج السلوكي، ولا مانع من العلاج الدوائي عن طريق استشارة طبيب نفسي على دين وثقة، هذا، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

[video]https://www.alukah.net/fatawa_counsels/0/140411/[/video]