«احفظ الله»بتحقيق توحيده سبحانه والايمان به واخلاص العبادة له
والابتعاد كل البعد عن كل ما يضاد التوحيد وينافى الاخلاص و يناقض الايمان وينقصه
الابتعاد عما يضاد التوحيد من الشرك ووسائله
وما ينافى الاخلاص من النفاق والرياء والسمعة
وما يناقض الايمان من الكفر وما ينقصه من الذنوب والعصيان
«احفظ الله»بإمتثال ما أمر الله به على ألسنة رسله
«احفظ الله»بحفظ حدوده وشريعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه
«احفظ الله» أي: اتَّقِ اللهَ في الأوامِرِ والنَّواهي، والْزَمِ الطَّاعاتِ، ولا تَقرَبِ المعاصيَ،
(يحفظك) في دينك وأهلك ومالك ونفسك
قال ابن عثيمين رحمه الله حفظه في بدنه ، وحفظه في ماله ، وأهله ، وفي دينه ، وهذا أهم الأشياء وهو أن يسلمك من الزيغ والضلال ، لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله هدى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) وكلما ضل والعياذ بالله فإنه يزداد ضلالا " ا
(احفظ الله تجده اتجاهك) أي تجده أمامك يدلك على كل خير ويقربك إليه ويهديك إليه.
"تَجِدْه تُجاهَك"
المعنى: أنَّك تَجِدُه حينَئذٍ كأنّه حاضرٌ تِلقاءَك وقُدَّامَك في مقام إحسانك وإيقانك وكمال إيمانك، كأنَّك تراه بحيثُ تُغْنَى بالكُلِّيَّةِ عن نظَرِك ما سِواه،
وقيل: المعنى: إذا حَفِظْتَ طاعةَ اللهِ وجَدتَه يَحفَظُك ويَنصُرُك في مُهِمَّاتِك أينَما توجَّهتَ، ويُسهِّلُ لك الأمورَ الَّتي قصَدتَ، وقيل المعنى: تجِدُ عِنايتَه ورَأفتَه قَريبًا منك؛ يُراعيك في جَميعِ الحالاتِ، ويُنقِذُك مِن جميعِ المضَرَّاتِ
«احفظ الله»عند أوامره بالامتثال وعند نواهيه بالاجتناب وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه إلا ما نهى عنه
فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه
قال تعالى: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ
حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ).
وقد جاءت النصوص بحفظ أمور مهمة والاعتناء بها فمن ذلك:
-الطهارة: فإنها مفتاح الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على الوضوء الا مؤمن). رواه احمد.
-الصلاة: فقد أمر الله سبحانه بالمحافظة عليها في قوله تعالى:
(حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ).
ومدح المحافظين عليها وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حافظ عليهن كن له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة). رواه أحمد.
-الأيمان: أمر الله بحفظها كما في قوله تعالى:
(وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُم)
-الرأس والبطن: أمر الله بحفظهما كما في حديث عبدالله بن مسعود:
( الاستحياء حق الحياة أن تحفظ الرأس وماوعى وتحفظ البطن وما حوى). رواه احمد .
وحفظ الرأس يتضمن حفظ السمع والبصر واللسان عن المحرمات
وحفظ البطن يتضمن حفظ القلب عن المحرمات وحفظ البطن عن أكل الحرام وشهوة الرأس والبطن مهلكة لكثير من الخلق وقد تساهل الناس في أكل الحرام وورد في ذلك وعيد شديد.
-اللسان والفرج: وهما من أعظم ما يجب حفظه عن المحرمات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حفظ ما بين لحييه وما بين رجليه دخل الجنة). وقد أمر الله عزوجل بحفظ الفروج ومدح الحافظين لها فقال: (والحافظين فروجهم والحافظات). وهذان العضوان من أعظم الأسباب التي تدخل النار وقد ورد وعيد شديد لمن فرط فيهما وإذا افتتن المرء فيهما أصيب في مقتل ولا يحافظ عليهما إلا الكمل من أهل الإيمان.
قوله: (يحفظك) مراده من حفظ حدود الله وراعى حدوده حفظه الله فإن الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ).
وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان:
الأول: حفظه في مصالح دنياه كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله
قال الله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ).
قال ابن عباس: (هم الملائكة يحفظونه بأمر الله فإذا جاء القدر خلو عنه).
ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعفه ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله و
كان العالم أبو الطيب الطبري قد جاوز المئة سنة وهو ممتع بقوته وعقله فوثب يوما وثبة شديدة فعوتب في ذلك فقال هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر.
ومن حفظ الله للعبد حفظ ذريته بعد موته بصلاحه كما في قوله تعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً)
قال ابن عباس: (إنهما حفظا بصلاح أبيهما).
وقال ابن المنكدر: (إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله فما يزالون في حفظ من الله وستر).
وعكس هذا من ضيع الله ضيعه الله فضاع بين خلقه حتى يدخل عليه الضرر من حيث كان يرجو نفعه من أهله
كما قال بعض السلف: (إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خادمي ودابتي).
الثاني: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه
وهو أشرف النوعين:
فيحفظه في حياته من الشبهات
ومن الشهوات المحرمة
ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان
ففي الصحيحين عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمره أن يقول عند منامه:
(إن قبضت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).
والله يحول بين العبد وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ
وقد لا يشعر العبد بذلك وقد يكون كارها له كما قال في حق يوسف عليه السلام:
(كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).
ولذلك ورد في المستدرك:
(إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الماء).
فالعبد الصالح يحميه الله من فتنة الدنيا ووسائل الفتن
ويغلق عليه أبواب الشر ويفتح عليه أبواب الخير
كما قال ابن مسعود: (إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له فينظر الله إليه فيقول للملائكة اصرفوه عنه فإنه إن يسرته له أدخلته النار فيصرفه الله عنه فيظل يتطير يقول سبقني فلان دهاني فلان وما هو إلا فضل الله عز جل).

الثالثة: في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله تجده تجاهك).
دليل على إثبات معية الله لعبده
فمن حفظ حدود الله وجد الله معه في كل أحواله حيث توجه يحوطه وينصره ويوفقه ويسدده
كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون).

ومعية الله الخاصة هي المذكورة في قوله تعالى لموسى وهارون: (قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى).
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في الغار: (ما ظنك باثنين الله ثالثهما لا تحزن إن الله معنا). متفق عليه.
وهذه المعية تقتضي النصر والتأييد والحفظ والإعانة وهي خاصة بأولياء الله وأهل طاعته.