النص الموازي (العتبات)


بوطاهر بوسدر



النص الموازي في اللغة الفرنسية يتكون من جزأين para و texte، فالجزء الأول يرتبط في الأصل اليوناني بعدة معانٍ، كالمشابهة والمماثلة والمساواة والملاءمة والموازاة والمجانسة، أما الجزء الثاني فهو النص، ويعود أصله عموماً إلى بلوغ الغاية واكتمال الصنع[1]. والربط بين الجزأين يدل على كل ما يوازي ويماثل النص بطريقة أو بأخرى.
أما مصطلح العتبات فهو من العتبة وهي في اللغة "أسكفة الباب التي توطأ... والجمع: عتب وعتبات. والعتب: الدرج"[2] وهذا يعني العتبة التي نصل من خلالها لمكان معين، فهي بداية دخول المنزل، وصلة وصل بين مكان منخفض، ومكان مرتفع لا نصله بدونها. وقد جاء في مقاييس ابن فارس أنها سميت عتبة "لارتفاعها عن المكان المطمئن السهل"[3]. وهذا يعني انطلاقاً من الدلالة اللغوية أن النصوص الموازية أو العتبات لها دور مهم في قراءة المتن، هذه القراءة التي "تصير مشروطة بقراءة هذه النصوص، فكما أننا لا نلج فناء الدار قبل المرور بعتباتها، فكذلك لا يمكننا الدخول عالم المتن قبل المرور بعتباته"[4].
النص الموازي عند العرب:

هناك من الباحثين من يرى أن العرب لم يهتموا بالنص الموازي، وكل ما يحيط بالمتن، ومنهم محمد بنيس الذي أكد أن الشعرية اليونانية الأرسطية، والشعرية العربية لم تهتما "بقراءة ما يحيط بالنص من عناصر أو بنيتها أو وظيفتها"[5] وهذه حقيقة قد لا نختلف حولها. إلا أن هذا الأمر لا يعني أن العرب لم يهتموا نهائيا بمكونات النص الموازي، فقد بدأ العرب منذ عصر التدوين بتحديد مجموعة من الضوابط في الكتابة، وقواعد الـتأليف والتصنيف بشكل تطبيقي، ثم أصبحت بعض المؤلفات تُنظّر لهذه الضوابط في القرن الثالث والرابع، مع طائفة من الكتاب، كالجاحظ وابن قتيبة والصولي، الذين تعرضوا لمجموعة من القضايا التي ترتبط بالنصوص الموازية من قريب أو من بعيد. فالصولي مثلاً ركز كثيراً في كتابه "أدب الكاتب" على العنونة وفضاء الكتابة، وأدوات التحبير والترقيش، وكيفية التصدير، والتقديم والتختيم[6].
وفي العصر الحديث يظهر الاهتمام بالنص الموازي وأنواعه عند المحققين للتراث العربي حيث يحققون اسم المؤلف، وعنوان الكتاب، ونسبة الكتاب لصاحبه، بالإضافة إلى اهتمامهم بمكملات التحقيق، كالتقديم ووصف المخطوط، والإخراج الطباعي، والفهارس، والاستدراكات، والحواشي والتذييلات. وهذه الأمور لها ارتباط وثيق بالنص الموازي. أما الاهتمام الحقيقي بالنص الموازي فقد كان مع النقاد الذين استفادوا من الإسهامات الغربية، لكن الملاحظ هو اختلافهم في ترجمة مصطلح paratexte كما جاء عند جيرار جينيت، فكل باحث يترجمه حسب رؤيته الشخصية، وحسب نوع الترجمة التي يعتمدها، حيث هناك من يترجم المصطلح حرفيا، وهناك من يترجم معنى المصطلح ويعتمد "روح السياق الذي وظف فيه في اللغة الأصلية"[7]. هناك من يترجم المصطلح بالمناص (سعيد يقطين ومحمد عزام وعبد العالي بوطيب...) ومن يترجمه بالعتبات (حسين خمري وعبد الرزاق بلال...)، وهناك من يترجمه بالنص الموازي (محمد بنيس، رشيد يحياوي، جميل حمداوي...). هذا بالإضافة إلى ترجمات أخرى لم تشتهر، كالموازيات عند عبد الرحيم العلام، والملحقات النصية عند محمد خير البقاعي، والمابين نصية عند كل من عزت محمد جاد، ونور الدين السد. ورغم هذا التعدد في ترجمة المصطلح فإن الغلبة كانت لمصطلحين اثنين هما النص الموازي والعتبات.
وإذا كان النقاد والباحثين العرب قد اختلفوا في ترجمة المصطلح فهم يتقاربون في تعريفه، فيعرفه محمد بنيس بأنه تلك "العناصر الموجودة على حدود النص، داخله وخارجه في آن، تتصل به اتصالا يجعلها تتداخل معه إلى حد تبلغ فيه درجة من تعيين استقلاليته، وتنفصل عنه انفصالا يسمح للداخل النصي، كبنية وبناء، أن يشتغل وينتج دلاليته"[8]، ويعرفه عبد الرحيم العلام بأنه "مجموعة من العناصر (éléments) الموازية والمحيطة بالنص. ومن ثم فهي موازيات نصية"[9]، وتشمل كما يذكر الباحث (اسم المؤلف، العنوان، العنوان الفرعي، الميثاق، اسم السلسلة، اسم الناشر، تاريخ النشر، المقدمة، التذييل، كلمة الغلاف، الاستجواب، الحوار، الإهداء... ).
أما سعيد يقطين فيعرف النصوص الموازية (المناصة) بأنها تلك "البنية النصية التي تشترك وبنية نصية أصلية في مقام وسياق معينين، وتجاورها محافظة على بنيتها كاملة ومستقلة، وهذه البنية النصية قد تكون شعرا أو نثرا، وقد تنتمي إلى خطابات عديدة، كما أنها قد تأتي هامشا أو تعليقا على مقطع سردي، أو حوار وما شابه"[10]. ويؤكد عبد العالي بوطيب على أهمية النصوص الموازية مشيرا إلى " الدور التواصلي الهام الذي تلعبه في توجيه القراءة، ورسم خطوطها الكبرى"[11].
والملاحظ أن النقاد والباحثين المغاربة والجزائريين لهم قدم السبق في مجال النص الموازي والمتعاليات النصية بصفة عامة، بينما نجد قلة من الشرق العربي قد اهتمت اهتماما واضحا بالموضوع. ولعل السبب في هذا الأمر يعود للغة الأصلية لمبحث النص الموازي والمتعاليات النصية، فهي الفرنسية التي يتقنها المغاربة والجزائريون، عكس الشرق العربي الذي يقدم الإنجليزية على الفرنسية.
النص الموازي عند الغرب:

إن الاهتمام بالنص الموازي في النقد الغربي لم يظهر إلا مع "توسع مفهوم النص. ولم يتوسع مفهوم النص إلا بعد أن تم الوعي والتقدم في التعرف على مختلف جزئياته وتفاصيله"[12]. والنص الموازي في النقد الغربي هو كل ما يحيط بالنص الأصل أو المتن، ابتداء من اسم الكاتب، والعنوان الرئيسي، والعناوين الفرعية، والمقدمة، والتمهيد، والخاتمة...
وإذا كان الغربيون[13] قد اهتموا ببعض النصوص الموازية، فإن جيرار جينيت هو من ذاع صيته في هذا المجال على الأقل عربيا. لذلك سنقتصر على ما جاء عند هذا الناقد.
يرى جينيت أن النص الموازي "هو ما يجعل من النص كتابا يقترح نفسه على قرائه أو بصفة عامة على الجمهور، فهو أكثر من جدار ذو حدود متماسكة، نقصد به هنا تلك العتبة، بتعبير (بورخيس) البهو الذي يسمح لكل منا دخوله أو الرجوع منه"[14].
ويقسم جنيت النص الموازي إلى قسمين هما النص الموازي النشري (مناص الناشر)، والنص الموازي التأليفي (مناص المؤلف). فالأول هو كل الإنتاجات المناصية التي تكون من مسؤولية الناشر، والثاني هو كل الإنتاجات المناصية التي تكون من مسؤولية الكاتب. وكل نوع ينقسم بدوره إلى نوعين هما:
1- النص المحيط أو النص الموازي الداخلي Péritexte حيث تعني السابقة péri في الأصل اليوناني معنى حول أو المصاحب أو المجاور[15]، ويعني أن هذا النوع له علاقة مباشرة بالعمل، فهو مصاحب له (زمانيا ومكانيا) أو هو " كل خطاب مادي يأخذ موقعه داخل فضاء الكتاب مثل العنوان أو التمهيد ويكون أحيانا مدرجا بين فجوات النص، مثل عناوين الفصول وبعض الإشارات"[16]. إن هذا النوع يرتبط بالكتاب فهو يحيط بالنص- المتن، ويساعد على فهمه وتأويله ويساهم في توجيه القارئ أثناء القراءة.
2- النص الفوقي أو النص الموازي الخارجي Epitexte: تعني السابقة Epi "على"(فوق) في الأصل اليوناني[17]، ويعني أن هذا النوع له وجود خارج الكتاب، ولكن تجمعه به علاقة غير مباشرة. فهو "يكتب بمنأى عن النص، وإن كان جزءا من رؤية كاتبه، ومتصل بعوامله اتصالا وثيقا"[18]. فهذا النوع يتعلق بكل ما له صلة بالكتاب من الخارج، كنقده وتقديم قراءة فيه، وضابطه أنه متأخر زمنيا عن الكتاب، أي النص الأساس أو المتن.
وبهذا التقسيم نحصل على أربعة أنواع: النص المحيط النشري، والنص المحيط التأليفي، والنص الفوقي النشري، والنص الفوقي التأليفي. ويوضح الجدول التالي هذه الأنواع ومكوناتها(أشكال ا)[19].
النص الموازي (المناص) النص الموازي النشري (مناص الناشر) النص الموازي التأليفي (مناص المؤلف)
النص المحيط
النص الفوقي
النص المحيط
النص الفوقي
العام
الخاص
- الغلاف
- صفحة العنوان
- الجلادة
- كلمة الناشر
- الإشهار
- قائمة المنشورات
- الملحق الصحفي لدار النشر
- اسم الكاتب
-العنون (الرئيسي والفرعي)
- العناوين الداخلية
- الاستهلال
- المقدمة
- التصدير
- الملاحظات
- الحواشي
- الهوامش
- اللقاءات الصحفية والإذاعية والتلفزيونية
- الحوارات
- المناقشات
- الندوات
- المؤتمرات
- القراءات النقدية
- المراسلات
(العامة والخاصة)
- المسارات
- المذكرات الحميمية
- النص القبلي
- التعليقات الذاتية


تصنف مكونات النص الموازي بأنواعه المختلفة حسب علاقاتها المتعددة مع النص الأصلي، من حيث مكانها وزمانها ومصدرها وهدفها وطبيعتها والغاية منها. ويمكن في هذا الإطار الإجابة عن مجموعة من الأسئلة[20]:
1- يتعلق السؤال الأول بمكان النص الموازي حيث نجد أن بعض النصوص الموازية تكون قبل العمل، وبعضها وسط العمل، وبعضها آخر العمل، وقد يكون بعضها خارج الكتاب نهائيا (النص الموازي النشري الفوقي).
2- يتعلق السؤال الثاني بزمان إنتاج النص الموازي، مقارنة بزمان إنتاج العمل. ولا شك أن النص الموازي النشري بنوعيه المحيط والفوقي يكون بعد إتمام العمل، وإعداده للنشر، والأمر نفس بالنسبة للنص الموازي التأليفي الفوقي. أما النص الموازي التأليفي المحيط فأغلبه يكون مصاحبا للكتاب.
3- يتعلق السؤال الثالث بطبيعة النصوص الموازية، فهي ولاشك من طبيعة مختلفة، وتمظهرات متنوعة فهناك اللفظية (العناوين-الاستهلال المقدمة - الخاتمة...)، وهناك التمظهرات المادية (الخط- الألوان- الورق..)، وهناك التمظهرات الأيقونية (تصميم الغلاف- اللوحات- الأشكال الهندسية...).
4- يتعلق السؤال الرابع بالبعد التداولي للنص الموازي، أي من هو منتجه؟ ومن هو مستقبله؟ فبالنسبة للمنتج غالبا ما يكون الناشر في النص الموازي النشري، والمؤلف في النص الموازي التأليفي. هذا مع بعض الاستثناءات، فقد يكتب شخص آخر استهلال أو مقدمة الكتاب. أما فيما يخص مستقبل النص الموازي فهو القارئ بصفة عامة. إلا أن بعض النصوص الموازية كالإهداء مثلا يكون للمُهدى له، لا لكل قارئ.
5- يتعلق السؤال الخامس بالبعد الوظيفي للنص الموازي، إذ يمكن اعتباره موجها ومساعدا مهما لخدمة النص، كما أن لكل نوع وظيفته الخاصة التي قد تميزه عن غيره.
[1] عبد الحق بلعابد، عتبات: جيرار جينيت من النص إلى المناص، الدار العربية للعلوم ناشرون ومنشورات الاختلاف، ط1، 2008، ص 43.

[2] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414 هـ.، ج1، ص 576.

[3] ابن فارس، مقاييس اللغة، تحقيق:عبد السلام هارون، دار الفكر، دون طبعة، 1979م،ج4، ص 255.

[4] عبد الرزاق بلال، مدخل إلى عتبات النص: دراسة في مقدمات النقد العربي القديم، إفريقيا الشرق، ط1، 2000، ص23.

[5] محمد بنيس، التقليدية، دار توبقال، الدار البيضاء، ط1، 1989، ص77، عن جميل حمداوي، لماذا النص الموازي

[6] جميل حمداوي، لماذا النص الموازي.

[7] نفسه.

[8] محمد بنيس، الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها التقليدية، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، ط 1، 1989، ص 76. عن جميل حمداوي، لماذا النص الموازي.

[9] عبد الرحيم العلام، الخطاب المقدماتي في الرواية المغربية، مجلة علامات، ع8، 1997.

[10] سعيد يقطين، انفتاح النص الروائي، ص99.

[11] عبد العالي بوطيب، برج السعود و إشكالية العلاقة بين الروائي والتاريخي، المناهل، المغرب، ع 55، ، يونيو1997، ص 64.

[12] سعيد يقطين، تقديم كتاب عتبات لعبد الحق بلعابد، ص 14.

[13] مثل: ك.دوتشي، وجاك دريدا، وجون دوبوا، وفلييب لوجان...ينظر في ذلك: عبد الحق بلعابد، عتبات، ص29.

[14] - عبد الحق بلعايد، عتبات، ص 44.

[15] جميل حمداوي، لماذا النص الموازي.

[16] نبيل منصر، الخطاب الموازي للقصيدة، ص 27، عن سعيدة تومي، رسالة ماجستير، ص 49.

[17] جميل حمداوي، لماذا النص الموازي.

[18] سعيد يقطين، الرواية والتراث السردي، ص89.

[19] هذا الجدول دمج لجدولين من كتاب عتبات لعبد الحق بلعايد، ص46 و48.

[20] المرجع نفسه، ص 51 وما بعدها.