تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 5 من 5 الأولىالأولى 12345
النتائج 81 إلى 89 من 89

الموضوع: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين

  1. #81
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)

    اسمها ونسبها وكنيتها
    هي عائشة بنت أبي بكر عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر القرشية التيمية رضي الله عنها وأرضاها.
    وقد تقدّم الكلام على نسب أبيها رضي الله عنهما.
    وأمّا كنية عائشة فهي أمّ عبد الله، كما كناها النبي صلى الله عليه وسلم.
    - قال معمر بن راشد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (كل نسائك لها كنية غيري!
    فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اكتني بأم عبد الله)).
    فكان يقال لها "أم عبد الله" حتى ماتت ولم تلد قط). رواه أبو نعيم في معرفة الصحابة.
    - وقال أبو معاوية الضرير، عن هشام بن عروة، عن عباد بن حمزة عن عائشة قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقلت: (يا رسول الله! كنيت نساءك فاكنني).
    قال: (( اكتني بابن أختك عبد الله )). رواه ابن سعد.
    - وقال أنس بن عياض الليثي، عن هشام بن عروة، عن عبّاد بن حمزة أنَّ عائشة قالت: يا نبي الله ألا تكنيني؟!
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اكتني بابنك عبد الله بن الزبير)). فكانت تكنى بأم عبد الله. رواه ابن سعد.




    أسرتها أبوها أفضل الأمّة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقدّ تقدّمت سيرته ولله الحمد.
    وأمّها أمّ رَوْمان الكنانية، واختلف في اسمها؛ فقيل: زينب، وقيل: دعد.
    - قال مصعب بن عبد الله الزبيري في "نسب قريش": (أمّ رومان بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة).
    والخلاف في تسمية آبائها كثير، وقول مصعب الزبيري فيه نظر لأنه ثبت في الصحيحين في خبر أضياف أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعنها أنه قال لها: (يا أخت بني فراس ما هذا؟).
    وفراس أخو الحارث وهما ابنا غنم بن مالك بن كنانة؛ فإما أن تكون من بني فراس بن غنم، وإما أن يكون أبو بكر نسبها إلى أشهر الأخوين.
    - قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: (تقدَّم أنَّ أمَّ رَومان من ذرية الحارث بن غنم وهو أخو فراس بن غنم فلعلَّ أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحارث، ويقع في النسب كثير من ذلك، وينسبون أحياناً إلى أخي جدّهم أو المعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس، ولا شك أنَّ الحارث أخو فراس؛ فأولاد كلّ منهما إخوة للآخرين لكونهم في درجتهم، وحكى عياض أنَّه قيل في أمّ رومان: إنها من بني فراس بن غنم لا من بني الحارث، وعلى هذا فلا حاجة إلى هذا التأويل).
    - وقال أبو عمر ابن عبد البر: (والخلاف من أبيها إلى كنانة كثير جداً، وأجمعوا أنها من بني غنم بن مالك بن كنانة).
    - وقال الواقديّ: (كانت أمّ رومان الكنانية تحت عبد اللَّه بن الحارث بن سخبرة بن جرثومة الأزديّ، وكان قد قدم مكة فحالف أبا بكر قبل الإسلام، وتوفي عن أمّ رومان بعد أن ولدت له الطّفيل، ثم خلف عليها أبو بكر).
    وقد اختلف في وفاة أمّ رومان على أقوال أقربهما قولان:
    أحدهما: أنها ماتت سنة تسع للهجرة، ويُروى حديث فيه مقال في شهود النبي صلى الله عليه وسلم دفنها.
    - قال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن القاسم بن محمد، قال: لما دُلّيَت أم رَومان في قبرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سرَّه أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أمّ رومان)). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو نعيم في معرفة الصحابة.
    وهذا حديث مرسل، وعليّ بن زيد بن جدعان ضعيف الحديث.
    والآخر: أنها ماتت في خلافة عثمان.
    وقد رجّح البخاري بقاءها بعد النبي صلى الله عليه وسلم بزمن، واحتجّ برواية مسروق عنها، ومسروق إنما قدم المدينة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
    - قال أبو وائل شقيق بن سلمة: حدثني مسروق بن الأجدع قال: حدّثتني أمّ رومان وهي أمّ عائشة رضي الله عنهما قالت: بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار فقالت: فعل الله بفلان وفعل...) فذكرت حديث الإفك. وهو في صحيح البخاري وغيره.
    ولعائشة من الإخوة:
    1: عبد الرحمن، وهو شقيقها وأكبر أولاد أبي بكر، أسلم بعد الهجرة.
    2: وعبد الله، وأمّه قُتيلة بنت عبد العزى ، أصيب بسهم يوم الطائف فمرض منه حتى مات بالمدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له ولد ثم انقرض عقبه.
    3: ومحمد، وأمّه أسماء بنت عميس، ولدت به في حجّة الوداع، ونشأ في حجر عليّ بن أبي طالب، وفي خلافة عليّ
    ولها من الأخوات:
    1: أسماء، وهي أكبر بنات أبي بكر، وأمّها قُتيلة، وهي شقيقة عبد الله، وقد تزوجها الزبير بن العوام وأنجبت له: عبد الله، والمنذر، وعروة.
    2: وأمّ كلثوم، وأمّها حبيبة بنت خارجة بن زيد الخزرجية، وُلدت بعد موت أبيها، وتزوّجها طلحة بن عبيد الله، وأنجبت له: زكريا وعائشة.
    ثم خلف عليها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي، فولدت له: عثمان، وإبراهيم، وموسى.
    ولعائشة أخ من أمّها أسنّ منها هو الطفيل بن عبد الله بن الحارث بن سخبرة الأزدي.

    مولدها ونشأتها
    وُلدت عائشة رضي الله عنها قبل الهجرة بنحو ثمان سنين، وذلك بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بنحو خمس سنين؛ فقد صحّ في صحيح مسلم وغيره من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة، أنها كانت بنت ثمان عشرة حين مات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان موت النبي صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول من العام الحادي عشر بعد الهجرة.
    - قال الحافظ ابن حجر في الإصابة: (ولدت بعد المبعث بأربع سنين أو خمس، فقد ثبت في الصّحيح أنّ النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم تزوجها وهي بنت ست، وقيل سبع، ويجمع بأنها كانت أكملت السّادسة ودخلت في السّابعة).

    وقد نشأت عائشة رضي الله عنها بمكة في كنف أبويها وهما مسلمان، وشهدَت ما لقيا من أذى مشركي قريش، وعرَفَتْ قوة الصحبة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه.
    - قال الليث بن سعد، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (لم أعقل أبويَّ إلا وهما يدينان الدين، ولم يمرّ علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية، ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكاء، لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن؛ فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين). رواه البخاري من هذا الطريق، ورواه عبد الرزاق، وأحمد، وإسحاق بن راهويه من طريق معمر عن الزهري عن عروة بنحوه.

    إسلامها وهجرتها
    وُلدت عائشة رضي الله عنها مسلمة، ولم تعقل أبويها إلا وهما على الإسلام، وهاجرت مع بنات النبي صلى الله عليه وسلم وآل أبي بكر بصحبة طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه على المشهور في كتب السير.
    - قال محمد بن عمر الواقدي: حدثنا موسى بن محمد بن عبد الرحمن، عن ريطة، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة أنها سُئلت: متى بنى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
    فقالت: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خلَّفنا وخلَّف بناته؛ فلما قدم المدينة بعث إلينا زيد بن حارثة، وبعث معه أبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر، يشتريان بها ما يحتاجان إليه من الظهر، وبعث أبو بكر معهما عبد الله بن أريقط الديلي ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر يأمره أن يحمل أهله أمي أمّ رومان وأنا وأختي أسماء امرأة الزبير، فخرجوا مصطحبين؛ فلما انتهوا إلى قديد اشترى زيد بن حارثة بتلك الخمسمائة ثلاثة أبعرة، ثم رحلوا من مكة جميعاً؛ وصادفوا طلحة بن عبيد الله يريد الهجرة بآل أبي بكر، فخرجنا جميعاً وخرج زيد بن حارثة وأبو رافع بفاطمة وأمّ كلثوم وسودة بنت زمعة، وحمل زيد أم أيمن وأسامة بن زيد، وخرج عبد الله بن أبي بكر بأمّ رومان وأختيه، وخرج طلحة بن عبيد الله، واصطحبنا جميعا حتى إذا كنّا بالبيض من مِنَى نفر بعيري وأنا في مَحَفَّة معي فيها أمي، فجعلت أمي تقول: وابنتاه! واعروساه! حتى أُدرك بعيرنا وقد هبط من لفت؛ فسلَّم الله عز وجل، ثم إنا قدمنا المدينة فنزلتُ مع عيال أبي بكر، ونزل آل رسول الله ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبني المسجد وأبياتاً حول المسجد، فأنزل فيها أهله، ومكثنا أياماً في منزل أبي بكر). رواه ابن سعد في الطبقات، والحاكم في المستدرك.
    - وقال الزبير بن بكار الأسدي: حدثني محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: (لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلَّفنا وخلَّف بناته، فلما استقر بالمدينة بعث زيد بن حارثة، وبعث معه أبا رافع مولاه، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم أخذها من أبي بكر يشتريان بها ما يحتاجان إليه من الظهر، وبعث أبو بكر معهما عبد الله بن أريقط الدؤلي ببعيرين أو ثلاثة، وكتب إلى عبد الله بن أبي بكر أن يحمل أهله أمَّ أبي بكر وأمَّ رومان وأنا وأخي وأسماء امرأة الزبير، فخرجوا مصحبين حتى انتهوا إلى قديد اشترى زيد بن حارثة بتلك الخمسمائة درهم ثلاثة أبعرة، ثم دخلوا مكة جميعاً، فصادفوا طلحة بن عبيد الله يريد الهجرة، فخرجنا جميعاً، وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة بنت زمعة، وحمل زيدٌ أمَّ أيمن وولدها أيمن، وأسامة، واصطحبنا حتى إذا كنا بالبيض من نمر نفر بعيري وأنا في محفة معي فيها أمي، فجعلت أمي تقول: وابنتاه واعروساه، حتى إذا أُدرك بعيرنا وقد هبط من الثنية ثنية هرشا فسلّم الله، ثم إنا قدمنا المدينة، فنزلت مع عيال أبي بكر، ونزل آل النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ يبني المسجد وأبياتاً حول المسجد، فأنزل فيها أهله). رواه الطبراني في المعجم الكبير، وابن زبالة أخباري متروك الحديث من بابة الواقدي.
    - وقال خليفة بن خياط: حدثنا بكر بن سليمان عن ابن إسحاق، ووهب بن جرير، عن أبيه، عن ابن إسحاق، قال: «نزل أبو بكر على حبيب بن إساف أخي بلحارث بن الخزرج بالسنح» ، ويقال: «بل نزل على خارجة بن زيد بن أبي زهير أخي بني الحارث بن الخزرج». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال محمد بن عمر الواقدي، عن موسى بن يعقوب قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال: «نزل أبو بكر على خارجة بن زيد بن أبي زهير وتزوج ابنته، ولم يزل في بني الحارث بن الخزرج بالسنح حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم». رواه ابن سعد في الطبقات.
    والسُّنح أصلها جمع سانح، مثل بازل وبُزل، وهي هنا اسم موضع في عوالي المدينة.
    - قال ياقوت الحموي: (وهي منازل بني الحارث بن الخزرج بعوالي المدينة، وبينها وبين منزل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ميل).
    وقولها: ( حتى إذا كنا بالبيض من مِنَى) لا أعرف موضعاً في مِنَى ولا ما حولها يُسمَّى "البيض" إلا أن يكون المراد بالبيض أعلام الحَرم؛ فقد كانت من حجارة بيضاء اللون، وتُجمع على بيض.
    وفسّره بعض المتأخرين بما ذكره ياقوت الحموي في معجم البلدان بقوله: (بيض أيضاً من منازل بني كنانة بالحجاز، قال بديل بن عبد مناة الخزاعي يخاطب بني كنانة:

    ونحن منعنا بين بيض وعتود ... إلى خيف رضوى من مجرّ القبائل
    ونحن صبحنا بالتلاعة داركم ... بأسيافنا، يسبقن لوم العواذل).


    وفي هذا التعيين نظر؛ لبعد موضعه جداً عن منى.

    زواج النبي صلى الله عليه وسلم بها
    تزوّج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة في شوّال بعد السنة العاشرة من البعثة، وذلك قبل الهجرة بسنتين أو ثلاث سنين، وهي بنت ستّ سنين، ودخل بها بعد الهجرة إلى المدينة في شوال في السنة الأولى أو الثانية من الهجرة، وقد بلغت تسع سنين.
    - قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أريتك في المنام ثلاث ليال! جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك، فأكشف عن وجهك فإذا أنت هي، فأقول: إن يكُ هذا من عند الله يُمضه)). رواه البخاري ومسلم، وقد رواه عن هشام جماعة من الأئمة منهم: وهيب بن خالد، وحماد بن زيد، وأبو أسامة الكوفي، وأبو معاوية، ورواياتهم في الصحيحين وغيرهما بألفاظ متقاربة.
    - وقال محمد بن بشر العبدي: حدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قالا: لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون، قالت: يا رسول الله ألا تزوج؟
    قال: ((من؟)).
    قالت: إن شئت بكراً، وإن شئت ثيباً؟
    قال: ((فمن البكر؟)).
    قالت: ابنة أحبّ خلق الله عز وجل إليك عائشة بنت أبي بكر.
    قال: ((ومن الثيب؟)).
    قالت: سودة بنت زمعة، آمنت بك، واتبعتك على ما تقول.
    قال: ((فاذهبي فاذكريهما عليَّ)).
    فدخلت بيت أبي بكر، فقالت: يا أمَّ رومان! ماذا أدخل الله عز وجل عليكم من الخير والبركة؟
    قالت: وما ذاك؟
    قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة.
    قالت: انتظري أبا بكر حتى يأتي، فجاء أبو بكر، فقالت: يا أبا بكر ماذا أدخل الله عز وجل عليكم من الخير والبركة؟ قال: وما ذاك؟ قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطب عليه عائشة، قال: وهل تصلح له؟ إنما هي ابنة أخيه، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له.
    قال: " ارجعي إليه فقولي له: ((أنا أخوك وأنت أخي في الإسلام، وابنتك تصلح لي)).
    فرجعت فذكرت ذلك له، قال: انتظري وخرج.
    قالت أم رومان: إنَّ مطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، فوالله ما وعد وعداً قط فأخلفه لأبي بكر، فدخل أبو بكر على مطعم بن عدي وعنده امرأته أمّ الفتى، فقالت: يا ابن أبي قحافة! لعلك مصبئ صاحبنا مدخله في دينك الذي أنت عليه إنْ تزوّج إليك.
    قال أبو بكر للمطعم بن عدي: أَقَوْل هذه تقول.
    قال: إنها تقول ذلك.
    فخرج من عنده، وقد أذهب الله عز وجل ما كان في نفسه من عدته التي وعده فرجع، فقال لخولة: ادعي لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعته فزوّجها إيّاه وعائشة يومئذ بنت ست سنين، ثم خرجت فدخلت على سودة بنت زمعة.
    فقالت: ماذا أدخل الله عز وجل عليك من الخير والبركة؟
    قالت: ما ذاك؟
    قالت: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطبك عليه.
    قالت: وددت، ادخلي إلى أبي فاذكري ذاك له، وكان شيخاً كبيراً قد أدركته السنّ، قد تخلّف عن الحج، فدخلت عليه، فحيته بتحية الجاهلية؛ فقال: من هذه؟
    فقالت: خولة بنت حكيم.
    قال: فما شأنك؟
    قالت: أرسلني محمد بن عبد الله أخطب عليه سودة.
    قال: كفء كريم، ماذا تقول صاحبتك؟
    قالت: تحبّ ذاك.
    قال: ادعها لي؛ فدعتها؛ فقال: أي بنية إنَّ هذه تزعم أنَّ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قد أرسل يخطبك، وهو كفء كريم، أتحبين أن أزوجك به؟
    قالت: نعم.
    قال: ادعيه لي، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه فزوجها إياه، فجاءها أخوها عبد بن زمعة من الحج، فجعل يحثي على رأسه التراب!
    فقال بعد أن أسلم: لعمرك إني لسفيه يوم أحثي في رأسي التراب أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة.
    قالت عائشة: (فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث من الخزرج في السنح).
    قالت: (فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل بيتنا واجتمع إليه رجال من الأنصار، ونساء فجاءت بي أمي وإني لفي أرجوحة بين عذقين ترجح بي، فأنزلتني من الأرجوحة، ولي جُميمة ففرقتها، ومسحت وجهي بشيء من ماء، ثم أقبلت تقودني حتى وقفت بي عند الباب، وإني لأنهَجُ حتى سَكَنَ من نَفَسي، ثم دخلتْ بي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلستني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهم، وبارك لهم فيك.
    فوثب الرجال والنساء، فخرجوا وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا، ما نُحرت عليَّ جزور، ولا ذبحت عليَّ شاة، حتى أرسل إلينا سعد بن عبادة بجفنة كان يرسل بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دار إلى نسائه وأنا يومئذ بنت تسع سنين). رواه أحمد.
    - وقال عبد الله بن نمير، عن الأجلح [بن عبد الله الكندي] عن عبد الله بن أبي مليكة قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة إلى أبي بكر الصديق؛ فقال: يا رسول الله! إني كنت أعطيتها مُطعماً لابنه جبير فدعني حتى أسلَّها منهم؛ فاستسلّها منهم فطلّقها فتزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن سعد.
    - وقال عبد الله بن عمر بن أبان: حدّثنا أبو أسامة، عن الأجلح، عن ابن أبي مليكة، قال: «خطب النبي صلى الله عليه وسلم عائشة إلى أبي بكر وكان أبو بكر قد زوجها جبير بن مطعم فخلعها منه، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ابنة ست سنين، تركها ثلاث سنين، ثم بنى بها وهي بنت تسع سنين». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «تزوَّجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج، فوعكت فتمرق شعري، فوفى جميمة فأتتني أمي أم رومان، وإني لفي أرجوحة، ومعي صواحب لي، فصرخت بي فأتيتها، لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذت شيئاً من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين». رواه البخاري، ومسلم.
    - وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: حدثني عبد الله بن معاوية، عن هشام بن عروة، أنَّ عروة كتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان: « ونكح رسول الله صلى الله عليه وسلم عند متوفَّى خديجة عائشة رضي الله عنها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أريها في المنام ثلاث مرارٍ يُقال: هذه امرأتك عائشة، وكانت عائشة يوم نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنت ست سنين، ثم بنى بها وقدم المدينة وهي بنت تسع سنين». رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال عبدة بن سليمان، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «تزوَّجني النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ستّ سنين، وبنى بي وأنا بنت تسع سنين». رواه مسلم.
    - وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين، وزفَّت إليه وهي بنت تسع سنين ولُعَبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة». رواه مسلم.
    - وقال أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: «تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست، وبنى بها وهي بنت تسع، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة». رواه مسلم في الصحيح، وابن سعد في الطبقات.
    - وقال سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي عبيدة، عن عائشة، قالت: «أدخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت تسع سنين، ومكثت عنده تسع سنين». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال سفيان الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة، قالت: «تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأيّ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني؟!!».
    قال: «وكانت عائشة تستحب أن تدخل نساءها في شوال». رواه عبد الرزاق، وابن سعد، وإسحاق بن راهويه، وأحمد، ومسلم، وغيرهم.
    - قال أبو عاصم النبيل تلميذ سفيان الثوري: (إنما كره الناس أن يدخلوا النساء في شوال لطاعون وقع في شوال في الزمن الأول). رواه ابن سعد.
    - وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن، عن أسامة بن حفص، عن يونس، عن ابن شهاب قال: «تزوج عائشة بنت أبي بكر في شوال، وأعرس بها بالمدينة في شوال على رأس ستة عشر شهراً من مهاجره إلى المدينة». رواه الطبراني في المعجم الكبير، ومحمد بن حسن بن زبالة أخباريّ متروك الحديث من بابة الواقدي.
    - وقال أبو عبد الله الذهبي: (دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال بعد بدر، ولها من العمر تسع سنين).
    - - قلت: ( ظاهر ما ذكرته عائشة رضي الله عنها من سياق خبر زواجها يرجّح أنها زفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى، وما ذكره الذهبي إن كان مستنده ما ذكره ابن زبالة؛ فليس ممن يُركن إليه).
    - وقال زيد بن الحباب بن الريّان: حدثني حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «لما تزوَّجني النبي صلى الله عليه وسلم سمَّنني أهلي بكل شيء فلم أسمن، فأطعموني القثاء والرطب فسمنت عليه أحسن السمن». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #82
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)



    بعض أخبارها في بيت النبوة
    - قال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: « كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي؛ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه، فيسرّبهن إلي فيلعبن معي». رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
    - وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري: حدثني أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن عائشة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي، فأذن لها، فقالت: (يا رسول الله! إنَّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة).
    وأنا ساكتة.
    قالت: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم «أي بنية! ألست تحبين ما أحب؟!» فقالت: بلى.
    قال «فأحبّي هذه».
    قالت: فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فقلن لها: ما نراك أغنيتِ عنا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إنَّ أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة؛ فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبداً.
    قالت عائشة: فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأةً قطّ خيراً في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثاً، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشدَّ ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدَّق به، وتقرَّب به إلى الله تعالى، ما عدا سَوْرَةٍ من حدَّة كانت فيها، تسرع منها الفيئة.
    قالت: فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مِرْطها، على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    فقالت: يا رسول الله! إنَّ أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة.
    قالت: (ثم وقعت بي، فاستطالت عليَّ، وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طَرْفَه، هل يأذن لي فيها).
    قالت: (فلم تبرح زينب حتى عرفتُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر).
    قالت: فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وتبسم إنها «ابنة أبي بكر». رواه مسلم والنسائي في السنن الكبرى، ورواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد من طريق أبي اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري؛ فذكر الحديث بنحوه.
    - وقال إسرائيل بن يونس، عن جدّه أبي إسحاق السَّبيعي، عن العيزار بن حريث، عن النعمان بن بشير، قال: جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأذن له فدخل، فقال: يا ابنة أم رومان! وتناولها: أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
    قال: فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها.
    قال: فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لها يترضَّاها: « ألا ترين أني قد حِلْتُ بين الرجل وبينك».
    قال: ثم جاء أبو بكر، فاستأذن عليه، فوجده يضاحكها.
    قال: فأذن له فدخل؛ فقال له أبو بكر: (يا رسول الله! أشركاني في سِلْمِكما كما أشركتماني في حربكما). رواه أحمد في المسند وفي فضائل الصحابة، والطبراني في المعجم الكبير، ورواه أبو داوود في سننه من طريق حجاج بن محمد المصيصي عن يونس بن أبي إسحاق عن أبيه بنحوه.
    - وقال ابن شهاب الزهري، عن يحيى بن سعيد بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعذر أبا بكر من عائشة، ولم يخش النبي صلى الله عليه وسلم أن ينالها أبو بكر بالذي نالها، فرفع أبو بكر بيده فلطم في صدر عائشة، فوجد من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لأبي بكر: «ما أنا بمستعذرك منها بعد فعلتك هذه!». رواه معمر بن راشد في جامعه، ومن طريقه أحمد في فضائل الصحابة، وابن حبان في صحيحه.
    - وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى»
    قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟
    فقال: « أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت عليَّ غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم ».
    قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله! ما أهجر إلا اسمك). رواه البخاري ومسلم.
    - وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة، قالت: والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد، «ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم، ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن، الحريصة على اللهو». رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
    - وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجتُ مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس: «تقدموا» فتقدموا، ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك» فسابقته فسبقته، فسكت عني، حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: «تقدموا» فتقدموا، ثم قال: «تعالي حتى أسابقك» فسابقته، فسبقني، فجعل يضحك، وهو يقول: «هذه بتلك». رواه أحمد، وأبو داوود، والنسائي في السنن الكبرى، وغيرهم.

    فضائلها ومناقبها
    لعائشة رضي الله عنها فضائل كثيرة، ومناقب جليلة صحّت بها الأحاديث والآثار، فقد كانت أحبّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي زوجته في الدنيا والآخرة، نزل الملَك عليه بصورتها قبل أن يتزوجها، ولم يتزوّج بكراً غيرها، ورأت جبريلَ عليه السلام، وأقرأها السلام، ولها فضل امتازت به على سائر النساء حتى شبّه النبي صلى الله عليه وسلم فضلها على النساء بفضل الثريد على سائر الطعام، ولم ينزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلّم وهو في لحاف امرأة من نسائه غيرها، وبرَّأها الله مما قُذفت به بآيات من القرآن الكريم لا تزال تتلى إلى أن يأتي أمر الله، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مسندته على صدرها، في يومها، ودُفن في حجرتها.
    - قال عبد العزيز بن المختار: حدثنا خالد الحذاء، حدثنا أبو عثمان، قال: حدثني عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟
    قال: «عائشة».
    فقلت: من الرجال؟
    فقال: «أبوها».
    قلت: ثم من؟
    قال: «ثم عمر بن الخطاب» فعدّ رجالاً). رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن قيس بن أبي حازم قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل قال: قال عمرو بن العاص.
    قلت: يا رسول الله! من أحبّ الناس إليك؟
    قال: «عائشة».
    قال: قلت: إنما أقول من الرجال؟
    قال: «أبوها». رواه أحمد في فضائل الصحابة، والترمذي، وابن حبان، والحاكم في المستدرك.
    - قال ابن شهاب الزهري: قال أبو سلمة: إن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما: «يا عائش! هذا جبريل يقرئك السلام».
    فقلت: (وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى، تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري ومسلم.
    - وقال عبدة بن سليمان الكلابي، عن هشام بن عروة، عن صالح بن ربيعة بن هدير، عن عائشة قالت: أُوحيَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه فقمت فأجفت الباب فلما رُفِّه عنه؛ قال: ((يا عائشة! إنَّ جبريل يقرئك السلام)). رواه النسائي في السنن الكبرى.
    - وقال شعبة، عن عمرو بن مرة، عن مرة الهمداني، عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران، وإنَّ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)). رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
    - وقال عبد العزيز بن عبد الله الأويسي: حدثني محمد بن جعفر [بن أبي كثير]، عن عبد الله بن عبد الرحمن [أبي طوالة]، أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». رواه البخاري.
    ورواه مسلم من طريق القعنبي عن سليمان بن بلال عن أبي طوالة به.
    - وقال أيوب بن أبي تميمة السختياني، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، ويومي، وبين سحري ونحري، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك رطبٌ، فنظر إليه، فظننتُ أنَّ له فيه حاجة، قالت: فأخذته فمضغته، ونفضته وطيَّبته، ثم دفعتُه إليه، فاستنَّ كأحسن ما رأيته مستناً قطّ، ثم ذهب يرفعه إليَّ فسقط من يده، فأخذت أدعو الله عز وجل بدعاء كان يدعو له به جبريل عليه السلام، وكان هو يدعو به إذا مرض، فلم يدعُ به في مرضه ذلك، فرفع بصره إلى السماء، وقال: « الرفيق الأعلى، الرفيق الأعلى»، يعني وفاضت نفسه، فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخرِ يومٍ من أيّام الدنيا). رواه أحمد، والبخاري.
    - وقال وكيع بن الجراح، عن إسماعيل بن أبي خالد البجلي، عن مصعب بن إسحاق بن طلحة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت عائشة في الجنة كأني أنظر إلى بياض كفيها ليهوَّن بذلك علي عند موتي». رواه أحمد في فضائل الصحابة، ورواه ابن أبي شيبة من طريق أبي أسامة عن إسماعيل عن مصعب مرسلاً، ومصعب مجهول الحال، لكن للحديث طريق أخرى يُحسَّن بها.
    - وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا أبو حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة رضي الله عنه قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إنه ليهوّن عليَّ الموتُ أن أريتكِ زوجتي في الجنة)). رواه الحسين بن الحسن المروزي في زوائده على كتاب الزهد لابن المبارك، والطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال أسباط بن محمد الكوفي، عن مطرف بن طريف، عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن مصعب بن سعد قال: فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: (إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه ابن سعد في الطبقات، والحاكم في المستدرك، الخرائطي في اعتلال القلوب.
    - وقال عبد الوهاب بن عبد المجيد: حدثنا ابن عون، عن القاسم بن محمد أنَّ عائشة اشتكت؛ فجاء ابن عباس فقال: «يا أمَّ المؤمنين! تقدمين على فَرَطِ صِدْق، على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر». رواه البخاري.
    - وقال محمد بن جعفر غندر: حدثنا شعبة، عن الحكم بن عتيبة قال: سمعت أبا وائلٍ قال: لما بعث عليٌّ عَمَّاراً والحسنَ إلى الكوفة ليستنفرَهم خطب عَمَّارٌ فقال: «إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكنَّ الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها». رواه أحمد، والبخاري، وأبو يعلى، والبيهقي.
    - وقال وكيع بن الجراح، عن أبيه، عن أبي إسحاق [السبيعي]، عن عريب بن حميد قال: جاء رجلٌ إلى عليٍّ فوقع في عائشة فقام عمار فقال: «اخرج مقبوحاً منبوحاً، والله إنها لزوجة رسول الله في الدنيا والآخرة». رواه أحمد في فضائل الصحابة.
    - وقال إسرائيل بن يونس، عن جدّه أبي إسحاق السبيعي، عن عريب بن حميد قال: رأى عمارٌ يومَ الجملِ جماعةً، فقال: ما هذا؟
    فقالوا: رجلٌ يسبُّ عائشةَ ويقع فيها.
    قال: فمشى إليه عمار، فقال: (اسكت مقبوحاً! أتقع في حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إنها لزوجته في الجنة). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وابن سعد في الطبقات، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ.
    - وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها استعارت من أسماء قلادة؛ فهلكت؛ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً من أصحابه في طلبها، فأدركتهم الصلاة فصلَّوا بغير وضوء، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم شكوا ذلك إليه، فنزلت آية التيمم فقال: أسيد بن حضير: (جزاك الله خيرا؛ فوالله ما نزل بك أمرٌ قط إلا جعل الله لك منه مخرجاً، وجعل للمسلمين فيه بركة). رواه البخاري، ومسلم.
    - وقال حماد بن زيد: حدثنا هشام، عن أبيه، قال: كان الناس يتحرَّون بهداياهم يوم عائشة.
    قالت عائشة: فاجتمع صواحبي إلى أمّ سلمة؛ فقلن: يا أم سلمة! والله إنَّ الناس يتحرّون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث ما كان، أو حيث ما دار.
    قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي صلى الله عليه وسلم.
    قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليَّ ذكرت له ذاك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: «يا أم سلمة! لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليَّ الوحيُ وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها». رواه البخاري ، والترمذي، والنسائي.
    - وقال هشام بن عروة، عن عوف بن الحارث، عن رميثة، عن أمّ سلمة أنَّ نساء النبي صلى الله عليه وسلم كلمنها أن تكلم النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس كانوا يتحرون بهداياهم يوم عائشة وتقول له: «إنا نحبّ الخير كما تحب عائشة، فكلمته، فلم يجبها، فلما دار عليها، كلمته أيضاً، فلم يجبها».
    وقلن: ما ردَّ عليك؟
    قالت: «لم يجبني».
    قلن: لا تدعيه حتى يردَّ عليك، تنظرين ما يقول.
    فلما دار عليها الثالثة كلَّمته؛ فقال: «لا تؤذيني في عائشة، فإنه لم ينزل عليَّ الوحي، وأنا في لحاف امرأة منكن إلا في لحاف عائشة».
    فقلت: (أعوذ بالله أنْ أسوءَك في عائشة). رواه أحمد، والنسائي في السنن الكبرى، وأبو يعلى في مسنده، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، وابن حبان، وعوف بن الحارث هو ابن الطفيل بن الحارث بن سخبرة الأزدي، والطفيل أخو عائشة لأمّها، ورُميثة أخت عوف.
    - - قال أبو عبد الله الذهبي: (وهذا الجواب منه دالٌّ على أنَّ فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبّه لها، وأنَّ ذلك الأمرَ من أسباب حبّه لها).
    - وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما كان في مرضه، جعل يدور في نسائه، ويقول: «أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟» حرصاً على بيت عائشة.
    قالت عائشة: «فلما كان يومي سكن». رواه البخاري ومسلم، وزاد مسلم في رواية: (قالت: فلما كان يومي قبضه الله بين سحري ونحري).
    - وقال محمد بن بكار بن الريان البغدادي: حدثنا يوسف بن يعقوب بن الماجشون، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن عائشة أنها قالت: يا رسول الله! مَن أزواجك في الجنة؟
    قال: ((أما إنَّك منهن)).
    قالت: (فخُيِّلَ إليَّ أنَّ ذاكَ أنَّه لم يتزوج بكراً غيري). رواه الطبراني في المعجمين الكبير والأوسط، وابن حبان في صحيحه، والحاكم في المستدرك.
    - وقال القاضي أبو يوسف، عن أبي حنيفة، عن عون بن عبد الله، عن عامر الشعبي، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (في سبع خصال ليست في أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:
    = تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم بكراً، ولم يتزوج أحداً من نسائه بكراً غيري.
    = ونزل جبريل إليه بصورتي قبل أن يتزوجني، ولم ينزل صورة أحد من نسائه غيري.
    = ورأيتُ جبريلَ، ولم يره أحد من أزواجه غيري.
    = وكنت من أحبّهن إليه نفساً ووالداً.
    = وكان جبريل ينزل عليه بالوحي وأنا معه في شعاره، ولم يكن يأتيه وهو مع أحد من أزواجه غيري.
    = ونزل فيَّ آيات من القرآن، كاد يهلك فيها فئام من الناس.
    = ومات في يومي وليلتي، وبين سحري ونحري). رواه أبو يوسف في الآثار.
    - وقال عبد الله بن بُزيع قاضي تستر، عن أبي حنيفة، عن أبي إسحاق الشيباني، عن عامر الشعبي، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أُعطيت سبعاً لم يعطها نساء النبي صلى الله عليه وسلم:
    = كنت من أحبّ الناس إليه نفساً.
    = وأحبّ الناس إليه أباً.
    = وتزوَّجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً ولم يتزوج بكراً غيري.
    = وكان جبريل ينزل عليه بالوحي وأنا معه في لحاف، ولم يفعل ذلك لغيري.
    = وكان لي يومين وليلتين، وكان لنسائه يوم وليلة.
    = وأنزل في عذر من السماء، كاد أن يهلك بي فئام من الناس.
    = وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري). رواه الطبراني في الكبير.
    وروى أبو يعلى في مسنده من طريق عمر بن حفص عن أبي إسحاق الشيباني، عن علي بن زيد ابن جدعان، عن جدته، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لقد أعطيت تسعاً ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران..)، لكنّ عليّ بن زيد ابن جدعان ضعيف الحديث، وجدته لم أعرفها، إلا أن تكون العبارة قد تصحفت عن "عمّته" إلى "جدته"، وهي أمّ محمد، لها رواية، وقد اختلف فيها فقيل: عمّته، وقيل: امرأة أبيه.
    ويحتمل أن تكون العبارة تصحّفت عن جدّه، وهو عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان، له رواية عن عائشة.
    ويقوّي هذا الاحتمال أنَّ الحافظ المزي تعقّب صاحب الأطراف لما ذكر حديثاً فيه رواية علي بن زيد ابن جدعان عن جدته؛ فقال: (ذلك وهم منه، والصواب: جده عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جدعان).
    - وقال شعيب بن الحبحاب البصري: سمعت الشعبيَّ يحدّث عن مسروقٍ قال: كان إذا حدّث عن عائشة أمّ المؤمنين يقول: (حدثتني الصادقة بنت الصديق المبرأة كذا وكذا). رواه ابن سعد.
    - وقال الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق أنه كان إذا حدث عن عائشة قال: (حدثتني المبرَّأة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله). رواه ابن سعد في الطبقات، والطبراني في المعجم الكبير، ولحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الحلية.

    علمها وفقهها
    كانت عائشة رضي الله عنها أفقه النساء، لما حباها الله من منبت صدق، ومثوى مبارك في بيت النبوة، مع زكاة نفس، وطهارة قلب، وذكاء حادّ، وفطنة ونباهة، ونهمة في طلب العلم؛ فقد كانت لا تدع شيئاً لا تعرفه إلا سألت عنه، فتعلّمت من رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً غزيراً، وروت عنه فأكثرت وأطابت.
    - قال داوود بن أبي هند، عن الشعبي عن مسروق قال: قالت عائشة: أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار} قالت: فقلت: أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: " على الصراط " رواه الإمام أحمد ومسلم.
    - وقال عفان بن مسلم الصفار: حدثنا القاسم بن الفضل، قال: قال الحسن: قالت عائشة: يا رسول الله! {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} أين الناس؟
    قال: «إنَّ هذا لشيءٌ ما سألني عنه أحدٌ من أمّتي قبلَك، الناس على الصراط». رواه أحمد.
    - وقال نافع بن عمر الجُمحي: حدثني ابن أبي مليكة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كانت لا تسمع شيئا لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حوسب عذب» قالت عائشة: فقلت أوليس يقول الله تعالى: {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} قالت: فقال: " إنما ذلك العرض، ولكن: من نوقش الحساب يهلك). رواه البخاري.
    ورواه أبو داوود من طريق أبي عامر الخزاز، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قلت: يا رسول الله! إني لأعلم أشدَّ آية في القرآن؟
    قال: «أية آية يا عائشة؟»
    قالت: قول الله تعالى: {من يعمل سوءا يجز به}.
    قال: «أما علمت يا عائشة أنَّ المؤمن تصيبه النكبة، أو الشوكة فيكافأ بأسوإ عمله، ومن حوسب عذب»
    قالت: أليس الله يقول: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً}، قال: «ذاكم العرض، يا عائشة من نوقش الحساب عذب».
    - وقال زياد بن الربيع اليحمدي البصري: حدثنا خالد بن سلمة المخزومي، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (ما أشكل علينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علماً). رواه الترمذي.
    - وقال محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: «ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلت، ولا فريضة من عائشة»رواه ابن سعد.
    - وقال عبد الله بن يوسف التنّيسي: حدثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: «ما رأيت امرأة كانت أعلم بطب، ولا بِفقهٍ، ولا بشعر من عائشة». رواه الطبراني في المعجم الكبير، ورواه أبو القاسم اللالكائي في السنة من طريق عمرو بن عبيد الله الأودي عن أبي معاوية به.
    - وقال عبد الله بن معاوية الزبيري: حدثنا هشام بن عروة قال: كان عروة يقول لعائشة: يا أمتاه! لا أعجب من فقهك أقول: زوجة نبي الله وابنة أبي بكر!! ولا أعجب من علمك بالشعر وأيّام الناس أقول: ابنة أبي بكر، وكان أعلم الناس، ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو؟!! ومن أين هو؟!! أو ما هو؟!!
    قال: فضربت على منكبه وقالت: أي عُريّة! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره أو في آخر عمره، وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه؛ فتنعت له الأنعاتَ، وكنت أعالجها له فمن ثَم). رواه أحمد في المسند، وأبو نعيم في معرفة الصحابة.
    - وقال أبو مسعود أحمد بن الفرات الضبي: أخبرنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: ما رأيت أحداً أعلمَ بالطبِّ من عائشة رضي الله عنها؛ فقلت: يا خالة! ممن تعلمت الطب؟
    قالت: (كنت أسمع الناسَ ينعَتُ بعضُهم لبعضٍ فأحفظه). رواه أبو بكر الآجري في الشريعة، وأبو نعيم الأصبهاني في الطبّ النبوي.
    - وقال سعيد بن سليمان الضبّي، عن أبي أسامة الكوفي، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: لقد صحبت عائشة رحمها الله حتى قلت قبل وفاتها بأربع سنين أو خمس سنين: لو توفيت اليوم ما ندمت على شيء فاتني منها؛ فما رأيت أحدا قطّ كان أعلم بآية أنزلت، ولا بفريضة، ولا بسنة، ولا أعلم بشعر ولا أروى له، ولا بيوم من أيام العرب، ولا بنسب، ولا بكذا، ولا بكذا، ولا بقضاء، ولا طبٍّ منها!!
    فقلت لها: يا خالة! الطب من أين علمته؟
    فقالت: (كنت أمرضُ فيُنعت لي الشيء، ويمرض المريض فيُنعت له، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض فأحفظه).
    قال عروة: (فلقد ذهب عامة علمها لم أسأل عنه). رواه أبو بكر الآجري في الشريعة.
    - وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق أنه قيل له: هل كانت عائشة تحسن الفرائض؟
    فقال:(إي والذي نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض). رواه ابن المبارك في الزهد، وابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في مصنفه، والطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك وغيرهم، ورواه الدارمي من طريق عقبة بن خالد السكوني عن الأعمش بنحوه.
    ورواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ من طريق عمر بن حفص بن غياث عن أبيه عن الأعمش بنحوه.
    - وقال أحمد بن يونس: حدثنا المعافى بن عمران، قال: حدثنا المغيرة بن زياد، عن عطاء [بن أبي رباح] قال: «كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامّة». رواه الحاكم في المستدرك، وفيه المغيرة بن زياد البجلي وثّقه يحيى بن معين، وضعّفه الإمام أحمد.
    يتبع




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #83
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)



    فصاحتها ونبوغها
    كانت عائشة رضي الله عنها فصيحة بليغة، صاحبة منطق سديد، وحجة قوية، وبراعة في الخطاب بما يقتضيه المقام، وكانت مع ذلك حافظة لكثير من أخبار العرب وأشعارهم وأنسابهم، وكانت ربما حدَّثت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وآنسته ببعض طرائف أخبار العرب؛ كما حدثته بحديث أمّ زرع المشهور في الصحيحين وغيرهما.
    - قال معمر، عن الزهري، عن القاسم بن محمد قال: قال معاوية: (تالله ما رأيتُ خطيباً أبلغ ولا أفضل من عائشة رضي الله عنها). رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني.
    - وقال صالح بن كيسان، عن الزهري، عن القاسم بن محمد، أنَّ معاوية دخل على عائشة رضي الله عنهما فلما خرج قام متكئا على ذكوان فقال: (والله ما رأيتُ خطيباً ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغَ ولا أفطنَ من عائشة رضي الله عنها). رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، والطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال عبد الله بن وهب: أخبرني جابر بن إسماعيل، وغيره، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أنها كانت تقول: الشعر منه حسن ومنه قبيح، خذ بالحسن ودع القبيح، ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارا، منها القصيدة فيها أربعون بيتا، ودون ذلك). رواه البخاري في الأدب المفرد.
    - وقال الزبير بن بكار: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: ما رأيت أحداً أروى للشعر من عروة!!
    فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله!!
    فقال: (وما روايتي من رواية عائشة!! ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدَتْ فيه شعراً). رواه ابن عساكر.
    - وقال إبراهيم بن سعد الزهري: أخبرني صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة، قال: كانت عائشة أروى الناس للشعر، وكانت تنشد قول لبيد:

    ذهب الذين يعاش في أكنافهم ... وبقيت في خلف كجلد الأجرب



    يتغايرون خيانة وملاذة ... ويعاب قائلهم وإن لم يشغب


    ثم تقول: كيف بلبيد لو أدرك من نحن بين ظهرانيه؟
    قال عروة: كيف بعائشة لو أدركت من نحن بين ظهرانيه). رواه أبو داوود في الزهد، والبيهقي في الزهد الكبير.
    يتغايرون: أي يغير بعضهم على بعض.
    - وقال معاوية بن عمرو ابن الكرماني، عن زائدة [بن قدامة الثقفي]، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة بن عبيد الله، قال: «ما رأيتُ أحداً أفصحَ من عائشة». رواه أحمد في فضائل الصحابة، والترمذي في جامعه، والطبراني في المعجم الكبير، والحاكم في المستدرك.
    - وقال خالد الحذاء، عن محمد بن سيرين، عن الأحنف بن قيس، قال: «سمعت خطبة أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم والخلفاء هلم جرا إلى يومي هذا، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من في عائشة رضي الله عنها». رواه الحاكم في المستدرك.


    صبرُها وعفّتها
    صبرت عائشة رضي الله عنها صبراً حسناً على ما أصابها من الابتلاء في بيت النبوة، ونالها نصيب مما ابتلي به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت في الصحيح أن أشدّ الناس ابتلاء الأنبياء؛ فصبرت على قلة الزاد حتى كان ربما مرّ بها الشهر والشهران والثلاثة لا يوقد في بيتها نار لصنع طعام، وابتليت بحادثة الإفك فصبرت حتى أنزل الله براءتها، وأوذيت بالسحر مرتين؛ مرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فقد روي أنه حُبس عنها سنة، ومرة بعد وفاته فمرضت منه مرضاً اشتدّ عليها حتى فرّج الله عنها، وحُلَّ عنها السحر، وأصابها أنواع من الابتلاء غير ذلك فصبرت صبراً جميلاً، ورفع الله شأنها.
    - قال عاصم بن أبي النجود: سمعت مصعب بن سعد يحدث عن أبيه سعد بن أبي وقاص قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟
    فقال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى الرجل علي حسب دينه، فإن كان رقيق الدين ابتلي على حسب ذاك، وإن كان صلب الدين ابتلي على حسب ذاك)).
    قال: ((فما تزال البلايا بالرجل حتى يمشي في الأرض وما عليه خطيئة)). رواه أحمد والدارمي وابن ماجه والترمذي والنسائي في الكبرى وغيرهم، وبوّب البخاري في صحيحه (باب أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل).
    - قال معمر بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن يحيى بن يعمر قال: (حُبس رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة سنة، فبينا هو نائم أتاه ملكان؛ فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه؛ فقال أحدهما لصاحبه: سحر محمد؟
    فقال الآخر: أجل، وسحره في بئر أبي فلان.
    فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك السحر فأخرج من تلك البئر). رواه عبد الرزاق، لكنّه مرسل، وعطاء الخراساني يُضعَّف في الحديث.
    - وقال أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن بن حارثة الأنصاري، عن أمّه عمرة بنت عبد الرحمن قالت: مرضت عائشة فطال مرضها؛ فذهب بنو أخيها إلى رجل فذكروا مرضها؛ فقال: إنكم لتخبروني خبر امرأة مطبوبة.
    قال: فذهبوا ينظرون، فإذا جارية لها سحرتها، وكانت قد دبَّرتها، فسألتها فقالت: ما أردت مني؟
    فقالت: أردت أن تموتي حتى أعتق.
    قالت: فإنَّ لله عليَّ أن تباعي من أشد العرب ملكة؛ فباعتها وأمرت بثمنها أن يجعل في غيرها). رواه عبد الرزاق في مصنفه، والبخاري في الأدب المفرد، والدارقطني في سننه، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى.
    ورواه الشافعي عن مالك عن أبي الرجال مختصراً.
    - وقال عبد العزيز ابن أبي حازم، عن أبيه، عن يزيد بن رومان، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت لعروة: « ابن أختي! إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار!!».
    فقلت: يا خالة! ما كان يعيشكم؟
    قالت: (الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم، فيسقينا). رواه البخاري، ومسلم.
    - وقال عبد الله بن وهب: أخبرني أبو صخر، عن ابن قسيط، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: «لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز، وزيت في يوم واحد مرتين». رواه مسلم.
    - وقال يزيد بن كيسان: حدثني أبو حازم، قال: رأيت أبا هريرة يشير بإصبعه مراراً، يقول: (والذي نفس أبي هريرة بيده ما شبع نبي الله صلى الله عليه وسلم وأهله، ثلاثة أيام تباعا من خبز حنطة، حتى فارق الدنيا). رواه مسلم.
    - وقال أبو أسامة الكوفي: حدثنا هشام [بن عروة]، عن أبيه، عن عائشة قالت: «توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شَطْرَ شعير في رفٍّ لي، فأكلت منه حتى طال عليَّ، فكلته ففني». رواه البخاري ومسلم.
    - وقال ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: (يا ابن أختي! كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق الوفرة ودون الجمة، وايم الله يا ابن أختي! إن كان ليمرّ على آل محمد صلى الله عليه وسلم الشهر، ما يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من نارٍ إلا أن يكون اللُّحيم، وما هو إلا الأسودان: الماء والتمر، إلا أنَّ حولنا أهل دور من الأنصار جزاهم الله خيراً في الحديث والقديم، فكلَّ يومٍ يبعثون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغزيرة شاتهم، يعني: فينال رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اللبن، ولقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما في رفّي من طعام يأكله ذو كبد إلا قريب من شطر شعير، فأكلت منه حتى طالَ عليَّ لا يفنى، فَكِلْتُه ففني، فليتني لم أكن كِلْته، وايم الله لئن كان ضِجَاعه من أدم حشوه ليف). رواه أحمد.
    - وقال منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعي، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، قالت: «ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام برٍّ ثلاث ليالٍ تباعاً حتى قُبض». رواه البخاري ومسلم.
    - وقال شعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق السبيعي قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدّث عن الأسود، عن عائشة، أنها قالت: «ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم، من خبز شعير يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم». رواه أحمد، ومسلم.
    - وقال هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «إنْ كنَّا آل محمد صلى الله عليه وسلم لنمكث شهراً ما نستوقد بنار، إن هو إلا التمر والماء». رواه مسلم، وابن أبي شيبة.

    زهدها وورعها
    كانت عائشة رضي الله عنها على مرتبة عالية من الزهد والورع، ولم يغيّرها ما فتح لها من الرزق الكثير في زمن الخلفاء الراشدين وما بعده؛ فكانت ربما تصدّقت بما يأتيها من مالٍ، وبقيت على حالها ترقَع قميصها وتأكل مما يتيسّر لها من يسير الطعام.
    - قال وكيع بن الجراح: حدثنا الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير، قال: «كانت عائشة تقسم سبعين ألفاً، وهي تَرْقَع دِرْعَها ». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال أبو معاوية الضرير، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة قال: (رأيتُها تصدَّق بسبعين ألفاً، وإنها لترقع جانب درعها). رواه ابن سعد.
    ورواه أبو داوود في الزهد من طريق أبي أمامة عن الأعمش بنحوه، وزاد: (لترقع جانب درعها أو تنكّسه).
    - وقال أبو معاوية الضرير: حدثنا هشام بن عروة، عن محمد بن المنكدر، عن أمّ ذرة قالت: بعث ابنُ الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين يكون مائة ألف فدعت بطبق، وهي يومئذ صائمة؛ فجعلت تقسم في الناس.
    قال: فلما أمست قالت: (يا جارية! هاتي فطري).
    فقالت أم ذرة: يا أم المؤمنين! أما استطعت فيما أنفقت أن تشتري بدرهم لحماً تفطرين عليه؟!!
    فقالت: (لا تعنفيني، لو كنتِ أذكرتِني لفعلت). رواه ابن سعد.
    - وقال هشام بن حسان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أن معاوية بن أبي سفيان بعث إلى عائشة، رضي الله عنها بمائة ألف، فقسمتها حتى لم تترك منها شيئا، فقالت بريرة: أنت صائمة، فهلا ابتعت لنا بدرهم لحما؟
    فقالت عائشة: «لو أني ذكرت لفعلت». رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال شعيب بن الحبحاب، عن أبي سعيد كثير بن عبيد رضيع عائشة، أنَّ داخلاً دخل على عائشة وهي تخيط نقبة لها؛ فقال: يا أمَّ المؤمنين! أليس قد أكثر الله الخير؟
    قالت: (دعنا منك، لا جديد لمن لا خَلَقَ له). رواه ابن سعد.
    - وقال يزيد بن هارون: أخبرنا ابن عون، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر قال: (كانت أمُّ المؤمنين إذا تعوَّدَت خَلَقا لم تحبَّ أن تدعه). رواه ابن سعد.

    سَمْتها وهديها
    كانت عائشة رضي الله عنها على قدرٍ عالٍ من التعبّد، والمداومة على كثرة الصلاة، والصيام، والذكر، وتلاوة القرآن، والمسارعة في الخيرات، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامّتهم، والتفقيه في الدين، وإفتاء المستفتين، وإنكار المنكر، وتعليم الخير، ورعاية الأيتام، وكانت قدوة صالحة للنساء في زمانها؛ ومعلّمة للرجال والنساء، فنفع الله بها الأمة نفعاً عظيماً.
    - قال ابن شهاب الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قطّ، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس؛ فيفرض عليهم). رواه مالك، وأحمد، والبخاري، ومسلم.
    - وقال يوسف بن الماجشون، عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن جدته رميثة، قالت: أصبحت عند عائشة فلما أصبحنا قامت فاغتسلت، ثم دخلت بيتا لها فأجافت الباب، قلت: يا أم المؤمنين! ما أصبحت عندك إلا لهذه الساعة.
    قالت: فادخلي.
    قالت: فدخلت؛ فقامت؛ فصلَّت ثماني ركعات، لا أدري أقيامهنّ أطول أم ركوعهن أم سجودهن؟
    ثم التفتت إليَّ فضربت فخذي، فقالت: (يا رميثة! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها، ولو نشر لي أبواي على تركها ما تركتها). رواه النسائي في السنن الكبرى.
    - وعن زيد بن أسلم، عن عائشة أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات، ثم تقول: «لو نشر لي أبواي ما تركتهن». رواه مالك في الموطأ.
    - وقال شعبة بن الحجاج: أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه (أنَّ عائشة كانت تصوم الدهر). رواه ابن سعد في الطبقات، والفريابي في كتاب الصيام.
    - وقال حيوة بن شريح، عن أبي الأسود يتيم عروة، عن عروة (أن عائشة رضي الله عنها كانت تصوم الدهر في السفر والحضر). رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار، والبيهقي في السنن الكبرى.
    - وقال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، أن عبد الرحمن بن القاسم حدَّثه أنَّ أباه حدَّثه أنَّ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت «تصوم الدهر ولا تفطر إلا يوم أضحى أو يوم فطر». رواه الفريابي في كتاب الصيام.
    - وقال وكيع، عن سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن مجاهد، عن عائشة رضي الله عنها أنها «كانت تقرأ في رمضان في المصحف بعد الفجر؛ فإذا طلعت الشمس نامت». رواه الفريابي في فضائل القرآن.
    - وقال ابن جريج: أخبرني عطاء [بن أبي رباح] حين منع ابن هشام النساء الطواف مع الرجال، فأخبرني وقال: كيف تمنعهن الطواف؟
    وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال.
    قلت: أبعد الحجاب؟
    قال: إي لعمري! أدركت لعمري بعد الحجاب.
    قلت: كيف يخالطن الرجال؟
    قال: لم يكن يفعلن، كانت عائشة تطوف حجزة من الرجال لا تخالطهم؛ فقالت امرأة معها: انطلقي بنا يا أم المؤمنين نستلم؛ فجذبتها، وقالت: «انطلقي عنك» وأبت أن تستلم.
    وكنَّ يخرجن مستترات بالليل، فيطفن مع الرجال لا يخالطنهم.
    قال: ولكنهنَّ إذا دخلن البيت سُترن حين يدخلن، ثم أُخرج عنه الرجال.
    قال: وكنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير.
    قلت: فما حجابها حينئذ؟
    قال: هي في قبة لها تركية عليها غشاء لها، بيننا وبينها.
    قال: (ولكن قد رأيت عليها درعاً معصفراً وأنا صبي). رواه عبد الرزاق في مصنفه.
    ورواه الفاكهي في أخبار مكة من طريق محمد ابن جعشم الصنعاني عن ابن جريج بنحوه.
    - وقال حجاج بن محمد المصيصي، عن ابن جريج قال: قال عطاء: كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير وهي مجاورة في جوف ثبير.
    قال: قلت: وما حجابها يومئذ؟
    قال: (هي حينئذ في قبة لها تركية عليها غشاؤها بيننا وبينها، ولكن قد رأيت عليها درعاً معصفراً وأنا صبي). رواه ابن سعد.
    - وقال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة، أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي هو وأبوه، وعبيد بن عمير، والمسور بن مخرمة، وناس كثير، فيؤمهم أبو عمرو مولى عائشة، وأبو عمرو غلامها لم يعتق، فكان إمامَ أهلها محمد بن أبي بكر، وعروة، وأهلهما، إلا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، كان يستأخر عنه أبو عمرو.
    قالت عائشة: «إذا غيبني أبو عمرو ودلاني في حفرتي فهو حر». رواه عبد الرزاق.
    - وقال أبو معاوية: حدثنا يزيد بن زياد، عن عبيد بن أبي الجعد، عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فقال: «اقسميها».
    قال: وكانت عائشة إذا رجعت الخادم قالت: ما قالوا لك؟
    فتقول: يقولون: بارك الله فيكم.
    فتقول عائشة: (وفيهم بارك الله، نردّ عليهم مثل ما قالوا، ويبقى أجرنا لنا). رواه النسائي في السنن الكبرى.
    - وقال سعد بن سعيد بن قيس الأنصاري: أخبرني القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحبّ الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قلّ».
    قال: (وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته). رواه مسلم.
    - وقال القاسم بن الفضل الحدّاني: حدثنا محمد بن علي قال: كانت عائشة تدَّان، فقيل لها: ما لك وللدَّين؟!
    قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد كانت له نيّة في أداء دينه إلا كان له من الله عز وجل عونٌ» فأنا ألتمس ذلك العون). رواه أحمد، والبيهقي.
    وفيه انقطاع لكن له شاهد.
    - وقال طلحة بن شجاع الأزدي: حدثتني ورقاء بنت هداب، أنَّ عمر بن الخطاب كان إذا خرج من منزله مرَّ على أمهات المؤمنين؛ فيسلّم عليهنَّ قبل أن يأتي مجلسه؛ فإذا انصرف إلى منزله مرَّ عليهن، وكان كلما مرَّ وجد على باب عائشة رجلاً جالساً؛ فقال له: «ما لي أراك هاهنا جالسا؟»
    قال: حقّ لي أطلب به أم المؤمنين! فدخل عليها عمر.
    فقال: لها: يا أم المؤمنين! ما لك في سبعة آلاف كفاية في كل سنة؟
    قالت: بلى، ولكن عليَّ فيها حقوق، وقد سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: «من كان عليه دين يهمّه قضاؤه أو همّ بقضائه لم يزل معه من الله حارس؛ فأنا أحب أن لا يزال معي من الله حارس». رواه الطبراني في المعجم الأوسط.
    - وقال ابن جريج: أخبرني عمرو بن يحيى، قال: حدثتني مريم بنت إياس، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عندك ذريرة؟»
    فقالت: نعم.
    فدعا بها فوضعها على بثرة بين إصبعين من أصابع رجله، ثم قال: «اللهم مطفئ الكبيرة، ومكبّر الصغيرة، أطفئها عني» فطفئت). رواه النسائي في السنن الكبرى.
    - - قال أبو الوليد الباجي في المنتقى: (وكانت عائشة - رضي الله عنها - كثيرة الاسترقاء، قال مالك في العتبية: بلغني أنها كانت ترى البثرة الصغيرة في يدها فتلح عليها بالتعويذ فيقال لها: إنها صغيرة فتقول إن الله عز وجل يعظم ما يشاء من صغير ويصغر ما يشاء من عظيم).
    - - وقال أبو منصور الأزهري: (الذريرة فُتاتٌ من قَصَب الطِّيبِ الذي يـُجَاء به من بلاد الهند، يشبه قَصَب النُّشَّاب).

    خوفها وخشيتها
    كانت عائشة رضي الله عنها مع بلوغها مرتبة عالية في العلم، والتقوى، والتعبّد، والأعمال الصالحة الكثير عظيمة الخشية لله تعالى، بعيدة عن تزكية نفسها، بل كانت تكره أن يُثنى عليها وإذا سًلت عن حالها قالت: بخير إن اتّقيت.
    - وقال هشام بن عروة: كان أبي يحدّث عن عائشة أنها قالت: (لوددت أني إذا متُّ كنت نسيا منسيا). رواه ابن وهب في جامعه، وابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في المصنف، وابن أبي الدنيا في كتاب المتمنين.
    - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا هشام بن المغيرة، حدثني يحيى بن عمرو [الهمداني]، عن أبيه عمرو بن سلمة أن عائشة قالت: (والله لوددتُ أني كنت شجرة، والله لوددت أني كنت مدرة، والله لوددت أن الله لم يكن خلقني شيئا قط). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي الدنيا في كتاب المتمنين.
    - وقال محمد بن عبد الله الأسدي: حدثنا مسعر، عن حماد، عن إبراهيم قال: قالت عائشة: (يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة). رواه ابن سعد في الطبقات.
    - وقال يحيى بن سعيد القطان، عن عمر بن سعيد النوفلي قال: أخبرني ابن أبي مليكة قال: استأذن ابن عباس على عائشة قبيل موتها وهي مغلوبة؛ فقالت: إني أخشى أن يُثني عليَّ!
    فقيل لها: ابن عم رسول الله ومن وجوه المسلمين.
    قالت: ائذنوا له.
    فقال: «كيف تجدينك يا أمَّه؟»
    قالت: بخير إن اتقيت.
    قال: «فإنك بخير إن شاء الله، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينكح بكراً غيرك، ونزل عذرك من السماء».
    ودخل ابن الزبير خلافه، فقالت: (دخل ابن عباس فأثنى، وددت أني كنت نسياً منسياً). رواه أحمد في فضائل الصحابة، والبخاري في صحيحه.
    - وقال معمر بن راشد، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن ابن أبي مليكة، عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقال: هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك، فقالت: دعني من ابن عباس ومن تزكيته، فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن: إنه قارئ لكتاب الله فقيه في دين الله، فأذني له ليسلم عليك، وليودعك.
    قالت: فأذن له إن شئت.
    قال: فأذن له فدخل ابن عباس ثم سلَّم وجلس؛ فقال: (أبشري يا أمَّ المؤمنين! فوالله ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب - أو قال: وصب - وتلقي الأحبّة محمداً وحزبه، - أو قال: أصحابه- إلا أن يفارق روحك جسدك.
    فقالت: وأيضاً؟
    فقال ابن عباس: (كنتِ أحبَّ أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن ليحبّ إلا طيباً، وأنزل الله عز وجل براءتك من فوق سبع سموات؛ فليس في الأرض مسجدٌ إلا هو يتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها، أو قال: في طلبها حتى أصبح القوم من غير ماء، فأنزل الله عز وجل {فتيمموا صعيدا طيبا} الآية؛ فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك؛ فوالله إنك لمباركة.
    فقالت: (دعني يا ابن عباس من هذا! فوالله لوددت لو أني كنت نسياً منسياً). رواه أحمد في فضائل الصحابة، وفي المسند.
    - قال وكيع بن الجراح: حدثنا هارون بن أبي إبراهيم، عن عبد الله بن عبيد قال: استأذن ابن عباس على عائشة في مرضها الذي ماتت فيه؛ فأبت أن تأذن له فلم يزل بها حتى أذنت له فسمعها وهي تقول: «أعوذ بالله من النار».
    قال: « يا أم المؤمنين! إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أعاذكِ من النار، كنتِ أوَّل امرأة نزل عذرها من السماء». رواه أحمد في فضائل الصحابة.


    يتبع




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #84
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)



    حادثة الإفك
    - قال ابن شهاب الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، وسعيد بن المسيب، وعلقمة بن وقاص، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله مما قالوا، وكلٌّ حدثني طائفة من الحديث، وبعض حديثهم يصدّق بعضاً، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض الذي حدثني عروة عن عائشة رضي الله عنها أنَّ عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نزل الحجاب، فأنا أحمل في هودجي، وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت، وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافاً، لم يثقلهن اللحم، إنما تأكل العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب؛ فأممت منزلي الذي كنت به، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إليَّ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأدلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني فعرفني حين رآني، وكان رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي، ووالله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، فهلك من هلك، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول، فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطفَ الذي كنتُ أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: «كيف تيكم؟» ثم ينصرف، فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشرّ حتى خرجتُ بعدما نقهت، فخرجَتْ معي أم مسطح قِبَل المناصع، وهو متبرزنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل، وذلك قبل أن نتّخذ الكنف قريباً من بيوتنا، وأَمْرُنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط، فكنّا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأمّ مسطح وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي، وقد فرغنا من شأننا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فقالت: تعس مسطح.
    فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبين رجلا شهد بدرا؟
    قالت: أي هنتاه أولم تسمعي ما قال؟
    قالت: قلت: وما قال؟
    فأخبرتني بقول أهل الإفك، فازددت مرضاً على مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، ودخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم - تعني سلَّم -، ثم قال: «كيف تيكم؟»
    فقلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟
    قالت: وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما.
    قالت: فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت أبويَّ فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟
    قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثرن عليها.
    قالت: فقلت: سبحان الله!! أولقد تحدث الناس بهذا؟!!
    قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحتُ لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله.
    قالت: فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الودّ؛ فقال: يا رسول الله! أهلك ولا نعلم إلا خيراً، وأما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله! لم يضيّق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك.
    قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة، فقال: «أي بريرة! هل رأيت من شيء يريبك؟».
    قالت بريرة: لا والذي بعثك بالحق، إنْ رأيتُ عليها أمراً أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السنّ تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله.
    فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي ابن سلول، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر: «يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجلٍ قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلا خيراً، وما كان يدخل على أهلي إلا معي».
    فقام سعد بن معاذ الأنصاري، فقال: يا رسول الله! أنا أعذرك منه، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
    قالت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً، ولكن احتملته الحمية، فقال لسعد: كذبتَ لعمر الله لا تقتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبتَ لعمر الله لنقتلنَّه، فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت.
    قالت: فبكيتُ يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم.
    قالت: فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً لا أكتحل بنوم، ولا يرقأ لي دمع، يظنّان أنَّ البكاءَ فالقٌ كبدي.
    قالت: فبينما هما جالسان عندي، وأنا أبكي فاستأذنت عليَّ امرأة من الأنصار، فأذنت لها فجلست تبكي معي.
    قالت: فبينا نحن على ذلك، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلَّم ثم جلس، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهراً لا يوحَى إليه في شأني.
    قالت: فتشهَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: «أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنَّ العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه».
    قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحسّ منه قطرة؛ فقلت لأبي: أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال!
    قال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم!
    فقلت لأمّي: أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم!
    قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم!
    قالت: فقلت وأنا جارية حديثة السنّ لا أقرأ كثيراً من القرآن: (إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدَّقتم به فلئن قلت لكم: إني بريئة، والله يعلم أني بريئة لا تصدّقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدّقني، والله ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبي يوسف، قال:{فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}).
    قالت: ثم تحوَّلت فاضطجعت على فراشي.
    قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة، وأنَّ الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحياً يتلى، ولشأني في نفسي كان أحقرَ من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يُتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها.
    قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء، حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العَرَق وهو في يوم شاتٍ، من ثقل القول الذي ينزل عليه.
    قالت: فلما سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُرّي عنه وهو يضحك، فكانت أوَّل كلمةٍ تكلَّم بها: «أبشري يا عائشة! أما الله عز وجل فقد برَّأك».
    فقالت أمي: قومي إليه!
    قالت: فقلت: لا والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل، فأنزل الله عز وجل: {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه} العشر الآيات كلّها.
    فلما أنزل الله هذا في براءتي، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال؛ فأنزل الله: {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}.
    قال أبو بكر: بلى والله إني أحبّ أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبداً.
    قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري، فقال: «يا زينب! ماذا علمت أو رأيت؟».
    فقالت: يا رسول الله! أحمي سمعي وبصري، ما علمت إلا خيراً.
    قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع، وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك).
    قال ابن شهاب: «فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط». رواه أحمد، والبخاري ومسلم.
    - وقال صالح بن كيسان، عن الزهري قال: قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسبَّ عندها حسان، وتقول: (فإنه قال:

    فإنَّ أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء).

    قال عروة: قالت عائشة: والله إنَّ الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول: (سبحان الله! فوالذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط).
    قالت: (ثم قتل بعد ذلك شهيدا في سبيل الله). رواه البخاري ومسلم.
    - وقال وكيع بن الجراح، عن نافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة رضي الله عنها: كانت تقرأ: [إذ تَلِقُونه بألسنتكم] وتقول: (الولق: الكذب).
    قال ابن أبي مليكة: «وكانت أعلم من غيرها بذلك لأنه نزل فيها». رواه البخاري. - وقال عبد الله بن أبي بكر ابن حزم، عن عمرة، عن عائشة قالت: «لما أنزل الله براءتها حد النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء النفر الذين قالوا فيها ما قالوا». رواه عبد الرزاق. - قال أبو عبد الله الذهبي: (شأن الإفك كان في غزوة المريسيع سنة خمس من الهجرة، وعمرها رضي الله عنها يومئذ اثنتا عشرة سنة).


    خروجها يوم الجمل
    خرجت عائشة رضي الله عنها مع طلحة والزبير إلى العراق لتصلح بين المسلمين بعد فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، لكن جرت الأمور على غير ما خرجت له؛ ووقعت وقعة الجمل، وقتل حولها خلق كثير، وندمت ندامة شديدة على خروجها، وكان خروجها قدراً مقدوراً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أخبرها وأخبر بعض أصحابه بما سيكون من ذلك، ولمّا حمل هودجها إلى عليّ بن أبي طالب عاتبها على خروجها، ثم أحسن إليها، وجهّزها إلى المدينة.
    - قال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلاً نبحت الكلاب، قالت: أيّ ماء هذا؟
    قالوا: ماء الحوأب.
    قالت: ما أظنني إلا أني راجعة
    فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون، فيصلح الله عز وجل ذات بينهم.
    قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا ذات يوم: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟». رواه أحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى الموصلي، وابن حبان، والحاكم.
    - قال وكيع بن الجراح، عن عصام بن قدامة البجلي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيتكنَّ صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حولها قتلى كثيرة، تنجو بعدما كادت)). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبزار في مسنده، والطحاوي في شرح مشكل الآثار، والبيهقي في دلائل النبوة.
    - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا عبد الجبار بن الورد، عن عمار الدهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن أم سلمة، قالت: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض نسائه أمهات المؤمنين فضحكت عائشة؛ فقال: «انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت!».
    ثم التفت إلى عليٍّ؛ فقال: «يا علي! إن وليتَ من أمرها شيئاً فارفق بها». رواه البيهقي في دلائل النبوة.
    - وقال الفضيل بن سليمان النميري: حدثنا محمد بن أبي يحيى، عن أبي أسماء، عن أبي جعفر، عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: ((إنه سيكون بينك وبين عائشة شيء)).
    قال: أنا يا رسول الله؟!!
    قال: ((نعم)).
    قال: أنا من بين أصحابي؟
    قال: ((نعم)).
    قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله؟!
    قال: ((لا، فإذا كان ذلك، فأبلغها إلى مأمنها)). رواه أبو جعفر الطحاوي في شرح مشكل الآثار.
    - وقال معمر بن راشد، عن وهب بن عبد الله، عن أبي الطفيل، سمع حذيفة بن اليمان، يقول: «لو حدثتكم أن أمكم تغزوكم أتصدقوني؟»
    قالوا: أوحق ذلك؟
    قال: «حق». رواه نعيم بن حماد في الفتن، وقد مات حذيفة بعد عثمان بأربعين ليلة، قبل وقعة الجمل.
    - وقال قتيبة بن سعيد: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن مسروق، قال: قالت لي عائشة، رضي الله عنها: «إني رأيتني على تلٍّ، وحولي بقر تُنحر».
    فقلت لها: لئن صدقت رؤياك لتكونن حولك ملحمة.
    قالت: «أعوذ بالله من شرّك! بئس ما قلت!».
    فقلت لها: فلعلَّه إن كان أمراً سيسوءك!
    فقالت: «والله لأن أخرّ من السماء أحبُّ إليَّ من أن أفعل ذلك». رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال وكيع، عن جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: قالت عائشة: (وددت أني كنت غصنا رطبا ولم أسر مسيري هذا). رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال جعفر بن عون: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عائشة، قالت: «وددت أني ثكلت عشرةً مثل ولد الحارث بن هشام، وأني لم أسر مسيري الذي سرت». رواه البيهقي في دلائل النبوة.
    - وقال سليمان بن عمر الرقي: أخبرنا إسماعيل بن علية، عن أبي سفيان بن العلاء أخي أبي عمرو بن العلاء المازني، عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة: إذا مرَّ ابن عمر فأرونيه.
    فلما مرَّ ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر!
    فقالت: (يا أبا عبد الرحمن! ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟!)
    قال: رأيت رجلاً قد غلب عليك، وظننت أنك لا تخالفينه يعني ابن الزبير.
    قالت: (أما إنَّك لو نهيتني ما خرجت). رواه ابن عبد البر في الاستيعاب، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فإن عائشة لم تقاتل ولم تخرج لقتال، وإنما خرجت لقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنت أن في خروجها مصلحة للمسلمين، ثم تبين لها فيما بعد أن ترك الخروج كان أولى، فكانت إذا ذكرت خروجها تبكي حتى تبل خمارها).
    - قال أبو عبد الله الذهبي: (ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة، وحضورها يوم الجمل، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ).
    - وقال: (قد سقت وقعة الجمل ملخصة في مناقب علي، وإن عليا وقف على خباء عائشة يلومها على مسيرها.
    فقالت: يا ابن أبي طالب، ملكت فأسجح؛ فجهزها إلى المدينة، وأعطاها اثني عشر ألفا، فرضي الله عنه وعنها).
    - قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأمثال: (من أمثالهم في هذا قولهم: ملكت فأسجح.
    وهذا يروى عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالته لعلي أبن أبي طالب رضي الله عنه يوم الجمل حين ظهر على الناس، فدنا من هودجها، ثم كلمها بكلام، فأجابته: " ملكت فأسجح " أي ظفرت فأحسن، فجهزها عند ذلك بأحسن الجهاز، وبعث معها أربعين امرأة، وقال بعضهم: سبعين، حتى قدمت المدينة).
    - وقال عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي الضحى قال: حدثنا من سمع عائشة تقرأ: {وقرن في بيوتكن} فتبكي حتى تبل خمارها). رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في حلية الأولياء.
    - وقال يوسف بن أسباط: حدثنا سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: ما ذكرت عائشة مسيرها قطّ إلا بَكَتْ حتى تبلَّ خمارها، وتقول: (يا ليتني كنتُ نسياً منسياً). رواه الخطيب البغدادي.

    يتبع







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #85
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    12: سيرة أمّ المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق (ت: 57هـ)



    مرضها ووفاتها
    مرضت عائشة رضي الله عنها في آخر حياتها حتى أثقلها المرض، وماتت في رمضان من سنة 57هـ على الصحيح، ولها من العمر خمس وستون، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنها وعنه، ودفنت في البقيع، رضي الله عنها وأرضاها.
    - قال مصعب بن عبد الله الزبيري: حدثني عبد الله بن معاوية، عن هشام بن عروة، أنَّ عروة كتب إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان: « وماتت عائشة أم المؤمنين ليلة الثلاثاء بعد صلاة الوتر، ودفنت من ليلتها بالبقيع لخمس عشرة ليلة خلت من رمضان، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، وكان مروان غائباً، وكان أبو هريرة يخلفه». رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال أبو محمد هارون البربري، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: (أوصت عائشة أن لا تتبعوا سريري بنار، ولا تجعلوا تحتي قطيفة حمراء). رواه ابن سعد.
    - وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت لعبد الله بن الزبير: «ادفني مع صواحبي، ولا تدفني مع النبي صلى الله عليه وسلم في البيت، فإني أكره أن أزكَّى». رواه البخاري.
    - وقال علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها أوصت عبد الله بن الزبير، فقالت: «لا تدفنني معهم، وادفني مع صواحبي بالبقيع ألا أزكَّى أبدا». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: (قالت عائشة رضي الله عنها وكانت تحدّث نفسها أن تدفن في بيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فقالت: «إني أحدثتُ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حَدَثاً، ادفنوني مع أزواجه» فدفنت بالبقيع). رواه ابن أبي شيبة، والحاكم في المستدرك.
    - - قال أبو عبد الله الذهبي: (تعني بالحَدَثِ مسيرَها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامة كلية، وتابت من ذلك، على أنها ما فعلت ذلك إلا متأوّلة، قاصدةً للخير، كما اجتهد طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وجماعة من الكبار رضي الله عن الجميع).
    - وقال عفان بن مسلم الصفار: حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا هشام بن عروة، عن عروة قال: (ماتت عائشة؛ فدفنها عبد الله بن الزبير ليلاً). رواه أحمد، وابن سعد.

    - وقال أبو بكر بن عبد الله بن أبى سبرة، عن موسى بن ميسرة، عن سالم سبلان قال: (ماتت عائشة ليلة سبع عشرة من شهر رمضان بعد الوتر؛ فأمرت أن تدفن من ليلتها؛ فاجتمع الناس وحضروا؛ فلم نرَ ليلةً أكثرَ ناسا منها، نزلَ أهل العوالي؛ فدفنت بالبقيع). رواه ابن سعد.

    - وقال أبو عمر ابن عبد البر في الاستيعاب: (ونزل في قبرها خمسة: عبد الله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر؛ فالله أعلم، ذكر ذلك صالح بن الوجيه، والزبير، وجماعة من أهل السير والخبر).
    - وقال حفص بن غياث: حدثنا إسماعيل [بن أبي خالد]، عن أبي إسحاق [السبيعي] قال: قال مسروق: (لولا بعض الأمر لأقمت المناحة على أم المؤمنين). رواه ابن سعد.
    - وقال أبو محمد هارون البربري، عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قدم رجلٌ فسأله أبي: كيف كان وجد الناس على عائشة؟
    فقال: كان فيهم وكان.
    قال: (أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه). رواه ابن سعد.
    واختلف في سنة وفاتها على أقوال:
    القول الأول: توفيت سنة سبع وخمسين، وهو قول هشام بن عروة، وخليفة بن خياط، وأحمد بن حنبل، وصححه الذهبي.
    - قال محمد بن أبي عمر، عن ابن عيينة، عن هشام بن عروة قال: (توفيت عائشة سنة سبع وخمسين). رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق.
    - وقال مطيَّن محمد بن عبد الله الحضرمي: حدثنا يحيى بن حسان الكوفي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة، قال: «ماتت عائشة سنة سبع وخمسين». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
    - وقال خليفة بن خياط: (سنة سبع وخمسين .. وفيها ماتت عائشة أم المؤمنين وأبو هريرة).
    - قال أبو عبد الله الذهبي: (توفيت على الصحيح سنة سبع وخمسين بالمدينة؛ قاله هشام بن عروة، وأحمد بن حنبل، وشَبَاب).
    القول الثاني: توفيت سنة ثمان وخمسين، وهو قول الواقدي، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وأبي بكر ابن أبي شيبة، ويعقوب بن سفيان، والمفضل بن غسان الغلابي.
    - قال محمد بن عمر الواقدي: (توفيت عائشة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة مضت من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين ودفنت من ليلتها بعد الوتر وهي يومئذ بنت ست وستين سنة). رواه ابن سعد.
    - وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن، عن أسامة بن حفص، عن يونس، عن ابن شهاب قال: «توفيت عائشة ليلة الثلاثاء لسبع عشرة مضت من رمضان بعد الوتر سنة ثمان وخمسين، ودفنت من ليلتها». رواه الطبراني في المعجم الكبير، ومحمد بن حسن بن زبالة أخباريّ متروك الحديث من بابة الواقدي.
    - وقال عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة الصيرفي: (حدثني أبي قال حدثني أبو عبيد قال سنة ثمان وخمسين فيها توفيت عائشة أم المؤمنين في شهر رمضان، وصلى عليها أبو هريرة بالمدينة، وكان استخلفه الوليد بن عتبة ومروان بن الحكم عليها). رواه ابن عساكر.
    - وقال ابن أبي عاصم: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول: «توفيت عائشة رضي الله عنها سنة ثمان وخمسين».
    - وقال يعقوب بن سفيان: (وفيها [ أي سنة ثمان وخمسين] ماتت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم).
    - وقال الأحوص بن المفضل بن غسان الغلابي: حدثنا أبي قال: (وماتت عائشة سنة ثمان وخمسين). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
    القول الثالث: توفيت سنة ستٍّ وخمسين، وهو قول الهيثم بن عديّ الطائي.
    - قال الهيثم بن عديّ: (توفيت عائشة سنة ستّ وخمسين). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق. - قال أبو عبد الله الذهبي: (ومدة عمرها: ثلاث وستون سنة وأشهر).
    - قلت: (قد بلغت الخامسة والستين أو قاربتها، فقد ثبت أنها كانت بنت ثمان عشرة لما مات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عاشت بعده ستاً وأربعين سنة ونصف).

    مواعظها ووصاياها
    كانت عائشة رضي الله عنها عالمة فقيهة، وفصيحة بليغة، ولها مواعظ حسان جديرة بالجمع والتقريب، وسأسوق طائفة منها:
    - قال سفيان الثوري: أخبرنا زكريا، عن الشعبي، قال: كتب معاوية إلى عائشة: أخبريني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بينك وبينه أحد؛ فكتبت إليه: إني سمعته يقول: (من يعمل بشيء من معصية الله يعود حامده له من الناس ذاماً). رواه أبو داوود في الزهد.
    - وقال عبد الله بن عروة، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة أنها كتبت إلى معاوية بن أبي سفيان: (إنك إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لم يغنوا عنك من الله شيئا؛ فاتق الله). رواه أبو داوود في الزهد.
    - وقال شعبة بن الحجاج، عن واقد بن محمد العُمَري، عن عبد الله بن أبي مليكة، عن القاسم، عن عائشة، قالت: (من أسخط الناس برضى الله كفاه الله عز وجل الناس، ومن أسخط الله برضى الناس وكله الله إلى الناس). رواه أبو داوود في الزهد.
    - وقال وكيع بن الجراح: حدثنا سفيان الثوري، عن حمّاد، عن إبراهيم النخعي، قال: قالت عائشة: «أقلّوا الذنوب؛ فإنكم لن تلقوا الله عزّ وجلّ بشيء أفضلَ من قلّة الذنوب». رواه وكيع في الزهد، والإمام أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه.
    - وقال عبد الله بن المبارك: أخبرنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عائشة قالت: «من سرَّه أن يسبق الدائبَ المجتهد فليكفَّ نفسه عن الذنوب؛ فإنكم لن تلقوا الله بشيء خير لكم من قلة الذنوب». رواه ابن المبارك في الزهد، ورواه هناد بن السري من طريق قبيصة بن عقبة عن سفيان بنحوه، ورواه أبو داوود في الزهد من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان بنحوه.
    - وقال أبو خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة، قالت: «من نوقش الحساب يوم القيامة لم يغفر له». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال أبو عقيل الكوفي: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، قال: حدثني أبو السفر، قال: قالت عائشة: « إنَّ الناسَ قد ضيعوا أعظم دينهم: الورع». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال مسعر بن كدام، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن الأسود، عن عائشة قالت: «إنكم لتدعون أفضل العبادة التواضع». رواه ابن أبي شيبة، وأبو داوود في الزهد.
    - وقال عبد الله بن نمير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: « إذا تمنى أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال أبو أسامة الكوفي: حدثني جرير بن حازم، قال: سمعت عبد الله بن أبي مليكة، قال: سمعت عائشة، تقول: «يُسَلَّط على الكافر في قبره شجاع أقرع فيأكل لحمه من رأسه إلى رجليه، ثم يكسى اللحم فيأكل من رجليه إلى رأسه، ثم يكسى اللحم فيأكل من رأسه إلى رجليه فهو كذلك». رواه ابن شيبة.
    - وقال يحيى بن بكير: حدّثني عقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، وذكرت الذي كان من شأن عثمان بن عفان: « ووددت أني كنت نسياً منسياً، فواللهِ ما أحببتُ أن ينتهك من عثمان أمرٌ قطّ إلا قد انتهك مني مثله، حتى والله لو أحببت قَتْلَه لقُتلت، يا عبيد الله بن عدي! لا يغرنَّك أحدٌ بعد الذي تعلم، فوالله ما احتقرتُ أعمالَ أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نجم النفر الذين طعنوا على عثمان؛ فقالوا قولاً لا يُحسنُ مثلُه، وقرأوا قراءةً لا يُقرأ مثلُها، وصلوا صلاةً لا يُصلَّى مثلُها، فما تدبَّرتُ الصنيعَ إذا هم والله ما يقاربون أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أعجبك حسنُ قول امرئ فقل: {اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} ولا يستخفنَّك أحد ». رواه البخاري في خلق أفعال العباد من هذا الطريق، ورواه أبو داوود في الزهد من طريق ابن المبارك عن معمر ويونس عن الزهري بنحوه، والطبراني في مسند الشاميين من طريق أبي اليمان عن شعيب عن الزهري بنحوه.
    - وقال عبد الله بن وهب: حدثنا يونس، عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أنَّ عائشة كانت تقول: (احتقرت أعمال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نجم القرّاء الذين طعنوا على عثمان؛ فقالوا قولاً لا يُحسن مثلُه، وقرأوا قراءةً لا يُقرأ مثلُها، وصلوا صلاةً لا يُصلَّى مثلُها؛ فلما تذكرتُ إذا هم والله ما يقاربون عمل أصحاب رسول الله؛ فإذا أعجبك حسنُ عمل امرئ منهم فقل: {اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} ولا يستخفنَّك أحد). رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، وعلّق البخاري آخره في صحيحه عن عائشة.
    - وقال معلى بن أسد: حدثنا المعلى بن زياد القطعي، قال: حدثتنا بكرة بنت عقبة أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة، فسألتها عن الحناء؛ فقالت: (شجرة طيبة، وماء طهور).
    وسألتها عن الحِفَاف؛ فقالت لها: (إن كان لك زوج فاستطعت أن تنزعي مقلتيك، فتصنعيهما أحسنَ مما هما فافعلي). رواه ابن سعد.
    -- قال أبو عبد الله الذهبي: (المعليان ثقتان).
    -- قلت: (لكن بكرة بنت عقبة مجهولة الحال).
    - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد الملك، عن عطاء، قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت: من هذا؟
    فقال: أنا عبيد بن عمير.
    قالت: قاصّ أهل مكة؟
    قال: نعم.
    قالت «خفّف؛ فإنَّ الذكر ثقيل». رواه ابن سعد.

    رواة التفسير عن عائشة رضي الله عنها
    روى عنها:
    من الصحابة: أبو موسى الأشعري، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وغيرهم.
    ومن التابعين: عروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، ومسروق بن الأجدع الهمداني، وابن أبي مليكة، وعبيد بن عمير، وأبو العالية الرياحي، والأسود بن يزيد، وعمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله، وعبيد بن عبد الله بن عتبة، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم.
    وأرسل عنها: عبد الله بن بريدة، وميمون بن أبي شبيب، وأبو الجوزاء أوس بن عبد الله الربعي، ومحمد بن المنكدر، ويحيى بن يعمر، والحسن البصري، وعكرمة، وابن سيرين.

    مما روي عنها في التفسير
    - قال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا سفيان، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها: {والذي تولى كبره} قالت: «عبد الله بن أبي ابن سلول». رواه البخاري في صحيحه.
    - وقال الزهري: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت له وهو يسألها عن قول الله تعالى: {حتى إذا استيأس الرسل} قال: قلت: أكُذِبوا أم كُذّبوا؟
    قالت عائشة: «كُذّبوا»
    قلت: فقد استيقنوا أن قومهم كذبوهم فما هو بالظن؟
    قالت: «أجل لعمري لقد استيقنوا بذلك»
    فقلت لها: وظنوا أنهم قد كُذِبوا؟
    قالت: «معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها».
    قلت: فما هذه الآية؟
    قالت: «هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم، وصدقوهم فطال عليهم البلاء، واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسلُ ممن كذَّبهم من قومهم، وظنّت الرسل أن أتباعهم قد كذّبوهم، جاءهم نصر الله عند ذلك». رواه البخاري.
    - وقال ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا}
    قال: ذهب هاهنا - وأشار إلى السماء - قال ابن أبي مليكة: وتلا ابن عباس {حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}.
    قال ابن أبي مليكة: فذكرتُ لعروة بن الزبير قال: قالت عائشة: (معاذ الله! والله ما حدّث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا علم أنه سيكون قبل أن يموت، ولكن نزل بالأنبياء البلاء حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين قد كذّبوهم، وكانت تقرأ: [كذّبوا] مثقلة). رواه البخاري، والنسائي في السنن الكبرى.
    - وقال مالكٌ بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، أنّه قال: قلت لعائشة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأنا يومئذٍ حديث السّنّ: أرأيت قول اللّه تبارك وتعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر، فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما} فما أرى على أحدٍ شيئاً أن لا يطّوّف بهما؟
    فقالت عائشة: (كلّا، لو كانت كما تقول كانت: "فلا جناح عليه أن لا يطّوّف بهما"، إنّما أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلّون لمناة، وكانت مناة حذو قديدٍ، وكانوا يتحرّجون أن يطوفوا بين الصّفا والمروة، فلمّا جاء الإسلام سألوا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك، فأنزل اللّه: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوّف بهما}). رواه البخاري.
    - وقال أبو معاوية، عن محمّد بن شريكٍ المكّيّ، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، قالت: قال لها رجلٌ: إنّي أريد أن أوصي.
    قالت: «كم مالك؟»
    قال: ثلاثة آلافٍ.
    قالت: «كم عيالك؟».
    قال: أربعةٌ.
    قالت: (قال الله عزّ وجلّ: {إن ترك خيرًا}، وإنّ هذا الشّيء يسيرٌ، فاتركه لعيالك، فهو أفضل). رواه سعيد بن منصور.
    - وقال أيّوب السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي المهلّب، قال: رحلت إلى عائشة رضي الله عنها في هذه الآية {ليس بأمانيّكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءًا يجز به} قالت: (هو ما يصيبكم في الدّنيا). رواه ابن جرير الطبري، والحاكم في المستدرك.
    - وقال هشيم بن بشير: أخبرنا أبو عامر الخزاز قال، حدثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قلت يا رسول الله! إني لأعلم أشد آية في القرآن!
    فقال: ما هي يا عائشة؟
    قلت: هي هذه الآية يا رسول الله: {من يعمل سوءا يجز به..}، فقال: (هو ما يصيب العبد المؤمن، حتى النكبة ينكبها). رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #86
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل



    13: سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ)

    اسمه وكنيته ونسبه
    اشتهر أبو هريرة رضي الله عنه بكنيته حتى غلبت على اسمه، وقد اختلف في اسمه على أقوال كثيرة؛ ومن أسباب الاختلاف أنَّ له اسماً في الجاهلية قد هُجر فلم يشتهر ضبطه، وله اسم في الإسلام، لكن غلبت كنيته على اسمه؛ فلم يشتهر أيضاً.
    فأما اسمه في الجاهلية فاختلف فيه على أقوال كثيرة أشهرها وأحظاها بالنظر قولان:
    القول الأول: اسمه عبد شمس، وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن من أصحاب أبي هريرة، وقول محمد بن إسحاق، وشعبة بن الحجاج، وأبي نعيم الفضل بن دُكين، وأبي مسهر الغساني، ويحيى بن معين، وأحمد بن صالح المصري، وأبي بكر ابن أبي شيبة، والبخاري، وأبي زرعة الرازي.
    زاد ابن إسحاق ذكر اسم والده: صخر.
    - قال حسين بن حريث: حدثنا الفضل بن موسى، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة [بن عبد الرحمن] قال: (عن أبي هريرة عبد شمس من الأزد من دوس). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
    - وقال يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني بعض أصحابي عن أبي هريرة قال: (كان اسمي في الجاهلية عبد شمس بن صخر؛ فسمّيت في الإسلام عبد الرحمن). رواه البخاري في التاريخ الكبير من طريق ابن نمير عن يونس، ورواه ابن عساكر في تاريخ من طريق أحمد بن عبد الجبار عن يونس بنحوه.
    - وقال محمد بن الهيثم بن حماد قاضي عُكبرا: حدثنا أبو سعيد الجعفي، قال: حدثنا ابن إدريس، عن شعبة قال: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، قال: حدثنا أحمد بن عثمان الأودي قال: سمعت أبا نعيم يقول: (اسم أبى هريرة عبد شمس).
    - وقال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أبا مسهر يقول: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: (أبو هريرة اسمه عبد شمس). رواه أبو بشر الدولابي، وابن أبي حاتم.
    - وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: سمعت عمي أبا بكر يقول: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر.
    - وقال أبو الفضل جعفر بن أحمد بن عبد السلام البزاز: حدثنا الحسين بن نصر قال: سمعت أحمد بن صالح يقول: (اسم أبي هريرة عبد شمس). رواه ابن عساكر.
    - وقال البخاري في التاريخ الكبير: (عبد شمس أبو هريرة الدوسي اليماني رضى الله عنه نزل المدينة).
    القول الثاني: عبد عمرو بن عبد غنم، وهو قول أبي حفص الفلاس.
    - قال أبو حفص الفلاس: واختلفوا في اسمه، والذي صحَّ أنه عبد عمرو بن عبد غنم، رواه الزهري عن محرر بن أبي هريرة، قال: اسم أبي: (عبد عمرو بن عبد غنم).
    - وقال عمر بن علي المقدمي، عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن المحرَّر بن أبي هريرة قال: (كان اسم أبي: عبد عمرو بن عبد غنم). رواه ابن أبي الدنيا في منازل الأشراف، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال سفيان بن حسين الواسطي، عن الزهري، عن المحرَّر بن أبي هريرة قال:(كان اسم أبي: عبد الرحمن بن غنم).رواه ابن عساكر.
    - قلت: لم يذكر من رواه عن سفيان بن حسين غير عمر بن علي المقدمي، وأبو حفص الفلاس قد أدرك الرواية عن سفيان بن حسين، لكن رواية سفيان بن حسين عن الزهري معلولة، وقد اختُلف عليه مع ذلك.
    - قال أبو بكر ابن خزيمة: (في رواية السيناني دلالة واضحة أن اسمه كان عبد شمس فإنه إسناد متصل، ومحمد بن عمرو عن أبي سلمة أحسن إسناداً من سفيان بن حسين عن الزهري عن المحرر، اللهم إلا إن يكون كان له اسمان قبل إسلامه، أحدهما: عبد شمس، والآخر: عبد عمرو، ولا أحسب اسمه كان بعد الإسلام عبد شمس، ولا عبد عمرو، ولست أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم غيَّر اسمه بعد الإسلام؛ فسماه عبد الله كما حكى أحمد بن حنبل عن أبي عبيدة أن اسمه عبد الله، قد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغيّر أسامي من أسامي أهل الجاهلية، وقد أمليتُ تلك الأخبار في كتاب الأدب).رواه ابن عساكر.
    - قلت: (السيناني هو الفضل بن موسى المروزي(ت:192هـ) أحد الرواة عن محمد بن عمرو بن علقمة).
    وأما اسم أبي هريرة في الإسلام فقد اختلف فيه على قولين:
    القول الأول: عبد الرحمن، وهو أشهر القولين، قال به ابن إسحاق، وهو الأشهر عند المحدثين.
    - قال أبو بكر ابن البرقي: قال ابن هشام: (كان اسم أبي هريرة: عبد الرحمن بن صخر).رواه أبو بشر الدولابي.
    - وقال أبو أحمد الحاكم: (أصحّ شيء عندنا في اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر).
    - وقال ابن عبد البرّ: (روى إبراهيم بن سعد، عن ابن إسحاق، قال: اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر. وعلى هذه اعتمدت طائفة ألفت في الأسماء والكنى).
    القول الثاني: عبد الله، وهو قول أبي خيثمة زهير بن حرب، ورواه إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس الأصبحي عن أبيه وجادة.
    - وقال إسماعيل [ابن أبي أويس]: وجدت في كتاب أبي: (اسم أبي هريرة في الجاهلية عبد شمس، واسمه في الإسلام عبد الله). رواه البخاري في التاريخ الكبير.



    وحُكي في اسمه أُقوال أخر:
    - قال ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب قال: (اسم أبي هريرة عبد نهم بن عامر، وهو دوسي، وهو حليف لأبي بكر الصديق).رواه أبو بشر الدولابي.
    - وقال أبو حاتم الرازي: حدثنا الأويسي قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: (اسم أبي هريرة عبد نهم بن عامر). رواه ابن عساكر.
    - وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: قال موسى بن يعقوب [المطلبي]: (اسم أبي هريرة: عبد الله بن عمرو بن أبي الأسود).رواه البخاري في التاريخ الكبير.
    - وقال ابن أبي خيثمة: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (أبو هريرة يقال: اسمه عبد شمس، وعبد نهم بن عامر، ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين).
    - وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قال سمعت أبي يقول: (اسم أبي هريرة يقال: عبد شمس، ويقال: عبد نهم بن عامر، ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين، ويقال: عبد الله).
    - وقال ابن أبي خيثمة: سمعت أبي يقول: (أبو هريرة اسمه عبد الله بن شمس، ويقال: عامر).
    - وقال أبو عبد الله البخاري: (قالوا: اسم أبي هريرة عبد شمس، ويقال: عبد تيم، ويقال: سكين، وعمرو، وقال غيرهم: عبد نهم).
    - وقال أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني(ت:316هـ): (واسمه عبد عمرو بن عبد نهم، وقيل: عامر بن عبد شمس، وقيل سكين بن عامر، وقيل: عبد الله، وقيل عبد نهم بن عامر، وقيل: عبد غنم، وقيل: عبد شمس رضي الله عنه).
    - وقال: (ويقال: عبد غنم، ويقال: سكين..، ويقال: عامر بن عبد شمس، وسمي في الإسلام: عبد الله، ويقال: عبد الرحمن، ويقال: عبد عمرو بن غنم، ويقال: عبد نعم، وقيل: عبد نهم بن عامر، وقيل: عبد شمس بن عامر، وقيل: عبد شمس بن عبد عمرو، وقيل: اسمه سكين بن عمرو، وقيل: عبد الله بن عامر، من الازد ثم من دوس).
    - وقال أبو عمر ابن عبد البر: (اختلفوا في اسم أبي هريرة، واسم أبيه اختلافاً كثيراً، لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والإسلام).
    - وقال أبو زكريا النووي: (ذكر ابن عبد البر أيضاً أنه اختُلف فيه على عشرين قولاً، وذكر غيره نحو ثلاثين قولاً، واختلف العلماء في الأصحّ منها، والأصحّ عند المحققين الأكثرين ما صحَّحه البخاري وغيره من المتقنين أنه عبد الرحمن بن صخر).
    كنيته
    له كنيتان: أبو هريرة، وأبو هرّ.
    فأما كنيته أبو هريرة فكان يكنى بها في الجاهلية والإسلام، وأما كنيته "أبو هر" فأوّل من كناه بها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي عن أبي هريرة أنه كان يحبّ أن يُكنى بها، لكن ثبت في الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كناه بأبي هريرة أيضاً.
    - قال روح بن عبادة: حدثنا أسامة بن زيد، عن عبد الله بن رافع، قال: قلت لأبي هريرة، لم كنيت أبا هريرة؟
    قال: أما تفرق مني؟
    قلت: بلى والله إني لأهابك.
    قال: (كنت أرعى غنم أهلي، فكانت لي هُريرة صغيرة؛ فكنتُ أضعها بالليل في شجرة، فإذا كان النهار ذهبت بها معي؛ فلعبت بها فكنوني أبا هريرة). رواه الترمذي.
    - وقال أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس [بن بكير]، عن محمد بن إسحاق قال: حدثني بعض أصحابي عن أبي هريرة قال: (وإنما كناني بأبي هريرة أبي؛ لأني كنت أرعى غنماً فوجدتُ أولادَ هرة؛ فجعلتُها في كمّي فلما أرحت عليه غنمه سمع أصوات هرّ؛ فقال: ما هذا يا عبد شمس؟
    فقلت: أولاد هرّ وجدتها.
    قال: فأنت أبو هريرة؛ فلزمتني بعد). رواه ابن عساكر.
    - وقال عبد الله بن المؤمل: حدثنا ابن أبي ذباب، عن أبي هريرة، قال: قال لي رسول الله: ((يا أبا هرّ)). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال مسدد بن مسرهد: حدثنا أبو الأحوص، قال: حدثنا ابن إسحاق، عن كميل بن زياد النخعي، عن أبي هريرة، قال: كنت أمشي مع النبي فقال لي: ((يا أبا هر)). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال محمد بن بكار: حدثنا أبو معشر، عن محمد بن قيس؛ قال: كان أبو هريرة يقول: (لا تكنوني أبا هريرة؛ كناني رسول الله "أبا هر").
    قال: (ثكلتك أمّك، والذكر خير من الأنثى). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا جنب، فأخذ بيدي، فمشيت معه حتى قعد، فانسللت، فأتيت الرحل، فاغتسلت ثم جئت وهو قاعد، فقال: «أين كنت يا أبا هر»، فقلت له، فقال: «سبحان الله يا أبا هر إن المؤمن لا ينجس». رواه أحمد، والبخاري.
    - وقال عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟
    فقال: ((لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أوَّلَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصاً من قبل نفسه)). رواه أحمد، والبخاري، والنسائي في الكبرى.

    نشأته
    - قال سليم بن حيان بن بسطام الهذلي: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: (نشأتُ يتيماً، وهاجرتُ مسكيناً، وكنت أجيراً لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي؛ فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدو إذا ركبوا؛ فزوجنيها الله؛ فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وجعل أبا هريرة إماماً). رواه ابن سعد، وابن ماجة، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في السنن الكبرى، وشعب الإيمان.

    إسلامه
    أسلم أبو هريرة عام خيبر، وقدم المدينةَ مهاجراً والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج إلى خيبر؛ فخرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوافاه وقد فتح الله خيبر للمسلمين.
    - قال ابن أبي خيثمة: (أسلم أبو هريرة زمن خيبر).
    - وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عثمان بن أبي سليمان، قال: سمعت ابن مالك قال: سمعت أبا هريرة يقول: (قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فوجدتُ رجلاً من بني غفار يؤمّ الناس في صلاة الفجر؛ فسمعته يقرأ في الركعة الأولى بسورة مريم، وفي الثانية ب "ويل للمطففين").رواه ابن سعد.
    - وقال عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا أبو خلدة، قال: حدثنا أبو العالية، عن أبي هريرة، قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ممن أنت؟
    قال: قلت: من دوس.
    قال: ((ما كنتُ أرى أنَّ في دوسٍ أحداً فيه خير)). رواه الترمذي، والبزار.
    - قلت: كان هذا قبل أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لدوس، وكان سيدهم الطفيل بن عمرو الدوسي يشكو جفاءهم وتأبّيهم عن الإسلام حتى سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اهد دوساً وائتِ بها))، وكان ذلك بعد إسلام أبي هريرة، وكثرت الهداية فيهم ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.
    - وقال أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: لما قدمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم قلت في الطريق:

    يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر نجت
    قال: وأبق مني غلام في الطريق فلما قدمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فبايعتُه فبينا أنا عنده إذ طلع الغلام؛ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يا أبا هريرة! هذا غلامك)).
    فقلت: (هو لوجه الله؛ فأعتقته). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو بشر الدولابي في الكنى.
    - وقال حماد بن سلمة: أخبرنا علي بن زيد، قال: أخبرنا عمار بن أبي عمار، قال: (كان أبو هريرة وأبو موسى قدما بين الحديبية وخيبر). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال محمد بن فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب؛ قال: (وقد ذكروا - والله أعلم - أنه قدم على رسول الله بخيبر نفر من دوس؛ فيهم: أبو هريرة). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال عكرمة بن عمار: حدثنا أبو كثير [يزيد بن عبد الرحمن السحيمي]، حدثني أبو هريرة، قال: كنت أدعو أمّي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي.
    قلت: يا رسول الله! إني كنتُ أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أمَّ أبي هريرة.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اهدِ أمّ أبي هريرة» فخرجت مستبشراً بدعوة نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئتُ فصرتُ إلى الباب، فإذا هو مجاف، فسمِعَت أمّي خشف قدمي؛ فقالت: مكانك يا أبا هريرة! وسمعت خضخضة الماء.
    قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب.
    ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
    قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته وأنا أبكي من الفرح.
    قال: قلت: يا رسول الله! أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أمَّ أبي هريرة؛ فحمد الله وأثنى عليه، وقال خيراً.
    قال: قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اللهم حبّبّ عُبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمّه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين» فما خُلِق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبَّني). رواه أحمد، ومسلم.
    - قال ابن سعد: (وأمه ابنة صفيح بن الحارث بن شابي بن أبي صعب بن هنية بن سعد بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس، وكان سعدُ بن صفيح خالُ أبي هريرة من أشداء بني دوس).


    صحبته وملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم
    أسلم أبو هريرة وهو شابّ عاقل فَطن؛ فرغب في ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ حديثه، حتى شغله ذلك عن التكسّب، وكان مع أهل الصفّة، وصبر على ما لقي من الفاقة، ولزم رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوماً شديداً منذ أسلم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستكمل ثلاثة أعوام وأشهراً.
    - قال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: (صحبت النبيَّ صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، ما كنت سنواتٍ قطّ أعقلَ مني ولا أحبَّ إليَّ أن أعي ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مني فيهن).رواه أحمد، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان.
    - وقال داود بن عبد الله الأودي عن حميد الحميري أنه حدَّثهم، قال: (لقيتُ رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم صحبه أربع سنين كما صحبه أبو هريرة). رواه ابن أبي خيثمة، ويعقوب بن سفيان.
    - قلت: التفاوت بسبب اطراح الأشهر الزائدة عن السنوات الثلاث أو جبرها.

    مناقبه وفضائله
    لأبي هريرة رضي الله عنه فضائل كثيرة ومناقب عدة؛ نالها بسبقه قومَه إلى الإسلام، وهجرته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وشدة ملازمته إياه، وحرصه على العلم، وحفظ الحديث؛ حتى امتاز به امتيازاً ظاهراً، فكان له بحديث النبي صلى الله عليه وسلم اختصاصٌ لا يُنكر، وفضل لا يخفى.
    وقد شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالحرص على العلم، ودعا له بالحفظ؛ فكان لا ينسى شيئاً سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وبورك له فيما حدّث به عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى صارَ أكثر أصحابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم رواية لحديث، وتلك منقبة عظيمة له؛ إذ كلّ حديث حدّث به فهو من العلم النافع الذي تركه، وكلّ من عمل بما حدّث به فله مثل أجره مهما تسلسل التحديث عنه.
    وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يحببه وأمه إلى المؤمنين، فكانت محبّته من علامات الإيمان، وتلك منقبة أخرى عظيمة.
    - وقال الفضل بن العلاء: حدثنا إسماعيل بن أمية، عن محمد بن قيس، عن أبيه، أنه أخبره أنَّ رجلاً جاءَ زيد بن ثابت، فسأله عن شيء، فقال له زيد: عليك أبا هريرة؛ فإني بينما أنا وأبو هريرة وفلان في المسجد ذات يوم ندعو الله ونذكر ربنا خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا فسكتنا؛ فقال: « عودوا للذي كنتم فيه ».
    قال زيد: فدعوتُ أنا وصاحبي قبل أبي هريرة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمّن على دعائنا، ثم دعا أبو هريرة، فقال: اللهم إني أسألك مثل ما سألك صاحباي هذان، وأسألك علما لا ينسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آمين».
    فقلنا: يا رسول الله! ونحن نسأل الله علماً لا ينسى؛ فقال: «سبقكم بها الغلام الدوسي» رواه النسائي في السنن الكبرى والطبراني في الأوسط.
    - وقال أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو كثير السحيمي، قال: حدثني أبو هريرة وركبتي تمس ركبته وقال لنا: والله لا يسمع بي مسلم ولا يراني إلا أحبني.
    قال: قلت: وما ذاك يا أبا هريرة؟
    قال: إنَّ أمّي كانت امرأةً مشركة، فذكر حديثاً طويلاً قال في آخره: قال: قلت: يا رسول الله! قد استجاب الله دعوتك! قد هدى أمَّ أبي هريرة.
    قال: قلت: يا رسول الله! ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: ((اللهم حبّبْ عبيدك وأمَّه إلى عبادك المؤمنين وحببهم إليهما)).رواه ابن أبي خيثمة بهذا السياق، وأصل الحديث في صحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد.
    يتبع



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #87
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل





    13: سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ)


    حرصه على العلم والحديث
    - قال عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ فقال: ((لقد ظننت يا أبا هريرة ألا يسألني عن هذا الحديث أحدٌ أوَّلَ منك، لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله، خالصا من قبل نفسه)).رواه أحمد، والبخاري، والنسائي في الكبرى.
    - وقال محمد بن عيسى بن الطباع: حدثنا معاذ بن محمد بن معاذ بن أبيّ بن كعب، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: (كان أبو هريرة جريئاً على النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياءَ لا نسأله عنها). رواه ابن حبان.

    حفظه وضبطه
    - قال سفيان بن عيينة: حدثني الزهري، أنه سمعه من الأعرج يقول: أخبرني أبو هريرة قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله الموعد، إني كنتُ رجلاً مسكيناً، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم، فشهدتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، وقال: «من يبسط رداءه حتى أقضي مقالتي؛ فلن ينسى شيئا سمعه مني؟!».
    فبسطت بُردةً كانت عليّ؛ فوالذي بعثه بالحق ما نسيت شيئا سمعته منه). رواه البخاري ومسلم.
    - وقال محمد بن إبراهيم بن دينار، عن ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله! إني أسمع منك حديثاً كثيراً أنساه؟
    قال: «ابسط رداءك» فبسطته.
    قال: فغرف بيديه، ثم قال: «ضمَّه» فضممته، فما نسيت شيئاً بعده. رواه البخاري.
    - وقال عثمان بن عمر العبدي: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، قال: قلت: يا رسول الله! أسمع منك أشياء فلا أحفظها!
    قال: ((ابسط رداءَك فبسطتُ، فحدّثَ حديثاً كثيراً، فما نسيتُ شيئاً حدّثني به)). رواه الترمذي.
    - وقال مالك عن ابن شهاب الزهري عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة، قال: (إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة، ولولا آيتان في كتاب الله ما حدثت حديثا، ثم يتلو{إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى}إلى قوله {الرحيم}إنَّ إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشبع بطنه، ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون). رواه أحمد والبخاري، وروى مسلم نحوه من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة.
    - وقال محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم، عن مالك بن أبي عامر، قال: جاء رجل إلى طلحة بن عبيد الله، فقال يا أبا محمد! أرأيت هذا اليماني - يعني أبا هريرة - أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم؟!! نسمع منه ما لا نسمع منكم، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل؟!!
    قال: (أما أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع عنه، وذاك أنه كان مسكيناً لا شيءَ له، ضيفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنّا نحن أهلَ بيوتات وغنى، وكنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، لا أشك إلا أنَّه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع، ولا تجد أحداً فيه خير يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والترمذي في سننه واللفظ له من طريق محمد بن سلمة عن ابن إسحاق به، ثم قال: (هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق، وقد رواه يونس بن بكير، وغيره عن محمد بن إسحاق).
    - وقال هشيم بن بشير: أخبرنا يعلى بن عطاء، عن الوليد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة: أنه حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث: ((من شهد جنازة فله قيراط)).
    فقال ابن عمر: (انظر ما تحدّث به يا أبا هريرة فإنك تكثر الحديث عن النبي).
    فأخذ بيده فذهب به إلى عائشة فقال: (أخبريه كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم).
    يقول: فصدَّقت أبا هريرة.
    فقال أبو هريرة: (يا أبا عبد الرحمن! والله ما كان يشغلني عن النبي صلى الله عليه وسلم غرس الودي، ولا الصفق بالأسواق!).
    فقال ابن عمر: (أنت أعلمنا يا أبا هريرة برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحفظنا لحديثه). رواه ابن سعد بهذا السياق، ورواه الترمذي في جامعه من هذا الطريق مختصراً إلا أنه قال: (يا أبا هريرة! أنتَ كنتَ ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا لحديثه).
    - وقال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة أنه قال: إن الناس قد قالوا: قد أكثر أبو هريرة من الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قال: فلقيت رجلاً فقلت: أيَّة سورةٍ قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في العتمة؟
    فقال: لا أدري!
    فقلت: ألم تشهدها؟
    قال: بلى.
    قال: قلت: (ولكني أدري! قرأ سورة كذا وكذا). رواه ابن سعد.
    قلت: وهذا إن كان محفوظاً بهذا السياق؛ فقد كان الإنكار عليه في كثرة التحديث من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يظهر أن إنكار من أنكر عليه كان الحامل عليه التعجب والاستغراب من كثرة حديثه؛ فلما تبيّن لهم حفظه وضبطه لم يُنكروا عليه، بل أقرّوا له بالحفظ والضبط.
    - وقال عمرو بن يحيى بن سعيد الأموي عن جده سعيد بن عمرو، قال: قالت عائشة لأبي هريرة: إنك لتحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ما سمعته منه.
    فقال أبو هريرة: (يا أمَّه! طلبتُها وشغلك عنها المرآة والمكحلة، وما كان يشغلني عنها شيء!). رواه ابن سعد في الطبقات، ويعقوب بن سفيان في المعرفة.
    - وقال إسماعيل ابن أبي أويس: حدثني ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن محمد بن عمارة بن عمرو بن حزم أنه قعد في مجلس فيه أبو هريرة، وفيه مشيخة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بضعة عشر رجلاً؛ فجعل أبو هريرة يحدّثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يعرفه بعضهم، ثم يتراجعون فيه؛ فيعرفه بعضهم، ثم يحدّثهم ولا يعرفه بعضهم، ثم يعرفه بعض، حتى فعل ذلك مراراً؛ فعرفتُ يومئذٍ أنَّ أبا هريرة أحفظَ الناسِ عن النبي صلى الله عليه وسلم). رواه البخاري في التاريخ الكبير، والحاكم في المستدرك.
    - وقال حماد بن زيد: حدثنا عمرو بن عبيد، قال: حدثنا أبو الزعيزعة كاتب مروان بن الحكم أنَّ مروان«دعا أبا هريرة فأقعدني خلف السرير، وجعل يسأله، وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به، فأقعده وراء الحجاب، فجعل يسأله عن ذلك، فما زاد ولا نقص، ولا قدَّم ولا أخَّر». رواه الحاكم في المستدرك، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال وكيع: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح: (كان أبو هريرة رضى الله عنه من أحفظ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بأفضلهم).رواه البخاري في التاريخ الكبير.
    - وقال الربيع بن سليمان: قال الشافعي رحمه الله: (أبو هريرة أحفظ من روى الحديث في دهره).

    صبره وتعفُّفّه
    - قال محمد بن فضيل بن غزوان الضبي: حدثني أبي، عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (*كنت *في *سبعين من أصحاب *الصفة ما منهم رجل عليه رداء، إنما كانوا يربطون أُزُرَهم في أعناقهم؛ فمنهم من يبلغ نصف الساقين، ومنهم ما يبلغ الكعبين، يقول بيده كراهية أن تُرى عورته).رواه البزار، وابن خزيمة، وأبو نعيم في الحلية، وأصله في صحيح البخاري من حديث *يوسف بن عيسى قال: حدثنا *ابن فضيل، عن *أبيه، عن *أبي حازم، عن *أبي *هريرة قال: «رأيت *سبعين من أصحاب *الصفة، ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته».
    - وقال *حماد بن زيد، عن *أيوب، عن *محمد [بن سيرين] قال: «كنا عند أبي *هريرة، وعليه ثوبان ممشقان من كتان، فتمخط، فقال: بخ بخ، أبو *هريرة يتمخط في الكتان، لقد رأيتُني وإني لأخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حجرة عائشة مغشياً علي، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي، ويرى أني مجنون، وما بي من *جنون، ما بي إلا *الجوع». رواه البخاري، والترمذي، والبيهقي في شعب الإيمان، والبغوي في شرح السنة.
    - وقال أبو هلال الراسبي: حدثنا محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، قال: (لقد رأيتني أُصرعُ بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين حجرة عائشة رضي الله تعالى عنها، فيقول الناس: إنه مجنون، وما بي جنون، ما بي إلا الجوع). رواه أبو نعيم في الحلية.
    - وقال عبد الرزاق قال: أخبرنا هشام بن حسان، عن محمد، عن أبي هريرة قال: كنا عنده وعليه ثوبان ممشقان، فتمخط ثم مسح أنفه بثوبه قال: « الحمد لله يمتخط أبو هريرة في الكتان، لقد رأيتني وإني لأخرّ فيما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وحجرة عائشة مغشيا علي من الجوع، فيجيء الرجل فيقعد على صدري، فأقول ليس بي ذلك إنما هو من الجوع».
    قال: وقال: «إني كنت أجيراً لابن عفان، وابنة غزوان على عقبة رجلي وشبع بطني - أو قال: بطعام بطني - أخدمهم إذا نزلوا، وأسوق بهم إذا ارتحلوا».
    قال: « فقالت يوماً: لتركبنه قائماً، ولتردنه حافياً».
    قال: « فزوَّجنيها الله تعالى؛ فقلت: لتردنه حافية، ولتركبنه وهو قائم».
    قال: (وكانت فيه مزاحة، يعني أبا هريرة).رواه عبد الرزاق في المصنف.
    - وقال هوذة بن خليفة البكراوي: أخبرنا ابن عون، عن محمد [بن سيرين]، عن أبي هريرة قال: (أكريتُ نفسي من ابنة غزوان على طعام بطني وعقبة رجلي).
    قال: (فكانت تكلّفني أن أركبَ قائماً، وأن أردي أو أورد حافياً؛ فلما كان بعد ذلك زوَّجنيها الله فكلفتُها أن تركبَ قائمةً، وأن ترد أو تردي حافية). رواه ابن سعد.
    - وقال سليمان بن حرب: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد، عن أبي هريرة أنه قال: كنت أجيرَ ابن عفان، وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوقُ بهم إذا ركبوا، وأخدمهم إذا نزلوا؛ فقالت لي يوماً: لتردنَّه حافياً، ولتركبنّه قائماً.
    فزوَّجنيها الله بعدُ فقلتُ: (لتردنّه حافية، ولتركبنه قائمة).رواه ابن سعد.
    - وقال عارم بن الفضل: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد قال: تمخّط أبو هريرة وعليه ثوبٌ من كتان ممشق؛ فتمخط فيه؛ فقال: (بخ بخ!! يتمخّط أبو هريرة في الكتان!! لقد رأيتني أخرّ فيما بين منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحجرة عائشة، يجيء الجائي يرى أنَّ بي جنوناً، وما بي إلا الجوع، ولقد رأيتني وإني لأجيرٌ لابن عفان وابنة غزوان بطعام بطني وعقبة رجلي، أسوق بهم إذا ارتحلوا، وأخدمهم إذا نزلوا.
    فقالت يوما: لتردنّه حافياً، ولتركبنه قائماً.
    قال: (فزوّجنيها الله بعد ذلك؛ فقلت لها: لتردنه حافية ولتركبنه قائمة). رواه ابن سعد.
    - وقال يعقوب بن إبراهيم الدورقي: حدثنا ابن علية، عن الجريري، عن مضارب بن حزن قال: بينا أنا أسير من الليل إذا رجل يكبّر فألحقته بعيري؛ فقلت: مَن هذا المكبر؟
    قال: أبو هريرة.
    قلت: ما هذا التكبير؟
    قال: شكراً.
    قلت: على مَهْ؟
    قال: على أني كنت أجيراً لبسرةَ بنت غزوان بعُقْبَةِ رجلي وطعام بطني؛ فكان القوم إذا ركبوا سُقْتُ لهم، وإذا نزلوا خدمتُهم؛ فزوَّجنيها الله؛ فهي امرأتي اليوم؛ فإذا ركب القوم ركبتُ، وإذا نزلوا خُدِمت). رواه ابن حبان، وأبو نعيم في الحلية.

    بعض أخباره في زمان النبوة

    - قال أبو نعيم الأصبهاني: (وهو أشهر من سكن الصفة واستوطنها طولَ عمرِ النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينتقل عنها، وكان عريفَ من سكن الصفة من القاطنين، ومن نزلها من الطارقين.
    كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يجمع أهل الصفة لطعام حضره تقدّم إلى أبي هريرة ليدعوهم ويجمعهم، لمعرفته بهم وبمنازلهم ومراتبهم).
    - وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن عامر، عن أبي هريرة قال: (كنت في الصفَّة - يعني من أصحاب الصفة - فبعث إلينا النبي صلى الله عليه وسلم بتمر عجوة؛ فكنّا نقرن التمرتين من الجوع؛ فكان أحدنا إذا قرن يقول لصاحبه: إني قد قرنت فاقرنوا). رواه ابن عساكر.
    - وقال محمد بن هلال بن أبي هلال المدني، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: خرجت من بيتي يوماً ما أخرجني إلا الجوع؛ فجئتُ المسجد فوجدتُ نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: ما أخرجك هذه الساعة؟
    فقلت: أخرجني الجوع.
    قالوا: ونحن ما أخرجنا إلا الجوع؛ فقمنا فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ((ما أخرجكم هذه الساعة؟)).
    قلنا: أخرجنا الجوع؛ فدعا بطبق فيه تمر؛ فأعطى كلَّ رجلٍ تمرتين؛ فقال: ((كلوا هاتين التمرتين واشربوا عليه من الماء؛ فإنهما سيجزيانكم يومكم هذا)).
    قال أبو هريرة: فأكلتُ تمرة وخبأت تمرة في حجري؛ فرآني لما رفعت التمرة فسألني؛ فقلت: رفعتُها لأمّي.
    قال: ((كلها فإنا سنعطيك لها تمرتين)). رواه ابن سعد في الطبقات، والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال عمر بن ذر الهمداني: حدثنا مجاهد، عن أبي هريرة قال: حدثنا مجاهد أنَّ أبا هريرة كان يقول: ألله الذي لا إله إلا هو، إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنتُ لأشدّ الحجرَ على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمرَّ أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليُشبعني، فمرَّ ولم يفعل، ثم مرَّ بي عمر فسألته عن آية من كتاب الله، ما سألته إلا ليشبعني، فمرَّ فلم يفعل، ثم مرَّ بي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، فتبسَّم حين رآني، وعرف ما في نفسي وما في وجهي، ثم قال: «يا أبا هر!»
    قلت: لبيك يا رسول الله.
    قال: «الحقْ» ومضى فتبعته، فدخل، فاستأذن، فأذن لي، فدخل، فوجد لبنا في قدح، فقال: «من أين هذا اللبن؟»
    قالوا: أهداه لك فلان أو فلانة.
    قال: «أبا هر!»
    قلت: لبيك يا رسول الله.
    قال: «الحق إلى أهل الصفّة فادعهم لي».
    قال: وأهل الصفة أضياف الإسلام، لا يأوون إلى أهلٍ ولا مال ولا على أحد، إذا أتته صدقة بعث بها إليهم ولم يتناول منها شيئاً، وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها، فساءَني ذلك؛ فقلت: وما هذا اللبن في أهل الصفة، كنت أحقَّ أنا أن أصيب من هذا اللبن شربةً أتقوى بها، فإذا جاء أمرني، فكنتُ أنا أعطيهم، وما عسى أن يبلغني من هذا اللبن، ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بُدّ، فأتيتهم فدعوتهم فأقبلوا، فاستأذنوا فأذن لهم، وأخذوا مجالسهم من البيت.
    قال: «يا أبا هر!»
    قلت: لبيك يا رسول الله.
    قال: «خذ فأعطهم».
    قال: فأخذتُ القدح، فجعلتُ أعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، فأعطيه الرجل فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد عليَّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد روي القوم كلُّهم، فأخذ القدح فوضعه على يده، فنظر إلي فتبسَّم، فقال: «أبا هر!»
    قلت: لبيك يا رسول الله.
    قال: «بقيتُ أنا وأنت».
    قلت: صدقت يا رسول الله.
    قال: «اقعد فاشرب» فقعدت فشربت.
    فقال: «اشرب» فشربت، فما زال يقول: «اشرب» حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسلكاً.
    قال: «فأرني» فأعطيته القدح، فحمد الله وسمَّى، وشرب الفضلة). رواه أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، ووقع في رواية أحمد والترمذي: (إلا ليستتبعني) مكان ( إلا ليُشبعني).
    - وقال حماد بن زيد: حدثنا المهاجر مولى آل أبي بكرة، عن أبي العالية الرياحي، عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات، فقلت: يا رسول الله! ادع الله فيهنَّ بالبركة، فضمهنّ، ثم دعا لي فيهنّ بالبركة.
    فقال: ((خذهنَّ، واجعلهنّ في مِزوَدك هذا، أو في هذا المزود، كلما أردت أنْ تأخذ منه شيئاً فأدخل فيه يدك؛ فخُذه ولا تنثره نثراً)).
    فقد حملتُ من ذلك التمرِ كذا وكذا من وَسْقٍ في سبيل الله، فكنَّا نأكل منه ونُطْعِم، وكان لا يفارق حِقْوِي حتى كان يوم قُتل عثمان فإنّه انقطع). رواه الترمذي.
    - وقال أبو زياد سهيل بن زياد: حدثنا أيوب السَّخْتياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأصابهم عَوَز من الطعام، فقال: ((يا أبا هريرة عندك شيء؟!!)).
    قلت: شيء من تمر في مزود لي.
    قال: ((جئ به)).
    قال: فجئت بالمزود.
    قال: ((هاتِ نطعاً)).
    فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر فإذا هو إحدى وعشرون تمرة، ثم قال: ((بسم الله)).
    فجعل يضع كل تمرة ويسمي، حتى أتى على التمر؛ فقال به هكذا؛ فجمعه؛، فقال: ((ادعُ فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، ثم قال: ((ادع فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا وشبعوا وخرجوا، ثم قال: ((ادعُ فلاناً وأصحابه))؛ فأكلوا وشبعوا وخرجوا، وفضل تمر، فقال لي: ((اقعد))؛ فقعدت.
    فأكلَ وأكلتُ، وفضلَ تمرٌ؛ فأخذه فأدخله في المزود، فقال لي: ((يا أبا هريرة! إذا أردتَ شيئاً فأدخل يدك فخُذْ، ولا تَكفأ فيُكفأ عليك)).
    قال: (فما كنتُ أريد تمراً إلا أدخلتُ يدي، فأخذتُ منه خمسين وَسْقاً في سبيل الله، وكان معلقاً خلف رجلي؛ فوقع في زمانِ عثمان بن عفان فذهب). رواه البيهقي في دلائل النبوة.
    - وقال يزيد بن أبي منصور البصري، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: (أصبت بثلاث مصائب في الإسلام، لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود.
    قالوا: وما المزود يا أبا هريرة؟
    قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر؛ فقال:
    يا أبا هريرة! هل معك شيء؟
    قلت: نعم، تمر في مزود معي.
    قال: ((جئ به)).
    قال: فأخرجت منه تمراً، فأتيته به، فمسَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا فيه، وقال: ((ادع عشرة)) فدعوت عشرة، فأكلوا حتى شبعوا، ثم قال: ((ادع لي عشرة))؛ فأكلوا حتى شبعوا، ثم كذلك حتى أكلَ الجيش كلهم، وبقيَ من تمر المزود، فقال: ((يا أبا هريرة! خذه فأعده في المزود، فإذا أردت أنْ تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكبّه)).
    قال: (فأكلت منه حياةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلتُ منه حياة أبي بكر كلها، وأكلتُ منه حياة عمر كلها، وأكلتُ منه حياة عثمان، فلما قُتل عثمان انتُهب ما في بيتي وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلتُ منه؟ أكلت منه أكثر من مائتي وَسْق). رواه أبو نعيم في دلائل النبوة، وتمام في فوائده، والبيهقي في دلائل النبوة، وأبو منصور البصري مجهول الحال، لكن يشهد له ما قبله.

    أعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
    كان من أجلّ أعماله في زمن النبي صلى الله عليه وسلم حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كلفه النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك بأعمال.
    منها: أنه كان يكل إليه حفظ الصدقات أحياناً.
    ومنها: أنه بعثه مع أبي بكر الصديق وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهم للحجّ عام تسعة للهجرة يؤذنون في مكة ألا يحجّ بعد العام مشرك، وألا يطوف بالبيت عريان.
    ومنها: أنه بعثه مع العلاء بن الحضرمي إلى البحرين؛ فكان يؤذن له، ويعينه على أعماله.
    - قال أبو عمرو عثمان بن الهيثم العبدي: حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام فأخذته، وقلت: والله لأرفعنَّك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج، وعليَّ عيال ولي حاجة شديدة.
    قال: فخلَّيت عنه، فأصبحت.
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك البارحة؟».
    قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته، فخلّيت سبيله.
    قال: «أما إنّه قد كذبك وسيعود».
    فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعليَّ عيال لا أعود، فرحمته، فخلَّيت سبيله، فأصبحت؛ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة! ما فعل أسيرك؟».
    قلت: يا رسول الله! شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخلّيت سبيله.
    قال: «أما إنه قد كذبك وسيعود» فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم لا تعود ثم تعود.
    قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها!
    قلت: ما هو؟
    قال: إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} حتى تختم الآية، فإنّك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنّك شيطان حتى تصبح، فخلَّيت سبيله؛ فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل أسيرك البارحة؟».
    قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها؛ فخلَّيت سبيله.
    قال: «ما هي؟».
    قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}، وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة؟!!».
    قال: لا.
    قال: «ذاك شيطان». رواه البخاري.

    - وقال ابن شهاب الزهري: أخبرني حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن أبا هريرة، قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين يوم النحر، نؤذن بمنى: "أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان" قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردف رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، فأمره أن يؤذن ببراءة.
    قال أبو هريرة: فأذّن معنا عليّ في أهل منى يوم النحر: « لا يحجّ بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان». رواه البخاري.
    - وقال جرير بن عبد الحميد الضبي، عن مغيرة، عن الشعبي، عن محرَّر بن أبي هريرة، قال: قال أبو هريرة: (كنتُ أنادي مع عليّ حين أذّن للمشركين، وكان إذا صَحَل صوتُه، أو اشتكى حلقَه، أو عيي مما ينادي دعوت مكانه).
    قال: فقلت: يا أبه! بأي شيء كنتم تقولون؟
    قال: (كنا نقول: لا يحجنَّ بعد عامنا هذا مشرك - فما حج بعد عامنا ذاك مشرك - ولا يطوفنَّ بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا مؤمن، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة؛ فإنَّ أجله إلى أربعة أشهر، فإذا مضت أربعة أشهر فإنَّ الله بريءٌ من المشركين ورسوله).
    قال: (فكان المشركون يقولون: بل شهر، يضحكون بذلك).رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، والنسائي في السنن الكبرى.
    - وقال معمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي بالبحرين، فاشترط عليه بأن لا يسبقه بآمين». رواه عبد الرزاق.
    - وقال وكيع بن الجراح: حدثنا كثير بن يزيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة أنه كان مؤذناً بالبحرين، فقال للإمام: «لا تسبقني بآمين». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال أبو أسامة الكوفي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين أنَّ أبا هريرة كان مؤذنا بالبحرين؛ فقال للإمام: (لا تسبقني بآمين). رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي هريرة، أنه كان مؤذنا للعلاء بن الحضرمي، فقال له أبو هريرة: «لتنظرني بآمين أو لا أؤذن لك» رواه عبد الرزاق.

    يتبع




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #88
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    13: سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ)




    أعماله في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم
    ولاه عمر إمرة البحرين مدّة، وكان في دار عثمان يوم حوصر، وناصره بما استطاع.
    ثمّ كان من أهل الإفتاء في المدينة بعد مقتل عثمان.
    وولاَّه معاوية إمارة المدينة مدة، وكان مروان بن الحكم يستنيبه على إمرة المدينة أحياناً؛ فكان وهو أمير على حاله التي يعهدونها من التواضع، يداعب الصبيان، ويركب حماره، ويحمل الحطب على رأسه، حتى ربمّا مرّ بالناس في السوق وهو كذلك؛ فيقول ممازحاً لهم: أفسحوا لأميركم.
    - قال معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، أن عمر بن الخطاب استعمل أبا هريرة على البحرين، فقدم بعشرة آلاف، فقال له عمر: استأثرتَ بهذه الأموال يا عدو الله! وعدو كتابه!
    قال أبو هريرة: « لستُ عدوَّ الله، ولا عدوَّ كتابه، ولكني عدوّ من عاداهما».
    قال: فمن أين هي لك؟
    قال: «خيلٌ لي تناتجت، وغلّة رقيق لي، وأعطية تتابعت علي».
    فنظروه، فوجدوه كما قال.
    قال: فلما كان بعد ذلك، دعاه عمر ليستعمله، فأبى أن يعمل له.
    فقال: أتكره العمل وقد طلب العمل من كان خيرا منك يوسف؟
    قال: «إنَّ يوسف نبي ابن نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة ابن أميمة أخشى ثلاثا واثنين» ، قال له عمر: أفلا قلت: خمسا؟
    قال: «لا، أخشى أن أقول بغير علم، وأقضي بغير حكم، ويضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي».رواه معمر بن راشد في جامعه، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: يا أمير المؤمنين أمَا ضراب؟
    فقال لي: «يا أبا هريرة! أيسرّك أن تقتل الناس جميعاً وإياي معهم؟».
    فقلت: لا.
    فقال: «والله لئن قتلتَ رجلاً واحداً، لكأنَّما قتلتَ الناس جميعاً» فرجعت فلم أقاتل). رواه سعيد بن منصور، ونعيم بن حماد في الفتن، وعمر بن شبة في تاريخ المدينة ولفظه: (طاب أم ضرب) أي طاب القتال.
    - وقال يحيى بن آدم: حدثنا ابن إدريس، عن أبي معشر المدني، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنتُ مع عثمان رضي الله عنه في الدار فجاء سهمٌ عائر فأصابَ إنساناً فقتله، فقلت: طاب أم ضراب؟
    فقال: «أعزم عليك؛ فإنما يُراد نفسي، وسأقي المؤمنين بنفسي».رواه ابن شبة في تاريخ المدينة.
    - وقال عبد الله بن وهب: حدثني عمرو بن الحارث، عن يزيد بن زياد القرظي، أن ثعلبة بن أبي مالك القرظي حدثه أنَّ أبا هريرة أقبل في السوق يحمل حزمة حطب، وهو يومئذ خليفة لمروان، فقال: « أوسع الطريق للأمير يا ابن أبي مالك! ».
    فقلت له: أصلحك الله، يكفي هذا.
    فقال: « أوسع الطريق للأمير يابن أبي مالك».
    قال: (والحزمة عليه). رواه أبو داوود في الزهد، وأبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال شعبة بن الحجاج: حدثنا محمد بن زياد، قال: كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة؛ فكان إذا رأى إنساناً يجرّ إزاره ضرب برجله، ويقول: قد جاء الأمير! قد جاء الأمير!
    ثم يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: « لا ينظر الله إلى من جرّ إزاره بطراً». رواه أحمد، والنسائي في السنن الكبرى.
    - وقال محمد بن جعفر، عن شعبة، عن محمد بن زياد، قال: سمعت أبا هريرة - ورأى رجلاً يجرّ إزاره - فجعل يضرب الأرض برجله وهو أمير على البحرين، وهو يقول: جاء الأمير جاء الأمير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطرا». رواه مسلم.
    - وقال جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، قال: استخلف مروان أبا هريرة على المدينة وخرج إلى مكة؛ فصلّى بنا أبو هريرة الجمعة؛ فقرأ بسورة الجمعة في السجدة الأولى، وفي الآخرة {إذا جاءك المنافقون}.
    قال عبيد الله: فأدركتُ أبا هريرة حين انصرف؛ فقلت: إنك قرأتَ بسورتين كان عليٌّ رحمه الله يقرأ بهما في الكوفة!
    فقال أبو هريرة: (إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بهما). رواه ابن أبي شيبة، ومسلم، وأبو داوود، والترمذي، وابن ماجة.
    - وقال عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، «أن مروان كان يستخلف أبا هريرة، فكان يتم التكبير». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرني شعيب، قال: قال نافع:(كان مروان يستخلف أبا هريرة على المدينة؛ فكان أبو هريرة يكبر في صلاة الفطر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، ويكبر في الآخرة خمس تكبيرات قبل أن يقرأ، والأضحى بتلك المنزلة، وهي السنة». رواه البيهقي في كتاب السنن الصغير.
    - وقال يحيى بن عباد الضبعي: حدثنا فليح بن سليمان، عن سعيد بن الحارث قال: (كان مروان يستخلف أبا هريرة إذا حج أو غاب). رواه ابن سعد.

    سعة علمه

    - قال سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن وهب بن منبه، عن أخيه همام بن منبه، عن أبي هريرة، قال: (ليس أحد أكثر حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وكنت لا أكتب). رواه الدارمي، والترمذي، والنسائي في السنن الكبرى، وابن حبان، والحاكم في المستدرك.
    - وقال ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين: فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم).رواه البخاري.
    - وقال جعفر بن برقان الكلابي: سمعت يزيد بن الأصم يقول: قال أبو هريرة: يقولون: أكثرت يا أبا هريرة!
    والذي نفسي بيده لو أني حدثتكم بكل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لرميتموني بالقشع - يعني المزابل - ثم ما ناظرتموني). رواه ابن سعد في الطبقات، وأحمد في المسند، وأبو نعيم في الحلية، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
    - وقال أبو هلال الراسبي، عن الحسن البصري، قال: قال أبو هريرة: (لو حدَّثتكم بكل ما في كيسي هذا لرميتموني بالبعر).
    قال الحسن: (وصدق والله! لو قال: إن بيت الله يهدم ويحرق ما صدقه الناس!). رواه ابن سعد، وابن أبي خيثمة، ويعقوب بن سفيان، ولفظ ابن سعد: (بكل ما في جوفي).
    - وقال موسى بن إسماعيل التبوذكي: حدثنا محمد بن راشد، عن مكحول، أنَّ أبا هريرة كان يقول: (رُبَّ كيسٍ عند أبي هريرة لم يفتحه؛ يعني: من العلم). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال محمد بن هلال المدني، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: (لو أنبأتكم بكلّ ما أعلم لرماني الناس بالخرق، وقالوا: أبو هريرة مجنون!).رواه ابن سعد.

    نشره للعلم
    - وقال الأوزاعي، عن أبي كثير الغُبْري، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: «إن أبا هريرة لا يكتم، ولا يكتب».رواه ابن سعد، وابن أبي خيثمة، وابن عساكر.
    - وقال معاذ بن معاذ العنبري، عن شعبة، عن علي بن مدرك، سمع أبا زرعة [البجلي] (أنَّ أبا هريرة كان إذا حدّث بالحديث أعاده ثلاث مرات). رواه ابن أبي خيثمة.

    مذهبه في كتابة العلم

    كان أبو هريرة في أوّل الأمر ينهى عن الكتابة، ولا يكتب، ولا يُملي الأحاديث، ثم إنه أقرّ بعض أصحابه على كتابتهم؛ فكتب عنه محمد بن سيرين، وهمام بن منبه، وبشير بن نهيك، وغيرهم، وأذن لبعضهم برواية ما كتبوه عنه.
    - قال الأوزاعي: سمعت أبا كثير قال: سمعت أبا هريرة يقول: «نحن لا نَكْتُب، ولا نُكْتِب، ولا نَكْتُم». رواه أبو خيثمة في كتاب العلم، والبيهقي في المدخل إلى السنن، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، والخطيب البغدادي في تقييد العلم.
    - وقال هوذة بن خليفة البكراوي: حدثنا عوف، عن سعيد بن أبي الحسن، قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله أكثر حديثاً من أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنَّ مروان زمن هو على المدينة أراد أن يكتب حديثه كلَّه فأبي، وقال: اروِ كما روينا؛ فلما أبي عليه تغفَّله وأقعد له كاتباً لَقِنا ثقفا ودعاه؛ فجعل أبو هريرة يحدّثه فيكتب الكاتب حتى استفرغ حديثه أجمع.
    قال: ثم قال مروان: تعلم أنا قد كتبنا حديثك أجمع.
    قال: وقد فعلت؟
    قال: نعم.
    قال: فاقرأه عليَّ فقرأوه، فقال أبو هريرة: (أما إنكم قد حفظتم، وإن تطع تمحه).
    قال: (فمحاه). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال عمران بن حدير: حدثنا أبو مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كنت أكتب ما أسمع من أبي هريرة رضي الله عنه، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابي؛ فقرأته عليه، وقلت له: هذا ما سمعتُ منك؟
    قال: (نعم). رواه أبو محمد الدارمي، وأبو خيثمة في كتاب العلم، وابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في مصنفه، وابن أبي خيثمة في تاريخه، والبيهقي في السنن الكبرى كلهم من طرق عن أبي مجلز.
    - وقال وكيع، عن عمران بن حدير، عن أبى مجلز، عن بشير بن نهيك، قال: كتبت كتاباً عن أبى هريرة فلما أردت أن أفارقه قلت: يا أبا هريرة! إني كتبت عنك كتاباً؛ فأرويه عنك؟
    قال: (نعم، اروه عني). رواه أبو خيثمة زهير بن حرب في كتاب العلم، والترمذي في سننه.

    أسفاره ورحلاته
    رحل أبو هريرة إلى مكة مراراً، والبحرين مرتين، والعراق، وروي أنه رحل إلى الشام، وكان له في كل بلد رحل إليه أصحاب يحفظون حديثه ويروونه عنه.
    أما البحرين فرحل إليها مرتين:
    الأولى: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مع العلاء بن الحضرمي.
    والأخرى: في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أميراً على البحرين.
    وأما العراق فقد روي ذهابه إليه من طرق.
    - قال عباد بن عباد، عن مجالد بن سعيد، عن قيس بن أبي حازم، قال: قدم علينا أبو هريرة فقال: (لقد صحبت رسول الله سنوات، ما كنت قطّ أكملَ عقلاً مني السنوات التي صحبته). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال سفيان بن عيينة: قال إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس [بن أبي حازم] قال: نزل علينا أبو هريرة بالكوفة، قال: وكان بينه وبين مولانا قرابة - قال سفيان: وهم موالي الأحمس - فاجتمعت أحمس قال: فأتيناه نسلم عليه - وقال سفيان مرة: فأتاه الحي – فقال له أبي: يا أبا هريرة! هؤلاء أنسباؤك أتوك ليسلموا عليك وتحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!
    قال: مرحبا بهم وأهلاً، صحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، لم أكن أحرص على أن أعيَ الحديث مني فيهن... الحديث). رواه أحمد، وابن عساكر.
    - وقال عبد الواحد بن زياد العبدي: حدثنا عاصم بن كليب قال: حدثني أبي قال: كنت جالساً مع أبي هريرة رضي الله عنه في مسجد الكوفة؛ فأتاه رجلٌ فقال: أأنت القائلُ تصلّي مع عيسى ابن مريم؟!!
    قال: يا أهل العراق! إني قد علمتُ أن سيكذبوني، ولا يمنعني ذلك أن أحدّث بما سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق أنَّ الدجالَ يخرج من المشرق في حين فرقة من الناس...)ثم ذكر الحديث بطوله، وقد رواه إسحاق بن راهويه في مسنده.
    - وقال ابن جوصا: سمعت ابن سميع يقول: (أبو هريرة قدم دمشق وحفظوا عنه). رواه ابن عساكر.
    - وفي مختصر قيام الليل لمحمد بن نصر المروزي عن مكحول قال: «تواعد المسلمون ليلة بالجابية، فقام أبو هريرة يحدثهم حتى أصبح»

    عبادته وهديه
    - قال شعبة بن الحجاج: حدثنا عباس بن فروخ الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي بثلاث لا أدعهنَّ حتى أموت: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصلاة الضحى، ونوم على وتر». رواه أحمد، والبخاري، ومسلم.
    - وقال عبد الوارث بن سعيد العنبري: حدثنا أبو التياح، حدثني أبو عثمان النهدي، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: «بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد». رواه البخاري ومسلم.
    - وقال حماد بن زيد، عن عباس بن فروخ الجريري، عن أبي عثمان النهدي، قال: تضيفت أبا هريرة سبعاً، وكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً، يقوم هذا وينام هذا، ويقوم هذا وينام هذا.
    وسمعت أبا هريرة يقول: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم [بين أصحابه] تمراً فأصابني سبع تمرات، فكان فيه حشفة، ما كان شيء أحب إليَّ منها شدت في مضاغي.
    قال: فقلت يا أبا هريرة! فكيف تصوم الشهر؟
    فقال: أصوم من أول الشهر ثلاثا، فإن حدث بي حدثٌ كان لي أجر شهري). رواه إسحاق بن راهويه واللفظ له، وأحمد.
    وروى البخاري أوّله من هذا الطريق، وخبر التمر من طريق إسماعيل بن زكريا عن عاصم عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قسم النبي صلى الله عليه وسلم بيننا تمرا، فأصابني منه خمس: أربع تمرات وحشفة، ثم رأيت الحشفة هي أشدّهن لضرسي).
    وقال سليمان بن حرب في قوله: (شدّت في مضاغي): (أي كان لها قوة).
    - وقال موسى بن إسماعيل التبوذكي: حدثنا حماد، قال: أخبرنا العباس الجريري، عن أبي عثمان النهدي، قال: (كان أبو هريرة يصلي ثلث الليل، وامرأته ثلثا وابنته ثلثا). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال قتيبة بن مهران الأصبهاني: حدثنا سليمان بن مسلم بن جماز الزهري: سمعت أبا جعفر يحكي لنا قراءة أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في {إذا الشمس كورت}يحزّنها شبه الرثاء). رواه ابن مجاهد وابن عساكر.
    - وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي عثمان النهدي أنَّ أبا هريرة كان في سفر؛ فلما نزلوا وضعوا السفرة وبعثوا إليه وهو يصلي، فقال: إني صائم.
    فلما كادوا يفرغون جاء فجعل يأكل الطعام، فنظر القوم إلى رسولهم، فقال: ما تنظرون؟!! قد والله أخبرني أنه صائم.
    فقال أبو هريرة: (صدق، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صوم شهر رمضان، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر».
    وقد صمت ثلاثة أيام من أوَّل الشهر، فأنا مفطر في تخفيف الله، صائم في تضعيف الله). رواه أحمد، وإسحاق بن راهويه، وأبو يعلى، والبيهقي، وأبو نعيم في الحلية.
    - وقال وكيع، عن إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المتوكل الناجي قال: «كان أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا جلسوا في المسجد». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وهناد في الزهد، وزاد: قالوا: «نطهر صيامنا».
    - وقال يحيى بن سعيد القطان، عن إسماعيل بن مسلم العبدي، عن أبي المتوكل، قال: إنَّ أبا هريرة رضي الله عنه كان إذا صام جلس في المسجد وقال: (نُعِفُّ صيامنا). رواه مسدد كما في المطالب العالية، وإتحاف الخيرة.
    - وقال أبو عامر عبد الملك بن عمرو العَقَدي: حدثنا إسماعيل، عن أبي المتوكل، عن أبي هريرة أنه كان وأصحابه إذا صاموا قعدوا في المسجد، وقالوا: «نطهر صيامنا». رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
    - وقال ابن أبي ذئب، عن عثمان بن نجيح، عن سعيد بن المسيب، قال: رأيت أبا هريرة يطوف بالسوق ثم يأتي أهله فيقول: «هل عندكم من شيء».
    فإن قالوا: لا.
    قال: «فإني صائم». رواه أبو نعيم في الحلية، والبيهقي في السنن الكبرى.
    - وقال إسماعيل ابن علية، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، قال: قال أبو هريرة: «إني لأستغفر الله وأتوب إليه كلَّ يوم اثني عشر ألف مرة، وذلك على قدر دِيته، - أو قال: دِيَتي».رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
    ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن إسماعيل ابن علية به ولفظه: «إني لأسبح كلَّ يوم اثنتي عشرة مرة ألف تسبيحة، قدر ديتي أو قدر ديته».
    - وقال عبد الوارث بن سعيد البصري: حدثنا خالد، عن عكرمة، أنَّ أبا هريرة، قال: (إني لأسبح كلَّ يوم قدر ديتي اثني عشر ألفا). رواه أبو بكر البيهقي في السنن الكبرى.
    - وقال ابن جريج لعطاء بن أبي رباح: أكان ابن الزبير يؤمن على إثر أمّ القرآن؟
    قال: (نعم، ويؤمّن مَن وراؤُه حتى إنَّ للمسجد للجَّة).
    ثم قال: (إنما آمين دعاء، وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام قبله فيقول: لا تسبقني بآمين). رواه عبد الرزاق والشافعي وابن المنذر، وعلّقه البخاري في صحيحه.
    - وقال بشر بن رافع، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أبا هريرة دخل المسجد [وقد قام] الإمام فناداه أبو هريرة: (لا تسبقني بآمين). رواه عبد الرزاق، وما بين المعكوفين مما نقله ابن حجر في فتح الباري، ولعله سقط من بعض نسخ المصنف.
    - وقال أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي: حدثنا إسماعيل - يعني العبدي - عن أبي المتوكل، أنَّ أبا هريرة، كانت له زنجية قد غمّتهم بعملها، فرفع عليها السوط يوماً فقال: « لولا القصاص لأغشيتُك به، ولكني سأبيعك ممن يوفيني ثمنك، اذهبي فأنت لله عزّ وجلّ». رواه أحمد في الزهد، وأبو نعيم في الحلية.
    - وقال روح بن عبادة القيسي: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه مر بقوم بين أيديهم شاة مصلية، فدعوه، فأبى أن يأكل، وقال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير».رواه البخاري.
    - وقال عبد المؤمن بن عبيد الله السدوسي: سمعت أبا يزيد المديني، قال: قام أبو هريرة على منبر رسول الله فقام دون مقام النبي بعتيبة فقال: (الحمد لله الذي هدى أبا هريرة للإسلام، الحمد لله الذي علَّم أبا هريرة القرآن، الحمد لله الذي منَّ على أبي هريرة بمحمد صلى الله عليه وسلم). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال أبو أسامة الكوفي: خبرنا المجالد، أنا عامر، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، أنه أتى عائشة فقال: إنَّ أبا هريرة يفتينا أنَّ من أصبح جنباً فلا صوم له؛ فقالت عائشة: « إنَّ أبا هريرة لا يقول في هذا شيئاً، كان بلال يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جنب يؤذنه فيقوم فيغتسل ثم يخرج إلى المسجد وإني لأرى رأسه ينحدر بين كتفيه لصلاة الفجر ثم يصوم ذلك اليوم».
    قال: فبلغ أبا هريرة فقال: (عائشة أمّي، وهي أعلم). رواه إسحاق بن راهويه في مسنده بهذا اللفظ، والحديث رواه أحمد، والنسائي في السنن الكبرى من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنهما دون آخره، وإنما ذكرت هذه الرواية لما فيها من سرعة رجوعه عن رأيه إلى ما سمع.
    - وقال معمر بن راشد، عن ابن طاووس، عن أبيه، قال: سمعت أبا هريرة، يقول لابنته: «قولي يا أبي إن تحلني الذهب تخش علي حر اللهب».رواه عبد الرزاق.
    - وقال معمر عن أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين أنَّ أبا هريرة رضي الله عنه كان يقول لابنته: «لا تلبسي الذهب؛ فإني أخاف عليك حرّ اللهب». رواه عبد الرزاق.
    - وقال سفيان بن عيينة: سمعت ابن طاووس، يقول: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة، يقول لابنته: قولي: «أبي أبى أن يحليني الذهب، يخشى عليَّ حرّ اللهب». رواه أبو نعيم في الحلية.



    يتبع







    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #89
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين


    سِيَر أعلام المفسّرين
    من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين
    عبد العزيز الداخل


    13: سيرة أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي الأزدي (ت:59هـ)

    صفاته وشمائله

    كان أبو هريرة رجلاً جسيماً آدم، برّاق الثنايا، هيّناً ليّناً، سخيّاً بالعلم متواضعاً محبوباً، عظيم النصيحة للمسلمين، حريصاً على نشر العلم، صبوراً متعفّفاً، يقبل الهدية ولا يسأل ولو كان به خصاصة، بل ربما صُرع من الجوع ولا يسأل.
    - قال أبو الوليد الطيالسي: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثني ضمضم بن جوس قال: دخلت مسجداً لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإذا أنا بشيخ يضفّر رأسه برّاق الثنايا.
    قلت: من أنت رحمك الله؟
    قال: (أنا أبو هريرة). رواه ابن سعد في الطبقات.
    - وقال داود بن عبد الرحمن العطار: حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن لبينة الطائفي أنه قال: أتيت أبا هريرة وهو في المسجد؛ فقال ابن خثيم لعبد الرحمن: صِفْهُ لي.
    فقال: (رجلٌ آدم، بعيد ما بين المنكبين، ذو ضفيرتين، أفرق الثنيتين). رواه ابن سعد، وابن عساكر.
    - وقال قرة بن خالد السدوسي: قلت لمحمد بن سيرين: أكان أبو هريرة مخشوشناً؟
    قال: (لا، بل كان ليناً).
    قلت: فما كان ثوبه؟
    قال: (كان أبيض).
    قلت: هل كان يخضب؟
    قال: (نعم، نحو ما ترى).
    قال: وأهوى محمد بيده إلى لحيته، وهي حمراء.
    قلت: فما كان لباسه؟
    قال: (نحو ما ترى).
    قال: وعلى محمد ثوبان ممشقان من كتان.
    قال: (وتمخَّط يوماً فقال: بخ بخ!! أبو هريرة يتمخط في الكتان). رواه ابن سعد، وابن عساكر.
    وروى ابن أبي شيبة بعضه من طريق وكيع عن قرة.
    - وقال روح بن عبادة القيسي: حدثنا حبيب بن الشهيد، عن محمد بن سيرين أنه كان يخضب بالحناء قال: فقبض يوماً على لحيته؛ فقال: (كأنّ خضابي خضاب أبي هريرة، ولحيتي مثل لحيته، وشعري مثل شعره، وثيابي مثل ثيابه)
    وعليه ممصران. رواه ابن سعد في الطبقات.
    - وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع قال: كان مروان ربما استخلف أبا هريرة على المدينة، فيركب حماراً قد شدَّه عليه قرطاطاً، وخطامه من ليف، وكان يقول: (الطريق قد جاء الأمير، الطريق قد جاء الأمير).
    وكان ربما أتى الصبيان بالليل وهم يلعبون لعبة الغراب، فيجيء حتى يقع بينهم، ويضرب بيديه ورجليه الأرض؛ فيذعرون، ويذهبون.
    قال: وربما دعاني إلى عَشائه بالليل؛ فيقول: دَعْ للأمير العُراق، فأذهبُ فأطلبُ، فلا أجد شيئاً، إنما هي ثريدة بزيت). رواه ابن سعد في الطبقات، وأبو عروبة الحراني في الطبقات.
    - وقال يحيى بن أبي بكير: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع أنَّ أبا هريرة قال: (ما من أحدٍ من الناس يُهدي إليَّ بهديّة إلا قبلتها، فأمَّا المسألة فإني لم أكن أسأل). رواه البيهقي في السنن الكبرى، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال عمرو بن زرارة: أخبرنا عبد الوهاب، سمع محمد بن فروخ أبا سهل صاحب الساج، عن محمد بن زياد قال: كان أبو هريرة إذا استثقل رجلاً قال: (اللهم اغفر لنا وله، وأرحنا منه).رواه البخاري في التاريخ الكبير.
    - وقال عبد الواحد بن زياد البصري، عن الحجاج [بن أرطأة]، عن عطاء [بن أبي رباح] قال: (رأيت أبا هريرة لحيته صفراء).رواه ابن أبي خيثمة.
    مرضه ووفاته
    مرض أبو هريرة رضي الله عنه في آخر حياته مرضاً اشتدّ عليه حتى مات منه، وكان يحبّ أن يموت قبل وقوع فتن عظيمة أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
    وقد روي من طرق فيها ضعف أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة وأبي محذورة وسمرة بن جندب وجماعة معهم: ((آخركم موتاً في النار)).
    - قال معاذ بن معاذ العنبري: حدثنا شعبة، عن أبي مسلمة، عن أبي نضرة، عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعشرة من أصحابه: ((آخركم موتاً في النار)).
    فيهم سمرة بن جندب.
    قال أبو نضرة: (فكان سمرة آخرهم موتًا). رواه يعقوب بن سفيان، وقد أعلّت رواية أبي نضرة عن أبي هريرة بالانقطاع.
    - وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أوس بن خالد قال: كنتُ إذا قدمتُ على أبي محذورة سألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عن أبي محذورة، فقلت لأبي محذورة: مالك إذا قدمت عليك تسألني عن سمرة، وإذا قدمت على سمرة سألني عنك؟
    فقال: اني كنت أنا وسمرة وأبو هريرة في بيتٍ فجاء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ((آخركم موتا في النار)).
    قال: (فمات أبو هريرة، ثم مات أبو محذورة، ثم مات سمرة). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبخاري في التاريخ الصغير، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ، والطبراني في المعجم الكبير.
    قلت: علي بن زيد بن جدعان ضعيف الحديث، وشيخه أوس مجهول.
    وروي في هذا أخبار واهية لا تصحّ من جهة الإسناد، وقد كان آخرهم موتاً سمرة بن جندب رضي الله عنه؛ أخذته شدّة البرد في مرضه الذي مات فيه؛ فأوقد له كانون عن يمينه، وآخر عن شماله، وآخر بين يديه، وآخر من خلفه؛ فلم تنفعه؛ فكان يُغلى له ماء في قدرٍ يتعالج بالقعود على سريرٍ فوقه فيخفّ عنه ما به، ثمّ إنه سقط مرّة في القدر وهي مملوءة ماء حاراً فمات فيه.
    - قال ابن حجر العسقلاني: (فكان ذلك تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة ولأبي محذورة: «آخركم موتا في النار»).
    - وقال الذهبي: (إن صحّ هذا فيكون إن شاء الله قوله عليه السلام ((آخركم موتا في النار)) متعلقاً بموته في النار لا بذاته).
    محبته للموت - قال روح بن عبادة: حدثنا الربيع بن صبيح قال: أخبرنا حبيب بن أبي فضالة أنَّ أبا هريرة ذكر الموت؛ فكأنه تمنّاه؛ فقال بعض أصحابه: وكيف تمنى الموت بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس لأحد أن يتمنى الموت، لا برّ ولا فاجر، أمّا بر فيزداد برا، وأما فاجر فيستعتب»؟
    فقال: وكيف لا أتمنى الموت وأنا أخاف أن تدركني ستة: التهاون بالدم، وبيع الحكم، وتقاطع الأرحام، وكثرة الشرط، و[فشو] الخمر، ويتخذون القرآن مزامير). رواه ابن سعد.
    - وقال روح بن عبادة: حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، أنه قال: في كيسي هذا حديث لو حدثتكموه لرجمتموني، ثم قال: «اللهم لا أبلغنَّ رأس الستين».
    قالوا: وما رأس الستين؟
    قال: «إمارة الصبيان، وبيع الحكم، وكثرة الشرط، والشهادة بالمعرفة، ويتخذون الأمانة غنيمة والصدقة مغرماً، ونشوٌ يتخذون القرآن مزامير».
    قال حماد: وأظنه قال: «والتهاون بالدم». رواه الطبراني في المعجم الأوسط.
    - وقال محمد بن منصور الطوسي: حدثنا الحسن بن موسى قال: حدثنا حاتم بن راشد، عن عطاء، قال: قال أبو هريرة: (إذا رأيتم ستاً، فإن كانت نفس أحدكم في يده فليرسلها، فلذلك أتمنى الموت أخاف أن تدركني: إذا أمّرت السفهاء، وبيع الحكم، وتهون بالدم، وقطعت الأرحام، و[كثرت] الجلاوزة، ونشأ نشء يتخذون القرآن مزامير). رواه أبو نعيم في الحلية، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال أبو مسهر الغساني: حدثني صدقة بن خالد عن ابن جابر عن عمير بن هانئ قال: كان أبو هريرة يقول: (تشبّثوا بصدغي معاوية، اللهم لا تدركني سنة ستين).رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخ دمشق.
    - قال معاذ بن معاذ العنبري، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، قال: دخلت على أبي هريرة وهو مريض فاحتضنته من خلفه وقلت: اللهم اشف أبا هريرة، فقال: «اللهم اشدد». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال أبو عمرو الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: عدتُ أبا هريرة فسندته إلى صدري، ثم قلت: اللهم اشف أبا هريرة، فقال: «اللهم لا ترجعها».
    ثم قال: «إن استطعتَ يا أبا سلمة أن تموت فمت».
    فقلت: يا أبا هريرة! إنا لنحب الحياة.
    فقال: « والذي نفس أبي هريرة بيده ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر، ليأتين أحدكم قبر أخيه فيقول: ليتني مكانه». رواه الحاكم في المستدرك.
    ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق أيوب السختياني عن يحيى بن أبي كثير بنحوه.
    - وقال بشر بن بكر التنيسي: حدثني الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن، قال: عدت أبا هريرة فسندته إلى صدري، ثم قلت: اللهم اشف أبا هريرة، فقال: «اللهم لا ترجعها».
    ثم قال: «إن استطعت يا أبا سلمة أن تموت فمت».
    فقلت: يا أبا هريرة! إنا لنحب الحياة.
    فقال: (والذي نفس أبي هريرة بيده ليأتين على العلماء زمان الموت أحب إلى أحدهم من الذهب الأحمر، ليأتين أحدكم قبر أخيه فيقول: ليتني مكانه). رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال عبد الله بن شوذب، عن همام، قال: لما حضر أبا هريرة الموت جعل يبكي، قيل له: ما يبكيك يا أبا هريرة؟
    قال: (قلة الزاد، وبعد القفار، وعقبة إما الجنة وإما النار).رواه أبو العباس الأصم، وأبو سليمان الربعي في وصايا العلماء عند الموت، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
    - وقال يزيد بن هارون: أخبرنا ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن مهران، أن أبا هريرة، قال: حين حضره الموت: (لا تضربوا عليَّ فسطاطاً، ولا تتبعوني بمجمر، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال: يا ويله أين تذهبون بي؟)).رواه أحمد، والبيهقي.
    - وقال ابن أبي ذئب، عن المقبري، عن عبد الرحمن بن مهران، أنَّ مروان جاء يعود أبا هريرة؛ فوجده في غميّة؛ فقال: عافاك الله، فرفع أبو هريرة رأسه، وقال: (اللهم اشدد واجدد).
    فخرج مروان؛ فأدركه إنسانٌ عند أصحاب القطا؛ فقال: (قد قضى أبو هريرة). رواه ابن سعد في الطبقات.
    - وقال معن بن عيسى القزاز: حدثنا مالك بن أنس، عن المقبري، عن أبي هريرة أنَّ مروان دخل عليه في شكوه الذي مات فيه؛ فقال: شفاك الله يا أبا هريرة، فقال أبو هريرة: (اللهم إني أحبّ لقاءك فأحب لقائي).
    قال: (فما بلغ مروان أصحاب القطا حتى مات أبو هريرة). رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي الدنيا في كتاب المحتضرين، وابن عساكر في تاريخ دمشق، وابن الجوزي في الثبات عند الممات.
    تاريخ وفاته اختلف في سنة وفاته على أقوال:
    القول الأول: مات سنة 59هـ ، وهو قول ابن إسحاق، والواقدي، وأبي عبيد القاسم بن سلام، وابن نمير، وأبي حفص الفلاس، وأبي عمر الضرير.
    - قال ابن إسحاق: (مات سنة تسع وخمسين). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
    - وقال الواقدي: (توفي أبو هريرة سنة تسع وخمسين، وله ثمان وسبعون سنة، وهو الذي صلى على عائشة في رمضان سنة ثماني وخمسين).
    - وقال أبو حفص الفلاس: (مات أبو هريرة سنة تسع وخمسين).
    - قال ابن عساكر: (وقال عمرو بن علي، والواقدي مات سنة تسع وخمسين، زاد الواقدي: وهو ابن ثمان وسبعين، وقال في ذي الحجة).
    - وقال ابن عساكر: (وقال ابن نمير: مات سنة تسع وخمسين).
    - وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: (سنة تسع وخمسين فيها توفي أبو هريرة الدوسي بالمدينة، وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان).
    القول الثاني: مات سنة 58هـ، وهو قول أبي معشر المدني، وعبد الرحمن بن مغراء الدوسي، وضمرة بن ربيعة الفلسطيني، والهيثم بن عدي الطائي، ويحيى بن بكير، وأبي عيسى الترمذي، ورواية ابن أبي خيثمة عن المدائني.
    - قال حجاج بن محمد الأعور: قال أبو معشر: (هلك أبو هريرة في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين). رواه ابن عساكر.
    - وقال محمد بن إسحاق ابن خزيمة: سمعت يوسف بن موسى [القطان] يقول: سمعت عبد الرحمن بن مغراء الدوسي يقول: (مات أبو هريرة سنة ثمان وخمسين).رواه ابن عساكر.
    - وقال الحسن عن ضمرة: (مات سنة ثمان وخمسين).رواه البخاري في التاريخ الكبير.
    - وقال هارون بن معروف: أخبرنا ضمرة قال: (مات أبو هريرة سنة ثمان وخمسين، وعائشة فيها، يعني سنة ثمان وخمسين). رواه ابن عساكر.
    - وقال ابن أبي خيثمة عن المدائني قال: (مات أبو هريرة سنة ثمان وخمسين).رواه ابن عساكر.
    - وقال أبو العباس أحمد بن يحيى الرَّقي: سمعت يحيى بن بكير يقول: (مات أبو هريرة سنة ثمان وخمسين). رواه ابن عساكر.
    - وقال ابن عساكر: (وقال أبو عيسى: مات سنة ثمان وخمسين، وقال الهيثم مثل أبي عيسى).
    القول الثالث: مات سنة 57هـ، وهو قول هشام بن عروة، وعلي بن المديني، وخليفة بن خياط، ورواية عن المدائني.
    - قال أحمد بن حنبل، عن علي بن المديني، عن سفيان بن عيينة، عن هشام بن عروة قال: (مات أبو هريرة وعائشة سنة سبع وخمسين).
    - وقال أحمد بن أبي الطيب عن ابن عيينة عن هشام بن عروة قال: (مات أبو هريرة وعائشة رضي الله عنهما سنة سبع وخمسين). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
    - وقال علي بن المديني: مات أبو هريرة سنة سبع وخمسين.
    - وقال خليفة بن خياط: (وفيها - يعني سنة سبع وخمسين – ماتت أم المؤمنين عائشة وأبو هريرة).
    مواعظه ووصاياه

    - قال أبو غياث أصرم بن غياث: حدثني أبو سنان، عن هارون بن عميرة، قال: قال أبو هريرة: (إنَّ هذا العلم دين؛ فانظروا ممن تأخذونه). رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال عمران بن زائدة بن نشيط الكوفي، عن أبيه، عن أبي خالد الوالبي، عن أبي هريرة قال: (إن الله يقول: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأسدّ فقرك، وإلا تفعل أملأ يديك شغلاً، ولا أسدّ فقرك)). رواه أحمد وابن أبي شيبة، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان.
    - وقال أبو مالك الأشجعي، عن أبي حازم الأشجعي، عن أبي هريرة، قال: (لا يقبض المؤمن حتى يرى البشرى، فإذا قبض نادى؛ فليس في الدار دابّة صغيرة ولا كبيرة إلا هي تسمع صوته إلا الثقلين الجن والإنس: "تعجّلوا به إلى أرحم الراحمين"، فإذا وضع على سريره قال: ما أبطأ ما تمشون، فإذا أدخل في لحده أقعد، فأري مقعده من الجنة وما أعد الله له، وملئ قبره من روح وريحان ومسك قال: فيقول: يا رب! قدّمني.
    قال: فيقال: لم يأنِ لك، إنَّ لك إخوةً وأخواتِ لما يلحقون، ولكن نم قرير العين.
    قال أبو هريرة: « فوالذي نفسي بيده ما نام نائمٌ شابٌّ طاعم ناعم، ولا فتاة في الدنيا نومةً بأقصرَ ولا أحلى من نومته حتى يرفع رأسه إلى البشرى يوم القيامة».رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال مسعر بن كدام: حدثنا محمد بن عبد الرحمن مولى طلحة، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، قال: «لا تطعم النارُ رجلاً بكى من خشية الله أبداً حتى يردّ اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبارُ في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجلٍ مسلمٍ أبداً».رواه ابن أبي شيبة، وروى أحمد في الزهد الجملة الأولى منه.
    - وقال أبو مالك الأشجعي، عن أبي حازم، قال: مررت مع أبي هريرة على قبر دفن حديثاً، فقال: «لركعتان خفيفتان مما تحتقرون هنا أحب إليَّ من دنياكم». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: (إذا مات الميّت تقول الملائكة: ما قدَّم؟ ويقول الناس: ما ترك؟). رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال هدبة بن خالد القيسي: حدثنا همام قال: حدثنا قتادة، عن أنس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ألا أدلكم على غنيمة باردة؟
    قالوا: ماذا يا أبا هريرة؟
    قال: (الصوم في الشتاء). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه، وأبو نعيم في الحلية،
    - وقال كثير بن هشام الكلابي: حدثنا جعفر [بن برقان] قال: حدثنا يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: (المكثرون في النار إلا من قال هكذا وهكذا، وأشار بكفيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله).
    ثم قال: (وقليل ما هم).
    قال يزيد: (إن لم أكن سمعته من أبي هريرة - وأشار بإصبعيه إلى أذنيه - وإلا فصمتا).رواه أحمد في الزهد.
    - وقال يزيد بن هارون، عن العوام بن حوشب، عن أبي حازم الأشجعي قال: قال أبو هريرة: «من كسا خَلَقاً كساه الله به حريراً، ومن كسا جديداً كساه الله به إستبرقا». رواه ابن أبي شيبة.
    - وقال أبو شيبة العلاء بن خالد البصري: حدثنا عطاء بن أبي رباح قال: رأيتُ أبا هريرة رضي الله عنه يطوف بهذا البيت ينادي: (لا صدقةَ إلا عن فضلِ العيال). رواه مسدد بن مسرهد كما في المطالب العالية، وابن المبارك في البر والصلة.
    - وقال عمرو بن عاصم الكلابي: حدثنا إياس بن أبي تميمة قال: حدثنا عطاء بن أبي رباح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما وَجَعٌ أحبّ إليَّ من الحمى؛ لأنها تعطي كل مفصل قسطه من الوجع، وإن الله يعطي كل مفصل قسطه من الأجر). رواه ابن سعد.
    - وقال مسكين بن بكير الحراني، عن جعفر بن برقان الكلابي، عن يزيد بن الأصم قال: سمعت أبا هريرة يقول: (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، وينسى الجذل - أو الجذع - في عين نفسه). رواه البخاري في الأدب المفرد موقوفاً، ورواه ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان من طريق محمد بن حِميَر القضاعي عن جعفر بن برقان بنحوه مرفوعاً، والموقوف أصحّ إسناداً.
    الردّ على الطاعنين في أبي هريرة رضي الله عنه

    - قال ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي زين؛ أنه رأى أبا هريرة يضرب بيده ثم يقول: (يا أهل العراق! تزعمون أني أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكون لكم المهنأ وعليَّ المأثم؟!!).رواه ابن أبي خيثمة.
    - وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في المستدرك: (وإنما يتكلم في أبي هريرة لدفع أخباره من قد أعمى الله قلوبهم فلا يفهمون معاني الأخبار، إما معطل جهمي يسمع أخباره التي يرونها خلاف مذهبهم الذي هو كفر، فيشتمون أبا هريرة، ويرمونه بما الله تعالى قد نزهه عنه تمويها على الرعاء والسفل، أن أخباره لا تثبت بها الحجة، وإما خارجي يرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يرى طاعة خليفة، ولا إمام إذا سمع أخبار أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف مذهبهم الذي هو ضلال، لم يجد حيلة في دفع أخباره بحجة وبرهان كان مفزعه الوقيعة في أبي هريرة، أو قدري اعتزل الإسلام وأهله وكفر أهل الإسلام الذين يتبعون الأقدار الماضية التي قدرها الله تعالى، وقضاها قبل كسب العباد لها إذا نظر إلى أخبار أبي هريرة التي قد رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات القدر لم يجد بحجة يريد صحة مقالته التي هي كفر وشرك، كانت حجته عند نفسه أن أخبار أبي هريرة لا يجوز الاحتجاج بها، أو جاهل يتعاطى الفقه ويطلبه من غير مظانه إذا سمع أخبار أبي هريرة فيما يخالف مذهب من قد اجتبى مذهبه، وأخباره تقليدا بلا حجة ولا برهان كلم في أبي هريرة، ودفع أخباره التي تخالف مذهبه، ويحتج بأخباره على مخالفته إذا كانت أخباره موافقة لمذهبه، وقد أنكر بعض هذه الفرق على أبي هريرة أخبارا لم يفهموا معناها).
    رواة القراءة والتفسير عن أبي هريرة رضي الله عنه
    قرأ أبو هريرة على أبيّ بن كعب رضي الله عنهما، وقرأ عليه عبد الرحمن بن هرمز الأعرج.
    وأما الحديث فقد روى عنه خلق كثير من الصحابة والتابعين حتى روى عنه بعض كبار الصحابة.
    - قال سعيد بن سفيان الجحدري: حدثنا شعبة، عن أشعث بن أبي الشعثاء، قال: سمعت أبي يحدث، قال: قدمت المدينة، فإذا أبو أيوب يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه، فقلت: تحدث عن أبي هريرة، وأنت صاحب منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «لأن أحدّث عن أبي هريرة أحبُّ إليَّ من أن أحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم». رواه الحاكم في المستدرك.
    - وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري: (بلغ عدد من روى عن أبي هريرة من الصحابة ثمانية وعشرين رجلاً، فأمّا التابعون فليس فيهم أجلّ ولا أشهر وأشرف وأعلم من أصحاب أبي هريرة).
    وروى عنه في التفسير خلق كثير:
    من الصحابة: ثوبان بن بجدد، وأنس بن مالك، وابن عباس.
    ومن التابعين: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والقاسم بن محمد، وأبو صالح ذكوان بن عبد الله السمان، ومرة بن شراحيل الهمداني، وأبو عثمان النهدي، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وهمام بن منبه، ومحمد بن سيرين، وسعيد المقبري، والقاسم بن محمد، وأبو العلاء عبد الرحمن بن يعقوب الجهني، وعامر بن شراحيل الشعبي، وعبد الله بن رافع، وأبو زرعة بن عمرو البجلي، ومجاهد بن جبر، ومحمد بن كعب القرظي، وعكرمة مولى ابن عباس، وأبو أيوب يحيى بن مالك المراغي، وعبد الرحمن بن حجيرة.
    وأرسل عنه: الحسن البصري، ومحمد بن قيس بن مخرمة، وأبو حازم سلمة بن دينار، ومكحول الدمشقي، وسالم بن أبي الجعد، ويحيى بن أبي كثير، وابن شهاب الزهري، ومحمد بن المنكدر، وأبو قلابة الجرمي، وقتادة السدوسي.
    مما روي عنه في التفسير:
    - قال سليمان التيمي، عن أبي صالح البصري، عن أبي هريرة، قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر». رواه سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير.
    - وقال معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن لبيبة الطائفي قال: جئت إلى أبي هريرة وهو جالس في المسجد الحرام، قلت: أخبرني عن الصلاة الوسطى.
    قال: (أما سمعت الله يقول: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر} الآية، {ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم} فذكر الصلوات كلها، ثم قال: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} ألا وهي العصر، ألا وهي العصر). رواه عبد الرزاق في مصنفه، والطحاوي في شرح معاني الآثار.
    - وقال سليمان بن بلال المدني: حدّثني معاوية بن أبي مزرّدٍ، عن سعيد بن يسارٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((خلق اللّه الخلق، فلمّا فرغ منه قامت الرّحم، فأخذت بحقو الرّحمن، فقال له: مه.
    قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة.
    قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا ربّ.
    قال: فذاك.
    قال أبو هريرة: (اقرءوا إن شئتم: {فهل عسيتم إن تولّيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم}). رواه البخاري.
    - وقال شيبان، عن يحيى، قال: أخبرني أبو سلمة، قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ وأبو هريرة جالسٌ عنده، فقال: أفتني في امرأةٍ ولدت بعد زوجها بأربعين ليلةً؟
    فقال ابن عبّاسٍ: آخر الأجلين.
    قلت أنا: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}.
    قال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي - يعني أبا سلمة - فأرسل ابن عبّاسٍ غلامَه كريبًا إلى أمّ سلمة يسألها.
    فقالت: «قُتل زوج سبيعة الأسلميّة وهي حبلى، فوضعت بعد موته بأربعين ليلةً، فخطبت فأنكحها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وكان أبو السّنابل فيمن خطبها». رواه البخاري.
    - وقال محمد بن إسحاق: أخبرني سعيد بن يسار، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا جمع الله العباد في صعيد واحد، نادى مناد: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، فيلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ها هنا؟ فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا، عرفناه، فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجودا، فذلك قول الله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}يبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة). رواه الدارمي.
    - وقال أبو كريب: حدثنا وكيع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة، {فرت من قسورة} قال: (هو الأسد). رواه ابن جرير، وعلّقه البخاري في صحيحه.




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •