أخي الكريم، كلامي واضح جدا، وكلامك متناقض ومضطرب...
- أنت اتهمتني فقلتَ:
وأنا كلامي واضح سابقا ومازلتَ تنكره، قلتُ سابقا بوضوح:فأنت ذهبت إلى تبديع من لم يلزم مذهبا فقهيا معينا.
فاتق الله ولا تقولني ما لم أقله، ولا تكن ممن يحبون الجدال والمراء.عدم التمذهب بأحد المذاهب الأربعة الفقهية طريقة لطلب العلم رغم مرجوحيتها لأنها تصعب كثيرا من طلب العلم وتولد ظاهرية جديدة لكنها ليست بدعة
- زعمتَ أن مانقلتُه سابقا من مشاركات لا يخفى على أي طالب علم، ثم طالبتني بدليل على مرجوحية التفقه دون اختيار مذهب، رغم أن الجواب في تلك المشاركات، فسبحان الله...
وقد نقلتُ سابقا مايدل على أن طريقة التعلم باختيار مذهب معين هي أفضل طريقة لأنها تضبط المسائل عكس الطريقة الأخرى،- ولكي نحرر المسألة جيدا، أقول وبالله التوفيق:فدراسة الفقه عبر كتب الحديث أو الروضة وأشباهها،رغم مافيها من بركة وانوار الحديث الشريف،فإنها لاتبني فقها صلبا مقعدا تقعيدا متينا،بل لا تتعرض إلا للمسائل المشهورة ،لكنها خلو من كثير من الفروع الفقهية التي لا بد منها،والتي لن تجد لها الجواب إلا في الكتب المذهبية.على انها لا تمنحك فقها بنيت فيه الفروع على اصول ثابتة مستقرة،بل أشتات من هنا وهناك.
هذا من جهة،ومن جهة اخرى،فإن كتب الحديث ستضيع فيها بين ترجمة الراوي ومعنى الكلمات والمعنى الإجمالي والحديث عن السند قبل الوصول إلى فقه المسألة وذكر الخلاف والترجيح،فكم ستاخذ من الوقت،فضلا على ان هذا لا يبني فقها مقعدا مؤصلا.ولا يعني هذا أنني ازهد من دراسة شروح الحديث،حاشا وكلا،لكن بموازاة مع دراسة منهجية للفقه،وهذا ما عشته مع شيخي محمد المختار،حيث كنت آخذ معه الفقه في الكلية بشكل منهجي،واتابع معه شرح البلوغ بمسجد الكلية،وشرح العمدة بالمسجد النبوي.
وازيدك امرا ،وهو أن دراسة الفقه عن طريق الروضة واشباهها،لا يربي فيك ملكة الفقه ،وروح المقاصد،ولا يحيلك إلى معرفة العلل،واستنباط الغايات والحكم،بل هو فقه ظاهري حرفي جامد،ضيق الأفق ،وهو ما لا أحبه لك.
وقد تاملت في سير أعلام الأمة فوجدت عامتهم إلا القليل جدا،قد سلك مسلك التمذهب ودراسة الفقه عبر كتب المذهب،من المختصرات إلى المتوسطات إلى المطولات،قبل الانتقال لمعرفة الخلاف العالي،والترجيح اتباع للدليل،فلا يسعنا إلا اتباع أئمة العلم وفقهاء الدين في مسالكهم ومناهجهم.
ثم إن الاعتناء بالفقه المذهبي يربيك على تقدير الفقهاء ومعرفة مكانتهم،وحفظ مراتبهم، والاطلاع على مآخذهم،وأنها عن علم وبصيرة لا كما يظن البعض،أما الكتب المشارة إليها,فعلى عكس ذلك تربيك على الجرأة على الفقهاء ،وعلى تسفيه بعض مذاهبهم،واعتبار بعض أقوالهم تخريفا وهذيانا،واحيانا قد يكون هذا القول مذهب الأئمة الاربعة وغيرهم من ائمة الدين والفقه،ومن قرأ الروضة أو النيل عرف ما أقول.
* ما ليس ببدعة هو اختيار مذهب للتفقه والسير في طريق العلم فيسهل ضبط المسائل ليصير طالب العلم عالما فقيها. وكذلك ما ليس ببدعة هو عدم اختيار مذهب لذلك. ورغم بعض فوائد هذه الطريقة إلا أنها طريقة مرجوحة لتخريج الفقهاء والدليل ما نقلناه سابقا ويمكن أن ننقل ان شئتم عشرات أقوال العلماء لتبيين ذلك ان لم تقتنعوا.
* الذي اعتبره العلماء بدعة هو أمران: التعصب المذهبي وتقديم آراء العلماء على الكتاب والسنة مع العلم بذلك.
والأمر الآخر هو حمل الناس على الطريقة الثانية -رغم مرجوحيتها- والتنفير من طريقة التمذهب في سبيل طلب العلم.
فالبدعة الثانية مكونة من شقين:
1-حمل الناس على اتباع الطريقة الثانية.
2-التنفير بالمقابل من التمذهب واختيار مذهب للتفقه.
وكما أن أخي الشيخ أبوعائشة المغربي انطلق في كلامه من تجربته الخاصة في بلاد المغرب الأقصى، فإنني أنطلق من تجربتي الخاصة في بلدي الجزائر التي تغلغلت فيها البدعتان، فتجد من يقدم قولا في المذهب يخالف الدليل رغم وجود قول آخر يوافق الدليل، كما تجد من أتى ليحارب التعصب المذهبي فحارب المذهب المالكي وحمل الناس على نبذه ودعاهم لقول فلان من المعاصرين، باستعمال الارهاب المعنوي وحتى الحسي، طبعا وللجنون فنون.
ولا يمكن القياس مثلا على بلدنا السعودية لأنه والحمد لله تصدى للبدعتين كبار العلماء بتمسكهم بالمذهب الحنبلي في طلب العلم ونبذ التعصب المذهبي في نفس الوقت...
والله الموفق للصواب، وهو أعلى وأعلم.