تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 26 من 26 الأولىالأولى ... 1617181920212223242526
النتائج 501 إلى 510 من 510

الموضوع: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

  1. #501
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (498)


    - (باب تفسير البتع والمزر) إلى (باب النهي عن نبيذ الجر)



    لقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل وما يحرم، ومن جملة ما بينه البتع والمزر والجعة وهي أنواع من الشراب، وحذرنا من كل شراب مسكر سواء قليله أو كثيره، ودلنا على الأوعية التي لا يجوز الانتباذ بها.
    تفسير البتع والمزر


    شرح حديث: (... لا تشرب مسكراً فإني حرمت كل مسكر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تفسير البتع والمزر.أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن الأجلح حدثني أبو بكر بن أبي موسى عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله! إن بها أشربة، فما أشرب وما أدع؟ قال: وما هي؟ قلت: البتع والمزر، قال: وما البتع والمزر؟ قلت: أما البتع: فنبيذ العسل، وأما المزر فنبيذ الذرة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا تشرب مسكراً، فإني حرمت كل مسكر )].
    يقول النسائي رحمه الله: تفسير البتع والمزر.
    البتع والمزر هما: اسمان لأشربة معروفة في اليمن، وقد جاء تفسيرها في كلام أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ( حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشربة في اليمن، وكان قد بعثه إلى اليمن، فقال: إن بها أشربة فما أشرب وما أدع، قال: وما هذه الأشربة، فذكر منها البتع والمزر، فقال: ما البتع وما المزر؟ فقال: أما البتع فهو نبيذ العسل، وأما المزر فهو، نبيذ الذرة، فقال عليه الصلاة والسلام: لا تشرب مسكراً، فإني حرمت كل مسكر ).
    هذا الحديث فيه تفسير البتع والمزر ببيان أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، لتلك الأسماء التي كانت في اليمن لتلك الأشربة المعينة، ولما سأل أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأشربة التي منها البتع والمزر قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (وما البتع وما المزر؟) ففسر ذلك وبينه له على ما هو متعارف عليه ومعروف في اليمن، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تشرب مسكراً، فإني حرمت كل مسكر).
    ففي سؤاله صلى الله عليه وسلم عن البتع والمزر، دليل للقاعدة المشهورة التي يقولون فيها: الحكم على الشيء فرع عن تصوره؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن البتع والمزر، وهو لا يعلم ما البتع وما المزر، فبين اصطلاحهم به، وأن المقصود به: نبيذ العسل ونبيذ الذرة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: هو حلال أو حرام، بل أناط الحكم بالإسكار، فما كان مسكراً منه ومن غيره فهو حرام، وما كان غير مسكر منه ومن غيره فهو حلال، فأعطى حكماً عاماً، وحداً فاصلاً، بما يحل وما يحرم، وهو أن ما أسكر، فإنه يحرم سواء كان من هذين النوعين أو من غيرهما، وما لم يسكر فإنه لا يحرم، سواء كان من هذين النوعين أو من غيرهما. ولهذا جاء في بعض الأحاديث التي سبق أن مرت أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سأله هو أو معاذ قال: ( اشرب ولا تشرب مسكراً )، اشرب الحلال واترك الحرام، اشرب ما لا يسكر، واترك ما يسكر.
    فإذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم أولاً سأل عن هذه الأسماء أو هذه المسميات المقصود بها، ولما بين له أنها أنبذة تكون من العسل ومن الذرة ما قال: هي حلال أو حرام؛ لأن منها ما يكون حلالاً حيث لم يصل إلى حد الإسكار، ومنها ما يكون حراماً حيث يصل إلى حد الإسكار، فالنبي صلى الله عليه وسلم أتى بالقاعدة العامة التي هي بيان التحريم لكل مسكر منها أو من غيرها، يعني: وما لم يسكر فإنه يكون حلالاً منها أو من غيرها.
    ثم أيضاً في هذا الحديث أو في هذا التفسير، كون النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن البتع والمزر هذا مما يدل على أن ما جاء في بعض الروايات السابقة من أن الرسول سئل عن البتع فقال: (لا تشرب مسكراً) أو قال: (كل مسكر حرام)، وقال بعد ذلك: والبتع هو نبيذ العسل، يبين هذا -الذي جاء في هذا الحديث من السؤال عن معنى البتع والمزر- أن ما جاء في الأحاديث المتقدمة أنه مدرج، يعني: ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ما المراد بالبتع والمزر؟ فأخبر بأنه كذا وكذا.
    إذاً: ما جاء في بعض الأحاديث المتقدمة من بيان البتع والمزر، ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو مدرج في الحديث من كلام غيره؛ لأن هذا السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أنه ما كان يعرف البتع والمزر، وإنما هي أسماء لأشياء في اليمن ومصطلحات اصطلحوا عليها، فالرسول صلى الله عليه وسلم سأل عن المراد بها، ولما بين له لم يأت بجواب بالنفي ولا بالإثبات، وإنما أتى بحكم عام يبين فيه الحد الفاصل بين ما يحل وما يحرم، وأن ما يحرم هو كل مسكر، وما لم يصل إلى حد الإسكار فإنه يكون حلالاً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... لا تشرب مسكراً فإني حرمت كل مسكر)

    قوله: [أخبرنا سويد].هو: سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج له الترمذي، والنسائي.
    [عن عبد الله].
    هو: ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأجلح].
    وهو: ابن حجية الكندي مصغر، هو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [عن أبي بكر بن أبي موسى].
    أبو بكر بن أبي موسى الأشعري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    أبوه هو: أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث أبي موسى: (كل مسكر حرام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن آدم بن سليمان عن ابن فضيل عن الشيباني عن أبي بردة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله! إن بها أشربة يقال لها: البتع والمزر، قال: وما البتع والمزر؟ قلت: شراب يكون من العسل، والمزر يكون من الشعير، قال: كل مسكر حرام)].أورد النسائي حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه تفسير المزر بأنه من الشعير، والذي مر أنه من الذرة، فلا تنافي بين هذا وذاك، فيحمل على أن المزر يطلق على ما كان نبيذاً من هذا أو نبيذاً من هذا، يعني: ما كان من الذرة يقال له مزر، وما كان نبيذاً من الشعير يقال له: مزر.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي موسى: (كل مسكر حرام)

    قوله: [أخبرنا محمد بن آدم بن سليمان].هو: محمد بن آدم بن سليمان الجهني، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [عن ابن فضيل].
    هو: محمد بن فضيل بن غزوان، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشيباني].
    هو: أبو إسحاق سليمان بن أبي سليمان الشيباني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بردة].
    أبو بردة بن أبي موسى، وهو أخو أبي بكر المتقدم في الإسناد الذي قبل هذا، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    أبو موسى وقد مر ذكره.
    شرح حديث ابن عمر: (كل مسكر حرام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا نصر بن علي أخبرني أبي حدثنا إبراهيم بن نافع عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر آية الخمر، فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت المزر؟ قال: وما المزر؟ قال: حبة تصنع باليمن، فقال: تسكر؟ قال: نعم، قال: كل مسكر حرام)]. أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وأن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على المنبر وذكر آية الخمر وتحريم الخمر، فسأل رجل عن المزر، فقال عليه الصلاة والسلام: (وما المزر؟ قال: حبة تصنع في اليمن)، أي: شراب من حبة، يعني: من حبوب، وقد مر في الإسنادين السابقين أو الحديثين السابقين، أنها نبيذ الذرة أو نبيذ الشعير، فقال: (تسكر؟ قال: نعم، قال: كل مسكر حرام)، وهذا مثل الذي قبله، إلا أن فيه، بيان أن هذا الذي سئل عنه هنا مسكر، وقد يكون في بعض أحواله لا يسكر في كونه لا يصل إلى حد الإسكار، ولكن الحد الفاصل هو الإسكار، فما وصل إلى حد الإسكار حرم، وما لم يكن مسكراً فإنه يكون حلالاً، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة بن الحصيب الذي أشرت إليه والذي سبق أن مر، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية، ألا فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً)، يعني: انتبذوا، ولكن بشرط أنكم لا تشربون الذي وصل إلى حد الإسكار، وما لم يصل إلى حد الإسكار فإنه حلال لكم.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (كل مسكر حرام)

    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي].هو: أحمد بن علي المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن نصر بن علي].
    هو: نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو: علي بن نصر بن علي الجهضمي، وهو ثقة أيضاً، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم بن نافع].
    إبراهيم بن نافع، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن طاوس].
    هو: عبد الله بن طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو: طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة أيضاً.
    [عن ابن عمر].
    هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: ابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وابن الزبير، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد، وأنس، وجابر، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم أجمعين.
    شرح حديث ابن عباس: (وما أسكر فهو حرام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي الجويرية قال: (سمعت ابن عباس رضي الله عنهما وسئل فقيل له: أفتنا في الباذق؟ فقال: سبق محمد الباذق، وما أسكر فهو حرام)].أورد النسائي حديث ابن عباس أنه سئل عن الباذق، والباذق قيل هو: الطلاء الذي هو طبخ العصير حتى يتعقد، وقيل: إنه نبيذ العسل، وقيل عدة تفسيرات، وقيل: أصله باذه، وأنه فارسي معرب، وقيل: إن المراد به الخمر، وأن الباذق اسم من أسماء الخمر عند الفرس، فلما سئل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن الباذق قال: ( سبق محمد الباذق )، يعني: أنه أتى بالكلام الذي يستوعب كل ما جد، ويشمل كل ما جد مما لم يكن معروفاً في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشريعة تأتي بقواعد عامة، وبعمومات يندرج تحتها أشياء لم تكن معروفة في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: سبق محمد الباذق، يعني: أنه جاء عنه الكلام الذي يفصل في هذه الأشياء التي جاءت بأسمائها، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى حكماً في ذلك: ( أن كل مسكر حرام )، يعني: أن ما أسكر منه فهو حرام، وما لم يسكر فإنه يكون حلالاً، وما أسكر فإنه يكون حراماً.
    وهذا فيه: إشارة أو دلالة على عموم الشريعة، واتساعها واستيعابها لما يجد ويحدث من النوازل، وما يحصل من الأمور التي لم تكن معروفة من قبل، فإنه يمكن أن يعرف حكمها بواسطة القواعد الشرعية التي جاءت بها الشريعة، وكذلك بواسطة النصوص العامة التي يندرج تحتها ما كان غير معروف في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشريعة جاءت لتكون صالحة لكل زمان ومكان، ولتستوعب ما يجد من الأحكام؛ من الأمور التي يحتاج إلى معرفة أحكامها، فإن الأشياء الجديدة والأشياء النازلة يجتهد فيها وتلحق بما جاءت به الشريعة، إما في قواعدها بأن تكون داخلة تحت القواعد، أو بالعمومات كما في هذا الحديث، حيث جاء هذا الكلام العام: (كل مسكر حرام) وما لم يسكر فإنه يكون حلالاً، أو بالقياس يعني: قياس شيء جديد على شيء عرف حكمه في الشرع، وقد جاء فيه نص خاص، فيلحق المثيل بالمثيل والشبيه بالشبيه.
    الحاصل: أن هذا الحديث يدل على استيعاب الشريعة وشمولها وعمومها، وأنها صالحة لكل زمان ومكان، وأن كل ما يجد من النوازل ومن الحوادث يمكن أن تعرف عن طريق النصوص العامة، وعن طريق القواعد الشرعية العامة، وعن طريق إلحاق الشبيه بالشبيه، والنظير بالنظير، وما إلى ذلك من الطرق التي تسلك لمعرفة ما يجد من النوازل لمعرفة أحكامها.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (وما أسكر فهو حرام)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عوانة].
    هو: أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي الجويرية].
    وهو: حطان بن خفاف وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [عن ابن عباس].
    هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة، وأحد السبعة المعروفين في كثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    تحريم كل شراب أسكر كثيره


    شرح حديث عبد الله بن عمرو: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [تحريم كل شراب أسكر كثيره.أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى يعني: ابن سعيد عن عبيد الله حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)].
    أورد النسائي هذه الترجمة: تحريم كل شراب أسكر كثيره، يعني: ما أسكر كثيره فإن قليله وإن لم يسكر يكون حراماً؛ لأن الحكم أنيط بالكثير، وأن ما كان كثيره يسكر، فإنه كله يكون حراماً من أوله إلى آخره قليله وكثيره، الكثير لأن به الإسكار، والقليل لأن به وسيلة الإسكار، ولأن الإسكار بالكثير إنما كان مبنياً على شرب ما قبله، يعني: من الشيء الذي لا يكون مسكراً، فإنه يكون بمجموع ذلك القليل وما أضيف إليه صار بإضافته كثيراً حصل به الإسكار، فإذاً: يكون كله من أوله إلى آخره حراماً.
    وقد أورد النسائي عدة أحاديث كلها تدل على تحريم ذلك، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، من أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، ويدل على ذلك النصوص الكثيرة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تحريم قليل ما أسكر كثيره، يعني: وإن لم يسكر ذلك القليل، وجاء عن بعض فقهاء الكوفة أنهم قالوا: بأن ما كان من عصير العنب وما كان متخداً من العنب فإن كثيره وقليله يكون حراما، وإن لم يسكر القليل، وأما ما كان من غير عصير العنب، وما كان متخذاً من غير العنب فالمسكر منه حرام، والقليل الذي لا يسكر يكون حلالاً، لكن هذه الأحاديث التي أوردها النسائي هنا في بيان أن (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، يدل على أن الحكم شامل لكل ما أسكر كثيره فيكون قليله حراماً، سواء كان من العنب، أو من غير العنب، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما أسكر كثيره فقليله حرام )، وهذا نص في أن كل مسكر بالكثير فإنه حرام أي: قليله، فإنه يكون حراماً لا يجوز شربه وإن لم يسكر، ما دام أن الكثير منه يسكر فإن القليل يحرم شربه؛ لأنه وسيلة إلى المسكر، ولأن القليل إذا شرب وأضيف إليه شيء حصل الإسكار بمجموع الجميع، بمجموع المشروب الأول الذي هو الشربة الأولى، والثانية، والثالثة، فإذا حصل الإسكار بالثالثة معناه: أنها مبنية على الأولى والثانية، يعني: مضمومة إليها، فصار القليل إذا أضيف إليه شيء صار كثيراً، فصار الإسكار بمجموع هذا وهذا، ومن المعلوم أن الكثير يدخل فيه القليل، والكثير مبني على القليل، والقليل جزء من جزئيات الكثير.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].هو: أبو قدامة السرخسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا يحيى يعني: ابن سعيد].
    يحيى يعني: ابن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيد الله].
    هو: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري المصغر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عمرو بن شعيب].
    هو: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وعمرو صدوق، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبيه].
    هو: شعيب بن محمد، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وجزء القراءة، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن جده].
    هو: عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    حديث سعد بن أبي وقاص: (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره) وتراجم رجال إسناده

    قل المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا حميد بن مخلد حدثنا سعيد بن الحكم أخبرنا محمد بن جعفر حدثني الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو واضح في النهي عن تحريم قليل ما أسكر كثيره، وهو مثل حديث عبد الله بن عمرو المتقدم.
    قوله: [أخبرنا حميد بن مخلد].
    حميد بن مخلد، وهو ثقة، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا سعيد بن الحكم].
    سعيد بن الحكم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا محمد بن جعفر].
    هو: محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الضحاك بن عثمان].
    الضحاك بن عثمان، وهو صدوق يهم، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن بكير بن عبد الله بن الأشج].
    بكير بن عبد الله بن الأشج، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر بن سعد].
    هو: عامر بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو: سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    حديث سعد بن أبي وقاص: (نهى عن قليل ما أسكر كثيره) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار حدثنا الوليد بن كثير عن الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره)].أورد النسائي حديث سعد بن أبي وقاص من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن عمار].
    هو: محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا الوليد بن كثير].
    الوليد بن كثير، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن الضحاك بن عثمان عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عامر بن سعد عن أبيه].
    وقد مر ذكر الأربعة.
    شرح حديث أبي هريرة في النهي عن نبيذ الدباء

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد عن زيد بن واقد أخبرني خالد بن عبد الله بن حسين عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم، فتحينت فطره بنبيذ صنعته له في دباء فجئته به، فقال: أدنه، فأدنيته منه، فإذا هو ينش، فقال: اضرب بهذا الحائط، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر)].أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً، قال: (فتحينت فطره)، يعني: الوقت الذي يأتي وقت الإفطار حتى يقدم له شيء عند إفطاره، فصنع له نبيذاً، قال: (بنبيذٍ صنعته له في دباء)، يعني: في وعاء، وهو الذي سبق أن مر ذكره؛ أنهم يستخرجون اللب من الدباء، ويبقى الغلاف فييبس ويصير وعاء، فكانوا ينتبذون به، (فرآه النبي صلى الله عليه وسلم ينش)، معناه: يغلي بالزبد، فقال: (ارم به هذا الحائط، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر)، يعني: أنه مسكر، أو أن هذه علامة الإسكار، يعني: كونه يغلي، ويشتد، ويقذف بالزبد، يدل على علامة الإسكار، أو الدلالة التي يستدل بها على أنه مسكر، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر أن يرمي به عرض الحائط حتى يتلفه، وقال: (إن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر)، يعني: أنه حرام، وكثيراً ما يأتي في النصوص الجمع بين الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن الإيمان بالله هو الأساس، ويتبعه الإيمان بكل شيء يجب الإيمان به، واليوم الآخر ينص عليه بخصوصه؛ لأنه يوم الجزاء والحساب، وأن من يتذكر اليوم الآخر يستعد لذلك اليوم لأن يفعل المأمورات، وينتهي عن المنهيات، وهذا يأتي كثيراً في الكتاب والسنة؛ الجمع بين الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن الإيمان بالله هو الأساس، وهو الأصل في كل إيمان، وغيره تابع له؛ لأن تلك الأمور التي يؤمن بها، جاءت عن الله، وفي كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كالإيمان بالملائكة والرسل واليوم الآخر والقدر.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة في النهي عن نبيذ الدباء

    قوله: [أخبرنا هشام بن عمار].هشام بن عمار، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن.
    [حدثنا صدقة بن خالد].
    صدقة بن خالد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن زيد بن واقد].
    زيد بن واقد، وهو ثقة، أخرج حديثه كذلك البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [أخبرني خالد بن عبد الله بن حسين].
    خالد بن عبد الله بن حسين، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي هريرة].
    هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.
    [قال أبو عبد الرحمن: وفي هذا دليل على تحريم السكر قليله وكثيره، وليس كما يقول المخادعون لأنفسهم بتحريمهم آخر الشربة وتحليلهم ما تقدمها؛ الذي يشرب في الفرق قبلها، ولا خلاف بين أهل العلم أن السكر بكليته لا يحدث على الشربة الآخرة دون الأولى والثانية بعدها].
    هذا الكلام من النسائي رحمه الله، بعد أن ذكر الأحاديث التي فيها تحريم القليل لما أسكر كثيره، يعني: هذا من فقهه، ولكنه قليل جداً، يعني: كون النسائي يأتي بشيء من الفقه، ويأتي بأشياء، واستنباطات من الأحاديث، وبيان أحكام، هذا قليل في عمله كما سبق أن مر بنا، أن هذا من أندر ما يكون أنه يتكلم على الأحاديث في بيان فقهها، وهنا بين أن هذا الحديث، أو هذه الأحاديث، فيها دليل على تحريم القليل مما أسكر كثيره، وكلامه فيه إشارة إلى أن الشربة الأخيرة لا يكون الإسكار منها وحدها، حتى يكون سبقها شرب لذلك الذي هو قليل، الذي يوصف بأنه قليل لا يسكر إذا ضم إليه شيء، فإنه بمجموع ذلك يحصل الإسكار؛ لأن الشربة الأخيرة لو جاءت وحدها هي مثل الأولى، يعني: ما يكون فيها الإسكار، إذا كان القليل لا يسكر، لكنها مضمومة إلى ما تقدمها، فيكون الإسكار حصل بمجموع الجميع، وإذا الإسكار حصل من المجموع؛ من ذلك القليل الذي ضم إليه شيء آخر، فصار بالأول والآخر كثيراً، فهذا فيه إشارة إلى وجه التحريم، والوجه الآخر هو ما أشرت إليه أن القليل وسيلة للكثير، أن من يشرب القليل وسيلة إلى أنه يشرب الكثير.
    والجملة التي قالها: وليس كما يقول المخادعون لأنفسهم بتحريم آخر الشربة وتحليلهم ما تقدمها.
    يعني: هذا إشارة إلى ما جاء عن بعض فقهاء الكوفة، من إباحة الشيء القليل من الشيء الذي يسكر كثيره إذا كان من غير عصير العنب، قال: المخادعون لأنفسهم بتحريمهم آخر الشربة وتحليلهم ما تقدمها؛ لأنه أول شربة ما تسكر، فهم يحلونها، ولكن هذه الشربة إذا ضم إليها شربة، فإنه بمجموع الشربتين يكون الإسكار والتحريم، وليس الإسكار من الشربة الأخيرة وحدها، بل منها ومما تقدمها مما وصف بأنه قليل؛ لأن الشيء إلى الشيء يكون حكمه حكمه، الشيء إذا ضم إلى الشيء يكون الحكم بالجميع، وليس بتفريق هذا وأن هذا لا يسكر وهذا يسكر؛ لأن هذا الذي يسكر ما جاء إلا لسبقه لاستعمال القليل الذي لا يسكر.
    ثم قال: بتحليلهم ما تقدمها، الذي يشرب في الفرق قبلها.
    هنا كلمة (الذي يشرب في الفرق قبلها)، يعني: مثلما قال المحشي في السنن الكبرى: يسري في العروق قبلها، معناه: الذي كان أول يسري في العروق، وليس المقصود بالفرق؛ لأن الفرق هو شيء كبير، وإنما هنا يشرب في الفرق مصحفة عن يسري في العروق، وموجود في السنن الكبرى بدل يشرب في الفرق يسري في العروق، فيكون تصحيفاً، وهذا هو الذي يناسب المقام؛ لأن الفرق وعاء كبير.
    يقول: ولا خلاف بين أهل العلم أن السكر بكليته لا يحدث على الشربة الآخرة دون الأولى والثانية بعدها؛ لأن هذا توضح للكلام المتقدم، يعني: الشربة الأخيرة لا يكون منها وحدها دون أن يكون مضموماً إلى ما تقدمها من الشربة الأولى والثانية مثلاً؛ لأن الواحدة بمفردها ما يحصل منها إسكار، والأخيرة بمفردها ما يحصل منها إسكار، لكن الشربة الأخيرة قليلة، لكنها صارت كثيرة بما تقدمها من الشربة الأولى والثانية.
    إذاً: التحريم للجميع.

    النهي عن نبيذ الجعة وهو شراب يتخذ من الشعير


    شرح حديث علي: (نهاني النبي عن حلقة الذهب والقسي والميثرة والجعة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن نبيذ الجعة وهو شراب يتخذ من الشعير.أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك حدثنا يحيى بن آدم حدثنا عمار بن رزيق عن أبي إسحاق عن صعصعة بن صوحان عن علي رضي الله عنه -قال الناسخ: كرم الله وجهه- قال: (نهاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حلقة الذهب، والقسي، والميثرة، والجعة)].
    أورد النسائي النهي عن نبيذ الجعة، وهو شراب يتخذ من الشعير، وأورد حديث علي رضي الله عنه، أنه قال: (نهاني عن حلقة الذهب) يعني: الخاتم، التختم بالذهب، و(والقسي)، وهو نوع من الألبسة من الحرير، (والمياثر)، وهي شيء يتخذ من الحرير يوضع تحت الراكب على الدابة، (والجعة)، وهي المقصود من إيراد الحديث في الترجمة، وهي كما فسرت أنها شراب، أو نبيذ يتخذ من الشعير.
    تراجم رجال إسناد حديث علي: (النبي عن حلقة الذهب والقسي والميثرة والجعة)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الله بن المبارك].محمد بن عبد الله بن المبارك، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا يحيى بن آدم].
    يحيى بن آدم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عمار بن رزيق].
    عمار بن رزيق، وهو لا بأس به، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن.
    [عن أبي إسحاق].
    أبو إسحاق السبيعي، هو: عمرو بن عبد الله الهمداني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن صعصعة بن صوحان].
    صعصعة بن صوحان، وهو ثقة، مخضرم، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن علي].
    هو: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، الهادين المهديين أبو السبطين الحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم جميعاً وعن الصحابة أجمعين، وما ذكر من بعد ذكر علي كرم الله وجهه، هكذا كما قال ابن كثير عند تفسير قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، قال: إنه يأتي عند نساخ الكتب أنهم عندما يأتي ذكر علي يقولون: عليه السلام ويقولون: كرم الله وجهه، وهذا من عمل النساخ وليس من عمل المؤلفين، يعني: ليس هذا من كلام النسائي المؤلف للكتاب عندما جاء ذكر علي قال: كرم الله وجهه، أو الذي روى عنه قال: كرم الله وجهه، وإنما هذا من عمل بعض النساخ، وإلا فإن المتخذ المعمول به عند ذكر الصحابة والمشهور: أن الصحابة يترضى عنهم، وقد يترحم عليهم، كما أن المعروف والمشهور في حق التابعين ومن بعدهم، أن يترحم عليهم وقد يترضى عنهم، لكن صار الغالب في الاصطلاح الترضي عن الصحابة، وكلمة رضي الله عنه فيها دعاء بالرضا، وأما كرم الله وجهه، ففيها إشارة إلى أنه نشأ على الإسلام ولم يسجد لصنم، إخبار عن شيء قد وقع.
    هذا دعاء، هناك ما في دعاء له، وإنما إخبار أن الله كرم وجهه عن أن يسجد لصنم؛ لأنه نشأ على الإسلام وولد في الإسلام، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صبي، وهو أول من آمن به من الصبيان.
    فإذاً: الإتيان برضي عنه التي هي دعاء له كغيره من الصحابة هي الأولى، وأما كرم الله وجهه فليست دعاء، وإنما هي إخبار عن أنه نشأ على الإسلام، وأنه لم يسجد لصنم، كرم الله وجهه من أن يسجد لصنم؛ لأنه نشأ في الإسلام وهو صغير، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صبي، فآمن به، وهو أول من آمن به من الصبيان، فهذا الكلام هو من عمل النساخ، وليس من عمل المؤلفين والمصنفين، كما ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله، عند تفسير آية الأحزاب.
    شرح حديث علي: (نهاني رسول الله عن الدباء والحنتم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا عبد الواحد عن إسماعيل وهو ابن سميع حدثني مالك بن عمير قال صعصعة لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه -قال الناسخ: كرم الله وجهه-: (إنهنا يا أمير المؤمنين عما نهاك عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدباء والحنتم)].ثم أورد النسائي حديث علي والمقصود من ذلك الانتباذ فيها، وهذا النهي كان في أول الأمر، ولكنه بعد ذلك نسخ كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب الذي أشرت إليه.
    تراجم رجال إسناد حديث علي: (نهاني رسول الله عن الدباء والحنتم)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].قتيبة مر ذكره.
    [حدثنا عبد الواحد].
    هو: عبد الواحد بن زياد العبدي، مولاهم البصري، وهو ثقة، وفي حديثه عن الأعمش وحده مقال، وأما عبد الواحد بن واصل سدوسي مولاهم، أبو عبيدة الحداد البصري نزيل بغداد، ثقة، تكلم فيه الأزدي بغير حجة، من التاسعة.
    [عن إسماعيل وهو ابن سميع].
    إسماعيل وهو ابن سميع السدوسي، وهو صدوق، أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [عن مالك بن عمير].
    مالك بن عمير، وهو مخضرم، ما ذكر حكمه أو الحكم عليه، ولكنه في التقريب ذكر أيضاً أنه عده يعقوب في الصحابة، وقال أبو زرعة: أنه حاله مجهولة، وما ذكر فيه كلام في بيان حاله، سوى هذا الكلام، وهو مخضرم، يعني: أنه أدرك الجاهلية وأدرك الإسلام، ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم.
    [عن صعصعة عن علي بن أبي طالب].
    وقد مر ذكرهما.
    ومن المعلوم أن ما جاء في الحديث قد جاء في الصحيحين وهو النهي عن الدباء والحنتم، ولكن الحكم الذي فيه نسخ، وهو النهي عن الانتباذ في الدباء والحنتم جاء نسخه في حديث بريدة بن الحصيب الذي ثبت في صحيح مسلم: ( كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكراً ).
    ذكر ما كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه


    شرح حديث: (أن النبي كان ينبذ له في تور من حجارة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر ما كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه.أخبرنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينبذ له في تور من حجارة)].
    أورد النسائي الترجمة: ذكر ما كان ينبذ للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، يعني: الوعاء الذي ينتبذ له فيه، وأورد حديث جابر: (أنه كان ينتبذ له في تور من حجارة)، يعني: منحوت في الحجارة، والحجارة يكون فيها النحت، وهذا يدل على ما دل عليه حديث بريدة بن الحصيب الناسخ؛ لأن الحجارة أو ما كان من الجرار الخضر أو الدباء، والنقير، والمزفت، وما إلى ذلك من الأشياء التي تكون غليظة، ولا يظهر الإسكار عليها، هذا يدل على أن الانتباذ يكون في تلك الأشياء الغليظة؛ لأنه من حجارة، وهو شيء غليظ، وشيء سميك، وشيء قوي وصلب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان ينتبذ له في تور من حجارة)

    قوله: [أخبرنا قتيبة.حدثنا أبي عوانة.
    عن أبي الزبير].
    هو: أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    وهذا الإسناد رباعي.
    ذكر الأوعية التي نهي عن الانتباذ فيها دون ما سواها، مما لا تشتد أشربتها كاشتداده فيها


    شرح حديث ابن عمر في النهي عن نبيذ الجر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الأوعية التي نهي عن الانتباذ فيها دون ما سواها، مما لا تشتد أشربتها كاشتداده فيها.باب النهي عن نبيد الجر مفرداً.
    أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي عن طاوس أنه قال رجل لـابن عمر رضي الله عنهما: (أنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نبيذ الجر؟ قال: نعم)، قال طاوس: والله إني سمعته منه].
    أورد النسائي ترجمة عامة، ثم بعدها ذكر تراجم خاصة تندرج تحتها، فأتى بذكر الأوعية التي نهي عن الانتباذ فيها لاشتداده.
    قال: ذكر الأوعية التي نهي عن الانتباذ فيها دون ما سواها مما لا تشتد أشربتها.
    يعني: أنه جاء تحريم الانتباذ في أوعية معينة، بحيث يكون في غلافها صلابة وقوة، يمكن أن يحصل الإسكار، ولا يظهر على غلافها من الخارج.
    دون ما سواها مما لا يشتد كاشتدادها، بمعنى: أنه لو اشتد فيها يمكن أن يظهر على غلافها من الخارج كالجلود؛ لأنه إذا حصل في داخلها شيء اشتد ووصل إلى حد الإسكار يتبين على ظهر الجلد، فهذا الكلام أو هذه الأبواب كما علمنا نسخ بحديث بريدة بن الحصيب الذي كان النهي في أول الأمر ثم بعد ذلك أبيح، لكن بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً.
    ثم أتى بترجمة خاصة، وهي النهي عن نبيذ الجر مفرداً، والجر المقصود به: الجرة أو الجرار التي تتخذ من الفخار، وهو الذي أحمي في النار، وتطلى ويأتي ببعض الأحاديث الجرار الخضر يعني: الحنتم أنه جرار خضر، قالوا: لأنها تطلى بشيء أخضر، فيكون ذلك مما يسارع الإسكار بسبب هذا الطلاء الذي طليت به وهو الأخضر، أورد النسائي حديث ابن عمر: قال رجل لـابن عمر: (أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر؟ قال: نعم).
    قال رجل لـابن عمر: (أنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر؟ قال: نعم)، وهذا يدل على تحريمه، ولكنه كان في أول الأمر ثم نسخ، قال طاوس: والله إني سمعته منه يعني: من ابن عمر، وهذا تأكيد الكلام، وتأكيد السماع للحديث، حيث أقسم على ذلك، وهو لو لم يقسم يكون كافياً، لكن إقسامه زيادة في التأكيد وزيادة في التثبت.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في النهي عن نبيذ الجر

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر عن عبد الله عن سليمان التيمي].سويد بن نصر عن عبد الله، قد مر ذكرهما.
    وسليمان التيمي، هو: سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.
    حديث ابن عمر في النهي عن نبيذ الجر من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هارون بن زيد بن يزيد بن أبي الزرقاء حدثني أبي حدثنا شعبة عن سليمان التيمي وإبراهيم بن ميسرة قالا: سمعنا طاوساً يقول: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما قال: ( أنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نبيذ الجر؟ قال: نعم ) زاد إبراهيم في حديثه: ( والدباء )].أورد النسائي حديث ابن عمر وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا هارون بن زيد بن يزيد بن أبي الزرقاء].
    هو: هارون بن زيد بن يزيد بن أبي الزرقاء، وهو صدوق، أخرج له أبو داود، والنسائي.
    [عن أبيه].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا شعبة].
    هو: شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سليمان التيمي].
    سليمان التيمي مر ذكره.
    [وإبراهيم بن ميسرة].
    وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعنا طاوس عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.
    حديث ابن عباس: (نهى رسول الله عن نبيذ الجر) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد حدثنا عبد الله عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال ابن عباس رضي الله عنهما: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نبيذ الجر)].أورد النسائي حديث ابن عباس وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نبيذ الجر وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا سويد عن عبد الله عن عيينة بن عبد الرحمن].
    هو: عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [عن أبيه].
    وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [عن ابن عباس].
    وقد مر ذكره.
    شرح حديث ابن عمر: (نهى رسول الله عن الحنتم ...) من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن الحسين حدثنا أمية عن شعبة عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحنتم، قلت: وما الحنتم؟ قال: الجر)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، أن النبي نهى عن الحنتم، وسئل عن الحنتم ما هو؟ قال: الجر، وهي: جرار تصنع من الفخار أو تتخذ من الفخار.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (نهى رسول الله عن الحنتم ...) من طريق ثالثة

    قوله: [أخبرنا علي بن الحسين].هو: علي بن الحسين الدرهمي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي.
    [حدثنا أمية].
    هو: أمية بن خالد، أخو هدبة بن خالد، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن جبلة بن سحيم].
    جبلة بن سحيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.
    حديث عبد الله بن الزبير في النهي عن نبيذ الجر وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد حدثنا شعبة عن أبي مسلمة سمعت عبد العزيز يعني: ابن أسيد الطاحي بصري (يقول: سئل ابن الزبير رضي الله عنهما عن نبيذ الجر؟ قال: نهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].أورد النسائي حديث عبد الله بن الزبير، وهو مثل حديث ابن عمر، وابن عباس المتقدمين.
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى].
    هو: محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا خالد].
    وهو: ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة عن أبي مسلمة].
    شعبة وقد مر ذكره
    [عن أبي مسلمة].
    وهو: سعيد بن يزيد الأزدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت عبد العزيز يعني: ابن أسيد الطاحي].
    وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن ابن الزبير].
    هو: عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    حديث ابن عمر في النهي عن نبيذ الجر من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن هشام بن أبي عبد الله عن أيوب عن سعيد بن جبير أنه قال: (سألنا ابن عمر رضي الله عنهما عن نبيذ الجر؟ فقال: حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيت ابن عباس فقلت: سمعت اليوم شيئاً عجبت منه، قال: ما هو؟ قلت: سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن نبيذ الجر فقال: حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: صدق ابن عمر، قلت: ما الجر؟ قال: كل شيء من مدر)].أورد النسائي حديث ابن عمر، وابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف].
    وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وقد سبق أن مر في الدرس الماضي الرجل هذا، وجاء ذكر أحمد بن عبد الله بن علي بعده.
    وقلنا: هل هو هذا أو المصيصي ؟ وبالرجوع إلى ترجمة المصيصي ذكر الحافظ ابن حجر: أنه لم ينقل أن المزي ذكر أنه من شيوخه من شيوخ النسائي وقال: لم نقف على روايته عنه، يعني: مما يبين أن المقصود بـأحمد بن عبد الله بن علي أنه هو المتقدم الذي هو المنجوفي، وعلى هذا فيكون هذا الذي لم يذكر نسبه كاملاً، وقيل: أحمد بن عبد الله بن علي يكون هو المنجوفي وليس المصيصي؛ لأن المصيصي يقول الحافظ ابن حجر: ذكره ابن عساكر في الشيوخ النبل، قال: ولم نقف على روايته عنه.
    [حدثنا عبد الرحمن بن مهدي].
    عبد الرحمن بن مهدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن هشام بن أبي عبد الله].
    هو: هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو: أيوب بن أبي تميمة السختياني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن جبير].
    سعيد بن جبير، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر وابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.
    حديث ابن عمر في النهي عن نبيذ الجر من طريق خامسة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن زرارة أخبرنا إسماعيل عن أيوب عن رجل عن سعيد بن جبير أنه قال: (كنت عند ابن عمر رضي الله عنهما فسئل عن نبيذ الجر؟ فقال: حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشق علي لما سمعته، فأتيت ابن عباس رضي الله عنهما فقلت: إن ابن عمر سئل عن شيء، فجعلت أعظمه، قال: ما هو؟ قلت: سئل عن نبيذ الجر، فقال: صدق، حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قلت: وما الجر؟ قال: كل شيء صنع من مدر)]. أورد النسائي حديث ابن عمر، وابن عباس، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [أخبرنا عمرو بن زرارة].
    عمرو بن زرارة، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [أخبرنا إسماعيل].
    وهو: ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أيوب].
    هو: أيوب بن أبي تميمة.
    [عن رجل].
    يقول ابن حجر: كأنه يعلى بن حكيم.
    هو: يعلى بن حكيم الثقفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب، إلا الترمذي.
    كأنه احتمال، يعني: قال: كأنه، يدل على أنه غير جازم.

    [عن سعيد عن ابن عمر وابن عباس].
    وقد مر ذكرهم.


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #502
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (499)

    - (باب الجر الأخضر) إلى (باب النهي عن نبيذ الدباء والحنتم والمزفت)




    رخص الشرع في الانتباذ في الجر الأخضر بشرط عدم الإسكار، ونهى عن الانتباذ في الدباء، والمزفت، والنقير، وكان هذا في أول الأمر ثم نسخ ذلك وأباح الشراب بأي شيء ما لم يسكر.

    الجر الأخضر


    شرح حديث: (نهى رسول الله عن نبيذ الجر الأخضر ..)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الجر الأخضر.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن الشيباني سمعت ابن أبي أوفى يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نبيذ الجر الأخضر، قلت: فالأبيض؟ قال: لا أدري)].
    يقول النسائي رحمه الله: الجر الأخضر، لأن الترجمة السابقة التي هي ترجمة عامة ذكر أوعية الجراء يعني: ذكر النهي عن الانتباذ بها، لكونها يشتد فيها ما لا يشتد في غيرها من الأوعية، ثم بعد ذلك أتى بتراجم فرعية تندرج تحت تلك الترجمة العامة، ومر بعض التراجم وهذه منها، الجر الأخضر، والجر: المقصود به الجرار الخضر، والجرار هي: التي اتخذت من الطين الذي أحمي في النار الذي هو الفخار، وكانوا يطلونها بطلاء أخضر، فلهذا يقال لها، الجر الأخضر أو الجرار الخضر أي: التي تطلى باللون الأخضر، وهي معروفة، وموجودة في ذلك الوقت.
    والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ فيها في أول الأمر، ولكنه رخص في ذلك فيما بعد بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً، أي: أنه جاء النهي أولاً عن الانتباذ في نوع من الأوعية التي تكون غليظةً سميكةً، وقويةً ويمكن أن يحصل الإسكار في داخلها دون أن يظهر على الغلاف لسماكته، وصلابته وقوته، بخلاف الأسقية التي هي متخذة من الجلود، فإنه إذا حصل التغير في داخلها ظهر على الغلاف من الخارج أثره، فكانوا نهوا عن ذلك أولاً، أي: الانتباذ في أوعية منها الجرار الخضر، ثم بعد ذلك رخص لهم بأن ينتبذوا في كل وعاء، لكن بشرط أن لا يشربوا مسكراً، يعني: هذا الذي انتبذوه لم يصل إلى حد الإسكار، فإن وصل إلى حد الإسكار، حرم استعماله لأنه صار خمراً، ولأنه ألحق بالخمر الذي هو النبيذ المسكر.
    وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله تعالى عنه، أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر الأخضر)، فـعبد الله بن أبي أوفى أخبر بنهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن الجر الأخضر، أي: الذي طلي باللون الأخضر، وكان التقييد به؛ لأنه كان معلوماً معهوداً، فلما قال عبد الله بن أبي أوفى هذه المقالة التي يضيفها إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي: النهي عن الجر الأخضر، قيل له: (فالجر الأبيض؟ قال: لا أدري) هنا قال: (لا أدري) وفي صحيح البخاري قال: (لا)، يعني: بدون (أدري)، معناه: لا، ما جاء نهي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيكون قوله: (أدري) مخالف لما جاء في رواية البخاري التي هي قوله: (لا)، ومن المعلوم أن (لا) تختلف عن (لا أدري)، لأن (لا)، يعني: إخبار بأنه ما نهى، يعني: ما يعرف عنه نهياً، وأما قوله: (لا أدري) فإنه إخبار بعدم علمه.
    وعلى كل حال الحكم الذي استقر هو: أن الانتباذ في الجرار مطلقاً على أي حالة كانت، ومن أي شيء صنعت، فإن ذلك سائغ، ولكن بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً؛ لأن الانتباذ في الأوعية التي جاء النهي عنها مثل الجرار الخضر وغيرها مما ورد إنما كان في أول الأمر، ثم بعد ذلك نسخ بإباحة الانتباذ في أي وعاء، لكن بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن نبيذ الجر والأخضر ...)

    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان].هو: محمود بن غيلان المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا أبا داود.
    [حدثنا أبو داود].
    هو: سليمان بن داود الطيالسي، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [حدثنا شعبة].
    هو: شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشيباني].
    وهو: سليمان بن أبي سليمان أبو إسحاق الشيباني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت ابن أبي أوفى].
    هو: عبد الله بن أبي أوفى صحابي رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (نهى رسول الله عن نبيذ الجر الأخضر ...) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا أبو عبد الرحمن أخبرني محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا أبو إسحاق الشيباني سمعت ابن أبي أوفى رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نبيذ الجر الأخضر والأبيض)].أورد النسائي حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله إلا أنه يختلف عنه في التنصيص على أن النهي يكون في الجر الأبيض كما أنه للجر الأخضر، وهو يخالف الرواية السابقة؛ لأن الرواية السابقة يقول: قال: (لا)؛ لأن النهي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا، وذاك ما جاء عنه النهي، وأما هنا فيه أن النهي جاء عن هذا وهذا، والشيخ الألباني ذكر أن هذه مدرجة، يعني: كلمة (الأبيض) هذه مدرجة، وإنما المحفوظ والشيء الثابت هو (الأخضر)، وهي الحنتم التي جاء ذكرها في بعض الروايات وهي (الجرار الخضر)، كانوا يستعملونها للانتباذ.
    وعلى كل حال فالانتباذ كما ذكرت في الجرار الخضر وغير الخضر وفي كل وعاء انتهى حكمه؛ لأنه كان ممنوعاً في أول الأمر ثم بعد ذلك نسخ في جواز الانتباذ في أي وعاء، لكن بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً.
    تراجم رجال إسناد: (نهى رسول الله عن نبيذ الجر الأخضر ...) من طريق أخرى

    قوله: [أخبرنا أبو عبد الرحمن أخبرني محمد بن منصور].هو: محمد بن منصور الجواز المكي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سفيان].
    هو: ابن عيينة المكي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو إسحاق سمعت ابن أبي أوفى].
    وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث: (أن رسول الله نهى عن نبيذ الحنتم والدباء والمزفت والنقير)

    قال المصنف رحمه الله: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا محمد حدثنا شعبة عن أبي رجاء أنه قال: (سألت الحسن عن نبيذ الجر: أحرام هو؟ قال: حرام، قد حدثنا من لم يكذب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن نبيذ الحنتم والدباء والمزفت والنقير)]. أورد النسائي الحديث عن الحسن البصري رحمة الله عليه (أنه سأله أبو رجاء عن نبيذ الجر؟ فقال: حرام، حدثنا من لا يكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن نبيذ الحنتم، والدباء، والمزفت، والنقير).
    والحنتم هو: الجر؛ لأن الترجمة هي السؤال عن الجر، والجواب جاء فيه الحنتم، والحنتم هو الجر، وقيل: إنها جرار خضر كانوا يستعملونها للانتباذ.
    وعلى هذا فيكون الحسن ذكر الحديث وأسنده إلى من لم يكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [أنه نهى عن الانتباذ في أوعية منها الحنتم]، (الحنتم) هي: جرار خضر كانوا ينتبذون بها، (والمزفت) ما طلي بالزفت، (والنقير) هي: ما حفر أو اتخذ من جذوع النخل، بحيث اتخذ وسطه وبقي الجوانب غلافاً ووعاء ينتبذ به.
    قوله: (والدباء) هو القرع الذي استخرج لبه، وبقي غلافه، وقشرته حتى يبست، وصارت وعاءً ينتبذ به، وقد مر هذا مراراً وتكراراً، وهذا نسخ؛ لأن ذلك جاء في حديث وفد عبد القيس، الذين جاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام بعدما هاجر إلى المدينة، وقالوا: (إنهم لا يصلون إليه إلا بشهر حرام، وطلبوا منه أن يأمرهم بأمر يعملون به، ويبلغونه من وراءهم، فأمرهم ونهاهم، وكان مما نهاهم عنه الانتباذ في هذه الأوعية)، وبعد ذلك نسخ في حديث بريدة بن الحصيب الذي أخرجه مسلم، وسيأتي عند النسائي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهى عن نبيذ الحنتم والدباء والمزفت والنقير)

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار].محمد بن بشار، هو الملقب بـبندار البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد].
    وهو: ابن جعفر البصري الملقب غندر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة].
    وقد مر ذكره.
    [عن أبي رجاء].
    وهو: محمد بن سيف، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [عن الحسن].
    هو: الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، يرسل، ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عمن لم يكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم].
    يعني: ولم يسم هذا الذي روى عنه، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء هذا عن ابن عباس وجاء عن غيره.
    النهي عن نبيذ الدباء


    شرح حديث: (أن رسول الله نهى عن الدباء)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن نبيذ الدباء.أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الدباء)].
    أورد النسائي الترجمة: النهي عن نبيذ الدباء، والدباء كما قلنا: هو القرع، الذي اتخذ لبه، وبقي غلافه وقشرته، حتى يبس وصار وعاءً ينتبذ به وأورد فيه حديث ابن عمر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء) أي: نبيذ الدباء أو الانتباذ في الدباء، يعني: هذا المقصود بالنهي، وإلا فإن الدباء الذي هو القرع مما أحله الله، وكان عليه الصلاة والسلام يحبه، وقد جاء عن أنس كما ثبت في الصحيح: (أنه أكل معه طعاماً فيه دباء، فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يمد يده إلى القطع التي من الدباء في وسط الإناء، فلما رآه أنس يتناوله ويحرص عليه جعل يأخذه ويلقيه بجانبه) أي: في جانب النبي صلى الله عليه وسلم، فالتحريم هو للانتباذ.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهى عن الدباء)

    قوله: [أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود حدثنا شعبة عن إبراهيم بن ميسرة].مر ذكر الثلاثة الأول، وإبراهيم بن ميسرة، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن طاوس].
    هو: طاوس بن كيسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر].
    هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: ابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وابن الزبير، وهم من أبناء الصحابة، صحابة أبناء صحابة، وهو أيضاً، أي: ابن عمر أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    حديث: (أن رسول الله نهى عن الدباء) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا جعفر بن مسافر حدثنا يحيى بن حسان حدثنا وهيب حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء)].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا جعفر بن مسافر].
    جعفر بن مسافر، صدوق يخطئ، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا يحيى بن حسان].
    يحيى بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه.
    [حدثنا وهيب].
    وهيب بن خالد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن طاوس].
    هو: عبد الله بن طاوس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه عن ابن عمر].
    وقد مر ذكرهما.
    النهي عن نبيذ الدباء والمزفت


    شرح حديث عائشة: (نهى رسول الله عن الدباء والمزفت)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن نبيذ الدباء والمزفت.أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا سفيان عن منصور وحماد وسليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدباء، والمزفت)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: النهي عن نبيذ الدباء والمزفت. أي: الذي انتبذ في أوعية هي الدباء التي تتخذ من الدباء، والذي طلي بالزفت، وقد أورد النسائي هذه الترجمة التي ذكر فيها الدباء والمزفت، أو جمع فيها بين الدباء والمزفت، والترجمة السابقة الدباء فقط، وسر التفريق بينهما: أن الترجمة السابقة أحاديث أو بعض الطرق جاء فيها ذكر الدباء وحده، وهذه الطرق جاء فيها ذكر الدباء والمزفت مع بعض، فأورد الترجمة التي هي مطابقة لما ورد في الحديث التي فيها الجمع بين اثنين. والمقصود أن كل واحد منهما إذا انتبذ به فذلك لا يسوغ ولا يجوز، وهذا كله كان في أول الأمر كما ذكرت، وفي آخر الأمر نسخ بحديث بريدة بن الحصيب الذي أشرت إليه مراراً.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (نهى رسول الله عن الدباء والمزفت)

    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].هو: محمد بن المثنى أبو موسى العنزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا يحيى بن سعيد].
    هو: يحيى بن سعيد القطان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سفيان].
    هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو: منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وحماد].
    هو: حماد بن زيد البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [وسليمان].
    هو: الأعمش سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم].
    هو: إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأسود].
    هو: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عائشة].
    هي: أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    حديث علي: (أن النبي نهى عن الدباء والمزفت) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن سفيان عن سليمان عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن علي كرم الله وجهه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى عن الدباء والمزفت)].أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله: الجمع بين النهي عن الدباء والمزفت.
    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار حدثنا يحيى عن سفيان عن سليمان عن إبراهيم التيمي].
    مر ذكر الأول.
    وأما إبراهيم التيمي فهو أيضاً إبراهيم بن يزيد، وهو مثل ذاك إبراهيم بن يزيد النخعي وهذا إبراهيم بن يزيد التيمي، وهو ثقة، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    فعندنا شخصان إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه، وإبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي، فإبراهيم التيمي ثقة، عابد، يرسل ويدلس، وإبراهيم النخعي، هو ثقة، فقيه.
    [عن الحارث بن سويد].
    وهو: التيمي أيضاً، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن علي].
    هو: علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء، الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    حديث عبد الرحمن بن يعمر: (أن النبي نهى عن الدباء والمزفت) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن أبان حدثنا شبابة بن سوار حدثنا شعبة عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهى عن الدباء والمزفت)].أورد النسائي حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله؛ جمع بين النهي عن الدباء والمزفت.
    قوله: [أخبرنا محمد بن أبان].
    محمد بن أبان، وهو ثقة، أخرج له البخاري، وأصحاب السنن.
    [حدثنا شبابة بن سوار].
    شبابة بن سوار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة عن بكير بن عطاء].
    شعبة مر ذكره، بكير بن عطاء، هو ثقة أخرج له أصحاب السنن.
    [وعبد الرحمن بن يعمر].
    صحابي أخرج له أصحاب السنن.
    حديث أنس: (أن رسول الله نهى عن الدباء والمزفت أن ينبذ فيهما) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن شهاب عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه أخبره: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الدباء والمزفت أن ينبذ فيهما)].أورد النسائي حديث أنس بن مالك، وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا قتيبة].
    هو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا الليث].
    هو: الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن شهاب].
    هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو: أنس بن مالك رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله عن الدباء والمزفت أن ينبذ فيهما) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن منصور حدثنا سفيان حدثنا الزهري أخبرني أبو سلمة أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدباء والمزفت أن ينبذ فيهما)].أورد النسائي حديث أبي هريرة، وهو مثل حديث أنس بن مالك الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا محمد بن منصور عن سفيان حدثنا الزهري أخبرني أبو سلمة].
    هو: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أنه سمع أبا هريرة].
    هو: أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.
    حديث ابن عمر: (أن رسول الله نهى عن المزفت والقرع) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد حدثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المزفت والقرع)].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي نهى عن المزفت والقرع) والقرع: هو الدباء، ذكره باسمه الآخر.
    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].
    عبيد الله بن سعيد، هو: أبو قدامة السرخسي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا يحيى عن عبيد الله].
    يحيى هو: القطان، وعبيد الله هو: عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر العمري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني نافع مولى ابن عمر].
    وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر].
    وقد مر ذكره.
    الحكم بالتواتر على النهي عن النبيذ في الدباء والمزفت والحنتم والنقير

    مداخلة: هل ممكن أن يقال: أن حديث النهي عن النبيذ في الدباء، والمزفت، والحنتم، والنقير متواتر؟الشيخ: أنا لا أدري عن قضية كثرة الطرق، لأنه جاء عن ابن عمر، وأبي هريرة، وعائشة، وابن عباس، وعبد الرحمن بن يعمر، في ذكر الجر، والعلماء يقولون أن التواتر هو: أن يرويه جمع تستحيل العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب، رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء، وتحديده بشيء قليل، يعني: بعض العلماء كان يحدد بالخمسة، وبعضهم يحدد بأكثر من ذلك، لكن المشهور هو العدد الكثير الذي يستحيل العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب.
    ذكر النهي عن نبيذ الدباء والحنتم والنقير


    شرح حديث ابن عمر: (أن رسول الله نهى عن الدباء والحنتم والنقير)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر النهي عن نبيذ الدباء والحنتم والنقير.أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم بن فروة يقال له: ابن كردي بصري، حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عبد الخالق الشيباني قال: سمعت سعيداً يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الدباء، والحنتم، والنقير)].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: النهي عن الانتباذ في الدباء، والحنتم، والنقير، وأنه ذكر هذه الثلاثة لأنه جاء أحاديث تجمع بين هذه الثلاثة، مثلما أن الترجمة السابقة أحاديث فيها الجمع بين الاثنين، وهما الدباء، والمزفت، هنا أحاديث فيها ذكر ثلاثة أو الانتباذ في ثلاثة، وهي: الحنتم ،والنقير، والدباء.
    الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الدباء والحنتم والنقير).
    يعني: هو عن الدباء، والحنتم، والنقير، والحنتم: هي الجرار الخضر التي كانوا ينتبذون بها، وقد سبقت الإشارة إليها.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (أن رسول الله نهى عن الدباء والحنتم والنقير)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم بن فروة يقال له ابن كردي].وهو ثقة، أخرج له مسلم، والترمذي، والنسائي.
    [حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة].
    مر ذكرهما.
    [عن عبد الخالق الشيباني].
    عبد الخالق بن سلمة الشيباني وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [سمعت سعيداً].
    وهو: ابن المسيب، وهو ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [يحدث عن ابن عمر].
    وقد مر ذكره.
    شرح حديث أبي سعيد الخدري: (نهى رسول الله عن الشرب في الحنتم والدباء والنقير)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن المثنى بن سعيد عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشرب في الحنتم، والدباء، والنقير)].وهذا مثل الذي قبله، (نهى رسول الله عن الشرب) يعني: شرب ما ينتبذ في الدباء، والحنتم، والنقير؛ لأن مقصود (الشرب) يعني: شرب ما ينتبذ، وليس المقصود (بالشرب) الذي يشرب فيها يعني: إذا كانت أواني صغيرة وشرب بها الإنسان، لا مانع لو كان فيها ماء، وإنما الأحاديث هي جاءت في الانتباذ، فالشرب هو شرب ما ينتبذ، وليس الشرب أي شراب كالماء.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي سعيد الخدري: (نهى رسول الله عن الشرب في الحنتم والدباء والنقير)

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر].هو: سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا عبد الله]
    هو: ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن المثنى بن سعيد].
    المثنى بن سعيد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي المتوكل].
    أبو المتوكل الناجي وهو: علي بن داود، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي سعيد الخدري].
    وهو: سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    النهي عن نبيذ الدباء والحنتم والمزفت


    حديث ابن عمر: (نهى رسول الله عن الدباء والحنتم والمزفت) وتراجم رجال وإسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [النهي عن نبيذ الدباء والحنتم والمزفت.أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن شعبة عن محارب قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدباء والحنتم والمزفت)].
    أورد النسائي ترجمةً أخرى تشتمل على ثلاثة أشياء، وهي: الدباء، والحنتم، والمزفت، ووجه ذلك: أنه جاء في بعض الأحاديث ذكر الجمع بين هذه الثلاثة، فأورد الأحاديث التي جاءت فيها كالترجمة التي قبلها.
    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن شعبة عن محارب].
    محارب هو: ابن دثار، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت ابن عمر].
    ابن عمر، وقد مر ذكره.
    حديث أبي هريرة: (نهى رسول الله عن الجرار والدباء والظروف المزفتة) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن الأوزاعي حدثني يحيى حدثني أبو سلمة حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الجرار والدباء والظروف المزفتة)].أورد النسائي حديث أبي هريرة وهو مثل الذي قبله: الجرار هي الحنتم، ومقصودي أنها المقصودة بالحنتم.
    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن الأوزاعي].
    الأوزاعي، هو: أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني يحيى].
    هو: يحيى بن أبي كثير اليمامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني أبو سلمة].
    وهو ابن عبد الرحمن بن عوف، وقد مر ذكره.
    [حدثني أبو هريرة].
    أبو هريرة، وقد مر ذكره.
    شرح حديث عائشة: (سمعت رسول الله ينهى عن شراب صنع في دباء أو حنتم أو مزفت ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن عون بن صالح البارقي عن زينب بنت نصر وجميلة بنت عباد أنهما سمعتا عائشة رضي الله عنها قالت: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن شراب صنع في دباء أو حنتم أو مزفت لا يكون زيتاً أو خلاً)].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو مشتمل على الثلاثة (أن النبي نهى عن شراب انتبذ في: دباء أو حنتم أو مزفت لا يكون زيتاً أو خلاً)، يعني: إذا كان زيتاً أو خلاً فإنه بخلاف ذلك، ولكن الأمر كما ذكرت هو أن كل ما جاء في هذه الأحاديث من النهي عن تلك الأوعية قد نسخ بما جاء في حديث بريدة بن الحصيب: (كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية ألا فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً).
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (سمعت رسول الله ينهى عن شراب صنع في دباء أو حنتم أو مزفت ...)

    قوله: [أخبرنا سويد عن عبد الله عن عون بن صالح البارقي].عون بن صالح البارقي، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي.
    [عن زينب بنت نصر].
    زينب بنت نصر، وهي مجهولة، أخرج حديثها النسائي وحده.
    [وجميلة بنت عباد].

    جميلة بنت عباد، وهي أيضاً مجهولة، أخرج حديثها النسائي وحده.
    [عن عائشة].
    عائشة أم المؤمنين، وقد مر ذكرها.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #503
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (500)


    - (باب النهي عن نبيذ الدباء والنقير والمقير والحنتم) إلى (باب الإذن في الجر خاصة)



    نهى الشرع الحكيم عن الانتباذ في الأوعية المتخذة من الدباء والمزفت والنقير والحنتم في أول الأمر، ثم أذن في ذلك بشرط عدم الإسكار.

    ذكر النهي عن نبيذ الدباء والنقير والمقير والحنتم


    شرح حديث أبي هريرة: (أن رسول الله نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر النهي عن نبيذ الدباء والنقير والمقير والحنتم.أخبرنا قريش بن عبد الرحمن أخبرنا علي بن الحسن أنبأنا الحسين حدثني محمد بن زياد سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: ( إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت ) ].
    يقول النسائي رحمه الله: ذكر النهي عن نبيذ الدباء والنقير والمقير والحنتم.
    هذه الترجمة ذكر فيها النسائي رحمه الله هذه الأمور الأربعة؛ لأنه ورد في بعض الأحاديث ذكر هذه الأربعة مجتمعة، وقد سبق أن مرت، والمقير هو المزفت الذي سبق أن مر في الروايات السابقة. وأورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت ).
    ذكر الأربعة وقد مرت في الأحاديث السابقة المتفرقة، وهنا جاءت مجتمعة، والترجمة فيها المقير، والحديث فيه المزفت وهما بمعنى واحد؛ لأن المقير هو المزفت.
    وقد سبق أن مر في الأحاديث الماضية أن الدباء هو القرع الذي يستخرج لبه ويبقى قشره، ويترك حتى ييبس، ثم يتخذ وعاء، والحنتم هي جرار خضر كانوا ينتبذون بها، وهي مصنوعة من الطين المحمى عليه بالنار الذي هو الفخار، ثم النقير هو جذوع النخل عندما ينقر وسطها ويبقى جوانبها، فينتبذون فيه إذ هو وعاء من الأوعية، والمزفت هو الذي طلي بالزفت أو القار الذي هو المقير.

    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (أن رسول الله نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت)


    قوله: [أخبرنا قريش بن عبد الرحمن].قريش بن عبد الرحمن لا بأس به، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [أخبرنا علي بن الحسن] .
    هو: علي بن الحسن بن شقيق وهو ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أنبأنا الحسين] .
    هو: الحسين بن واقد وهو ثقة، له أوهام أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثني محمد بن زياد ].
    محمد بن زياد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبا هريرة ].
    هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.
    شرح حديث عائشة: (... فنهى النبي أن ينبذوا في الدباء والنقير والمقير والحنتم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن القاسم بن الفضل حدثنا ثمامة بن حزن القشيري قال: ( لقيت عائشة رضي الله عنها فسألتها عن النبيذ، فقالت: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه فيما ينبذون؟ فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينبذوا في الدباء والنقير والمقير والحنتم ) ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وفيه ذكر هذه الأربعة، إلا أن فيه ذكر المقير بدل المزفت وهما بمعنى واحد، ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن النبيذ أخبرت بأن وفد عبد القيس لما وفدوا على الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك في أول الهجرة يعني: بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، جاءوا وقالوا كما في الصحيحين: ( إنا لا نصل إليك إلا في شهر حرام فمرنا بأمر نأخذ به ونبلغه من وراءنا، فأمرهم بخمس ونهاهم عن خمس، وكان مما نهاهم عنه هذه الأمور التي هي الانتباذ في هذه الأربعة ).
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (... نهى النبي أن ينتبذوا في الدباء والنقير والمقير والحنتم)

    قوله:[ أخبرنا سويد ].وهو: سويد بن نصر المروزي ثقة، أخرج حديثه الترمذي والنسائي .
    [أخبرنا عبد الله ].
    هو: ابن المبارك المروزي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا القاسم بن الفضل ].
    القاسم بن الفضل وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [حدثنا ثمامة بن حزن ].
    ثمامة بن حزن وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم والترمذي والنسائي .
    [لقيت عائشة ].
    هي: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة ممن حفظ الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولاسيما في الأمور البيتية التي تحصل بين الرجل وأهل بيته، فإنها روت الكثير من السنن في ذلك وفي غيره رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث عائشة: (ونهي عن الدباء بذاته)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا ابن علية حدثنا إسحاق بن سويد عن معاذة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( نهي عن الدباء بذاته ) ].أورد النسائي هذا الحديث، وهو حديث؛ لأنه قال: نهي، يعني: إذا جاء الصحابي وقال: أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو أمر بكذا أو نهي عن كذا، فالآمر والناهي هو رسول الله عليه الصلاة والسلام، وإذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: أمرت بكذا أو نهيت عن كذا فالآمر والناهي هو الله عز وجل، وإذا قال الصحابي: نهينا أو نهي عن كذا فالذي حصل منه النهي وحصل منه الأمر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    وقولها: ( نهي عن الدباء بذاته )، قيل: معناه أنه الانتباذ بالدباء وإن لم يحصل الإسكار يعني: مجرد الانتباذ ممنوع منه، بصرف النظر عن الإسكار أو عدم الإسكار، فإن فعل ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وقد عرفنا فيما مضى مراراً وتكراراً أن هذا كان في أول الأمر، وأنه بعد ذلك نسخ النهي عن الانتباذ بأوعية معنية، ورخص لهم بأن ينتبذوا في كل وعاء بشرط أن لا يشربوا مسكراً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (نُهي عن الدباء بذاته)

    قوله:[ أخبرنا زياد بن أيوب ].زياد بن أيوب هو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
    [حدثنا ابن علية ].
    هو: إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا إسحاق بن سويد ].
    إسحاق بن سويد، وهو صدوق، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
    [ عن معاذة ].
    وهي: معاذة بنت عبد الله العدوية ، وهي: ثقة أخرج لها أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عائشة ].
    هي: أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها.
    شرح حديث عائشة: (أن رسول الله نهى عن نبيذ النقير والمقير والدباء والحنتم) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت إسحاق وهو ابن سويد حدثتني معاذة عن عائشة رضي الله عنها: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن نبيذ النقير والمقير والدباء والحنتم )، في حديث ابن علية قال إسحاق : وذكرت هنيدة عن عائشة مثل حديث معاذة وسمت الجرار، قلت: لـهنيدة : أنت سمعتيها سمت الجرار؟ قالت: نعم ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه ذكر الأربعة التي هي النقير والمزفت والحنتم والدباء، وهذا مطابق للترجمة، بخلاف الذي قبله فإنه ليس مطابقاً للترجمة؛ لأنه ذكر الدباء وحده، ولم يذكر الأربعة التي معه، فهو يناسب الباب الذي سبق أن مر خاصاً بالدباء والذي ذكر فيه الدباء وحده، وأما الباب الذي فيه ذكر الأربعة مجتمعة فإن الحديث الثاني الذي هو سمعناه أخيراً هو المشتمل على ما يطابق الترجمة، قالت: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ النقير والمقير -الذي هو المزفت- والدباء والحنتم )، والحنتم هنا هي الجرار، ثم ذكر إسحاق في حديث ابن علية ، وهو الحديث المتقدم الذي قبل هذا الحديث الذي فيه إسحاق عن معاذة.
    والأول الذي مضى فيه ابن علية عن إسحاق عن معاذة وآخره (نهي عن الدباء بذاته).
    قوله: (في حديث ابن علية وذكرت هنيدة عن عائشة مثل حديث معاذة وسمت الجرار)، يعني: أنها ذكرت الجرار، والجرار هي الحنتم، يعني: يأتي أحياناً ذكر الجرار -والجرار الخضر والجر الأخضر- وأحياناً يأتي الحنتم.
    قوله: (قلت لـهنيدة) -الذي يقول هو إسحاق-: أنت سمعتيها سمت الجرار؟ -يعني: بدل الحنتم- قالت: نعم.
    تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن رسول الله نهى عن نبيذ النقير والمقير والدباء والحنتم) من طريق ثانية

    قوله:[ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].محمد بن عبد الأعلى هو: الصنعاني ، ثقة أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا المعتمر ].
    هو: ابن سليمان بن طرخان التيمي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت إسحاق -هو ابن سويد- حدثني معاذة عن عائشة ].
    وقد مر ذكر الثلاثة، وهنيدة سيأتي ذكرها. نعم.
    شرح أثر عائشة في نهيها عن الدباء والنقير والمزفت والحنتم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن طود بن عبد الملك القيسي بصري حدثني أبي عن هنيدة بنت شريك بن أبان قالت: لقيت عائشة رضي الله عنها بالخريبة فسألتها عن العكر، فنهتني عنه، وقالت: انبذي عشية واشربيه غدوة، وأوكي عليه، ونهتني عن الدباء والنقير والمزفت والحنتم ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم، فيه ذكر الأربعة التي هي الدباء والنقير والحنتم والمزفت أو المقير.
    تقول هنيدة : (لقيت عائشة رضي الله عنها بالخريبة).
    قيل: هو موضع في البصرة، (فسألتها عن العكر)، والعكر: هو الوسخ والدرن، يعني: من كل شيء آخره وعصارته ونهايته التي تبقى في الوعاء بعد استخراج ما فيه، وهي الحثالة، هذا هو العكر، يعني: من أي شيء كان، سواء كان من الزيت أو من الدبس أو من الخمر أو من النبيذ أو ما إلى ذلك، فنهتها عن ذلك وقالت لها: (انبذي عشية واشربيه غدوة، وأوكي عليه)، يعني: يكون في سقاء يوكى عليه في سقاء، والأسقية أمرها أخف من الأوعية الغليظة؛ لأنه إذا كان في سقاء وأوكي عليه فإن أي تأثر يكون من الداخل يتبين على سطح الغلاف من الخارج إذا حصل فيه اشتداد وتجاوز الحد إلى الإسكار فإنه يظهر على غلافه من الخارج.
    (ونهتني عن الدباء والنقير والمزفت والحنتم)، وهي الأربعة التي جاءت في الترجمة.
    تراجم رجال إسناد أثر عائشة في نهيها عن الدباء والنقير والمزفت والحنتم

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن طود بن عبد الملك القيسي ].طود بن عبد الملك القيسي هو مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثني أبي].
    وهو: عبد الملك القيسي ، وهو مجهول أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن هنيدة بنت شريك بن أبان ].
    هنيدة بنت شريك بن أبان وهي مقبولة، أخرج حديثها النسائي وحده.
    [لقيت عائشة ].
    عائشة رضي الله عنها وقد مر ذكرها.
    هذا الإسناد فيه طود، والذي بعده أبوه عبد الملك وأبوه عن هنيدة .
    يعني: فيه مقبولان ومجهول، فالإسناد ضعيف، لكن من حيث الأشياء التي جاءت فيه، وفي الأربعة، طبعاً هذه موجودة في الأحاديث الأخرى.
    المزفتة


    شرح حديث أنس: (نهى رسول الله عن الظروف المزفتة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ المزفتة.أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا ابن إدريس سمعت المختار بن فلفل عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الظروف المزفتة ) ].
    أورد النسائي (المزفتة)، يعني: الظروف المزفتة، والظروف هي الأوعية، الظرف هو الوعاء، أورد النسائي الترجمة بمفرد المزفتة، وأورد الحديث الذي ورد فيه ذكر المزفتة، وهو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الظروف المزفتة)، يعني: الانتباذ بها.
    والظرف هو الوعاء.
    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن الظروف المزفتة)


    قوله:[ أخبرنا زياد بن أيوب حدثنا ابن إدريس ].زياد بن أيوب مر ذكره، وابن إدريس هو: عبد الله بن إدريس الأودي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت المختار بن فلفل ].
    المختار بن فلفل هو صدوق له أوهام، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .
    [ عن أنس ].
    وأنس بن مالك رضي الله عنه، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    ذكر الدلالة على النهي للموصوف من الأوعية التي تقدم ذكرها، كان حتماً لازماً لا على تأديب


    شرح حديث ابن عمر وابن عباس: (أنهما شهداء على رسول الله أنه نهى عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الدلالة على النهي للموصوف من الأوعية التي تقدم ذكرها كان حتماً لازماً لا على تأديب.أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد بن هارون حدثنا منصور بن حيان أنه سمع سعيد بن جبير يحدث أنه سمع ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين: ( أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أنه نهى عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7] ) ].
    أورد النسائي حديث ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن هذه الأربعة التي تكرر ذكرها؛ وأتى بها من أجل أن من بينها المزفت، يعني: الترجمة للمزفتة، فأتى بالحديث المشتمل على أربعة من أجل الاستدلال به على ذكر المزفت وأنه من بين تلك الظروف التي نهي عن الانتباذ بها، ومن المعلوم أن ذلك نسخ فيما بعد، ثم تلا: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]؛ لأنه في كل أمر من الأمور من الأوامر، وكل نهي من النواهي ينفذ هذا الأمر وينتهى عن النهي، ومن المعلوم أن الأوامر منها ما يكون للوجوب، ومنها ما هو للندب والاستحباب. والنواهي منها ما يكون للكراهة، ومنها ما يكون للتحريم. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، يعني: أن هذه من جنس الأشياء التي نهي عنها، ولكن كما هو معلوم قد جاء نسخ ذلك في حديث بريدة بن الحصيب الذي تقدمت الإشارة إليه مراراً.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر وابن عباس: (أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدباء والحنتم والمزفت والنقير ...)

    قوله:[ أخبرنا أحمد بن سليمان ].وهو: أحمد بن سليمان الرهاوي ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد بن هارون ].
    هو: يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا منصور بن حيان].
    منصور بن حيان ، وهو ثقة أخرج له مسلم، وأبو داود، والنسائي .
    [أنه سمع سعيد بن جبير يحدث ].
    سعيد بن جبير وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أنه سمع ابن عمر وابن عباس ].
    ابن عمر وابن عباس ، وابن عمر هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وابن عباس هو: عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهما من العبادلة الأربعة ومن السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    يقول الألباني أن هذه مدرجة، وأن المحفوظ ذكر الأربعة دون تلاوة الآية.
    شرح حديث ابن عباس: (... فإني أشهد أن نبي الله نهى عن النقير والمقير والدباء والحنتم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي عن أسماء بنت يزيد عن ابن عم لها يقال له أنس أنه قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( ألم يقل الله عز وجل: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]؟ قلت: بلى، قال: ألم يقل الله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]؟ قلت: بلى، قال: فإني أشهد أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن النقير والمقير والدباء والحنتم ) ].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأنه قال: ألم يقل الله: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، ألم يقل الله: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36]، ثم بعد ذلك بعدما قال الذي خاطبه: نعم أو بلى، قال: ( فإني أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الدباء والنقير والحنتم والمزفت )، وقد مر ذكر هذه الأربعة مراراً وتكراراً، والإسناد فيه عدة أناس مقبولين.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (... فإني أشهد أن نبي الله نهى عن النقير والمقير والدباء والحنتم)

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي ].سليمان هو: ابن طرخان التيمي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أسماء بنت يزيد ].
    أسماء بنت يزيد ، وهي مقبولة، أخرج حديثها النسائي وحده.
    [ عن ابن عم لها يقال له أنس ].
    عن ابن عم لها يقال له أنس ، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن ابن عباس ].
    والحديث فيه هذان الاثنان المقبولان، لكن من حيث النهي عن الأمور الأربعة هذا جاء عن ابن عباس وعن غيره.
    تفسير الأوعية


    شرح حديث: (... نهى رسول الله عن الحنتم وهو الذي تسمونه الجرة ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ تفسير الأوعية.أخبرنا عمرو بن يزيد حدثنا بهز بن أسد حدثنا شعبة أخبرني عمرو بن مرة سمعت زاذان ( قال: سألت عبد الله بن عمر وقلت: حدثني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأوعية وفسره؟ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحنتم وهو الذي تسمونه أنتم الجرة، ونهى عن الدباء وهو الذي تسمونه أنتم القرع، ونهى عن النقير وهي النخلة ينقرونها، ونهى عن المزفت وهو المقير ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة وهي:تفسير الأوعية، يعني: هذه الأشياء الأربعة التي تكرر ذكرها في الأحاديث .
    زاذان سأل عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، قال: ( حدثني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأوعية وفسره؟ ).
    قوله:( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحنتم، وهو الذي تسمونه أنتم الجرة ).
    وهذا ذكر الحنتم وفسره، بأنه الجرة.
    ( ونهى عن الدباء وهو الذي تسمونه أنتم القرع ).
    لأن هذا اسم وهذا اسم، يعني: فهما اسمان لهذه الشجرة التي هي الدباء والقرع.
    ( ونهى عن النقير وهي النخلة ينقرونها ).
    وهي النخلة ينقرونها، يعني: جذوعها وأعجازها.
    ( ونهى عن المزفت وهو المقير ).
    تراجم رجال إسناد حديث: (... نهى رسول الله عن الحنتم وهو الذي تسمونه الجرة ...)

    قوله: [ أخبرنا عمرو بن يزيد ].هو: الجرمي ، وهو صدوق أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا بهز بن أسد ].
    هو: بهز بن أسد العمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة ].
    هو: شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عمرو بن مرة ].
    عمرو بن مرة ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت زاذان ].
    هو: زاذان الكندي ، وهو صدوق يرسل أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
    [سألت عبد الله بن عمر ].
    عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقد مر ذكره.
    بيان الفرق بين الدباء والقرع

    بالنسبة الدباء والقرع، الآن المعروف لدينا أن الدباء هذا الأخضر الطويل، يعني: ليس الباذنجان، لكنه طويل أخضر، وأما القرع فهذا الذي مثل البطيخ، يعني: دائري الشكل، لكنه يميل إلى اللون البرتقالي، والذي يبدو أنهما شيء واحد كلهم يطلق عليه هذا الاسم، ولهذا فسر الدباء بأنه القرع، يعني: معناه اسمان لمسمى واحد، لكن غالباً الآن الذي يتخذون منه.. كانوا إلى عهد قريب يتخذون من هذا الذي هو أخضر وتجد أسفلها سميك وأعلاها خفيف، وغالباً ما تكون قطعتين، قطعة أسفلها سميك، وهي: منداحة، وأعلاها يكون أخضر من أسفلها، وهناك شيء يكون أسفله وأعلاه واحد، يعني: من هذا النوع، وكله يقال له قرع، لكن الذي نعرف أنه كان إلى عهد قريب، وقد رأينا الأوعية من هذا النوع يتخذونها للحليب واللبن والأشياء التي كانوا يضعون فيها وعاء، كنا شاهدنا هذا الشيء من هذا النوع الذي هو أخضر ويكون أسفله واسع وأعلاه يكون ضيق.
    الإذن فيما كان في الأسقية منها


    شرح حديث: (نهى رسول الله عن الدباء وعن النقير وعن المزفت والمزادة المجبوبة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الإذن فيما كان في السقية منها.أخبرنا سوار بن عبد الله بن سوار حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن هشام عن محمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفد عبد القيس حين قدموا عليه؛ عن الدباء وعن النقير وعن المزفت والمزادة المجبوبة، وقال: انتبذ في سقائك أوكه، وأشربه حلواً، قال بعضهم: ائذن لي يا رسول الله! في مثل هذا، قال: إذاً تجعلها مثل هذه وأشار بيده يصف ذلك ) ].
    أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنهما: (أن وفد عبد القيس لما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم نهاهم ( عن الدباء وعن النقير وعن المزفت والمزادة المجبوبة ).
    والمزادة المجبوبة؛ لأن في الحاشية المزادة المجبوبة، يعني: مجبوبة صفة للمزادة.
    يعني: هذا فيه ذكر المزادة المجبوبة، وهي لم تذكر في الروايات السابقة، والمزادة المجبوبة هي القربة التي جب طرفها فصارت كأنها وعاء ولم تكن سقاء بحيث توكأ؛ لأنها قطع جزء منها أو جب جزء منها، فكانت كأنها زنبيل أو كأنها على شكل جهة منها مثبتة وجهة مكشوفة، وليست من قبيل ما يوكأ من الأسقية، فماذا قال؟ ( قال: انتبذ في سقائك أوكه واشربه حلواً ).
    (انتبذ في سقائك أوكه واشربه حلواً)، يعني: السقاء له فم، وله وكاء مثل القربة، لكن هذه القربة جبت وقطع جزء منها فصارت كأنها وعاء مكشوف من أعلاه، وليست على شكل جلد الحيوان الذي يؤتى من جهة الرقبة رقبة الحيوان، فيوكأ ويصير وكاء يوكأ بخيط أو بحبل أو بشيء ويكون سقاء، والذي سبق أن عرفنا أنه إذا حصل اشتداد من الداخل ظهر على الغلاف من الخارج، بخلاف الشيء الذي لا يكون كذلك فإنه قد يظهر الإسكار ويتبين الإسكار، ولكنه لا يظهر على الغلاف؛ لأنه مكشوف من فوق، يعني: ما هو موكأ بحيث ينعكس على الجلد أو على سطح الجلد فيظهر أثره عليه من الخارج، نهى عن كذا؟ (وقال: انتبذ في سقائك أوكه واشربه حلواً).
    وهذا هو المقصود من الترجمة؛ بأن أذن في شيء نهي عنه، الإذن فيما كان في الأسقية منها.
    قال: ( واشربه حلواً، قال بعضهم: ائذن لي يا رسول الله في مثل هذا، قال: إذاً تجعلها مثل هذه ).
    لا أدري ما المقصود بالإشارة، ماذا قال في التعليق ما أشار إليه؟
    يقول: (ائذن لي يا رسول الله! في مثل هذا).. إلى آخره: الظاهر أن الإشارة إلى أمر متعلق بالمجلس، ولا يدرى ماذا، والأقرب أنه طلب الرخصة في بعض الأحكام الممنوعة، فبين له صلى الله عليه وسلم بالإشارة: إنك إذا رخصت لك في بعض هذه الأقسام فلعلك تشربه وقد صار، فتقع في المسكر الحرام.
    على كلٍ قد جاء نسخ ذلك في قوله: ( اشربوا في كل وعاء ولكن لا تشربوا مسكراً ).
    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله ... عن الدباء وعن النقير وعن المزفت والمزادة المجبوبة)

    قوله: [ أخبرنا سوار بن عبد الله بن سوار ].سوار بن عبد الله بن سوار وهو ثقة، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .
    [حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد ].
    هو: عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن هشام ].
    هو: هشام بن حسان ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    وهو: ابن سيرين ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة ].
    عن أبي هريرة وقد مر ذكره.
    شرح حديث: (نهى رسول الله عن الجر المزفت والدباء والنقير ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن ابن جريج قراءة قال: وقال أبو الزبير : سمعت جابراً رضي الله عنه يقول: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجر المزفت والدباء والنقير، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يجد سقاء ينبذ له فيه نبذ له في تور من حجارة ) ].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه، وفيه ذكر النهي عن بعض هذه الأمور التي تقدم ذكرها، وفيه أيضاً أنه كان إذا لم يوجد سقاء يعني: للنبي صلى الله عليه وسلم ينتبذ فيه انتبذ له في تور من حجارة، وهذا هو المقصود من إيراد الترجمة الإذن، يعني: كونه يكون الانتباذ في تور من حجارة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (نهى رسول الله عن الجر المزفت والدباء والنقير ...)

    قوله: [ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن ابن جريج ].ابن جريج، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [وقال أبو الزبير] هو: محمد بن مسلم بن تدرس المكي صدوق يدلس وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر بن عبد الله الأنصاري] رضي الله عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    حديث: (... ونهى رسول الله عن الدباء والنقير والمزفت) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرني أحمد بن خالد حدثنا إسحاق يعني: الأزرق حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينبذ له في سقاء، فإذا لم يكن له سقاء ننبذ له في تور برام، قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدباء والنقير والمزفت ) ].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله، وبرام هو الحجارة. نعم.
    قوله:[ أخبرني أحمد بن خالد ].
    هو: أحمد بن خالد الخلال ، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي والنسائي.
    [حدثنا إسحاق يعني: الأزرق ].
    هو: إسحاق بن يوسف الأزرق ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان ].
    عبد الملك بن أبي سليمان صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن أبي الزبير عن جابر ].
    أبو الزبير عن جابر وقد مر ذكرهما.
    حديث: (أن رسول الله نهى عن الدباء والنقير والجر والمزفت) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سوار بن عبد الله بن سوار حدثنا خالد بن الحارث حدثنا عبد الملك حدثنا أبو الزبير عن جابر رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الدباء والنقير والجر والمزفت ) ].وهذا ما يطابق الترجمة؛ لأنه ما فيه ذكر الإذن، وإنما الذي يطابقه هو الذي مر بالنسبة للتور الذي كان ينبذ للرسول صلى الله عليه وسلم فيه.
    قوله:[ أخبرنا سوار بن عبد الله بن سوار عن خالد بن الحارث ].
    خالد بن الحارث هو: البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا عبد الملك حدثنا أبو الزبير عن جابر ].
    عبد الملك هو: ابن أبي سليمان عن أبي الزبير عن جابر وقد مر ذكرهم.
    الإذن في الجر خاصة


    شرح حديث: (أن النبي رخص في الجر غير مزفت)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الإذن في الجر خاصة.أخبرنا إبراهيم بن سعيد حدثنا سفيان حدثنا سليمان الأحول عن مجاهد عن أبي عياض عن عبد الله رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الجر غير مزفت ) ].
    أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في الانتباذ في الجر غير مزفت )، لأن قوله في الترجمة: الإذن في الجر خاصة، يعني: غير مزفت، يعني: لم يضاف إليه التزفيت وهو الطلاء، وهي جرار خضر كانت تطلى باللون الأخضر، وقد سبق أن مر بنا الجر الأخضر والجر الأبيض، والمقصود هنا أنه رخص في الجر غير المزفت، وهو يتخذ من الفخار الذي هو الحنتم، ولكنه غير مزفت، فرخص فيه غير مزفت، ومن المعلوم أنه رخص في كل وعاء، لكن بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي رخص في الجر غير مزفت)

    قوله:[ أخبرنا إبراهيم بن سعيد ].إبراهيم بن سعيد وهو: الجوهري ، ثقة، أخرج له مسلم، وأصحاب السنن.
    [حدثنا سفيان ].
    سفيان وهو: ابن عيينة ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سليمان الأحول ].
    سليمان الأحول ، وهو: سليمان بن أبي مسلم الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب.
    [ عن مجاهد ].
    وهو: مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي عياض ].
    أبو عياض ، وهو: عمرو بن الأسود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

    [ عن عبد الله ].
    هو: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #504
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (501)


    - (باب الإذن في شيء من الأوعية التي ينتبذ فيها) إلى (باب ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر)



    رخص الشرع في الانتباذ في بعض الأوعية مثل الدباء، والنقير، لكن بشرط أن لا يسكر، وبين منزلة الخمر في الإسلام، والعقوبات المترتبة على تعاطيها.

    الإذن في شيء منها



    شرح حديث بريدة بن الحصيب: (...واشربوا واتقوا كل مسكر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الإذن في شيء منها.أخبرنا العباس بن عبد العظيم عن الأحوص بن جواب عن عمار بن رزيق أنه حدثهم عن أبي إسحاق عن الزبير بن عدي عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي، فتزودوا وادخروا، ومن أراد زيارة القبور فإنها تذكر الآخرة، واشربوا واتقوا كل مسكر ) ].
    يقول النسائي رحمه الله: (الإذن بشيء منها)، أي: من الأوعية التي مر ذكرها، وأنه قد حصل النهي عن الانتباذ فيها، فهذه الترجمة تدل على أنه أذن بذلك فيما بعد، وقد ذكرت فيما مضى أن النهي عن الانتباذ في الأوعية التي جاء النص عليها، وهي: مثل الدباء، والحنتم، والنقير، والمزفت، أن ذلك كان في أول الأمر، وكانت أوعيةً غليظةً لا يتبين على سطحها ما إذا حصل الإسكار فيها في داخلها، فكانوا نهو عن ذلك، وبعد ذلك حصل الإذن بأن ينتبذوا في كل وعاء، لكن بشرط أن لا يشربوا مسكراً.
    والأحاديث التي أوردها النسائي هنا هي من الأحاديث التي فيها النسخ؛ لما سبق أن حصل المنع منه، وذلك في حديث بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أشياء كان نهى عنها، ثم أباحها، وأحلها، وهو حديث: [( كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ألا فكلوا وادخروا )]، وكذلك النهي عن زيارة القبور، نهي عن ذلك أولاً، ثم شرع للناس آخراً، وبين عليه الصلاة والسلام بأن زيارتها يذكر الموت ويذكر الآخرة، ثم النهي عن الانتباذ بأوعية وبعد ذلك رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الانتباذ في أي وعاء، لكن بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً.
    وهذا الحديث مشتمل على ثلاثة أمور ذكر فيها الناسخ والمنسوخ، الجمع بين الناس والمنسوخ، المنسوخ وهو عدم جواز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث، ثم أبيح لهم أن يدخروا ما شاءوا، وكذلك نهوا عن زيارة القبور، ثم بعد ذلك شرع لهم أن يزوروا القبور، ثم كانوا نهوا عن الانتباذ بأوعية فأذن لهم أن ينتبذوا في أي وعاء، ولكن لا يشربون مسكراً، ففي الحديث الذي جاء من طرق متعددة، الجمع بين الناسخ والمنسوخ في الأمور الثلاثة.
    تراجم رجال إسناد حديث بريدة بن الحصيب: (... واشربوا واتقوا كل مسكر)

    قوله:[ أخبرني العباس بن عبد العظيم ].هو: العباس بن عبد العظيم العنبري ، وهو ثقة، أخرج البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
    [ عن الأحوص بن جواب ].
    الأحوص بن جواب ، وهو صدوق ربما وهم، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي .
    [ عن عمار بن رزيق ].
    عمار بن رزيق ، وهو لا بأس به، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
    [ أنه حدثهم عن أبي إسحاق ].
    هو: أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني، ثقة، أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزبير بن عدي ].
    هو: الزبير بن عدي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن بريدة ].
    وهو: عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو: بريدة بن الحصيب رضي الله تعالى عنه، وهو صحابي أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث بريدة بن الحصيب: (... فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرني محمد بن آدم بن سليمان عن ابن فضيل عن أبي سنان عن محارب بن دثار عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فأمسكوا ما بدا لكم، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً) ].أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    تراجم رجال إسناد حديث بريدة بن الحصيب في الإذن بالانتباذ في أي وعاء بشرط أن لا يكون مسكراً من طريق ثانية


    قوله:[ أخبرني محمد بن آدم بن سليمان ].هو: محمد بن آدم بن سليمان الجهني، صدوق أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
    [ عن ابن فضيل ].
    وهو: محمد بن فضيل بن غزوان صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سنان ].
    وهو: ضرار بن مرة ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأبو داود في المراسيل، والترمذي، والنسائي .
    [ عن محارب بن دثار ].
    محارب بن دثار ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الله بن بريدة عن أبيه].
    عبد الله بن بريدة عن أبيه وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث بريدة بن الحصيب في الإذن بالانتباذ في أي وعاء بشرط أن لا يكون مسكراً من طريق ثالثة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن معدان بن عيسى بن معدان الحراني حدثنا الحسن بن أعين حدثنا زهير حدثنا زبيد عن محارب عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( إني كنت نهيتكم عن ثلاث: زيارة القبور فزوروها ولتزدكم زيارتها خيراً، ونهيتكم عن لحوم الأضاحي بعد ثلاث فكلوا منها ما شئتم، ونهيتكم عن الأشربة في الأوعية، فاشربوا في أي وعاء شئتم، ولا تشربوا مسكراً ) ].أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب من طريق أخرى، وهو واضح في أنه نهاهم عن الانتباذ في أوعية، وبعد ذلك قال: (فانتبذوا في أي وعاء ولا تشربوا مسكراً)، المهم أن لا تشربوا مسكراً، وأما الانتباذ فانتبذوا بأي وعاء شئتم، سواء كان سميكاً أو خفيفاً قاسياً أو ليناً، المهم أن لا تشربوا مسكراً.
    تراجم رجال إسناد حديث بريدة بن الحصيب في الإذن بالانتباذ في أي وعاء بشرط أن لا يكون مسكراً من طريق ثالثة


    قوله:[ أخبرنا محمد بن معدان بن عيسى بن معدان الحراني ].محمد بن معدان بن عيسى بن معدان الحراني، وهو ثقة أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا الحسن بن أعين ].
    هو: الحسن بن محمد بن أعين، وهو صدوق أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [حدثنا زهير ].
    وهو: زهير بن معاوية، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا زبيد].
    وهو زبيد بن الحارث اليامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن محارب عن ابن بريدة عن أبيه].
    وقد مر ذكر الثلاثة.
    شرح حديث بريدة بن الحصيب في الإذن بالانتباذ في أي وعاء بشرط أن لا يكون مسكراً من طريق رابعة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كنت نهيتكم عن الأوعية فانتبذوا فيما بدا لكم، وإياكم وكل مسكر ) ].أورد النسائي حديث بريدة وفيه ذكر الاقتصار على واحدة من الثلاث، وهو أنه نهاهم عن الانتباذ في أوعية؛ قال: [( فانتبذوا في أي وعاء شئتم، وإياكم وكل مسكر )]، يعني: احذروا أن تشربوا مسكراً، ولكن الانتباذ (انتبذوا في أي وعاء شئتم).
    تراجم رجال إسناد حديث بريدة بن الحصيب في الإذن بالانتباذ في أي وعاء بشرط أن لا يكون مسكراً من طريق رابعة

    قوله:[ أخبرنا أبو بكر بن علي ].هو: أحمد بن علي المروزي ، وهو ثقة أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا إبراهيم بن الحجاج ].
    هو: إبراهيم بن الحجاج بن زيد، وهو ثقة يهم قليلاً، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا حماد بن سلمة ].
    هو: حماد بن سلمة بن دينار ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ حدثنا حماد بن أبي سليمان ].
    حماد بن أبي سليمان، وهو صدوق له أوهام أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
    [ عن عبد الله بن بريدة عن أبيه].
    عبد الله بن بريدة عن أبيه وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث بريدة بن الحصيب في الإذن بالانتباذ في أي وعاء بشرط أن لا يكون مسكراً من طريق خامسة

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أبو علي محمد بن يحيى بن أيوب مروزي حدثنا عبد الله بن عثمان حدثنا عيسى بن عبيد الكندي خراساني سمعت عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو يسير إذ حل بقوم، فسمع لهم لغطاً فقال: ما هذا الصوت؟ قالوا: يا نبي الله لهم شراب يشربونه، فبعث إلى القوم فدعاهم، فقال: في أي شيء تنتبذون؟ قالوا: ننتبذ في النقير والدباء وليس لنا ظروف، فقال: لا تشربوا إلا فيما أوكيتم عليه، قال: فلبث بذلك ما شاء الله أن يلبث، ثم رجع عليهم، فإذا هم قد أصابهم وباء واصفروا، قال: مالي أراكم قد هلكتم؟ قالوا: يا نبي الله أرضنا وبيئة وحرمت علينا إلا ما أوكينا عليه، قال: اشربوا وكل مسكر حرام )].أورد النسائي حديث بريدة رضي الله عنه وفيه ذكر إباحة الانتباذ في أي وعاء، بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً، وذكر في الحديث قصة، وهو (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير فمر بقوم لهم لغط، فقال: ما هذا؟ قالوا: إن لهم شراب يشربونه فدعا بهم وقال: ما هذا؟ قالوا: كنا ننتبذ في الدباء والنقير، فقال: لا تنتبذوا إلا فيما أوكيتم عليه )] يعني: في الأسقية التي يوكأ عليها.
    وسبق أن ذكرت أن السر في ذلك أن الأسقية إذا أوكيت وحصل تغير ما في داخلها فإنه يتضح ذلك على سطحها أو يتبين على سطحها من الخارج التأثر والتغير الذي في داخلها إذا حصل الاشتداد والوصول إلى حد الإسكار، وقد نهوا عن أن ينتبذوا في الدباء والنقير والدباء التي هي: القرع الذي يستخرج لبه ويبقى قشره ييبس حتى يكون وعاءً، وكذلك أيضاً النقير وهو: جذوع النخل التي ينقر وسطها ويحفر، ثم ينتبذ في ذلك، فإن أغلفتها سميكة وغليظة، وقد يحصل الإسكار في داخلها وليتبين على ما هو في ظاهرها.
    وبعد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم مر بهم وإذا هم قد اصفروا وتغيرت ألوانهم، فقال: [(ما الذي أهلككم؟)] يعني: غير أحوالكم، وغير أجساكم؟ قالوا: (إن بلادنا وبيئة وإنك حرمت علينا الانتباذ في الدباء والنقير)، فإنك حرمت علينا إلا فيما أوكينا عليه، فقال: (اشربوا ولا تشربوا مسكراً)، يعني: اشربوا ما شئتم في أي وعاء تنتبذون فيه، لكن بشرط أن لا تشربوا مسكراً.
    تراجم رجال إسناد حديث بريدة بن الحصيب في الإذن بالانتباذ في أي وعاء بشرط أن لا يكون مسكراً من طريق خامسة

    قوله: [أخبرنا أبو علي محمد بن يحيى بن أيوب مروزي] .أبو علي محمد بن يحيى بن أيوب، مروزي وهو ثقة أخرج حديثه الترمذي، والنسائي .
    [حدثنا عبد الله بن عثمان ].
    هو عبد الله بن عثمان المروزي، وهو الملقب عبدان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة ابن ماجه.
    [حدثنا عيسى بن عبيد الكندي].
    عيسى بن عبيد الكندي، وهو صدوق أخرج حديثه أبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [سمعت عبد الله بن بريدة عن أبيه].
    عبد الله بن بريدة عن أبيه وقد مر ذكرهما.
    شرح حديث جابر في نهي النبي عن الظروف

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود الحفري وأبو أحمد الزبيري عن سفيان عن منصور عن سالم عن جابر رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نهى عن الظروف شكت الأنصار، فقالت: يا رسول الله ليس لنا وعاء، فقال صلى الله عليه وسلم: فلا إذاً )].أورد النسائي حديث جابر رضي الله عنه وفيه ما في حديث بريدة (أن الرسول لما نهى عن الظروف).
    يعني: الانتباذ في الظروف، وهي الأوعية التي سبق أن مرت الإشارة إليها (شكت الأنصار وقالوا: ليس لنا وعاء)، يعني: ننتبذ بها، فقال: (فلا إذاً)، يعني: لا بأس أن تنتبذوا في تلك الأشياء التي كانوا نهوا عنها، لكن كما جاء ذلك مبيناً في بعض الأحاديث بشرط (أن لا يشرب المسكر).

    تراجم رجال إسناد حديث جابر في نهي النبي عن الظروف

    قوله:[ أخبرنا محمود بن غيلان ].هو: محمود بن غيلان المروزي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود.
    [حدثنا أبو داود الحفري ].
    وهو: عمر بن سعد ، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [ وأبو أحمد الزبيري ].
    وهو: محمد بن عبد الله بن الزبير ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان ].
    هو: ابن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن منصور ].
    هو: منصور بن المعتمر ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سالم ].
    هو: سالم بن أبي الجعد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن جابر ].
    هو: جابر بن عبد الله الأنصاري، رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    منزلة الخمر


    شرح حديث: (أتي رسول الله ليلة أسري به بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فأخذ اللبن ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ منزلة الخمر.أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: ( أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة أسرى به بقدحين من خمر ولبن، فنظر إليهما، فأخذ اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الخمر غوت أمتك ) ].
    أورد النسائي منزلة الخمر، يعني: منزلتها في الإسلام، وهي الخطورة، والغاية في الخبث والتحذير منها لما يترتب على تعاطيها من الشرور والمفاسد التي هي كثيرة جداً، ويكفي أن يقال: إنها أم الخبائث؛ لأنها توصل إلى الخبائث وتوقع في الخبائث وتؤدي إلى الخبائث فهي أمها، وقد سبق أن مر في أول الكتاب كتاب الأشربة ذكر كلام ابن القيم رحمة الله عليه الذي أورده في حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح من مفاسد الخمر الكثيرة المتنوعة المتعددة، ثم قال بعد ذلك في آخرها: وأضرارها أضعاف ما ذكرنا، وفيها أنواع الشرور وأنواع الخبث، ومما في خبثها: أن صاحبها يتحول من كونه من أهل العقل إلى كونه من أهل الجنون، وكونه ذا عقل يميز به وينتقل إلى مجنون لا يميز بين النافع والضار، بل يقع في كل محرم، ويتعاطى كل محرم؛ لأنه تعاطى ما يسلبه عقله، ويجعله أشبه ما يكون بالبهائم والمجانين الذين لا عقول لهم؛ وذلك أنه أعطاه الله تعالى عقلاً فسعى إلى أن يكون مجنوناً وعمل على أن يكون من جملة المجانين، ويقول ابن الوردي في قصيدته اللامية:
    كيف يسعى في جنون من عقل؟
    هذا شيء عجيب! إنسان يعطيه الله عقلاً ثم يسعى جاهداً إلى أن يكون مجنوناً ويبحث عن الجنون، ويسعى إلى أن يحصل الجنون، كيف يسعى في جنون من عقل؟ هذا شيء غريب وعجيب! إنسان يعطيه الله العقل، ثم يسعى إلى أن يكون مجنوناً، بحيث يفقد عقله، ويترتب على فقدان عقله أن يقع في كل محرم، وقد يقع على أمه، وقد يقع على بنته، وقد يقع على أخته؛ لأنه قد زال عقله بفعله وكسبه وإرادته، فهي أم الخبائث، فمنزلتها أنها خطيرة وأن شأنها خطير، ولهذا جاء التحذير عنها من أوجهة كثيرة، وبعبارات مختلفة وعلى أوجه مختلفة.
    وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما أسري به أتي بقدحين قدح من لبن وقدح من خمر فاختار اللبن فقال له جبريل: الحمد لله اخترت الفطرة، ولو أخذت الخمر لغوت أمتك )؛ وذلك أن اللبن قال عنه إنه الفطرة؛ لأن الفطرة هي الشيء الذي فطر الناس عليه، والذي هو الأصل وغيره طارئ، ومن المعلوم أن اللبن هو أصل الغذاء الذي يتغذى به الإنسان عندما يوجد في هذه الحياة من حين ما يولد أول ما يتغذى به اللبن، فهو الشيء الذي هو الأصل والذي هو أول غذاء للإنسان، ومن صفاته البياض، وأما الخمر فإنها أم الخبائث، وفيها الغواية، وفيها الخبث، وفيها الوقوع في كل شر، فهدى الله رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن اختار اللبن فقال له جبريل: (الحمد لله إنك اخترت الفطرة) أي: الشيء الذي هو الأصل.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أتي رسول الله ليلة أسري به بقدحين من خمر ولبن فنظر إليهما فأخذ اللبن ...)

    قوله:[ أخبرنا سويد ].هو: سويد بن نصر المروزي ، ثقة أخرج حديثه الترمذي، والنسائي .
    [أخبرنا عبد الله].
    هو: عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن يونس ].
    هو: يونس بن يزيد الأيلي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري ].
    هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن المسيب ].
    سعيد بن المسيب ، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي هريرة ].
    هو: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنه.
    شرح حديث رجل من أصحاب النبي: (يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن عبد الأعلى عن خالد وهو ابن الحارث عن شعبة قال: سمعت أبا بكر بن حفص يقول: سمعت ابن محيريز يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها ) ].أورد النسائي حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم عدول، المجهول فيهم في حكم المعلوم، ولهذا يكفي في الصحابة إذا قيل عن رجل: صحب النبي صلى الله عليه وسلم. فلا يحتاج إلى أن يبحث عن حاله مادام أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا العلماء اتفقوا على أن كل راو يحتاج إلى معرفة حاله إلا الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم؛ لأن الواحد منهم مادام أنه عرف أنه صحابي وأنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم فيكفيه ذلك شرفاً، ويكفيه ذلك توثيقاً وتعديلاً، ولا يحتاج إلى توثيق الموثقين وتعديل المعدلين بعد أن أثنى الله ورسوله على الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأراضهم، وقد جاء ذلك في آيات كثيرة وأحاديث عديدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكفي الواحد منهم شرفاً أن يكون صحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأما غيرهم فيحتاج إلى معرفة حاله من الثقة والعدالة والضعف وما إلى ذلك من الجرح والتعديل.
    ولهذا عندما يؤلف العلماء في التراجم إذا كان الشخص صحابياً لا يضيفون على كلمة صحابي إلا إذا كان له وصف متميز في الصحابة كأن يكون بدرياً أو يكون ممن شهد الحديبية أو ما إلى ذلك من الأشياء التي ورد فيه تمييز بعض الصحابة على بعض، أما إذا كان ليس له شيء يتميز به في الصحابة فإنهم يكتفون بأن يقولوا صحابي أو له صحبة، وعند ذلك لا يحتاج إلى أن يقال: ثقة أو يبحث عن توثيقه أو ما إلى ذلك؛ لأن هذا يكفيه شرفاً وفضلاً.
    فهذا الرجل الذي صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يأتي من أمتي قوم يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها )، وهذا إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر يكون، وهو أنهم يسمون الخمر بغير اسمها، وكان كذلك، فما أكثر ما تسمى به الخمر من الأسماء، ولكن الأسماء لا تغير الحقائق، فالعبرة بالحقائق وليست بالأسماء، فإذا كانت الحقيقة موجودةً سواء بقي الاسم أو سمي بغير ذلك، المهم مادام أن الخمر أو الوصف الذي هو الإسكار موجود، فسواء سميت خمراً أو سميت أي اسم من الأسماء كل ذلك لا يغير من الحقيقة شيئاً، فهي حرام، ولو غير اسمها، وتغيير الاسم لا يغير الحكم، بل العبرة بالحقائق، والأحكام إنما هي لحقائق الأشياء، وليست للأسماء التي قد تتغير، وأنه إذا غير الاسم تغير الحكم، بل الحكم للحقيقة التي حصل تغيير اسمها، المادة التي فيها الإسكار هي محرمة، بقيت على اسمها خمراً، أو سميت بأي اسم آخر، لا تغير التسمية من الحقيقة شيئاً، فالعبرة بالحقائق لا بالأسماء التي تضاف إليها أو تلصق بها أو تسمى بها.
    تراجم رجال إسناد حديث رجل من أصحاب النبي: (يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].محمد بن عبد الأعلى ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن خالد وهو ابن الحارث ].
    خالد بن الحارث وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن شعبة ].
    هو: شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري، وهو ثقة وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت أبا بكر بن حفص] .
    وهو عبد الله بن حفص، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت ابن محيريز ].
    وهو: عبد الله بن محيريز وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر


    شرح حديث أبي هريرة: (... ولا يشرب الخمر شاربها حين يشربها وهو مؤمن ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر الروايات المغلظات في شرب الخمر.أخبرنا عيسى بن حماد أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر شاربها حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن )].
    أورد النسائي الروايات المغلظة في شرب الخمر، يعني: ما ورد من الروايات فيها التغليظ في شرب الخمر وأنه خطير، وقد أورد النسائي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن )، يعني: معناه أنه في حالة زناه ليس مؤمناً كاملاً، بل حصل عنده نقص في حال زناه وفي الوقت الذي زنا فيه وفي الحالة التي تلبس فيها بالمعصية، فإنه لو كان مؤمناً حقاً، ولو كان مؤمناً كاملاً الإيمان، لمنعه إيمانه من أن يقع في ذلك الأمر المحرم الذي هو معلوم من دين الإسلام بالضرورة تحريمه، فيدل على أن الزاني مرتكب كبيرة من الكبائر، ولكنه لا يكون كافراً، ولكنه مؤمن ناقص الإيمان، إلا إذا كان مستحلاً فإنه يكفر، إذا استحل الزنا فإنه يكون كافراً، وأما إذا لم يستحله فإنه لا يكون كافراً، ولكنه ارتكب أمراً خطيراً وأمراً عظيماً، وصار ممن عنده إيمان وعنده معصية.
    وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة في مرتكب الكبائر أنهم لا يسلبون أصل الإيمان ولا يسلبون اسم الإيمان، ولا يعطون الاسم الكامل للإيمان، فلا يقال عنه إنه مؤمن كامل الإيمان كما تقول المرجئة، ولا يقولون: إنه فاقد الإيمان وعادم الإيمان كما تقول الخوارج، فهما ضدان في مرتكب الكبيرة، يعني صنف من الناس أو فرقة من الناس وهم المرجئة يقولون: مؤمن كامل الإيمان، مادام أنه عنده أصل الإيمان فهو مؤمن كامل الإيمان؛ لأنه لا يضر مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
    ويقابل هؤلاء الذين غلوا وأفرطوا وقالوا: إن مرتكب الكبيرة كافر خارج من الإيمان ومخلد في النار في الآخرة، فهما ضدان، يعني: أناس فرطوا وأهملوا وضيعوا وصار الواحد يفعل ما يشاء ويصير مؤمناً كامل الإيمان، ويقابلهم من غلا وتجاوز الحد، فجعل من ارتكب كبيرة خرج من الإيمان وكان كافراً، وخالداً مخلداً في النار، حكمه حكم الكفار الذين لا يؤمنون بالله عز وجل والذين يشركون بالله غيره فمرتكب الكبيرة عند الخوارج مثل هؤلاء، لا فرق بين هذا وهذا؛ لأنهم يكفرون مرتكبي الكبائر.
    أما أهل السنة والجماعة فقد توسطوا، فما أعطوه الإيمان الكامل كما أعطته المرجئة، وما سلبوه أصل الإيمان كما سلبته الخوارج والمعتزلة، فالمعتزلة قالوا: خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، والخوارج قالوا: خرج من الإيمان ودخل في الكفار، واتفقوا -أي الخوارج والمعتزلة- على أنه خالد مخلد في النار، وأنه لا يخرج منها أبد الآباد.
    فإذاً: أهل السنة والجماعة توسطوا فلم يفْرطوا ولم يفرطوا، ما فرطوا كما فعلت المرجئة وقالوا: إنه كامل الإيمان، فلم يعطوه الإيمان الكامل، ولم يفرطوا كما أفرطت الخوارج والمعتزلة الذين أخرجوه من الإيمان، وحكموا عليه بالخلود في النار أبد الآباد، فقالوا: هو مؤمن ناقص الإيمان، فقولهم: (مؤمن) فارقوا بها الخوارج الذين قالوا: كافر؛ لأن الخوارج قالوا: كافر، وأهل السنة قالوا: مؤمن، لكن فارقوا الخوارج الذين قالوا: هو كافر، لكن لما كان الإيمان يكون مع الكمال ويكون مع النقص أتوا بعبارة تضاف إلى كلمة مؤمن حتى يباينوا المرجئة فقالوا: ناقص الإيمان، يعني: ليس كامل الإيمان كما تقول المرجئة، فقول أهل السنة مؤمن فارقوا فيها الخوارج الذين قالوا: كافر، وقولهم ناقص الإيمان فارقوا بها المرجئة الذين قالوا: إنه كامل الإيمان، فهو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، يحب على ما عنده من الإيمان، ويبغض على ما عنده من الفسوق والعصيان.
    ويجتمع بالإنسان محبة وبغض، محبة باعتبار وبغض باعتبار، مثلما أن الإنسان إذا فعل أمراً سائغاً وقد ارتكب فيه أمراً محرماً يكون محسناً ومسيئاً، يعني: مثل الإنسان الذي يصلي في ثوب مغصوب أو يصلي في ثوب حرير، هو محسن في صلاته، ومسيء في لبسه الذي هو لبس الحرير أو لبس الشيء المغصوب، فعنده خير وشر، عنده إحسان وإساءة، فيثاب على إحسانه ويعاقب على إساءته.
    إذاً: أهل السنة والجماعة توسطوا بين هؤلاء وهؤلاء، فلم يُفْرطوا ولم يُفَرطوا، فقالوا: هو مؤمن ناقص الإيمان، يحب على ما عنده من الإيمان ويبغض على ما عنده من الفسوق والعصيان، واجتماع المحبة والبغض ممكن ويحصل، ولا يقال: إما حب مطلق وإما بغض مطلق، بل هناك حب مطلق لأهل الإيمان الكامل، وبغض مطلق لأهل الكفر، ومن كان عنده تخليط وعنده خير وشر يحب على ما عنده من الإيمان، ويبغض على ما عنده من الفسوق والعصيان، ويمثلون لذلك ببيت من الشعر فيه ذكر الشيب وأنه يكون محبوباً باعتبار ومبغوضاً باعتبار.
    يقول الشاعر:
    الشيب كره وكره أن أفارقه تعجب لشيء على البغضاء محبوب
    الشيب كره، إذا قيس بالشباب لم يكن مرغوباً فيه، بل الشباب مقدم عليه، ولكن إذا نظر إلى ما بعده وهو الموت صار مرغوباً فيه باعتبار ما وراءه، فهو محبوب باعتبار ما وراءه ومكروه باعتبار ما قبله:
    الشيب كره وكره أن أفارقه، يعني: مع كونه مكروها فهو يكره أن يفارقه، يعني: يحب البقاء عليه؛ لأن ما وراءه يجعله محبوباً، وما قبله يجعله مكروهاً، فالشيء يكون محبوباً باعتبار ومبغوضاً باعتبار، وهكذا أصحاب المعاصي، لا يبغضون كما يبغض الكفار، ولا يحبون كما يحب من هو كامل الإيمان، ولكنهم يحبون على ما عندهم من الإيمان، ويبغضون على ما عندهم من الفسوق والعصيان، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة وهم وسط بين المفرطين والمفرطين.
    (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليها أبصارهم وهو مؤمن).
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (... ولا يشرب الخمر شاربها حين يشربها وهو مؤمن ...)

    قوله: [ أخبرنا عيسى بن حماد ].هو: المصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود ، النسائي، وابن ماجه.
    [أخبرنا الليث ].
    هو: الليث بن سعد المصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عقيل ].
    هو: عقيل بن خالد بن عقيل، هو عَقيل، بالضم، وجده عُقيل بالفتح، وهذا فيه الائتلاف والاختلاف، تتفق الألفاظ من حيث الرسم، ولكنها تفترق من حيث الشكل، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ].
    أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، هو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، والفقهاء السبعة، هم المتفق على عدهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسعيد بن المسيب، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعروة بن الزبير بن العوام ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسليمان بن يسار ، هؤلاء الستة اتفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هذا الذي معنا في الإسناد، وقيل: أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، الذي يأتي ذكره كثيراً، وقيل: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
    وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في أول إعلام الموقعين، وهو إعلام -بكسر الهمزة- وليس أعلام -بفتحها- لأنه ليس كتاب تراجم، وإنما هو كتاب إخبار، والإعلام بمعنى الإخبار، والمراد بالموقعين عن رب العالمين الذين يكتبون ويبينون الشرع، فقد ذكر في أول الكتاب أهل الفقه والذين اشتهروا بالفقه من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم في مختلف الأقطار، ولما جاء عند المدينة وذكر الفقهاء فيها من الصحابة ثم الفقهاء من التابعين، ذكر من جملة الفقهاء من التابعين الفقهاء السبعة الذين أشرت إليهم، ثم ذكر ابن القيم بيتين في الثاني منهما ذكر الفقهاء السبعة على أن السابع هو أبو بكر الذي معنا في هذا الإسناد، قال:
    إذا قيل من في العلم سبعة أبحرٍ روايتهم ليست عن العلم خارجة
    فقل: هم عبيد الله عروة قاسم سعيد أبو بكر سليمان خارجة
    فقل: هم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عروة بن الزبير، القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، سعيد بن المسيب، أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، سليمان بن يسار، خارجة بن زيد بن ثابت .
    [ عن أبي هريرة ].
    عن أبي هريرة رضي الله عنه وقد مر ذكره.
    شرح حديث أبي هريرة: (... ولا يشرب الخمر شاربها حين يشربها وهو مؤمن ...) من طريق ثانية

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن وأبو بكر بن عبد الرحمن كلهم حدثوني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع المسلمون إليه أبصارهم وهو مؤمن ) ].أورد النسائي حديث أبي هريرة من طريق أخرى وهو مثلما تقدم.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (... ولا يشرب الخمر شاربها حين يشربها وهو مؤمن ...) من طريق ثانية

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].وهو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [حدثنا الوليد بن مسلم ].
    الوليد بن مسلم ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، ثقة يدلس.
    [ عن الأوزاعي ].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري حدثني سعيد بن المسيب وأبو سلمة وأبو بكر بن عبد الرحمن ].
    الزهري عن سعيد بن المسيب وقد مر ذكرهما.
    وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة، فقيه، من فقهاء المدينة السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وأبو بكر بن عبد الرحمن الذي مر ذكره، وعلى هذا فالإسناد هذا فيه ثلاثة من التابعين واحد منهم من الفقهاء السبعة بالاتفاق الذي هو سعيد ، واثنان، وهما: أبو سلمة، وأبو بكر بن عبد الرحمن، ممن اختلف في جعله السابع منهم.
    [عن أبي هريرة] وقد مر ذكره.
    شرح حديث ابن عمر: (من شرب الخمر فاجلدوه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن مغيرة عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن ابن عمر رضي الله عنهما ونفر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه ) ].أورد النسائي حديث ابن عمر ونفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شرب الخمر فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه)، يعني: ذكر ثلاث مرات الجلد ثم في الرابعة يقتل، وهذا يدل على غلظ الخمر وخطورتها وشدة البلاء الذي فيها، وخطورة عقوبتها.
    والحكم اختلف فيه العلماء، فجمهورهم رأوا أنه لا يقتل شارب الخمر، وبعض أهل العلم قال: إنه يقتل لهذا الحديث، فالجمهور قالوا: إنه منسوخ، ولا أدري ما هو الناسخ لذلك، يعني: بأن يكون هناك نص خاص ينسخ ذلك، لا أعرف شيئاً في هذا، لكن الحديث واضح الدلالة على أنه يقتل، وبه قال بعض أهل العلم، والشيخ أحمد شاكر رحمة الله عليه ألف رسالةً خاصةً سماها: القول الفصل في قتل مدمن الخمر فرجح القتل.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (من شرب الخمر فاجلدوه ...)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير].إسحاق بن إبراهيم مر ذكره، وجرير بن عبد الحميد الضبي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن مغيرة ].
    هو: مغيرة بن مقسم الضبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الرحمن بن أبي نعم ].
    عبد الرحمن بن أبي نعم، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر ونفر من أصحاب محمد].
    هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: ابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وابن الزبير ، وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح حديث أبي هريرة: (إذا سكر فاجلدوه ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا شبابة حدثنا ابن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم قال في الرابعة: فاضربوا عنقه ) ].أورد النسائي حديث أبي هريرة ، وهو مثل حديث ابن عمر المتقدم.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي هريرة: (إذا سكر فاجلدوه ...)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا شبابة] .إسحاق بن إبراهيم تقدم ذكره ،و شبابة بن سوار، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن أبي ذئب ].
    هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن خاله الحارث بن عبد الرحمن ].
    الحارث بن عبد الرحمن ، وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    [ عن أبي سلمة عن أبي هريرة ].
    عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقد مر ذكرهما.
    شرح أثر: (ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السارية من دون الله عز وجل)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل عن وائل أبي بكر عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه رضي الله عنه أنه كان يقول: ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السارية من دون الله عز وجل ].أورد النسائي هذا الأثر عن أبي موسى رضي الله عنه يبين خطورة الخمر وأن أمرها خطير، وأن شأنها ليس بالأمر الهين، وأنه ذنب عظيم عنده، وأنه قال: (لا أبالي إن شربت الخمر أو عبدت هذه السارية من دون الله)؛ لأن كل ذلك يعتبره عظيماً ويعتبره خطيراً، لكن لا يعني أنه يسوى بينهما في الحكم، ولكنه يدل على غلظ الخمر، وعلى أن فاعل ذلك يشبه عابد الوثن، ويشبه عابد الصنم، ولكن لا يعني أن شارب الخمر يكون كافراً إلا مع الاستحلال، أما إذا كان مستحلاً فيكفر، أما بدون استحلال فإنه لا يكون كافراً، ولكن هذا من باب التغليظ وبيان الخطورة في الذنب، وأنه خطير للغاية، وأن من كان من أهل التقوى والإيمان فإنه يعتبره في غاية الفظاعة، وفي غاية الخطورة؛ لاسيما وشرب الخمر يأتي بكل بلاء ويأتي بكل شر، ويجر على كل فساد.

    تراجم رجال إسناد أثر: (ما أبالي شربت الخمر أو عبدت هذه السارية من دون الله عز وجل)

    قوله: [أخبرنا واصل بن عبد الأعلى ].واصل بن عبد الأعلى، ثقة أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن ابن فضيل عن وائل أبي بكر ].
    ابن فضيل وهو: محمد بن فضيل مر ذكره. وائل بن داود أبي بكر، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي بردة بن أبي موسى].
    أبو بردة بن أبي موسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي موسى].
    وهو: عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #505
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (502)

    - (باب ذكر الرواية المبينة عن صلوات شارب الخمر) إلى (باب توبة شارب الخمر)



    شارب الخمر لا تقبل صلاته أربعين يوماً زجراً له، ويعتبر شرب الخمر أم الخبائث وذلك بسبب المعاصي المترتبة على شرب الخمر كالزنا والقتل، ومن رحمة الله تعالى أنه يقبل توبة شارب الخمر إذا تاب وصدق.
    ذكر الرواية المبينة عن صلوات شارب الخمر


    شرح حديث: (لا يشرب الخمر رجل من أمتي فيقبل الله منه صلاة أربعين يوماً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر الرواية المبينة عن صلوات شارب الخمر.أخبرنا علي بن حجر أخبرنا عثمان بن حصن بن علاق الدمشقي حدثنا عروة بن رويم: (أن ابن الديلمي ركب يطلب عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال ابن الديلمي : فدخلت عليه فقلت: هل سمعت يا عبد الله بن عمرو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر شأن الخمر بشيء؟ فقال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا يشرب الخمر رجل من أمتي فيقبل الله منه صلاة أربعين يوماً ) ].
    يقول النسائي رحمه الله: (ذكر الرواية المبينة عن صلوات شارب الخمر)، يعني: المتعلقة في بيان عقوبة شارب الخمر في عدم قبول صلاته لمدة أربعين يوماً، فقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما أن عبد الله بن الديلمي سأله: ( هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الخمر بشيء؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يشرب الخمر رجل من أمتي فيقبل الله منه صلاة أربعين يوماً )، يعني المقصود من هذا: أن الإنسان إذا شرب الخمر فإن الله تعالى يعاقبه بأن يحرمه ثواب صلوات أربعين يوماً، تلك الصلوات التي صلاها يحرم ثوابها ولا يكون له ثواب عليها، وهذه عقوبة له على هذا العمل الذي عمله، ولكن لا يعني أنه يقضي هذه الصلوات التي لم تقبل منه، فهي مجزئة، ويعتبر قد أدى ما عليه ولا يقضيه، ولكنه عوقب بحرمان قبول تلك الصلوات، هذا هو المقصود من الحديث: من أنه عوقب عقوبة عظيمة؛ وهو أن هذه الصلوات التي صلاها وأداها لا تنفعه عند الله عز وجل؛ لأن الله تعالى لا يقبل منه تلك الصلوات، ولا يثيبه عليها.
    وقوله: (لا يشرب الخمر رجل من أمتي)، الأمة هنا أمة الإجابة؛ لأنهم هم الذين يصلون وتقبل صلاتهم، أما أمة الدعوة الذين لم يسلموا ولم يدخلوا في الإسلام، فهؤلاء لا تقبل ولا تصح لهم صلاة مع عدم وجود الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومع عدم وجود شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
    وقوله: (رجل) الرجل لا مفهوم له، والمرأة كذلك لو حصل منها أن شربت الخمر فإنها تعاقب بهذه العقوبة، ولكن ذكر الأحكام مضافة إلى الرجال لأنهم هم المخاطبون في الغالب، وإلا فإنه ليس له مفهوم من جهة أن هذا حكم خاص بالرجل والمرأة ليست كذلك، بل الأمر في ذلك سواء، فالأصل أن الأحكام يستوي فيها الرجال والنساء إلا ما جاء دليل يدل على اختصاص الرجال به أو اختصاص النساء به هذا هو الأصل، فإذا وجد ما يختص به الرجال عن النساء أو النساء عن الرجال هو هذا الذي وجد من الدليل الفرق والمبين الفرق بين الرجال والنساء، وحيث لا يأتي شيء، فإن الأحكام في ذلك سواء، ولو جاء ذكر الرجل أو جاء بذكر لفظ الرجل فإنه لا يكون له مفهوم، (لا يشرب الخمر رجل من أمتي فيقبل الله منه صلاة أربعين يوماً).
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يشرب الخمر رجل من أمتي فيقبل الله منه صلاة أربعين يوماً)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر ].هو: علي بن حجر بن إياس السعدي المروزي ، وهو ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي .
    [أخبرنا عثمان بن حصن بن علاق ].
    عثمان بن حصن بن علاق ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود في المراسيل، والنسائي .
    [حدثنا عروة بن رويم ].
    عروة بن رويم، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي وابن ماجه.
    [أن ابن الديلمي ].
    وهو: عبد الله بن فيروز الديلمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما].
    وهو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر مسروق: (من شرب الخمر فقد كفر، وكفره: أن ليس له صلاة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة وعلي بن حجر قالا: حدثنا خلف يعني: ابن خليفة عن منصور بن زاذان عن الحكم بن عتيبة عن أبي وائل عن مسروق أنه قال: القاضي إذا أكل الهدية فقد أكل السحت، وإذا قبل الرشوة بلغت به الكفر، وقال مسروق : من شرب الخمر فقد كفر، وكفره: أن ليس له صلاة ].أورد النسائي هذا الأثر عن مسروق وقال: (القاضي إذا قبل الهدية)، أي: إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت؛ لأنه قال مقول القول: القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وليس كما في الرسم في الكتابة: قال القاضي ثم تأتي نقطتين، ويصير مقول القول بعد ذلك، فإن القاضي هو داخل في مقول القول، قال: (القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا قبل الرشوة بلغت به الكفر)، وقال مسروق: (من شرب الخمر فقد كفر)، وهذا محل الشاهد من إيراد الأثر في هذه الترجمة: (من شرب الخمر فقد كفر، وكفره: أن ليس له صلاة).
    يعني: مدة أربعين يوماً، وكفره: أن ليس له صلاة أربعين يوماً، فالكافر ليس له صلاة أولاً، لو صلى لا تصح صلاته ولا تقبل صلاته، وهذا إذا شرب الخمر فإنه يحرم أو لا تقبل منه أربعين يوماً، فيصير مثل الكافر الذي لا تقبل منه صلاة لو صلى، فهذا صلاته التي صلاها في مدة أربعين يوماً لا تقبل منه، فيكون بذلك مشابهاً للكافر في عدم قبول عمله، وأن عمله قد حبط، ولكن الكافر حبوط عمله مستمر ودائم، وأما هذا فحبوط عمله يتعلق بالصلاة وأنها لا تقبل لمدة أربعين يوماً، وفي هذا زجر وردع، وهو يشبه ما سبق أن مر من قول أبي موسى الأشعري : لا أبالي إن شربت الخمر أو عبدت هذه السارية من دون الله عز وجل، يعني: فيه بيان خطورة ذلك الذنب وأنه عظيم، لكن لا يكون كفراً إلا مع الاستحلال؛ فإذا وجد الاستحلال صار كفراً مخرجاً من الملة، وأما مع عدم الاستحلال فإنه لا يكون كفراً وإنما يكون فسقاً، ولكن مشابهته للكافر في أن الكافر لا تقبل له صلاة، وهذا لا تقبل له صلاة لمدة أربعين يوماً، فصار فيه مشابهة بينه وبين الكافر، ولهذا قال: (كفره: أن ليس له صلاة) يعني: مدة أربعين يوماً، وليس باستمرار ودائماً وأبداً.
    نعم هو كفر دون كفر، هو الآن يعتبر من قبيل كفر بلا كفر، وليس كفراً مخرجاً من الملة، فإن كان مع الاستحلال فلا شك من الكفر والخروج من الملة، وإن كان غير مستحل فمعناه أنه بلغ مبلغاً خطيراً يكون أكبر من الكبائر؛ لأن الذنب الذي يوصف بأنه كفر يكون أكبر من غيره، يعني: مما لم يوصف بأنه كفر، وإنما بلغ إلى حد أعلى وأقصى فيما يتعلق بعظم الكبائر؛ لأن الذنوب التي توصف بأنها كفر هذه أخطر من الذنوب التي لا توصف بأنها كفر، وإن وجد الاستحلال فقد وجد الكفر المخرج من الملة.
    قال: (القاضي إذا قبل الهدية فقد أكل السحت)، وكذلك غير القاضي، يعني: القاضي هو مثال، وإلا فإن أي موظف إذا قبل الهدية فإنه يكون أكل السحت؛ لأن قصة ابن اللتبية الذي كان عاملاً -وليس قاضياً- على الصدقة، ولما جاء قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا جلس في بيت أمه ينظر هل تصل إليه هديته )، يعني: هذا ما جاء إلا من أجل الوظيفة ومن أجل المنصب، ما جاء أنه فلان ابن فلان، يعني إذا كان من أجل أنه فلان بن فلان تأتيه هديته في بيته، لكن كونه يذهب في عمل من أعماله يكون مسئولا أو يكون في منصب من المناصب ثم يعطى من أجل منصبه ومن أجل مداراته، أو من أجل الحصول على شيء منه في مقابل هذا الذي يعطى إياه مراعاة لموقعه وكونه في العمل، وأنه يسهل له أموره ويحقق له في مقابل هذه الهدية فقد أكل السحت، ولكنه إذا أعطي الشيء على أنه رشوة فهذا معناه أخطر من قضية الهدايا وما يصرف بأنه هدية؛ لأن الإنسان قد يهدى إليه من غير ما يكون هناك شيء يرتبط بقضية، ولكن الرشوة تأتي مرتبطة من أجل الوصول إلى مأرب ومن أجل الوصول إلى شيء دفع الرشوة من أجلها، وأما ذاك يمكن ما جرى بينه وبينه شيء، ولكنه يعني: فيها مجال وفيها شبهة من ناحية أن الإنسان يريد من ورائها أن يحصل على شيء في المستقبل لو حصل بينه وبين أحد أو صار له حق، فإنه يجد مجالاً لكونه قد أعطاه هدية، ولكنه كونه يعطي الرشوة على اعتبار أنه يريد أن يتوصل إلى شيء، يقول: اعمل لي كذا وكذا ولك كذا وكذا، حقق لي كذا وخذ هذا المبلغ مقابل ذلك الشيء، فهذا هو الرشوة، وهي أخطر من الهدية؛ لأن الهدية يمكن لم يكن هناك شيء موجود دفع المبلغ من أجله، ولكنه يمكن أن يكون تخطيط وتهيئة للمستقبل، ولهذا صار هذا دون هذا، هذا أكل السحت وهو حرام، وهذا بلغ الكفر، ويكون كفراً إذا حصل الاستحلال، وإذا كان بدون استحلال فإنه يكون بلغ الغاية في عظم المعصية التي توصف بأنها كفر، والذي يوصف بأنه كفر أخطر من الذي لا يوصف بأنه كفر، ولهذا جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قصة اليمين: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي أن أحلف بغيره صادقاً؛ لأن الشيء الذي فيه شرك أو يوصف بأنه شرك أو يوصف بأنه كفر أخطر من الشيء الذي لا يوصف بأنه شرك ولا كفر، فالحلف بغير الله صادقاً موصوف بأنه شرك، وهو وإن كان صادقاً لكنه حلف بغير الله، وأهون منه أن يحلف بالله كاذباً، يعني: الحلف بالله توحيد والكذب معصية، فالذنب الذي يوصف بأنه شرك أو كفر أخطر من الذنب الذي لا يوصف بأنه شرك وكفر، وكلام ابن مسعود يوضح هذا: لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً.
    تراجم رجال إسناد أثر مسروق: (من شرب الخمر فقد كفر، وكفره: أن ليس له صلاة)


    قوله: [ أخبرنا قتيبة ].هو: ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ وعلي بن حجر قالا: حدثنا خلف بن خليفة ].
    علي بن حجر تقدم، وخلف بن خليفة: صدوق اختلط في الآخر، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.
    [ عن منصور بن زاذان].
    منصور بن زاذان: ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، ومما ذكر في ترجمته: أنه كان عابداً وكان من أهل العبادة، وقال فيه بعض العلماء: لو قيل لـمنصور بن زاذان : إن ملك الموت بالباب، ما أمكنه أن يزيد شيئاً، ما أمكنه أن يأتي بشيء جديد؛ لأنه دائماً على استقامة ودائماً على عبادة، ولا يمكنه أن يزيد شيئاً من أجل أنه قيل: أن ملك الموت بالباب؛ لأنه دائم على العبادة والاستقامة.
    [ عن الحكم بن عتيبة ].
    هو: الحكم بن عتيبة الكندي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي وائل ].
    هو: أبو وائل شقيق بن سلمة ، وهو ثقة، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن مسروق ].
    هو: مسروق بن الأجدع ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    وهذا الأثر ضعفه الألباني ، والظاهر أنه من جهة خلف بن خليفة .
    والصحابي الذي قال قولاً ليس من قبيل الرأي فله حكم الرفع، وأما التابعي يكون من قبيل المرسل؛ لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه من باب التغليظ أو بناءً على ما يفهم من بعض النصوص الدالة على عظم ذلك، وأنه كذلك من جهة عدم قبول الصلاة لمدة أربعين يوماً، لكن لا يقال: له حكم الرفع، أي: كلام غير الصحابة.
    ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر من ترك الصلوات ومن قتل النفس التي حرم الله ومن وقوع على المحارم


    شرح أثر عثمان: (اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر من ترك الصلوات ومن قتل النفس التي حرم الله ومن وقوع على المحارم.أخبرنا سويد أنبأنا عبد الله عن معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أبيه قال: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول: اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبد، فعلقته امرأة غوية، فأرسلت إليه جاريتها، فقالت له: إنا ندعوك للشهادة، فانطلق مع جاريتها، فطفقت كلما دخل باباً أغلقته دونه، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي، أو تشرب من هذه الخمرة كأساً، أو تقتل هذا الغلام، قال: فاسقيني من هذا الخمر كأساً، فسقته كأساً، قال: زيدوني، فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر؛ فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه ].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: ذكر الآثام المترتبة على شرب الخمر من ترك الصلاة وقتل النفس التي حرم الله والوقوع على المحارم.
    هذه الترجمة فيها الإشارة إلى بعض ما ورد من النصوص الدالة على خبث الخمر وعلى خطورتها، وعلى أن شأنها خطير، وأن إثمها كبير، وأنها توصل إلى مختلف المحرمات على اختلاف أنواعها ومراتبها؛ لأن صاحب الخمر أو الذي سكر بشربه الخمر فقد عقله فيقدم بسبب ذلك على كل معصية، ولو بلغت في القبح والشدة ما بلغت.
    ومن ذلك -أي: من الأمور التي تحصل بشرب الخمر- قتل النفس التي حرم الله، والوقوع على المحارم، يقع الإنسان على محارمه وعلى أقاربه، قد يقع على أمه، قد يقع على ابنته، قد يقع على أخته؛ لأنه فقد عقله، وعمل إلى أن يكون من جملة المجانين.
    وأضرار الخمر لا حصر لها ولا نهاية هي كثيرة جداً، وكلها تنتج عن فقدان العقل، وكلها تترتب على فقدان العقل، وقد أورد النسائي أثر عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أنه قال: اجتنبوا الخمر، فإنها أم الخبائث، يعني: أمر باجتناب الخمر والابتعاد عنها، وعلل ذلك بأنها أم الخبائث، ومعنى أنها أم الخبائث: أنها توصل إلى الخبائث وتؤدي إليها؛ لأن الخبائث يمكن أن يوصل إليها عن طريقها بسبب فقدان العقل، ثم ذكر مثالاً يوضح أنها أم الخبائث وأنها تؤدي إلى الخبائث المختلفة مهما عظمت ومهما بلغت، فقال: (إنه كان رجل ممن كان خلا قبلكم تعبد، فعلقت به امرأة غوية)، يعني: ذات غواية وذات خبث، فأرسلت له جارية لها، طلبت منه أن يأتي للشهادة، يريدون أن يشهدونه على شيء أو يطلبون منه الشهادة على شيء، فلحقها حتى وصلت إلى ذلك المكان الذي هي فيه، قال: كلما دخل أغلقت الباب الذي دخلوا منه، يعني: حتى لا يتمكن من الخروج، فلما وصل إلى امرأة وضيئة يعني: جميلة، عندها غلام وباطية خمر، يعني: وعاء من أوعية الخمر فيه خمر، فقالت: إنني ما دعوتك للشهادة، يعني: هذا الكلام ما هو صحيح، الذي قالوه غير صحيح، وإنما أتوا به لهذه الفتنة التي فتن بها، وهي: أنهم طلبوا منه أن يختار واحدة من ثلاث: إما أن يشرب كأساً من الخمر، هذا الذي في الباطية، أو يقتل هذا الغلام، أو يقع عليها هي، فظن أن كأساً من الخمر أخف من القتل ومن الزنا، فشرب كأساً فطلب زيادة حتى سكر، ولما سكر وقع عليها ووطئها وقتل الغلام، فصارت الأمور الثلاثة كلها تجمعت وحصلت له، هذه الأمور الثلاثة حصلت له بشربه الخمر، وهذا يبين أن الخمر أم الخبائث، وكيف كانت أم الخبائث؟ لأنها تؤدي إلى الخبائث بسبب فقدان العقل.
    ثم بعد أن ذكر القصة التي أراد أن يمثل لكونها أم الخبائث أكد ما سبق أن قاله قبل ذكر القصة، وهي قوله: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، وأتى بهذه القصة تبين أنها أم الخبائث، ثم رجع وأكد هذا الأمر بقوله: فاجتنبوا الخمر، يعني: تأكيداً للمرة الثانية، بعد ذكر هذه القصة التي تبين أنها أم الخبائث، ثم قال: فإنه لا يجتمع الاثنان يعني: الإيمان وإدمان الخمر وهو مداومة شربها، إلا لأوشك أن يخرج أحدهما صاحبه، بمعنى: أن يخرج من الإيمان، وأنه يفارقه الإيمان وينتهي به ذلك إلى ترك الإيمان والعياذ بالله، وهذا كله يبين خطورة الخمر وأنها خبيثة وأنها أم الخبائث، وأنه ينتج عنها كل هذه الأمور المحرمة، هذه الأمور وغيرها من كل ما هو محرم، وذلك بسبب فقدان العقل وذهابه، وكون الإنسان سعى إلى أن يكون من أهل العقول إلى أن يكون من المجانين وممن هو شبيه بالبهائم التي لا عقل لها.
    وهذا أثر عن عثمان رضي الله تعالى عنه، وقوله في الآخر: أنه لا يجتمع كذا وكذا.. يعني: يفيد بأن له حكم الرفع، وكذلك الإخبار عن هذه الأمور: القصة التي حصلت ممن كان قبلنا، أيضاً لا يمكن أن يعرف إلا عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن طريق الكتب السابقة، ومن المعلوم أن عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه ليس معروفاً بالأخذ من كتب المتقدمين، فيمكن أن يكون لهذا الأثر حكم الرفع.
    تراجم رجال إسناد أثر عثمان: (اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ...)

    قوله: [أخبرنا سويد ].هو: سويد بن نصر المروزي ثقة، أخرج حديثه الترمذي والنسائي .
    [أنبأنا عبد الله بن المبارك المروزي] .
    عبد الله بن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن معمر ].
    هو معمر بن راشد الأزدي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري ].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ].
    هو أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وهو ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وهو: عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وهو له رؤية، وقيل: من ثقات كبار التابعين، وحديثه أخرجه البخاري وأصحاب السنن.
    [ سمعت عثمان ].
    وهو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما، أمير المؤمنين، وثالث الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر عثمان من طريق أخرى: (اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله يعني: ابن المبارك عن يونس عن الزهري حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن أباه قال: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، فإنه كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس، فذكر مثله، قال: فاجتنبوا الخمر، فإنه والله لا يجتمع والإيمان أبداً إلا يوشك أحدهما أن يخرج صاحبه ].أورد النسائي الأثر عن عثمان رضي الله عنه من طريق أخرى وهو مثل الذي قبله إلا أن فيه عدم ذكر القصة التي هي قصة الذي خلا من قبلنا، فهنا إحالة إلى الرواية السابقة، حيث قال: مثله، فذكر مثله، أي: مثل الذي تقدم في الحديث الذي قبله من ذكر قصة الرجل الذي دعته تلك المرأة للشهادة، وانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه من شرب الخمر وقتل الغلام والوقوع على تلك المرأة الوضيئة الجميلة.
    تراجم رجال إسناد أثر عثمان من طريق أخرى: (اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ...)

    قوله: [ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن يونس حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن أن أباه قال: سمعت عثمان ].وقد مر ذكرهم جميعاً.
    [عن يونس ].
    هو يونس بن يزيد الأيلي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح حديث: (من شرب الخمر فلم ينتش لم تقبل له صلاة ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا سريج بن يونس حدثنا يحيى بن عبد الملك عن العلاء وهو ابن المسيب عن فضيل عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (من شرب الخمر فلم ينتش لم تقبل له صلاة مادام في جوفه أو عروقه منها شيء، وإن مات مات كافراً، وإن انتشى فلم تقبل له صلاة أربعين ليلة، وإن مات فيها مات كافراً)، خالفه يزيد بن أبي زياد ].أورد النسائي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: من شرب الخمر فلم ينتش لم تقبل له صلاة مادام في جوفه أو عروقه منها شيء،لم تقبل له صلاة مادام في جوفه أو عروقه منها شيء.
    لم تقبل له صلاة مادام في جوفه أو عروقه منها شيء، يعني: أن عقوبته في هذه الحالة التي هي كونه لم يصل إلى حد الإسكار، فإنه مادام أن في عروقه منها شيء، في الوقت الذي كان آثار الخمر موجودة في جسمه فإنه لا تقبل له صلاة، وهو أخف من الذي بعده الذي سيكون عدم القبول لمدة أربعين يوماً، وإن مات مات كافراً.
    يعني: إذا كان مستحلاً للخمر أو لشرب الخمر فإنه يكون كافراً، وإن كان غير مستحل فإنه لا يكون كافراً، ولكنه وصل إلى أمر خطير وإلى أمر عظيم، وهو من الكفر دون الكفر.
    (وإن انتشى فلم تقبل له صلاة أربعين ليلة).
    يعني: إن سكر لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، يعني: معناه أنه يحرم ثواب تلك الصلوات ولا يحصل له ثواب لتلك الصلوات؛ لأنه حرم ذلك، وصارت عقوبته بأن حرم هذا الفضل العظيم، وتلك الصلوات التي صلاها لم يستفد منها شيء، وإن مات مات كافراً، وهو مثل الذي قبله.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر: (من شرب الخمر فلم ينتش لم تقبل له صلاة ...)


    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي ].وهو : أحمد بن علي المروزي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا سريج بن يونس ].
    سريج بن يونس وهو ثقة أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي .
    [ حدثنا يحيى بن عبد الملك ].
    يحيى بن عبد الملك ، وهو صدوق له أفراد، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا أبا داود ففي المراسيل.
    [ عن العلاء وهو ابن المسيب ].
    العلاء بن المسيب، ثقة ربما وهم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
    [عن فضيل ].
    وهو: ابن عمرو، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، ابن ماجه.
    [ عن مجاهد ].
    وهو: مجاهد بن جبر المكي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر] .
    هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
    وهو موقوف من كلامه، ولكن له حكم الرفع؛ لأن مثل ذلك لا يقال بالرأي.
    شرح حديث: (من شرب الخمر فجعلها في بطنه لم يقبل الله منه صلاة سبعاً ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا محمد بن آدم بن سليمان عن عبد الرحيم عن يزيد (ح) وأخبرنا واصل بن عبد الأعلى حدثنا ابن فضيل عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال محمد بن آدم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( من شرب الخمر فجعلها في بطنه لم يقبل الله منه صلاة سبعاً، إن مات فيها -وقال ابن آدم : فيهن- مات كافراً، فإن أذهبت عقله عن شيء من الفرائض -وقال ابن آدم : القرآن- لم تقبل له صلاة أربعين يوماً، إن مات فيها -وقال ابن آدم : فيهن- مات كافراً ) ].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال محمد بن آدم : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    يعني: هذا اللفظ لفظ واصل بن عبد الأعلى ؛ لأنه ساقه على لفظ واصل ، ويبين الفروق أو الذي يختلف عنه شيخه الأول الذي هو محمد بن آدم بن سليمان ، فيقول: وقال: ابن آدم يعني: محمد بن آدم بن سليمان كذا يعني: من الفروق، فذكر أولاً أن واصل بن عبد الأعلى في روايته عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم، التعبير بالنبي صلى الله عليه وسلم، وقال محمد بن آدم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: بفارق التعبير بالنبي والرسول، التعبير أن الشيخ الثاني الذي هو واصل بن عبد الأعلى عبر بالنبي عليه الصلاة والسلام، والشيخ الأول الذي محمد بن آدم ما عبر بالنبي، ولكنه عبر بالرسول صلى الله عليه وسلم.
    وهذا يبين لنا الدقة التي عند العلماء في الألفاظ والمحافظة عليها، وأنه حتى مثل هذا اللفظ الذي لا يؤثر سواء قيل نبي أو قيل الرسول؛ لأن ذلك كله وصف للرسول صلى الله عليه وسلم، فهو النبي وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن كون أن واحداً عبر بكذا وواحداً عبر بكذا ينبهون عليه، وهذا مما يبين ما سبق أن أشرت إليه من أن ذكر السيادة للرسول صلى الله عليه وسلم وتسييده عن ذكره صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً ليس هذا منهج السلف وليست هذه طريقتهم؛ لأن الأحاديث تنتهي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في مختلف الكتب، وكلها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، أو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا، ولو كان هناك شيء لنقل وأبقي عليه، كما ذكروا الفرق بين النبي والرسول، مثلما ذكروا الفرق بين النبي والرسول، هذا عبر بالنبي وهذا عبر بالرسول وما أغفلوا هذا، فلو كان هناك شيء من التعبير من هذا القبيل ما أغفلوه وما تركوه، ولكن هذا شأنهم، وهذه طريقتهم التي كانوا يفعلونها، وكل ذلك حذراً من الغلو، وأن يقدموا على شيء قد يؤدي إلى غلو، ولهذا في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له: ( يا خيرنا! ويا سيدنا! قال: قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله ) صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
    إذاً: هذا التفريق الذي ذكره النسائي عن شيخيه حيث عبر أحدهما عند ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالنبي والثاني بالرسول صلى الله عليه وسلم يدلنا على العناية الفائقة، والمحافظة على الألفاظ من الرواة أو من المؤلفين، حيث يعتنون بإثبات الشيء كما هو.
    قوله: (من شرب الخمر فجعلها في بطنه، لم يقبل الله منه صلاة سبعاً)، يعني: سبعة أيام.
    ( إن مات فيها -وقال ابن آدم : فيهن- مات كافراً ).
    (إن مات فيها) هذا لفظ واصل بن عبد الأعلى ، ومحمد قال: فيهن، يعني: هذا التعبير فيها، وقال هذا: فيهن،
    ( فإن أذهبت عقله عن شيء من الفرائض، -وقال ابن آدم : القرآن- لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ).
    ثم ذكر أيضاً عبارة واصل بن عبد الأعلى يعني: قال من الفرائض، ومحمد بن آدم قال: من القرآن، لم تقبل له صلاة أربعين يوماً.
    ( إن مات فيها، -وقال ابن آدم : فيهن- مات كافراً ).
    قوله: (مات فيها) التعبير هذا لـواصل بن عبد الأعلى ، و(فيهن)، بدل (فيها) هذا لـمحمد بن آدم ، وهذا مثل أثر: عبد الله بن عمر المتقدم، إلا أن هذا ذكره مرفوع، وهو يشبه؛ لأنه مادام في بطنه إلا أن فيه التعبير بالسبع، وأنه لا تقبل له صلاة يعني هذه المدة، وهناك قال: مادامت في عروقه، يعني: المدة التي تكون موجودة في بطنه، وكلهم متفقون على أنه إذا سكر أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً، والحديث هذا المرفوع ضعفه الألباني ، ولعله من أجل يزيد بن أبي زياد الذي في الإسناد فإن الحافظ في التقريب قال: إنه ضعيف.
    تراجم رجال إسناد حديث عبد الله بن عمرو: (من شرب الخمر فجعلها في بطنه لم يقبل الله منه صلاة سبعاً ...)

    قوله:[ أخبرنا محمد بن آدم بن سليمان ].هو: محمد بن آدم بن سليمان الجهني، صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
    [ عن عبد الرحيم ].
    هو: عبد الرحيم بن سليمان ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يزيد ].
    هو: يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [ ح وأخبرنا واصل بن عبد الأعلى ].
    ثم قال: (ح) وهي للتحول من إسناد إلى إسناد، واصل بن عبد الأعلى ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
    [ حدثنا ابن فضيل ].
    هو: محمد بن فضيل بن غزوان، صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو ].
    وقد مر ذكرهم جميعاً.
    توبة شارب الخمر


    شرح حديث: (من شرب الخمر شربة لم تقبل له توبة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ توبة شارب الخمر.أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو إسحاق حدثنا الأوزاعي حدثني ربيعة بن يزيد (ح) وأخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد عن بقية عن أبي عمرو وهو: الأوزاعي عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي أنه قال: دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهو في حائط له بالطائف يقال له: الوهط، وهو مخاصر فتى من قريش يزن ذلك الفتى بشرب الخمر، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من شرب الخمر شربة لم تقبل له توبة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل توبته أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة ) اللفظ لـعمرو ].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: توبة شارب الخمر.
    ومن المعلوم أن التوبة بابها مفتوح، وهي تجب ما قبلها، ومن تاب تاب الله عليه، والتوبة التي تكون نافعة ومقبولة هي النصوح التي اجتمع فيها شروط، وهي: الإقلاع من الذنب، والندم على ما حصل في الماضي، والعزيمة في المستقبل على أن لا يعود إليه، هذه ثلاثة شروط: يقلع، يعني: يكف وينقطع ويترك، ويندم على الفعل الذي قد مضى من الذنوب في هذه المعاصي، ويعزم يقعد العزم على أن لا يعود إليه في المستقبل، وإن كان الأمر يتعلق بحقوق للناس فإن عليه أن يتخلص من هذه الحقوق؛ إن كانت مالاً رد المال إلى أهله، وإن كانت غير مال بأن تتعلق بالكلام وما إلى ذلك فإنه يستميح ويطلب منهم الحل والمسامحة، فهذه الشروط هي التي تكون التوبة نافعة ومقبولة عند الله عز وجل، والنسائي رحمه الله أورد حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
    يقول عبد الله بن الديلمي : ( دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في حائط له بالطائف يقال له: الوهط، وهو مخاصر فتى من قريش يزن ذلك الفتى بشرب الخمر ).
    الشيخ: يقول: (دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص في حائط له يقال له: الوهط، في الطائف، وهو مخاصر فتى من قريش)، مخاصر: فسر بأنه ماسك يده، وكل واحد يده على خاصرة الآخر؛ بأنهم متماسكين اليدين، وأيديهم نازلة، وهم يمشون متجاورين، وكل واحد يده عند خاصرة الآخر، خصره الذي هو وسطه، معناه: أنه يمشي هو وإياه، أو واقف هو وإياه يعني: يتحدثون (يزن ذلك الفتى بشرب الخمر)، يعني: يتهم، ومنه قول حسان رضي الله عنه في مدح عائشة والثناء عليها، يقول:
    حصان رزان لا تزن بريبة
    لا تزن يعني: لا تتهم ، وهنا يزن بشرب الخمر، يعني: يتهم بشرب الخمر.
    (فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من شرب الخمر شربة)، يعني: مرة من المرات، (لم تقبل له توبة أربعين صباحاً)، قيل: معنى ذلك: أنه لا يوفق للتوبة في هذه المدة، وقيل: معنى ذلك: أنه حرم أجر تلك الصلوات التي هي مدة أربعين يوماً، فلو تاب فإنه قد حرم ذلك؛ لأنه لما شرب الخمر أربعين صلاة حرم إياها، ومعنى هذا: أنه لو تاب فإنه لا يفيده أن تعود إليه تلك الصلوات التي ذهبت، وإنما أكثر ما في الأمر أنه عوقب بعدم قبول تلك الصلوات، فلا يفيده شيئاً أن يتوب ولا ترجع إليه تلك الصلوات؛ لأنه عوقب بذلك.
    ( فإن تاب تاب الله عليه ).
    يعني: بعد ذلك، (تاب الله عليه)، يعني: بعد تلك المدة، فإن تاب تاب الله عليه.
    ( تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل توبته فإن عاد إلى الشرب لم تقبل توبته أربعين صباحاً )، يعني: مثل ذلك، يعني: تلك المدة التي حرم ثوابها، وهي: أربعين صلاة بسبب شربه الخمر للمرة الثانية، أيضاً أربعين صباحاً لا تقبل له.
    (صباحاً) يعني: يوماً، فالمقصود مثل ما تقدم، ليلة أو صباحاً، المقصود بذلك أنه يعبر عن الشيء ببعضه أو بجزئه.
    ( فإن تاب تاب الله عليه ).
    (فإن تاب)، يعني: بعد ذلك تاب الله عليه، يعني: كون تلك العقوبة عوقب بها، ولكنه كونه تاب يتوب الله عز وجل عليه، ولكنه حرم ذلك الأجر الذي حصل.
    ( فإن عاد كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة ).
    فإن عاد للمرة الثالثة فإنه حق على الله أن يسقيه من طينة الخبال، وقد جاء بيانها أنها عصارة أهل النار وصديد أهل النار الذي يخرج منهم، وهذا معناه إذا كان أنه بلغ الخبث في إدمان الخمر والمداومة عليها، وأنه يعاقب بتلك العقوبات العظيمة، ومع ذلك لا يعتبر ولا يتعظ، ثم بعد ذلك يعود، فإن الله عز وجل يسقيه من طينة الخبال، وهي الصديد الذي يخرج من أهل النار والعياذ بالله، وهو أقبح ما يكون وأخس ما يكون.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من شرب الخمر شربة لم تقبل له توبة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه)


    قوله: [ أخبرنا القاسم بن زكريا بن دينار ].القاسم بن زكريا بن دينار ، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه.
    [ عن معاوية بن عمرو ].
    معاوية بن عمرو، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي إسحاق ].
    هو: الفزاري، وهو: إبراهيم بن محمد بن الحارث، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الأوزاعي ].
    هو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ربيعة بن يزيد ].
    ربيعة بن يزيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [(ح) وأخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد ].
    (ح) للتحويل، وعمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير الحمصي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي، وابن ماجه.
    [ عن بقية ].
    هو: بقية بن الوليد الحمصي ، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن أبي عمرو وهو الأوزاعي عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن عمرو ].
    عبد الله بن الديلمي، وهو: عبد الله بن فيروز الديلمي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
    شرح حديث: (من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا قتيبة عن مالك والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا اسمع واللفظ له: عن ابن القاسم حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة ) ].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة )، من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها فإنه يحرم خمر الآخرة، وهي التي تكون في الجنة، والتي أعد الله تعالى فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومن ذلك: الخمر، وهي تختلف عن خمر الدنيا كما جاء ذلك في القرآن الكريم، بأن الأمور التي في خمر الدنيا قد سلمت منها خمر الآخرة، ووصفها الله عز وجل بأنها لذة للشاربين: وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ [محمد:15]، يعني: ما فيها الصداع، ولا فيها ذهاب العقل، ولا فيها أي شيء فيه مضرة مما يكون في الدنيا، فيعاقب عليها بأنه يحرم شربها في الآخرة، وهذا لا يعني أنه يكون كافراً إلا مع الاستحلال، فهو إن شربها مستحلاً فإنه لا يشربها في الآخرة ولا يدخل الجنة أبداً؛ لأنه يكون بذلك كافراً، وإن كان غير مستحل ولكنه يكون عاصياً، فإنه مثلما جاء في بعض النصوص أنه لا يحصل له مثلما يحصل للذين سلموا من ذلك من التنعم في أول الأمر، بل يحصل له وقت يحال بينه وبين ذلك، وهذا إن لم يتب الله عليه، وأما إن تاب الله عليه فإنه يستفيد من أول وهلة، ولكن هذه عقوبته إن أراد الله تعالى عقوبته، وإن عفا عنه وتجاوز فإنه يستفيد من أول وهلة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة)

    قوله: [أخبرنا قتيبة عن مالك ].قتيبة مر ذكره.
    ومالك هو ابن أنس إمام دار الهجرة، الإمام الفقيه المشهور.
    [ والحارث بن مسكين ].
    الحارث بن مسكين، هو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
    [ عن ابن القاسم ].
    هو: عبد الرحمن بن القاسم ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي .
    [ عن مالك عن نافع عن ابن عمر ].
    نافع هو: مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    عن ابن عمر وقد مر ذكره.
    وفي الحديث المتقدم حديث عبد الله بن عمرو : ( من شرب الخمر شربة لم تقبل له توبة أربعين صباحاً، فإن تاب تاب الله عليه )، قوله: ( لم تقبل له توبة أربعين صباحاً )، يعني: كأن المقصود بهذا أن توبته لا تفيده في قضية السلامة من تلك العقوبة التي هي فوات الأجر، يعني: الأجر قد فات عليه بشربه الخمر، ولكن كونه يتوب من شرب الخمر يتوب الله عز وجل عليه بأنه لا يحصل ضرراً في الآخرة بسبب الخمر، وإلا الأربعين صلاة هذه ذهبت عليه، يعني: مثل قوله: ( لن تقبل له صلاة أربعين يوماً )، يعني: معناه أنه ذهبت عليه الصلاة، فتوبته في أثنائها ما تفيده؛ لأنها قد ذهبت عليه.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #506
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (503)


    - (باب الرواية في المدمنين في الخمر) إلى (باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر)



    لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حرمة الخمر، وحذر من شربها، كما بين أنه لا يدخل الجنة مدمن خمر، ومن المعلوم أن نفي دخول الجنة للعاصي ليس المقصود به عدم دخولها أبداً.
    الرواية في المدمنين في الخمر


    شرح حديث: (لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الرواية في المدمنين في الخمر.قال: أخبرنا محمد بن بشار عن محمد قال: حدثنا شعبة عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن نبيط عن جابان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر ) ].
    يقول النسائي رحمه الله: الرواية في المدمنين الخمر.
    المدمن للخمر هو: الذي يداوم أو مستمر أو مفتون بها، بحيث يشربها باستمرار، هذا هو المدمن للخمر، والرواية أي: ما ورد من الوعيد الشديد في حق من يكون كذلك، وقد أورد النسائي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما: ( لا يدخل الجنة منان، ولا عاق، ولا مدمن خمر )، فهذا الحديث فيه إثم هؤلاء الثلاثة، وعظيم جرمهم، وأنهم لا يدخلون الجنة، ومن المعلوم أن نفي دخول الجنة في المعاصي ليس المقصود به عدم دخولها أبداً؛ لأن من كان من أهل الإيمان ومن أهل التوحيد وماتوا على ذلك، فإنه لابد وأن يدخل الجنة، ولو دخل النار ومكث فيها ما شاء الله أن يمكث فإنه لابد من خروجه من النار ودخوله الجنة.
    ولكن الذنوب الكبيرة إذا استحلها الإنسان أو ما علم من دين الإسلام بالضرورة واستحله الإنسان فإنه يكفر باستحلاله، ومن يكون كذلك لا يدخل الجنة؛ لأن من يكون كافراً لا يدخل الجنة، ولكن من كان غير مستحل فإن نفي دخوله الجنة ليس نفياً مؤبداً، وإنما هو نفي لفترة معينة وهي المدة التي شاء الله عز وجل أن يعذب فيها في النار، ثم يدخل الجنة بعد ذلك؛ لأن كل من مات على التوحيد وعنده ذنوب وكبائر وشاء الله عز وجل دخوله النار، فإنه لابد من خروجه من النار ولابد أن يدخل الجنة، وعلى هذا فيكون لا يدخلها مع أول من يدخلها إذا شاء الله عز وجل أن يعذب، وإن تجاوز الله عنه وعفا عنه فإنه يدخل الجنة بفضله وكرمه سبحانه وتعالى.
    والمنان هو الذي يمن بما أعطى، وكلمة (منان) هي للمبالغة، يعني: أن من شأنه ذلك ومن صفته ذلك، والعاق هو العاق لوالديه، ومدمن الخمر هو المداوم على شربها والملازم لشربها، فإن هؤلاء الثلاثة عقوبتهم عظيمة وذنبهم كبير كما جاء ذلك في هذا الحديث وغيره من الأحاديث الكثيرة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (لا يدخل الجنة منان ولا عاق ولا مدمن خمر)

    قوله:[ أخبرنا محمد بن بشار] .محمد بن بشار، هو: الملقب بندار ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد ].
    هو: ابن جعفر، الملقب غندر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن شعبة ].
    هو: شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن منصور] .
    هو: منصور بن المعتمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سالم بن أبي الجعد ].
    سالم بن أبي الجعد ، وهو ثقة يرسل كثيراً، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن نبيط ].
    نبيط، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن جابان ].
    جابان، وهو مقبول أيضاً، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن عبد الله بن عمرو ].
    هو: عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي جليل، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    والحديث فيه مقبولان، ولكن الحديث له شواهد، وقد جاء له شواهد، فهو حديث ثابت.
    شرح حديث: (من شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها .. لم يشربها في الآخرة)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( من شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب منها لم يشربها في الآخرة ) ].أورد النسائي حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: ( من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها لم يشربها في الآخرة )، يعني: أنه مات غير تائب، ومن تاب تاب الله عليه؛ لأن (من تاب من الذنب كمن لا ذنب)، وإنما العقوبة هذه لمن لم يتب، (من شرب الخمر ثم مات ولم يتب منها لم يشربها في الآخرة)، يعني: يعاقب بأنه لا يشربها في الآخرة.
    تراجم رجال إسناد حديث: (من شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها ... لم يشربها في الآخرة)

    قوله: [أخبرنا سويد ].هو: سويد بن نصر المروزي ، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي .
    [أخبرنا عبد الله ].
    هو: ابن المبارك المروزي، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حماد بن زيد ].
    حماد بن زيد ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أيوب ].
    هو: أيوب بن أبي تميمة السختياني ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن نافع ].
    وهو: مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبد الله بن عمر].
    هو: عبد الله بن عمر الخطاب رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    حديث ابن عمر: (من شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة) من طريق أخرى وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا يحيى بن درست حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( من شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يشربها في الآخرة ) ].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله:[ أخبرنا يحيى بن درست ].
    يحيى بن درست ، هو ثقة أخرج حديثه الترمذي والنسائي وابن ماجه.
    [حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن ابن عمر] .
    وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.
    أثر الضحاك: (من مات مدمناً للخمر نضح في وجهه بالحميم حين يفارق الدنيا) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن الحسن بن يحيى عن الضحاك أنه قال:( من مات مدمناً للخمر نضح في وجهه بالحميم حين يفارق الدنيا ].أورد النسائي هذا الأثر عن الضحاك هو ابن مزاحم قال: (من مات مدمناً للخمر نضح في وجهه بالحميم حين يفارق الدنيا).
    يعني: هذا أثر عن الضحاك بن مزاحم، ويقال له المقطوع؛ لأن ما انتهى سنده إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقال له مرفوع، وما انتهى إلى الصحابي قيل له: موقوف، وما انتهى إلى التابعي أو من دونه قيل له: مقطوع.
    ومثل ذلك: إذا جاء عن صحابي يكون له حكم الرفع، لكن ما جاء عن التابعين ومن دونهم لا يكون كذلك، ويمكن أن يكون هذا أخذه من بعض الكتب المتقدمة، أو رواه عن غيره، لكن مثل هذه الأمور الغيبية لا تثبت إلا بالدليل، ومن المعلوم أن كلام غير الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الذي له حكم الرفع لا يعتبر ثابتاً، ويعتقد ما يقتضيه بناءً على قول من دون الصحابة مما يكون له حكم الرفع، فهذا فيه زجر وفيه كلام شديد في حق من يكون شارباً للخمر ومدمناً لها، ويمكن أن يكون ذلك أخذه من بعض الكتب السابقة، أو مما اطلع عليه مأثوراً عن المتقدمين، ومن حيث الثبوت لا يثبت مثل ذلك ولا يقال: إن هذا ثابت.
    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن الحسن بن يحيى ].
    سويد وعبد الله مر ذكرهما، والحسن بن يحيى ، مقبول أخرج حديثه النسائي .
    [ عن الضحاك ].
    هو: الضحاك بن مزاحم ، وهو صدوق أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
    تغريب شارب الخمر


    شرح أثر عمر في تغريب شارب الخمر


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ تغريب شارب الخمر.أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا معتمر بن سليمان حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب أنه قال: غرب عمر رضي الله عنه ربيعة بن أمية في الخمر إلى خيبر، فلحق بـهرقل فتنصر، فقال عمر رضي الله عنه: لا أغرب بعده مسلماً ].
    أورد النسائي تغريب شارب الخمر، تغريبه هو جعله يكون في بلد غير البلد التي شرب فيها الخمر، في فترة معينة، وقد جاء التغريب في السنة في حق الزاني البكر، فإنه يجلد مائة جلدة كما جاء في القرآن، ويغرب مدة سنة، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء عن عمر رضي الله عنه في هذا الأثر: (أنه غرب ربيعة بن أمية في شرب الخمر إلى خيبر، فلحق بـهرقل وتنصر، وقال عمر رضي الله عنه: لا أغرب بعد ذلك مسلماً).
    قوله: (لا أغرب بعد ذلك مسلماً)، يحمل على ما إذا كان عن طريق تغريبه عن طريق الاجتهاد، وعن طريق أنه رأى فيه المصلحة، أما ما ورد فيه نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كالزنا، فإن هذا حكم ثابت، وهو من جملة الحد ومن جملة ما يجب تنفيذه، هذا هو الذي لابد منه، وأما الشيء الذي يحصل بالاجتهاد، فيمكن أن يحصل عن طريق التعزير في بعض الأمور، ويمكن أن يترك ذلك الذي يعزر به، فهذا هو الذي جاء عن عمر رضي الله عنه هو من قبيل التعزير وليس من قبيل الحد الثابت الذي لابد منه، والذي يتعين الإتيان به، بل رأى من المصلحة تعزيره بذلك، وأن التغريب قد يترتب عليه فائدة، من جهة أن المكان الذي حصل له فيه ذلك ينتقل إلى مكان آخر، وقد يختلط بأناس، وقد يكون في ذلك تأديب له، فيكون في ذلك مصلحة، الذي عن طريق التعزير هو الذي يمكن أن يترك، والذي عن طريق الحد كما في الزنا، فهذا حكم لابد منه؛ لأنه من جملة الحد.
    تراجم رجال أثر عمر في تغريب شارب الخمر

    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى ].هو: زكريا بن يحيى السجزي ، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الأعلى بن حماد ].
    عبد الأعلى بن حماد ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي .
    [حدثنا معتمر بن سليمان ].
    هو: معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني عبد الرزاق ].
    هو: عبد الرزاق بن همام الصنعاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن معمر ].
    هو: معمر بن راشد الأزدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الزهري ].
    هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن المسيب ].
    سعيد بن المسيب ، وهو ثقة، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عمر ].
    هو: عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهو ثاني الخلفاء الراشدين أمير المؤمنين، وصاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه.
    والأثر ضعفه الألباني ، وقال: ضعيف الإسناد، ما أدري ما وجه ضعفه للألباني ، إلا إن كان سعيد بن المسيب ما أدرك عمر ، انظر ترجمة سعيد بن المسيب .
    أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار من كبار الثانية، اتفقوا على أن مرسلاته أصح المراسيل، وقال ابن المديني : لا أعلم في التابعين أوسع علماً منه، مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين.
    يعني: بحدود عشرة من الهجرة، يعني: لما توفي عمر يكون عمره ثلاثة عشر أو قريباً من ذلك، أقول: لا أدري ما وجه التضعيف، والإسناد رجاله فيهم الثقة وفيهم الصدوق.
    ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر


    شرح حديث: (اشربوا في الظروف ولا تسكروا)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر.أخبرنا هناد بن السري عن أبي الأحوص عن سماك عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بردة بن نيار رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( اشربوا في الظروف ولا تسكروا ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة: ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر.
    المقصود من هذه الترجمة ذكر الأخبار التي اعتل بها أي: اعتبرها علة واحتج بها من قال: إن الشراب الذي لا يسكر قليله وإن كان يسكر كثيره من غير العنب فإنه يكون سائغاً، وهو إشارة إلى ما قاله بعض فقهاء الكوفة من أن ما أسكر كثيره من غير العنب فإن قليله الذي لا يسكر لا بأس به، وأنه يباح ذلك، وسبق للنسائي أن ذكر بعض الأحاديث المتعلقة في تحريم القليل من الذي يسكر كثيره، وبين أن هؤلاء الذين يقولون بهذه المقالة مخادعون لأنفسهم، وأن الشربة الثالثة التي يكون بها الإسكار إنما حصل الإسكار بها لأنها مضمومة إلى الأولى والثانية، والشيء الكثير إنما وجد ببنائه على غيره، وإلا فإنه بمفرده إذا ضم بعضه إلى بعض وجمع بعضه إلى بعض وأجزائه يحصل الإسكار، فيكون حراماً ولو كان قليلاً، ثم أيضاً كما سبق أن عرفنا أن القليل أو تعاطي القليل الذي كثيره يسكر يكون وسيلةً إلى شرب الكثير الذي يسكر.
    وقد سبق أن مر في ذلك الأحاديث التي فيها تحريم قليل ما أسكر كثيره، وهي نص في الموضوع: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، يعني: من أي شيء كان، وقد أورد النسائي جملة أحاديث، منها ما هو عام، ولا يقابل به الخاص الذي هو نص في محل النزاع، وهو القليل من كل ما أسكر، فإنه يكون حراماً، فالأحاديث التي استدلوا بها عامة، لا تدل على ما قالوه، بل النصوص الخاصة التي دلت على تحريم القليل من الشيء الذي أسكر كثيره هي المعول عليها، وهي التي يجب المصير إليها، ويجب البعد عن استعمال أي شيء هو مسكر ولو كان ذلك القليل منه لا يسكر.
    أورد النسائي حديث أبي بردة بن نيار رضي الله تعالى عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اشربوا في الظروف ولا تسكروا )، يعني: أنه أباح الشرب وقيده بعدم الإسكار، قالوا: فيفهم منه: أنه إذا وجد الشرب وهو لا يسكر، فإنه يكون حلالاً ويكون مباحاً، مادام أنه لم يسكر: (اشربوا ولا تسكروا)، المنع من الإسكار، وإذا كان هناك شيء دون الإسكار، معناه أنه داخل تحت قوله: (اشربوا) ولكن يقابل هذا الإطلاق الأحاديث التي فيها: ( ما أسكر كثيره فقليله حرام )، فإنه نص في تحريم ذلك القليل الذي لا يسكر.
    تراجم رجال إسناد حديث: (اشربوا في الظروف ولا تسكروا)


    قوله:[ أخبرنا هناد بن السري ].هو: هناد بن السري أبو السري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [ عن أبي الأحوص ].
    وهو: أبو الأحوص سلام بن سليم الحنفي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سماك ].
    هو: سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [ عن القاسم بن عبد الرحمن ].
    هو: القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
    [ عن أبيه].
    وهو: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي بردة بن نيار ].
    أبو بردة بن نيار ، وهو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    حكم النسائي على الحديث بالنكارة وتوجيه الشيخ له


    [ قال أبو عبد الرحمن : وهذا حديث منكر، غلط فيه أبو الأحوص سلام بن سليم ، لا نعلم أن أحداً تابعه عليه من أصحاب سماك بن حرب وسماك ليس بالقوي، وكان يقبل التلقين، قال أحمد بن حنبل: كان أبو الأحوص يخطئ في هذا الحديث، خالفه شريك في إسناده وفي لفظه ].والحديث كما هو معلوم معناه جاء في أحاديث، ( اشربوا ولا تشربوا مسكراً )، مر في أحاديث كثيرة في هذا، لكن الكلام على هذا من حيث الرواية أو من حيث كونه من هذه الطريق ما جاء إلا من طريق سماك ، وأبو الأحوص أخطأ فيه، وإلا فإن متنه ومعناه ثابت في أحاديث كثيرة سبق أن مر جملة منها في حديث أبي موسى، ومعاذ (أن فيها أشربةً كثيرةً، فما أشرب وما لا أشرب؟ قال: اشرب ولا تشرب مسكراً)، يعني: اشرب ما شئت، لكن بشرط أن لا تشرب مسكراً، فقوله: (اشربوا ولا تسكروا) هو مثل تلك الأحاديث، لكن القدح فيه هو من حيث التفرد به، ومن حيث الرواية من هذه الطريق، وأما من حيث المتن فإن معناه ثابت، ولكن الإطلاق الذي فيه يقابله التنصيص على تحريم القليل الذي لا يسكر من الشيء الذي كثيره يسكر.
    قوله: ( اشربوا ولا تشربوا مسكراً )، يعني: يشربون الشيء الذي ليس خمراً، يعني: كالأشربة التي كثيرها وقليها لا يسكر؛ لأنها ليست خمرا، وأما إذا كان الكثير يسكر فإن القليل من جنسه وداخل فيه، فلا يجوز شربه ولو لم يسكر، وقد ورد التنصيص على ذلك في الأحاديث التي أشرت إليها.
    شرح حديث بريدة بن الحصيب: (أن رسول الله نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن إسماعيل حدثنا يزيد أخبرنا شريك عن سماك بن حرب عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت )، خالفه أبو عوانة].أورد النسائي حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والنقير والحنتم والمزفت )، وهذا ليس بواضح من حيث الترجمة؛ لأن الترجمة في إباحة نوع من الشراب يسكر كثيره وقليله لا يسكر، وهذا ليس فيه إلا النهي عن هذه الأشياء الأربعة، وهو في حديث بريدة بن الحصيب ، لكن سبق أن مر بنا أنه: ( نهيتكم عن الانتباذ في أوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً )، فإذا كان مقصوده ما جاء عن بريدة في معنى حديث ابن نيار المتقدم فيكون واضح المقصود منه، ولكن هذا اللفظ ليس فيه إلا تحريم هذه الأشياء الأربعة التي هي ثابتة في أول الأمر، ولكنها نسخت كما جاء في حديث بريدة رضي الله عنه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله نهى عن الدباء والحنتم والنقير والمزفت)

    قوله:[ أخبرنا محمد بن إسماعيل ].هو: ابن إبراهيم بن علية، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا يزيد ].
    هو: ابن هارون ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا شريك ].
    وهو: ابن عبد الله القاضي ، وهو صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [ عن سماك بن حرب عن ابن بريدة ].
    سماك وقد مر ذكره، عن ابن بريدة وهو: سليمان بن بريدة ، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [عن بريدة].
    وهو: بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    أثر عائشة: (اشربوا ولا تسكروا) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي أخبرنا إبراهيم بن حجاج حدثنا أبو عوانة عن سماك عن قرصافة امرأة منهم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( اشربوا ولا تسكروا ). قال أبو عبد الرحمن : وهذا أيضاً غير ثابت، وقرصافة هذه لا ندري من هي، والمشهور عن عائشة خلاف ما روت عنها قرصافة ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها، وهو: ( اشربوا ولا تسكروا )، وهو مثل حديث أبي بردة بن نيار ، يعني: الكلام فيه كالكلام فيه، والنسائي قال: إنه غير ثابت، وقرصافة لا يعرف حالها، لكن معناه كما عرفنا جاء في أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي ].
    هو: أحمد بن علي المروزي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [أخبرنا إبراهيم بن حجاج ].
    وهو: إبراهيم بن حجاج بن زيد، وهو ثقة يهم قليلاً، أخرج حديثه أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبو عوانة ].
    هو: الوضاح بن عبد الله اليشكري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سماك عن قرصافة ].
    سماك وقد مر ذكره، وقرصافة ، مجهولة لا يعرف حالها، أخرج حديثها النسائي وحده.
    [ عن عائشة ].
    هي: أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق من أوعية السنة وحفظتها، حفظ الله بها السنة الشيء الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما ما يتعلق بأحوال البيوت، وما يجري بين الرجل وأهله، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح أثر عائشة: (لا أحل مسكراً وإن كان خبزاً ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن قدامة العامري أن جسرة بنت دجاجة العامرية حدثته قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها سألها أناس كلهم يسأل عن النبيذ، يقول: ننبذ التمر غدوة ونشربه عشياً، وننبذه عشياً ونشربه غدوة؟ قالت: لا أحل مسكراً وإن كان خبزاً، وإن كانت ماء، قالتها ثلاث مرات ].أورد النسائي حديث عائشة رضي الله عنها (أنها سئلت عن النبيذ، وأنهم ينبذونه غدوة ويشربونه عيشة، وينبذونه عشية ويشربونه غدوة)، يعني: معناه يوماً واحداً أو ليلةً واحدةً، فهي رضي الله عنه أجابت بأنها قالت:
    (لا أحل مسكراً وإن كان خبزاً وإن كان ماءً) يعني: التحريم يتعلق بالإسكار، فهو حرام، وإن كان وقع في أطيب الطيبات أو في الأشياء الطيبة، مادام أنه مسكر فإنه يكون حراماً، على أي حالة كان ومن أي جهة كان، وهي سئلت عن النبيذ، وأجابت بكلام عام يتعلق بالإسكار، ومحل الشاهد منه للترجمة قولها: (لا أحل مسكراً)، ومعنى هذا إذا كان القليل لا يسكر فإنه يكون حلالاً على قول القائلين بذلك، ولكن الأحاديث الخاصة التي جاءت بمنع ذلك هي المقدمة، وهي التي يجب التعويل عليها.
    تراجم رجال إسناد أثر عائشة: (... لا أحل مسكراً وإن كان خبزاً ...)

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن قدامة العامري ].سويد بن نصر عن عبد الله تقدم ذكرهما ، وقدامة العامري، هو: قدامة بن عبد الله العامري ، وهو مقبول أخرج حديثه النسائي، وابن ماجه.
    [أن جسرة بنت دجاجة حدثته].
    جسرة بنت دجاجة ، وهي مقبولة، أخرج حديثها أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [سمعت عائشة ].
    عائشة وقد مر ذكرها.
    شرح حديث: (نهيتم عن الدباء، نهيتم عن الحنتم...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر أنبأنا عبد الله عن علي بن المبارك حدثتنا كريمة بنت همام أنها سمعت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها تقول: ( نهيتم عن الدباء، نهيتم عن الحنتم، نهيتم عن المزفت، ثم أقبلت على النساء فقالت: إياكن والجر الأخضر، وإن أسكركن ماء حبكن فلا تشربنه)]. أورد النسائي حديث عائشة قالت: (نهيتم عن الدباء)، ومن المعلوم أن قول الصحابي إذا قال: (نهيتم أو نهي أو نهينا، الناهي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم نهيت عن كذا أو أمرت بكذا، فالآمر والناهي هو الله عز وجل، نهيتم عن الدباء، نهيتم عن الحنتم نهيتم عن المزفت، ثم أقبلت على النساء فقالت: إياكن والجر الأخضر).
    والجر الأخضر هو الحنتم، كما سبق أن مر بنا أن الحنتم جرار خضر كانوا ينبذون بها، وكان ذلك في أول الأمر، والمقصود بالمنع هو ما وصل إلى حد الإسكار، وأما ما لم يصل إلى حد الإسكار فإنه يكون مباحاً إذا كان لا يسكر القليل والكثير، كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب الذي سبق أن مرت الإشارة إليه مراراً: ( كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية، فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً ).
    ثم قالت للنساء: (وإن أسكركن ماء حبكن، فلا تشربنه).
    الحب: بضم المهملة فتشديد في الصحاح هو الخابية فارسي معرب.
    فما أدري ما المقصود (بماء حبكن)، لكن يحتمل أن يكون المقصود أنه لو رغبنه وأحببنه حباً شديداً وأسكرهن حبه، بمعنى أنه بلغ الغاية في افتتانهن به ورغبتهن به فإنهن لا يشربه، ولا أدري ما معنى هذا الكلام الذي قاله المحشي؛ أن الخابية فارسي معرب نقلاً عن الصحاح.
    ويحتمل أن تكون الخابية بمعنى الجرة.
    فيمكن ذلك، إذا كان المقصود بها ماء جرة، وأن الحب معربة، وأن المقصود به جرة فيقال لها الخابية.
    تراجم رجال إسناد حديث: (نهيتم عن الدباء، نهيتم عن الحنتم...)


    قوله:[ أخبرنا سويد بن نصر أنبأنا عبد الله عن علي بن المبارك ].سويد بن نصر، وعبد الله مر ذكره، وعلي بن المبارك ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [حدثتنا كريمة بنت همام ].
    كريمة بنت همام، وهي مقبولة، أخرج حديثها النسائي، وأبو داود.
    [ أنها سمعت عائشة ].
    عن عائشة وقد مر ذكرها.
    شرح حديث: (كان رسول الله ينهى عن كل مسكر)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسماعيل بن مسعود حدثنا خالد حدثنا أبان بن صمعة حدثتني والدتي عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت عن الأشربة، فقالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن كل مسكر ) واعتلوا بحديث عبد الله بن شداد عن عبد الله بن عباس].أورد النسائي حديث عائشة، وهو ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كل مسكر )، ومحل الشاهد منه، معروف وهو: (نهى عن المسكر)، وأما إذا كان لا يسكر قليله فهم يستدلون بعمومه على حل ذلك، وكما عرفنا ما هو نص في القليل وتحريمه مقدم على ذلك اللفظ العام الذي يفهم منه ما فهموه.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله ينهى عن كل مسكر)


    قوله:[ أخبرنا إسماعيل بن مسعود ].هو: إسماعيل بن مسعود أبو مسعود البصري، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا خالد ].
    هو: خالد بن الحارث البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبان بن صمعة ].
    أبان بن صمعة، وهو صدوق أخرج حديثه مسلم، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثتني والدتي].
    والدته، لا أعرف شيئاً عنها.
    [ عن عائشة ].
    عائشة وقد مر ذكرها.
    شرح حديث: (حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: أخبرنا أبو بكر بن علي أخبرنا القواريري حدثنا عبد الوارث سمعت ابن شبرمة يذكره عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حرمت الخمر قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب، ابن شبرمة لم يسمعه من عبد الله بن شداد ]. أورد النسائي حديث (قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب)، وهم فسروا الخمر بالعنب، يعني: القائلين بإباحة قليل ما يسكر خصوا ذلك بغير العنب، وأما العنب فما أسكر كثيره قليله حرام، ولهذا فسر الخمر بأنها ما كانت من العنب فيكون القليل والكثير حرام، وأما ما كان من غير العنب فالكثير المسكر حرام، والقليل الذي لا يسكر يكون حلالاً.
    وقوله: (حرمت الخمر قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب)، يعني: لما ذكر الخمر والشيء الذي اعتاده الناس وعرفوه مثله السكر من كل شراب، فأي شراب يحصل منه الإسكار، بل غير الشراب لو كان جامداً أو كان مسحوقاً فإنه يكون حراماً.
    تراجم رجال إسناد حديث: (حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب)

    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي أخبرنا القواريري ].القواريري، هو عبيد الله بن عمر وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
    [حدثتنا عبد الوارث ].
    هو: عبد الوارث بن سعيد ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت ابن شبرمة ].
    هو: عبد الله بن شبرمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [ عن عبد الله بن شداد بن الهاد ].
    عبد الله بن شداد بن الهاد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس ].
    هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    قال: [ابن شبرمة لم يسمعه من عبد الله بن شداد].
    ابن شبرمة لم يسمعه من عبد الله بن شداد ، ثم ذكر بعد ذلك الأثر الحديث.
    يذكره عن عبد الله بن شداد ، ثم الحديث الذي بعده يبين أن فيه واسطة ، لأن معناه أنه منقطع.
    حديث: (حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها...) من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا سريج بن يونس حدثنا هشيم عن ابن شبرمة حدثني الثقة عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب، خالفه أبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي ].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله.
    قوله:[ أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا سريج بن يونس ].
    سريج بن يونس، ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم والنسائي .
    [حدثنا هشيم ].
    هو: هشيم بن بشير الواسطي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شبرمة حدثني الثقة عن عبد الله بن شداد].
    عبد الله بن شداد هنا بين أن فيه واسطة، وأنه لم يسمع منه وأن الرواية يذكره، يعني: أن فيه انقطاع، وهنا قال: (الثقة).
    ومن المعلوم أن الرواية عن الشخص مبهماً بذكره موثقاً، أن ذلك لا يعتبر عند العلماء حتى يسمى ويعرف؛ لأنه قد يكون ثقة عنده ومجروحاً عند غيره؛ لأن مجرد أن كونه يقول: ثقة لا يكفي؛ لأنه قد يكون ثقة عنده، ولكنه مجروح عند غيره.
    ابن حجر رحمه الله في آخر التقريب في المبهمات يقول: هو عمار الدهني .
    وعمار الدهني صدوق أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس ].
    مر ذكرهما.
    حديث: (حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها...) من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم حدثنا محمد ح وأخبرنا الحسين بن منصور حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مسعر عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب، لم يذكر ابن الحكم قليلها وكثيرها ].أورد النسائي حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    قوله:[ أخبرنا أحمد بن عبد الله بن الحكم ].
    أحمد بن عبد الله بن الحكم ثقة، أخرج حديثه مسلم والترمذي والنسائي .
    [ حدثنا محمد ].
    هو: محمد بن جعفر ، وهو ثقة مر ذكره.
    [ ح وأخبرنا الحسين بن منصور ].
    الحسين بن منصور، ثقة، أخرج حديثه البخاري والنسائي .
    [ حدثنا أحمد بن حنبل ].
    أحمد بن حنبل، الإمام المشهور، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن مسعر ].
    مسعر هو: مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي عون ].
    وهو: محمد بن عبيد الله الثقفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [ عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس ].
    عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس ، وقد مر ذكرهما.
    لم يذكر ابن الحكم (قليها وكثيرها).
    يعني: أحد الشيخين؛ لأنه ذكر عن شيخين، الشيخ الأول هو: أحمد بن عبد الله بن الحكم ، يعني: ليس في روايته (قليلها وكثيرها)، وإنما (قليلها وكثيرها) في رواية الحسين بن منصور الشيخ الثاني.
    حديث: (حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها ...) من طريق رابعة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الحسين بن منصور حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إبراهيم بن أبي العباس قال: حدثنا شريك عن عباس بن ذريح عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حرمت الخمر قليلها وكثيرها، وما أسكر من كل شراب]. أورد النسائي حديث ابن عباس وهو مثلما تقدم.
    [ قال أبو عبد الرحمن : وهذا أولى بالصواب من حديث ابن شبرمة ، وهشيم بن بشير كان يدلس، وليس في حديثه ذكر السماع من ابن شبرمة ، ورواية أبي عون أشبه بما رواه الثقات عن ابن عباس ].
    يعني: هذا المقارنة بين حديث أبي عون وبين ابن شبرمة وذكر أن ابن شبرمة روى عنه هشيم بن بشير وهو مدلس ولم يصرح بالسماع، وأن هذا أولى الذي هو رواية أبي عون ، ولكن كما هو معلوم: أن المعنى جاء في أحاديث أن تحريم كل ما أسكر جاء في أحديث كثيرة.
    قوله: [أخبرنا الحسين بن منصور حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ].
    إبراهيم بن أبي العباس، وهو ثقة أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا شريك عن عباس بن ذريح ].
    عباس بن ذريح ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
    [ عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس ].
    أبو عون، وهو: محمد بن عبيد الله الثقفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب إلا ابن ماجه.
    [ عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس ].
    مر ذكرهما.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #507
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (504)

    - تابع باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر



    حرم الإسلام الخمر، سواء كان من التمر أو العنب أو الزبيب، وبيّن أن ما أسكر كثيره فقليله حرام، أما النبيذ فرخص فيه إذا انتبذ ثم شرب من الغد.
    تابع ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر


    شرح حديث: (... سبق محمد الباذق وما أسكر فهو حرام)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا قتيبة عن سفيان عن أبي الجويرية الجرمي قال: ( سألت ابن عباس رضي الله عنهما وهو مسند ظهره إلى الكعبة عن الباذق؟ فقال: سبق محمد الباذق، وما أسكر فهو حرام )، قال: أنا أول العرب سأله ].قد ذكر النسائي في الباب، وهو ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح السكر، ذكر جملة أحاديث، ومنها هذا الحديث، حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن أبا الجويرية الجرمي سأل ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو مسند ظهره إلى الكعبة، قال: (سأله عن الباذق)، وهو نوع من النبيذ، وهو الذي يقال له الطلاء، وقد مر فيما مضى، وسيأتي في ترجمة خاصة، فقال: ( سبق محمد صلى الله عليه وسلم الباذق )، يعني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد جاء بالنصوص المستوعبة للحوادث والقضايا التي تجد، وأنه ما من أمر يجد ويكون له اسم سواءً كان معروفاً من قبل أو غير معروف من قبل إلا وفي نصوص الشرع وفي قواعد الشرع ما يستوعبه وما يشمله؛ لأن الشريعة كاملة تتسع لاستيعاب الحوادث والأمور التي تجد والنوازل التي تقع؛ وذلك لأن الشريعة جاءت بنصوص خاصة وبنصوص عامة، فالنصوص العامة فيها العموم والشمول ودخول ما هو موجود وما لم يوجد، ولكنه يطابق ويندرج تحت ذلك اللفظ العام، وكذلك أيضاً من حيث قواعد الشرع، وكذلك من حيث القياس، وإلحاق المثيل بالمثيل، والشبيه بالشبيه إلى غير ذلك من الأمور التي يتضح بها استيعاب الشريعة للحوادث والنوازل التي تقع.
    وقوله: ( سبق محمد الباذق )، يعني: أنه قد جاء عنه نصوص تشمل هذا الذي هذا اسمه، وغير ذلك مما جد ومما سيجد، وهذه العبارة مثل الحديث الذي فيه، حديث سلمان: ( أخبركم نبيكم عن كل شيء حتى الخراءة؟ قال: نعم، ثم ذكر أنه نهانا عن الاستنجاء برجيع أو عظم، وأن يمس الإنسان ذكره بيمينه ويستنجي بيمينه )، وذكر أموراً تتعلق بقضاء الحاجة، وأن الشريعة جاءت بذلك، وكذلك الحديث الذي يقول فيه الصحابي: ( توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وأعطانا منه علماً؛ وذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير فهو حرام )، أتى بهذا الكلام العام الذي يندرج تحته كل ما كان من هذا القبيل، وما لم يكن من هذا القبيل فإنه يكون بخلاف ذلك، فهذه من النصوص العامة التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
    قال: ( سبق محمد الباذق وما أسكر فهو حرام ) يعني: هذا مما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر فهو حرام)، سواء مما عرف اسمه، أو مما لم يعرف اسمه، وكذلك ما عرفت مادته وما لم تعرف مادته، (كل ما أسكر فهو حرام)، هذه قاعدة من قواعد الشرع، وهذا نص عام من نصوص الشرع يستوعب كل شيء وجد منه الإسكار، مما هو معروف للناس من قبل، ومما هو غير معروف لهم، ويدخل في ذلك ما كان سائلاً وما كان جامداً، وما كان من أشياء معروفة أو أشياء لا تعرف، كلما وجد الإسكار وجدت الحرمة؛ لأن الحكم أنيط بالإسكار.
    قال: (أنا أول العرب سأله) يعني: سأل ابن عباس ، ولعله سأله عن هذا الموضوع أو سأله في ذلك المجلس الذي كان جالساً ومسنداً ظهره إلى الكعبة رضي الله تعالى عنه.
    قوله: (مسند ظهره إلى الكعبة)، يعني: يدل على أن مثل ذلك جائز، وأنه ليس فيه امتهان أو إهانة، نعم، إذا وجد قصد الإهانة هذا هو الذي يكون معه التحريم، أما إذا لم يوجد شيئاً من ذلك فهذا يدل على الجواز.
    ومد القدمين أو الرجلين، عندما يكون الإنسان في الصف وعلى يمينه رجال وعلى يساره رجال، وهو بحاجة إلى أن يمد رجليه فلا بأس بذلك.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... سبق محمد الباذق وما أسكر فهو حرام)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو ابن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سفيان ].
    هو ابن عيينة المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي الجويرية ].
    هو: أبو الجويرية الجرمي ، وهو: حطان بن خفاف ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي.
    [ عن ابن عباس ].
    هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    دلالة قوله: (وما أسكر فهو حرام)

    قوله: (وما أسكر فهو حرام)، يعني: معناه الذي لا يسكر فإنه يكون حلالاً، ومعناه: أن الشيء الذي يسكر هو الحرام، وما كان قليلاً لا يسكر فإنه لا يكون حراماً، لكن هذا اللفظ أو هذا الاستنتاج أو هذا الفهم يقابله نص خاص، وهو (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، يعني: القليل الذي لا يسكر يكون حراماً؛ لأنه وسيلة إلى الأمر المحرم، ولأن الكثرة إنما جاءت ببناء الشيء بعضه على بعض؛ لأن الكثير أجزاء، وإذا كان المقدار الذي هو الشربة الثالثة تسكر فإن الثالثة مبنية على الأولى والثانية، وليس في الثالثة وحدها؛ لأنه لو كان المقصود به مقدار الثالثة ما حصل الإسكار، لكن الإسكار حصل بالمجموع، وعلى هذا فالتحريم أو المعنى واضح من جهة أن فيه ذريعةً ووسيلةً وشرب القليل يؤدي إلى شرب الكثير المسكر، والأمر الثاني: أن الكثير أو الشربة الثالثة مبنية على ما سبقها من أولى وثانية، وليس من الثالثة وحدها، بل منها مضمومة إلى ما تقدمها من الأولى والثانية.
    شرح أثر ابن عباس: (من سره أن يحرم إن كان محرماً ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا أبو عامر والنضر بن شميل ووهب بن جرير قالوا: حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل أنه قال: سمعت أبا الحكم يحدث، قال ابن عباس رضي الله عنهما: من سره أن يحرم إن كان محرماً ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ ].أورد النسائي أثر ابن عباس رضي الله تعالى عنه: من سره أن يحرم إن كان محرماً ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ، المقصود من ذلك النبيذ الذي يكون في الجرار التي جاء فيها النص، كالدباء والحنتم والنقير والمزفت.. وما إلى ذلك، هذا هو المقصود، وهو الذي جاء عن ابن عباس في طرق كثيرة أنه نهى عن ذلك، وذلك لما يؤدي إليه من الإسكار، ولكن قد عرف أن الانتباذ في تلك الأوعية لا بأس به، لكن بشرط أن لا يشرب الناس مسكراً.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (من سره أن يحرم إن كان محرماً ما حرم الله ورسوله فليحرم النبيذ)

    قوله:[ أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].هو: إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو محدث فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [أخبرنا أبو عامر ].
    هو أبو عامر العقدي، وهو: عبد الملك بن عمرو ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ والنضر بن شميل ].
    و النضر بن شميل، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ ووهب بن جرير ].
    وهو: وهب بن جرير بن حازم ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا شعبة ].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سلمة بن كهيل ].
    وهو أيضاً ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي الحكم ].
    هو عمران بن الحارث السلمي، وهو ثقة أخرج حديثه مسلم والنسائي .
    [ عن ابن عباس ].
    وقد مر ذكره.
    شرح أثر ابن عباس: (اجتنب ما أسكر من تمر أو زبيب أو غيره)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد بن نصر حدثنا عبد الله عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أنه قال: قال رجل لـابن عباس : إني امرؤ من أهل خراسان وإن أرضنا أرض باردة، وإنا نتخذ شراباً نشربه من الزبيب والعنب وغيره، وقد أشكل علي فذكر له ضروباً من الأشربة فأكثر حتى ظننت أنه لم يفهمه، فقال له ابن عباس : إنك قد أكثرت علي، اجتنب ما أسكر من تمر أو زبيب أو غيره ].أورد النسائي أثر ابن عباس رضي الله عنه لما جاءه ذلك الرجل من خراسان، وسأله، وذكر له جملةً من الأشربة وأكثر عليه، حتى ظن من سمعه أنه لم يفهمه لكثرة ما يلقي عليه، ولكنه بعد ذلك أعطاه قاعدةً عامةً، قال: (اجتنب ما أسكر من تمر أو زبيب أو غيره)، مادام أنه يسكر اجتنبه، والذي لا يسكر لا بأس به.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (اجتنب ما أسكر من تمر أو زبيب أو غيره)

    قوله: [أخبرنا سويد بن نصر ].هو سويد بن نصر المروزي ، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي .
    [ حدثنا عبد الله ].
    هو ابن المبارك المروزي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عيينة بن عبد الرحمن ].
    هو عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن ، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [ عن أبيه].
    وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [ عن ابن عباس ].
    وقد مر ذكره.
    شرح أثر ابن عباس: (نبيذ البسر بحت لا يحل )

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا القواريري حدثنا حماد حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: نبيذ البسر بحت لا يحل ].أورد النسائي أثر ابن عباس: نبيذ البسر بحت لا يحل، بحت يعني: خالص، يعني: وحده ليس معه شيء، وهذا من جنس النصوص التي سبق أن مرت، يعني: نهى نبيذ البسر وعن نبيذ التمر ونبيذ البلح ونبيذ كذا، وإذا كان مخلوطاً مع غيره، وإذا كان وحده، وقد عرفنا أن الحكم في ذلك هو المنع من كل ما وصل إلى حد الإسكار وإجازة كل شيء لم يصل إلى حد الإسكار.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (نبيذ البسر بحت لا يحل )

    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي ].هو أحمد المروزي، ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا القواريري ].
    هو عبيد الله بن عمر ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي .
    [ حدثنا حماد ].
    هو ابن زيد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أيوب ].
    هو: أيوب بن أبي تميمة السختياني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن جبير ].
    سعيد بن جبير ، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس ].
    ابن عباس وقد مر ذكره.
    قوله: نبيذ البسر بحت لا يحل.
    الكلام على نبيذ البسر عند السندي

    يعني: هذا ليس بواضح الدلالة على الترجمة؛ لأن هذا إذا أريد به ما جاء عن ابن عباس وعن غيره الانتباذ في تلك الأوعية فلا يحل من أجل ما يخشى من أن يتبادر إليه الإسكار، ولكن عرفنا بأنه نسخ ذلك، وأن المقصود منه ما كان يسكر، وأما ما لا يسكر فالذي هو في آخر الأمر جوازه، فهو ليس بواضح الدلالة على قضية الإباحة بالنسبة لهم، مثلما جاء فيما نهى عن نبيذ الحنتم، والمزفت، والمقير، وكذا إلى آخره، هذا من جنسه.يعني: كأن المقصود كونه (بحت)، يعني: إن وجد خالصاً، وأن كتابتها بغير ألف ليس بصحيح، بل الصحيح كونها بألف وأنها تكون بحتاً يعني: خالصاً، يعني: حالة كونه كذا.
    وقول السندي في الشرح: (ومحمله المسكر والكائن في الأوعية المعلومة). معناه أن المسكر وحتى غير المسكر، ما دام الأوعية منع من الانتباذ فيها ولو لم تسكر، وذلك لأنها وسيلة للإسكار دون أن يعرف الإسكار، ولكنه بعد ذلك نسخ كما عرفنا، لكن الأمر الذي استقر هو المسكر، يعني: الإسكار هو الذي يكون مع تحريم، وبدون الإسكار يحل ولو انتبذ في أي وعاء، سواءً كان غليظاً أو رقيقاً كالجلود والأسقية.
    البسر: طلع النخل قبل أن يزهي، قبل أن يكون زهواً مادام أخضر، سبق أن مر بنا أنه يكون بسراً ويكون زهواً، ويكون مذنباً بعضه أرطب وبعضه ما أرطب، ورطب وتمر.. كل هذه تتعلق بالنخل.
    شرح أثر ابن عباس: (أنه جاءته امرأة تسأله عن نبيذ الجر فنهى عنه...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: أخبرنا محمد بن بشار قال: حدثنا محمد قال: حدثنا شعبة عن أبي جمرة أنه قال: كنت أترجم بين ابن عباس وبين الناس، فأتته امرأة تسأله عن نبيذ الجر، فنهى عنه، قلت: يا أبا عباس إني أنتبذ في جرة خضراء نبيذاً حلواً فأشرب منه فيقرقر بطني، قال: لا تشرب منه، وإن كان أحلى من العسل ].أورد النسائي الأثر عن ابن عباس : [أنه جاءته امرأة تسأله عن نبيذ الجر، فنهى عنه، قلت: يا أبا عباس إني أنتبذ في جرة خضراء نبيذاً حلواً فأشرب منه فيقرقر بطني، قال: لا تشربه]، يعني: أنه داخل ضمن كون الرسول نهى عن الدباء والحنتم الذي هو الجرار الخضر، والمزفت والمقير والنقير، وقد عرفنا فيما مضى أنه احتمال أن يسارع إليه الإسكار دون أن يعلم، ولكنه بعد ذلك نسخ كما جاء في حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، وهو غير واضح الدلالة على الترجمة.
    قوله: (فيقرقر بطنه)، معناه يطلع له صوت، يعني: الصوت الذي في الأمعاء هذه هي القرقرة، وهي سماع صوت لجريان الشيء في الأمعاء.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (أنه جاءته امرأة تسأله عن نبيذ الجر فنهى عنه...)

    قوله: [أخبرنا محمد بن بشار ].محمد بن بشار، هو: الملقب بندار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا محمد ].
    هو محمد بن جعفر، الملقب غندر ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شعبة عن أبي جمرة ].
    شعبة مر ذكره، وأبو جمرة ، هو: نصر بن عمران الضبعي ، وهو ثقة: أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عباس ].
    وقد مر ذكره.
    ويذكر أنه ليس هناك في الصحابة من كنيته أبو العباس إلا عبد الله بن عباس هذا، وإلا سهل بن سعد الساعدي ، فإن هذين يقال لهما أبو العباس، وقال بعض أهل العلم: أنه ليس في الصحابة من يكنى أبو العباس إلا هذين.
    شرح حديث: (... وأنهاكم عن أربع: عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: أخبرنا أبو داود قال: حدثنا أبو عتاب وهو سهل بن حماد قال: حدثنا قرة قال: حدثنا أبو جمرة نصر قال: ( قلت لـابن عباس رضي الله عنهما: إن جدة لي تنبذ نبيذاً في جر أشربه حلواً، إن أكثرت منه فجالست القوم خشيت أن أفتضح، فقال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: مرحباً بالوفد ليس بالخزايا ولا النادمين، قالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين، وإنا لا نصل إليك إلا في أشهر الحرم، فحدثنا بأمر إن عملنا به دخلنا الجنة وندعو به من وراءنا، قال: آمركم بثلاث وأنهاكم عن أربع؛ آمركم بالإيمان بالله، وهل تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تعطوا من المغانم الخمس، وأنهاكم عن أربع: عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت ) ].أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه وفد عبد القيس.
    يقول: [كانت جدة لي تنبذ نبيذاً في جرة فأشربه حلواً، إن أكثرت منه فجالست القوم خشيت أن أفتضح]، يعني: أنه يظهر فيه مبادئ إسكار، [فخشيت أن أفتضح]، يعني: يظهر عليه شيء يدل على الإسكار أو مبادئ الإسكار، فأخبره بأن الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه وفد عبد القيس، وهذا فيه أنه عند ذكر السؤال أو الاستفتاء يؤتى بالحديث أو يؤتى بالدليل، وهذا مما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، كانوا إذا سئلوا أجابوا بالأثر، يعني: فيقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، والجواب موجود ضمن قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون بذلك أعطاه الحكم والدليل، بهذه الطريقة اختصر الطريق، بدل ما يقول له ما هو الدليل، وأعطاه الدليل، أعطاه الحكم، وهو الدليل المشتمل على الحكم. فجاءه وفد عبد القيس، ووفد عبد القيس من ربيعة، وكانوا في البحرين، يعني: كان هذا في أول الهجرة، أول ما هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
    [فقالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك المشركين، ولا نستطيع أن نصل إلا في الأشهر الحرم]، يعني: لا نصل إليك إلا في الشهر الحرام، وذلك أن الكفار يعظمون الأشهر الحرم، ولا يحصل منهم الأشياء التي تحصل في غير الأشهر الحرم؛ لأن عندهم لها احترام، فكانوا ينتهزون هذه الفرصة وهي وجود الأشهر الحرم حتى لا يؤذيهم أحد من المشركين، وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم [أن يأمرهم بأمر إذا عملوا به دخلوا الجنة، ويدعون من وراءهم]، وهذا يبين لنا ما كان عليه أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام من الحرص على معرفة الحق، والحرص على العمل به، والحرص على الدعوة إليه؛ لأن هذا مشتمل على الأمور الثلاثة؛ لأن معرفة الحق كونهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأمرهم بأمر، وهذا الأمر الذي يأمرهم به إذا عملوه دخلوا الجنة، فهذا فيه العلم أولاً ثم العمل ثانياً، ثم قال: وندعو إليه من وراءنا، بأن نبلغه الناس الذين جئنا منهم حتى يستفيدوا كما استفدنا.
    فهذه الأمور الثلاثة اشتمل عليها الحديث، وهي: العلم والعمل بالعلم، والدعوة إلى العلم أو إلى الحق والهدى، حيث قال: [نعمل به وندعو به من وراءنا]، وكذلك أيضاً فيه حرص الصحابة على معرفة الأسباب التي توصل إلى الجنة وتبلغ الإنسان إلى الجنة، ولهذا قالوا: إذا عملنا به دخلنا الجنة.
    وهذا فيه دليل على بطلان ما يحصل من بعض المتصوفة الذين يقولون: إنهم ما يعبدون الله رغبة في الجنة ولا خوفاً من النار، وإنما يعبدونه شوقاً إليه، فإن هؤلاء أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يقولون: إذا عملنا به دخلنا الجنة، فهم يبحثون عن شيء يدخل الجنة، وإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام يقول: وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ [الشعراء:85].
    فإذاً: هذا الكلام وهذه المناهج الجديدة والطرق الجديدة المحدثة التي ليست هي طريق خير هذه الأمة الذين هم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، كما قال ذلك مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمة الله عليه، لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
    فإذاً: الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كانوا يسألون عن الأعمال التي توصل إلى الجنة، ويبحثون عن الجنة، ويعبدون الله رغبةً في الجنة، ومن المعلوم أنهم يحبونه ويعظمونه ويعبدونه، ولكن كونهم يطلبون ويسألون الجنة شرع الله لهم ذلك، يعني: شرع لهم أن يدخلوا الجنة ويتعوذوا من النار: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
    قوله: (آمركم بثلاث وأنهاكم عن أربع، آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أن تشهدوا أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا الخمس من المغنم)، فهذه الثلاث التي حصل الأمر بها يمكن أن يكون المقصود بها الثلاثة التي هي إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وتأدية الخمس من المغنم، على اعتبار أن تلك هي الأصل التي هي الشهادة، ويمكن أن يكون المقصود الشهادة والأولى والثانية معها التي هي إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، التي هي ثابتة ومستقرة، وأما تلك فإنما تأتي بالمناسبة التي هي تأدية الخمس من المغنم، يعني: مع الجهاد في سبيل الله عز وجل، إذا وجد الجهاد ووجدت المغانم فإنهم يؤدون الخمس من المغانم.
    وهذا فيه دليل على دخول الأعمال في مسمى الإيمان؛ لأنه فسر الإيمان بأمور ظاهرة، وهذا لا ينافي ما جاء في حديث جبريل الذي فيه تفسير الإيمان بأنه (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)، وكلها أمور باطنة؛ لأنه في حديث جبريل ذكر الإيمان وفسره بالأمور الباطنة، وذكر الإسلام وفسره بالأمور الظاهرة، وأما هنا جاء مستقلاً ليس مقروناً، الذي هو الإيمان ليس مقروناً بالإسلام، ومن المعلوم أن الإسلام والإيمان من الألفاظ التي إذا جمع بينها في الذكر فرق بينها في المعنى، وإذا أفرد أحدهما عن الآخر اتسع للمعاني التي وزعت عند الاجتماع بأن يشمل الأمور الظاهرة والباطنة، فإن الإسلام عندما يأتي إطلاقه ليس مقروناً معه الإيمان يدخل فيه الأمور الظاهرة والباطنة: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا [آل عمران:85]، إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، يفهم بذلك الظاهر والباطن، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله، وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك الأمور الظاهرة والباطنة، ولكن يفرق بين الظاهرة والباطنة إذا ذكر الإيمان والإسلام، فيفسر الإيمان بما يناسبه وهو من الأمور الباطنة، ويفسر الإسلام بما يناسبه وهو الأمور الظاهرة، لأن المعنى اللغوي للإيمان وللإسلام، الإيمان يتعلق بالقلب في الأصل، والإسلام يتعلق بالجوارح، لكن عندما ينفرد أحدهما عن الآخر يتسع استيعاب الأمور الظاهرة والأمور الباطنة.
    ثم قال: (وأنهاكم عن أربع: عن الانتباذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت)، هذه أربع، يعني: أوعية نهى عن الانتباذ بها، وهذا نسخ كما عرفنا في حديث بريدة بن الحصيب : ( كنت نهيتكم عن الانتباذ في أوعية فانتبذوا في كل وعاء، ولا تشربوا مسكراً ).
    تراجم رجال إسناد حديث: (... وأنهاكم عن أربع: عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت)

    قوله: [أخبرنا أبو داود ].هو سليمان بن سيف الحراني ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثنا أبو عتاب وهو سهل بن حماد ].
    أبو عتاب، وهو: سهل بن حماد ، وهو صدوق أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
    [ حدثنا قرة ].
    هو قرة بن خالد ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ حدثنا أبو جمرة عن ابن عباس ].
    وقد مر ذكرهما.
    وممن روى عن ابن عباس أبو حمزة وهو القصاب ، وأبو جمرة وأبو حمزة بينهما اشتباه، يعني: في الرسم والشكل، وإنما الفرق بالنقط، يعني: هذا جمرة وهذا حمزة ، أبو جمرة وأبو حمزة ، فكل منهما يروي عن ابن عباس ، وأبو جمرة هو الذي يروي عنه حديث وفد عبد القيس، وأبو حمزة القصاب هو الذي يروي عنه حديث: ( لا أشبع الله بطنك ) في قصة معاوية الذي رواه مسلم في صحيحه، فإن مثل هذه الألفاظ من المؤتلف والمختلف، وهي الاتفاق في الرسم والشكل، واختلاف في النقط أو النطق، يعني: بحيث يكون مثل عقيل وعقيل، يعني: هذه بالشكل، وجمرة وحمزة بالنقط.
    شرح حديث ابن عباس في النهي عن النبيذ إذا غلى وسكن

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: أخبرنا سويد قال: أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي عن قيس بن وهبان أنه قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما قلت: إن لي جريرة أنتبذ فيها حتى إذا غلى وسكن شربته، قال: مذ كم هذا شرابك؟ قلت: مذ عشرون سنة أو قال: مذ أربعون سنة، قال: طالما تروت عروقك من الخبث ].قوله: (غلي) بالمقصورة ليس غلا، وغلى يغلي، وذاك غلا يغلو، إذا كانت بالألف غلا، تصير غلا يغلو من الغلو واوية، وأما إذا كانت يائية أي: من الغليان غلى يغلي، فهي غلى بالياء، إذا كانت أصلها واو تكون بالألف، مثل غلا، يعني: لام ألف، وأما إذا كانت ياء، تصير لام ياء، يعني: غلى، وهذا كثير مثل سما يسمو، ونبا ينبو، وعلا يعلو، بخلاف رقى يرقي، وغلى يغلي.
    قال: مذ كم هذا شرابك؟ قلت: مذ عشرون سنة.
    قوله: (طالما تروت)، يعني: هذه المدة الطويلة وعروقك تتروى من الخبث، هذا الذي إذا غلى هذه علامة الإسكار، إذا غلى واشتد وقذف به الزبد قالوا: هذه علامة الإسكار.
    قال: قيس بن وهبان قلت: سألت ابن عباس رضي الله عنهما قلت: إن لي جريرة أنتبذ فيها.
    جريرة تصغير جرة، (إذا غلى وسكن شربته)، يعني: معناه أنه وصل إلى حد الإسكار، أو قارب الإسكار؛ لأن الغليان هي علامة الإسكار، (قال: هذا الشراب الذي تشربه منذ كم سنة؟ قال: منذ عشرون أو أربعون، قال: طالما تروت عروقك من الخبث)، يعني: هذه المدة الطويلة وأنت تستعمل فيها هذا الخبيث، معناه أن ذلك لا يسوغ ولا يجوز، وقد مر أن الجرة واتخاذ الجرار أن ذلك محرم؛ لأنه يبادر إليه الإسكار ولا ينتبه له بخلاف الأسقية التي يطفو على جلودها وعلى ظهورها من الخارج إذا حصل شيء في داخلها، وقد أوكي عليها، فإنه يتبين، بخلاف تلك فإنها قد تسكر ولا يتبين، لكن ذلك نسخ.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في النهي عن النبيذ إذا غلى وسكن

    قوله:[ أخبرنا سويد قال: أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي ]سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قيس بن وهبان ].
    قيس بن وهبان ، وهو مقبول أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن ابن عباس ].
    وقد مر ذكره.
    يعني: الإسناد فيه المقبول هذا، لكن كما هو معلوم معناه متفق مع النصوص الأخرى التي فيها النهي عن الانتباذ في الجرار.
    ومما اعتلوا به حديث عبد الملك بن نافع عن عبد الله بن عمر


    شرح حديث: (... إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومما اعتلوا به حديث عبد الملك بن نافع عن عبد الله بن عمر .قال: أخبرنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم قال: أنبأنا العوام عن عبد الملك بن نافع أنه قال: قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( رأيت رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن، ودفع إليه القدح فرفعه إلى فيه، فوجده شديداً فرده على صاحبه، فقال له رجل من القوم: يا رسول الله أحرام هو؟ فقال: علي بالرجل، فأتي به، فأخذ منه القدح، ثم دعا بماء فصبه فيه فرفعه إلى فيه، فقطب، ثم دعا بماء أيضاً فصبه فيه، ثم قال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء ) ].
    استعمال الشراب السكر إذا كان قليلاً وهو من غير العنب، حديث أو رواية عبد الملك بن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قال ابن عمر : (رأيت رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه نبيذ وهو عند الركن ودفع إليه القدح فرفعه إلى فيه، فوجده شديداً فرده على صاحبه).
    قوله: [فوجده شديداً]، يعني: معناه أن رائحته كريهة أو أنه اشتد بمعنى أنه أسكر أو قارب الإسكار [فرده إلى صحابه، فقال رجل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: علي بالرجل، فلما جاء أخذ القدح وأضاف إليه ماء، ثم رفعه إلى فيه فقطب]، يعني: حصل عبوس يعني: قطب جبينه، معناه أنه ما أعجبه ذلك الشيء، ثم زاده في الماء مرةً أخرى، ثم قال: إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء)، يعني: إذا هذه الأوعية حصل فيها الانتباذ ووجد شيء من هذا القبيل الذي هو كونها مسكرة أو مشتبه بأنها مسكرة أضيفوا إليه الماء واكسروها بالماء، وهذا الأثر غير صحيح، وهو يخالف الأحاديث الصحيحة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضاً المعنى غير صحيح، وهو أن الشيء إذا وصل إلى حد الإسكار فإنه لا تجوز معالجته بأن يضاف إليه شيء، بل تجب إراقته وإتلافه، وقد جاءت الأحاديث في منع مثل ذلك، كما سبق أن مر وكما سيأتي.
    تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء)

    قوله: [أخبرنا زياد بن أيوب ].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي .
    [ حدثنا هشيم ].
    هو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أنبأنا العوام ].
    هو العوام بن حوشب ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الملك بن نافع ].
    عبد الملك بن نافع، وهو مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن ابن عمر ].
    ابن عمر وقد مر ذكره.
    طريق أخرى لحديث: (إذا اغتلمت عليكم هذه الأوعية فاكسروا متونها بالماء) وتراجم رجال إسنادها

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: وأخبرنا زياد بن أيوب عن أبي معاوية قال: حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن عبد الملك بن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بنحوه ].أورد النسائي حديث ابن عمر بإسناد آخر، وأحال على ما تقدم قال: بنحوه، يعني: أنه مقارب له في الألفاظ، ومتفق معه في المعنى.
    قوله:[ أخبرني زياد بن أيوب عن أبي معاوية] .
    أبو معاوية هو: محمد بن خازم الضرير الكوفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا أبو إسحاق الشيباني ].
    وهو: سليمان بن أبي سليمان، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن عبد الملك بن نافع عن ابن عمر ].
    عبد الملك بن نافع عن ابن عمر وقد مر ذكرهما.
    [ قال أبو عبد الرحمن : عبد الملك بن نافع ليس بالمشهور ولا يحتج بحديثه، والمشهور عن ابن عمر رضي الله عنهما خلاف حكايته ].
    بعدما ذكر النسائي الحديثين أو الطريقين عن عبد الملك بن نافع قال: عبد الملك بن نافع ليس مشهور ولا يحتج بحديثه، وجاءت الطرق عن ابن عمر تخالف حكايته، يعني: تخالف ما جاء عنه، على خلاف ما ذكره هذا الذي فيه كونه يصب عليه ماءً وأنه يعالج وأنه كذا، جاء أن (ما أسكر كثيره فقليله حرام).
    يعني: ذكر بعد ذلك الأحاديث التي فيها الإشارة إلى ما يدل على خلافه.
    شرح أثر ابن عمر: (أن رجلاً سأله عن الأشربة فقال: اجتنب كل شيء ينش)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا سويد بن نصر قال: أخبرنا عبد الله عن أبي عوانة عن زيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً سأل عن الأشربة، فقال: اجتنب كل شيء ينش ].أورد النسائي أثر ابن عمر أنه سأله رجل عن الأشربة فقال: اجنتب كل شيء ينش، يعني: كل شيء يسكر.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر: (أن رجلاً سأله عن الأشربة فقال: اجتنب كل شيء ينش)

    قوله:[ أخبرنا سويد بن نصر أخبرنا عبد الله عن أبي عوانة ].أبو عوانة، هو: الوضاح بن عبد الله اليشكري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن زيد بن جبير] .
    هو زيد بن جبير بن حرمل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عمر] .
    وقد مر ذكره.
    أثر ابن عمر: (... اجتنب كل شيء ينش) من طريق أخرى

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: أخبرنا قتيبة قال: أخبرنا أبو عوانة عن زيد بن جبير أنه قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما عن الأشربة، فقال: اجتنب كل شيء ينش ].وهذا مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا قتيبة أخبرنا أبو عوانة عن زيد بن جبير عن ابن عمر ].
    وقد مر ذكرهم.
    أثر ابن عمر: (المسكر قليله وكثيره حرام) وتراجم رجال إسناده


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: أخبرنا سويد قال: أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي عن محمد بن سيرين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: المسكر قليله وكثيره حرام ].أورد النسائي الأثر عن ابن عمر : (المسكر قليله وكثيره حرام)، وهذا يخالف ما جاء عن عبد الملك بن نافع .
    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي عن محمد بن سيرين ]،
    محمد بن سيرين ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر ].
    أثر ابن عمر: (كل مسكر خمر وكل مسكر حرام) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال: الحارث بن مسكين قراءةً عليه وأنا أسمع عن ابن القاسم أخبرني مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كل مسكر خمر وكل مسكر حرام ].أورد النسائي أثر عن ابن عمر : (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)، وهذه الآثار عن ابن عمر تخالف ما جاء عن عبد الملك بن نافع المتقدم.
    قوله:[ قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].
    الحارث بن مسكين، ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
    [ عن ابن القاسم ].
    هو: عبد الرحمن بن القاسم، ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي .
    [أخبرني مالك ].
    هو مالك بن أنس، إمام دار الهجرة، المحدث، الفقيه، الإمام المشهور.
    [ عن نافع عن ابن عمر].
    هو مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    حديث ابن عمر: (حرم الله الخمر وكل مسكر حرام) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت شبيباً وهو ابن عبد الملك يقول: حدثني مقاتل بن حيان عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( حرم الله الخمر وكل مسكر حرام ) ].أورد النسائي حديث ابن عمر أيضاً، قال: ( حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر وكل مسكر حرام ).
    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى ].
    هو محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [ حدثنا المعتمر ].
    هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ سمعت شبيباً هو ابن عبد الملك ].
    شبيب بن عبد الملك، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
    [ حدثني مقاتل بن حيان ].
    مقاتل بن حيان ، وهو صدوق، أخرج حديثه أخرجه مسلم وأصحاب السنن.
    [ عن سالم بن عبد الله ].
    هو: سالم بن عبد الله بن عمر، ثقة، فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه ].
    وقد مر ذكره.
    حديث ابن عمر: (كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [قال: أخبرنا الحسين بن منصور يعني: ابن جعفر النيسابوري قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر ) ].أورد النسائي حديث ابن عمر من طريق أخرى، وهو مثلما تقدم.
    قوله:[ أخبرنا الحسين بن منصور ].
    الحسين بن منصور يعني: ابن جعفر النيسابوري وهو ثقة أخرج حديثه البخاري والنسائي ، وقوله: يعني: القائل هذا هو من دون النسائي، وهذا يبين لنا أن هذه الإضافة أو التي تكون في أثناء الإسناد والتوضيح أنها قد تكون ممن دون النسائي ؛ النسائي لا يقول عن شيخه يعني، وإنما الذي قالها من دونه، من دونه ولم يقل يعني؛ يعني: أن النسائي يعني بفلان هو ابن جعفر النيسابوري .
    [ حدثنا يزيد بن هارون ].
    هو يزيد بن هارون الواسطي مر ذكره.
    [ أخبرنا محمد بن عمرو] .
    هو: محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي سلمة ].
    هو أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ، ثقة، فقيه، أحد الفقهاء الذين اشتهروا في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن عمر ].
    وقد مر ذكره.
    [ قال أبو عبد الرحمن : وهؤلاء أهل الثبت والعدالة مشهورون بصحة النقل، وعبد الملك لا يقوم مقام واحد منهم، ولو عاضده من أشكاله جماعة وبالله التوفيق ].
    يعني: لما ذكر ما يتعلق برواية عبد الملك بن نافع ، وذكر ما يخالفها من رواية الثقات الذين هم أهل الثبت والعدالة أتى بهذا التعقيب يبين بأن هؤلاء هم الذين يعول على ما جاء عنهم بخلاف ذاك فإنه لا يحتج بحديثه، ولو عاضده من أشكاله جماعة.
    شرح أثر ابن عمر في شرب نبيذ الزبيب

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد حدثنا عبد الله عن عبيد الله بن عمر السعيدي حدثتني رقية بنت عمرو بن سعيد أنها قالت: كنت في حجر ابن عمر رضي الله عنهما فكان ينقع له الزبيب فيشربه من الغد، ثم يجفف الزبيب ويلقى عليه زبيب آخر، ويجعل فيه ماء فيشربه من الغد، حتى إذا كان بعد الغد طرحه ].أورد النسائي هذا الأثر عن ابن عمر أنه كانت في حجر ابن عمر، رقية بنت عمرو بن سعيد ، وأنه كان ينقع له الزبيب فيشربه من الغد، يعني: في ليلة واحدة، ثم يجفف الزبيب يعني: هذا الذي كان منقعاً، ويلقى عليه زبيب آخر يعني مع الأول، ويجعل فيه ماء ويشربه من الغد، ومن المعلوم أن مثل هذا لا يسكر؛ لأن الوقت قصير.
    قوله: (حتى إذا كان بعد الغد طرحه)، يعني: ما تركه تطول مدته.
    طبعاً هو من حيث عدم الإسكار هو للجميع، أقول: هو للجميع من حيث عدم الإسكار، حتى القائلين أو المخالفين لهم يقولون بأن الشيء الذي لا يسكر كثيره وقليله حلال، الكثير والقليل، وإنما الحرام هو (ما أسكر كثيره فإن قليله حرام)، وهذا محل خلاف بعض الكوفيين مع الجمهور.
    على كل هو الذي يشربه أو الذي شربه لا يشرب شيئاً يسكر لا قليل ولا كثير، الذي هو ابن عمر .
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر في شرب نبيذ الزبيب

    قوله:[ أخبرني سويد حدثنا عبد الله عن عبيد الله بن عمر السعيدي ].هو عبيد الله بن عمر السعيدي، مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ حدثني رقية بنت عمرو بن سعيد ].
    وهي مقبولة، أخرج حديثها النسائي وحده.
    [ عن ابن عمر ].
    [قال: واحتجوا بحديث أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه ].
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #508
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (505)


    - (تابع باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر) إلى (باب ذكر ما يجوز شربه من الطلاء وما لا يجوز)




    حرم الشرع الشراب المسكر بكل أنواعه، وأمر بإراقته، وأحل النبيذ إذا لم يسكر، وتوعد شارب الخمر بعقوبة في الدنيا والآخرة، وحث على ترك الشبهات، وحرم بيع العنب أو غيره لمن يتخذه خمراً، وذلك سد للذريعة المفضية للحرام.
    تابع ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر


    شرح حديث أبي مسعود في شرب النبي من نبيذ بعد أن صب عليه من زمزم

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [واحتجوا بحديث أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه. أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان قال: أنبأنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن منصور، عن خالد بن سعد، عن أبي مسعود رضي الله عنه أنه قال: (عطش النبي صلى الله عليه وآله وسلم حول الكعبة فاستسقى، فأتي بنبيذ من السقاية، فشمه فقطب، فقال: علي بذنوب من زمزم، فصب عليه ثم شرب، فقال رجل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا)، وهذا خبر ضعيف؛ لأن يحيى بن يمان انفرد به دون أصحاب سفيان ويحيى بن يمان لا يحتج بحديثه لسوء حفظه، وكثرة خطئه].
    فالتراجم التي تحتها هذا الحديث وما قبله من الأحاديث وما بعده من الأحاديث، هي ذكر الأخبار التي اعتل بها من أباح شراب السكر، و(اعتل) أي: جعلها علة كما عرفنا، وهي مثل معنى الحجة، فلهذا عبر في بعض المواضع بدل العلة الحجة، قال: ومما احتجوا به، بدلاً من قوله: ومما اعتلوا به، ومعناهما واحد؛ لأن اعتل بمعنى جعله علة، واحتج يعني: جعله حجة، فالاعتلال هنا بمعنى الاحتجاج، كما سبق أن عرفنا ذلك.
    وأورد النسائي رحمه الله حديث عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه، أبو مسعود البدري : (أن النبي صلى الله عليه وسلم عطش فأتي بنبيذ فقربه إلى فيه فقطب جبينه، ثم طلب ماء من زمزم وصب عليه، ثم شرب، فقال رجل: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا)، احتجاجهم بالحديث على اعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل: (أحرام هو؟ قال: لا)، والحديث ليس بصحيح، ولو صح فإنه محمول على ما كان قبل الإسكار، ولم يصل إلى حد الإسكار، وأضيف إليه ماء فغير من حاله، وأما إذا كان مسكراً، فإنه لا يجوز معالجته ولا إضافة شيء إليه، وإنما تجب إراقته، فاعتلالهم بالحديث، أو احتجاجهم به على اعتبار أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عنه قال: أحرام هو؟ ولكن كما هو معلوم الشيء الذي هو سائغ وجاءت به الأحاديث هو الذي لم يسكر، وأما الذي وصل إلى حد الإسكار فالنصوص الكثيرة الواردة في التنصيص عليه دالة على أنه غير سائغ، وأنه لا تجوز معالجته، ولا إضافة شيء إليه، وإنما تجب إراقته.
    تراجم رجال إسناد حديث أبي مسعود في شرب النبي من نبيذ بعد أن صب عليه من زمزم

    قوله: [أخبرنا الحسن بن إسماعيل بن سليمان].الحسن بن إسماعيل بن سليمان ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن يحيى بن يمان].
    صدوق، يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [عن سفيان].
    هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن منصور].
    هو منصور بن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن خالد بن سعد].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن أبي مسعود].
    هو أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    قوله: [فأتي بنبيذ من السقاية].
    لعله المكان الذي يسقى فيه الناس، أو الذي يتخذ لسقاء الناس، وكانوا في الجاهلية يتخذون أماكن ينبذون فيها الشيء حتى يكون حلواً ويسقونه الحجاج، فالسقاية يعني: المكان الذي يسقى، سواء كان سقاية الحجاج أو غير سقاية الحجاج.
    قوله: وهذا خبر ضعيف لأن يحيى بن يمان انفرد به دون أصحاب سفيان، ويحيى بن يمان لا يحتج بحديثه لسوء حفظه، وكثرة خطئه. يعني: العلة هي في ضعف يحيى بن يمان، لكنه لو صح فإنه محمول على أنه لم يصل إلى حد الإسكار.
    شرح حديث: (... فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا علي بن حجر، حدثنا عثمان بن حصن، حدثنا زيد بن واقد، عن خالد بن حسين أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: (علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم في بعض الأيام التي كان يصومها، فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء، فلما كان المساء جئته أحملها إليه، فقلت: يا رسول الله، إني قد علمت أنك تصوم في هذا اليوم، فتحينت فطرك بهذا النبيذ، فقال: أدنه مني يا أبا هريرة، فرفعته إليه فإذا هو ينش، فقال: خذ هذه فاضرب بها الحائط، فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر)]. أورد النسائي رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (أنه تحين فطر رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم كان صائماً فيه، فانتبذ نبيذاً في دباء، وأتى به النبي صلى الله عليه وسلم في حين إفطاره، فالرسول صلى الله عليه وسلم رآه ينش) يعني: يغلي، وهذه علامة الإسكار أو مقاربة الإسكار، فقال: (خذه واضرب به عرض الحائط)، ثم قال: (فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر)، المقصود من ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى علامة الإسكار وكونه ينش، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإراقته، وأن يضرب به عرض الحائط، معناه أنه يتلف ولا يستفاد منه، وأخبر عليه الصلاة والسلام بأن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر الذي هو الخمر، والذي يشربها هم إما كفار يستحلونها، أو عصاة يحصل منهم الوقوع في المعاصي، ويغيب عنهم ما يجري في اليوم الآخر من العذاب، ولهذا يقدمون على فعل المعاصي؛ لأنهم لا يتنبهون أو لا يتذكرون العذاب الذي يكون يوم القيامة، وهذا هو المقصود من ذكر اليوم الآخر؛ لأن التذكير به، والتنبيه عليه؛ لأنه يوم الجزاء والحساب الذي يجازى الناس فيه بأعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، كما قال عز وجل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].
    تراجم رجال إسناد حديث: (... فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر)

    قوله: [أخبرنا علي بن حجر].ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.
    [عن عثمان بن حصن].
    ثقة، أخرج حديثه أبو داود في المراسيل، والنسائي.
    [حدثنا زيد بن واقد].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن خالد بن حسين].
    هو خالد بن عبد الله بن حسين، وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [سمعت أبا هريرة].
    هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق.
    شرح أثر عمر: (إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومما احتجوا به فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.أخبرنا سويد، أخبرنا عبد الله، عن السري بن يحيى، حدثنا أبو حفص، إمام لنا، وكان من أسنان الحسن، عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء. قال عبد الله : من قبل أن يشتد].
    أورد النسائي رحمه الله هذا الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهو أن عمر رضي الله عنه قال: إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء، يعني: أضيفوا إليه ماء حتى تُذهبوا شدته، وقال عبد الله الذي هو أحد رواة الحديث وهو عبد الله بن المبارك : من قبل أن يشتد، يعني: من قبل أن يصل إلى حد الإسكار، وهذا هو المناسب واللائق في حق عمر : أن المقصود به إذا صح، والأثر في إسناده من هو مجهول، لكن لو صح فإنه محمول على ما كان غير مسكر، يعني: مما هو قبل الإسكار، فيضاف إليه شيء يبعده عن الوصف الذي قد قاربه وإن لم يصل إليه، أما إذا وصل إلى حد الإسكار فإنه تجب إراقته.
    تراجم رجال إسناد أثر عمر: (إذا خشيتم من نبيذ شدته فاكسروه بالماء ...)

    قوله: [أخبرنا سويد].هو سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [أخبرنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن السري بن يحيى].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، والنسائي.
    [حدثنا أبو حفص].
    مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    وقوله: [حدثنا أبو حفص إمام لنا وكان من أسنان الحسن].
    يعني: أسنان الحسن البصري، يعني: سنه مثل سنه.
    [عن أبي رافع].
    هو نفيع الصائغ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن عمر رضي الله عنه].
    وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر عمر: (تلقت ثقيف عمر بشراب ... فدعا به فكسره بالماء، فقال: هكذا فافعلوا)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا عبد الأعلى حدثنا سفيان عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: تلقت ثقيف عمر رضي الله عنه بشراب، فدعا به، فلما قربه إلى فيه كرهه، فدعا به فكسره بالماء، فقال: هكذا فافعلوا].أورد النسائي رحمه الله الأثر عن عمر، وهو قريب من الذي قبله، يعني: كره الشيء لكونه قد قارب الإسكار، وأضاف إليه ماء، وقال: هكذا فافعلوا، يعني: إذا كان من هذا القبيل، أما إذا كان مسكراً، فإنه تجب إراقته ولا يجوز استعماله.
    تراجم رجال إسناد أثر عمر: (تلقت ثقيف عمر بشراب ... فدعا به فكسره بالماء، فقال: هكذا فافعلوا)

    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى].هو زكريا بن يحيى السجزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا عبد الأعلى].
    هو عبد الأعلى بن حماد، وهو لا بأس به، أخرج حديثه البخاري، ومسلم ، وأبو داود، والنسائي .
    [حدثنا سفيان].
    هو ابن عيينة، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن يحيى بن سعيد].
    هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أنه سمع سعيد بن المسيب].
    ثقة، فقيه من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [تلقت ثقيف عمر].
    وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد مر ذكره.
    شرح أثر عتبة بن فرقد: (كان النبيذ الذي يشربه عمر قد خلل)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو بكر بن علي قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا عبد الصمد، عن أبيه، عن محمد بن جحادة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عتبة بن فرقد رضي الله عنه أنه قال: كان النبيذ الذي يشربه عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد خلل]. أورد النسائي رحمه الله الأثر عن عمر رضي الله عنه، النبيذ الذي كان يشربه قد خلل، يعني: هو خل، يعني: فيه حموضة، ولم يصل إلى حد الإسكار.
    تراجم رجال إسناد أثر عتبة بن فرقد: (كان النبيذ الذي يشربه عمر قد خلل)

    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي].هو أحمد المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا أبو خيثمة].
    هو أبو خيثمة زهير بن حرب، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا الترمذي .
    [حدثنا عبد الصمد].
    هو عبد الصمد بن عبد الوارث، وهو صدوق، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    وأبوه هو عبد الوارث بن سعيد العنبري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن جحادة].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إسماعيل بن أبي خالد].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن قيس بن أبي حازم].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عتبة بن فرقد].
    صحابي، أخرج حديثه النسائي وحده.
    شرح أثر عمر: (إني وجدت من فلان ريح شراب... فإن كان مسكراً جلدته ...)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ومما يدل على صحة هذا حديث السائب .قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع: عن ابن القاسم حدثني مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أنه أخبره أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج عليهم فقال: إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، وأنا سائل عما شرب، فإن كان مسكراً جلدته، فجلده عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحد تاماً].
    أورد النسائي رحمه الله أثر عمر وقال: إنه يدل على صحة حديث السائب، يعني: أنه لم يصل إلى حد الإسكار، وأما ما وصل إلى حد الإسكار فـعمر يجلد على شربه وعلى استعماله إذا كان يصل إلى حد الإسكار، وإذاً: فالشيء الذي شربه عمر هو من قبيل ما لم يصل إلى حد الإسكار، يعني: الذي هو خل فيه حموضة يضاف إليه ماء حتى يكسر حموضته ويخففها أو يزيلها، وأما إذا كان وصل إلى حد الإسكار فإن عمر رضي الله عنه، يجلد عليه الحد.
    إذاً: الذي شربه عمر من قبيل ما لم يصل إلى حد الإسكار؛ لأنه جلد من حصل منه ذلك، أي: الشيء الذي يسكر أو الذي يصل إلى حد الإسكار، قال:
    (إني وجدت من فلان ريح شراب، فزعم أنه شراب الطلاء، وأنا سائل عما شرب، فإن كان مسكراً جلدته، فجلده عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحد تاماً)، يمكن أن يكون المقصود أنه جلده ثمانين.
    تراجم رجال إسناد أثر عمر: (إني وجدت من فلان ريح شراب... فإن كان مسكراً جلدته ...)

    قوله: [قال الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع].الحارث بن مسكين، هو ثقة، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي .
    [عن ابن القاسم].
    هو عبد الرحمن بن القاسم، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود في المراسيل، والنسائي .
    [حدثني مالك].
    هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور.
    [عن ابن شهاب].
    هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن السائب بن يزيد].
    صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [أن عمر بن الخطاب].
    وعمر رضي الله عنه قد مر ذكره.
    ذكر ما أعد الله عز وجل لشارب المسكر من الذل والهوان وأليم العذاب


    شرح حديث: (إن الله عز وجل عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر ما أعد الله عز وجل لشارب المسكر من الذل والهوان وأليم العذاب.أخبرنا قتيبة حدثنا عبد العزيز عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً من جيشان، وجيشان من اليمن؛ قدم فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شراب يشربونه بأرضهم من الذرة يقال له: المزر، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أمسكر هو؟ قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كل مسكر حرام، إن الله عز وجل عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار، أو قال: عصارة أهل النار)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه التراجم، وهي: ذكر ما أعد الله لشارب المسكر من الذل، والهوان، وأليم العذاب. وأورد فيه حديث جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من جيشان، وجيشان من اليمن؛ فقال: إن عندهم شراب يشربونه يتخذونه من الذرة يقال له: المزر، فقال: أمسكر هو؟ قال: نعم، قال: كل مسكر حرام)، يعني: سأله عليه الصلاة والسلام عن هذا الشراب الذي يسمونه المزر ويتخذ من الذرة، سأل: هل هو مسكر أو غير مسكر، فلما أخبر بأنه مسكر قال: (كل مسكر حرام)، يعني: كل ما كان متصفاً بهذا الوصف فهو حرام من أي شيء كان، سواء كان من الذرة، أو من الشعير، أو من التمر، أو من الزبيب، أو من العنب من أي شيء، مادام أنه يصل إلى حد الإسكار فإنه يكون حراماً، ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم يأتي بالكلام العام الذي يشمل المسؤول عنه وغير المسؤول عنه، ما اكتفى وقال: هو حرام فقط، المزر الذي يسكر حرام، وإنما قال: (كل مسكر حرام)، يعني: يدخل هذا وغيره، فهذا السؤال خاص، والجواب عام، يندرج فيه ذلك الخاص، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، يأتي بالقليل المبنى الواسع المعنى؛ لأنه سئل عن شراب يقال له: المزر، وعرف أنه مسكر، فقال: (كل مسكر حرام)، يعني: هذا وغيره من كل ما يسكر.
    (إن الله عهد لمن شرب المسكر)، بعدما ذكر أن كل مسكر حرام، قال: (من شرب المسكر عهد الله أنه يسقيه من طينة الخبال)، وطينة الخبال: هي عصارة أهل النار، أو عرق أهل النار، وهذا فيه ذل وهوان، وعذاب شديد، يعني: كونه يشرب من هذا الماء الذي هو عصارة أهل النار وعرق أهل النار، يعني: هذا فيه ذلة، وهوان، وعذاب شديد والعياذ بالله.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الله عز وجل عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)

    قوله: [أخبرنا قتيبة].هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا عبد العزيز].
    هو عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمارة بن غزية].
    لا بأس به، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [عن أبي الزبير].
    هو أبو الزبير محمد بن تدرس المكي، وهو صدوق، يدلس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن جابر].
    هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    الحث على ترك الشبهات


    شرح حديث: (إن الحلال بين وإن الحرام بين وإن بين ذلك أموراً مشتبهات ...)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الحث على ترك الشبهات.أخبرنا حميد بن مسعدة عن يزيد وهو ابن زريع عن ابن عون عن الشعبي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وإن بين ذلك أموراً مشتبهات، وربما قال: وإن بين ذلك أموراً مشتبهة، وسأضرب في ذلك مثلاً: إن الله عز وجل حمى حِمى، وإن حِمى الله ما حرم، وإنه من يرع حول الحِمى يوشك أن يخالط الحمى، وربما قال: يوشك أن يرتع، وإن من خالط الريبة يوشك أن يجسر)].
    أورد النسائي رحمه الله هذه التراجم وهي الحث على ترك الشبهات، يعني: المتردد بين الحرمة والحل، والمشتبه في كونه حراماً، فالاحتياط تركه والورع تركه، هذا هو المقصود من التراجم، وقد أورد النسائي حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنهما، الحديث المشهور: (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثيراً من الناس)، وقد رواه البخاري ومسلم وغيرهما بألفاظ مختلفة، ورواه النسائي بهذا اللفظ، قال: (إن الحلال بين والحرام بين، وإن بين ذلك)، يعني: بين الحلال والحرام مشتبه هل هو حلال أو حرام؟ متردد بين أن يكون حلالاً أو حراماً، فهذا الورع تركه؛ أنه يترك: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
    (وسأضرب في ذلك مثلاً: إن الله عز وجل حمى حِمى، وإن حِمى الله ما حرم).
    ومن المعلوم أن الإنسان إذا كان بعيداً عن الحمى، فإنه يسلم من الوقوع في الحمى، وأما إذا كان قريباً من الحمى يوشك أن يقع فيه، يعني: قال: (كالراعي يرعى حول الحِمى يوشك أن يقع فيه) إذا كان قريباً، الإنسان إذا أتى بغنمه إلى مكان محمي منع من الوصول إليه، وهي على حد الحِمى فإنها قد تقع في الحِمى، لكن إذا كانت بعيدة عن الحِمى فإنها لا تقع فيه؛ لأنها ليست قريبة منه، وإنما الذي يكون قريباً هو الذي يمكن أن يقع، ومن كان بعيداً يسلم من الوقوع.
    (وإنه من يرع حول الحِمى يوشك أن يخالط الحِمى).
    يعني: يقع في الحمى.
    (وربما قال: يوشك أن يرتع)، يعني: يحصل للرعي أن غنمة ترعى من ذلك الذي هو محمي.
    (وإن من خالط الريبة يوشك أن يجسر)، على الشيء الذي فيه ريبة وفيه حرام واضح، يعني: الشيء الذي يرتاب فيه، ويتردد فيه الذي يخالط الريبة، أي: الذي يقع في الشيء المشتبه، يوشك أن يجسر بأن يقع في المحرم، ويصير عنده وصول إلى المحرم.
    تراجم رجال إسناد حديث: (إن الحلال بين وإن الحرام بين وإن بين ذلك أموراً مشتبهات ...)

    قوله: [أخبرنا حميد بن مسعدة].هو حميد بن مسعدة البصري، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
    [عن يزيد وهو ابن زريع].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن عون].
    هو عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي].
    هو عامر بن شراحيل الشعبي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن النعمان بن بشير].
    هو صحابي ابن صحابي، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهذا الحديث قال فيه النعمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، والنعمان توفي رسول الله عليه الصلاة والسلام وعمره ثمان سنوات، فهذا مما يتحمله الصغير في حال صغره، ويؤديه في حال كبره، وهذا معتبر عند المحدثين كون الصغير يتحمل في حال الصغر، ويؤدي في حال الكبر، أو الكافر يتحمل في حال الكفر، ويؤدي في حال الإسلام؛ لأن العبرة هي في حال الأداء، وهنا النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا، والرسول عليه الصلاة والسلام توفي وعمره ثمان سنوات، يعني: أنه سمع قبل أن يصل إلى هذه السن التي توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بلغها.
    شرح حديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن أبان حدثنا عبد الله بن إدريس أخبرنا شعبة عن بريد بن أبي مريم عن أبي الحوراء السعدي أنه قال: قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: (ما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: حفظت منه: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)]. أورد النسائي رحمه الله حديث الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، أنه حفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، يعني: الشيء الذي في نفسك منه شيء اتركه إلى شيء لا تتردد فيه، يعني: دع المشتبه وخذ بالحلال البين الذي لا شبهة فيه، وأما الشيء الذي يشتبه فيه فالاحتياط تركه، والورع تركه، وهذا من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، ولهذا النووي رحمه الله، ذكر هذا الحديث والذي قبله في الأربعين النووية، حديث: (إن الحلال بين والحرام بين)، وحديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)، وهما من جوامع كلمه عليه الصلاة والسلام، والأربعين النووية هي من أحاديث جوامع الكلم.
    ولهذا الحافظ ابن رجب لما أضاف إليها ثمانية أحاديث، وصارت خمسيناً شرحها في كتاب سماه، (جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم).
    تراجم رجال إسناد حديث: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)

    قوله: [أخبرنا محمد بن أبان].ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأصحاب السنن.
    [حدثنا عبد الله بن إدريس].
    هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا شعبة].
    هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن بريد بن أبي مريم].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [عن أبي الحوراء السعدي].
    هو ربيعة بن شيبان، ثقة أخرج له أصحاب السنن.
    [.. قلت لـالحسن بن علي].
    هو الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وهو أحد السبطين رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما وعن الصحابة أجمعين، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة.
    الكراهية في بيع الزبيب لمن يتخذه نبيذاً


    شرح أثر طاوس: (أنه كان يكره أن يبيع الزبيب لمن يتخذه نبيذاً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الكراهية في بيع الزبيب لمن يتخذه نبيذاً.أخبرنا الجارود بن معاذ هو أبو داود حدثنا أبو سفيان محمد بن حميد عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه: أنه كان يكره أن يبيع الزبيب لمن يتخذه نبيذاً].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة، وهي الكراهية في بيع الزبيب لمن يتخذه نبيذاً، والمقصود بالنبيذ أي: الذي يسكر، وأما إذا كان شيئاً لا يسكر، فإنه لا بأس بذلك، والكراهة هنا بمعنى التحريم؛ لأنه إذا عرف بأن الذي يشتري الزبيب مهمته أنه يفعل هذا الفعل، فإنه لا يجوز؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان، ومن الإعانة على المعصية، وهذا من سد الذرائع؛ يعني: كونه يمنع من بيعه على من يتخذ منه الخمر، لأن فيه سداً للذريعة الموصلة إلى المحرم، وقد أورد النسائي الأثر عن طاوس بن كيسان رحمه الله، قال: [إنه كان يكره أن يبيع الزبيب لمن يتخذه نبيذاً].
    تراجم رجال إسناد أثر طاوس: (أنه كان يكره أن يبيع الزبيب لمن يتخذه نبيذاً)

    قوله: [أخبرنا الجارود بن معاذ].ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي .
    [حدثنا أبو سفيان محمد بن حميد].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه .
    [عن معمر].
    هو معمر بن راشد الأزدي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن طاوس].
    هو عبد الله بن طاوس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو طاوس، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    الكراهية في بيع العصير


    شرح أثر سعد في كراهية بيع عصير العنب

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [الكراهية في بيع العصير.أخبرنا سويد أنبأنا عبد الله عن سفيان بن دينار عن مصعب بن سعد أنه قال: كان لـسعد رضي الله عنه كروم وأعناب كثيرة، وكان له فيها أمين، فحملت عنباً كثيراً، فكتب إليه: إني أخاف على الأعناب الضيعة، فإن رأيت أن أعصره عصرته، فكتب إليه سعد: إذا جاءك كتابي هذا فاعتزل ضيعتي، فوالله لا ائتمنك على شيء بعده أبداً، فعزله عن ضيعته].
    أورد النسائي رحمه الله هذه الترجمة: الكراهية في بيع العصير، يعني: الذي هو عصير العنب، المقصود من ذلك الشيء الذي يكون مسكراً أو يشتبه بأن يكون مسكراً، وإلا فإنه إذا كان غير مسكر فإنه مباح، وقد أورد النسائي أثر سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه، عن مصعب قال: [كان لـسعد كروم وأعناب كثيرة، وكان له فيها أمين، فحملت عنباً كثيراً فكتب إليه: إني أخاف على الأعناب الضيعة، فإن رأيت أن أعصره عصرته].
    أثر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه كان له أعناب كثيرة، [وكان له أمين]، يعني: شخص مسؤول عنها، يعني: عن رعايتها والقيام بشؤونها (فكتب له: إنني أخشى على أعناب الضيعة) معناه: أن العنب كثير ويخشى عليه أنه إذا ما عصر أنه يضيع، ولا يستفاد منه، فإن رأيت أن أعصره عصرته، فـسعد رضي الله عنه، رأى أن يعزله، وأن يتخلص منه، وألا يبقى في بستانه؛ لأن هذا كونه يعصره فيه وسيلة إلى الخمر، وإن كان قد لا يصل إلى الخمر، لكن هذا من باب الورع والاحتياط؛ لأن كونه يتخذ مثل ذلك، أو يقدم إلى مثل ذلك، وإن كان في أصله مباحاً إلا أنه قد يؤدي إلى الحرمة، بحيث يصل إلى حد الإسكار ذلك العصر، فهو ليس لأن العصير محرم في حد ذاته، مادام أنه لم يصل إلى حد الإسكار فهو مباح، ولكن هذا من باب الورع خشية أن يصل إلى حد الإسكار، أو يكون ذلك وسيلة إلى أن يصل هذا الذي يعصر إلى حد الإسكار، ومن أجل ذلك عزله وقال له: اعتزل ضيعتي ولا تعمل فيها.
    تراجم رجال إسناد أثر سعد في كراهية بيع عصير العنب

    قوله: [أخبرنا سويد أنبأنا عبد الله عن سفيان بن دينار].سفيان بن دينار ثقة، أخرج له البخاري، والنسائي .
    [عن مصعب بن سعد].
    هو مصعب بن سعد بن أبي وقاص، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [كان لـسعد].
    هو سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر ابن سيرين: (بعه عصيراً ممن يتخذه طلاء ولا يتخذه خمراً)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن هارون بن إبراهيم عن ابن سيرين أنه قال: بعه عصيراً ممن يتخذه طلاء ولا يتخذه خمراً].وهذا أثر عن ابن سيرين: (بعه عصيراً لمن يتخذه طلاء ولا يتخذه خمراً)، وهذا يبين أن العصير في حد ذاته أنه سائغ، وإذا بيع العصير على من يتخذه طلاء ولا يتخذه خمراً، فإن ذلك سائغ، وأما من يتخذه خمراً، فإن ذلك لا يجوز، والطلاء هو الذي يطبخ حتى يتعقد ويصير كالطلاء الذي تطلى به الإبل.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن سيرين: (بعه عصيراً ممن يتخذه طلاء ولا يتخذه خمراً)

    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن هارون بن إبراهيم].هارون بن إبراهيم ثقة، أخرج حديثه النسائي .
    [عن ابن سيرين].
    وهو محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    ذكر ما يجوز شربه من الطلاء وما لا يجوز


    شرح أثر عمر: (أنه كتب إلى بعض عماله: أن ارزق المسلمين من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر ما يجوز شربه من الطلاء وما لا يجوز.أخبرنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر سمعت منصوراً عن إبراهيم عن نباتة عن سويد بن غفلة أنه قال: كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله: أن ارزق المسلمين من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه].
    أورد النسائي رحمه الله ما يجوز شربه من الطلاء وما لا يجوز، والطلاء هو عصير العنب الذي يطبخ حتى يشتد، معناه: أنه يكون ثخيناً بدل ما يكون سائلاً مائعاً ذائباً، يكون ثخيناً متعقداً، ويكون كالطلاء الذي تطلى به الإبل، فهذا هو المقصود بالطلاء، وقد أورد النسائي أثر عمر بن الخطاب [أن ارزق المسلمين من الطلاء ما ذهب ثلاثاه وبقي ثلثه]، يعني: أنه طبخ حتى ذهب ثلاثاه وبقي ثلثه.
    تراجم رجال إسناد أثر عمر: (أنه كتب إلى بعض عماله: أن ارزق المسلمين من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه)

    قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى]هو محمد بن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [حدثنا المعتمر].
    هو المعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت منصوراً].
    منصور بن المعتمر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن إبراهيم].
    هو إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن نباتة].
    هو نباتة البصري الوالبي، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن سويد بن غفلة].
    ثقة، مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر].
    هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقد مر ذكره.
    شرح أثر عمر في الطلاء الذي أذن بشربه

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن عامر بن عبد الله أنه قال: قرأت كتاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى رضي الله عنه: أما بعد: فإنها قدمت علي عير من الشام تحمل شراباً غليظاً أسود كطلاء الإبل، وإني سألتهم على كم يطبخونه؟ فأخبروني: أنهم يطبخونه على الثلثين، ذهب ثلثاه الأخبثان، ثلث ببغيه، وثلث بريحه، فمر من قبلك يشربونه]. أورد النسائي رحمه الله أثر عمر رضي الله عنه، المتعلق بالطلاء وفيه وصفه، وأنه طلاء أسود غليظ يقول: كتب عمر إلى أبي موسى: [أما بعد: فإنها قدمت علي عير من الشام تحمل شراباً غليظاً أسوداً، كطلاء الإبل، وإني سألتهم على كم يطبخونه؟ فأخبروني أنهم يطبخونه على الثلثين، ذهب ثلثاه الأخبثان: ثلث ببغيه وثلث بريحه، فمر من قبلك يشربونه].
    يعني: أنه إذا طبخ وذهب ثلثاه فيكون [ثلث لبغيه] يعني: شدته، [وبريحه] يعني: رائحته الكريهة، ويبقى بعد ذلك الذي هو حسن المذاق، وطيب المذاق الذي أذن بشربه.
    تراجم رجال إسناد أثر عمر في الطلاء الذي أذن بشربه

    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي].هو سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي مجلز].
    هو أبو مجلز لاحق بن حميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عامر بن عبد الله].
    مجهول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    أثر عمر: (.. فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان...) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن هشام عن ابن سيرين أن عبد الله بن يزيد الخطمي رضي الله عنه قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أما بعد: فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان، فإن له اثنين ولكم واحد]. أورد النسائي رحمه الله أثر عمر، وهو مثل ما تقدم، وقوله: اثنين ولكم واحد، يعني: الثلثان والثلث، يذهب الثلثان ويبقى الثلث.
    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن هشام].
    هو هشام بن حسان، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن سيرين].
    هو محمد بن سيرين، وقد مر ذكره.
    [عن عبد الله بن يزيد الخطمي].
    عبد الله بن يزيد الخطمي، وهو صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [عن عمر].
    وقد مر ذكره.
    شرح أثر علي: (أنه كان يرزق الناس الطلاء يقع فيه الذباب ولا يستطيع أن يخرج منه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن جرير عن مغيرة عن الشعبي أنه قال: كان علي رضي الله عنه يرزق الناس الطلاء يقع فيه الذباب ولا يستطيع أن يخرج منه]. أورد النسائي رحمه الله أثر علي: [أنه كان يرزق الناس الطلاء يقع فيه الذباب فلا يستطيع أن يخرج منه]، لكونه متعقداً، ومتجمداً، وإذا وقع عليه الذباب مسكه فلا يستطيع أن يطير، بخلاف ما إذا كان على ماء أو على شيء من هذا قد يمسكه، لكن هذا لغلظه وتعقده يمسك الذباب فلا يستطيع أن يطير إذا وقع عليه، يعني: مثل الدبس الذي يكون من النخل يمسك الشيء الذي يقع عليه.
    تراجم رجال إسناد أثر علي: (أنه كان يرزق الناس الطلاء يقع فيه الذباب ولا يستطيع أن يخرج منه)

    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن جرير].هو جرير بن عبد الحميد، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن مغيرة].
    هو مغيرة بن مقسم الضبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن الشعبي].
    وقد مر ذكره.
    [عن علي رضي الله عنه].
    هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وهو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله عنه وأرضاه.
    أثر سعيد بن المسيب: (الشراب الذي أحله عمر هو الذي يطبخ فيذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا ابن أبي عدي عن داود قال: سألت سعيداً: ما الشراب الذي أحله عمر رضي الله عنه؟ قال: الذي يطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه].أورد النسائي رحمه الله أثر سعيد بن المسيب رحمة الله عليه: (أنه سئل عن الشراب الذي أحله عمر قال: هو الذي يطبخ فيذهب ثلثاه ويبقى ثلثه)، الذي هو الطلاء.
    قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى].
    هو محمد بن المثنى الزمن أبو موسى العنزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا ابن أبي عدي].
    هو محمد بن إبراهيم، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن داود].
    هو داود بن أبي هند، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.
    [سألت سعيداً].
    هو سعيد بن المسيب وقد مر ذكره.
    أثر أبي الدرداء: (أنه كان يشرب ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا زكريا بن يحيى، حدثنا عبد الأعلى حدثنا حماد بن سلمة، عن داود، عن سعيد بن المسيب: أن أبا الدرداء رضي الله عنه كان يشرب ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه].ثم أورد أبو الدرداء، وهو مثل ما جاء عن عمر رضي الله عنه.
    قوله: [أخبرنا زكريا بن يحيى حدثنا عبد الأعلى].
    وقد مر ذكرهما.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [عن داود عن سعيد بن المسيب].
    وقد مر ذكرهما.
    أثر أبي موسى: (كان يشرب من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن هشيم أنه أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أنه كان يشرب من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه]. أورد النسائي رحمه الله أثر أبي موسى الأشعري وهو مثل الذي في التراجم المتقدمة، (يشرب ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه)، يعني: من الطلاء إذا طبخ العصير.
    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن هشيم].
    وهو هشيم بن بشير الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم].
    وقد مر ذكرهما.
    [عن أبي موسى الأشعري].
    هو عبد الله بن قيس رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    أثر سعيد بن المسيب: (... فقال: لا حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سفيان عن يعلى بن عطاء أنه قال: سمعت سعيد بن المسيب وسأله أعرابي عن شراب يطبخ على النصف؟ فقال: لا، حتى يذهب ثلثاه ويبقى الثلث]. أورد النسائي أثر سعيد بن المسيب، وهو مثلما تقدم، يعني: ذهاب الثلثين وبقاء الثلث.
    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سفيان عن يعلى بن عطاء].
    ويعلى بن عطاء ثقة، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن.
    أثر سعيد بن المسيب: (إذا طبخ الطلاء على الثلث فلا بأس به) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أحمد بن خالد عن معن حدثنا معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه قال: إذا طبخ الطلاء على الثلث فلا بأس به]. أورد النسائي أثر سعيد بن المسيب: (إذا طبخ الطلاء على الثلث) يعني: بأن يبقى الثلث، فيكون متفق مع الروايات السابقة.
    قوله: [أخبرنا أحمد بن خالد].
    هو أحمد بن خالد الخلال، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي .
    [عن معن].
    هو معن بن عيسى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن معاوية بن صالح].
    صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب].
    وقد مر ذكرهما.
    أثر الحسن: (سئل عن الطلاء المنصف فقال: لا تشربه) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن يزيد بن زريع حدثنا أبو رجاء أنه قال: سألت الحسن عن الطلاء المنصف؟ فقال: لا تشربه]. أورد النسائي أثر الحسن عن الطلاء المنصف أي الذي ذهب نصفه، فقال: [لا تشربه]، يعني: حتى يذهب الثلثان.
    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن يزيد بن زريع].
    كل هؤلاء مر ذكرهم.
    [حدثنا أبي رجاء].
    هو محمد بن سيف، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود في المراسيل، والنسائي .
    [سألت الحسن].
    هو الحسن بن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    أثر الحسن: (ما تطبخه حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن بشير بن المهاجر أنه قال: سألت الحسن عما يطبخ من العصير؟ قال: ما تطبخه حتى يذهب الثلثان ويبقى الثلث]. أورد أثر الحسن وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن بشير بن المهاجر].
    بشير بن المهاجر، وهو صدوق، لين الحديث، أخرج له الإمام مسلم، وأصحاب السنن.
    شرح أثر أنس: (إن نوحاً نازعه الشيطان في عود الكرم ... فاصطلحا على أن لنوح ثلثها وللشيطان ثلثيها)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا وكيع حدثنا سعد بن أوس عن أنس بن سيرين أنه قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: إن نوحاً صلى الله عليه وسلم نازعه الشيطان في عود الكرم، فقال: هذا لي، وقال: هذا لي، فاصطلحا على أن لنوح ثلثها وللشيطان ثلثيها]. أورد النسائي هذا الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو مثلما تقدم عن عمر وعن غيره، يذهب الثلثان ويبقى الثلث، والذي يذهب نصيب الشيطان، والذي يبقى هو الحلال المباح.
    قوله: (عود الكرم).
    الكرم هو: العنب.
    تراجم رجال إسناد أثر أنس: (إن نوحاً نازعه الشيطان في عود الكرم ... فاصطلحا على أن لنوح ثلثها وللشيطان ثلثيها)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو إسحاق بن إبراهيم بن راهويه الحنظلي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه.
    [حدثنا وكيع].
    هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا سعد بن أوس].
    هو سعد بن أوس العدوي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [سمعنا أنس بن سيرين].
    ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس بن مالك].
    رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    أثر عمر بن عبد العزيز: (... لا تشربوا من الطلاء حتى يذهب ثلثاه) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن عبد الملك بن طفيل الجزري قال: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز: أن لا تشربوا من الطلاء، حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، وكل مسكر حرام].ثم أورد النسائي أثر عمر بن عبد العزيز وهو مثل ما تقدم.
    قوله: [أخبرنا سويد عن عبد الله عن عبد الملك بن طفيل].
    عبد الملك بن طفيل مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [عن عمر بن عبد العزيز].
    هو الخليفة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

    أثر مكحول: (كل مسكر حرام) وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا المعتمر عن برد عن مكحول أنه قال: كل مسكر حرام].ثم أورد النسائي أثر مكحول: (كل مسكر حرام)، وقد جاء فيه أحاديث كثيرة تنص على أن كل مسكر حرام.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا المعتمر عن برد].
    برد هو ابن سنان الشامي، وهو صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن.
    [عن مكحول].
    وهو مكحول الشامي، وهو ثقة، يرسل كثيراً، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، ومسلم، وأصحاب السنن.
    وهذا الأخير يناسب الترجمة، وهي: كل مسكر حرام، وذكر ما يجوز شربه من الطلاء وما لا يجوز، فيناسبها من جهة أن ما أسكر منه يكون حراماً وما لم يسكر يكون حلالاً، وما جاء من ذكر الطلاء أن ما وصل إلى حد الإسكار يحرم، وما لم يصل إليه فإنه يحل.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #509
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (506)


    – (باب ما يجوز شربه من العصير وما لا يجوز) إلى (باب ذكر ما يجوز شربه من الأنبذة وما لا يجوز)




    ذكر الشرع بعض أنواع الأشربة التي يجوز شربها، والتي لا يجوز شربها، وأن الأصل فيها الحل إلا إذا بلغ حد الإسكار فإنه يحرم.
    ما يجوز شربه من العصير وما لا يجوز


    شرح أثر ابن عباس: (... فإن النار لا تحل شيئاً قد حرم)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ما يجوز شربه من العصير وما لا يجوز.أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن أبي يعفور السلمي عن أبي ثابت الثعلبي قال : كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما فجاءه رجل فسأله عن العصير؟ فقال: اشربه ما كان طرياً، قال: إني طبخت شراباً وفي نفسي منه، قال: أكنت شاربه قبل أن تطبخه؟ قال: لا، قال: فإن النار لا تحل شيئاً قد حرم ].
    يقول النسائي رحمه الله: (ما يجوز شربه من العصير وما لا يجوز).
    العصير: هو ما يعصر من العنب وغير ذلك، وقد أورد النسائي أثر ابن عباس (لما سأله رجل عن العصير قال: اشربه مادام طرياً)، يعني: مادام أنه في أول أمره وفي أول عصره فإن شربه لا بأس به؛ لأنه في غاية السلامة، ولم يبق مدة يحتمل أن يكون حصل له فيها تغير، قال ذلك الرجل: (إني طبخت شراباً وفي نفسي منه، قال: هل كنت شاربه قبل أن تطبخه؟ قال: لا، قال: فإن النار لا تحل شيئاً قد حرم)، لما سأل هذا الرجل عن كونه طبخ ذلك الشراب وشربه بعد طبخه وفي نفسه منه شيء؛ لأنه لا يشربه قبل أن يطبخ، (فقال له: أكنت شاربه قبل أن تطبخه؟ قال: لا، قال: فإن النار لا تحل شيئاً قد حرم)، يعني: مادام أنك تمتنع منه وتحرمه على نفسك قبل أن تطبخه فطبخك إياه لا يغير حاله.
    وهذا الأثر يبين أن المقصود من الشيء الذي كانوا يطبخونه والذي هو الطلاء الذي يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه، المقصود منه الشيء الذي لم يكن مسكراً ولم يصل إلى حد الإسكار، وإنما هو قبل الإسكار؛ لأن قوله هنا إن النار لا تحل شيئاً قد حرم، معناه: أن الطبخ للشيء لا يغيره من كونه ممنوعاً إلى كونه سائغاً وجائزاً، بل ما كان جائزاً قبل الطبخ يكون جائزاً بعده، وما كان ممنوعاً قبل الطبخ يكون ممنوعاً بعده.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (... فإن النار لا تحل شيئاً قد حرم)

    قوله: [أخبرنا سويد ].هو سويد بن نصر المروزي، ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي .
    [أخبرنا عبد الله].
    هو ابن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي يعفور].
    هو: عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي ثابت الثعلبي].
    وهو: أيمن بن ثابت صدوق أخرج له النسائي وحده.
    [ عن ابن عباس ].
    هو: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من أصحابه الكرام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    يقول السندي: (لا تحل شيئاً)، أي: رد لقوله في الطلاء أنه يحل إذا ذهب ثلثه.
    لأن الطلاء كما قد عرفنا أنه يحل إذا ذهب ثلثاه وبقي الثلث فإنه يستعمل، وهذا رد لقول من قال: إنه إذا كان مسكراً أو كان في النفس منه شيء قبل الطبخ ثم طبخ فإنه لا يحل، لكن إذا كان سائغاً قبل الطبخ يكون سائغاً بعد الطبخ، وإذا كان ممنوعاً قبل الطبخ يكون ممنوعاً بعد الطبخ؛ لأن النار لا تحل شيئاً قد حرم.
    شرح أثر ابن عباس: (والله ما تحل النار شيئاً ولا تحرمه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن ابن جريج قراءة أخبرني عطاء سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: والله ما تحل النار شيئاً ولا تحرمه، قال: ثم فسر لي قوله: لا تحل شيئاً؛ لقولهم في الطلاء ولا تحرمه ].يعني: كأن هذا الكلام مثل الكلام الذي ذكره السندي، عليه رد لقولهم، يعني: هذا الكلام ما قوله هذا الكلام
    [ثم فسر لي قوله: لا تحل شيئاً]، بأنه رد، يعني: معناه أنه رد لقولهم؛ لأن هناك لقولهم كذا، وكأن المقصود رد لقولهم كذا أنه يحل الطلاء، يعني: إذا ذهب ثلثاه فيما إذا كان قبل الطبخ يعني: أنه قد تغير واشتد.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس: (والله ما تحل النار شيئاً ولا تحرمه ...)

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن ابن جريج قراءةً].ابن جريج، هو: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي، ثقة، فقيه، يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرني عطاء].
    هو: عطاء بن أبي رباح المكي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [سمعت ابن عباس] وقد مر ذكره.
    الوضوء مما مست النار


    شرح أثر سعيد بن المسيب: (اشرب العصير ما لم يزبد)


    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الوضوء مما مست النار ].يعني: هذه الترجمة غير واضحة؛ لأنه ما جاء شيء يتعلق بالوضوء أبداً، وإنما الآثار التي فيها كلها تتعلق بالشراب، وما يحل وما لا يحل، والسندي لما شرح اعتبر أن هذا الذي ذكر ترجمة ليس ترجمة، وإنما هو تابع للحديث أو تابع للتفسير الذي قبل هذا؛ لأنه رد لقولهم بالطلاء، ورد لقولهم بالوضوء مما مست النار، يعني: أن النار لا تحرم ماءً كان حلالاً قبل أن يغلى ويطبخ ولا تحرمه، فهذا الذي جاء ترجمة هو تابع للحديث، وهو داخل في التفسير؛ لقوله: لا تحل شيئاً ولا تحرمه، ففيه ذكر الطلاء وفيه ذكر الوضوء مما مست النار، فالشيء الذي طبخ أو الماء الذي أغلي لا يكون حرم استعماله والوضوء فيه، بل يتوضأ فيه، أقول: يتوضأ فيه.
    وقد جاء في مسألة الوضوء مما مست النار، هذا أحاديث سبق أن مرت، (وآخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار)، يعني: هناك أحاديث فيها الوضوء وأحاديث فيها ترك الوضوء، ولكن (آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، يعني: الشيء الذي طبخ إذا أكله الإنسان فجاء حديث أنه يتوضأ، وجاء حديث أنه لا يتوضأ، لكن أحاديث عدم الوضوء ناسخة لأحاديث الوضوء، لكن الذي معنا الآن الوضوء مما مست النار هو تابع للتفسير الذي قبله على اعتبار أن الماء إذا طبخ فإنه لا يحرم استعماله والوضوء منه بسبب النار، فالنار لا تحرم شيئاً قد حل، ولا تحل شيئاً قد حرم، فهي لا تحل شيئاً قد حرم فيما يتعلق بالطلاء، ولا تحرم شيئاً قد حل كما في الماء الذي طبخ، فإنه بعد الطبخ يمكن أن يتوضأ به؛ لأن حالته بعد الطبخ كحالته قبل الطبخ.
    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد قال: أخبرنا عبد الله عن حيوة بن شريح أنه قال: أخبرني عقيل عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: اشرب العصير ما لم يزبد ].
    أورد النسائي هذا الأثر عن سعيد بن المسيب: (اشرب العصير ما لم يزبد)، يعني: يقذف بالزبد، وإذا اشتد وقذف بالزبد فهذه علامة اشتداده وإسكاره أو قرب إسكاره، معناه هو قريب من ذاك الأثر الذي مر أنه إذا كان طرياً، أي: ما وصل إلى حد كونه يزبد يعني: يطلع منه الزبد كزبد البحر.
    تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن المسيب: (اشرب العصير ما لم يزبد)

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن حيوة بن شريح ].حيوة بن شريح هو: المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ أخبرني عقيل ].
    هو: عقيل بن خالد بن عقيل المصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن ابن شهاب ].
    هو: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن المسيب ].
    سعيد بن المسيب، هو أحد فقهاء المدينة السبعة، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر إبراهيم النخعي: (أنه سئل عن العصير قال: اشربه حتى يغلي ما لم يتغير)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد قال: أخبرنا عبد الله عن هشام بن عائذ الأسدي أنه قال: سألت إبراهيم عن العصير؟ قال: اشربه حتى يغلي ما لم يتغير ].أورد النسائي أثر عن إبراهيم النخعي، (سأله عن العصير، قال: أشربه حتى يغلي، ما لم يتغير، معناه: إلى حين اشتداده ما لم يتغير)، يعني أنه ما لم يتغير بالوصول إلى حد الإسكار.
    تراجم رجال إسناد أثر إبراهيم النخعي: (أنه سئل عن العصير، قال: اشربه حتى يغلي، ما لم يتغير)

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن هشام بن عائذ الأسدي ].هشام بن عائذ الأسدي وهو صدوق أخرج له النسائي وحده.
    [ عن إبراهيم ].
    هو: إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر عطاء: (أنه سئل عن العصير، قال: اشربه حتى يغلي)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن عبد الملك عن عطاء في العصير أنه قال: اشربه حتى يغلي ].أورد النسائي أثراً عن عطاء: (اشربه حتى يغلي)، وهو مثل أثر إبراهيم النخعي .
    تراجم رجال إسناد أثر عطاء: (أنه سئل عن العصير قال: اشربه حتى يغلي)

    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن عبد الملك].هو: عبد الملك بن أبي سليمان، صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [عن عطاء].
    هو عطاء بن أبي رباح، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر الشعبي: (أنه سئل عن العصير قال: اشربه ثلاثة أيام إلا أن يغلي)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن حماد بن سلمة عن داود عن الشعبي أنه قال: اشربه ثلاثة أيام، إلا أن يغلي ].أورد النسائي الأثر عن الشعبي: (اشربه ثلاثة أيام إلا أن يغلي)، يعني: يشتد ويقذف الزبد، فإذا كان قبل الثلاثة الأيام واشتد فإنه لا يشرب، وإذا لم يكن كذلك فإنه يشرب إلى ثلاثة أيام.
    تراجم رجال إسناد أثر الشعبي: (أنه سئل عن العصير قال: اشربه ثلاثة أيام إلا أن يغلي)

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن حماد بن سلمة].حماد بن سلمة بن دينار، ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [ عن داود ].
    هو: داود بن أبي هند، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [ عن الشعبي ].
    هو: عامر بن شراحيل الشعبي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    ذكر ما يجوز شربه من الأنبذة وما لا يجوز


    شرح حديث فيروز الديلمي في ذكر ما يجوز شربه من الأنبذة وما لا يجوز

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ذكر ما يجوز شربه من الأنبذة وما لا يجوز.أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير حدثنا بقية حدثني الأوزاعي عن يحيى بن أبي عمرو عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه فيروز رضي الله عنه أنه قال: ( قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: يا رسول الله إنا أصحاب كرم، وقد أنزل الله عز وجل تحريم الخمر، فماذا نصنع؟ قال: تتخذونه زبيباً، قلت: فنصنع بالزبيب ماذا؟ قال: تنقعونه على غدائكم وتشربونه على عشائكم، وتنقعونه على عشائكم وتشربونه على غدائكم، قلت: أفلا نؤخره حتى يشتد؟ قال: لا تجعلوه في القلل، واجعلوه في الشنان فإنه إن تأخر صار خلاً ) ].
    أورد النسائي هذه الترجمة، وهي: ما يجوز شربه من الأنبذة وما لا يجوز، أورد النسائي حديث فيروز الديلمي رضي الله عنه: (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنا أصحاب كرم، وقد نزل تحريم الخمر، فماذا نصع في أعنابنا؟) لأنهم قبل كانوا يستعملونه خمراً، ولما حرمت الخمر سألوا: ماذا يصنعون في هذه الأعناب؟ (قال: تجعلونه زبيباً)، يعني: تيبسونه ويصير زبيب، قال: (وماذا نصنع بالزبيب؟)، يعني: يستعملونه خمراً ويروج، (قال: وماذا نصنع في الزبيب؟ قال: تنقعونه في وقت الغداء وتشربونه في وقت العشاء، وتنقعونه في وقت العشاء وتشربونه مع الغداء)، ماذا بعده؟
    (أفلا نؤخره حتى يشتد؟) يعني: يبقى هذا الزبيب الذي نقع هل نؤخره حتى يشتد؟
    لا تجعلوه في القلل وهي الجرار السميكة، واجعلوه في الشنان التي هي الأسقية من الجلود، والسبب في هذا كما سبق أن عرفنا أن الجرار قد يتغير الشراب الذي في داخلها ولا يتبين على سطحها، بخلاف الأسقية، فإنها توكأ، وإذا حصل تغير في الداخل ظهر على سطح الجلد أثر التغير، فقال: (لا تجعلوا في القلل) يبقى مدة طويلة، (ولكن اجعلوه في الشنان، فإنه إن تأخر، صار خلاً).
    والخل -كما هو معلوم- سائغ، يعني: الخل حامض، لكنه ما به إسكار.
    إذاً: يكون فائدة جعله في الأسقية فائدتين: من ناحية أنه يظهر على الجلد ومن ناحية أنه كأن الجلد له تأثير على المادة بالتخلل.
    وغالب التخلل أنه يصير مع شيء يجعله يتخلل، وقد يتخلل بدون جعل شيء.
    تراجم رجال إسناد حديث فيروز الديلمي في ذكر ما يجوز شربه من الأنبذة وما لا يجوز

    قوله: [أخبرنا عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير ].هو: عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي، صدوق، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [ عن بقية ].
    هو: بقية بن الوليد الحمصي ، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وصحاب السنن.
    [حدثنا الأوزاعي ].
    هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثني يحيى بن أبي عمرو ].
    يحيى بن أبي عمرو أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن.
    [ عن عبد الله بن الديلمي ].
    عبد الله بن فيروز الديلمي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب السنن الأربعة، عن أبيه فيروز صحابي أخرج له أصحاب الكتب الأربعة.
    حديث فيروز الديلمي في ذكر ما يجوز شربه من الأنبذة وما لا يجوز وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عيسى بن محمد أبو عمير بن النحاس عن ضمرة عن السيباني عن ابن الديلمي عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: ( قلنا: يا رسول الله إن لنا أعناباً، فماذا نصنع بها؟ قال: زببوها، قلنا: فما نصنع بالزبيب؟ قال: انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم، وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم، وانبذوه في الشنان ولا تنبذوه في القلال، فإنه إن تأخر صار خلاً ) ].أورد النسائي الحديث عن فيروز الديلمي وهو مثل الذي قبله.
    قوله:[ أخبرنا عيسى بن محمد أبو عمير بن النحاس ].
    عيسى بن محمد بن إسحاق أبو عمير بن النحاس ، وهو ثقة أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .
    [ عن ضمرة ].
    هو: ضمرة بن ربيعة، وهو صدوق يهم قليلاً، له البخاري في الأدب المفرد، وأصحاب السنن الأربعة.
    [ عن السيباني عن ابن الديلمي عن أبيه].
    السيباني وهو يحيى بن أبي عمرو عن ابن الديلمي ، ومر ذكر الثلاثة.
    شرح حديث ابن عباس: (كان ينبذ لرسول الله العشية ويشربه من الغد..)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أخبرنا أبو داود الحراني حدثنا يعلى بن عبيد حدثنا مطيع عن أبي عثمان عن يحيى بن عبيد أبو عمر البهراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشربه من الغد ومن بعد الغد، فإذا كان مساء الثالثة فإن بقى في الإناء شيء لم يشربوه أهريق ) ].يعني: هذا فيه كلام زائد يعني: قال: حدثنا يعلى الحراني. هذه زائدة، فتأتي الحراني تابعة لـأبي داود ، ثم أبو داود يقول: حدثنا يعلى بن عبيد .
    أورد النسائي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: [( كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم العشية ويشربه من الغد ومن بعد الغد، فإذا جاء مساء الثالثة وبقي شيء لم يشربوه أهريق )، يعني: معناه أنه ما يتعدى ثلاث؛ لأنه إذا وصل إلى ذلك صار عرضة للإسكار، وإن كان يختلف في بعض البلدان من جهة الحرارة والبرودة، يعني: ليس كله على حد سواء، تختلف البلدان في التأثر والتغير، قد يكون أكثر من ثلاث وقد يكون أقل من ثلاث، ولهذا مر في بعض الأحاديث (إلى ثلاث إلا إذا اشتد)، يعني: إلا أن يشتد قبل الثلاث.
    تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس: (كان ينبذ لرسول الله العشية ويشربه من الغد..)

    قوله:[ أخبرنا أبو داود الحراني ].هو: سليمان بن سيف، ثقة، أخرج له النسائي وحده.
    [حدثنا يعلى بن عبيد ].
    هو: يعلى بن عبيد الطنافسي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا مطيع ].
    هو: مطيع بن عبد الله الغزال ، وهو صدوق أخرج له النسائي وحده.
    [ عن يحيى بن عبيد ].
    هو: يحيى بن عبيد أبي عمرو البهراني ، وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
    [ عن ابن عباس ].
    ابن عباس وقد مر ذكره.
    حديث ابن عباس في شرب النبي النبيذ من طريق ثانية وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن يحيى بن عبيد البهراني عن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينقع له الزبيب فيشربه يومه والغد وبعد الغد ) ].أورد النسائي حديث ابن عباس وهو مثل الذي قبله.
    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ].
    هو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي ، ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .
    [حدثنا يحيى بن آدم ].
    يحيى بن آدم، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا شريك ].
    هو: شريك بن عبد الله القاضي النخعي ، وهو صدوق، يخطئ كثيراً، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [ عن أبي إسحاق ].
    وهو: عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يحيى بن عبيد البهراني عن ابن عباس].
    وقد مر ذكرهما.
    حديث ابن عباس في شرب النبي النبيذ من طريق ثالثة وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا واصل بن عبد الأعلى عن ابن فضيل عن الأعمش عن يحيى بن أبي عمر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينبذ له نبيذ الزبيب من الليل فيجعله في سقاء فيشربه يومه ذلك والغد وبعد الغد، فإذا كان من آخر الثالثة سقاه أو شربه، فإن أصبح منه شيء أهراقه ) ].أورد النسائي حديث ابن عباس ، وهو مثلما تقدم.
    قوله: [ أخبرنا واصل بن عبد الأعلى ].
    واصل بن عبد الأعلى، ثقة، أخرج حديثه مسلم، وأصحاب السنن.
    [عن ابن فضيل].
    هو محمد بن فضيل بن غزوان صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن الأعمش ].
    هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن يحيى بن أبي عمر عن ابن عباس ].
    هو يحيى بن أبي عمر هو يحيى بن عبيد نعم، وقد مر ذكرهما.
    شرح أثر ابن عمر: (في حل شراب النبيذ)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان ينبذ له في سقاء الزبيب غدوة، فيشربه من الليل، وينبذ له عشية فيشربه غدوة، وكان يغسل الأسقية ولا يجعل فيها دردياً ولا شيئاً ].أورد النسائي الأثر عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أنه كان ينبذ له عشية ويشربه غدوة، وينبذ له غدوة ويشربه عشية، وكان يغسل الأسقية بعد هذا الشراب الذي فيها يغسلها ما يبقى فيها أشياء مترسبة وأشياء باقية، وكان يغسل الأسقية ولا يجعل فيها دردياً، وهو الحثالة والشيء الرديء الذي يبقى في السقاء، الذي هو العتر، الذي سيأتي.
    [ قال نافع : فكنا نشربه مثل العسل ].
    يعني: في حلاوته.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن عمر: (في حل شراب النبيذ)

    قوله:[ أخبرنا سويد عن عبد الله عن عبيد الله ].عبيد الله بن عمر العمري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن نافع ].
    نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أحد العبادلة الأربعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح أثر أبي جعفر الباقر في حل شراب النبيذ

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أنبأنا عبد الله عن بسام أنه قال: سألت أبا جعفر عن النبيذ؟ قال: كان علي بن حسين رضي الله عنه ينبذ له من الليل فيشربه غدوة، وينبذ له غدوة فيشربه من الليل ].أورد النسائي الأثر عن أبي جعفر وهو محمد بن علي الباقر رحمه الله: (أنه سئل عن النبيذ؟ فقال: كان علي بن حسين الذي هو أبوه، يعني: ينبذ له غدوة فيشربه عشية، وينبذ له العشية ويشربه غدوة).
    تراجم رجال إسناد أثر أبي جعفر الباقر في حل شراب النبيذ

    قوله:[ أخبرنا سويد أنبأنا عبد الله عن بسام ].بسام هو: ابن عبد الله الصيرفي وهو صدوق، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [ عن أبي جعفر ].
    هو: محمد بن علي الباقر، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    أثر سفيان الثوري في حل شراب النبيذ وتراجم رجال إسناده

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله سمعت سفيان سئل عن النبيذ؟ قال: انتبذ عشياً وأشربه غدوة].أورد النسائي الأثر عن سفيان الثوري، وهو مثلما تقدم.
    تراجم رجال إسناد أثر سفيان الثوري في حل شراب النبيذ

    قوله:[ أخبرنا سويد عن عبد الله عن سفيان ].هو: ابن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر أنس بن مالك: (في حكم نبيذ الجر)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي عن أبي عثمان وليس بـالنهدي : أن أم الفضل رضي الله عنها أرسلت إلى أنس بن مالك رضي الله عنه تسأله عن نبيذ الجر، فحدثها عن النضر ابنه أنه كان ينبذ في جر ينبذ غدوة ويشربه عشية ].أورد النسائي الأثر عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل عن نبيذ الجر.
    يعني: ما ينبذ في الجرار، فحدثهم عن ابنه النضر أنه كان ينبذ له غدوة ويشربه عشية، وينبذ له عشية ويشربه غدوة، فالمقصود من ذلك أن أنساً رضي الله عنه بين أن ذلك سائغ إذا كان بهذا الوصف وبهذا الزمن، وبهذه المدة، ثم أخبر أن هذا يعمل في بيته لابنه النضر ، وليس المقصود الرواية والتحديث عن ابنه أو أنه يروي عن ابنه أو يحدث عن ابنه، وإنما بيان أن هذا شيء يعتقده هو ويعمل في بيته، ولو كان حراماً لما أقره في بيته، يعني: أنس بن مالك رضي الله عنه، فالمقصود من ذلك بيان أن أنساً رضي الله عنه بين أن ذلك حلال، وأنه يعمل في بيته.
    تراجم رجال إسناد أثر أنس بن مالك في حكم نبيذ الجر

    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سليمان التيمي ].سليمان التيمي هو: سليمان بن طرخان التيمي، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن أبي عثمان وليس بـالنهدي ].
    أبو عثمان قال سليمان : وليس بـالنهدي ، أي: المشهور الذي هو إمام ومحدث أبو عثمان النهدي ، ولكن هذا أبو عثمان وليس بـالنهدي أراد أن يبين حتى لا يظن أنه النهدي واسمه قيل اسمه سعد، وهو مقبول أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجه .
    [ عن أنس ].
    هو: أنس بن مالك، رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    شرح أثر سعيد بن المسيب في كراهة نطل النبيذ

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب : أنه كان يكره أن يجعل نطل النبيذ في النبيذ ليشتد بالنطل ].أورد النسائي أثرا عن سعيد بن المسيب أنه كان يكره أن يجعل نطل النبيذ في النبيذ ليشتد بالنطل، يعني: النطل هو الحثالة أو الرديء إذا وضع مع الشيء يشتد، فكانوا لا يضعونه، بل جاء عن بعضهم أنه كان يغسل السقاء من أثر ذلك الذي يبقى فيه.
    تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن المسيب في كراهة نطل النبيذ

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن معمر ].هو: معمر بن راشد الأزدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قتادة ].
    هو: قتادة بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن سعيد بن المسيب ].
    سعيد بن المسيب وقد مر ذكره.
    شرح أثر سعيد بن المسيب قوله في النبيذ: (خمره درديه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سفيان عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب أنه قال في النبيذ: خمره درديه ].أورد النسائي أثر سعيد بن المسيب أنه قال في النبيذ: (خمره درديه). يعني: أن هذا الرديء الذي يكون في الأسقية أو في الأواني إذا وضع مع العصير أو مع الشراب فإنه يخمره أو يصير خمراً بسببه.
    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سفيان عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب ].
    وقد مر ذكرهم جميعاً.
    شرح أثر سعيد بن المسيب في سبب تسمية الخمر

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال: إنما سميت الخمر لأنها تركت حتى مضى صفوها وبقى كدرها، وكان يكره كل شيء ينبذ على عكر ].أورد النسائي أثر سعيد بن المسيب : أنه كان يقول: (إنما سميت الخمر لأنها تركت حتى ذهب صفوها وبقي كدرها)، يعني: تغيرت إلى صارت خبيثة.
    (وكان يكره كل شيء ينبذ على عكر)، العكر: هو الذي يبقى في الأوعية والأواني الذي هو الدردي الذي هو الحثالة، وهذه إذا نبذ معها أو جعلت مع النبيذ فإنه يسارع إليه الإسكار.
    تراجم رجال إسناد أثر سعيد بن المسيب في سبب تسمية الخمر

    قوله:[ أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن شعبة ].هو: شعبة بن الحجاج الواسطي، ثم البصري ، ثقه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [ عن قتادة عن سعيد بن المسيب ].

    وقد مر ذكرهما.
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #510
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

    شرح سنن النسائي
    - للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
    - كتاب الأشربة

    (507)

    - باب ذكر الاختلاف على إبراهيم في النبيذ - باب ذكر الأشربة المباحة



    أحل الله لعباده أشربة وحرم عليهم أخرى؛ لحكمة منه سبحانه وتعالى، ورأي العلماء في النبيذ واحد، إلا أن إبراهيم النخعي خالفهم في ذلك، وكان يرى أنه لا بأس ببعضه، وذكروا أنهم لم يروا أحداً رخص في شيء من المسكر غيره.

    ذكر الاختلاف على إبراهيم في النبيذ


    شرح أثر إبراهيم النخعي: (كانوا يرون من شرب شراباً فسكر منه لم يصلح أن يعود فيه)

    قال المصنف رحمه الله تعالى: [ذكر الاختلاف على إبراهيم في النبيذ.أخبرنا أبو بكر بن علي حدثنا القواريري حدثنا ابن أبي زائدة حدثنا حسن بن عمرو عن فضيل بن عمرو عن إبراهيم أنه قال: كانوا يرون أن من شرب شراباً فسكر منه لم يصلح له أن يعود فيه].
    لما ذكر النسائي رحمه الله، جملة من الأقوال عن العلماء فيما يتعلق بالنبيذ، وذكر ما يجوز شربه وما لا يجوز شربه منه، ذكر الاختلاف على إبراهيم النخعي في النبيذ، أي أنه جاء عنه أقوال مختلفة في النبيذ فأفرده بهذه الترجمة، وذكر الأقوال أو جملة من الأقوال التي نقلت عنه، وعزيت إليه، وأورد النسائي هذا الأثر عن إبراهيم: (كانوا -أي: العلماء- يرون أن من شرب شراباً فسكر منه لم يصلح أن يعود فيه)، يعني: أنه إذا كان شرب شراباً ثم تبين أنه مسكر وعرف بالتجربة أنه مسكر أنه لا يعود إليه؛ لأنه جربه ووجد أنه يسكر، يعني: كان مجهولاً عنده، أو كان لا يدري عنه هل يصل إلى حد الإسكار أو لا يصل إلى حد الإسكار؛ فشربه على حال معينة، وعرف أنه مسكر، فإذاً: ليس له أن يعود إليه، كانوا يرون أنه لا يعود إليه، أو لا يصلح له أن يعود إليه؛ لأنه قد جربه ووجده مسكراً.
    ومن المعلوم أنه لا يدخل في ذلك كون الشيء مسكراً ومعروف أنه يسكر، ثم يقدم الإنسان عليه، فإن ذلك لا يجوز، وإنما الكلام في شيء مشتبه، وشيء كان يظن أنه لا يسكر ثم أسكر، فليس للإنسان أن يعود إليه بعد ذلك، فقد عرف أن مثله يسكر.
    تراجم رجال إسناد أثر إبراهيم النخعي (كانوا يرون من شرب شراباً فسكر منه لم يصلح أن يعود فيه)

    قوله: [أخبرنا أبو بكر بن علي].هو: أحمد المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا القواريري].
    هو: عبيد الله بن عمر القواريري ،وهو ثقة، أخرج له البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا ابن أبي زائدة].
    هو: يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [حدثنا حسن بن عمرو].
    هو: حسن بن عمرو الفقيمي، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن فضيل بن عمرو].
    هو: فضيل بن عمرو الفقيمي، وهو ثقة، وقد أخرج حديثه مسلم، وأبو داود في القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن إبراهيم].
    هو: إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، وهو ثقة، فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر إبراهيم النخعي: (لا بأس بنبيذ البختج)

    [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سفيان عن مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم أنه قال: لا بأس بنبيذ البختج].أورد النسائي هذا الأثر عن إبراهيم قال: [لا بأس بنبيذ البختج]، وهو عصير مطبوخ، ومن المعلوم أنه لا يصل إلى حد الإسكار، وأما إذا علم بأنه يسكر فإن ذلك لا يجوز؛ ولهذا جاء عن إبراهيم رحمة الله عليه، أنه قال: (لا بأس بعصير البختج).
    تراجم رجال إسناد أثر إبراهيم النخعي (لا بأس بنبيذ البختج)

    قوله: [أخبرنا سويد].هو: سويد بن نصر المروزي، وهو ثقة، أخرج حديثه الترمذي، والنسائي.
    [حدثنا عبد الله].
    هو: عبد الله بن المبارك المروزي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سفيان].
    هو: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة، فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    [عن مغيرة].
    هو: مغيرة بن مقسم الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي معشر].
    هو: زياد بن كليب، وهو ثقة، أخرج له مسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي.
    [عن إبراهيم].
    هو: إبراهيم النخعي.
    شرح أثر إبراهيم النخعي في كراهة تنقيع الزبيب في دردي الخمر

    [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن أبي عوانة عن أبي مسكين أنه قال: سألت إبراهيم قلت: إنا نأخذ دردي الخمر أو الطلاء فننظفه، ثم ننقع فيه الزبيب ثلاثاً، ثم نصفيه، ثم ندعه حتى يبلغ فنشربه؟ قال: يكره].أورد النسائي هذا الأثر عن إبراهيم النخعي أنه: سأله أبو مسكين الحر بن مسكين قال: [كنا نأخذ دردي الخمر أو الطلاء فننظفه، ثم ننقع فيه الزبيب ثلاثاً، ثم نصفيه، ثم ندعه حتى يبلغ فنشربه، قال: يكره]، يعني: أنه لا يبيح ذلك، وأنه يكره، وما أردي ما المقصود بالكراهة، هل هي التنزيه أو التحريم؟، لكن المشهور عن السلف أنهم يطلقون الكراهة على التحريم.
    والكراهة بمعنى التنزيه هو من اصطلاحات الفقهاء لما جعلوا الأحكام خمسة، وهي: الواجب والمندوب والمحرم والمكروه والمباح، جعلوا من أقسامه المكروه كراهة التنزيه، وإلا فإن المشهور عندهم أنهم يطلقون ذلك على كراهة التحريم.
    تراجم رجال إسناد أثر إبراهيم النخعي في كراهة تنقيع الزبيب في دردي الخمر

    قوله: [أخبرنا سويد حدثنا عبد الله عن أبي عوانة].هو: أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي مسكين].
    هو: الحر بن مسكين، وهو مقبول، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [سألت إبراهيم].
    إبراهيم وقد مر ذكره، والترجمة له.
    شرح أثر ابن شبرمة: (رحم الله إبراهيم شدد الناس في النبيذ ورخص فيه)

    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن ابن شبرمة أنه قال: رحم الله إبراهيم شدد الناس في النبيذ ورخص فيه]. أورد النسائي هذا الأثر عن ابن شبرمة قال: رحم الله إبراهيم شدد الناس في النبيذ ورخص فيه).
    المقصود من ذلك: الذي لا يسكر، وإنما المقصود الذي يكون في جرار يمكن أن يسارع إليه الإسكار، أو أن المقصود بذلك ما كان يسكر، ولكن القليل الذي لا يسكر الذي رخص فيه، فيكون محمولاً على ذلك، وأما ما كان مسكراً فإنه لا يرخص فيه لا إبراهيم ولا غيره؛ لأن (كل مسكر حرام).
    تراجم رجال إسناد أثر ابن شبرمة: (رحم الله إبراهيم شدد الناس في النبيذ ورخص فيه)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].هو: إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي المروزي، وهو ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهو فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
    [عن جرير].
    هو: جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [أخبرنا ابن شبرمة].
    هو: عبد الله بن شبرمة وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
    [عن إبراهيم].
    إبراهيم وقد مر ذكره.
    شرح أثر ابن المبارك: (ما وجدت الرخصة في المسكر عن أحد صحيحاً إلا عن إبراهيم)

    [حدثنا عبيد الله بن سعيد عن أبي أسامة أنه قال: سمعت ابن المبارك رحمه الله يقول: ما وجدت الرخصة في المسكر عن أحد صحيحاً إلا عن إبراهيم]. أورد النسائي هذا الأثر عن عبد الله بن المبارك أنه قال: (ما وجدت الرخصة في المسكر عن أحد صحيحاً إلا عن إبراهيم)، ولعل المقصود بهذا القليل من الذي يسكر؛ لأنه لا يسكر، وهذا قال به بعض فقهاء الكوفة، ولكن الجمهور من أهل العلم على أنه حرام، أخذاً بما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام حيث قال: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)، وإلا فإن المسكر لا يبيحه إبراهيم ولا غيره، ولكن المقصود منه القليل الذي لا يسكر من الذي يسكر.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن المبارك: (ما وجدت الرخصة في المسكر عن أحد صحيحاً إلا عن إبراهيم)


    قوله: [حدثنا عبيد الله بن سعيد].هو: عبيد الله بن سعيد السرخسي اليشكري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري، ومسلم، والنسائي.
    [عن أبي أسامة].
    هو: أبو أسامة حماد بن أسامة، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن المبارك].
    ابن المبارك وقد مر ذكره.
    شرح أثر أبي أسامة: (ما رأيت رجلاً أطلب للعلم من عبد الله بن المبارك ...)

    [أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: سمعت أبا أسامة يقول: ما رأيت رجلاً أطلب للعلم من عبد الله بن المبارك الشامات ومصر، واليمن، والحجاز].أورد النسائي هذا الأثر، وهو لا علاقة له بالترجمة، وهي: الاختلاف على إبراهيم فيما يتعلق بالنبيذ؛ لأن هذا ثناء على عبد الله بن المبارك، ولعل ذلك بمناسبة ذكر عبد الله بن المبارك وذكر كثير مما ورد عنه في هذا الباب بما يتعلق بكتاب الأشربة، يعني: رواياته كثيرة، يعني: رواية سويد بن نصر عن عبد الله بن المبارك كثيرة، فلعله بهذه المناسبة، وهي كونه جاء عنه روايات كثيرة في هذا الكتاب، الذي هو كتاب الأشربة، ذكر طلبه للعلم، وأنه ما رأى أحداً أطلب منه للعلم، وذكر الجهات التي ذهب إليها: الشام، واليمن، ومصر، والحجاز، وهو مروزي من أهل مرو، معناه: أنه أخذ العلم في بلده ثم انتقل إلى البلاد الأخرى، حيث ذهب إلى الشام، وقال: الشامات، المقصود به البلاد الشامية.
    وهذا يشبه الأثر الذي ذكره مسلم في كتابه عندما جاء في طرق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فيما يتعلق بأوقات الصلاة، فإنه لما أورد الطرق الكثيرة أورد معها أثراً عن يحيى بن أبي كثير اليمامي في إسناده إليه قال: [لا يستطاع العلم براحة الجسم]، يعني: أنه هذه الروايات الكثيرة وهذا العلم الذي جمعت طرقه لا يحصل إلا بالتعب، والنصب، والمشقة، فلعل صنيع النسائي رحمه الله، في ذكره للأثر عن عبد الله بن المبارك الذي يدل على طلبه للعلم، والعناية فيه، واجتهاده فيه، ورحلته فيه، أنه لما مرت الروايات الكثيرة عنه في هذا الباب أو في هذا الكتاب، رأى أنه يذكر هذه الكلمة من أبي أسامة حماد بن أسامة، يعني: ذكر هذا الثناء عليه في رحلته، وكثرة أخذه عن العلماء في البلاد المختلفة.
    تراجم رجال إسناد أثر أبي أسامة: (ما رأيت رجلاً أطلب للعلم من عبد الله بن المبارك ...)

    قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال: سمعت أبا أسامة].أبو أسامة هو حماد بن أسامة وقد مر ذكره.
    ذكر الأشربة المباحة


    شرح حديث: (كان لأم سليم قدح ... سقيت فيه رسول الله كل الشراب ...)


    [ذكر الأشربة المباحة.أخبرنا الربيع بن سليمان حدثنا أسد بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ( كان لـأم سليم
    رضي الله عنها، قدح من عيدان، فقالت: سقيت فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل الشراب: الماء، والعسل، واللبن، والنبيذ )].أورد النسائي هذه التراجم: وهي الأشربة المباحة.
    لما ذكر في التراجم السابقة الأشربة المحظورة والمشتبهة ذكر هنا الأشربة المباحة، وأورد النسائي حديث أم سليم وهي: أم أنس بن مالك رضي الله تعالى عن الجميع، قالت: [إنه كان لها قدح من عيدان]، وقيل: المقصود بالعيدان: النخل الطوال، يؤخذ منها أوعية، وقد سبق أن مر بنا ذكر النقير، وأنه يتخذ من جذوع النخل، فقيل: إنه من عيدان، هو جمع عيدانة، اسم للنخل الطوال، وقيل: إنه من عيدان جمع عود، (وقالت: إنها سقت الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا القدح كل الشراب الماء، والعسل، واللبن، والنبيذ).
    والنبيذ طبعاً المقصود به: الشيء الذي ينبذ مثل التمر، ينبذ في الماء من أجل أن يحليه، هذا يقال له: نبيذ، وقد جاء في قصة وفاة عمر رضي الله عنه، لما طعن وجلس مدة قال: كانوا يسقونه اللبن فيخرج من جوفه ويسقونه النبيذ فيخرج من جوفه، يعني: أن النبيذ هو التمر الذي ينبذونه في الماء، أو يجعلونه من أجل أن يحلو ويصير فيه شيء من الحلاوة، كي يستساغ شربه ويناسب.
    تراجم رجال إسناد حديث: (كان لأم سليم قدح ... سقيت رسول الله فيه كل الشراب ...)

    قوله: [أخبرنا الربيع بن سليمان].الربيع بن سليمان يحتمل المرادي، ويحتمل الجيزي، وكل منهما ثقة.
    [حدثنا أسد بن موسى].
    أسد بن موسى هو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأبو داود، والنسائي.
    [حدثنا حماد بن سلمة].
    هو: حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن.
    [عن ثابت].
    هو: ثابت بن أسلم البناني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أنس].
    هو: أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، وهو خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    [كان لـأم سليم].
    أم سليم، وهي: أم أنس رضي الله تعالى عنها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجه.
    شرح أثر أبي بن كعب: (اشرب الماء واشرب العسل ... الخمر تريد؟)

    [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن ذر بن عبد الله عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: سألت أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبيذ، فقال: اشرب الماء، واشرب العسل، واشرب السويق، واشرب اللبن الذي نجعت به، فعاودته، فقال: الخمر تريد؟ الخمر تريد؟].أورد النسائي هذا الأثر عن أبي بن كعب رضي الله عنه، أنه سأله عبد الرحمن بن أبزى عن النبيذ فأرشده إلى أن يشرب أشياء مباحة ما فيها إشكال، وأن يدع ذلك الذي سأل عنه، فقال له: (اشرب الماء، واشرب العسل، واشرب السويق، واشرب اللبن الذي نجعت به)، يعني: الذي غذيت به؛ لأن غذاء الإنسان هو اللبن والحليب، وإن أول ما ينشأ الإنسان يتغذى بالحليب، فمعنى (الذي نجعت به) أي: الذي غذيت به في أول أمرك والذي نشأت عليه.
    قوله: (فعادوته)، يعني: أعاد عليه السؤال، وكرر عليه السؤال (فقال: الخمر تريد؟ الخمر تريد؟) ومن المعلوم أن هذا الذي قاله من باب الاحتياط، وإلا فإن من النبيذ ما لا شبهة فيه، ولا إشكال فيه، لكن الشيء الذي فيه شبهة بعض العلماء يتحرز منه، وإن كان ما كان سليماً فهو سائغ، وما كان غير سليم فهو الذي لا يسوغ ولا يجوز، لكن الشيء الذي فيه شبهة بعض أهل العلم يتحرز منه.
    تراجم رجال إسناد أثر أبي بن كعب: (اشرب الماء واشرب العسل... الخمر تريد؟)

    قوله: [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن سفيان].سفيان هو الثوري وقد مر ذكره.
    [عن سلمة بن كهيل].
    سلمة بن كهيل، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ذر بن عبد الله].
    ذر بن عبد الله، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى].
    هو: سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    أبوه عبد الرحمن بن أبزى وهو صحابي صغير، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبي بن كعب].
    أبي بن كعب رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر ابن مسعود: (أحدث الناس أشربة ما أدري ما هي ..)

    [أخبرنا أحمد بن علي بن سعيد بن إبراهيم أنه حدثنا القواريري حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن محمد عن عبيدة عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أحدث الناس أشربة ما أدري ما هي، فما لي شراب منذ عشرين سنة، أو قال أربعين سنة إلا الماء والسويق، غير أنه لم يذكر النبيذ]. أورد النسائي هذا الأثر عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: (أحدث الناس أشربة ما أدري ما هي، وليس لي شراب منذ عشرين سنة إلا الماء والسويق ولم يذكر النبيذ)، وإنما ذكر الماء والسويق.
    تراجم رجال إسناد أثر ابن مسعود (أحدث الناس أشربة ما أدري ما هي ...)

    قوله: [أخبرنا أحمد بن علي بن سعيد بن إبراهيم].هو أحمد بن علي بن سعيد بن إبراهيم، وهذا هو الذي يأتي ذكره كثيراً: أبو بكر بن علي، يعني: هنا ذكره بنسبه ولم يذكره بكنيته، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.
    [حدثنا القواريري عن معتمر بن سليمان].
    القواريري مر ذكره.
    ومعتمر بن سليمان بن طرخان التيمي، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن أبيه].
    هو: سليمان بن طرخان التيمي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد].
    هو: محمد بن سيرين البصري، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن عبيدة].
    هو: عبيدة بن عمرو السلماني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن ابن مسعود].
    هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر عبيدة: (أحدث الناس أشربة ما أدري ما هي ..)

    [أخبرنا سويد أخبرنا عبد الله عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن عبيدة أنه قال: أحدث الناس أشربة ما أدري ما هي، وما لي شراب منذ عشرين سنة إلا الماء، واللبن، والعسل]. أورد النسائي هذا الأثر عن عبيدة بن عمرو السلماني مثل كلام ابن مسعود، قال: (أحدث الناس أشربة ما لي شراب منذ عشرين سنة إلا الماء، والعسل، واللبن)، يعني: أن الأشربة المباحة، والمشتبهة يتجنبها، ويبتعد عنها.
    تراجم رجال إسناد أثر عبيدة: (أحدث الناس أشربة ما أدري ما هي ..)

    قوله: [أخبرنا سويد عن عبد الله عن ابن عون].ابن عون، هو: عبد الله بن عون، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [عن محمد بن سيرين عن عبيدة].
    وقد مر ذكرهما.
    شرح أثر طلحة بن مطرف: (... ألا تسقيهم النبيذ؟ قال: إني أكره أن يسكر مسلم في سببي)

    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن ابن شبرمة أنه قال: قال طلحة لأهل الكوفة: في النبيذ فتنة؛ يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير، قال: وكان إذا كان فيهم عرس كان طلحة وزبيد يسقيان اللبن والعسل، فقيل لـطلحة: ألا تسقيهم النبيذ؟ قال: إني أكره أن يسكر مسلم في سببي].ثم أورد النسائي هذا الأثر عن طلحة بن مصرف [قال طلحة لأهل الكوفة: في النبيذ فتنة؛ يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير، قال: وكان إذا كان فيهم عرس كان طلحة وزبيد يسقيان اللبن والعسل].
    قوله: (كان طلحة، وزبيد)، هما طلحة بن مصرف اليامي وزبيد بن الحارث اليامي، وقوله: (يسقيان العسل واللبن) يعني: في مناسبة العرس، (فقيل له: ألا تسقيهم النبيذ؟ قال إني أكره أن يسكر مسلم في سببي).
    وهذا ليس المقصود منه: أنه معروف بأنه يسكر، لكن احتمال أن يحصل فيه إسكار، فهو يسقيهم الشيء الذي هو مباح، والذي لا شبهة فيه، والشيء الذي قد يصل إلى حد الإسكار وقد يقع أن يسكر أحد بسبب شربه، وإن كان قد يظن أنه غير مسكر فيتبين أنه مسكر، فيقول: (لا أحب أن يسكر أحد بسببي)، يعني: بكوني أسقيته، وكوني ناولته شيئاً كنت أظنه لم يصل إلى حد الإسكار ثم بلغ حد الإسكار وسكر بسبب ذلك، لا أحب أن يحصل ذلك بسببي.
    تراجم رجال إسناد أثر طلحة بن مطرف: (... ألا تسقيهم النبيذ؟ قال: إني أكره أن يسكر مسلم في سببي)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير عن ابن شبرمة عن طلحة].كل هؤلاء مر ذكرهم.
    [عن طلحة].
    هو: طلحة بن مصرف اليامي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    [و زبيد بن الحارث اليامي].
    هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
    شرح أثر جرير: (كان ابن شبرمة لا يشرب إلا الماء واللبن)

    [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير قال: كان ابن شبرمة لا يشرب إلا الماء واللبن].أورد النسائي هذا الأثر عن ابن شبرمة: أنه كان لا يشرب إلا الماء واللبن، والأشربة الأخرى كان يتجنبها، وهذا من باب الاحتياط والورع، وإلا فإن هناك أشربة فيها سلامة، لا سيما مثل الشيء إذا عصر وشرب طرياً، فإن هذا بعيد عن الإسكار، ولا علاقة له بالإسكار، ولكنه كان أي: ابن شبرمة رحمة الله عليه، لا يشرب إلا الماء واللبن.
    تراجم رجال إسناد أثر جرير: (كان ابن شبرمة لا يشرب إلا الماء واللبن)

    قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير قال: كان ابن شبرمة].وقد مر ذكر الثلاثة.
    تم بفضل الله اليوم الخميس
    20/10/2022 مـــ
    24من ربيع الاول 1444 ه


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •