تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 6 الأولىالأولى 123456 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 104

الموضوع: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    يا مغرورا بالأماني !!
    أين الذي جمعته من الأموال ، و أعددته للشدائد و الأهوال ؟!
    لقد أصبحت كفك منه عند الموت خالية صفراً ، و بدلت من بعد غناك و عزك ذلاً و فقراً
    فكيف أصبحت يا رهين أوزاره و يا من سلب من أهله و دياره ؟
    ما كان أخفى عليك سبيل الرشاد ، و أقل اهتمامك لحمل الزاد ، إلى سفرك البعيد ، و موقفك الصعب الشديد
    أو ما علمت يا مغرور : أن لا بد من الارتحال ، إلى يوم شديد الأهوال ، و ليس ينفعك ثم قيل و لا قال
    بل يعد عليك بين يدي الملك الديان ، ما بطشت اليدان ، و مشت القدمان و نطق به اللسان ، و عملت الجوارح و الأركان
    فإن رحمك فإلى الجنان ، و إن كانت الأخرى فإلى النيران
    يا غافلاً عن هذه الأحوال .
    إلى كم هذه الغفلة و التوان ، أتحسب أن الأمر صغير . و تزعم أن الخطب يسير ؟
    و تظن أن سينفعك حالك ، إذا آن ارتحالك ، أو ينقذك مالك ، حين توبقك أعمالك ، أو يغني عنك ندمك ، إذا زلت بك قدمك ، أو يعطف عليك معشرك ، حين يضمك محشرك
    كلا و الله ساء ما تتوهم و لا بد لك أن ستعلم .
    لا بالكفاف تقنع ، و لا من الحرام تشبع ، ولا للعظاة تستمع ، و لا بالوعيد ترتدع
    دأبك أن تنقلب مع الأهواء ، و تخبط خبط العشواء
    يعجبك التكاثر بما لديك ، و لا تذكر ما بين يديك
    يا نائماً في غفلة و في خبطة يقظان ، إلى كم هذه الغفلة و التوان
    أتزعم أن ستترك سدى ، و أن لا تحاسب غداً ، أم تحسب أن الموت يقبل الرشا ، أم تميز بين الأسد و الرشا
    كلا و الله لن يدفع عنك الموت مال ولا بنون
    و لا ينفع أهل القبور إلا العمل المبرور
    فطوبى لمن سمع و وعى ، و حقق ما ادعى ، و نهى النفس عن الهوى ، و علم أن الفائز من ارعوى ، و أن ليس للإنسان إلا ما سعى و أن سعيه سوف يرى
    فانتبه من هذه الرقدة ، و اجعل العمل الصالح لك عدة
    و لا تتمن منازل الأبرار ، و أنت مقيم على الأوزار ,عامل بعمل الفجار
    ، بل أكثر من الأعمال الصالحات ، و راقب الله في الخلوات . رب الأرض و السموات
    ولا يغرنك الأمل ، فتزهد عن العمل
    أو ماسمعت الرسول حيث يقول ، لما جلس على القبور : يا إخواني ، لمثل هذا فأعدوا ، أو ما سمعت الذي خلقك فسواك ، يقول :
    ( وتزودوا ، فإن خير الزاد التقوى )
    و أنشدوا :
    تزود من معاشك للمعاد ==و قم لله و اعمل خير زاد
    و لا تجمع من الدنيا كثيراً ==فإن المال يجمع للنفاد
    أترضى أن تكون رفيق قوم ==لهم زاد وأنت بغير زاد ؟
    و قال آخر :
    إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ==و لاقيت بعد الموت من قد تزودا
    ندمت على أن لا تكون كمثله ==و أنك لم ترصد كما كان أرصدا
    و قال آخر :
    الموت بحر طافح موجه ==تذهب فيه حيلة السابح
    يانفس إني قائل فاسمعي== مقالة من مشفق ناصح
    لا ينفع الإنسان في قبره ==غير التقى و العمل الصالح
    و قال آخر :
    أسلمني الأهل ببطن الثرى== و انصرفوا عني فيا وحشتا
    و غادروني معدماً يائساً== ما بيدي اليوم إلا البكا
    و كل ما كان كأن لم يكن ==و كل ما حذرته قد أتى
    و ذاكم المجموع و المقتنى== قد صار في كفي مثل الهبا
    و لم أجد لي مؤنساً ها هنا== غير فجور موبق أو نقا
    فلو تراني و ترى حالتي ==بكيت لي يا صاح مما ترى
    و قال آخر :
    و لدتك إذ ولدتك أمك باكياً ==و القوم حولك يضحكون سروراً
    فاعمل ليوم أن تكون إذا بكوا ==في يوم موتك ضاحكاً مسروراً
    التذكرة / القرطبي
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    يا ابن آدم
    توهم نفسك إذا تطايرت الكتب و نصبت الموازين
    و قد نوديت باسمك على رؤوس الخلائق
    أين فلان ابن فلان هلم إلى العرض على الله تعالى و قد وكلت الملائكة بأخذك فقربتك إلى الله لا يمنعها اشتباه الأسماء باسمك و اسم أبيك إذ عرفت أنك المراد بالدعاء إذ قرع النداء قلبك ،
    فعلمت أنك المطلوب ، فارتعدت فرائصك ، و اضطربت جوارحك ، و تغير لونك ، و طار قلبك .
    تحظى بك الصفوف إلى ربك للعرض عليه و الوقوف بين يديه ، و قد رفع الخلائق إليك أبصارهم و أنت في أيديهم
    و قد طار قلبك و اشتد رعبك لعلمك أين يراد بك .
    فتوهم نفسك و أنت بين يدي ربك في يدك صحيفة مخبرة بعملك لا تغادر بلية كتمتها و لا مخبأة أسررتها
    و أنت تقرأ ما فيها بلسان كليل و قلب منكسر و الأهوال محدقة بك من بين يديك و من خلفك
    فكم من بلية قد كنت نسيتها ذكرتها ، و كم من سيئة قد كنت أخفيتها قد أظهرها و أبداها ،
    و كم من عمل ظننت أنه سلم لك و خلص فرده عليك في ذلك الموقف و أحبطه بعد أن كان أملك فيه عظيماً
    فيا حسرة قلبك و يا أسفك على ما فرطت فيه من طاعة ربك
    فأما من أوتي كتابه بيمينه فعلم أنه من أهل الجنة فيقول هاؤم اقرؤوا كتابيه و ذلك حين يأذن الله فيقرأ كتابه .
    فإذا كان الرجل رأساً في الخير يدعوا إليه و يأمر به و يكثر تبعه عليه دعي باسمه و اسم أبيه فيتقدم
    حتى إذا دنا أخرج له كتاب أبيض بخط أبيض في باطنه السيئات و في ظاهره الحسنات ، فيبدأ بالسيئات فيقرؤها فيشفق و يصفر وجهه و يتغير لونه
    فإذا بلغ آخر الكتاب و جد فيه هذه سيئاتك و قد غفرت لك
    فيفرح عند ذلك فرحاً شديداً ، ثم يقلب كتابه فيقرأ حسناته فلا يزداد إلا فرحاً
    حتى إذا بلغ آخر الكتاب و جد فيه هذه حسناتك قد ضوعفت لك فيبيض و جهه
    و يؤتى بتاج فيوضع على رأسه و يكسى حلتين و يحلى كل مفصل فيه و يطول ستين ذراعاً و هي قامة آدم
    و يقال له : انطلق إلى أصحابك فبشرهم و أخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فإذا أدبر قال:
    (هاؤم اقرؤوا كتابيه * إني ظننت أني ملاق حسابيه )
    قال الله تعالى :
    (فهو في عيشة راضية ) :أي مرضية قد رضيها (في جنة عالية): في السماء (قطوفها ):ثمارها و عناقيدها دانية أدنيت منهم فيقول لأصحابه هل تعرفونني ؟
    فيقولون قد غمرتك كرامة الله من أنت فيقول أنا فلان ابن فلان ليبشر كل رجل منكم بمثل هذا
    ( كلوا و اشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ):أي قدمتم في أيام الدنيا .
    و إذا كان الرجل رأساً في الشر يدعو إليه و يأمره به فيكثر تبعه عليه و نودي باسمه و اسم أبيه ،
    فيتقدم إلى حسابه فيخرج له كتاب أسود بخط أسود في باطنه الحسنات و في ظاهره السيئات ، فيبدأ بالحسنات فيقرؤها و يظن أنه سينجو ،
    فإذا بلغ آخر الكتاب وجد فيه : هذه حسناتك و قد ردت عليك ، فيسود وجهه و يعلوه الحزن و يقنط من الخير ثم يقلب كتابه فيقرأ سيئاته فلا يزداد إلا حزناً و لا يزداد و جهه إلا سوداً
    فإذا بلغ آخر الكتاب و جد فيه : هذه سيئاتك و قد ضوعفت عليك أي يضاعف عليه العذاب ليس المعنى أنه يزاد عليه ما لم يعمل .
    قال : فينظر إلى النار و تزرق عيناه و يسود و جهه و يكسى سرابيل القطران ، و يقال له : انطلق إلى أصحابك فأخبرهم أن لكل إنسان منهم مثل هذا فينطلق و هو يقول :
    (يا ليتني لم أوت كتابيه * و لم أدر ما حسابيه * يا ليتها كانت القاضية ) :يعني الموت
    (هلك عني سلطانيه): تفسير ابن عباس رضي الله عنهما هلكت عني حجتي .
    قال تعالى :(خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه ):أي اجعلوه يصلى الجحيم
    (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه ):و الله أعلم بأي ذراع . قال الحسن و قال ابن عباس رضي الله عنهما : سبعون ذراعاً بذراع الملك .
    التذكرة / القرطبي
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    عباد الله
    قال عمر رضي الله عنه :( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا )
    و إنما حساب العبد لنفسه أن يتوب عن كل معصية قبل الموت توبة نصوحاً
    و يتدارك ما فرط من تقصير في فرائض الله عز و جل ، و يرد المظالم إلى أهلها حبة حبة ، و يستحل كل من تعرض له بلسانه و يده و سطوء ظن بقلبه ، و يطيب قلوبهم حتى يموت
    و لم يبق عليه فريضة و لا مظلمة
    فهذا يدخل الجنة بغير حساب
    فإن مات قبل رد المظالم أحاط به خصماؤه
    فهذا يأخذ بيده
    و هذا يقبض على ناصيته
    وهذا يتعلق بلبته
    و هذا يقول ظلمتني ، و هذا يقول شتمتني ،
    و هذا يقول استهزأت بي ، و هذا يقول ذكرتني في الغيبة بما يسوءني
    و هذا يقول جاورتني فأسأت جواري ، و هذا يقول عاملتني فغششتني ،
    و هذا يقول بايعتني و أخفيت عني عيب متاعك
    و هذا يقول كذبت في سعر متاعك ، و هذا يقول رأيتني محتاجاً و كنت غنياً فما أطعمتني ،
    و هذا يقول وجدتني مظلوماً و كنت قادراً على دفع الظلم فداهنت الظالم و ما راعيتني ،
    فبينما أنت كذلك و قد أنشب الخصماء فيك مخاليبهم و احكموا في تلابيبك أيديهم
    و أنت مبهوت متحير من كثرتهم حتى لم يبق في عمرك أحد عاملته على درهم أو جالسته في مجلس إلا و قد استحق عليك مظلمة بغيبة أو جناية أو نظر بعين استحقار ،
    و قد ضعفت عن مقاومتهم و مددت عنق الرجاء إلى سيدك و مولاك لعله يخلصك من أيديهم
    إذ قرع سمعك نداء الجبار
    ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم)
    فعند ذلك ينخلع قلبك من الهيبة ، و توقن نفسك بالبوار ،
    و تتذكر ما أنذرك الله به على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم حيث قال :
    ( و لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون) إلى قوله :( لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء ).
    فما أشد فرحك اليوم بتمضمضك بأعراض الناس و تناولك أموالهم !!!
    و ما أشد حسرتك في ذلك اليوم إذا وقف بك على بساط العدل ، و شوفهت بخطاب السيئات ، و أنت مفلس فقير عاجز مهين لا تقدر على أن ترد حقاً أو تظهر عذراً
    فعند ذلك تؤخذ حسناتك التي تعبت فيها عمرك و تنقل إلى أخصامك عوضاً عن حقوقهم
    فانظر إلى مصيبتك في مثل هذا اليوم إذ ليس لك حسنة قد سلمت من آفات الرياء و مكائد الشيطان ، فإن سلمت حسنة واحدة في مدة طويلة ابتدرها خصماؤك و أخذوها .
    فكيف ترجو الخلاص من المظالم في يوم يقتص فيه للجماء من القرناء ؟
    و يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا
    فكيف بك يا مسكين في يوم ترى فيه صحيفتك خالية من حسنات طال فيها تعبك ؟
    فتقول : أين حسناتي ؟
    فيقال : نقلت إلى صحيفة خصمائك
    و ترى صحيفتك مشحونة بسيئات غيرك .
    فتقول يا رب هذه سيئات ما قارفتها قط .
    فيقال : هذه سيئات الذين اغتبتهم و شتمتهم و قصدتهم بالسوء و ظلمتهم في المعاملة و المبايعة و المجاورة و المخاطبة و المناظرة و المذاكرة و المدارسة و سائر أصناف المعاملة ،
    فاتق الله في مظالم العباد بأخذ أموالهم و التعرض لأعراضهم و أبشارهم و تضييق قلوبهم و إساءة الخلق في معاشرتهم ، فإن ما بين العبد و بين الله خاصة المغفرة إليه أسرع
    التذكرة/ القرطبي/ بتصرف
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:
    ترسل الأمانة و الرحم فيقومان جنبتي الصراط يميناً و شمالاً فيمر أولكم كالبرق الخاطف .
    قال : قلت بأبي أنت و أمي و أي شيء كمر البرق ؟
    قال : ألم تر إلى البرق كيف يمر و يرجع في طرفة عين ؟
    ثم كمر الريح
    ثم كمر الطير و شد الرجال تجري بهم أعمالهم
    و نبيكم صلى الله عليه و سلم قائم على الصراط يقول :
    رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد حتى يجيء الرجل و لا يستطيع السير إلا زاحفاً .
    قال : و في حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت بأخذه
    فمخدوش ناج
    و منكوس في النار
    و الذي نفس محمد بيده : إن قعر جهنم لسبعون خريفاً ؟
    و قال أيضا:
    ثم يضرب الجسر على جهنم و تحل الشفاعة و يقال : اللهم سلم سلم
    قيل : يا رسول الله ، و ما الجسر ؟
    قال : دحض مزلة فيه خطاطيف و كلاليب و حسكة تكون بنجد فيها شوكة يقال لها السعدان : فيمر المؤمنون كطرف العين و كالبرق و كالريح و كالطير و كأجاويد الخيل و الركاب
    فناج مسلم و مخدوش مرسل و منكوس في نار جهنم
    فتفكر الآن فيما يحل بك من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط و دقته
    ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته
    ثم قرع سمعك شهيق النار و تغيظها
    و قد كلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك ، و اضطراب قلبك ، و تزلزل قدمك و ثقل ظهرك بالأوزار المانعة لك من المشي على بساط الأرض ، فضلاً عن حدة الصراط .
    فكيف بك إذا وضعت عليه إحدى رجليك فأحسست بحدته ، و اضطررت إلى أن ترفع القدم الثاني
    و الخلائق بين يديك يزلون و يعثرون ، و تتناولهم زبانية النار بالخطاطيف و الكلاليب
    و أنت تنظر إليهم كيف ينكسون فتسفل إلى جهة النار رؤوسهم
    و تعلو أرجلهم
    فيا له من منظر ما أفظعه !!!
    و مرتقى ما أصبعه!!! و مجاز ما أضيقه !!!
    فيا لها من ساعة ما أعظم خوفها و ما أشد حرها
    يتقدم فيها من كان في الدينا ضعيفاً مهيناً ، و يتأخر عنها من كان في الدنيا عظيماً مكيناً
    فيا رب سلم سلم
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    يا أسير دنياه، يا عبد هواه
    يا موطن الخطايا، ويا مستودع الرزايا
    اذكر ما قدّمت يداك، وكن خائفا من سيدك ومولاك أن يطّلع على باطن زللك وجفاك
    فيصدك عن بابه، ويبعدك عن جنابه، ويمنعك عن مرافقة أحبابه
    فتقع في حضرة الخذلان، وتتقيد بشرك الخسران
    وكلما رمت التخلص من غيّك وعناك، صاح بك لسان الحال وناداك:
    إليك عنا فما تحظى بنجوانا... يا غادرا قد لها عنا و قد خانا
    أعرضت عنا ولم تعمل بطاعتنا ...و جئت تبغي الرضا و الوصل قد بانا
    بأي وجه نراك اليوم تقصدنا... و طال ما كنت في الأيام تنسانا
    يا ناقض العهد ما في وصلنا طمع... الا لمجتهد بالجدّ قد دانا
    يا من باع الباقي بالفاني،
    اما ظهر لك الخسران
    ما أطيب أيام الوصال
    وما أمرّ أيام الهجران
    ما طاب عيش القوم حتى هجروا الأوطان، وسهروا الليالي بتلاوة القرآن فيبيتون لربهم سجدا وقياما.
    عن عبد العزيز بن سلمان العابد، قال: حدثني مطهر، وقد كان بكى شوقا إلى الله تعالى ستين عاما، قال: رأيت كأني على ضفة نهر يجري بالمسك الاذفر، وحافاته شجر اللؤلؤ، وطينه العنبر، وفيه قضبان الذهب، وإذا بجوار مترنمات يقلن بصوت واحد:
    سبحانه وتعالى سبحان، سبحان المسبّح بكل لسان
    نحن الخالدات فلا نموت أبدا. نحن الراضيات، فلا نغضب أبدا. نحن الناعمات، فلا نتغيّر أبدا.
    قال: فقلت لهن: من أنتن؟!
    فقلن: خلق من خلق الله تعالى.
    قلت: ما تصنعن هاهنا؟
    فقلن بصوت واحد حسن مليح:
    ذرانا اله الناس رب محمد... لقوم على الأطراف بالليل قوم
    يناجون رب العالمين إلههم ...و تسرى هموم القوم والناس نوم
    فقلت: بخ بخ! من هؤلاء الذين أقر الله أعينهم؟
    قلن: أما تعرفهم؟!
    قلت: لا و الله ما أعرفهم.
    فقلن: هم المجتهدون بالليل، أصحاب السهر بالقرآن.
    و فب بعض الإسرائيليات:
    أوحى الله إلى داود عليه السلام: يا داود، بشر المذنبين، وأنذر الصديقين
    فتعجب داود عليه السلام، فقال: يا رب، فكيف أبشر المذنبين وأنذر الصديقين؟!
    قال الله تعالى: يا داود، بشر المذنبين ألا يتعاظمني ذنب أغفره، وأنذر الصديقين ألا يعجبوا بأعمالهم، فأني لا أضع حسابي على أحد الا هلك.
    يا داود، إن كنت تزعم أنك تحبني فأخرج حب الدنيا من قلبك، فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد.
    يا داود، من احبني، يتهجد بين يدي إذا نام البطالون، ويذكرني في خلوته إذا لها عن ذكري الغافلون، ويشكر نعمتي عليه إذا غفل عني الساهون".
    وأنشدوا:
    طوبى لمن سهرت بالليل عيناه... وبات في قلق من حب مولاه
    وقام يرعى نجوم الليل منفردا... شوقا اليه وعين الله ترعاه
    يا هذا، أتدري ما صنعت؟
    بعت القرب بالبعد، والعقل بالهوى والدين بالدنيا.
    وأنشدوا:
    قم فارث نفسك وابكها.... ما دمت, وابك على مهل
    فإذا اتقى الله الفتى ....فيما يريد فقد كمل
    أبناء الأربعين، زرع دنا حصاده
    أبناء الخمسين، هلموا إلى الحساب
    أبناء الستين، ماذا قدّمتم وماذا أخرتم
    أبناء السبعين، ماذا تنتظرون.
    ألا ليت الخلق لم يخلقوا، فإذا خلقوا ليتهم علموا لما خلقوا له، فعملوا لذلك. ألا قد أتتكم الساعة فخذوا حذركم".
    نزه مشيبك عن شيء يدنّسه... إن البياض قليل الحمل للدنس
    بحر الدموع / ابن الجوزي/بتصرف
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    يا أخي
    لا تغسل أدناس الذنوب الا بماء المدامع
    لا ينجو من قتار المعصية الا من يسارع
    أحضر قلبك ساعة، عساه بنائحة الموعظة يراجع
    كم لي أتلو عليك صحف الموعظة، وما أظنك سامع.
    لكن يوم المعصية ما أنحسه من طالع
    ويوم الطاعة مختار وكل سعد فيه طالع
    أطلب، ويحك، رفاق التائبين، وجدد رسائلك للحبيب وطالع
    مصباح التقوى يدل على الجادة، وكم في ظلمة الغفلة من قاطع
    ابك، ويحك، على موت قلبك وعمى بصيرتك، وكثرة الموانع.
    إذا لم يعظك الدهر والشيب والضعف، فما أنت صانع
    فبالله يا اخواني بادروا بالمتاب، وراجعوا أنفسكم قبل يوم الحساب.
    ما اعتذاري وأمر ربي عصيت... حين تبدي صحائفي ما أتيت
    ما اعتذاري إذا وقفت ذليلا... قد نهاني ما أراني انتهيت
    يا غنيا عن العباد جميعا ...و عليما بكل ما قد سعيت
    ليس لي حجة ولا لي عذر... فاعف عن زلتي وما قد جنيت
    يا من مات قلبه، أي شيء تنفع حياة البدن إذا لم تفرّق بين القبيح والحسن.
    سلبك المشيب من الشباب، فأين البكاء، وأين الحزن؟
    إذا كان القلب خرابا من التقوى، فما ينفع البكاء في الدّمن.
    يا قتيل الهجران، هذا أوان الصلح بادر عسى يزول الحزن.
    بحر الدموع/ ابن الجوزي
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    عباد الله

    النفس جبل عظيم شاق في طريق السير إلى الله عز و جل
    و كل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل فلا بد أن ينتهى إليه
    و لكن منهم من هو شاق عليه و منهم من هو سهل عليه, و إنه ليسير على من يسره الله عليه
    و في ذلك الجبل أودية وشعوب, و عقبات و هود ,و شوك ,و عوسج, و عليق وشبرق ,و لصوص يقتطعون الطريق على السائرين, و لا سيما أهل الليل المدلجين
    فإذا لم يكن معهم عُدد الإيمان ومصابيح اليقين تتقد بزيت الإخبات ,و إلا تعلقت بهم تلك الموانع
    و تشبثت بهم تلك القواطع, و حالت بينهم وبين السير
    فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته!!
    و الشيطان على قلة ذلك الجبل يحذر الناس من صعوده و ارتفاعه ويخوفهم منه!!
    فيتفق مشقة الصعود وقعود ذلك المخوف على قلته, و ضعف عزيمة السائر و نيته
    فيتولد من ذلك : الانقطاع والرجوع
    و المعصوم من عصمه الله
    وكلما رقى السائر في ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع وتحذيره وتخويفه
    فإذا قطعه وبلغ قلته انقلبت تلك المخاوف كلهن أمانا
    و حينئذ يسهل السير ,و تزول عنه عوارض الطريق و مشقة عقباتها
    و يرى طريقا واسعا آمنا يفضي به إلى المنازل و المناهل
    و عليه الأعلام وفيه الإقامات قد أعدت لركب الرحمن
    فبين العبد وبين السعادة والفلاح : قوة عزيمة و صبر ساعة و شجاعة نفس و ثبات قلب
    و الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم


    مدارج السالكين/ ابن القيم
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    أَيُّهَا الْعَالِمُ الْفَقِيرُ

    أَيَسُرُّك مُلْكُ سُلْطَانٍ مِنْ السَّلَاطِينِ ، وَأَنَّ مَا تَعْلَمُهُ مِنْ الْعِلْمِ لَا تَعْلَمُهُ ؟
    كَلًّا مَا أَظُنُّ الْمُتَيَقِّظَ يُؤْثِرُ هَذَا ، ثُمَّ أَنْتَ إذَا وَقَعَ لَك خَاطِرٌ مُسْتَحْسَنٌ ، أَوْ مَعْنًى عَجِيبٌ تَجِدُ لَذَّةً لَا يَجِدُهَا مُلْتَذٌّ بِاللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ ،فَقَدْ حُرِمَ مِنْ رِزْقِ اللَّذَّاتِ الْحِسِّيَّةِ مَا قَدْ رُزِقْت .
    وَقَدْ شَارَكْتَهُمْ فِي قِوَامِ الْعَيْشِ ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْفُضُولُ الَّتِي إذَا حُذِفَتْ لَمْ تَكَدْ تَضُرُّ ,ثُمَّ هِيَ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ فِي بَابِ الْآخِرَةِ غَالِبًا
    وَ أَنْتَ عَلَى السَّلَامَةِ فِي الْأَغْلَبِ
    فَتَلَمَّحْ يَا أَخِي عَوَاقِبَ الْأَحْوَالِ ، وَاقْمَعْ الْكَسَلَ الْمُثَبِّطَ عَنْ الْفَضَائِلِ .
    وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَضَائِلَ لَا تُنَالُ بِالْهُوَيْنَا
    فَبَارَكَ اللَّهُ لِأَهْلِ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ ، فَنَحْنُ الْأَغْنِيَاءُ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ ،
    فَإِنْ عَمَّرُوا دَارًا سَخَّرُوا الْفَعَلَةَ ،
    وَ إِنْ جَمَعُوا مَالًا فَمِنْ وُجُوهٍ لَا تَصْلُحُ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَخَافُ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يُعْزَلَ أَوْ يُسَمَّ ، فَعَيْشُهُمْ نَغَصٌ
    الْعِزُّ فِي الدُّنْيَا لَنَا لَا لَهُمْ ، وَإِقْبَالُ الْخَلْقِ عَلَيْنَا
    وَ فِي الْآخِرَةِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ تَفَاوُتٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
    وَالْعَجَبُ لِمَنْ شَرُفَتْ نَفْسُهُ حَتَّى طَلَبَ الْعِلْمَ إذْ لَا تَطْلُبُهُ إلَّا نَفْسٌ شَرِيفَةٌ كَيْفَ يَذِلُّ لِنَذْلٍ ، مَا عِزُّهُ إلَّا بِالدُّنْيَا ، وَلَا فَخْرُهُ إلَّا بِالْمَسْكَنَةِ ، فلَيْسَ فِي الدُّنْيَا عَيْشٌ إلَّا لِعَالِمٍ أَوْ زَاهِدٍ
    وَإِذَا قَنَعَا بِمَا يَكُفُي لَمْ يَتَمَنْدَلْ بِهِمَا سُلْطَانٌ ، وَلَمْ يُسْتَخْدَمَا بِالتَّرْدَادِ إلَى بَابِهِ ، وَلَمْ يَحْتَجْ الزَّاهِدُ إلَى تَصَنُّعٍ ، وَالْعَيْشُ اللَّذِيذُ الْمُنْقَطِعُ الَّذِي لَا يُتَمَنْدَلُ بِهِ وَلَا يُحْمَلُ مِنْهُ


    الآداب الشرعية/ ابن مفلح
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Dec 2011
    المشاركات
    24

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    بارك الله فيكم

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    عباد الله

    محبة الله هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون
    وإليها شخص العاملون وإلى علمها شمر السابقون
    وعليها تفانى المحبون وبروح نسيمها تروح العابدون
    فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون
    و هي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات
    و الشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام
    و اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام
    هي روح الإيمان و الأعمال و المقامات و الأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه
    تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها
    و توصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها
    و تبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها
    و هي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب
    تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب وقد قضى الله يوم قدر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة أن المرء مع من أحب
    فيالها من نعمة على المحبين سابغة !!
    تالله لقد سبق القوم السعاة وهم على ظهور الفرش نائمون ,و قد تقدموا الركب بمراحل وهم في سيرهم واقفون
    من لي بمثل سيرك المدلل ... تمشي رويدا وتجي في الأول
    أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم حي على الفلاح ,و بذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم و كان بذلهم بالرضى والسماح و واصلوا إليه المسير بالإدلاج و الغدو والرواح
    تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم وشكروا مولاهم على ما أعطاهم
    و إنما يحمد القوم السرى عند الصباح
    أول نقدة من أثمان المحبة بذل الروح فما للمفلس الجبان البخيل وسومها ؟ًَ!
    بدم المحب يباع وصلهم ... فمن الذي يبتاع بالثمن


    تالله ما هزلت فيستامها المفلسون و لا كسدت فيبيعها بالنسيئة المعسرون
    لقد أقيمت للعرض في سوق من يزيد ,فلم يرض لها بثمن دون بذل النفوس
    فتأخر البطالون وقام المحبون ينظرون أيهم يصلح أن يكون ثمنا, فدارت السلعة بينهم و وقعت في يد :
    (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين )
    لما كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى الخلي حُرقة الشجي
    فتنوع المدعون في الشهود فقيل لا تقبل هذه الدعوى إلا ببينة:
    (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله )
    فتأخر الخلق كلهم وثبت أتباع الحبيب في أفعاله و أقواله وأخلاقه فطولبوا بعدالة البينة بتزكية:
    ( يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم )
    فتأخرا أكثر المحبين وقام المجاهدون فقيل لهم إن نفوس المحبين وأموالهم ليست لهم فهلموا إلى بيعة :
    (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة )
    فلما عرفوا عظمة المشتري وفضل الثمن وجلالة من جرى على يديه عقد التبايع عرفوا قدر السلعة وأن لها شأنا فرأوا من أعظم الغبن أن يبيعوها لغيره بثمن بخس, فعقدوا معه بيعة الرضوان بالتراضي من غير ثبوت خيار وقالوا :
    و الله لا نقيلك ولا نستقيلك
    فلما تم العقد و سلموا المبيع قيل لهم :
    مذ صارت نفوسكم وأموالكم لنا رددناها عليكم أوفر ما كانت و أضعافها معا:
    (و لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله )
    إذا غرست شجرة المحبة في القلب, و سقيت بماء الإخلاص و متابعة الحبيب أثمرت أنواع الثمار و آتت أكلها كل حين بإذن ربها, أصلها ثابت في قرار القلب وفرعها متصل بسدرة المنتهى
    لا يزال سعي المحب صاعدا إلى حبيبه لا يحجبه دونه شيء:
    ( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه )

    مدارج السالكين/ ابن القيم
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Feb 2008
    المشاركات
    970

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    جزاكم الله خيرا

    حمل ما تشاء من الكتب

    http://www.maktaba-virtu.blogspot.com

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    ما أبله من لا يعلم متى يأتيه الموت، و هو لا يستعد للقائه!

    و أشد الناس بلهًا وتغفيلًا من قد عبر الستين، و قارب السبعين فإن ما بينهما هو معترك المنايا، ومن نازل المعترك، استعد و هو مع ذلك غافل عن الاستعداد.
    قال الشباب: لعلنا في شيبنَا ... ندع الذنوبَ، فما يَقُوْلُ الأَشْيَبُ؟
    و الله، إن الضحك من الشيخ ما له معنى، و إن المزاح منه بارد المعنى، وإ ن تعرضه بالدنيا -وقد دفعته عنها- يضعف القوى، ويضعف الرأي. وهل بقي لابن ستين منزل؟!
    فإن طمع في السبعين؛ فإنما يرتقي إليها بعناء شديد إن قام دفع الأرض، وإن مشى، لهث، وإن قعد، تنفس، ويرى شهوات الدنيا، ولا يقدر على تناولها، فإن أكل، كد المعدة، وصعب الهضم، وإن وطئ، آذى المرأة، و وقع دنفًا، لا يقدر على رد ما ذهب من القوة إلى مدة طويلة، فهو يعيش عيش الأسير.


    فإن طمع في الثمانين، فهو يزحف إليها زحف الصغير.
    وعشر الثمانين من خاضها ... فإن الملمات فيها فنون


    فالعاقل من فهم مقادير الزمان؛ فإنه فيما قبل البلوغ صبي، ليس على عمره عيار
    ، إلا أن يرزق فطنة، ففي بعض الصبيان فطنة تحثهم من الصغر على اكتساب المكارم والعلوم.
    فإذا بلغ، فليعلم أنه زمان المجاهدة للهوى، وتعلم العلم، فإذا رزق الأولاد، فهو زمان الكسب للمعاملة، فإذا بلغ الأربعين، انتهى تمامه، وقضى مناسك الأجل، ولم يبق إلا الانحدار إلى الوطن.
    كأن الفتى يرقى من العمر سلمًا ... إلى أن يجوز الأربعين وينحطُّ
    فينبغي له عند تمام الأربعين أن يجعل جل همته التزود للآخرة، ويكون كل تلمحه لما بين يديه، ويأخذ في الاستعداد للرحيل، وإن كان الخطاب بهذا لابن عشرين، إلا أن رجاء التدارك في حق الصغير لا في حق الكبير.
    فإذا بلغ الستين؛ فقد أعذر الله إليه في الأجل، وجاز من الزمن2، فليقبل بكليته على جمع زاده، وتهيئة آلات السفر، وليعتقد أن كل يومٍ يحيا فيه غنيمة4 ما هي في الحساب، خصوصًا إذا قوي عليه الضعف وزاد، فإنه لا محرك كهو. وكلما علت سنه، فينبغي أن يزيد اجتهاده.
    فإذا دخل في عشر الثمانين، ليس إلا الوداع، وما بقي من العمر إلا أسف على تفريط، أو تعبد على ضعف.
    نسأل الله عز وجل يقظة تامة، تصرف عنا رقاد الغفلات، وعملًا صالحًا نأمن معه من الندم يوم الانتقال. والله الموفق.
    صيد الخاطر
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    يا راحلا بلا زاد و السفر بعيد

    العين جامدة و القلب أقسى من الحديد. من أولى منك بالضراء وأنت تغرق في بحر المعاصي في كل يوم جديد.
    ما أيقظك الشباب و لا أنذرك الاكتهال، ولا نهاك المشيب
    ما أرى صلاحك الا بعيد، فديت أهل العزائم، لقد نالوا من الفضل المزيد
    طووا فراش النوم، فلهم بكاء وتغريد
    دموعهم تجري على خدودهم، خدّدت في الخدود أي تخديد
    ما أنت من أهل المحبة ولا من العشاق يا قليل الهمة يا طريد.


    يا من سوّف بالمتاب حتى شاب
    يا من ضيّع في الغفلة أيام الشباب
    يا مطرودا بذنوبه عن الباب
    إذا كنت في الشباب غافلا،و في المشيب مسوّفا، متى تقف بالباب؟
    كم عوملت على الوفاء؟ ما هكذا فعل الأحباب
    الظاهر منك عامر، والباطن ويحك، خراب، كم عصيان كم مخالفة، كم رياء, كم حجاب؟
    ولّى طيب العمر في الخطايا، يا ترى تعود إلى الصواب؟.
    ما بعد الشيب لهو، كيف يجمل بالشيخ التصاب؟
    أنت لو قدمت في متقادم عمرك الطاعة، لخفف عنك الحساب.
    كيف والعمر ولى في الغفلة وفي طلب الأسباب؟
    إذا أنذرك المشيب بالرحلة، ولم تقدّم الزاد ماذا يكون الجواب.


    ليت شعري أهل المعاصي كيف عيشهم يطيب { ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب} سبأ 51.
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    يا أسيرا في قبضة الغفلة

    يا صريعا في سكرة المهلة
    يا ناقض العهد، انظر لمن عاهدت في الزمن الأول
    أكثر العمر قد مضى، وانت تتعلل
    يا مدعوّا إلى نجاته وهو يتوانى
    ما هذا الفتور و العمر قد تدانى، كأنك بالدمع يجري عند الموت هتانا.


    يا أخي ما أحسن ما كنت فتغيّرت، ما أقوم جادتك، فكيف تعثرت؟
    يا معاشر المطرودين عن رفاق التائبين { وما من غائبة في السماء والأرض الا في كتاب مبين} النمل 75.


    كان بعض الأغنياء كثير الشكر فطال عليه الأمد، فبطر وعصى، فما زالت نعمته ولا تغيّرت حالته، فقال: يا رب، تغيّرت طاعتي، وما تغيّرت نعمتي، فهتف به هاتف يقول: يا هذا: ان لأيام الوصال عندنا حرمة وذمام، حفظناها نحن لك، وضيّعتها أنت لنا.
    وأنشدوا:
    سأترك ما بيني وبينك واقفا ===فان عدت عدنا و الوداد سليم
    تواصل قوما لا وفاء بعهدهم===و تترك مثلي والحفاظ قديم


    قال رجل لحاتم الأصم: أوصني بشيء أتصل به إلى باب الله سبحانه وتعالى، فقد عزمت على سفر الحج.


    فقال: يا أخي، ان أردت أنيسا، فاجعل القرآن أنيسك، وان أردت رفيقا، فاجعل الملائكة رفقاءك، وان أردت حبيبا، فالله سبحانه يتولى قلوب أحبابه، وان أردت الزاد، فاليقين بالله سبحانه وتعالى نعم الزاد، واجعل البيت قبلة وجهك، وطف بسرّك حوله.


    وقال عطاء السليمي لعمر بن يزيد السلمي: أوصني:
    فقال: يا أحمد، الدنيا بلاء في بلاء مع هوى النفس ومقارنة الشيطان، والآخرة بلاء في بلاء مع الموافقة والحساب.
    فيا لها من نفوس مضمحلة فيما بينهما، فحتى متى تسهو و تلعب و ملك الموت في طلبك لا يغفل عنك، والملائكة يكتبون عليك أنفاسك.
    قال: فخرّ مغشيا عليه.




    يا من صحيفته سوداء، اغسلها بالدموع، و تعرّض لمجال المتهجدين، وقل: ضال ضل عن الطريق مقطوع، وهذا مأتم الأحزان، إلى أي وقت تدّخر الدموع، هذا مجلس الشكوى، هذا وقت الرجوع.
    فبادروا اخوتي، و افهموا أسرار المراد:{ فستذكرون ما أقول لكم وأفوّض أمري إلى الله ان الله بصير بالعباد} غافر 44.
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    أَيها العبد
    تفكر في دنياك كم قتلت، و تذكر ما صنعت بأَقرانك، وما فعلت، و احذرها فإِنها عما لابد منه قد شغلت
    و إِياك أن تساكنها فإِنها إِن حلت رحلت
    و روى عمار بن ياسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    (مرَّ بشاةٍ ميتةٍ قد ألقاها أهلها، فقال: والذي نفسي بيده إِنَّ الدنيا أهون على الله من هذه على أَهلها)


    و قيل في صفة الدنيا: (أَولها عناءٌ، وأخرها فناء حلالها حسابٌ وحرامها عقابٌ
    من استغنى بها فُتن، ومن افتقر إِليها حزن، ومن سعى لها فاتته، ومن نأى عنها أَتته، ومن نظر إِليها أعمته، ومن بصر بها بصرته)


    و صفها بعض العلماء، فقال: جمةُ المصائب، رتقةُ المشارب، لا تفي لصاحب
    و قال يحيى بن معاذ: الدنيا خمر الشيطان: من شربها لم يفق إلا بين عساكر الموتى، نادماً بين الخاسرين


    قد ترك منها لغير ما جمع، وتعلق بحبل غرورها فانقطع، و قدم على من يحاسبه على الفتيل و النقير و القطمير، فيما انقرض عليه من الصغير والكبير


    يوم تزل بالعصاة القدم، ويندم المسئ على ما قدم


    يا من حيات حياته بالآفات لوادغ، وأَغراضه المنقلبة إِليها منقلبة زوائغ، وشياطين هواه بينه وبين ما هو له نوازع، وسهام سهوه في لهو دينه بوالغ


    قد جرحت الحجر على قلبه فأنساه الحجر الدامغ،
    إن وعظ فساه، وإن قوم فزائغ، قلبه ملآن بالهوى، ومن التقى فارغ
    كأني بك، وسيف الممات في دم الحياة والغ، نازلك فانزلك بالنوى عن الأعالي النوابغ،


    و تقضي التيامن نبات سلب الحلى الصايغ، ومر إليك فمر عليك الشراب السايغ، وطمس شموس عزك المنيرات النوازغ وخرق دروع المنيعات السدايغ


    أين من جمع الأموال وحماها،!!
    واهاً لمن جمعها واقتناها، تناهى أجله وما تناهى


    كم سلبت الدنيا أقواماً أقواماً كانوا فيها وعادت عزهم أحلاماً أحلاماً


    فتفكر في حالهم كيف حال، وانظر إلى من مال إلى مال، وتدبر أحوالهم إلى ماذا آل، وتيقن أنك لاحق بهم بعد ليال،


    عُمرك في مدةٍ ونفسك معدود، وجمسك بعد مماتك مع دود،


    كم أمّلت أملاً فانقضى الزمان وفاتك، وما أراك تفيق حتى تلقى وفاتك،


    فاحذر زلل قدمك، وخف طول ندمك، واغتنم وجودك قبل عدمك، واقبل نصحى لا تخاطر بدمك


    ابن الجوزي
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    يا غافلا عن الآخرة
    كيف بك إذا قمت من قبرك، وقد قربت نجائب النجاة لأقوام وتعثرت
    وأسرعت أقدام الصالحين على الصراط وتخبطت؟!
    هيهات! ذهبت حلاوة البطالة، وبقيت مرارة الأسف، ونضب ماء كأس الكسل، وبقي رسول الندامة!
    وما قدر البقاء في الدنيا بالإضافة إلى دوام الآخرة؟!
    ثم ما قدر عمرك في الدنيا، ونصفه نوم، وباقيه غفلة؟
    فيا خاطبًا حور الجنة، وهو لا يملك فلسًا من عزيمةٍ!
    افتح عين الفكر في ضوء العبر، لعلك تبصر مواقع خطابك!
    فإن رأيت تثبيطًا من الباطن، فاستغث بعون اللطف، وتنبه في الأسحار، لعلك تتلمح ركب الأرباح!
    وتعلق على قطار المستغفرين، ولو خطوات، وانزل في رباع المجتهدين، ولو منزلًا، أي منزلٍ!


    و تأمل بعين الفكر دوام البقاء في الجنة، في صفاء بلا كدر، ولذات بلا انقطاع، وبلوغ كل مطلوب للنفس، والزيادة مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، من غير تغيير ولا زوال
    إذ لا يقال: ألف ألف سنةٍ، ولا مائة ألف ألف، بل ولو أن الإنسان عد الألوف ألوف السنين لانقضى عدده، وكان له نهاية، وبقاء الآخرة لا نفاد له
    إلا أنه لا يحصل ذلك إلا بنقد هذا العمر.
    و ما مقدار عمر غايته مائة سنةٍ، منها خمسة عشر صبوة وجهل، وثلاثون بعد السبعين -إن حصلت- ضعف وعجز، والتوسط نصفه نوم، وبعضه زمان أكل وشرب وكسب
    والمنتخل منه للعبادات يسير؟!


    أفلا يشترى ذلك الدائم بهذا القليل؟!
    إن الإعراض عن الشروع في هذا البيع والشراء لغبن فاحش في العقل، وخلل في الإيمان بالوعد
    فإن من يدري كيف يعقد البيع بالعلم، هو الذي يدل على الطريق، ويعرف ما يصلح لها، ويحذر من قطاعها




    ابن الجوزي
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    أيها المقصر عن طلب الزاد، كيف تدرك المعالي بغير اجتهاد؟
    أين أهل السهر من أهل الرقاد؟
    أين الراغبون في الهوى من الزهاد؟
    رحل المتيقظون مستظهرين بكثرة الزاد كل جواد لهم يعرف الجواد فساروا فزاروا والكسلان عاد.


    لما صفت خلوات الدجى، نودي: آذن الوصول أقم فلاناً وأنم فلاناً خرجت بالأسماء الجرائد، وفاز الأحباب بالفوائد
    قال أحمد بن أبي الحواري: قلت لامرأتي رابعة وقد قامت من أول الليل قد رأينا أبا سليمان وتعبدنا معه، ما رأينا من يقوم من أول الليل. فقالت: سبحان الله مثلك يقول هذا؟ أما أقوم إذا نوديت .
    للمتنبي:
    تقولين ما في الناس مثلك وامق ... جدي مثل من أحببته تجدي مثلي
    ذريني أنل ما لا ينال من العلى ... فصعب العلى في الصعب والسهل
    تريدين إدراك المعالي رخيصة ... ولا بد دون الشهد من إبر النحل




    لما دارت كؤوس النوم على أفواه العيون، فسكرت بالشراب الألباب فطرحت الأجساد على فراش " يَتَوَقَّى "
    صاحت فصاحة الحب بالمحب: كل مسكر حرام،
    فلما نفخ في صور الإيقاظ في أبان " وَيُرْسِلُ الأُخرى "
    قام أموات النوم وقد رحل سفر الوصال.
    فلم يروا إلا آثار القرب في مناخ الأحباب في " تتجافى "
    ستر القوم قيامهم بالليل فستر جزاءهم أن يطلع عليه الغير " فلا تعلمُ نفسٌ "
    فلو عانيتهم وقد دارت كؤوس المناجاة بين مزاهر التلاوة فأسكرت قلب الواجد، ورقمت في صحائف الوجبات تعرفهم " بسيماهم " .
    وتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم
    اشتهر بقيام الليل كله، وصلاة الفجر بوضوء العشاء، سعيد بن المسيب وصفوان ومحمد بن المنكدر وفضيل و وهب المكيان طاوس ووهب اليمانيان والربيع بن خيثم والحكم الكوفيان وأبو سليمان الداراني وأبو جابر الفارسيان وسليمان التيمي ومالك بن دينار ويزيد الرقاشي وحبيب العجمي ويحيى البكائي وكهمس ورابعة البصريون.


    قالت أم عمرو بن المنكدر: يا بني أشتهي أراك نائماً: فقال يا أماه إن الليل ليرد علي فيهولني فينقضي عني وما قضيت منه مأربي.
    وصحب رجل رجلاً شهرين فما رآه نائماً فقال مالك: لا تنام؟ فقال: إن عجائب القرآن أطرن نومي ما أخرج من أعجوبة إلا وقعت في أخرى.




    قال سفيان إن لله ريحاً تسمى الصبحية، مخزونة تحت العرش تهب عند الأسحار فتحمل الأنين والاستغفار.


    يا طويل النوم فاتتك مدحة " تتجافى " وحرمت منحة " والمستغفرين " ولست من أهل عتاب فإذا جنة الليل نام عني، ليس في ليل الهجر منام ومتى رأيت محباً ينام؟ للمتنبي:
    فإن نهاري ليلةٌ مدلهمَّةٌ ... على مقلة من فقدكم في غياهب
    بعيدةِ ما بين الجفون كأنما ... عقدتم أهالي كلِّ هدبٍ بحاجب
    ثورت في الليل الحداة وعكمت أحمال الأعمال وسارت رفقة المتهجدين وترنم كل ذي صوت بشجو، وأنت في الرقدة الأولى بعد.
    لم يخل مرجان دمع من عقيق دم ... شوق بلا عبرة ساق بلا قدم
    يا هذا، كيف تطبق السهر مع الشبع؟
    كيف تزاحم أهل العزائم بمناكب الكسل:
    لا تلحه إن كنت من سجرائه ... عذل المحب يزيد في إغرائه
    ودع الهوى يقضي عليه بحكمه ... ما شاء فهو مسلم لقضائه
    فشقاؤه فيما يراه نعيمه ... ونعيمه في ذاك عين شقائه


    المدهش/ ابن الجوزي
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    شهر رمضان


    شهر الإيقان وشهر القرآن وشهر الإحسان وشهر الرضوان وشهر الغفران وشهر إغاثة اللهفان وشهر التوسعة على الضيفان
    وشهر تفتح فيه أبواب الجنان ويصفد فيه كل شيطان وهو شهر الأمان والضمان
    شهر يخفف فيه عن المملوك
    تزهر فيه القناديل وينزل فيه بالرحمة جبريل ويتلى فيه التنزيل ويسمح فيه للمسافر و العليل
    شهر رمضان للعباد مثل الحرم في أم البلاد الحرم يمنع منه الدجال اللعين ورمضان يصفد فيه مردة الشياطين
    شهر رمضان في الدنيا مثل الجنان
    في العقبى سدر مخضود و طلح منضود و ظل ممدود و مكله خلود متصل ليس يبيد
    و في رمضان بذل المجهود و طلب رضى المعبود و حفظ الحدود و إظهار الكرم والجود


    أقبل الصوم يا مسكين و كلنا مساكين و أنت عاكف على ما يسخط الجبار مصر على الآثام و الأوزار عامل بأعمال أهل النار متشبه بالنساك والأخيار و أنت في جملة الفساق و الفجار و قد أطلع على سرك وضميرك عالم الضمائر والأسرار




    وشهر الصوم شاهد عليك و الملائكة تلعنك و الله لا ينظر إليك
    و هو جل جلاله بإعراضك عن الطاعة معرض عنك غاضب عليك فلا تجعل أيها الصائم شهرك هذا كسائر الشهور
    و الله سبحانه إذا لم ير أثرا لشهر رمضان على عبده يقول جل جلاله هذا عبدي لا يعرف لشهري هذا فضلا و أنا لا أعلم الآن له عندي فضلا




    فافق يا ذا الغي والمحال و استيقظ يا ذا السهو و الإغفال و انتبه من السكرات الطوال


    أترضى يا مسكين أن يرد صومك في وجهك من غير قبول من الله
    أتستحسن أن تكون جائعا عطشان و ليس لك جاه عند الله
    أين النية المجردة؟ أين التوبة المجددة؟ أين الندامة المؤكدة؟ أين الحلال من الطعام؟
    أين اجتناب الطعمة الحرام ؟أين حجر الأوزار و الآثام؟ أين الرحمة لذوي الفقر و الضعفاء و الأيتام ؟أين الإخلاص للملك العلام؟ أين التزام شريعة الإسلام ؟أين الأسوة بالنبي عليه الصلاة والسلام ؟


    انظر يا مسكين إذا قطعت نهارك بالعطش والجوع و أحييت ليلك بطول السجود الركوع إنك فيما تظن صائم و أنت في جهالتك جازم وفي صلاتك دائم وفي بحار سكراتك هائم
    أين أنت من التواضع والخشوع؟
    أين أنت من الذلة لمولاك والخضوع؟
    أتحسب أنك عند الله من أهل الصيام والأمان الفائزين في شهر رمضان كلا والله حتى تخلص النية وتجردها وتطهر الطوية وتجودها


    و تجتنب الأعمال الدنية و لا تَرٍدها و تكثر البكاء و الحسرة و تسيل الدموع والعبرة و تلزم الفكرة و العبرة
    و تسأل مولاك إقالة العثرة فحينئذ يكون صيامك لك من الذنوب شفاء و من العيوب سترة وجلبابا




    أين الصائمون؟ أين القائمون؟ أين الطائعون؟ أين العاملون ؟أين السابقون ؟
    أين الخاشعون؟ أين الذاكرون؟ أين القانتون؟ أين الصادقون؟ أين الصابرون؟ أين المتصدقون؟


    أين الآمرون بالمعروف؟ أين المغيثون الملهوف أ؟ين الناهون عن المنكر؟ أين المستشعرون للفكر؟ أين السامعون للعبر ؟


    بادوا والله مع الصالحين و انقلبوا مع المؤمنين و نزلوا مع النبيين و سكنوا مع الصديقين
    و بقينا والله مع الجاهلين!! و سكنا مع الفاسقين و تأسينا بالغافلين و اصطلحنا على معصية رب العالمين
    فصيامك يا مسكين في وجهك مردود و أنت عن رشدك مغيب مفقود و عن صلاحك و نجاحك غير موجود
    و أنت عن باب مولاك مبعد مطرود
    و أعمالك بالفسق موصولة و جوارحك للعصيان مبذولة و ألفاظك في الغيبة مجعولة و عزيمتك للطاعة محلولة وعبادتك في هذا الشهر غير مقبولة و فرائض مولاك بالمعاصي مهمولة




    فهنيئا لمن أطاع الملك الرحمن في شهر الرحمة شهر رمضان لقد فاز بالحور والولدان في دار السلام والرضوان
    صبروا الأيام القليلة فأعقبهم الراحة الطويلة والنعمة الجزيلة كلما تعودت من الخير وما تعمل في هذا الشهر جوزيت إلى آخر العمر فإن الخير عادة والشر لجاجة


    أين أنت يا صائم يا قائم اقبل على الخير تفوز بسرور دائم
    تاجر مولاك فإنك تربح و عامله فإنك تفلح و اعتذر إليه فإنه يقبل عذرك و استغفره فإنه يغفر ذنبك وارغب إليه فإنه يكشف كربك و اسأله من فضله فإنه يوسع رزقك و تب إليه فإنه يعظم حظك


    يا أخي هذا شهر تستر فيه القبائح و العيوب وتلين فيه النفوس و القلوب و تغفر فيه الأوزار
    و الذنوب و ينفس الله عن الحزين المكروب
    يقول المولى جل جلاله لملائكته يا ملائكتي انظروا إلى الألسن اليابسة كيف تبتل بذكري
    انظروا إلى الأحداق الصلبة كيف تدمع من خوفي
    انظروا إلى الأقدام المنعمة تنصب في المحاريب ابتغاء وجهي


    يا أخي متى أطعمت في هذا الشهر لله رب الأرض والسموات رفعت إلى الدرجات العالية في قرار الجنات وحصلت مع مولاك مكسيا من الحسنات عريانا من السيئات
    بستان الواعظين ورياض السامعين /ابن الجوزى


    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,730

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب

    و أنشدوا :
    تزود من معاشك للمعاد ==و قم لله و اعمل خير زاد
    و لا تجمع من الدنيا كثيراً ==فإن المال يجمع للنفاد
    أترضى أن تكون رفيق قوم ==لهم زاد وأنت بغير زاد ؟
    و قال آخر :
    إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ==و لاقيت بعد الموت من قد تزودا
    ندمت على أن لا تكون كمثله ==و أنك لم ترصد كما كان أرصدا
    و قال آخر :
    الموت بحر طافح موجه ==تذهب فيه حيلة السابح
    يانفس إني قائل فاسمعي== مقالة من مشفق ناصح
    لا ينفع الإنسان في قبره ==غير التقى و العمل الصالح
    اللهم توفيقك وعفوك وسترك
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Nov 2010
    الدولة
    المغرب/الدار البيضاء
    المشاركات
    1,504

    افتراضي رد: سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب


    يا هذا، من اجتهد وجدَّ وجد، وليس من سهر كمن رقد والفضائل تحتاج إلى وثبة أسد.




    لقد رضيت الغبن والغبن، وبعت عمرك بأقل ثمن
    وأنفقت فيما يرد بك الزمن، وفترت في الصحة ولا فتور للزمن


    يا مغروراً بخضراء الدمن، يا جامعاً مانعاً قل لي لمن؟


    كيف ينال الفضائل مستريح البدن، سلع المعالي غاليات الثمن، وإن ساومتها فبزهد أويس وفقه الحسن.
    يا هذا أوقد مصباح الفكر في بيت العلم، تلح لك الأعلام، من سد ثغور الهوى بجند الجد ملأ عين راحته من نوم الطمأنينة


    من دق صراط ورعه عن الشبهات عرض الصراط له يوم الجواز


    لله در أقوام تأملوا الوجود ففهموا المقصود
    فالناس في رقادهم وهم في جمع زادهم


    والخلائق في غرورهم، وعيونهم إلى قبورهم.
    قال الإمام أحمد لقد رأيت أقواماً صالحين، رأيت عبد الله بن إدريس وعليه جبة من لبود قد أتت عليها سنون، رأيت أبا داود الحفري وعليه جبة محرقة قد خرج منها القطن وهو يصلي فيترجح من الجوع، ورأيت أبواب النجار، وقد خرج من كل ما يملكه.
    وكان في المسجد شاب مصفر يقال له العوفي، يقوم من أول الليل إلى الصباح يبكي.


    عملت في قلوبهم معاول الحزن معاً، فانبعثت من كل ركية، ركية ماء أسي، فجرى من طرف طرفين ماء فجرى وسخاً فغسل وسخاً.


    قال أبو عمران الجوبي: أرتني أمي موضعاً من الدار قد انحفر، فقالت: هذا موضع دموع أبيك.
    وكان حسان بن أبي سنان: يحضر مجلس مالك بن دينار، فيبكي حتى يبل ما بين يديه ولا سمع له صوت.


    دموع المحبين، غدران في صحاري الشوق، من عادة القوم ألف البراري والجلوس إلى الشجر فإن سمعوا هتاف الحمام استغنوا عن نايح.
    إذا تمكنت المحبة استحال السلو، تعلقت يد المحبة بتلابيب القلب فلا يمكنه التخلص، فيدور معها في دار المداراة.
    وقع الحريق في زوايا المجلس رشوا عليه من مزاد الدمع
    يا كثيف الطبع بيض الحمام يفرق من صوت الرعد ولا حس له، أفميت أنت وهذه الصواعق حولك؟
    اللهم ارحم والدي كما ربياني صغيرا، رب اغفر لي ولوالدي و للمومنين يوم يقوم الحساب

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •