الحد لله حق حمده.
قال صاحبنا القديم في سؤاله للشيخ المليباري: ( ...أقول إني أستطيع تصنيف منهج توثيق الرجال (متشدد أم متوسط أم متسهل). هذا في من كان كثير الحديث. أما من كان قليل الحديث فيختلف الأمر كثيراً. والناس فيه على مذاهب:
1) مذهب توثيق المجاهيل، حتى لو كانوا لا يعرفون عنهم شيئاً. وهو مذهب ابن حبان والعجلي وابن خزيمة والحاكم.
2) مذهب توثيق قليل الحديث، من ليس بالمشهور حتى لو لم يكن له إلا حديثٌ واحد. وهو مذهب محمد بن سعد (مع المدنيين)، وابن معين و النسائي وأبو نُعَيْم والبزّار وابن جرير الطبري والدارقطني والبزار وأبو زرعة الرازي. كل هذا وجدت من نصّ عليه ووجدته بالاستقراء كذلك.
قال الشيخ عبد الله السعد - حفظه الله - في التقدمة المنوه بها آنفًا :
( فصل
في من صحح من الأئمة أحاديثَ رواةٍ فيهم جهالة
من الأئمة الذين وُقف لهم على تصحيح لأحاديثِ بعضِ من فيهم جهالة:
1. أبو عيسى الترمذي ، فقد أخرج حديثا ( 823 ) من طريق محمد بن عبدالله بن الحارث بن نوفل أنه سمع سعد بن أبي وقاص . . . و ذكر الحديث في متعة الحج ، ثم قال : هذا حديث صحيح .
قلت : ومحمد بن عبدالله ذكره ابن حبان في "الثقات" ، وجزم ابن عبدالبر بأن الزهري تفرد بالرواية عنه ، وقال : ولا يعرف إلا برواية الزهري . وسكت عنه الذهبي في "الكاشف" . وقال ابن حجر في "التقريب" : مقبول.
وصحح أبو عيسى أيضا حديث الهرة (92) و قد صححه معه جمع من الحفاظ ، وهو من طريق حميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة عن أبي قتادة.
وحميدة وكبشة غير مشهورتين ، قال ابن مندة : وحميدة وخالتها كبشة لا يعرف لهما رواية إلا في هذا الحديث ، ومحلهما محل الجهالة اهـ من "نصب الراية" (1/ 137) ، وذكر الذهبي كبشة ضمن النساء المجهولات.
وصحح أبو عيسى أيضا: حديث (124)عمرو بن بجدان عن أبي ذر في الصعيد ، وعمرو فيه جهالة ، قال العجلي - كما في "ترتيب الثقات" (1250)- : ثقة . وذكره ابن حبان في "الثقات" ، لكن قيل لأحمد : عمرو معروف ؟ قال: لا . وقال ابن المديني : لم يرو عنه غير أبي قلابة . وقال ابن القطان : لا يعرف . وقال الذهبي في "الميزان" : و قد وثق عمرو مع جهالته . و في "الكاشف" : وُثق . وقال ابن حجر في "التقريب" : لا يعرف حاله .
وهناك أحاديث أخرى يطول المقام بذكرها ، وليس هذا خاصا بالترمذي بل :
2. ابن خزيمة أيضا صحح لبعض من فيهم جهالة ، وهو أوسع من أبي عيسى في هذا ، والأمثلة على ذلك كثيرة في "صحيحه" ( ينظر مثلا : 315، 412، 415، 481- 482) .
3. وابن جرير الطبري كذلك ، فقد روى في "تهذيب الآثار" في مسند علي (ص 118) من طريق أبي إسحاق عن سعيد بن ذي حدّان عن علي . . . ثم قال : وهذا خبر عندنا صحيح سنده ، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل . . . إلى أن قال : والثالثة : أن سعيد بن ذي حدان عندهم مجهول ، ولا تثبت بمجهول في الدين حجة. اهـ
قلت : قال ابن المديني عنه : وهو رجل مجهول ، لا أعلم أحدا روى عنه إلا أبو إسحاق ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (4/ 282) على عادته ، وقال : ربما أخطأ .
وصحح أيضا لحلام الغفاري ، فقد روى في مسند علي من "تهذيب الآثار" (ص 158) من طريق شقيق بن سلمة عنه عن أبي ذر ... ثم قال : وهذا خبر عندنا صحيح سنده ، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل . . . إلى أن قال : والثانية : أن حلّاما الغفاري عندهم مجهول غير معروف في نقله الآثار ، ولا يجوز الاحتجاج بمجهول في الدين . اهـ
قلت : وحلّام هذا مجهول فيما يظهر ، وقد ترجم ابن أبي حاتم لحلام بن حزل وقال : يقال هو ابن أخي أبي ذر ، روى عن أبي ذر ، روى عنه أبو الطفيل ، سمعت أبي يقول ذلك اهـ ، وذكره البخاري في "التاريخ" (3/ 129) و سمّاه : حلاب بن حزل . وسكت عنه .
وصحح أيضا لهانئ مولى علي ، وفيه جهالة ، فقد روى في مسند علي من "تهذيب الآثار" (ص170) من طريق العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عنه عن علي ... ثم قال : وهذا خبر عندنا صحيح سنده ، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلل . . . إلى أن قال : والثانية : أن هانئا مولى علي غير معروف في أهل النقل ، فلا يجوز الاحتجاج بنقله في الدين حجة. اهـ
قلت : ترجم له البخاري في "تاريخه" (8/ 229) وابن أبي حاتم (9/100) وسكتا عنه ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 509) على عادته ، وترجم له ابن حجر في "التهذيب" ولم يذكر فيه توثيقا سوى ما جاء عن ابن حبان ، ولذلك قال الذهبي في "الميزان" (4/ 291) : لا يعرف .
وصحح أيضا لمسور بن إبراهيم كما في مسند باقي العشرة (ص 102) ، وقد قال عنه الذهبي في "الميزان" (4/ 113) : لا يعرف حاله ، وحديثه منكر . وعندما ترجم له ابن حجر في "التهذيب" لم ينقل توثيقه عن أحد ، ولم يذكره حتى ولا ابن حبان في "الثقات" فيما يظهر .
وصحح أيضا لنوفل بن إياس الهذلي كما في مسند باقي العشرة (ص120- 121) ، و هو ممن تجهل حاله ، قال الذهبي في "الميزان" (4/ 280) : لا يعرف اهـ وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 479) كعادته في ذكر مثله .
وصحح أيضا لأبي الرداد الليثي ، كما في مسند باقي العشرة (121- 123) وفيه جهالة ( تنظر ترجمته في "الميزان" و "اللسان") .
ومن صحح له أيضا عبيدالله بن الوازع ، كما في مسند باقي العشرة (ص550) فقد روى من طريقه عن هشام بن عروة عن أبيه قال : قال الزبير ... ثم قال : وهذا خبر عندنا صحيح سنده ، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح لعلتين . . . إلى أن قال : والثانية : أنه من رواية عبيدالله بن الوازع ... وعبيدالله عندهم غير معروف في نقلة الآثار. اهـ
وعبيدالله هذا مجهول ، لم يترجم له البخاري في "تاريخه" ، ولا ابن أبي حاتم ، وعندما ترجم له ابن حجر في "تهذيب التهذيب" لم ينقل توثيقه عن أحد ، ولم يذكر في الرواة عنه سوى حفيده عمرو بن عاصم ، ولذلك قال في "التقريب" : مجهول . وذكره الذهبي في "الميزان" (3/ 17) وقال : ما علمت له راويا غير حفيده . اهـ ولم يذكر فيه توثيقا ، وأما قوله عنه في "الكاشف" : ( صدوق ) فهذا فيه نظر لما تقدم ، وذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 403) وطريقته في مثله معروفة .
وممن صحح أيضا : ابن أبي عمرة الأنصاري ، فقد روى في باقي مسند العشرة (531) من طريق المسعودي عن ابن أبي عمرة عن أبيه . . . وقد قال قبل ذلك ( ص 526) : وقد وافق الزبير في رواية هذا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه ، نذكر ما صح عندنا من ذلك سنده . اهـ ثم ذكر أحاديث منها هذا الحديث.
و ابن أبي عمرة هذا مجهول فيما يظهر ، وقد اختلف على المسعودي في تسميته ، فمرة سماه : أبو عمرة ، ومرة : رجل من آل أبي عمرة ، ومرة أخرى: ابن أبي عمرة كما تقدم وهذا يؤكد جهالته ، والله أعلم.
وتنظر ترجمته في : "التهذيب" و " الميزان" (4/ 558) و " الكاشف" ، وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" : مجهول من السادسة ، وإلا فالصواب أنه الأنصاري والد عبدالرحمن. اهـ
قلت : الأنصاري والد عبدالرحمن صحابي ، وقد مات في خلافة علي رضي الله عنه ، فهو ليس هذا جزما.
تبين مما تقدم ما يلي:
1. أن أبا جعفر بن جرير صحّح لجمع من المجهولين ، وتقدم أيضا ذكر الأدلة من أقوال الأئمة على جهالتهم .
2. أن بعض هؤلاء الرواة نص أبو جعفر على جهالتهم عند الآخرين ، فعلى هذا لا يقال : إنه خفي على أبي جعفر جهالة هؤلاء الرواة ، وعندما ذكر مخالفته لمذهب الآخرين في عدم جهالتهم لم يذكر ما يدلُّ على توثيقهم.
3. أن أبا جعفر نص على تصحيح الأسانيد التي فيها هؤلاء الرواة لذاتها ، فعلى هذا لا يقال : إنه صحح هذه الأحاديث لشواهدها ، خاصة أن بعض هذه الأسانيد منكرة ، مثل تصحيحه لحديث سعيد بن ذي حدان ، فإن الصواب وقفه على علي رضي الله عنه ، وإن كان المتن جاء من حديث صحابة آخرين.
ومثل تصحيحه لحديث المسور بن إبراهيم ، وحديثه منكر فرد ، لم يتابع عليه ، قال أبو حاتم الرازي في "العلل" لابنه (1/ 452) عنه : هذا حديث منكر ، و مسور لم يلق عبدالرحمن ، وهو مرسل أيضا . وقال الذهبي في "الميزان" (4/ 113) : لا يعرف حاله ، وحديثه منكر. اهـ
4. أن أبا جعفر بن جرير وإن كان يشترط لصحة الخبر أن يكون رواته ثقات - كما في مسند ابن عباس من "تهذيب الآثار" (ص: 26، 342، 623، وغيرها ) - وأحيانا ينص على اشتراط العدالة - كما في مسند عمر (ص280) ومسند علي (272) ومسند ابن عباس(ص770) وغير ذلك - ولكنه يتوسع في حد الثقة كما تقدم في تصحيحاته ، والله تعالى أعلم .
4. وأيضا أبو عبدالله الحاكم ممن يصحح أحاديث المجاهيل : فإنه في عدة مواضع من "المستدرك" ينص على جهالة أحد الرواة ومع ذلك يصحح حديثة ، ومن ذلك :
ما أخرجه في "المستدرك" ( 1/ 58) من طريق محمد بن عبد العزيز بن عبدالرحمن بن عوف . . . ثم قال : وهذا حديث غريب صحيح ولم يخرجاه لجهالة محمد بن عبد العزيز الزهري هذا .
وأخرج أيضا (1/ 491) من طريق أبي المليح الهذلي عن أبي صالح . . . ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، فإن أبا صالح الخوزي و أبا المليح الفارسي لم يذكرا بالجرح ، إنما هما في عداد المجهولين لقلة الحديث. اهـ
وأخرج أيضا (1/ 448) من طريق أبي صفوان عن ابن عباس . . . ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد . . وأبو صفوان هذا سماه غيره - يعني الراوي عنه - مهران مولى لقريش ، ولا يعرف بالجرح. اهـ
قلت : ولم يعرف أيضا بالعدالة والثقة ، وقد قال أبو زرعة : لا أعرفه إلا في هذا الحديث .اهـ وقال ابن حجر : مجهول.
ومن ذلك ما رواه (1/ 76) من طريق أبي سبرة بن سلمة الهذلي عن عبدالله بن عمرو ، ثم قال : حديث صحيح اتفق الشيخان على الاحتجاج بجميع رواته ، غير أبي سبرة الهذلي، وهو تابعي كبير ، مبين ذكره في المسانيد والتواريخ ، غير مطعون فيه.
وأبو سبرة هو سالم بن سبرة ، وهو مجهول ، قال ابن عبدالبر في "الاستغناء" (2/ 112) قيل : هو مجهول . وقال الذهبي في "الميزان" (4/ 527) : لا يعرف . وكذلك قال في"المغني" (2/ 786) وذكره البخاري في "التاريخ" (4/ 113) وسكت عليه.
وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 182) : سالم ابن سبرة أو سبرة الهذلي روى . . . روى عنه. . . سمعت أبي يقول ذلك ، ويقول : وهو مجهول. اهـ
ثم قال بعد ذلك : سالم بن سلمة الهذلي ، أبو سبرة ، روى عن . . . روى عنه . . . ثنا عبدالرحمن سمعت أبي يقول ذلك.
وأخرج أيضا (1/ 119) من طريق كثير بن أبي كثير ثني ربعي بن حراش . . . ثم قال : هذا حديث صحيح ، فإن كثير بن أبي كثير كوفي سكن البصرة ، روى عنه يحيى بن سعيد القطان وعيسى بن يونس ، ولم يذكر بجرح.
وأخرج (1/ 487) حديثا من طريق أبي الأبرد موسى بن سليم . . . ثم قال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، إلا أن أبا الأبرد مجهول . اهـ
وهناك أحاديث توقف الحاكم في صحتها من أجل جهالة بعض رواتها ،ومن ذلك:
(1/ 206) روى حديثا ولم يحكم عليه بالصحة ، وذكر أنه لم يعرف أحد رواته بعدالة ولا بجرح.
و ( 3/ 62) روى حديثا وقال : لولا مكان محمد بن سليمان السعيدي من الجهالة لحكمت لهذا الإسناد بالصحة.
و ( 3/ 60) روى حديثا آخر ولم يحكم عليه بالصحة ، وحكم على أحد رواته بالجهالة.
ولهذا أمثلة أخرى ).
ولكن من قال عن كثير من أئمة الحديث :
http://ahlalhdeeth.com/vb/showpost.p...3&postcount=56
وعندما ذكر بفضائلهم قال:
http://ahlalhdeeth.com/vb/showpost.p...8&postcount=58
من فعل هذا هل يجد حرجا في وصف أمثالي بأسوأ من هذا ؟ وقد فعل قديمًا ... فلله الأمر من قبل ومن بعد.
مالك النجم ليس في حاجة لمثلي ليعطيه ميزة أو فضيلة ... فمميزاته كثيرة وهي حقيقة واقعة وليست وهمًا... قد شهد بهذا جهابذة أهل العلم قديما وحديثا ... وإنما عشيت على قوم فما أبصروها ... فراحوا ينهشون عرضه وينهسون علمه ظلما وجهلا ... حتى قال عنه صاحبنا : ( لم يكن مالك في حقيقة الأمر صاحب مذهب مؤسس على قواعد واضحة، وإنما كان شيخاً يفتي، ثم تحول في أواخر حياته إلى رجل تنفيذي في الدولة العباسية. وبالمفهوم الحديث يمكن القول أنه كان وزيراً للعدل والشئون الدينية، لكن تلامذته هم الذين أسسوا المذهب المالكي بعد وفاته، كما حدث في المذهب الحنفي ). ... في كلام طويل قد سبق دحضه، وبيان ما فيه من تحريف للكلم عن مواضعه بحمد الله وفضله:
http://ahlalhdeeth.com/vb/showthread...E1%ED%DE%C7%CA