تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الغفور الرحيم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي الغفور الرحيم

    الغفور الرحيم



    من آداب الدعاء أن يدعو العبد ربه بالاسم الذي يناسب موضوع الدعاء، يقول تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ} (الأعراف: 180)، ولو تدبر أحدنا كتاب الله عز وجل، ولاسيما خواتيم الآيات التي تنتهي بالأسماء الحسنى، لوجد أن الاسم دائماً يناسب الآية، كيف لا وهو كلام الله عز وجل؟
    - هل لك أن توضح الأمر بأمثلة من كتاب الله؟
    - نعم، مثلا (الغفور الرحيم)، و(غفور رحيم).
    وهما اسمان من أسماء الله الحسنى، وردا متلازمين في (49) آية من كتاب الله (غفور رحيم) (42) مرة، و(الغفور الرحيم) (7) مرات، ولم ترد (الرحيم الغفور) إلا مرة واحدة في سورة (سبأ).
    كنت وصاحبي في جلسة استرخاء بعد أن انتهت محاضراتنا الصيفية، بانتظار أن تنتهي فترة الازدحام المروري، التي تستمر من الواحدة ظهراً إلى الثانية والنصف.
    علق صاحبي.
    - ترتيب منطقي أن الله يغفر ثم يرحم.
    - تعالى نتدبر بعض الآيات، أول آية ورد فيها الاسمان في البقرة (173) {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وفي سور كثيرة يقترن الاسمان بتوبة العبد، كقوله عز وجل: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} (البقرة: 191 - 192)، ويقول تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (آل عمران: 89)، هكذا معظم الآيات دعوة للاستغفار، للتوبة، للانتهاء من الذنب، للتوقف عن المعصية، ووعد بالمغفرة والرحمة.
    استوقفني
    - ما معنى (غفور) لغة؟
    - (الغَفْرُ) التغطية، يقال: (اغفروا هذا الأمر بغفرته) أي: أصلحوه أو ينبغي أن يصلح به، و(استغفر) طلب المغفرة، أي: تغطية الذنب، وفي الحديث: عن أبي هريرة قال: سمعت النبي[ قال: «إن عبدا أصاب ذنبا، وربما قال أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت، وربما قال: أصبت، فاغفر لي، فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أصاب، أو أذنب ذنبا، فقال: رب أذنبت، أو أصبت آخر فاغفره، فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم ذنبا أذنب ذنبا، وربما قال: أصاب ذنبا، قال: قال رب أصبت أو أذنبت آخر فاغفره لي، فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء» (متفق عليه)، وفي رواية (علم) بدل (أعلم عبدي).
    فمن هذا الحديث نفهم أن مغفرة الله للعبد هي: ألا يؤاخذه على ذنبه، فبعد عدم المؤاخذة يتم الله فضله على عبده، فيرحمه، فهو (الغفور) أولاً (الرحيم) بعد المغفرة.
    - وماذا عن الآية التي ورد فيها (الرحيم) قبل (الغفور)؟
    - نعم هي في أوائل سورة سبأ، يقول تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ. يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ
    } فهو سبحانه يثني على نفسه (الحمد لله) في الدنيا والآخرة، ويبين أنه الرحيم؛ ولذلك يغفر ويتجاور عن الذنوب، أما الآيات الأخرى، فهي في حق من يطلب المغفرة، فإنه يغفر ذنبه ثم يرحمه.
    والله أعلم.


    اعداد: د. أمير الحداد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,343

    افتراضي رد: الغفور الرحيم

    الغفور الرحيم (2)



    بعد قراءته للمقال المعنون: (الغفور الرحيم) هاتفني.
    - لقد أغفلت المواضع التي ورد فيها الاسمان بالتنوين المفتوح: (غفوراً رحيماً).
    - صدقت، كان ينبغي أن أذكر ذلك في المقال السابق، وقد بحثتها فوجدت أن: (غفوراً رحيماً) وردت خمس عشرة مرة: {كان الله غفوراً رحيما}، عدا الآية: (110) من سورة النساء: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} وجميعها وردت في خواتيم آيات من سورة النساء، والفرقان، والأحزاب، والفتح، وورد (غفوراً) يسبقه (عفواً) في موضعين، الأول في النساء الآية (43)، في موضوع المتيمم: { فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً}، والموضع الآخر أيضاً في سورة النساء في موضوع المستضعفين: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِ ينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا } (النساء: 98 - 99)، ونلاحظ أن الموضعين ليس فيهما ارتكاب ذنب أو وقوع في خطيئة، وإنما عجز عن عمل الطاعة؛ ولذلك سبق (العفو) (المغفرة).
    توقفت لأتأكد أن صاحبي يتابعني على الطرف الآخر من الهاتف.
    - نعم أنا معك تابع حديثك المشوق.
    - أما: (حليماً غفورا) فقد ورد مرتين، الأول في سورة الإسراء: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ۚ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} (الإسراء: 44)، والثاني في سورة فاطر: (41) {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (}.
    يقول أهل التفسير: حينما قرأت (حليماً) فاعلم أن هناك من يستحق العقوبة، ولكن الله لم يعجل له العقوبة، ووردت (غفوراً) غير مقترنة بأي اسم آخر في موضع واحد فقط في سورة الإسراء الآية: (25): {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ ۚ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}، ولاشك من آب (أي رجع) إلى الله غفر الله له، كما في الحديث المتفق عليه الذي ذكرته في المقال السابق.
    - هل يعني ذلك أن الله قد يغفر للعبد حتى وإن لم يتب؟
    - نعم، قد يغفر الله للعبد ذنوبه التي لم يتب منها: {إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} (الزمر: 53)، عدا الشرك {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} (النساء: 48)، (الغفور الرحيم)، لمن لم يتب من ذنوبه، أما (الأوابون) و(التوابون) فإن الله يغفر ذنوبهم دون شك، فهو (الغفور) فما تاب صادق، غفر ذنبه (الغفور)، ومن لم يتب قد يغفر ذنبه (الرحيم)، ولكن يشترط ألا يكون مشركاً؛ لأنه سبحانه (رحيم) بالمؤمنين فقط، فقد ورد (رحيماً) عشرين مرة في كتاب الله، يسبقها (غفوراً) كما قلنا خمس عشرة مرة ومرتين (تواباً رحيماً)، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً} (النساء: 64)، {وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا } (النساء: 16)، وورد (رحيما) غير مقترن باسم آخر في حق المؤمنين فقط، ثلاث مرات. {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (النساء: 29)، {رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (الإسراء)، {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۚ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا ﴿43﴾} (الأحزاب: 43).




    اعداد: د. أمير الحداد



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •