شرح حديث (إن خير التابعين رجل يقال له أويس)
شرح النووي على مسلم(المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج): أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)
قَوْله : ( أُسَيْر بْن جَابِر ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَة وَفَتْح السِّين الْمُهْمَلَة.
وَيُقَال : أُسَيْر بْن عَمْرو , وَيُقَال يُسْر بِضَمِّ الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحْت.
وَفِي قِصَّة أُوَيْس هَذِهِ مُعْجِزَات ظَاهِرَة لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهُوَ أُوَيْس بْن عَامِر , كَذَا رَوَاهُ مُسْلِم هُنَا , وَهُوَ الْمَشْهُور.
قَالَ اِبْن مَاكُولَا : وَتُقَال : أُوَيْس بْن عَمْرو.
قَالُوا : وَكُنْيَته أَبُو عَمْرو قَالَ الْقَائِل : قُتِلَ بِصِفِّينَ , وَهُوَ الْقَرَنِيّ مِنْ بَنِي قَرَن بِفَتْحِ الْقَاف وَالرَّاء , وَهِيَ بَطْن مِنْ مُرَاد , وَهُوَ قَرَن بْن رَدْمَان بْن نَاجِيَة بْن مُرَاد.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : وَمُرَاد اِسْمه جَابِر بْن مَالِك بْن أُدَد بْن صُحْب بْن يَعْرُب بْن زَيْد بْن كَهْلَان بْن سَبَّاد.
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنه مِنْ بَطْن مِنْ مُرَاد إِلَيْهِ نُسِبَ هُوَ الصَّوَاب , وَلَا خِلَاف.
فِي صِحَاح الْجَوْهَرِيّ أَنَّهُ مَنْسُوب إِلَى قَرْن الْمَنَازِل الْجَبَل الْمَعْرُوف مِيقَات الْإِحْرَام لِأَهْلِ نَجْد , وَهَذَا غَلَط فَاحِش , وَسَبَقَ هُنَاكَ التَّنْبِيه عَلَيْهِ لِئَلَّا يَغْتَرّ بِهِ.
قَوْله : ( وَفِيهِمْ رَجُل يَسْخَر بِأُوَيْسٍ ) أَيْ يَحْتَقِرهُ , وَيَسْتَهْزِئ بِهِ , وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّهُ يُخْفِي حَاله , وَيَكْتُم السِّرّ الَّذِي بَيْنه وَبَيْن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ , وَلَا يَظْهَر مِنْهُ شَيْء يَدُلّ لِذَلِكَ , وَهَذِهِ طَرِيق الْعَارِفِينَ وَخَوَاصّ الْأَوْلِيَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِر ْ لَكُمْ ) وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى ( قَالَ لِعُمَر : فَإِنْ اِسْتَطَعْت أَنْ يَسْتَغْفِر لَك فَافْعَلْ ) هَذِهِ مَنْقَبَة ظَاهِرَة لِأُوَيْسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ.
وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب طَلَب الدُّعَاء وَالِاسْتِغْفَا ر مِنْ أَهْل الصَّلَاح , وَإِنْ كَانَ الطَّالِب أَفْضَل مِنْهُمْ.
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ خَيْر التَّابِعِينَ رَجُل يُقَال لَهُ أُوَيْس إِلَى آخِره ) هَذَا صَرِيح فِي أَنَّهُ خَيْر التَّابِعِينَ , وَقَدْ يُقَال : قَدْ قَالَ أَحْمَد بْن حَنْبَل وَغَيْره : أَفْضَل التَّابِعِينَ سَعِيد بْن الْمُسَيَّب , وَالْجَوَاب أَنَّ مُرَادهمْ أَنَّ سَعِيدًا أَفْضَل فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيث وَالْفِقْه وَنَحْوهَا , لَا فِي الْخَيْر عِنْد اللَّه تَعَالَى.
وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَة مُعْجِزَة ظَاهِرَة أَيْضًا.