لغة الصمت
د. علي زين العابدين الأزهري


تُعَدُّ لغة الصمت أَسمى لغاتِ التغافُل الذي هو من أعلى وأرقى شِيَم الكِرام في زماننا؛ إذ من أراد أن يحافظ على مودة أصحابه وأحبَّائه، فلا بُدَّ أن يتغافل عن زلَّاتهم، وليس هناك وسيلةٌ حينها إلا لغة الصمت من أجل بقاء بيت الوُدِّ، فمن لم يكن الصمتُ وطنَه، كانت الحسرة في كثير من أموره.

وها أنا أخبر عن حال بعض أصحابي: أناس يفضلون الحياة الهادئة، ويجلسون في الزوايا البعيدة، ويبتعدون عن المظاهر الصاخبة، ويُطيلون الصَّمْتَ، ويتفنَّنُون في السكوت، ويُطيلون النظر في الطبيعة، ويستمعون أكثر مما يتكلَّمُون، ويحرصون على تدوين أفكارهم، وكتابة خواطرهم، فإنسان هذا شأنه يتَّخِذ الصمت زادًا له في هذا الزمان، فهو صامتٌ سواء أكان ناجحًا أم فاشلًا، صامت فرحًا أم حزينًا، صامت قويًّا أم ضعيفًا، صامت منتصرًا أم مهزومًا، صامت قَلِقًا أم مستقرًّا، صامت معه الحق أم عليه، فهو صامت دائمًا دائمًا.

ويُوصَف دائمًا صاحبي وأصحابه من أهل التفكير وأرباب الصمت وأصحاب السكون، بالجنون؛ لكن بعد تأمُّل حالهم، ومعرفة حقيقة أمرهم نجدهم عظماء؛ لأن كثرة تفكيرهم وطول صمتهم ينمُّ عن كثرة علم وتفكير وإنجاز، وواقعهم يشهد لنا بأنهم إن فكَّرُوا، أنجزوا لنا، وإن صمتوا علَّمُونا.

وفي حقيقة الأمر قد لا يملك الشخص منَّا إلا الصمت ليُصارع به أهل الحقد والحسد، فالحمد لله الذي جعل الصمت راحةً للعقلاء، وغيظًا للجُهلاء، فلا تحزن يا صديقي من أفعالهم؛ ولكن التزم الصمت لأجلهم.

وأخيرًا، اختبأ صاحبي كثيرًا خلف جدار الصَّمْت، فهل سيصمُد الجدار كثيرًا؟!


__________________