أبشر
د. ماجد محمد الوبيران

كلمة نستخدمها كثيرًا في ردودنا على أحبابنا، ونسمعها كثيرًا ممَّن يتعاملون معنا تعامُلًا إنسانيًّا راقيًا، وهي كلمة توقَّفْتُ عندها كثيرًا، لم أتوقَّف عند معناها؛ لأن المعنى واضح؛ لكنني توقَّفْتُ عند جنسها وصنفها اللُّغوي.

وكلمة "أبشِرْ" هي كلمة واردة في كتاب الله تعالى في سورة (فصلت) في قوله سبحانه: ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].

كما أنها قد زادت جمالًا وبهاء حين نطق بها الحبيب عليه الصلاة والسلام في الحديث عند البخاري رحمه الله:
فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَة ِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلالٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلا تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي؟ فَقَالَ لَهُ: ((أَبْشِرْ))، فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ عَلَيَّ مِنْ أَبْشِرْ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَبِلالٍ كَهَيْئَةِ الغَضْبَانِ، فَقَالَ: ((رَدَّ البُشْرَى، فَاقْبَلا أَنْتُمَا))، قَالا: قَبِلْنَا، ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: ((اشْرَبَا مِنْهُ، وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا وَأَبْشِرَا))، فَأَخَذَا القَدَحَ فَفَعَلا، فَنَادَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ: أَنْ أَفْضِلا لِأُمِّكُمَا، فَأَفْضَلا لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً.

وقال الحافظ في الفتح: "أبشر" بهمزة قطع؛ أي: بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر، وقال الراغب الأصفهاني رحمه الله في مفردات غريب القرآن، ويقال: أبشرَ؛ أي: وجد بشارة؛ نحو: أبقَلَ وأمْحَلَ ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].

وأبشرت الأرض: حسن طلوع نبتها، ومنه قول ابن مسعود رضي الله عنه: "مَنْ أحَبَّ القرآنَ فليبشر"؛ أي: فليُسَرُّ، ثم قال رحمه الله:وتباشير الوجه وبشره: ما يبدو من سروره، وتباشير الصبح: ما يبدو من أوائله، وتباشير النخيل: ما يبدو من رطبه.

لكنه فسر المفردة بصيغة الماضي حين قال: أبشر، وتساؤلي الدائم عنها، كان خاصًّا بقولنا لمن يطلب أمرًا: أبْشِرْ بالسكون.

ولأن النقاش يثري الموضوعات دائمًا، وبالتواصل مع بعض المتخصصين وجدتُ في الإجابات ما يستحق النقل؛ لتعم الفائدة الجميع؛ فهناك من قال: إن "أبْشِرْ" هي أسلوب تعجُّب؛ وذلك في ردك لمن قال: أعطني الكتاب، فتقول: أبْشِرْ بالكتاب، في دلالة على الفرح والبشارة.

وأما الأستاذ الدكتور محمد العمري فقد ذكر أن (أبْشِرْ) هي فعل أمر بمعنى: افرح، واسعد، وذكر أيضًا أن استعمالنا لها من هذا الباب (أبشر) بطلبك؛ أي:افرح بنواله، واسعد بحوزه؛ وبهذا يتضح لنا أن قولنا: "أبشرْ" في الرد على الطلب؛ هو فعل أمر نُعبِّر به عن سرورنا بالمطلوب، ووعدنا بإنجازه، وتنفيذه.

قال الشاعر:


أبْشِرْ فقد نلتَ ما ترجو على عجلِ
ويسَّرَ اللهُ ما تبغيه من أملِ




وساعدَتْكَ الدُّنى فيما تؤمله
فاهنأ بسعد على الأيام متصلِ