علامات محبة الله تعالى لك


من علامات محبة الله للعبد: الحمية من الدنيا:

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ *تَعَالَى *لَيَحْمِي *عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ، كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ تَخَافُونَ عَلَيْهِ»[1].

فيحفَظه من متاع الدنيا ويحول بينه وبين نعيمها وشهواتها، ويقيه أن يتلوَّث بزهرتها؛ لئلا يمرض قلبُه بها وبمحبتها وممارستها، فالله عز وجل إنما يحميهم لعاقبة محمودة وأحوال سديدة مسعودة.

وقلَّ أن يقع إعطاءُ الدنيا وتوسعتها إلا استدراجًا من الله، لا إكرامًا ومحبه لمن أعطاه، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ *الدُّنْيَا *عَلَى *مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ»، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44] [2].

ومن علامات محبة الله للعبد الابتلاء:
من دلائل محبته أن يبتلك ليجتبيك ويقرِّبك منه ويدنيك، عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ *عِظَمَ *الْجَزَاءِ *مَعَ *عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، مَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخَطَ فَلَهُ السَّخَطُ» [3].

فالله عز وجل إذا أحب عبدًا ابتلاه حتى يُمحصه من الذنوب، ويفرِّغ قلبه من الشغل بالدنيا غيرةً منه عليه، وصدق الله العظيم إذ يقول: وَلَنَبْلُوَنَّ كُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ *أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31].

ومن علامات محبة الله للعبد: الموت على عملصالح:
أخي المسلم، ومن أمارات حبه إليك أن يوقفك إلى عمل صالح في آخر أيام حياتك ليقبضك عليه؛ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَحَبَّ *اللَّهُ *عَبْدًا *عَسَلَهُ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا عَسَلَهُ؟ قَالَ: «يُوَفِّقُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ جِيرَانُهُ»، أَوْ قَالَ: «مَنْ حَوْلَهُ»[4].

وهناك علامات تدل على محبة العبد لربه؛ منها:
محبة لقاء الله تعالى:
فإنه لا يتصور أن يحب القلب محبوبًا إلا ويحب لقاءه ومشاهدته، عَنْ *عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ *أَحَبَّ *لِقَاءَ *اللهِ *أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ»، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ، فَقَالَ: «لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ»[5].

فالمحب الصادق يذكر محبوبه والموعد الذي بينهما للقاء، ولا ينسى موعد لقاء حبيبه، فالموعد الأول: الموت، والموعد الثاني في يوم القيامة، أما الموعد الثالث، فهو اللقاء في الجنة والنظر إلى وجه الرب عز وجل.

وصدق من قال:
تعصي الإله وأنت تظهر حبَّه ** هذالعمري في القياس بديعُ
لو كان حبُّك صادقًا لأطعتَـه ** إن المحبَّ لمن يُحب مطيـع
من علامات حب الله تعالى للعبد: حب المؤمنين له،وبسط القبول له في الأرض، وبرهان ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]؛ أي: «محبة في قلوب المؤمنين»، وروى أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ»[6].

عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ قَالَ: «كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ».[7]

قال الحسن: اعلم إنك لن تحبَّ الله حتى تحب طاعته، وقال بعضهم: كل من ادعى محبة الله ولم يوافق الله في أمره، فدعواه باطلة، وقال يحيى بن معاذ: ليس بصادقٍ من ادعى محبة الله ولم يحفَظ حدوده، وقال رويم: المحبة الموافقة في جميع الأحوال، وأنشد يقول:
ولو قلت لي مُتْ مُتُّ سمعًا وطاعةً ** وقلت لداعي الموت أهلًا ومرحبَا

[1] أخرجه أحمد ح 23671، و الحاكم ح 7465، وقال الألباني ( صحيح )، انظر حديث رقم : 1814 في صحيح الجامع.
[2] أخرجه أحمد ح 17349 وقال الألباني( صحيح ) انظر حديث رقم : 561 في صحيح الجامع.
[3] أخرجه الترمذي بعضه في الزهد باب (57) من طريق الليث - به، وقال حسن غريب، وانظر ابن ماجه الفتن باب (23)، والأوائل لابن أبي عاصم (146).
[4] «صحيح الترغيب والترهيب» (3/ 311).
[5] البخاري 11/ 357 (6508)، ومسلم 4/ 2067 (2686).
[6] أخرجه: البخاري 4/ 135 (3209)، ومسلم 8/ 40 (2637) (157).
[7] البخاري (3209)، ومسلم (2637).
منقول