ظاهرة الترادف عند القدماء والمحدثين
سليمان أبو عيسى
تمـهيد:
تتعدد أشكال العَلاقة بين اللفظ والمعنى، ومن هذه الأشكال علاقة الترادف، وتتمثل علاقة الترادف في وجود كلمات يمكن أن تتبادل المواقع مع بعضها دون أن يتغير المعنى على الرغم من اختلاف المكونات الصوتية لهذه الكلمات، والعلاقة في هذه الحالة علاقة إيجاب، تدل على وجود قرابة بين الكلمتين أو الكلمات التي تقبل التبادل مع بعضها.
والمصطلح الذي يطلقه اللغويون على هذه الحالة هو: (الترادف synonymy).
تعريف الترادف:
الترادف لغة: التتابع.
الترادف اصطلاحًا: دلالة عدد من الكلمات المختلفة على معنى واحد، مثل:
- الحزن، الغم، الغمة، الأسى، والشجن، الترح، الوجد، الكآبة، الجزع، الأسف، اللهفة، الحسرة، الجوى، الحرقة، واللوعة.
- فلان يشبه فلانًا، ويشابهه، ويشاكله، ويشاكهه، ويضاهيه، ويماثله، ويضارعه، ويحاكيه، ويناظره.
- هفوة، وزلة، وسقطة، وعثرة، وكبوة.
وقد عَرَّفَ عُلماء العربية الترادف عن طريق إخراج المحترزات، فالترادف – عندهم - هو: الألفاظ المفردة الدالة على شيء واحد باعتبار واحد[1].
ويخرج بهذا التعريف نحو الاسم والحد فليسا مترادفين، والسيف والصارم، فإنهما دلا على شيء واحد لكن باعتبارين: أحدهما على الذات والآخر على الصفة، والتوكيد حيث يفيد الثاني تقوية الأول، والتَّابع الَّذي لا يفيد شيئًا كقولهم: عطشان نطشان، ويتبين لنا من هذا التعريف ما يأتي:
1 – التعبير بألفاظ بصيغة الجمع يفيد أن الترادف يقع بين صيغتين أو لفظين فأكثر.
2 – لا يُوجد أيّ ربط في التعريف بين المفردات والسياق اللغوي، وفي التعريف إشارة إلى أن المتعدد هو الألفاظ والثابت هو المعنى.
3 – أمَّا التَّحديد بواسطة إخْراج المُحْتَرزات فإنه يبعد جانبًا متصلاً بالترادف كالسيف والصارم، ويقارن بين التوكيد والترادف، وما كان ناشئًا عن تغيير صوتي.
4 – يربط التعريفُ التَّرادُف بالألفاظ المفردة، ويوجد الترادف مع الألفاظ المفردة وغيرها.
ويطلق "أولمان" على التَّرادف مصطلح "مدلول واحد – ألفاظ عدة" والمترادفات عنده "ألفاظ متحدة المعنى، وقابلة للتبادل فيما بينها في أي سياق"[2].
ويوجد في هذا التعريف ثلاث نقاط أساسية هي:
أ – المتعدد هو الألفاظ.
ب – الثابت والمتحد هو المعنى.
جـ - الربط بين الترادف والسياق، فالترادف مشروط بإمكانية التبادل بين الألفاظ المترادفة في أي سياق" والتبادل هنا مطلق، وليس مشروطًا أو مقيدًا بحالة معينة.
ونوضح إمكانية التبادل في الجملة الآتية:
يقطع الفارس الرقبة بالسيف.
يفصل البطل العنق بالحسام.
يضرب الشجاع الجيد بالمهند.
يمكننا هنا التبديل بين العناصر الرأسية في الجمل السابقة، والعلاقة الأفقية تأخذ شكلاً واحداً: (فعل + فاعل + مفعول + جار ومجرور).
كما أن العناصر الصرفية التي تتكون منها الجُمَل السابقة واحدة: (أفعال + أسماء + أسماء + أدوات + أسماء).
ويبين "أولمان" أنَّ الترادف ينقسم قسمين:
أ – ترادف تام، وهو نادر الوقوع.
ب– أنصاف أو أشباه مترادفات، ولا يمكن استعمالها في السياق الواحد دون تمييز بينهما، ويعني هذا وجود جانب من المعنى في كل لفظ لا يوجد في الآخر، وفي التراث العربي ذكر لهذه الفروق وهي تشبه المميزات الدلالية في نظرية التحليل التكويني يقول أبو هلال العسكري: "الفرق بين المدح والتقريظ أن المدح يكون للحي والميت، والتقريظ لا يكون إلا للحي، وخلافه التأبين ولا يكون إلا للميت، والفرق بين المدح والثناء أن الثناء مدح مكرر، والفرق بين المدح والإطراء أن الإطراء هو المدح في الوجه، والفرق بين العهد والميثاق أن الميثاق توكيد العهد، والفرق بين الوعد والعهد أن العهد ما كان من الوعد مقرونا بشروط"[3].
وفي الترادف ميزة في رأي أولمان تتمثَّل في إزالة خطر الغموض، وإثراء أساليب التعبير التي يمكن التبادل بينها، والتعبير عن الظلال والألوان المتصلة، بالمعنى، ويتمثل الخطر في حشد المرادفات حشدًا لا يهدِف إلى بيان المعنى أو الكشف عن طاقاته وإنما يهدف إلى إثبات أمر آخر ذاتي وهو القدرة على معرفة مفردات اللغة[4].
الاختلاف حول وجود الترادف في اللغة:
اختلف اللغويون قديمًا وحديثًا حول حقيقة وجود الترادف في اللغة بين مثبت ومنكر.
الترادف عند علماء العربية القدامى:
المثبتون للترادف:
منهم: سيبويه، والأصمعي، وأبو الحسن الرماني، وابن خالويه، وحمزة بن حمزة الأصفهاني، والفيروزآبادي، والتهانوي، ومعظم المُحْدثين من اللغويين العرب يعترف بوقوع الترادف في اللغة، من هؤلاء: علي الجارم إبراهيم أنيس.
حجج المثبتين: يحتج المثبتون للترادف بما يلي:
(1) لو كان لكل لفظةٍ معنًى غير معنى الأخرى، لما أمكنَ أن نعبِّر عن شيء بغير عبارته، وذلك أنا نقول في "لا ريب فيه": "لا شكَّ فيه"، وأهل اللغة إذا أرادوا أن يفسروا (اللُّب) قالوا هو "العقل"، فلو كان الريبُ غيرَ الشك والعقل غير اللُّب لكانت العبارةُ عن معنى الريب بالشك خطأ، فلما عُبِّرَ بهذا عن هذا عُلم أن المعنى واحد.
(2) إنّ المتكلم يأتي بالاسمين المختلفين للمعنى الواحد في مكان واحد تأكيدًا ومبالغةً كقوله: "وهند أتى من دونها النَّأْي والبعد"، قالوا: فالنَّأْيُ هو البعد.
(3) الترادف لا يعني التشابه التام إنما أن يُقام لفظ مقام لفظٍ لمعانٍ متقاربة يجمعُها معنًى واحد كما يقال: أصلحَ الفاسد ولمّ الشّعث ورتَقَ الفَتْق وشَعَبَ الصَّدع.
(4) وقال الطاهر ابن عاشور إذا أصبحت عدد من المفردات تدل على شيء واحد، فهي من الترادف، ولا يهمنا ما إذا كانت في الماضي تدل عليه أو على صفة فيه، مثل الحسام والهندي التي أصبحت الآن تدل على السيف ولا يلحظ معنى القطع أو الأصل الهندي فيها.
المنكرون للترادف:
منهم: ثعلب وابن درستويه وابن فارس: وأبو علي الفارسي وأبو هلال العسكري والبيضاوي
حجج المنكرين للترادف:
(1) لا يجوز أن يختلفَ اللفظ والمعنى واحد لأنّ في كل لفظة زيادة معنى ليس في الأخرى، ففي ذهب معنى ليس في مضى.
(2) الشاهد على أن اختلاف الأسماء يوجب اختلاف المعاني أن الاسم يدل كالإشارة، فإذا أُشير إلى الشيء مرة واحدة فعُرف فالإشارة إليه ثانية وثالثة غير مفيدة، وواضع اللغة حكيم لا يأتي فيها بما لا يفيد.
يبدو أن الاختلاف عائد إلى معنى الترادف، هل يعني التَّشابُه التَّامَّ في كل الأحوال؟ أم هل يعني التشابه النسبي الذي يمكن فيه أن تستعمل لفظة مكان أخرى؟ إذا كان الأول، فالتشابه مستحيل بين كلمتين بل إن بعض علماء اللغة يستبعد أن تشبه الكلمة نفسها في موضعين مختلفين، أما إذا قبلنا بالتعريف الثاني، فإننا لن نعدم عددًا من الألفاظ التي يُمكن أن تحل محل أخرى في سياقات معينة؛ فنعدها من الترادف.
يتبع