نماذج من حياة الصحابة في تربية الأبناء



كان صلى الله عليه وسلم يتحبب للأطفال، ويهش لهم، وإذا علا الطفل ظهره الشريفة وإن كان في الصلاة لم يعجل حتى يقضي الطفل نهمته

قال الشافعي حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر. وحفظ سهل بن عبد الله القرآن وهو ابن ست سنين، وغيرهم كثير.

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير في الطريق، وهو أمير المؤمنين، وكان مجموعة من الأطفال يلعبون في الطريق، فلما رأوه هربوا منه إلا واحدا هو عبد الله بن الزبير؛ فتعجب عمر منه وسأله عن سبب عدم هربه، فأجابه لم أكن مذنبا فأهرب منك، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسعها لك.
خرج ابن عمر في سفر فرأى غلاما يرعى غنما، فقال له: تبيع من هذه الغنم واحدة؛ فقال: إنها ليست لي، فقال: قل لصاحبها إن الذئب قد أخذ منها واحدة، فقال الغلام: فأين الله؟ فكان ابن عمر يقول بذلك.
وكان لبعض المشايخ تلاميذ، فكان يخص أحدهم بإقباله عليه دون غيره، فقالوا له في ذلك فقال: أبين لكم، فدفع إلى كل واحد من تلامذته طائرا، وقال: له اذبحه حيث لا يراك أحد، ودفع إلى هذا أيضا، فمضوا، ثم رجع كل منهم وقد ذبح طائره، وجاء هذا بالطائر حيا، فقال: هلا ذبحته، فقال: أمرتني أن أذبحه حيث لا يراني أحد فلم أجد موضعا لا يراني فيه أحد، فقال: الشيخ لهذا أخصه بإقبالي.
وقال سهل بن عبد الله التستري: كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، فقال: لي يوما ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ فقال: بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك، الله معي الله ناظري، الله شاهدي، فقلت: ذلك ليالي ثم أعلمته، فقال: قل كل ليلة سبع مرات، فقلت: ثم أعلمته، فقال: قل كل ليلة إحدى عشر مرة، فقلته: فوقع حلاوته في قلبي، فلما كان بعد سنة قال لي خالي احفظ ما علمتك، ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك، ثم، قال لي خالي يوماً يا سهيل: من كان الله معه وناظراً إليه وشاهده أيعصيه؟ إياك والمعصية. فكنت أخلو بنفسي، فبعثوا بي إلى المدينة، فمضيت إلى الكتاب، فتعلمت القرآن، وحفظته، وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وكنت أصوم الدهر وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة.
ومن المعالم التربوية التي يتربى عليها الطفل وترسخ في ذهنه، حب الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونلاحظ في سلوك أولاد الصحابة سرعة استجابتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنفيذ أوامره.
وفي البخاري ومسلم عن أنس ابن مالك أتى عليًّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام، فسلم علينا، فبعثني في حاجته.وخدم أنس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو طفل صغير، عمره عشر سنين، لمدة عشرة أعوام.
وجاء ابن الزبير وهو ابن سبع سنين أو ثمان؛ ليبايع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأمره الزبير بذلك، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلاً وبايعه.
وكان أطفال الصحابة يقاتلون من يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ، وقصة معاذ ومعوذ ابني عفراء وقتلهم أبي جهل، يقول عبد الرحمن بن عوف وقف غلام عن يميني يسألني يا عم، دلني على أبي جهل، فيقول له: ومالك يا بني من أبي جهل؟ فيقول له: والله إن رأيته لأقتلنه، لقد كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم غلام عن يساري فسألني مثل الأول.
وكان أبناء الصحابة يحفظون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .في البخاري عن سمرة بن جندب قال: كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً، فكنت أحفظ منه ما يمنعني من القول إلا ها هنا رجالا هم أسن مني.
وكان السلف يعطون مكافآت للأطفال على حفظ الأحاديث النبوية، والمكافآت حقيقة أمر تربوي في التشجيع على التعليم.
قال إبراهيم بن أدهم: قال لي أبي: يا بني اطلب الحديث، كلما سمعت حديثا وحفظته فلك درهم، فطلبت الحديث على هذا.
وكان أطفال السلف يرحلون في طلب العلم. فهذا عبد الرحمن بن بشر بن الحكم الحافظ الجواد الثقة قال الذهبي: اعتنى به أبوه، وارتحل، ولقي الكبار، وطال عمره، وتفرد.
وهذا الإمام شيخ الإسلام سيد العلماء العاملين طلب العلم وهو حدث باعتناء والده، قال سفيان: ينبغي للرجل أن يكره ولده على العلم، فإنه مسؤول عنه.
وبنات السلف كن يحفظن حديث النبي
صلى الله عليه وسلم ، قال الزبيدي: كان للإمام مالك ابنة تحفظ علمه، يعني الموطأ، وكانت تقف خلف الباب، فإذا أخطأ التلميذ، نقرت الباب.

وكان عروة بن الزبير يسمع الحديث على خالته عائشة وهو غلام، وكان السلف يعلمون أبناءهم المغازي والسير.
فعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان أبي يعلمنا المغازي، والسرايا، ويقول: يا بني إنها شرف آبائكم، فلا تضيعوا ذكرها.
وكان أطفال الصحابة يحفظون أوصافه الشريفة
صلى الله عليه وسلم ، فعن صالح بن مسعود التابعي، قال: قلت لأبي صحيفة رضي الله عنه - وهو من صغار الصحابة - حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: كان رجلاً أبيض، قد شمط عارضاه.

أما تعليم القرآن فهو أصل راسخ من أصول التربية، وترسيخ العقيدة، قال الحافظ السيوطي: تعليم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام، فينشؤون على الفطرة، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة، قبل أن تتمكن الأهواء منها، وقبل سوادها بفعل المعصية والضلال.
وقال ابن خلدون: تعليم القرآن الولدان شعار من شعائر الملة، أخذ به أهالي الملة، ودرجوا عليه في جميع عصورهم؛ لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده، بسبب آيات القرآن ومتون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم.

وانطلق السلف والصحابة يعلمون أولادهم القرآن وينشئونهم على حبه وتلاوته، حتى إنه من شدة حرصهم على ارتباط أبنائهم بالقرآن وحصول البركة لأولادهم يطبقون ما روى الطبراني عن أنس ابن مالك ] أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده ودعا لهم.
قال الشافعي حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر. وحفظ سهل بن عبد الله القرآن وهو ابن ست سنين، وغيرهم كثير.
وقد ضاقت المساجد بالصبيان، حتى اضطر الضحاك بن مزاحم معلم الصبيان ومؤدبهم أن يطوف على حمار؛ ليشرف على مكتبه الذي بلغ عدد صبيانه ثلاثة آلاف صبي، وكان لا يأخذ أجراً على عمله.
أما تضحية وجهاد أطفال الصحابة والسلف الصالح فإن التاريخ والسير تحفل بالكثير الطيب من النماذج الرائعة:
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: كان يعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناء الصحابة فيلحق من أدرك منهم، فعرضت عاما، فألحق غلاما وردني، فقلت: يا رسول الله، لقد ألحقته ورددتني، ولو صارعته لصرعته، قال: فصارعته فصرعته، فألحقني.

وروى الحاكم في مستدركه عن زيد بن حارثة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصغر ناسا يوم أحد، منهم زيد بن حارثة، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وسعد، وأبو سعيد الخدري، وعبد الله بن عمر، وجابر بن عبد الله. وروى سعد بن أبي وقاص قال رأيت أخي عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: مالك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله فيستصغرني فيردني، وأنا أحب أن أخروج لعل الله يرزقني الشهادة.
وكان الصحابة يصطحبون أبناءهم في المعارك حتى يشبوا على معاني الجهاد والشجاعة.
أخرج البخاري عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: في الزبير ثلاث ضربات، إحداهن في عاتقه، وإني كنت أدخل أصابعي فيها ألعب بها وأنا صغير.

قال له أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم (للزبير) يوم اليرموك ألا تشد فنشد معك؟ قال: إن شددت كذبتم، قالوا: لا نفعل، فحمل عليهم، حتى شق صفوفهم فجاوزهم، وما معه أحد ثم رجع مقبلا، فأخذ فضربوه ضربة على عاتقه، فيها ضربة يوم بدر، وكان معه ابنه عبد الله وهو ابن عشر سنين، فحمله على فرسه، واخترق به الصفوف.
ومن معالم التربية الهامة، التربية على تعظيم أمر الله، وطاعته، والتأدب بأدب رسول الله صلى الله عليه وسلم . عن أبي الحوراء قال: قلت للحسن: ما تذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : أذكر أني أخذت تمرة من تمر الصدقة، فجعلتها في فيَّ فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم بلعابه فجعلها في التمر، فقيل له: يا رسول الله
ما كان عليك من هذه التمرة لهذا الصبي قال: إنَا آل محمد لا تحل لنا الصدقة.
وقال عليه الصلاة والسلام لعمرو بن أبي سلمة وكان يأكل معه: يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك.
ومن حرص السلف كانوا يرسلون أولادهم إلى حيث ينهلون الأدب، ولذا كان يقال للمعلم: المؤدب (ولا خير في علم بلا أدب).

عن سعيد بن عقير حدثنا يعقوب عن أبيه أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها، وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده، وكان يلزمه الصلوات، فأبطأ يوما عن الصلاة، فقال له: ما حبسك قال: كانت مرجلتي تسكن شعري فقال: بلغ من تسكين شعرك إن تؤثره على الصلاة! وكتب بذلك إلى والده فبعث عبد العزيز بن مروان رسولا إليه فما كلمه حتى حلق شعره.
وكان صلىالله عليه وسلم يتحبب للأطفال، ويهش لهم، وإذا علا الطفل ظهره الشريفة وإن كان في الصلاة لم يعجل حتى يقضي الطفل نهمته، وكان يقَبِّل الأطفال، ويغمرهم بالعطف، والحب، ووعظ يوما أحد شيوخ الأعراب عندما قال: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلت أحدا منهم، فقال صلى الله عليه وسلم : وما أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك.
قال أسامة بن زيد رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسن، ويقول: اللهم إني أحِبُهما فأحِبَهما.

وعن عدي بن ثابت رضي الله عنه عنه عن البراء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: اللهم إني أحبه فأحبه، وأحب من يحبه. وفي ذلك أحاديث متواترة.
هذا قليل من كثير من معالم تطبيقية في منهج تربية الأطفال، رسم معالمها وطبقها المصطفى
صلى الله عليه وسلم ، وسار على نهجه صحابته والسلف الصالح من بعده. نسأل الله لهذه الأمة أن تعود لسابق عزها ومجدها، وتنهل من موردها العذب حتى تسعد في الدارين.




اعداد: المستشارة التربوية: شيماء ناصر