تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 8 الأولىالأولى 12345678 الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 60 من 143

الموضوع: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (39)
    صـ 263 إلى صـ 269

    معدومة مؤثرة في عدمه، فتلك العلة المعدومة إن كان عدمها واجبا كان وجودها ممتنعا، فإن المعلول يجب بوجوب علته، ويمتنع بامتناعها، وحينئذ فيكون عدم الممكن علته واجبة، ووجوده ممتنعا، فإن المعلول يجب بوجوب علته، ويمتنع بامتناعها، وحينئذ (1) كل ممكن يقدر إمكانه، فإنه ممتنع،
    وهذا فيه من الجمع بين النقيضين ما هو في غاية الاستحالة:
    كيفية وكمية.
    وإن قيل: عدم علته يفتقر إلى عدم يؤثر في وجودها وعدم ذاك المؤثر لعدم مؤثر فيه، وهلم جرا، فلذلك يستلزم التسلسل الباطل الذي هو أبطل من تسلسل المؤثرات الوجودية.[الوجه] (2) الخامس: [أن يقال] (3) :
    إنه لو فرض أن العدم المستمر له علة قديمة، وأن المعلول إذا كان عدما مستمرا كانت علته التي هي عدم مستمر علة أزلية لم يلزم من ذلك أن يكون الموجود المعين الذي يمكن أن يوجد وأن يعدم قديما أزليا، ويكون الفاعل له لم يزل فاعلا له بحيث يكون فاعل الموجودات لم يحدث شيئا قط، فإن قياس الموجود الواجب القديم الأزلي الخالق فاعل الموجودات المخلوقة على العدم المستمر المستلزم لعدم مستمر من أفسد القياس، وهو قياس محض من غير جامع، فكيف يجوز الاحتجاج بمثل هذا التشبيه الفاسد في مثل هذا
    (1) (1 - 1) : ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (2) الوجه: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (3) أن يقال: ساقطة من (ن) ، (م) .
    ****************************** ****



    الأصل العظيم، ويجعل (1) خلق رب العالمين لمخلوقاته مثل كون العدم علة للعدم (2) .
    وهل هذا إلا أفسد من قول الذين ذكر الله عنهم إذ قال: {فكبكبوا فيها هم والغاوون - وجنود إبليس أجمعون - قالوا وهم فيها يختصمون - تالله إن كنا لفي ضلال مبين - إذ نسويكم برب العالمين} [سورة الشعراء: 94 - 98] فإذا كان هذا حال من سوى (3) بينه وبين بعض الموجودات، فكيف بمن سوى بينه وبين العدم المحض.
    [البرهان السابع والرد عليه]
    قال [الرازي] (4) :
    (البرهان السابع: واجب الوجود لذاته يمتنع أن يكون أكثر من واحد، فإذن (5)
    صفات واجب الوجود - وهي تلك الأمور الإضافية والسلبية على رأي الحكماء والصفات والأحوال والأحكام على اختلاف آراء المتكلمين في ذلك - ليس شيء منها واجب الثبوت بأعيانها (6) ، بل هي بما (7) هي ممكنة الثبوت في نفسها. (8) واجبة الثبوت نظرا إلى ذات واجب الوجود، فثبت أن التأثير لا يتوقف على سبق العدم وتقدمه.
    (1) ن، م: ويجعلون.
    (2) ن (فقط) : للمعدوم.
    (3) ن: سووا ; م: يسوي.
    (4) الرازي: زيادة في (أ) ، (ب) .
    (5) ش 1/490، ن، م: فإذن ; أ، ب: فإن.
    (6) بأعيانها: كذا في جميع النسخ ; وفي (ش) : لأعيانها.
    (7) بما: كذا في (ب) فقط ; وفي (ن) ، (م) ، (أ) ، (ش) : لما. وسترد العبارة مرة أخرى في النسخ الأربع: بما انظر ص 271 ت [0 - 9] .
    (8) ش: لما هي (هي) ممكنة الثبوت في (أنفسها) .
    ****************************
    فلئن قالوا: تلك الصفات والأحكام ليست من قبيل الأفعال، ونحن إنما نوجب (1) سبق العدم في الأفعال،
    فنقول:
    إن مثل هذه المسائل العظيمة لا يمكن التعويل فيها على مجرد الألفاظ، فهب أن ما لا يتقدمه العدم لا يسمى فعلا لكن ثبت أن ما هو ممكن الثبوت لما هو هو يجوز استناده إلى مؤثر يكون دائم الثبوت مع الأثر، وإذا كان ذلك معقولا لا يمكن دعوى الامتناع فيه في بعض المواضع، اللهم إلا أن يمتنع صاحبه عن إطلاق لفظ الفعل، وذلك مما لا يعود إلى فائدة عظيمة) (2) .
    فيقال: الجواب (3) عن هذه الحجة من وجوه:
    أحدها: أن قوله: (واجب الوجود لذاته يمتنع أن يكون أكثر من واحد) [إن] (4) أريد به يمتنع أن يكون أكثر من إله واحد أو رب واحد أو خالق واحد أو معبود واحد، أو حي واحد أو قيوم واحد أو صمد واحد أو قائم بنفسه واحد، ونحو ذلك، فهذا صحيح.لكن لا يستلزم ذلك أن لا يكون له صفات من لوازم ذاته يمتنع تحقق ذاته بدونها، وأن لا يكون.
    (5) واجب الوجود هو تلك الذات المستلزمة لتلك الصفات، والمراد بكونه واجب الوجود أنه موجود بنفسه يمتنع عليه العدم بوجه من الوجوه ليس له فاعل، ولا ما يسمى علة فاعلة ألبتة، وعلى هذا فصفاته داخلة في مسمى اسمه ليست ممكنة الثبوت، فإنها

    (1) ش (ص [0 - 9] 91) : نقول بوجوب.
    (2) نقل ابن تيمية البرهان السابع بنصه (1/490 - 491) فيما عدا الاختلافات المشار إليها.
    (3) ن، م: عظيمة والجواب.
    (4) أن: ساقطة من (ن) فقط.
    (5) ن، م، أ: وأن يكون. والمثبت من (ب) .
    ****************************** **


    ليست ممكنة يمكن أن توجد ويمكن أن تعدم (1) ولا تفتقر إلى فاعل يفعلها ولا علة فاعلة، بل هي من لوازم الذات التي هي بصفاتها اللازمة لها واجبة الوجود، فدعوى المدعي أن الصفات اللازمة ممكنة الثبوت تقبل الوجود والعدم كدعواه أن الذات الملزومة تقبل الوجود والعدم،
    وإن أراد بقوله: واجب الوجود واحد، أن (2) واجب الوجود هو ذات مجردة عن صفات كان هذا ممنوعا، ولم يذكر عليه دليلا.
    الوجه الثاني:
    أن يقال: دعوى المدعي أن واجب الوجود هو الذات دون صفاتها، وأن صفاتها هي ممكنة الوجود إن أراد بواجب الوجود أنه يمتنع عدمه (3) من غير فاعل فعله، فكلاهما يمتنع عدمه من غير فاعل فعله، وإن أراد بواجب الوجود أنه القائم بنفسه الذي لا يفتقر إلى محل كان حقيقة هذا أن الصفات لا بد لها من محل تقوم به بخلاف الذات لكن هذا لا يقتضي أنها ممكنة الثبوت مفتقرة إلى فاعل، وإن أراد بواجب الوجود ما لا يمكن عدمه، وبممكن الوجود ما يمكن وجوده وعدمه، فمعلوم أن الصفات لا يمكن عدمها، كما لا يمكن عدم الذات، فوجوب الوجود يتناولهما، وإن أراد بواجب الوجود ما لا ملازم له لم يكن في الوجود شيء واجب الوجود، لا سيما على قولهم بأنه ملازم لمفعولاته، فلا يكون واجب الوجود.ومن تناقض هؤلاء ومن اتبعهم - كصاحب الكتب المضنون بها:
    (1) ن، م: أن توجد وأن تعدم.
    (2) ن: وإن.
    (3) ب: أن ذاته ; أ: ذاته.
    ******************************


    صاحب (المضنون الكبير) (1) أنهم يفسرون واجب الوجود بأنه ما لا يلازم غيره لينفوا بذلك صفاته اللازمة له ويقولون: لو قلنا إن له صفات لازمة له لم يكن واجب الوجود، ثم يجعلون الأفلاك وغيرها لازمة له أزلا وأبدا،
    ويقولون:
    إن ذلك لا ينافي كونه واجب الوجود، فأي تناقض أعظم من هذا؟ .
    الوجه الثالث:
    أن يقال: الواحد المجرد عن جميع الصفات ممتنع الوجود، كما بسط في غير هذا الموضع (2) ، وبين (3) أنه لا بد من ثبوت معان ثبوتية مثل كونه حيا وعالما وقادرا (4) ، وأنه يمتنع أن يكون كل معنى هو الآخر، أو أن تكون تلك المعاني هي الذات، وما كان ممتنع الوجود امتنع أن يكون واجب الوجود، فإذا ما زعم أنه واجب الوجود، فهو ممتنع،
    فضلا عن أن يقال:
    إنه فاعل لصفاته، كما هو فاعل لمخلوقاته، أو إنه مؤثر،
    (1) صاحب الكتب المضنون بها الذي يشير إليه ابن تيمية هو الغزالي، فمن الكتب التي تنسب إليه كتاب " المضنون به على غير أهله " أو " كتاب المضنون الكبير "، وكتاب " المضنون الصغير، الموسوم بالأجوبة الغزالية في المسائل الأخروية " وقد طبعا أكثر من مرة: منها طبعة على هامش الجزء الثاني من كتاب " الإنسان الكامل " للجيلي، الطبعة الثانية، المطبعة الأزهرية، القاهرة سنة 1328 هـ. وقد اختلف الباحثون في حقيقة هذه الكتب المضنون بها على غير أهلها، وفي مدى صحة نسبتها إلى الغزالي، ونشير هنا إلى بحثين في هذا الموضوع الأول ما كتبه الأستاذ سليمان دنيا في كتابه " الحقيقة في نظر الغزالي "، ص [0 - 9] 7 وما بعدها، وانظر خاصة ص 128 - 134، القاهرة 1947 ; والثاني: هو مقالة الأستاذ وات (.) watt في مجلة joumal of the royal asiatic society، london، 1952، pp. 24 - 25 بعنوان the authenicity of the works attributed to al - ghazali.
    (2) ن، م: كما قد بسط في موضعه.
    (3) أ، ب: ويمكن، وهو خطأ.
    (4) ن، م: حيا عالما قادرا.
    ****************************** **


    ومقتض ومستلزم لمخلوقاته، كما هو مؤثر ومقتض ومستلزم لصفاته.
    [الوجه] (1) الرابع: أن يقال: قوله: (وهي تلك الأمور الإضافية والسلبية على رأي الحكماء) إنما هو على رأي نفاة الصفات منهم كأرسطو وأتباعه، وأما أساطين الفلاسفة فهم مثبتون للصفات، كما قد نقلنا أقوالهم في غير هذا الموضع، وكذلك كثير من أئمتهم المتأخرين كأبي البركات وأمثاله.وأيضا فنفاة الصفات منهم كابن سينا وأمثاله متناقضون يجمعون بين نفيها وإثباتها، كما قد بسط [الكلام عليهم.] (2) في غير الموضع، فإن كانوا مثبتيها فهم كسائر المثبتين،
    وإن كانوا نفاة قيل لهم:
    أما السلب فعدم محض، وأما الإضافة مثل كونه فاعلا أو مبدءا (3) ، فإما أن تكون وجودا أو عدما،
    فإن كانت وجودا لأنها من مقولة:
    (أن يفعل وأن ينفعل) - وهذه المقولة من جملة الأجناس العالية العشرة التي هي أقسام الموجودات - كانت الإضافة التي يوصف بها وجودا، فكانت صفاته الإضافية وجودية قائمة به، وإن كانت الإضافة (4) عدما محضا فهي داخلة في السلب، فجعل الإضافة قسما ثالثا ليس وجودا ولا عدما خطأ.وحينئذ فإذا (5) لم يثبتوا صفة ثبوتية لم تكن ذاته مستلزمة لشيء (6) من
    (1) الوجه: زيادة في (أ) ، (ب) .
    (2) عبارة " الكلام عليهم ": ساقطة من (ن) ، (م) .
    (3) ن، م: ومبدءا.
    (4) ن، م: الإضافات.
    (5) ن، م: إذا.
    (6) ن، م: بشيء.
    ****************************** **
    الصفات إلا أمرا عدميا،
    وأما المخلوقات فإنها موجودات:
    جواهر، وأعراض، ومعلوم أن اقتضاء الواجب وغير الواجب للعدم المحض ليس كاقتضائه للوجود، وسواء سمي ذلك استلزاما أو إيجابا، أو فعلا أو غير ذلك، فإن وجود الشيء يستلزم عدم ضده، ولا يقول عاقل إنه فاعل لعدم ضده، ووجود الشيء يناقض عدم نفسه، ولا يقول عاقل إن وجوده هو الفاعل لعدم عدمه (1) ، فإن عدم عدمه هو وجوده، ووجوده واجب لا يكون مفعولا ولا معلولا.وأيضا فالعدم المحض إما أن لا يكون له علة، [كما هو] (2) عند جمهور العقلاء،
    وإما أن يقال:
    علته عدم علة وجوده (3) ، فيجعل علة العدم عدما، ولا يجعل للعدم الممكن علة وجودية، فالعدم الواجب أولى ألا يفتقر إلى علة وجودية،
    [فإن العدم الواجب اللازم لذاته عدم واجب، فلا يحتاج إلى علة وجودية] (4) ، فإن العدم الواجب يتصف به الممتنع، والممتنع الذي يمتنع وجوده لا يفتقر إلى علة وجودية، وعدم وجود الرب (5) ممتنع لنفسه، كما أن وجود الرب واجب لنفسه، فلا يكون له علة.
    الوجه الخامس:
    قوله: (والصفات والأحوال، والأحكام (6) على اختلاف آراء المتكلمين في ذلك) .

    (1) أ، ب: هو الفاعل لعدمه.
    (2) كما هو: ساقطة من (ن) ، (م) ، (أ) والمثبت من (ب) .
    (3) ن، م: علته علة عدم وجوده.
    (4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
    (5) ن، م: وعدم (ما يناقض) وجود الرب.
    (6) أ، ب: والأحكام والأحوال.
    ****************************** *
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (40)
    صـ 270 إلى صـ 276

    فيقال. له: إثبات الصفات لله هو مذهب جماهير الأمة سلفها وخلفها، وهو مذهب الصحابة والتابعين [لهم بإحسان] (1) ، وأئمة المسلمين المتبعين (2) ، وأهل السنة والجماعة، وسائر طوائف أهل الكلام مثل الهشامية (3) ، والكرامية والكلابية والأشعرية، وغيرهم، وإنما نازع.
    (4)
    في ذلك الجهمية، وهم عند سلف الأمة وأئمتها، [وجماعتها] (5) من أبعد الناس عن الإيمان بالله ورسوله، ووافقهم المعتزلة ونحوهم ممن هم عند الأمة مشهورون بالابتداع.وأما الأحكام فهي الحكم على الله بأنه حي عالم قادر، وهذا هو الخبر عنه بذلك، وهذا تثبته المعتزلة كلهم (6)
    مع سائر المثبتة لكن غلاة الجهمية ينفون أسماءه، ويجعلونها مجازا، فيجعلون الخبر عنه كذلك، وهؤلاء هم من النفاة، وعلى قولهم فالذات لم تقتض شيئا ; لأن كلام المخبرين وحكمهم أمر قائم بهم ليس قائما بذات الرب، وأما من لم يثبت الأحكام (7) كأبي هاشم (8) . . وأتباعه، فهؤلاء يقولون: هي لا موجودة،
    (1) لهم بإحسان: زيادة في (أ) ، (ب) .
    (2) ن: المثبتين: وسقطت الكلمة من (م) .
    (3) والمقصود بهم أتباع هشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي، وسبق الكلام عليهم. انظر ص 71 ت 3، 4.
    (4) ن، م: ينازع.
    (5) وجماعتها: زيادة في (أ) ، (ب) .
    (6) ن، م: كلها.
    (7) ن، م: الأحوال، وهو خطأ. وقد يكون الصواب: وأما من يثبت الأحوال.
    (8) هو أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي محمد الجبائي، كان هو وأبوه من كبار معتزلة البصرة، والفرقة التي تنسب إليه هي فرقة " البهشمية " والتي تنسب إلى أبيه هي " الجبائية " وقد توفي سنة 321 هـ. انظر عنه: وفيات الأعيان 2/355 ; تاريخ بغداد 11 - 56 ; ميزان الاعتدال 3/618 ; الخطط للمقريزي 2/348 ; الأعلام 4/130 - 131. وانظر عن البهشمية: الملل والنحل 1/118 - 129 ; الفرق بين الفرق 111 - 119 ; التبصير في الدين 53 - 54



    ****************************** **
    ولا معدومة (1) ، فلا يجعل ذلك كالموجودات.
    بقي الكلام على مثبتة الصفات الذين يقولون: صفاته موجودة قائمة به (2) ، ومخلوقاته موجودة بائنة (3) عنه، فهؤلاء عندهم صفاته واجبة الثبوت يمتنع عليها العدم لا يقال إنها يمكن أن تكون موجودة، ويمكن أن تكون معدومة، كما يقال مثل ذلك في الممكنات التي أبدعها،
    ولا يقولون:
    إن الصفات لها ذوات ثابتة غير وجودها، وتلك الذوات تقبل الوجود والعدم، كما يقول ذلك من يقوله في الممكنات المفعولة، فتبين أن تمثيل صفاته بمخلوقاته. (4) في غاية الفساد على قول كل طائفة.
    الوجه السادس: قوله: (ليس شيء منها واجب الثبوت بأعيانها، بل هي بما هي ممكنة الثبوت في نفسها. (5) واجبة الثبوت نظرا إلى ذات واجب الوجود) كلام ممنوع بل باطل، بل الصفات ملازمة للذات (6) لا يمكن وجود الذات بدون صفاتها اللازمة ولا وجود الصفات اللازمة بدون الذات، وكل منهما لازم للآخر ملزوم له، ودعوى المدعي أن
    (1) ب (فقط) : لا معدومة ولا موجودة.
    (2) ن: صفاته موجودة قائمة ; أ، ب: صفاته قائمة موجودة به. والمثبت من (م) .
    (3) ن، م: ثابتة، وهو خطأ.
    (4) ن: لمخلوقاته، وهو خطأ.
    (5) ن ; م، أ، ب: بل هي بما هي ممكنة الثبوت في نفسها، وانظر إلى ما سبق أن ذكرناه عند نقل كلام الرازي في البرهان السابع (264 ت 7) .
    (6) ن (فقط) : لذات.
    ****************************** ***
    الذات هي واجبة الوجود دون الصفات ممنوع وباطل،
    وهو بمنزلة قول من يقول: (الصفات واجبة الوجود دون الذات لكن الذات واجبة نظرا إلى وجوب الصفات) سواء فسروا. (1) واجب الوجود بالموجود نفسه (2) ، أو بما لا يقبل العدم، أو بما لا فاعل له ولا علة فاعلة أو نحو ذلك، وإنما يفترقان إذا فسر الواجب بالقائم بنفسه، والممكن بالقائم بغيره، ومعلوم أن تفسيره بذلك باطل ووضع محض، وغايته منازعة لفظية لا فائدة فيها.
    الوجه السابع: قوله: (فثبت أن التأثير لا يتوقف على سبق العدم) ، فيقال. له (3) : هذا إنما يصح إذا كانت الذات المستلزمة لصفاتها هي المؤثرة في الصفات.وحينئذ فلفظ التأثير إن أريد به الاستلزام فكلاهما مؤثر في الآخر إذ هو مستلزم له، فيلزم أن يكون كل منهما واجبا بنفسه لا ممكنا (4) ، وهو باطل، وإن أريد بلفظ التأثير أن أحدهما أبدع الآخر، أو فعله أو جعله موجودا، ونحو ذلك مما يعقل. (5) في إبداع المصنوعات، فهذا باطل،
    فإن عاقلا لا يقول:
    إن الموصوف أبدع صفاته اللازمة (6) ، ولا خلقها، ولا صنعها، ولا فعلها، ولا جعلها موجودة، ولا نحو ذلك مما يدل على هذا المعنى.

    (1) ن، م: فسر.
    (2) ن، م: بنفسه.
    (3) له: ساقطة: من (أ) ، (ب) .
    (4) ن، م: فيلزم أن يكون كل منهما واجبا بنفسه (لا واجبا بغيره ممكنا) لا ممكنا. إلخ. والصواب ما أثبتناه.
    (5) ن (فقط) : مما يفعل، وهو تحريف.
    (6) ن (فقط) : الملازمة.
    ******************************
    بل ما يحدث في الحي من الأعراض والصفات بغير اختياره مثل الصحة والمرض والكبر ونحو ذلك لا يقول عاقل إنه فعل ذلك أو أبدعه أو صنعه، فكيف بما يكون من الصفات لازما [له] (1) كحياته ولوازمها، وكذلك لا يقول عاقل هذا في غير الحي مثل الجماد (2) ، والنبات، وغيرهما من الأجسام لا يقول عاقل إن شيئا من ذلك فعل قدره اللازم، وفعل تخيره (3) ، وغير ذلك من صفاته اللازمة (4) ، بل العقلاء كلهم المثبتون للأفعال الطبيعية والإرادية، والذين لا يثبتون إلا الإرادية ليس فيهم من يجعل ما يلزم الذات من صفاتها مفعولا لها لا بالإرادة ولا بالطبع، بل يفرقون بين آثارها الصادرة عنها التي هي أفعال لها ومفعولات، وبين صفاتها اللازمة لها، بل.
    (5)
    وغير اللازمة.وقد يكون للذات تأثير في حصول بعض صفاتها العارضة، فيضاف ذلك إلى فعلها لحصول ذلك به كحصول العلم بالنظر والاستدلال، وحصول الشبع والري بالأكل والشرب، بخلاف اللازمة، وما يحصل بدون قدرتها وفعلها واختيارها (6) ،
    فإن هذا لا يقول عاقل: إنها مؤثرة فيه، وإنه من أثرها، بل يقول إنه لازم لها وصفة لها، وهي مستلزمة له وموصوفة به، وقد يقول إن ذلك مقوم لها ومتمم لها، ونحو ذلك، وهم يسلمون

    (1) له: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (2) أ، ب: الجمادات.
    (3) ن، م: خيره، وهو تحريف.
    (4) هذه الجملة الأخيرة (لا يقول عاقل. . اللازمة) تحتاج إلى تأمل وأخشى أن يكون في عبارتها نقص أو تحريف.
    (5) بل: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (6) ن، م: باختيارها.
    ***********************


    أن فاعل الشيء هو فاعل صفاته اللازمة لامتناع فعل الشيء بدون صفاته (1) اللازمة.وأيضا، فالذات مع تجردها عن الصفات يمتنع أن تكون مؤثرة في شيء، فضلا عن أن تكون مؤثرة في صفات نفسها، فإن شرط كونها مؤثرة أن تكون حية عالمة قادرة (2) ، فلو كانت هي المؤثرة في كونها حية عالمة قادرة لكانت مؤثرة بدون اتصافها بهذه الصفات، وهذا مما يعلم امتناعه بصريح العقل، بل صفاتها اللازمة لها أكمل من كل موجود، فإذا امتنع أن يؤثر في شيء من الموجودات بذات مجردة عن هذه الصفات، فكيف يؤثر في هذه الصفات بمجرد هذه الذات (3) .
    فتبين أنه ليس هاهنا تأثير بوجه من الوجوه في صفاتها إلا أن يسمي المسمى الاستلزام تأثيرا، كما تقدم،
    وحينئذ فيقال له:
    مثل هذه المسائل العظيمة لا يمكن التعويل فيها على مجرد الألفاظ، فإن تسميتك لاستلزام (4) الذات المتصفة بصفاتها اللازمة لها تأثيرا لا يوجب أن يجعل هذا كإبداعها لمخلوقاتها، فهب أنك سميت كل استلزام تأثيرا، لكن دعواك بعد هذا أن المخلوق المفعول ملازم لخالقه وفاعله، مما يعلم فساده ببديهة العقل، كما اتفق على ذلك جماهير العقلاء من الأولين والآخرين، وأنت لا تعرف هذا في شيء من الموجودات، لا يعرف قط شيء أبدع شيئا، وهو مقارن له بحيث يكونان متقارنين في الزمان
    (1) ن، م: صفاتها، وهو تحريف.
    (2) قادرة: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (3) ن، م: فكيف تؤثر (م: يؤثر) في هذه الصفات مجردة هذه الذات.
    (4) ن، م: لا تستلزم، وهو تحريف.
    ****************************** **
    لم يسبق أحدهما الآخر، بل من المعلوم بصريح العقل أن التأثير الذي هو إبداع الشيء وخلقه، وجعله موجودا لا يكون إلا بعد عدمه، وإلا فالموجود الأزلي الذي لم يزل موجودا لا يفتقر قط إلى مبدع خالق يجعله موجودا، ولا يكون ممكنا يقبل الوجود والعدم، بل ما وجب قدمه امتنع عدمه، فلا يمكن أن يقبل العدم.
    الوجه الثامن:
    أن تسمية تأثير الرب في مخلوقاته فعلا وصنعا وإبداعا وإبداء وخلقا وبرءا (1) ، وأمثال ذلك من العبارات هو مما تواتر عن الأنبياء، بل. (2) ومما اتفق عليه جماهير العقلاء، وذلك من العبارات التي تتداولها الخاصة والعامة تداولا كثيرا، ومثل هذه العبارات لا يجوز أن يكون معناها المراد بها أو الذي وضعت له ما (3) لا يفهمه إلا الخاصة، فإن ذلك يستلزم أن لا يكون جماهير الناس يفهم بعضهم عن بعض ما يعنونه بكلامهم، ومعلوم أن المقصود من الكلام الإفهام.
    وأيضا، فلو كان المراد بها غير المفهوم منها لكان الخطاب بها تلبيسا (4) ، وتدليسا وإضلالا.وأيضا، فلو قدر أنهم أرادوا بها خلاف المفهوم لكان ذلك مما يعرفه خواصهم.ومن المعلوم بالاضطرار أن خواص الصحابة وعوامهم كانوا يقرون أن

    (1) ب (فقط) : وبدءا.
    (2) بل: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (3) أ، ب: كما، وهو خطأ. وسقطت " له " في (أ) .
    (4) ن، م: تلبيسات.
    ****************************** *****
    الله خالق كل شيء، [ومليكه] (1) ، وأن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وأنه خلق السماوات والأرض، وما بينهما، فحدثت [هذه] (2) المخلوقات بعد أن لم تكن.وإذا كان كذلك حصل لنا علم بمراد الأنبياء وجماهير العقلاء بهذه العبارات، واستفدنا بذلك (3) أن من قصد بها غير هذا المعنى لم يكن موافقا لهم في المراد بها، فإذا ادعى أن مرادهم هو مراده في كونها ملازمة للرب أزلا وأبدا، علم أنه كاذب على الأنبياء وجماهير (4) العقلاء كذبا صريحا.كما يصنعون مثل ذلك في لفظ (الإحداث) ، فإن الإحداث معناه معقول عند الخاصة والعامة، وهو مما تواتر معناه في اللغات كلها، وهؤلاء جعلوا لهم وضعا (5) مبتدعا،
    فقالوا:
    الحدوث يقال: على وجهين: أحدهما: زماني، ومعناه حصول الشيء بعد أن لم يكن له وجود في زمان سابق،
    والثاني:
    أن لا يكون الشيء مستندا إلى ذاته (6) ، بل إلى غيره سواء كان ذلك الاستناد مخصوصا بزمان معين، أو كان مستمرا في [كل] (7) الزمان قالوا: وهذا هو الحدوث (8) الذاتي.

    (1) ومليكه: زيادة في (أ) ، (ب) .
    (2) هذه: زيادة في (أ) ، (ب) .
    (3) أ، ب: ومستندنا لذلك.
    (4) ن، م: وجمهور
    (5) ن: لفظا ; م: وصفا.
    (6) ب: أن لا يكون للشيء مستند إلى ذاته ; أ: أن لا يكون للشيء مستندا إلى ذاته.
    (7) كل: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (8) ن، م: الحادث.
    ****************************** *****


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (41)
    صـ 277 إلى صـ 283

    وكذلك (القدم) فسروه بهذين المعنيين، وجعلوا القدم (1) بأحد معنييه معناه معنى الوجوب قالوا: والدليل على إثبات الحدوث الذاتي أن كل ممكن لذاته، فإنه لذاته (2) يستحق العدم، ومن غيره يستحق الوجود، وما (3) بالذات أقدم مما بالغير، فالعدم في حقه (4) أقدم من الوجود تقدما بالذات، فيكون محدثا [حدوثا] (5) ذاتيا.
    وقد أورد عليهم الرازي سؤالا:
    وهو أنه لا يجوز أن يقال:
    الممكن يستحق العدم من ذاته، فإنه لو استحق العدم من ذاته لكان ممتنعا لا ممكنا، بل الممكن يصدق عليه أنه ليس من حيث هو موجود، ولا يصدق عليه أنه من حيث هو ليس بموجود، والفرق بين الاعتبارين معروف، بل كما أن الممكن يستحق الوجود من وجود علته، فإنه يستحق العدم من عدم علته، وإذا كان استحقاقه الوجود والعدم من الغير (6) ، ولم يكن واحد منها من مقتضيات الماهية لم يكن لأحدهما تقدم على الآخر، فإذن لا يكون لعدمه تقدم ذاتي على وجوده.
    قال:
    (7) ولعل المراد من هذه الحجة [هو] (8) إن الممكن يستحق من
    (1) أ، ب: القديم.
    (2) لذاته: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (3) ن (فقط) : وأما، وهو تحريف.
    (4) ن: فالقدم في حقه ; م: فما تقدم في حقه.
    (5) حدوثا: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (6) ن، م: من العين، وهو تحريف.
    (7) لم يبين ابن تيمية من القائل، والكلام التالي ليس كلام الرازي ولم يرد في البرهان السابع، ولعله من كلام بعض المتكلمين مثل الآمدي أو غيره.
    (8) هو: زيادة في (أ) ، (ب) .
    ***************************


    ذاته لا استحقاقية الوجود والعدم، وهذه اللا استحقاقية. (1) وصف عدمي سابق على الاستحقاق، فتقرر (2) الحدوث الذاتي من هذا الوجه) .
    فيقال: هذا السؤال سؤال صحيح يبين بطلان قولهم مع ما سلمه لهم من المقدمات الباطلة، فإن هذا الكلام مبني على أن المعين في الخارج ذات تقبل الوجود والعدم غير الوجود الثابت في الخارج، وهذا باطل، ومبني [أيضا] (3) على أن عدم الممكن معلل بعدم علته، وهو باطل.وأما الاعتذار بأن المراد أنه (4) لا يستحق من ذاته وجودا أو عدما.
    فيقال:
    إذا قدر أن هذا هو المراد لم يكن مستحقا للعدم بحال، فإن نفسه لم تقتض وجوده ولا عدمه، ولكن غيره اقتضى وجوده، ولم يقتض عدمه، فيبقى العدم لم يحصل من نفسه، ولا من موجود آخر بخلاف الوجود، فلا يكون عدمه سابقا لوجوده بحال.
    وقوله: (اللا استحقاقية. (5) وصف عدمي) ،
    جوابه أن هذا العدمي هو عدم النقيضين جميعا:
    الوجود، والعدم ليس هو عدم الوجود فقط، والنقيضين [لا يرتفعان كما] (6) لا يجتمعان،
    فيمتنع أن يقال:
    [إن] (7) ارتفاع النقيضين جميعا سابق (8) لوجوده، وإن أريد أنه ليس واحد من
    (1) ن، م، أ: وهذه الاستحقاقية، وهو خطأ. وسترد العبارة بعد سطور كما أثبتها هنا.
    (2) ن: فتقدر ; م: فيقدر.
    (3) أيضا: زيادة في (أ) ، (ب) .
    (4) ن: المراد به أنه ; م: المراد منه أنه، وعلى " منه " شطب.
    (5) ن، أ: لا استحقاقية ; م: لاستحقاقية. والمثبت من (ب) .
    (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
    (7) إن: ساقطة من (ن) فقط.
    (8) ن، م: سابقان.
    **************************


    النقيضين منه، فهذا حق،
    وليس فيه سبق أحدهما:
    للآخر.وهم يقولون: عدمه سابق لوجوده مع أنه موجود دائما فعلمت أنهم مع قولهم إن الممكن قديم أزلي يمتنع أن يكون هناك عدم يسبق وجوده بوجه من الوجوه، وإنما كلامهم جمع بين النقيضين في هذا وأمثاله، فإن مثل هذا التناقض كثير في كلامهم، ولكن الإمكان الذي أثبته جمهور العقلاء، وأثبته قدماؤهم - أرسطو، وأتباعه - هو إمكان أن يوجد الشيء وأن يعدم، وهذا الإمكان مسبوق بالعدم سبقا حقيقيا، فإن كل ممكن محدث كائن بعد أن لم يكن، وبسط هذه [الأمور] له (1) موضع آخر.والمقصود هنا أنهم أفسدوا الأدلة السمعية بما أدخلوه فيها من القرمطة وتحريف الكلم عن مواضعه، كما أفسدوا الأدلة العقلية (2) بما أدخلوه فيها من السفسطة وقلب الحقائق المعقولة عما هي عليه وتغيير فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولهذا يستعملون الألفاظ المجملة والمتشابهة ; لأنها أدخل في التلبيس والتمويه مثل لفظ (التأثير) ، (والاستناد) ليقولوا:
    ثبت أن (3) ما هو ممكن الثبوت لما هو هو يجوز (4) استناده إلى مؤثر يكون دائم الثبوت مع الأثر،
    والمراد في الأصل الذي قاسوا عليه على قولهم: إنه عدم لازم لوجوده في الفرع أنه مبدع لمبدع ومخلوق لخالق، فأين هذا الاستناد من هذا الاستناد. وأين هذا التأثير من هذا التأثير.الوجه التاسع (5) : أن يقال: حقيقة هذه الحجة هي قياس مجرد بتمثيل
    (1) ن، م: وبسط هذا له.
    (2) ن (فقط) : القطعية.
    (3) أن: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (4) أ، ب: بجواز ; ن، ش: يجوز، وهو الصحيح وقد سبق أن ذكرناه.
    (5) ن، م: السابع، وهو خطأ.
    **************************
    مجرد خال عن الجامع، فإن المدعي يدعي أنه لا يشترط في فعل الرب تعالى أن يكون بعد عدم، كما أن صفاته لازمة لذاته بلا سبق عدم،
    وصاغ ذلك بقياس شمول بقوله:
    (إن التأثير لا يشترط فيه سبق العدم) .فيقال له لا نسلم أن بينهما قدرا مشتركا. كما يدل عليه ما ذكرته من اللفظ، بل لا نسلم أن بينهما قدرا مشتركا يخصهما، بل القدر المشترك الذي بينهما يتناول كل لازم لكل ملزوم، فيلزمه أن يجعل كل لازم مفعولا لملزومه، وإن سلمنا أن بينهما قدرا مشتركا، فلا نسلم أنه مناط الحكم في الأصل حتى يلحق به الفرع.وإن ادعى ذلك دعوى كلية، وصاغه بقياس (1) شمول قيل له: الدعوى الكلية لا تثبت بالمثال الجزئي، فهب أن ما ذكرته في الأصل أحد أفراد هذه القضية الكلية،
    فلم قلت:
    إن سائر أفرادها كذلك؟ غايتك أن ترجع إلى قياس التمثيل، ولا حجة معك على صحته هنا، ثم بعد هذا نذكر نحن الفروق الكثيرة المؤثرة، وهذا الوجه يتضمن الجواب من وجوه متعددة.
    [البرهان الثامن والرد عليه]
    قال الرازي:
    (البرهان الثامن: لوازم الماهية معلولة لها، وهي غير متأخرة عنها زمانا، فإن كون المثلث مساوي الزوايا لقائمتين ليس إلا لأنه مثلث، وهذا الاقتضاء (2) من لوازم المثلث (3) ،
    بل نزيد فنقول:
    إن الأسباب مقارنة

    (1) ن، م: قياس.
    (2) ن: وهو الاقضاء ; م: وهو الاقتضاء، وكلاهما تحريف.
    (3) تمام الكلام في ش (ص [0 - 9] 91) : ليس إلا لأنه مثلث، فإنه لو كان لأمر منفصل لصح أن يوجد المثلث لا على هذه الصفة. ثم إن اقتضاء الماهيات لهذه اللوازم ليس بعد تقدم زمان وجدت فيه عارية عن هذا الاقتضاء، فإنا لا نفرض زمانا إلا والمثلث يقتضي هذا الاقتضاء، بل نزيد فنقول. إلخ.
    ****************************** ***
    لمسبباتها مثل الإحراق يكون مقارنا للاحتراق، والألم عقيب (1) سوء المزاج، أو تفرق الاتصال، بل نذكر شيئا لا ينازعون فيه (2) ليكون أقرب إلى الغرض، وهو كون العلم علة للعالمية والقدرة للقادرية عند من يقول به، وكل ذلك (3) يوجد مقارنة لآثارها غير متقدمة عليها.
    (4)
    فعلمنا أن مقارنة الأثر والمؤثر في الزمان لا تبطل جهة الاستناد والحاجة) .
    والجواب أن يقال: إن أريد بالماهية (5) ما هو موجود في الخارج مثل المثلثات الموجودة فصفات تلك الماهية (6) اللازمة لها ليست صادرة عنها، بل الفاعل للملزوم هو الفاعل للصفة اللازمة له القائمة به،
    ويمتنع فعله لأحدهما:
    بدون الآخر،
    ومن قال:
    إن الموصوف علة للازمه، فإن أراد بالعلة أنه ملزوم، فلا حجة له فيه، وإن أراد أنه فاعل أو مبدع أو علة فاعلة فقوله معلوم الفساد ببديهة العقل، فإن الصفات القائمة بالموصوف اللازمة له إنما يفعلها من فعل الموصوف، فإنه يمتنع فعله للموصوف بدون فعله لصفته اللازمة [له] (7) ، وإن أريد بالماهية ما يقدر في الذهن، فتلك صورة (8) علمية، والكلام فيها كالكلام في الخارجية،

    (1) أ، ب: عقب.
    (2) ش (ص [0 - 9] 91) : بل نذكر شيئا (مما) لا ينازعون فيه.
    (3) ن، م: وكذلك ; ش: فكل ذلك.
    (4) أ: يوجد مقارنا لآثارها غير متقدمة عليها ; ب: يوجد مقارنا لآثارها غير متقدم عليها.
    (5) أ، ب: بالماهيات.
    (6) الماهية: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (7) له: ساقطة من (ن) فقط.
    (8) أ، ب: صور.
    **************************
    فالفاعل للملزوم هو الفاعل للازمه لم يكن الملزوم علة فاعلة للازم.
    وقولهم: (هذا الاقتضاء من لوازم المثلث) إن أرادوا بالاقتضاء والتعليل الاستلزام فهو حق، ولا حجة فيه، وإن أرادوا أنه علة فاعلة (1) ، فهذا معلوم الفساد، وأما الأسباب والمسببات الموجودة في الخارج. كما في سوء المزاج والألم، فمن الذي سلم أن زمانهما واحد؟ .
    والمستدلون أنفسهم قد قالوا في حجتهم:
    إن وجود الألم عقب سوء المزاج، وما يوجد عقب الشيء يكون وجوده بعده، لكن غايته أن يكون بلا فصل، لكن لا يكون معه في الزمان،
    فإن ما مع الشيء في الزمان لا يقال:
    إنه [إنما] (2) يوجد عقبه.وهكذا القول في كل الأسباب لا نسلم أن زمان وجودها كلها هو زمان وجود المسببات، بل لا بد من حصول تقدم زماني (3) ، وكذلك الكسر والانكسار والإحراق والاحتراق، فإن الكسر هو فعل الكاسر الذي يقوم به مثل الحركة القائمة بالإنسان والانكسار هو التفرق الحاصل بالمكسور، وذلك يحصل بحركة في زمان، ومعلوم أن زمان تلك الحركة قبل زمان هذه لكن قد يتصل الزمان بالزمان،
    والمتصل يقال:
    إنه معه لكن فرق بين [ما يكون زمانهما واحدا] (4) ، وما يكون زمانهما متعاقبا.ومن الأسباب ما يقتضي مسببه شيئا فشيئا، فإذا كمل السبب كمل مسببه مثل الأكل والشرب مع الشبع والري والسكر، فكلما حصل بعض

    (1) ن (فقط) : لازمة.
    (2) إنما: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (3) ن (فقط) : زمان.
    (4) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
    ****************************** ****
    الأكل حصل جزء من الشبع [لا يحصل المسبب إلا بعد حصول السبب لا معه] (1) .
    وهذا قول جماهير العقلاء من أهل الكلام والفقه والفلسفة وغيرهم يقرون بأن المسبب يحصل عقب السبب، ولهذا كان أئمة الفقهاء [وجماهيرهم] (2) على أنه إذا قال: إذا مات أبي فأنت حرة، أو طالق، [أو غيرهما] (3) أنه إنما يحصل المسبب عقب الموت لا مع الموت، وشذ بعض المتأخرين فظن حصول الجزاء مع السبب،
    وقال:
    إن هذا بمنزلة العلة مع المعلول، وأن المعلول يحصل زمن العلة.ولفظ (العلة) مجمل يراد به المؤثر في الوجود، ويراد به الملزوم، فإذا سلم الاقتران. (4) في الثاني لم يسلم الاقتران.
    (5) في الأول، فلا يعرف في الوجود مؤثر في وجود غيره مقارن له في الزمان من كل وجه، [بل] (6) لا بد أن يتقدم عليه زمانا، ولا بد أن يحصل وجوده بعد عدم، ولهذا جعل الفلاسفة العدم من جملة المبادئ، كما قد ذكرنا كلامهم.ومما يمثلون به حصول الصوت مع الحركة كالطنين مع [النقرة] (7) ، وأن المسبب هنا مع السبب، وهذا أيضا ممنوع، فإن وجود الحركة التي هي

    (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) . وفي (أ) : لا يحصل السبب إلا بعد حصول المسبب لا معه، وهو تحريف. والمثبت من (ب) .
    (2) وجماهيرهم: زيادة في (ب) ، (أ) .
    (3) أو غيرهما: زيادة في (ب) ، (أ) .
    (4) ن (فقط) : الافتراق، وهو تحريف.
    (5) ن (فقط) : الافتراق، وهو تحريف.
    (6) بل: ساقطة من (ن) فقط.
    (7) ن (فقط) : البقرة، وهو تحريف.
    ****************************** ******

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (42)
    صـ 284 إلى صـ 290

    سبب الصوت يتقدم وجود الصوت، [وإن كان وجود الصوت] (1) متصلا بوجود الحركة لا ينفصل عنه لكن المقصود أنه لا يكون إلا بعده، وليس أول زمن الحركة يكون أول زمن الصوت، بل لا بد من وجود الحركة والصوت يعقبها، ولهذا يعطف المسبب على السبب بحرف الفاء الدالة على التعقيب،
    فيقال:
    كسرته فانكسر، وقطعته فانقطع،
    ويقال:
    ضربته بالسيف فمات، أو فقتلته، وأكل فشبع، وشرب فروي، وأكل حتى شبع، وشرب حتى روي، ونحو ذلك، فالكسر والقطع فعل يقوم بالفاعل مثل أن يضربه بيده أو بآلة معه، فإذا وصل إليه الأثر انكسر وانقطع، فأحدهما يعقب الآخر لا يكون أول زمان هذا أول زمان هذا ولا آخر زمان هذا آخر زمان هذا، بل يتقدم زمان السبب، ويتأخر زمان المسبب.ولهذا تنازع الناس في المسبب المتولد عن فعل الإنسان،
    فقالت طائفة:
    هو فعله،
    وقالت طائفة:
    هو فعل الرب،
    وقالت طائفة:
    بل الإنسان مشارك في فعله، وهو حاصل بفعله وبسبب آخر، مثل خروج السهم من القوس، ومثل حصول الشبع والري بالأكل والشرب.ولولا تقدم السبب على المسبب لم يحصل هذا النزاع، فإن السبب حاصل في العبد في محل قدرته وحركته، والمسبب حاصل في غير محل قدرته وحركته، ومن هذا الباب حركة الكم مع حركة اليد وحركة آخر الحبل مع حركة أوله، ونظائره كثيرة.فعلم أنهم لم يجدوا في الوجود مفعولا يكون زمانه زمان فاعله بلا (2)
    (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
    (2) أ، ب: لا.
    *****************************
    تأخر أصلا لا مع الاتصال، ولا مع الانفصال، كما يدعونه في فعل رب العالمين خالق كل شيء ومليكه من أن السماوات لم تزل معه مقارنة له في الزمان، زمان وجودها هو زمان وجوده لا يجوز أن يتقدم عليها بشيء من الزمان ألبتة.وأما ما ذكره من كون العلم علة للعالمية، فهذا أولا قول مثبتي الأحوال كالقاضي أبي بكر، والقاضي أبي يعلى (1) ، وقبلهما أبو هاشم،
    وجمهور النظار يقولون:
    إن العلم هو العالمية، وهذا هو الصواب، وعلى قول أولئك فلا يقولون إن العلم هنا علة فاعلة لا بإرادة، ولا بذات، ولا بغير ذلك، بل المعلول عندهم لا يوصف بالوجود فقط، ومعنى العلة عندهم الاستلزام، وهذا لا نزاع فيه.
    [البرهان التاسع والرد عليه]

    قال الرازي:

    (البرهان التاسع: هو أن الشيء حال اعتبار وجوده من حيث هو موجود واجب الوجود لامتناع عدمه مع وجوده (2)
    ، وكذلك هو في حال عدمه واجب العدم لامتناع كونه موجودا معدوما (3) ، والحدوث عبارة عن ترتب هاتين الحالتين، فإذا كانت الماهية. (4) [في كلتا الحالتين] (5)

    (1) أ، ب: كالقاضيين أبي بكر وأبي يعلى.
    (2) لامتناع عدمه مع وجوده: عبارة الرازي في ش (ص [0 - 9] 91) : " فإن الشيء حال وجوده لا يمكن أن لا يكون موجودا ".
    (3) ش: " وكذلك حال عدمه من حيث إنه معدوم يكون واجب العدم، لأنه حال العدم لا يمكن إلا أن يكون معدوما ".
    (4) ش:. . عن ترتب هاتين الحالتين لو نظرنا إليهما وأخذنا الماهية من حيث إنها في حالة كذلك وفي حالة أخرى كذلك، كانت الماهية في كلتا الحالتين على كلتا الصفتين واجبة والماهية. إلخ.
    (5) الحالتين: كذا في ش (ص 492) ; (أ) ، (ب) : الصفتين (وهو خطأ) ; ن، م: ساقطة.
    ****************************** **
    على كلتا الصفتين واجبة، فالماهية من حيث هي واجبة غير مفتقرة إلى مؤثر، فإن الواجب (1) من حيث هو واجب يمتنع استناده (2) إلى المؤثر، فإذن (3) الحدوث من حيث هو حدوث مانع عن الحاجة، فإن لم (4) تعتبر الماهية من حيث هي هي لم يرتفع الوجوب، أي وجوب الوجود في زمنه، ووجوب العدم في زمنه، وهو بهذا الاعتبار [لا] (5) يحتاج إلى المؤثر، فعلمنا أن الحدوث من حيث هو حدوث مانع عن الحاجة، وإنما المحوج هو الإمكان) .
    والجواب: أن في هذه الحجة مغالطات متعددة، وجوابها من وجوه،
    أحدها:
    أن يقال: هب أنه في حال وجوده واجب الوجود لكنه واجب الوجود بغيره، وذلك [لا] (6) يناقض كونه مفتقرا إلى الفاعل مفعولا له محدثا بعد أن لم يكن، فإذا (7) لم يكن هذا الوجوب مانعا مما (8) يستلزم افتقاره إلى الفاعل لم يمتنع كونه مفتقرا إلى الفاعل مع هذا الوجوب.
    الثاني: أن قوله: (الحدوث عبارة عن ترتب هاتين الحالتين) يقال له: الحدوث يتضمن هاتين الحالتين، وهو يتضمن مع ذلك أنه وجد بفاعل أوجده هو مفتقر إليه لا يوجد بدون إيجاده له بعد أن لم يكن

    (1) أ، ب، ن، م: الواجب ; ش: الشيء.
    (2) ش، أ، ب، م: استناده ; ن: إسناده.
    (3) ش، ن، م: فإذن، أ، ب: فإن.
    (4) أ، ب، ن، م: فإن لم ; ش: فإذن ما لم.
    (5) لا: ساقطة من النسخ الأربع وأثبتها من (ش) 1/492.
    (6) لا: ساقطة من (ن) فقط.
    (7) م: فإن ; أ، ب: وإذا.
    (8) ب (فقط) : ما.
    ****************************** **
    موجودا، فالحدوث يتضمن هذا المعنى، أو يستلزمه، وإذا كان الحدوث متضمنا للحاجة إلى الفاعل، [أو] (1) مستلزما للحاجة إلى الفاعل لم يجز أن يقال: هو مانع عن الحاجة، فإن الشيء لا يمنع لازمه (2) ، وإنما يمنع ضده.
    الثالث: قوله: (الواجب من حيث هو (3) واجب يمتنع استناده إلى المؤثر) ممنوع، بل الواجب بنفسه هو الذي يمتنع استناده (4) إلى المؤثر، وأما الواجب بغيره، فلا يمتنع استناده إلى المؤثر، بل نفس كونه واجبا بغيره يتضمن استناده إلى المؤثر، ويستلزم ذلك،
    فكيف يقال:
    إن الوجوب بالغير يمنع الاستناد إلى الغير.
    وإن قال:
    أنا أريد الواجب من حيث هو واجب مع قطع النظر عن كونه واجبا بنفسه أو بغيره.
    قيل له: ليس في الخارج إلا واجب بنفسه، أو بغيره، وإذا أخذ مطلقا عن القيدين (5) ، فهو أمر يقدر في الأذهان لا يوجد في الأعيان.
    ثم يقال:
    لا نسلم أن الواجب إذا أخذ مطلقا يمتنع استناده إلى المؤثر، بل الواجب إذا أخذ مطلقا لا يستلزم المؤثر، [ولا ينفي (* المؤثر] (6) ، فإن من الواجب ما يستلزم المؤثر، وهو الواجب بغيره، ومنه ما ينفيه، وهو *) (7) الواجب

    (1) أو: زيادة في (أ) ، (ب) .
    (2) ن (فقط) : فإن الشيء يمنع لازمه، وهو خطأ.
    (3) ن (فقط) : من حيث ما هو.
    (4) ن (فقط) : يمنع إسناده، وهو تحريف
    (5) ن، م: عن القيد.
    (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) .
    (7) ما بين النجمتين ساقط من (م) فقط.
    ***********************



    بنفسه، وصار هذا كاللون إذا أخذ مجردا لا يستلزم السواد، ولا ينفيه، والحيوان إذا أخذ مجردا لا يستلزم النطق. ولا ينفيه، وكذلك سائر المعاني العامة التي تجري مجرى الأجناس إذا أخذت مع قطع النظر عن بعض الأنواع لم تكن (1) مستلزمة لذلك، ولا مانعة منه.
    الرابع: أن قول القائل: (الحدوث من حيث هو حدوث مانع عن الحاجة إلى المؤثر) (2) مما يعلم فساده ببديهة العقل، والعلم بفساد ذلك أظهر من العلم بفساد قول من يقول الإمكان من حيث هو إمكان مانع عن الحاجة إلى المؤثر، فإن علم الناس بأن ما حدث بعد أن لم يكن لا بد له من محدث أظهر، وأبين من علمهم بأن ما قبل (3) الوجود والعدم لا بد له من مرجح، فإذا كانت الحجة النافية لهذا سوفسطائية، فتلك أولى أن تكون سوفسطائية.
    الخامس:
    أن هذه الحجة مبنية على أن في الخارج ماهية غير الوجود الحاصل في الخارج، وأنه (4) يعتقب عليها الوجود والعدم، وهذا ممنوع وباطل.
    السادس:
    أنه لو سلم ذلك، فالماهية من حيث هي هي لا تستحق وجودا ولا عدما، ولا تفتقر إلى فاعل، فإن من يقول ذلك يقول الماهيات غير مجعولة وأن (5) المجعول اتصافها (6) بالوجود، وإنما تفتقر إلى الفاعل إذا كانت
    (1) أ، ب: تجعل.
    (2) كذا في جميع النسخ في هذا الموضع، و (إلى المؤثر) ليست في النسخ كلها، كما تقدم.
    (3) أ، ب: يقبل.
    (4) أ، ب: وأن.
    (5) أ، ب: وإنما.
    (6) ن، م: أيضا فيها، وهو تحريف.
    ****************************** *


    موجودة، وإذا كانت موجودة فوجودها واجب فعلم أن افتقارها إلى الفاعل في حال وجوب وجودها بالغير (1) ، لا في الحال التي لا تستحق فيها وجودا ولا عدما.
    السابع: أنه لو سلم أن هذه الماهية ثابتة في الخارج، وإنما هي من حيث (2) هي هي مفتقرة إلى المؤثر، فليس في هذا ما يدل على وجوب كونها أزلية، بل ولا على إمكان ذلك، وإذا لم يكن فيه ما يدل على ذلك لم يمتنع أن يكون هذا الافتقار لا يثبت لها إلا مع الحدوث، ولكون الحدوث شرطا في هذا الافتقار (3) .
    الثامن:
    أنا إذا سلمنا أن علة الافتقار إلى الفاعل هو الإمكان، فالإمكان الذي يعقله الجمهور إمكان أن يوجد الشيء، وإمكان أن يعدم الشيء (4) ، وهذا الإمكان ملازم للحدوث، فلا يعقل إمكان كون الشيء قديما أزليا واجبا بغيره، وهو مع ذلك يفتقر إلى الفاعل، وهذا هو (5) الذي يدعونه.
    التاسع:
    أنهم إذا جعلوا الوجوب مانعا من الاستناد إلى الغير، وإن كان وجوبا حادثا، فالوجوب القديم الأزلي (6) أولى أن يكون مانعا من الاستناد إلى الغير، والأفلاك عندهم واجبة الوجود أزلا وأبدا، ووجوب ذلك
    (1) ن (فقط) : بالعين، وهو تحريف.
    (2) م، أ، ب: وأنها من حيث.
    (3) أ، ب: ولكن للحدوث شروطا في هذا الافتقار.
    (4) الشيء: زيادة في (ن) فقط.
    (5) ن (فقط) : وهو هو.
    (6) ن: الأزلي القديم ; م: القديم الأولي.
    ****************************** ***
    بغيرها، فإذا كان هذا الوجوب لازما (1) للماهية، والوجوب مانع من الافتقار إلى الغير كان لازم الماهية مانعا لها من الافتقار، فلا تزال الماهية القديمة ممنوعة من الافتقار إلى الغير (2) ، فيلزم أن لا تفتقر إلى الغير أبدا، وهذا هو الذي يقوله جماهير العقلاء، وأن ما كان قديما (3) يمتنع أن يكون مفعولا.
    العاشر: أنه إذا قدر أن الإمكان هو المحوج إلى الغير (4) المؤثر، فالتأثير هو جعل الشيء موجودا وإبداع وجوده جعل (5) ما يمكن عدمه موجودا لا يعقل إلا بإحداث وجود له بعد أن لم يكن، وإلا فما كان وجوده واجبا أزليا يمتنع عدمه لا يعقل حاجته إلى من يجعله موجودا،
    وإذا قالوا:
    هو واجب الوجود أزلا وأبدا (6) يمتنع عدمه،
    وقالوا مع ذلك:
    إن غيره هو الذي أبدعه، وجعله موجودا، وإنه يمكن وجوده وعدمه، فقد جمعوا في كلامهم من التناقض أعظم مما يذكرونه عن (7) غيرهم.
    الحادي عشر: أنه لو كان مجرد الإمكان مستلزما للحاجة إلى الفاعل لكان كل ممكن موجودا،
    كما أنا إذا قلنا:
    الحدوث هو المحوج إلى المؤثر كان كل محدث موجودا ; لأن (8) المحتاج إلى الفاعل إنما يحتاج إليه إذا فعله الفاعل، وإلا فبتقدير أن لا يفعله لا حاجة به إليه، وإذا فعله الفاعل لزم

    (1) ن، م: ملازما.
    (2) يوجد في هذا الموضع تكرار ونقص في نسخة (ن) .
    (3) أ: وإن كان قديما ; ب: وأن كل قديم.
    (4) الغير: ساقطة من (م) ، (أ) ، (ب) .
    (5) أ، ب: فالتأثير هو الذي جعل الشيء موجودا وأبدع وجوده وجعل.
    (6) ن: أبدا وأزلا.
    (7) ن: من.
    (8) ن: لا أن، وهو تحريف.
    ************************
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (43)
    صـ 291 إلى صـ 297

    وجوده، فيلزم وجود كل ممكن، وهو معلوم الفساد بضرورة [العقل] (1) .
    فإن قيل:
    المراد أن (2) الممكن لا يوجد إلا بفاعل قيل: فيكون الإمكان مع الوجود يستلزم الحاجة إلى الفاعل، وحينئذ فيحتاجون إلى بيان أنه يمكن كون (3) وجود الممكن أزليا، وأن الفاعل يمكنه أن يكون مفعوله المعين أزليا، وهذا إذا أثبتموه لم تحتاجوا إلى ما تقدم، فإنه لا تثبت حاجة الممكن إلى الفاعل إلا في حال وجوده فعلم أن الاستدلال بمجرد الإمكان باطل.
    [البرهان العاشر والرد عليه]
    قال الرازي:

    (البرهان العاشر: جهة الاحتياج لا بد وأن لا تبقى مع المؤثر، كما كانت لا مع المؤثر، وإلا لبقيت الحاجة مع المؤثر إلى مؤثر آخر، فلو جعلنا الحدوث جهة الاحتياج إلى المؤثر، والحدوث مع المؤثر كهو [لا] (4)
    مع المؤثر ; لأن (5) الحدوث هو الوجود بعد العدم، وسواء (6) كان ذلك الوجود بالفاعل أو لا بالفاعل، فهو وجود بعد العدم، وسواء (7) أخذ (8) حال الحدوث، أو حال البقاء، فهو في كليهما وجود بعد العدم، فإذن هو [مع] (9) المؤثر كهو لا مع
    (1) ن، م: الفساد بالضرورة.
    (2) أن: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (3) كون: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (4) لا: ساقطة من (ن) .
    (5) أ، ب، ن، م: لأن ; ش: (ص [0 - 9] 92) : أي أن.
    (6) ب (فقط) : سواء.
    (7) ن، م، أ، ب: سواء. والمثبت من (ش) .
    (8) م: وجد.
    (9) مع: ساقطة من (ن) ، (م) .
    ******************************
    المؤثر، فيلزم المحال (1) المذكور أما إذا جعلنا الإمكان جهة الاحتياج، فهو عند المؤثر لا يبقى، كما كان عند عدم المؤثر، فإن الماهية مع المؤثر لا تبقى ممكنة ألبتة فعلم أن الحدوث لا يصلح جهة الاحتياج (2)) .
    فيقال: هذا من جنس الذي قبله،
    والجواب عن هذا من وجوه:
    أحدها: أن يقال: كون الماهية [مع المؤثر] (3) لا تبقى ممكنة ألبتة هو وصف ثابت لها مع الحدوث أيضا، بل لا يعلم ذلك إلا مع الحدوث، فإن الممكن الذي يعلم أنه يصير واجبا بالفاعل هو المحدث أما القديم الأزلي فهو مورد النزاع.
    وجمهور العقلاء يقولون:
    نعلم ببديهة العقل أنه لا يكون له فاعل، وبتقدير أن تكون المسألة نظرية فالمنازع لم يقم على ذلك دليلا ألبتة إذ لا دليل يدل (4) على قدم شيء من العالم ألبتة، وإنما غاية الأدلة الصحيحة أن تدل على دوام الفاعلية، وذلك يحصل بإحداث شيء بعد شيء، وبكل حال فلا ريب أن الممكن المحدث واجب بفاعله.
    وحينئذ فيقال:
    الحدوث بعد العدم إذا كان بالفاعل اقتضى وجوب المحدث، وأما إذا لم (5) يكن بالفاعل امتنع الحدوث، فلم يكن الحدوث بعد العدم مع المؤثر كهو لا مع المؤثر، فإنه في هذه الحال واجب، وفي هذه ممتنع، كما أن الممكن مع المؤثر واجب، وبدون المؤثر ممتنع،

    (1) أ، ب: الحال، وهو تحريف.
    (2) ش " فقط: للاحتياج.
    (3) مع المؤثر: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (4) أ، ب: إذ لا دليل له.
    (5) ن، م: وإذا لم.
    *************************
    وإذا كان واجبا مع المؤثر مع كونه حادثا لم يحتج مع ذلك إلى مؤثر آخر.
    والجواب الثاني: أن يقال: قوله: (الماهية مع المؤثر لا تبقى ممكنة ألبتة) إن أراد به أنها لا تبقى محتاجة إلى المؤثر، أو لا يبقى علة (1) احتياجها هو الإمكان، فهذا باطل، وهو (2) خلاف ما يقولونه دائما، وإن أراد به أنها لا تبقى ممكنة العدم لوجوبها بالغير، فهذا يناقض ما يقولونه من أنها باعتبار ذاتها يمكن وجودها وعدمها مع كونها واجبة بالغير، وحينئذ فبطل (3) قولهم: إن القديم الأزلي يكون ممكنا، فليس شيء من القديم الأولي بممكن (4) ، وهذا ينعكس بانعكاس النقيض، فلا يكون شيء من الممكن بقديم أزلي، فثبت أن كل ممكن لا يوجد إلا بعد عدمه، وهو المطلوب، وإذا بطل المذهب بطلت جميع أدلته ; لأن القول لازم عن الأدلة، فإذا انتفى اللازم انتفت الملزومات كلها.
    والجواب الثالث:
    قوله (جهة الاحتياج لا بد وأن لا تبقى مع المؤثر. كما كانت لا مع المؤثر) ، أتريد به أن المحتاج إلى المؤثر لا يكون مع عدم المؤثر، [كما يكون مع المؤثر] (5) ؟ أم تريد أن علة احتياجه أو شرط احتياجه أو دليل احتياجه يختلف في الحالين، فإن أردت الأول فهذا صحيح، فإن المحدث بعد العدم لا يكون مع المؤثر، كما كان مع عدم المؤثر، فإنه

    (1) ن، م: عليها، وهو تحريف.
    (2) أ، ب: فهو.
    (3) ب (فقط) : يبطل.
    (4) أ، ب: ممكنا.
    (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
    ***********************
    مع عدمه معدوم، بل واجب العدم، ومع وجوده موجود، بل واجب الوجود.(* وقوله: (لأن الحدوث هو الوجود بعد العدم سواء كان الوجود بالفاعل أو بغير الفاعل *) (1) [تقدير ممتنع، فإن كونه بغير الفاعل ممتنع، فلا يكون حدوث بعد العدم بغير الفاعل حتى يسوى بينه في هذه الحال وفي حال عدمها،
    بل هذا مثل أن يقال:
    رجحان وجوده على عدمه سواء كان بالفاعل أو بغير الفاعل]
    (2) .وإن أردت بذلك أنه ما كان علة أو دليلا أو شرطا في أحد الحالين لا يكون كذلك في الحال الأخرى، فهذا باطل فإن علة (3) احتياج الأثر إلى المؤثر إذا قيل: هو الإمكان (4) ، أو الحدوث، أو مجموعهما، فهو كذلك مطلقا، فإنا نعلم أن المحدث لا يحدث إلا بفاعل سواء حدث أو لم يحدث والممكن لا يترجح وجوده إلا بمرجح سواء ترجح أو لم يترجح لكن هذا الاحتياج إنما يحقق في حال وجوده إذ ما دام (5) معدوما، فلا فاعل له.
    وقولك: (وإلا لبقيت الحاجة مع المؤثر إلى موثر آخر) إنما يدل على المعنى المسلم دون الممنوع، فإنه يدل على أنه بالمؤثر يحصل وجوده لا يفتقر مع المؤثر إلى شيء آخر لا يدل على أنه مع المؤثر (6) لا يكون

    (1) الكلام الذي يقابل هذه الفقرة في نسخة (ن) ناقص ومضطرب.
    (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
    (3) علة: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (4) ب (فقط) : للإمكان.
    (5) ن: أو ما دام ; م: وما دام.
    (6) عبارة " مع المؤثر ": ساقطة من (أ) ، (ب) .
    **************************
    علة حاجتها (1) أو دليلها أو شرطها الحدوث أو الإمكان أو مجموعهما، بل هذا المعنى هو ثابت له حال وجوده أظهر من ثبوته له حال عدمه، فإنه إنما يحتاج إلى ذلك حال وجوده لا حال عدمه.
    وحينئذ فإذا قلنا:
    احتاج إلى المؤثر لحدوثه بعد العدم، وهذا الوصف ثابت له حال وجوده، كنا قد أثبتنا علة حاجته وقت وجوده، والعلة حاصلة.
    وإذا قلنا:
    العلة هي الإمكان، وادعينا انتفاءها عند وجوده كنا قد عللنا حاجته إلى المؤثر بعد (2) وقت وجوده بعلة منتفية وقت وجوده، وهذا يدل على أن ما ذكره حجة عليهم لا لهم، وهذا بين لمن تدبره.وهذا وغيره مما يبين أن القوم لما غيروا فطرة الله التي فطر عليها عباده (3) ، فخرجوا عن صريح المعقول وصحيح المنقول،
    ودخلوا في هذا الإلحاد الذي هو من أعظم جوامع الكفر والعناد صار في أقوالهم من التناقض والفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد مع دعواهم أنهم أصحاب البراهين العقلية والمعارف الحكمية، وأن العلوم الحقيقية فيما يقولونه لا فيما جاءت به رسل الله الذين هم أفضل الخليقة وأعلمهم بالحقيقة.وهؤلاء الملاحدة يخالفون المعقولات والمسموعات بمثل هذه الضلالات، إذ من البين أن المحتاج إلى الخالق الذي خلقه هو محتاج إليه في حال وجوده وكونه مخلوقا، أما إذا قدر أنه باق على العدم، ففي تلك الحال لا يحتاج عدمه إلى خالق لوجوده بل ولا فاعل لعدمه، وهم

    (1) ن، م: حاجته
    (2) بعد: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (3) أ، ن: فطر الناس عليها عباده.
    ****************************** ******
    وإن قالوا: عدمه يفتقر إلى مرجح، فالمرجح عندهم عدم العلة (1) ، فالجميع عدم،
    لم يقولوا:
    إن العدم يفتقر إلى موجود.وإذا كان هذا بينا، فقوله: (جهة الاحتجاج لا بد وأن لا تبقى مع المؤثر كما كانت لا مع المؤثر) هو كلام ملبس، فإن الاحتياج إنما هو في حال كون المؤثر مؤثرا، فكيف تزول حاجته إلى المؤثر في الحال التي هو فيها محتاج إلى المؤثر. وكيف يكون محتاجا إلى المؤثر حين لم يؤثر فيه، وهو معدوم لا يحتاج إلى مؤثر أصلا. وفي حال احتياجه إليه لا يكون محتاجا إليه؟ .
    وإن قالوا: هو. (2) في حال عدمه لا يمكن وجوده إلا بمؤثر،
    قلنا:
    فهذا بعض ما ذكرنا، فإن كونه لا يوجد إلا بمؤثر أمر لازم له،
    لا يقال:
    إنه ثابت له في حال عدمه دون حال وجوده.وإذا تبين أن الفعل مستلزم لحدوث المفعول، وأن إرادة الفاعل أن يفعل مستلزمة لحدوث المراد، فهذا يبين أن كل مفعول وكل ما أريد فعله فهو حادث بعد أن لم يكن عموما، وعلم بهذا أنه يمتنع [أن يكون ثم] (3) إرادة أزلية لشيء من الممكنات يقارنها مرادها أزلا وأبدا سواء كانت عامة لكل ما يصدر عنه (* أو كانت خاصة ببعض المفعولات،
    ثم يقال:
    أما كونها عامة (4)
    لكل ما يصدر عنه *) (5) فامتناعه ظاهر متفق

    (1) ن: عندهم علة العلة ; م: عندهم العلة.
    (2) ن: قلنا هو ; م: فإن قيل هو.
    (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
    (4) أ، ب: علة.
    (5) ما بين النجمتين ساقط من (م) فقط.
    *************************


    عليه بين العقلاء، فإن ذلك يستلزم أن يكون كل ما صدر عنه بواسطة أو بغير واسطة قديما أزليا، فيلزم أن لا يحدث في العالم شيء، وهو مخالف لما يشهده الخلق من حدوث الحوادث في السماء والأرض وما بينهما من حدوث الحركات والأعيان والأعراض كحركة الشمس، والقمر، والكواكب، وحركة الرياح، وكالسحاب والمطر وما يحدث من الحيوان والنبات (1) ، والمعدن.وأما إرادة شيء معين، فلما تقدم،
    ولأنه حينئذ إما أن يقال:
    ليس له إلا تلك الإرادة الأزلية،
    وإما أن يقال:
    له إرادات (2) تحصل شيئا بعد شيء، فإن قيل بالأول، فإنه (3) على هذا التقدير يكون المريد الأزلي في الأزل مقارنا لمراده الأزلي، فلا يريد شيئا من الحوادث لا بالإرادة القديمة ولا بإرادة متجددة ; لأنه إذا قدر أن المريد الأزلي يجب أن يقارنه مراده كان الحادث حادثا إما بإرادة أزلية فلا يقارن المريد مراده، وإما حادثا بإرادة حادثة مقارنة له،
    وهذا باطل لوجهين:
    أحدهما: أن التقدير أنه ليس له إلا إرادة واحدة أزلية.
    الثاني: أن حدوث تلك الإرادة يفتقر إلى سبب حادث، والقول في ذلك [السبب] (4) الحادث كالقول في غيره: يمتنع أن يحدث بالإرادة الأزلية المستلزمة لمقارنة مرادها لها، ويمتنع أن يحدث بلا إرادة لامتناع حدوث الحادث بلا إرادة، فيجب على هذا التقدير أن تكون إرادة
    (1) أ، ب: النبات والحيوان.
    (2) ن، م: إرادة.
    (3) أ، ب: فهو.
    (4) السبب: ساقطة من (ن) ، (م) .
    ****************************** *****


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله



    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (44)
    صـ 298 إلى صـ 304

    الحادث المعين مشروطة بإرادة له، وبإرادة للحادث الذي قبله، وأن الفاعل المبدع لم يزل مريدا لكل ما يحدث من المرادات.وهذا هو التقدير الثاني. وهو أن يقال: لو أراد أن يحصل (1) شيئا بعد شيء، فكل مراد له محدث كائن بعد أن لم يكن، (2 وهو وحده المنفرد بالقدم والأزلية، وكل ما سواه مخلوق محدث كائن بعد أن لم يكن 2) (2) ، وعلى هذا التقدير، فليس فيه إلا دوام الحوادث وتسلسلها، وهذا هو [التقدير] (3) الذي تكلمنا عليه، ويلزم أن يقوم بذات الفاعل ما يريده ويقدر عليه، وهذا هو قول أئمة أهل الحديث وكثير من أهل الكلام والفلسفة، بل قول أساطينهم من المتقدمين والمتأخرين.
    فتبين أنه يجب القول بحدوث كل ما سوى الله سواء سمي جسما أو عقلا أو نفسا، وأنه يمتنع كون شيء من ذلك قديما سواء قيل بجواز دوام الحوادث وتسلسلها، وأنه لا أول لها، أو قيل بامتناع ذلك، وسواء قيل بأن الحادث لا بد له من سبب حادث، أو قيل بامتناع ذلك، وأن القائلين بقدم العالم كالأفلاك والعقول والنفوس قولهم باطل في صريح العقل الذي لم يكذب قط على كل تقدير، وهذا هو المطلوب.
    [استطراد: الكلام في الحدوث والقدم في أفعال الله وكلامه تصادمت فيه أئمة الطوائف]وقد بسط الكلام على ما يتعلق بهذا في غير هذا الموضع، فإن هذا الأصل هو [الأصل] (4) الذي تصادمت فيه أئمة الطوائف من أهل

    (1) ب (فقط) : له إرادات تحصل.
    (2) (2 - 2) : ساقط من (م) فقط.
    (3) التقدير: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (4) الأصل: زيادة في (أ) ، (ب) .
    **************************
    الفلسفة، والكلام، والحديث، وغيرهم، وهو الكلام في الحدوث (1) والقدم في أفعال الله وكلامه، ويدخل في ذلك الكلام في حدوث العالم والكلام في كلام الله وأفعاله، والكلام في هذين الأصلين من محارات (2) العقول، فالفلاسفة القائلون بقدم العالم كانوا في غاية البعد عن الحق الذي جاءت به الرسل الموافق لصريح المعقول وصحيح المنقول، ولكنهم ألزموا أهل الكلام الذين وافقوهم على نفي قيام الأفعال والصفات (3) بذاته، أو على نفي قيام الأفعال بذاته بلوازم قولهم، فظهر بذلك من تناقض أهل الكلام ما استطال به عليهم هؤلاء الملحدون، وذمهم به علماء المؤمنين (4) من السلف والأئمة وأتباعهم، وكان كلامهم من الكلام الذي ذمهم به السلف لما فيه من الخطأ والضلال الذي خالفوا به الحق في (5) مسائلهم ودلائلهم، فبقوا فيه مذبذبين متناقضين لم يصدقوا بما جاءت به الرسل على وجهه ولا قهروا أعداء الملة بالحق الصريح المعقول.
    وسبب ذلك أنهم لم يحققوا ما أخبرت به الرسل، ولم يعلموه، ولم يؤمنوا به، ولا حققوا موجبات العقول، فنقصوا في علمهم بالسمعيات والعقليات، [وإن] (6) كان لهم منهما نصيب كبير، فوافقوا في بعض ما


    (1) ن، م: وهو الكلام والحدوث.
    (2) ن: مجازات ; م، أ: مجارات. والمثبت من (ب) وهو الصواب.
    (3) ن، م: الصفات والأفعال.
    (4) أ، ب: العلماء المؤمنون.
    (5) ن، م: من.
    (6) وإن: ساقطة من (ن) ، (م) .
    *************************
    قالوه الكفار الذين قالوا: {لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} [سورة الملك: 10] وفرعوا من الكلام في صفات الله وأفعاله ما هو بدعة مخالفة للشرع،
    وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فهي مخالفة للعقل، كما هي مخالفة للشرع.
    والذي نبهنا عليه هنا يعلم به دلالة العقل الصريح على ما جاءت به الرسل، ولا ريب أن كثيرا من طوائف المسلمين يخطئ في كثير من دلائله، ومسائله (1) ، فلا يسوغ،
    ولا يمكن نصر قوله مطلقا، بل الواجب أن لا يقال إلا الحق قال تعالى: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق} [سورة الأعراف: 169] .
    وإذا كان المقصود نصر حق اتفق عليه أهل الملة أو رد باطل اتفقوا على أنه باطل نصر بالطريق الذي يفيد ذلك وإن لم يستقم دليله على طريقة طائفة من طوائف أهل القبلة (2) بين كيف يمكن إثباته بطريقة مؤلفة من قولها وقول طائفة أخرى، فإن تلك الطائفة أن توافق طائفة من طوائف (3) المسلمين خير لها من أن تخرج عن دين الإسلام، وكذلك أن توافق المعقول الصريح خير من أن تخرج عن المعقول بالكلية، والقول كلما كان أفسد في الشرع كان أفسد في العقل، فإن الحق لا يتناقض، والرسل إنما أخبرت بالحق، والله فطر عباده على معرفة الحق، والرسل بعثت بتكميل الفطرة، لا بتغيير الفطرة. قال تعالى: (4)


    (1) ومسائله: ساقطة من (ب) فقط.
    (2) ن، م: السنة.
    (3) طوائف: ساقطة من (أ) ، (ب) .
    (4) ن، م: كقوله تعالى.
    ****************************** *
    {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} [سورة فصلت: 53] .
    فأخبر أنه سيريهم الآيات الأفقية (1) والنفسية المبينة لأن القرآن الذي أخبر به عباده حق، فتتطابق الدلالة البرهانية القرآنية، والبرهانية العيانية، ويتصادق موجب الشرع المنقول والنظر المعقول.
    لكن أهل الكلام المحدث الذي ذمه السلف والأئمة، من الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم من المنتسبين إلى السنة من المتأخرين ابتدعوا في أصول دينهم حكما ودليلا، فأخبروا عن قول أهل الملل بما لم ينطق به كتاب ولا سنة، واستدلوا على ذلك بطريقة لا أصل لها في كتاب، ولا سنة، فكان القول الذي أصلوه ونقلوه عن أهل الملل والدليل عليه كلاهما بدعة في الشرع لا أصل لواحد منهما في كتاب ولا سنة، مع أن أتباعهم يظنون أن هذا هو دين المسلمين، فكانوا في مخالفة المعقول بمنزلتهم في مخالفة المنقول، وقابلتهم الملاحدة المتفلسفة الذين هم أشد مخالفة لصحيح المنقول وصريح المعقول (2) .
    وما ذكرناه هنا هو (3) مما يعلم به حدوث كل ما سوى الله، وامتناع قدم شيء بعينه من العالم بقدم الله يفيد المطلوب على كل تقدير من التقديرات، ويمكن التعبير عنه بأنواع من العبارات، وتأليفه على وجوه (4) من التأليفات، فإن المادة إذا كانت مادة صحيحة أمكن تصويرها بأنواع من الصور، وهي في ذلك يظهر أنها صحيحة بخلاف الأدلة


    (1) ن، م: آياته في الأفقية.
    (2) ا: لصحيح المعقول وصريح المنقول؛ ب: لصحيح المنقول وصريح المنقول.
    (3) هو: ساقطة من (ب) فقط
    (4) أ: وجه؛ ب: أوجه.
    ************************
    المغالطية (1) التي قد ركبت على وجه معين بألفاظ معينة، فإنها (2) متى غير ترتيبها وألفاظها، ونقلت من صورة إلى صورة ظهر خطؤها، فالأولى كالذهب الصحيح فإنه إذا نقل (3) من صورة إلى صورة لم يتغير جوهره، بل يتبين أنه ذهب، وأما المغشوش فإنه إذا غير من صورة إلى صورة ظهر أنه مغشوش.
    وهذه الأدلة المذكورة دالة على حدوث كل ما سوى الله، وأن كل ما سوى الله حادث (4) كائن بعد أن لم يكن، سواء قيل بدوام نوع الفعل كما يقوله أئمة أهل الحديث وأئمة الفلاسفة أو لم يقل.
    ولكن من لم يقل بذلك يظهر بينه وبين طوائف (5) أهل الملل وغيرها من النزاع والخصومات والمكابرات ما أغنى الله عنه من لم يشركه في ذلك، أو تتكافأ عنده الأدلة ويبقى في أنواع من الحيرة والشك [والاضطراب] (6) قد عافى الله منها من هداه وبين له الحق.
    قال تعالى: {كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [سورة البقرة: 213] .


    (1) ن: الأدلة العقلية المغلظة؛ م، ا: الأدلة المغلطية. والمثبت من (ب) .
    (2) ا، ب: فإنه.
    (3) ا، ب: خطؤها كما أن الذهب الصحيح إذا نقل.
    (4) حادث: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (5) ا، ب: وبين أئمة طوائف.
    (6) والاضطراب: زيادة في (ا) ، (ب) .
    ***********************
    فالخالق سبحانه يمتنع أن يكون مقارنا له في القدم شيء من العالم كائنا ما كان، سواء قيل: إنه يخلق بمشيئته وقدرته كما يقوله المسلمون وغيرهم، أو قيل (1) :
    إنه موجب بذاته أو علة مستلزمة للمعلول، أو سمي مؤثرا؛ لكون لفظ التأثير يعم هذه الأنواع، فيدخل فيه الفاعل باختياره، ويدخل فيه بذاته (2) وغير ذلك، بل هو المختص بالقدم الذي استحق ما سواه كونه (3) مسبوقا بالعدم.ولكن الاستدلال على ذلك بالطريقة الجهمية المعتزلية (4) ، طريقة الأعراض والحركة والسكون التي مبناها على أن الأجسام محدثة؛ لكونها لا تخلو عن الحوادث، وامتناع حوادث لا أول لها طريقة (5) مبتدعة في الشرع باتفاق أهل العلم بالسنة، وطريقة (6) مخطرة مخوفة في العقل، بل مذمومة عند طوائف كثيرة وإن (7) لم يعلم (8) بطلانها؛ لكثرة مقدماتها وخفائها والنزاع فيها عند كثير من أهل النظر " كالأشعري في رسالته إلى أهل الثغر (9) "
    ومن سلك سبيله في ذلك كالخطابي (10) وأبي عمر


    (1) ن، م: أو يقول.
    (2) ب (فقط) : الواجب بذاته.
    (3) ن، م: بكونه.
    (4) ن، م: المعتزلة.
    (5) ن، م: طريق.
    (6) ن، م: طريق.
    (7) ا، ب: وإنه.
    (8) ن: وإن لم يعلموا.
    (9) ا، ب: رسالة الثغر. وقد طبعت في مجلة كلية الإلهيات بجامعة أنقرة، 1928، ومنها نسخة خطية بالجامعة العربية، وانظر درء تعارض العقل والنقل 7/186 - 219.
    (10) أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب، الخطابي، البستي، فقيه أديب محدث ولد سنة 319 وتوفي سنة 388. له " معالم السنن في شرح سنن أبي داود " وله رسالة " الغنية عن الكلام وأهله " (مطبوعة باختصار ضمن صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام للسيوطي 1/137 - 147 وانظر ما نقله ابن تيمية عنها في " درء تعارض العقل والنقل " في ج [0 - 9] ، 8. انظر ترجمة الخطابي في: وفيات الأعيان 1/453 - 455؛ تذكرة الحفاظ 3/1018 - 1020؛ شذرات الذهب 3/127 - 128؛ الأعلام 2/304.
    ****************************
    الطلمنكي (1) .
    وغيرهم، وهي طريقة باطلة في الشرع والعقل (2) عند محققي الأئمة العالمين بحقائق المعقول والمسموع.
    والاستدلال بهذه الطريق أوجب (3) نفي صفات الله القائمة به، ونفي أفعاله القائمة به، وأوجبت من بدع الجهمية ما هو معروف عند سلف الأمة، وسلطت بذلك الدهرية على القدح فيما جاءت به الرسل عن الله، فلا قامت بتقرير الدين، ولا قمعت أعداءه الملحدين، وهي التي أوجبت على من سلكها قولهم:
    إن الله لم يتكلم، بل كلامه مخلوق، فإنه بتقدير صحتها تستلزم هذا القول.
    وأما ما أحدثه ابن كلاب ومن اتبعه من القول بقدم شيء منه (4) معين:
    إما معنى واحد، وإما حروف، أو حروف وأصوات معينة يقترن بعضها ببعض أزلا وأبدا، فهي أقوال محدثة بعد حدوث القول بخلق القرآن، وفيها من الفساد شرعا وعقلا ما يطول وصفه، لكن القائلون بها


    (1) ن، م: وأبي عمرو. وهو أحمد بن عبد الله، أبو عمر الطلمنكي المعافري الأندلسي. كان من المجودين في القراءات وله تصانيف في القراءة، وروى الحديث، توفي سنة 429. ترجمته في طبقات القراء لابن الجوزي 1/120 (طبعة الخانجي، القاهرة 1351 - 1932) ؛ شذرات الذهب 3/243 - 244؛ تذكرة الحفاظ 3/1098 - 1100؛ الديباج المذهب لابن فرحون (ط. ابن شقرون، القاهرة \ 1351) ص 39 - 40؛ الأعلام 1
    (2) ن، م: باطلة في العقل.
    (3) م: بهذه الطريقة أوجب؛ ا: بهذا طريق أوجب؛ ب: بهذا طريق أوجبت.
    (4) منه: ساقطة من (ن) ، (م) .
    **************************


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله



    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (45)
    صـ 305 إلى صـ 311

    بينوا فساد قول من قال: هو مخلوق من الجهمية والمعتزلة، فكان في كلام كل طائفة من هؤلاء من الفائدة (1) بيان فساد قول الطائفة الأخرى لا صحة قولها؛ إذ الأقوال المخالفة للحق كلها باطلة.
    وكان الناس لما بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - في ضلال عظيم كما في صحيح مسلم (2) من حديث عياض بن حمار (3) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه (4) قال: " «إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب،
    وإن ربي قال لي:
    قم في قريش فأنذرهم، فقلت:
    أي رب إذن يثلغوا رأسي حتى يدعوه خبزة (5) ،
    فقال:
    إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء، تقرؤه نائما ويقظان، فابعث جندا، ابعث مثليهم (6) ، وقاتل بمن أطاعك من عصاك، وأنفق أنفق عليك،
    وقال:
    إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم ألا يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا» . . . "
    الحديث بطوله (7) .

    (1) ا، ب: من هؤلاء الطوائف من الفائدة.
    (2) ا، ب: كما في الصحيح.
    (3) ا، ب: حماد، وهو خطأ.
    (4) أنه: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (5) قال النووي في شرحه على مسلم: ج [0 - 9] 7، ص [0 - 9] 98: يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة: هي بالثاء المثلثة أي يشدخوه ويشجوه كما يشج الخبز أي يكسر.
    (6) ب (فقط) : فابعث جندا نبعث خمسة مثله، وهذه هي رواية مسلم.
    (7) الحديث عن عياض بن حمار المجاشعي - رضي الله عنه - مع اختلاف في الألفاظ في مسلم: 4/2197 - 2199 (كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار) ؛ المسند (ط. الحلبي) 4/162. وأول الحديث في مسلم: " ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم. . الحديث، وفي رواية - وهي التي في المسند -: إن الله أمرني، أو: إن ربي - عز وجل - أمرني. . . ومن الحديث قول النبي - صلى الله عليه وسلم -. . . . وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم. . ولم أجد رواية: " ابعث مثليهم ".
    ***************************
    [عرض تاريخي لنشأة البدع والمذاهب الكلامية]
    وكان المسلمون على ما بعث الله به رسوله من الهدى ودين الحق الموافق لصحيح المنقول وصريح المعقول، فلما قتل عثمان [بن عفان] (1) - رضي الله عنه -، ووقعت الفتنة فاقتتل المسلمون بصفين، مرقت المارقة التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -:
    " «تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق» (2) ". وكان مروقها لما حكم الحكمان وافترق الناس على غير اتفاق.وحدثت أيضا بدعة (3) التشيع كالغلاة المدعين لإلهية علي (4) ، والمدعين النص على علي - رضي الله عنه - (5) السابين لأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - (6) ، فعاقب [أمير المؤمنين] علي [رضي الله عنه] الطائفتين (7) :
    قاتل المارقين، وأمر بإحراق أولئك الذين ادعوا فيه الإلهية، فإنه خرج ذات يوم فسجدوا له فقال لهم: ما هذا؟ فقالوا: (8) أنت هو.
    قال:
    من أنا؟ قالوا: أنت الله الذي لا إله إلا هو. فقال: ويحكم!


    (1) بن عفان: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (2) الحديث عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في: مسلم 2/745 - 746 (كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم) ؛ سنن أبي داود 4/300 (كتاب السنة، باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة) ؛ المسند (ط. الحلبي) 3/32، 48.
    (3) ا، ب: بدع.
    (4) ا، ب: الإلاهية في علي.
    (5) رضي الله عنه: زيادة في (ن) ، (م) .
    (6) رضي الله عنهما: زيادة في (ن) ، (م) .
    (7) ن، م: فعاقب علي الطائفتين.
    (8) ن، م: قالوا.
    **************************
    هذا كفر، ارجعوا عنه وإلا ضربت أعناقكم، فصنعوا به في اليوم الثاني والثالث كذلك فأخرهم (1) ثلاثة أيام؛ لأن المرتد يستتاب ثلاثة أيام، فلما لم يرجعوا أمر بأخاديد من نار فخدت (2) عند باب كندة، وقذفهم في تلك النار، وروي عنه أنه قال:
    لما رأيت الأمر أمرا منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا (3) وقتل هؤلاء واجب باتفاق المسلمين، لكن (4) في جواز تحريقهم نزاع:
    فعلي [رضي الله عنه] (5) رأى تحريقهم، وخالفه ابن عباس وغيره [من الفقهاء] (6) قال ابن عباس: أما أنا فلو كنت لم أحرقهم؛ لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعذب بعذاب الله، ولضربت أعناقهم؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
    " «من بدل دينه فاقتلوه» "، وهذا الحديث في صحيح البخاري. (7) وأما السبابة (8) الذين يسبون أبا بكر وعمر فإن عليا لما بلغه ذلك


    (1) م، ا، ب: وأخرهم.
    (2) ب، م: فحدت.
    (3) انظر ما سبق أن ذكرناه عن هذا الرجز (ص 30 ت 6) ، وقد ذكره أيضا المقريزي في الخطط 2/356، القاهرة 1270، وذكر الخبر مختصرا.
    (4) ا، ب: واجب بالاتفاق لكن.
    (5) رضي الله عنه: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (6) من الفقهاء: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (7) الحديث عن عكرمة - رضي الله عنه - في: البخاري 9/15 (كتاب استتابة المرتدين، باب حكم المرتد والمرتدة) .
    (8) هم الذين يسبون الصحابة من الرافضة، وقيل: إنهم الذين ينتسبون إلى رجل اسمه عبد الله بن سباب - وسبقت الإشارة إليه (ص 18 ت [0 - 9] ) - وانظر: الدكتور محمد جابر عبد العال: حركات الشيعة المتطرفين، ص [0 - 9] 9 - 61، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1373/1954.
    ********************
    طلب ابن السوداء (1) الذي بلغه ذلك عنه، وقيل: إنه أراد قتله فهرب منه إلى أرض (2) قرقيسيا.
    وأما المفضلة الذين يفضلونه على أبي بكر وعمر فروي عنه أنه قال:
    لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد المفتري، وقد تواتر عنه (3) أنه كان يقول على منبر الكوفة:
    خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر (4) ، روي هذا عنه (5) من أكثر من ثمانين وجها، ورواه البخاري وغيره (6) ، ولهذا كانت الشيعة المتقدمون كلهم متفقين (7) على تفضيل أبي بكر وعمر كما ذكر ذلك غير واحد.
    فهاتان البدعتان: بدعة الخوارج والشيعة حدثتا في ذلك الوقت لما وقعت الفتنة، ثم إنه في أواخر عصر الصحابة حدثت بدعة القدرية


    (1) هناك اختلاف بين العلماء فيما إذا كان ابن السوداء هو عبد الله بن سبأ أم أنه شخص آخر. فابن طاهر البغدادي (الفرق بين الفرق، ص [0 - 9] 44) يذهب إلى أن ابن السوداء كان يهوديا وافق عبد الله بن سبأ على رأيه بغية إثارة الفتنة. وتابع الإسفراييني (التبصير في الدين، ص [0 - 9] 2) ابن طاهر على ذلك. وسبق أن ذكرنا عند الكلام عن عبد الله بن سبأ والسبئية ما نقله النوبختي من أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا وقد نقل ذلك أيضا الشهرستاني (الملل والنحل 1/155) مما يفهم منه أنه وابن السوداء شخص واحد. وانظر أيضا تعليق الشيخ الكوثري في الفرق بين الفرق ص 144؛ أحمد أمين: فجر الإسلام، ص 110.
    (2) أرض ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (3) ن، م: وتواتر.
    (4) ن، م: أبو بكر وعمر.
    (5) ن، م: وروي عنه.
    (6) سبقت الإشارة (ص 12) إلى هذه الرواية، حيث أطلق ابن تيمية على المفضلة لفظ " المفترية ". ونقلنا هناك (ت 3) نص كلام محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب، كما رواه البخاري في صحيحه.
    (7) ن، م، ا: متفقون، وهو خطأ.
    *************************
    والمرجئة، فأنكر ذلك الصحابة والتابعون (1) كعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وواثلة بن الأسقع (2) .
    ثم إنه في أواخر عصر التابعين من أوائل المائة الثانية (3) حدثت بدعة الجهمية منكرة الصفات، وكان أول من أظهر ذلك (4) الجعد بن درهم، فطلبه خالد بن عبد الله القسري فضحى به بواسط،
    فخطب الناس يوم النحر وقال:
    أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا ثم نزل فذبحه (5) .
    ثم ظهر بهذا المذهب الجهم بن صفوان، ودخلت فيه بعد ذلك المعتزلة، وهؤلاء أول من عرف عنهم في الإسلام أنهم أثبتوا حدوث


    (1) ا، ب:. . . عصر الصحابة والتابعين لهم بإحسان. . إلخ.
    (2) ن، م: واثلة بن الأسقع، وهو خطأ. قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات، القسم الأول، ج [0 - 9] ، ص [0 - 9] 43: توفي بدمشق سنة ست أو خمس وثمانين.
    (3) ن، م: الثالثة، وهو خطأ.
    (4) ن: ظهر ذلك عنه؛ ا: ظهر ذلك.
    (5) كان الجعد بن درهم من الموالي وكان مؤدبا لمروان بن محمد - آخر خلفاء بني أمية - ولكنه أظهر القول بخلق القرآن بعد أن أخذه - كما يحدثنا ابن نباتة - عن إبان بن سمعان وأخذه هذا عن طالوت بن أعصم اليهودي الذي سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد أمر هشام بن عبد الملك خالد بن عبد الله القسري واليه على الكوفة بقتل الجعد لذلك ولقوله بالقدر. انظر جمال الدين محمد بن محمد بن نباتة: سرح العيون شرح رسالة ابن زيدون (تحقيق الأستاذ محمد أبي الفضل إبراهيم) ، ص [0 - 9] 93 - 294، القاهرة، 1383/1964؛ جمال الدين القاسمي: تاريخ الجهمية والمعتزلة، ص 27 - 28، القاهرة 1331؛ لسان الميزان 2/105؛ ميزان الاعتدال 1/185؛ الكامل لابن الأثير 5/160؛ الأعلام 2/114.
    **************************
    العالم بحدوث الأجسام، [وأثبتوا حدوث الأجسام] (1) بحدوث ما يستلزمها من الأعراض، وقالوا: الأجسام لا تنفك عن أعراض محدثة، وما لا ينفك عن الحوادث أو ما لا يسبق الحوادث فهو حادث؛ لامتناع حوادث لا أول لها.
    ثم إنهم تفرقوا عن هذا الأصل، فلما قالوا بامتناع دوام الحوادث في الماضي عورضوا بالمستقبل، فطرد [إماما هذه الطريقة] هذا الأصل،
    وهما:
    إمام الجهمية الجهم بن صفوان (2) ، وأبو الهذيل العلاف إمام المعتزلة، وقالا بامتناع دوام الحوادث في المستقبل والماضي.
    ثم إن جهما قال:
    إذا كان الأمر كذلك لزم فناء الجنة والنار، وأنه يعدم كل ما سوى الله، كما كان ما سواه معدوما.
    وكان هذا مما أنكره السلف والأئمة على الجهمية، وعدوه من كفرهم،
    وقالوا:
    إن الله تعالى يقول: {إن هذا لرزقنا ما له من نفاد} [سورة ص: 54] وقال تعالى: {أكلها دائم وظلها} [سورة الرعد: 35] ، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على بقاء نعيم الجنة (3) .وأما أبو الهذيل فقال: إن الدليل إنما دل على انقطاع الحوادث فقط، فيمكن بقاء الجنة والنار، لكن تنقطع الحركات، فيبقى أهل الجنة والنار ساكنين ليس فيهما حركة أصلا، ولا شيء يحدث. ولزمه على ذلك أن يثبت أجساما باقية دائمة خالية عن الحوادث، فيلزم وجود أجسام بلا


    (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
    (2) ن، م: فطرد هذا الأصل الجهم بن صفوان إمام الجهمية.
    (3) ا، ب: النعيم.
    ****************************
    حوادث، فينتقض الأصل الذي أصلوه، وهو أن الأجسام لا تخلو (1) عن الحوادث.
    وهذا هو الأصل الذي أصله هشام بن الحكم وهشام بن سالم (2) الجواليقي وغيرهما من المجسمة الرافضة وغير الرافضة (3) كالكرامية، فقالوا: بل يجوز ثبوت جسم قديم [أزلي] (4) لا أول لوجوده، وهو خال عن جميع الحوادث.
    وهؤلاء عندهم الجسم القديم الأزلي يخلو عن الحوادث، وأما الأجسام المخلوقة فلا تخلو عن الحوادث،
    ويقولون:
    ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث، لكن لا (5) يقولون: إن كل جسم فإنه لا يخلو عن الحوادث.
    ثم إن هؤلاء الجهمية أصحاب هذا الأصل المبتدع احتاجوا أن يلتزموا طرد هذا الأصل فقالوا:
    إن الرب لا تقوم به الصفات ولا الأفعال (6) فإنها أعراض وحوادث، وهذه لا تقوم إلا بجسم، والأجسام محدثة، فيلزم أن لا يقوم بالرب علم ولا قدرة ولا كلام ولا مشيئة ولا رحمة ولا رضا ولا غضب ولا غير ذلك من الصفات، بل جميع (7) ما يوصف به من ذلك فإنما هو مخلوق منفصل عنه.


    (1) ن، م: الجسم لا يخلو.
    (2) ن (فقط) : بن مالك، وهو خطأ.
    (3) ن، م: الرافضة وغيرهم.
    (4) أزلي: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (5) لا: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (6) ب (فقط) : الصفات والأفعال.
    (7) جميع: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    ****************************




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله



    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (46)
    صـ 319 إلى صـ 325

    والله تعالى إنما بعث المسيح بدين الإسلام (1) كما بعث سائر الرسل بدين الإسلام، وهو عبادة الله وحده لا شريك له.قال تعالى: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} [سورة الزخرف: 45] ،
    وقال تعالى:
    {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [سورة الأنبياء: 25] ، وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة} [سورة النحل: 36] .
    وقد أخبر الله تعالى عن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم (2) وغيرهم من الرسل والمؤمنين [إلى زمن] الحواريين (3) أن دينهم كان الإسلام، قال تعالى عن نوح [عليه السلام] (4) {إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون - فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين} [سورة يونس: 71، 72] (5) ،
    وقال [تعالى] عن [إبراهيم] الخليل [عليه الصلاة والسلام] (6) :

    (1) ن: الأنصاري؛ م: النصارى.
    (2) وعيسى بن مريم: ساقطة من (ا) ، (ب) . وفي (م) : وعيسى.
    (3) ن، م: والمؤمنين من الحواريين.
    (4) عليه السلام: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (5) ن، م: عليكم غمة. . إلى قوله: وأمرت أن أكون من المسلمين.
    (6) ن، م: وقال عن الخليل.
    ***************************
    {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين - إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين - ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون - أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون} [سورة البقرة: 130، 133] (1) .
    وقال تعالى عن موسى [عليه الصلاة والسلام] (2) : {ياقوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين} [سورة يونس: 84] ،
    وقال:
    {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا} [سورة المائدة: 44] ،
    وقال عن بلقيس:
    {رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} [سورة النمل: 44] ، وقال عن الحواريين: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون} [سورة المائدة: 111] .ولما كان المسيح صلوات الله عليه قد بعث بما بعث به المرسلون قبله من عبادة الله وحده لا شريك له، وأحل لهم بعض ما كان حرم عليهم في التوراة، وبقي أتباعه على ملته (3) مدة - قيل أقل من مائة سنة -، ثم ظهرت فيهم البدع بسبب معاداتهم لليهود صاروا يقصدون خلافهم، فغلوا في المسيح، وأحلوا أشياء حرمها، وأباحوا الخنزير وغير ذلك،


    (1) اختصرت (ن) ، (م) . جزءا من آيات سورة البقرة، ولم ترد الآية الأخيرة (133) في (ا) ، (ب) .
    (2) عليه الصلاة والسلام: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (3) ن، م: على مثله، وهو تحريف.
    ***************************
    وابتدعوا شركاء بسبب شرك الأمم، فإن أولئك المشركين من اليونان والروم وغيرهم كانوا يسجدون للشمس والقمر والأوثان، فنقلتهم (1) النصارى عن عبادة الأصنام المجسدة التي لها ظل إلى عبادة التماثيل المصورة في الكنائس، وابتدعوا الصلاة إلى المشرق، فصلوا إلى حيث تظهر الشمس والقمر والكواكب، واعتاضوا بالصلاة إليها والسجود إليها عن الصلاة لها والسجود لها.
    والمقصود أن النصارى بعد تبديل دينهم كان ناموسهم ودينهم خيرا من دين أولئك اليونان أتباع الفلاسفة (2) ، فلهذا كان الفلاسفة الذين رأوا دين الإسلام يقولون: إن ناموس محمد - صلى الله عليه وسلم - أفضل من جميع النواميس، ورأوا أنه أفضل من نواميس (3) النصارى والمجوس وغيرهم،
    فلم يطعنوا في دين محمد - صلى الله عليه وسلم - كما طعن أولئك المظهرون للزندقة من الفلاسفة، ورأوا أن ما يقوله أولئك المتكلمون فيه ما يخالف صريح المعقول (4) ، فطعنوا بذلك عليهم، وصاروا يقولون: من أنصف ولم يتعصب ولم يتبع الهوى لا يقول ما يقوله هؤلاء في المبدأ والمعاد.
    [أقوال الفلاسفة]

    وكان لهم أقوال فاسدة في العقل أيضا تلقوها من سلفهم الفلاسفة، (* ورأوا أن (5) ما تقوله فيه ما يخالف العقول، وطعنوا بذلك


    (1) ن: فعلهم (وهو تحريف) ؛ م: فنقلهم.
    (2) م: الفلسفة.
    (3) ا، ب: من ناموس.
    (4) ن (فقط) : العقل.
    (5) ن: الآن؛ م: لأن، وكلاهما تحريف.
    ************************
    الفلاسفة *) (1) ، ورأوا أن ما تواتر عن الرسل يخالفها فسلكوا طريقتهم الباطنية (2) فقالوا: إن الرسل لم تبين العلم والحقائق التي يقوم عليها البرهان في الأمور العلمية، ثم منهم من قال: إن الرسل علمت ذلك وما بينته،
    ومنهم من يقول:
    إنها لم تعلمه وإنما كانوا بارعين في الحكمة العملية دون الحكمة العلمية، ولكن خاطبوا الجمهور بخطاب تخييلي، خيلت لهم في أمر الإيمان بالله واليوم الآخر ما ينفعهم اعتقاده في سياستهم، وإن كان ذلك اعتقادا باطلا لا يطابق الحقائق.وهؤلاء المتفلسفة (3) لا يجوزون تأويل ذلك؛ لأن المقصود بذلك عندهم التخييل،
    والتأويل يناقض مقصوده، وهم يقرون بالعبادات، لكن يقولون مقصودها إصلاح أخلاق النفس،
    وقد يقولون:
    إنها تسقط عن الخاصة العارفين بالحقائق، فكانت بدعة أولئك المتكلمين مما أعانت إلحاد هؤلاء الملحدين.وقد بسط الكلام (4) في كشف أسرارهم وبيان مخالفتهم لصريح المعقول وصحيح المنقول في غير هذا الموضع، وذكر أن المعقولات (5) الصريحة موافقة لما أخبرت به الرسل لا تناقض ذلك، ونبهنا في مواضع على ما يستوجب الاستغناء عن الطرق الباطلة [المبتدعة] (6) وما به يعلم


    (1) ما بين النجمتين ساقط من (ا) ، (ب) .
    (2) ن: طريقتهم الفاسدة الباطلة؛ م: طريقتهم الباطلة.
    (3) ن، م: الفلاسفة.
    (4) ن: وقد بسط في الكلام.
    (5) ن: المفعولات، وهو تحريف.
    (6) المبتدعة: زيادة في (ا) ، (ب) .
    ****************************
    ما يوافق خبر الرسول، وبينا أن الطرق (1) الصحيحة في المعقول هي مطابقة لما أخبر به الرسول، مثل هذه الطرق وغيرها (2) .
    [عود لمسألة قدم العالم]
    فإنه يعلم بصريح المعقول أن فاعل العالم إذا قيل:
    إنه علة تامة أزلية، والعلة التامة تستلزم معلولها لزم أن لا يتخلف عنه في القدم شيء من المعلول، فلا يحدث عنه شيء لا بواسطة ولا بغير واسطة (3) ، ويمتنع أن يصير علة لمفعول بعد مفعول من غير أن يقوم به ما يصير علة للثاني، فيمتنع مع تماثل أحواله أن تختلف مفعولاته ويحدث منها شيء.وهذا مما لا ينازع فيه عاقل تصوره (4) تصورا جيدا، وحذاقهم معترفون بهذا، كما يذكره ابن رشد الحفيد وأبو عبد الله الرازي (5) وغيرهما من أن صدور المتغيرات المختلفة عن الواحد البسيط مما تنكره العقول،
    [وكذلك إذ سمي موجبا بالذات] (6) ،
    وكذلك إذا قيل:
    مؤثر تام التأثير في الأزل، أو مرجح تام الترجيح في الأزل، أو نحو ذلك،
    وكذلك إذا قيل:
    هو قادر مختار يستلزم وجود مراده في الأزل، فإنه إذا استلزم وجود مراده في الأزل لزم أن لا يحدث شيء من مراده، فلا يحدث في العالم شيء؛ إذ لا يحدث شيء إلا بإرادته، فلو كانت إرادته أزلية مستلزمة لوجود مرادها معها في الأزل لزم أن لا يكون شيء من المرادات حادثا،


    (1) ن، م: وأما الطرق.
    (2) انظر كلام ابن تيمية مثلا في " درء تعارض العقل والنقل " و " الرد على المنطقيين " و " الصفدية ".
    (3) ن، م: ولا بغيرها.
    (4) ن: تصور.
    (5) ن، م: والرازي.
    (6) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
    ***************************
    فلا يكون في العالم حادث وهو خلاف المشاهدة.وهم لا يقولون به ولا (1) يقول عاقل: إنه علة تامة أزلية لجميع معلولاتها، ولا موجب أزلي لجميع العالم حتى أشخاصه.
    ولا يقول أحد:
    إن جميع مراده مقارن له في الأزل، بل يقولون إن أصول العالم كالأفلاك والعناصر هي الأزلية القديمة (2) بأعيانها، وإن الحركات والمولدات قديمة النوع، أو يقولون: إن مواد هذا العالم كالجواهر المفردة (3) أو الهيولى أو غير ذلك هي قديمة أزلية بأعيانها.
    وهذا كله باطل؛ إذ كان قدم شيء من ذلك يستلزم أن يكون فاعله مستلزما له في الأزل، سواء سمي موجبا له بذاته في الأزل،
    أو علة تامة قديمة مستلزمة لمعلولها أو قيل: إنه فاعل بإرادته الأزلية [المستلزمة] (4) للمفعول المراد في الأزل.[بطلان القول بأن فاعل العالم علة تامة لأصول العالم دون حوادثه]وإذا قيل:
    هو علة تامة لأصول العالم دون حوادثه، أو هو مريد بإرادة أزلية مستلزمة لاقتران مرادها بها في الأزل، لكن تلك [الإرادة الأزلية المقارنة] (5) لمرادها إنما تعلقت بأصول العالم دون حوادثه.قيل لهم هذا باطل من وجوه: منها أن مقارنة المفعول المعين لفاعله - لا سيما مقارنته له أزلا


    (1) ا، ب: فهم لا يقولون ولا. .
    (2) ن، م: هي القديمة الأزلية.
    (3) ا، ب: الفردة.
    (4) المستلزمة: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) وسقطت كلمة " الأزلية " من (م) .
    *************************
    وأبدا ممتنع في صرائح (1) العقول، بل وفي بداية (2) العقول بعد التصور التام.
    وإذا قالوا: العلوم الضرورية لا يجتمع على جحدها طائفة من العقلاء الذين لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب 0قيل لهم: لا جرم هذا القول لم يتفق عليه طائفة من العقلاء من غير تواطئ، بل جماهير العقلاء من الأولين والآخرين ينكرونه غاية الإنكار، وإنما تقوله طائفة واحدة بعضهم عن بعض (3) ،
    على سبيل مواطأة بعضهم لبعض، (* وتلقي بعضهم عن بعض، ومع المواطأة تجوز المواطأة *) (4) على تعمد الكذب وعلى الأمور المشتبهة كالمذاهب الباطلة التي يعلم فسادها بالضرورة، وقد توارثها طائفة تلقاها بعضهم عن بعض، بخلاف الأقوال التي يقر بها الناس عن (5) غير مواطأة، فتلك لا يكون منها ما يعلم فساده ببديهة العقل. ولهذا كان في عامة أقوال الكفار وأهل البدع من المشركين والنصارى والرافضة والجهمية وغيرهم ما يعلم فساده بضرورة العقل، ولكن قاله طائفة تلقاه بعضهم عن بعض.ومنها أن يقال:
    لو كان هذا حقا لامتنع حدوث الحوادث في العالم جملة، ولم يكن للحوادث محدث أصلا، وهذا من أظهر ما يعلم فساده بضرورة العقل، فإن العلة إذا كانت تامة أزلية قارنها معلولها، وكان ما


    (1) ا، ب: صريح.
    (2) ن، ا: بداية؛ ب: بداهة.
    (3) ا، ب: وإنما قاله طائفة أخذه بعض عن بعض.
    (4) ما بين النجمتين ساقط من (م) .
    (5) ا، ب: من.
    ****************************





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله



    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (47)
    صـ 326 إلى صـ 332

    يحدث غير [معلولها؛ لأنه لو كان معلولا لها] لكان قد تأخر المعلول (1) أو بعض المعلول عن علته التامة، والعلة التامة لا يجوز أن يتأخر عنها لا معلولها ولا بعض معلولها، فكل ما حدث لا يحدث عن علة تامة أزلية، وواجب الوجود عندهم علة تامة أزلية، فيلزم أن لا يحدث عنه حادث لا بواسطة ولا بغير واسطة (2) .
    وما يعتذرون به في هذا المكان من قولهم:
    إنما تأخرت الحوادث لتأخر الاستعداد ونحوه من أفسد الأقوال، فإن هذا إنما يمكن أن يقال فيما يكون علة وجوده غير علة استعداده وقبوله (3) ، كما يحدث عن الشمس، فإنها تارة تلين وترطب كما تلين الثمار بعد يبسها (4) بسبب ما يحصل فيها من الرطوبة، فتجتمع الرطوبة المائية والسخونة الشمسية فتنضج الثمار وتلين، وتارة تجفف وتيبس كما يحصل للثمار بعد تناهي نضجها، فإنه ينقطع عنها الاستمداد من الرطوبة،
    فتبقى حرارة تفعل في رطوبة من غير إمداد، فتجففها كما تجفف الشمس والنار وغيرهما لغير ذلك من الأجسام الرطبة.والمقصود أنه في مثل ذلك قد يتأخر فعل الفاعل لعدم استعداد القابل، ولو قدر أن ما يدعونه من العقل الفعال له حقيقة لكان تأخر فيضه حتى تستعد القوابل من هذا الباب. وأما واجب الوجود الفاعل لكل

    (1) ا، ب: وكان ما يحدث غير معلول لها لكان قد تأخر المعلول. . إلخ.
    (2) ن، م: لا بوسط ولا بغير وسط.
    (3) ن، م: وقبولها.
    (4) ن، م: بعد قوتها.
    ******************************
    ما سواه الذي لا يتوقف فعله على أمر آخر من غيره - لا إعداد (1) ولا إمداد ولا قبول ولا غير ذلك، بل نفسه هي المستلزمة لفعله - فلو قدر أنه علة تامة أزلية لوجب أن يقارنه معلوله كله، ولا يتأخر عنه شيء من مفعولاته (2) ، وإذا تأخر شيء من مفعولاته ولو كان مفعولا بواسطة، علم أنه لم يكن علة تامة له في الأزل، وأنه صار علة بعد أن لم يكنوإذا قيل الحركة الفلكية هي سبب حدوث الحوادث
    قيل: وهذا أيضا مما يعلم بطلانه، فإن الحركة الحادثة شيئا بعد شيء يمتنع أن يكون الموجب لها (3) علة تامة أزلية، فإن هذه يقارنها معلولها أزلا وأبدا، والحركة الحادثة شيئا بعد شيء يمتنع أن تكون مقارنة لعلتها في الأزل، فعلم أن الموجب لحدوثها ليس علة تامة أزلية، بل لا بد أن يكون الرب متصفا بأفعال تقوم به شيئا بعد شيء، بسبب (4) ما يقوم به، يحدث عنه ما يحدث، مثل مشيئته القائمة بذاته وكلماته القائمة بذاته وأفعاله الاختيارية القائمة بذاته.ومنها أن الحوادث بعد ذلك لا بد لها من محدث، ويمتنع أن يحدثها غيره؛ لأنه لا رب غيره،
    ولأن القول فيه في ذلك الحدث كالقول فيه: إما أن يكون علة تامة في الأزل، وإما أن لا يكون، ويعود التقسيم.وإذا قالوا: إنما تأخر الثاني لتأخر حدوث القوابل والشروط التي بها قبل الفيض 0


    (1) ن، م: لا عداد، وهو تحريف.
    (2) ن، م: من معلولاته.
    (3) ن، م: له.
    (4) بسبب: كذا في جميع النسخ، ولعل الصواب: ويسبب.
    ******************************
    قيل لهم: هذا يعقل فيما إذا (1) كان حدوث القوابل من غيره، كما في حدوث الشعاع عن الشمس، وكما يقولونه في العقل الفعال.
    وأما إذا كان هو الفاعل للقابل والمقبول، والشرط والمشروط، وهو علة تامة أزلية لما يصدر عنه (2) وجب مقارنة معلوله كله له، ولم يجز أن يتأخر عنه شيء، فإنه يمتنع أن يصير فاعلا بعد أن لم يكن من غير إحداثه لشيء،
    وإحداثه لشيء (3) مع كونه (4) علة تامة أزلية ممتنع، وكونه علة لنوع الحوادث مع عدم حدوث فعل يقوم به ممتنع.ولأن صدور العالم عن فاعلين ممتنع، سواء كانا مشتركين في جميعه، أو كان هذا فاعلا لبعضه وهذا فاعلا لبعضه، كما قد بسط في غير هذا الموضع (5) وهذا مما لا نزاع فيه، فإنه لم يثبت أحد من العقلاء أن العالم صدر عن اثنين متكافئين في الصفات والأفعال،
    ولا قال أحد من العقلاء:
    إن أصول العالم القديمة صدرت عن واحد، وحوادثه صدرت عن آخر، فإن العالم لا يخلو من الحوادث (6) ، وفعل الملزوم بدون لازمه ممتنع، ولو كان الفاعل للوازمه غيره لزم أن لا يتم فعل واحد منهما إلا بالآخر، فيلزم الدور في الفاعلين، وكون كل [واحد] (7) من الربين لا يصير ربا إلا بالآخر، ولا يصير قادرا إلا بالآخر، ولا يصير فاعلا إلا بالآخر، فلا


    (1) إذا: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (2) ن، م: عنها.
    (3) عبارة " وإحداثه لشيء ": ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (4) ب (فقط) : مع أن كونه.
    (5) ن، م: كما قد بسط في موضعه.
    (6) ن، م: لا يخلو عن الحدوث.
    (7) واحد: زيادة في (ا) ، (ب) .
    ******************************
    يصير هذا قادرا حتى يجعله الآخر قادرا، (1 ولا يصير هذا قادرا حتى يجعله الآخر قادرا 1) (1) ، فيمتنع والحال هذه أن يصير واحد منهما قادرا وهذا مبسوط في موضعه.
    وذلك مما يبين أنه لا فاعل للحوادث إلا هو، وحينئذ فإن حدثت عنه بدون سبب حادث لزم حدوث الحادث بلا سبب حادث، وهذا إذا جاز جاز حدوث العالم كله بلا سبب (2) حادث.
    وأيضا:
    فإنه يلزم أن يكون العالم قديما أزليا خاليا عن شيء من الحوادث، وأن الحوادث حدثت فيه بعد ذلك بدون سبب حادث، وهذا ممتنع بالاتفاق والبرهان لوجوه (3) كثيرة مثل اقتضائه عدم القديم (4) الواجب بنفسه أو بغيره، فإنه إذا قدر معلول قديم أزلي على حال من الأحوال، ثم حدثت (5) فيه الحوادث فلا بد أن يتغير من صفة إلى صفة (6) :
    يزول ما كان موجودا، ويحدث ما لم يكن موجودا، وزوال ما كان موجودا ممتنع، فإن القديم إنما يكون قديما إذا كان واجبا بنفسه أو بغيره، (* فإن (7) ما كان واجبا بنفسه أو بغيره يمتنع عدمه، (8 وما كان قديما يمتنع عدمه 8) (8) أيضا، بل القديم لا يكون قديما إلا إذا كان واجبا بنفسه


    (1) (1 - 1) : ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (2) سبب: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (3) ا، ب: بوجوه.
    (4) ن، م: عدم القدم؛ ا: عديم القديم. والمثبت من (ب) .
    (5) ا، ب: ثم حدث.
    (6) ن، م: فلا بد أن يتعين من وصفه إلى وصفه.
    (7) ب: وإن.
    (8) (8 - 8) : ساقطة من (م) ، (ب) .
    ****************************
    أو بغيره، فما علم أنه كان قديما واجبا بنفسه أو بغيره *) (1) يكون العلم بامتناع عدمه أوكد وأوكد.والعالم إذا كان شيء منه قديما أزليا لا حادث فيه، ثم حدث فيه حادث فقد غيره من الحال القديمة الأزلية الواجبة بنفسها أو بغيرها إلى حال أخرى تخالفها، وهذا مع أنه ممتنع، فإذا كان هذا بدون سبب حادث كان ممتنعا من هذا الوجه ومن هذا الوجه.
    وأيضا:
    فالعالم لا يتصور انفكاكه عن مقارنة الحوادث، فإن الأجسام لا تخلو عن مقارنة الحوادث: الحركة وغيرها، والعالم ليس فيه إلا ما هو قائم بنفسه أو بغيره بلا نزاع بين العقلاء، وتلك الأعيان لا تخلو عن مقارنة الحوادث، فإنها لو خلت عنها ثم قارنتها للزم حدوث الحوادث بلا سبب، وهذا باطل، وإن لم يكن هذا باطلا جاز حدوث الحوادث بلا سبب، فبطل القول بقدم العالم.
    ثم كثير من النظار يقول:
    ليس في العالم إلا جسم أو عرض. وهؤلاء منهم من يفسر الجسم بما يشار إليه، ويمنع (2) كون كل جسم مركبا من الجواهر المفردة (3) أو من المادة والصورة، فلا يلزمهم من الإشكال ما يتوجه على غيرهم.
    وإن قدر أن فيه ما يخرج عن ذلك كما يذكره من يثبت العقول


    (1) ما بين النجمتين ساقط من (م) .
    (2) ا، ب: ويمتنع.
    (3) ا: المنفردة؛ ب: الفردة.
    ************************
    والنفوس، ويقول: إنها ليست أجساما، فالنفوس لا تفارق الأجسام، بل هي مقارنة لها مدبرة لها (1) فلا تفارق الحوادث.
    وأيضا: فالنفوس لا تنفك عن تصورات وإرادات حادثة، فهي دائما مقارنة للحوادث، والعقول علة لذلك مستلزمة لمعلولها لا يتقدم عليها (2) بالزمان، فيمتنع أن يكون في العالم ما يسبق الحوادث، فيمتنع أن يكون شيء منه قديما أزليا سابقا للحوادث، وحينئذ فالمبدع لشيء منه يمتنع أن يبدعه بدون إبداع لوازمه، ولوازمه يمتنع وجودها في الأزل، فيمتنع وجود شيء منه في الأزل.
    فإذا قيل: فهو علة تامة أزلية للفلك مع حركته، لزم أن يكون علة أزلية تامة للفلك مع حركته، فتكون حركته أزلية، والحركة لا توجد إلا شيئا فشيئا، فيمتنع أن يكون جميع حركته أزلية (3) .وإذا (4) قيل: هو علة تامة أزلية للفلك دون حركته، احتاجت حركته إلى مبدع آخر، ولا مبدع (5) غيره.
    وإن قيل:
    هو علة للحركة (6) شيئا بعد شيء، لم يكن علة تامة للحركة في الأزل، لكن يصير علة تامة لشيء منها بحسب وجوده، فتكون عليته وفاعليته وإرادته حادثة بعد أن لم تكن، فيمتنع أن يكون علة تامة في


    (1) عبارة " مدبرة لها ": ساقطة من (م) فقط.
    (2) ن، م: عليه.
    (3) ن: أن يكون جميعها أزلية؛ م: أن يكون جميعا أزليا؛ ا: أن تكون جميع حركتها أزلية.
    (4) ا، ب: فإن.
    (5) عبارة " ولا مبدع ": ساقطة من (ب) فقط.
    (6) ا، ب: الحركة.
    *****************************
    الأزل، وهذا القول [ظاهر] (1) ، لا ينازع فيه من فهمه، وهو مما يبين امتناع كونه علة تامة أزلية لكل موجود، وامتناع كونه علة تامة للفلك مع حركته الدائمة.
    وهم لا يقولون:
    (2) إنه في الأزل علة لكل موجود،
    بل يقولون:
    إنه في الأزل علة لما كان قديما بعينه كالأفلاك، وهو دائما علة لنوع الحوادث، ويصير علة تامة للحادث المعين بعد أن لم يكن علة تامة له، فهذا حقيقة قولهم.
    فيقال لهم:
    كونه يصير علة تامة لشيء بعد أن لم يكن علة له من غير أمر يحدث منه ممتنع لذاته؛ لأنه لا محدث للحوادث سواه، فيمتنع أن غيره يحدث فاعليته، وكونه علة فلا يحدث كونه فاعلا للمعين إلا هو، فيلزم أن يكون هو المحدث؛ لكونه علة للمعين وفاعلا له، وهذه الفاعلية كانت بعد أن لم تكن، فيمتنع أن تكون صدرت عن علة تامة أزلية، لأن العلة الأزلية يقارنها معلولها.
    فتبين أنه يمتنع أن يصير فاعلا لشيء بعد أن لم يكن، مع القول بأنه لم يزل علة تامة أزلية، وأنه لا بد أن يقوم به من الأحوال ما يوجب كونه فاعلا لما يحدث عنه من الحوادث، سواء أحدثت (3) بواسطة أم بغير واسطة.
    وأيضا: فإذا قدر أنه - كما يقولون - حاله قبل أن يحدث المعين ومع


    (1) ظاهر: ساقطة من (ن) فقط.
    (2) أ، ب: وهم يقولون.
    (3) ن، م: سواء حدث.
    ******************************




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله



    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (48)
    صـ 333 إلى صـ 339

    إحداث المعين وبعد إحداث المعين سواء امتنع إحداث المعين، فيمتنع أن يحدث شيئا (1) .
    وأيضا:
    فلم يكن إحداثه للأول بأولى من إحداثه للثاني، ولا تخصيص (* الأول بقدره ووصفه بأولى من الثاني إذا كان الفاعل لم يكن منه قط سبب يوجب التخصيص *) (2) ، لا بقدر ولا بوصف (3) ولا غير ذلك.
    وهم أنكروا على من قال من النظار:
    إنه فعل بعد أن لم يكن فاعلا (4) ، [وقالوا: العقل الصريح يعلم أن من فعل بعد أن لم يكن فاعلا] (5) فلا بد أن يتجدد له: إما قدرة، وإما إرادة، وإما علم، وإما زوال مانع، وإما سبب ما.
    فيقال لهم:
    والعقل الصريح يعلم أن من فعل هذا الحادث بعد أن لم يكن فاعلا له فلا بد أن يتجدد له سبب اقتضى فعله، فأنتم أنكرتم على غيركم ابتداء الفعل بلا سبب، والتزمتم دوام المفعولات الحادثة بلا سبب، فكان ما التزمتموه من حدوث الحوادث بلا سبب أعظم مما نفيتموه، بل قولكم مستلزم أنه لا (6) فاعل للحوادث ابتداء، بل تحدث بلا فاعل، فإن الموجب للحوادث عندكم هو حركة الفلك (7) ، وحركة الفلك حركة نفسانية تتحرك بما يحدث لها من التصورات والإرادات المتعاقبة، وإن

    (1) ا: فيمتنع إحداث شيئا؛ ب: فيمتنع إحداث شيء.
    (2) ما بين النجمتين ساقط من (م) .
    (3) ا، ب: لا بقدره ولا وصفه.
    (4) فاعلا: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (5) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
    (6) لا: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (7) ن (فقط) : هو الحركة الفلكية.
    ***************************
    كانت تابعة لتصور كلي وإرادة كلية، ثم تلك التصورات والإرادات والحركات تحدث بلا محدث [لها] (1) أصلا على قولكم؛ لأن واجب الوجود عندكم ليس فيه ما يوجب فعلا حادثا أصلا، بل حاله قبل الحادث وبعده ومعه سواء، وكون الفاعل يفعل الأمور الحادثة المختلفة مع أن حاله قبل وبعد ومع سواء (2 أبعد من كونه يحدث حادثا مع أن حاله قبل وبعد ومع سواء 2) (2) .
    وإذا قيل: تغير فعله لتغير المفعولات
    قيل: فعله إن كان هو المفعولات عندكم - كما يقوله ابن سينا ونحوه من جهمية الفلاسفة نفاة الصفات والأفعال - فالمتغير هو المنفصلات عنه، وهي المفعولات، وليس هنا فعل هو غيرها يوصف بالتغير، فما الموجب لتغيرها واختلافها وحدوث ما يحدث منها مع [أن] (3) الفاعل هو على حال واحدة؟ ! وفساد (4) هذا في صريح العقل أظهر من فساد ما أنكرتموه على غيركم.
    وإن كان فعله قائما بنفسه كما يقوله مثبتة الأفعال الاختيارية من أئمة أهل الملل [ومن الفلاسفة] (5) المتقدمين والمتأخرين، فمن المعلوم أن تغير المفعولات إنما سببه (6) هذه الأفعال


    (1) لها: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (2) (2 - 2) : ساقط من (ا) ، (ب) .
    (3) أن: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (4) ن، م: ففساد.
    (5) عبارة " ومن الفلاسفة ": ساقطة من (ن) ، (م) .
    (6) ا، ب: إنما هو سببه.
    **************************
    وهو سبحانه المحدث لجميع المفعولات المتغيرة وتغيراتها، فيمتنع أن تكون هي المؤثرة في تغير فعله القائم بنفسه؛ لأن هذا يوجب كون المعلول المخلوق المصنوع هو المؤثر في الخالق الصانع الذي يسمونه علة [تامة] (1) ،
    وهذا يوجب الدور الممتنع، فإن كون كل من الشيئين مؤثرا في الآخر من غير أن يكون هناك أمر ثالث غيرهما يؤثر (2) فيهما هو من الدور القبلي الممتنع، فإن أحد الفاعلين لا يفعل في الآخر حتى يفعل الآخر فيه كما في هذه الصورة، فإن التغير الحادث لا يحدث حتى يحدثه هو؛ لما يقوم به من الفعل، فلو كان ذلك الفعل لا يقوم (3) حتى يحدثه ذلك التغير لزم أن لا يوجد حتى يوجد ذاك، ولا يوجد ذاك حتى يوجد هذا، فيلزم أن لا يوجد واحد منهما حتى يوجد هو قبل أن يوجد بمرتبتين، فيلزم اجتماع النقيضين مرتين.
    وإن قيل:
    المفعول المتغير الأول أحدث في الفاعل تغيرا، وذلك التغير أوجب تغيرا
    ثانيا 0قيل: فذلك الأول إنما صدر عن فعل قائم (4) بالفاعل، فالفاعل ما قام به من الفعل هو الفاعل لكل ما سواه من الحوادث المتغيرة أولا وآخرا، ولم يؤثر فيه غيره ألبتة.
    وإن قيل:
    وجود مفعوله الثاني مشروط بمفعوله الأول، فهو الفاعل للأول والثاني، فلم يحتج في شيء من فعله إلى غيره، ولا أثر فيه


    (1) تامة: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (2) ا: مؤثرا؛ ب: مؤثر.
    (3) ب: لا يقوم به. ويوجد شطب على " به " في (ن) .
    (4) قائم: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    *************************
    [شيء] (1) .
    سواه وهذا كما أنه سبحانه يلهم العباد أن يدعوه [فيدعونه] (2) فيستجيب لهم، ويلهمهم أن يطيعوه فيطيعونه فيثيبهم، فهو سبحانه الفاعل للإجابة والإثابة كما أنه أولا جعل العباد داعين مطيعين، ولم يكن في شيء من ذلك مفتقرا إلى غيره ألبتة.وكل من تدبر هذه الأمور تبين له أنه سبحانه خالق كل شيء من الأعيان وصفاتها وأفعالها بأفعاله الاختيارية القائمة بنفسه كما دلت على ذلك نصوص الأنبياء، واتفق عليه سلف الأمة وأئمتها،
    ووافقهم على ذلك أساطين الفلاسفة القدماء، وهذا مما يبين حدوث كل ما سواه وأنه ليس علة أزلية لمعلول قديم مع أنه دائم الفاعلية، ولا يلزم من دوام كونه فاعلا أن يكون معه مفعول معين قديم، بل هذا من أبطل الباطل.
    وهؤلاء المتفلسفة القائلون بقدم العالم عن موجب بذاته هو علة تامة أزلية [له] (3) يسلمون أنه ليس علة تامة في الأزل لكل حادث، فإن هذا لا يقوله من يتصور ما يقول، فإن العلة التامة هي التي تستلزم معلولها وتستعقبه، فإذا كان المعلول حادثا بعد أن لم يكن لم يكن المستلزم له أزليا؛ لما في ذلك من تأخر المعلول (4) وتراخيه زمانا لا نهاية له عن العلة التامة الأزلية، فإن كل حادث يوجد في العالم متأخر (5) عن الأزل تأخرا لا نهاية له، فلو كانت علته التامة ثابتة في الأزل لكان المعلول


    (1) شيء: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (2) فيدعونه: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (3) له: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (4) ن: المعقول؛ م: المفعول، وكلاهما تحريف.
    (5) ن، م: متأخرا.
    ************************
    متأخرا عن العلة التامة تأخرا لا نهاية له، والعلة التامة لا يكون بينها وبين معلولها فصل أصلا،
    بل النزاع:
    هل يكون معها في الزمان أو يكون عقبها في الزمان (1) ، ويكون معها (2) كالجزء الثاني من الزمان مع الذي قبله؟ . هذا مما يتكلم فيه الناس إذ كانوا (3) متفقين على أنه متأخر عنها (4) تأخرا عقليا وأنه لا ينفصل عنها.
    وهل يتصل بها اتصالا زمانيا أو يقترن بها اقترانا زمانيا؟ هذا محل نظر الناس (5) .
    والمقصود هنا أن كل ما يحدث العالم فلا تكون علته التامة المستلزمة تامة (6) قبله بحيث يكون بينهما انفصال، فكيف تتقدم عليه (7) تقدما لا نهاية له؟
    لكن غاية ما يقولون:
    إنه علة تامة أزلية لما كان قديما من العالم كالأفلاك، وأما ما يحدث فيه فإنما يصير علة تامة له عند حدوثه.
    ويقولون: إن حدوث الأول شرط في حدوث الثاني كالماشي الذي يقطع أرضا بعد أرض، وكحركة الشمس [التي] تقطع (8) بها مسافة بعد مسافة، كالمتحرك (9) لا يقطع المسافة الثانية حتى يقطع الأولى، فقطع


    (1) ن، م، ا،: هل يكون معه في الزمان أو يكون عقبه. والمثبت من (ب) وهو الصواب، والمقصود هل يكون المعلول مع العلة في الزمان أو يكون عقب العلة.
    (2) ن، م: ويكون معه؛ ا: وتكون معه؛ ب: يكون معها. ولعل الصواب ما أثبته.
    (3) ا: إن كانوا؛ ب: وإن كانوا.
    (4) ن، م، ا: على أنها متأخرة عنه.
    (5) ن، م: القياس.
    (6) ن، م: ثابتة.
    (7) ن، م، ا: يتقدم عليها.
    (8) ن، م: وكحركة الشمس تقطع؛ ا: وكحركة الشمس الذي تقطع
    (9) ا: كالتحرك؛ ب: فالمتحرك.
    **************************
    الأولى بحركته شرط في قطع الثانية بحركته، والعلة التامة لقطع الثانية إنما وجدت بعد الأولى. وهذا غاية ما يقولونه ويعبرون عنه بعبارات، فتارة (1) يقولون: فيض العلة الأولى والمبدأ الأول أو واجب الوجود - وهو الله تعالى - دائم، لكن يتأخر ليحصل الاستعداد والقوابل، وسبب الاستعداد والقوابل [عند] (2) كثير منهم - أو أكثرهم - هو حركة الفلك، فليس عند هؤلاء سبب لتغيرات العالم إلا حركة الفلك - كما يقوله ابن سينا وأمثاله - وهذا هو المعروف عند أصحاب أرسطو.
    وأما آخرون أعلى من هؤلاء - كأبي البركات وغيره -
    فيقولون:
    بل سبب التغيرات ما يقوم بذات الرب من إرادات متجددة، بل ومن إدراكات، كما قد بسطه في كتابه المعتبر.فأولئك - كابن سينا وأمثاله -
    يقولون:
    هو بنفسه علة تامة أزلية للعالم بما فيه من الحوادث المتجددة، وإن الحادث الأول كان شرطا أعد القابل (3) للحادث الثاني. وهذا القول في غاية الفساد، وهو أيضا في غاية المناقضة لأصولهم، وذلك أن علة الحادث الثاني لا بد أن تكون بتمامها موجودة عند وجوده، وعند وجود الحادث الثاني (4) لم يتجدد للفاعل الأول أمر به يفعل إلا عدم الأول، ومجرد عدم الأول لم يوجد عندهم للفاعل لا قدرة ولا إرادة ولا


    (1) ا: بعبارة فتارة؛ ن: بعبارات تارة.
    (2) عند: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (3) ن: القايل؛ م: للمقابل، وكلاهما تحريف.
    (4) ا، ب: عند وجوده عند الحادث الثاني؛ م: عند وجوده وهذا الحادث الثاني.
    ****************************** *
    غير ذلك، فإن الأول عندهم لا يقوم به شيء من الصفات والأفعال، ولا له أحوال متنوعة أصلا، فكيف يتصور (1) أن يصدر عنه الثاني بعد أن كان صدوره ممتنعا منه وحاله حاله لم يتجدد إلا أمر عدمي لم يوجب له زيادة قدرة ولا إرادة ولا علم ولا غير ذلك؟ .
    وهذا بخلاف (2) ما يمثلون به من حركة الإنسان وغيره من المتحركة (3) بالإرادة أو (4) بالطبع، فإن المتحرك إذا قطع المسافة [الأولى] (5)
    صار له من القدرة ما لم يكن له (6) قبل ذلك، وحصل عنده من الإرادة ما لم يكن قبل ذلك، كما يجده الإنسان من نفسه إذا مشى، فإنه يجد من نفسه عجزا عن قطع المسافة البعيدة حتى يصل إليها، وهو قبل وصوله عازم على قطعها، إذا وصل ليس هو مريدا في هذا (7)
    الحال لقطعها في هذا (8) الحال، فإذا وصل إليها صار مريدا لقطعها قادرا على قطعها، وعند الإرادة الجازمة والقدرة التامة يجب وجود المراد، فحينئذ تقطع لا لمجرد عدم الحركة التي بها قطع الأولى بل لما تجدد له من القدرة والإرادة، فهذا (9) المتجدد المقتضي له هو ما في نفسه من الإرادة الكلية


    (1) ن، م: يتضمن.
    (2) ن: خلاف؛ م: يخالف.
    (3) ا، ب: الحركات؛ م: المتحركات.
    (4) أو: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (5) الأولى: ساقطة من (ن) فقط.
    (6) له: زيادة في (ن) فقط.
    (7) ا، ب: هذه.
    (8) ا، ب: هذه.
    (9) ا، ب: وهذا.
    ****************************** *




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (49)
    صـ 340 إلى صـ 346

    والاستعداد للقدرة، وكان قطع الأولى مانعا من ذلك، فلما زال المانع (1) عمل المقتضي عمله، فتمت إرادته وقدرته فقطع المسافة.
    وهكذا حركة الحجر من فوق إلى أسفل، كلما نزل تجدد فيه قوة، وقبل [ذلك] (2) لم يكن فيه ذلك.وكذلك حركة الشمس والكواكب، لا سيما وهم يقولون:
    إن حركتها اختيارية؛ لما يتجدد [لها] (3) من التصورات الجزئية والإرادات الجزئية التي تحدث لها (4) شيئا فشيئا،
    هكذا صرح به أئمتهم:
    أرسطو وغيره، فإن حركتها عندهم نفسانية، فالمقتضى التام للجزء الثاني من الحركة إنما وجد عنها (5) ، لم يكن المقتضى التام موجودا قبل، وهو قائم بنفس المتحرك أو المحرك وهو النفس التي يتجدد لها تصورات وإرادات جزئية وقوة جزئية يتحرك بها (6) شيئا بعد شيء كحركة الماشي، فلا يمكنهم أن يذكروا محركا ولا متحركا حاله قبل الحركة (7) وبعدها سواء والحركة تصدر عنه شيئا فشيئا، فإن هذا لا وجود له، والعقل الصريح يحيل ذلك، فإن الحادث لا يحدث إلا عند حدوث موجبه التام، وهو علته التامة،
    وإن شئت قلت:
    لا يترجح إلا إذا وجد مرجحه التام المستلزم له 0

    (1) ن (فقط) : فلما زال قطع المانع، وهو خطأ.
    (2) ذلك: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (3) لها: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (4) لها: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (5) ا، ب: عندها.
    (6) ا، ب: لها.
    (7) ن (فقط) : حالة قبل حالة الحركة.
    ****************************** **
    والمسلمون يقولون: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فالحركة الثانية لو كان مرجحها التام حاصلا عند الأولى لوجب (1) حصولها عند الأولى، بل إنما يتم حصولها عند حصول المرجح التام، إما مقترنة به في الزمان أو متصلة به في الزمان، وإذا كان المرجح التام لا بد أن يحصل بعد أن لم يكن حاصلا، فلا بد أن يحصل للحركة سبب حادث يوجب أن يصيرها حادثة بعد أن لم تكن حادثة، وكذلك السبب الأول القريب من الحركة.
    وإن كان الفاعل له إرادة [تامة] (2) عامة كلية لما يحدث شيئا بعد شيء، فتلك وحدها لا تكفي، بل لا بد من إرادة أخرى جزئية لحادث حادث (3) يقارنه، كما يجده الإنسان في نفسه إذا مشى في سفر أو غيره (4) إلى مكة أو غيرها، فلا ريب أن المقتضى العام إما بإرادة أو غيرها قد يكون مقتضاه عاما مطلقا، لكن يتأخر لتأخر الاستعدادات والقوابل إذا كانت من غيره، كما في طلوع الشمس، فإنه من جهتها فيض عام، لكن يتوقف على استعداد [من] (5) القوابل وارتفاع الموانع، ولهذا يختلف تأثيرها ويتأخر بحسب القوابل والشروط، وتلك ليست منها.
    وكذلك هم يقولون: (6) إن العقل الفعال دائم الفيض، عنه يفيض كل


    (1) ن (فقط) : لوجوب، وهو تحريف.
    (2) تامة: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (3) حادث: ساقطة من (ب) فقط.
    (4) ن (فقط) : أو في غيره.
    (5) من: ساقطة من (ن) فقط.
    (6) ن، م، ا: وكذلك يقولون: هم.
    ******************************
    ما في العالم من الصور (1) النفسانية والجسمانية، فعنه (2) تفيض العلوم والإرادات وغير ذلك، وهم عندهم رب كل ما تحت فلك القمر، لكن ليس مستقلا عندهم، بل فيضه يتوقف على حصول الاستعدادات والقوابل التي تحصل بحركات (3) الأفلاك، وتلك الحركات التي فوق فلك القمر ليست منه بل من غيره، وهذا العقل هو رب البشر عندهم (4) ، ومنه يفيض الوحي والإلهام، وقد يسمونه جبريل، وقد يجعلون جبريل ما قام بنفس النبي من الصورة الخيالية، وهذا كله كلام (5)
    من أبطل الباطل، كما قد بسط في موضعه.لكن المقصود هنا أنهم يمثلون فيض واجب الوجود بفيض العقل الفعال وفيض الشمس، وهو تمثيل باطل؛ لأن المفيض هنا ليس مستقلا بالفيض (6) ،
    بل فيضه متوقف على ما يحدثه غيره من الاستعداد والقبول (7) ، وإحداث غيره له من فعل غيره.
    فأما رب العالمين فهم يسلمون أنه (8) لا شريك له في الفيض، ولا يتوقف شيء من فيضه على فعل من غيره، بل هو رب القابل والمقبول ورب المستعد والمستعد له، ومنه الإعداد ومنه الإمداد.


    (1) ا، ب: الصورة.
    (2) ا: ففيه؛ ب: فمنه.
    (3) ا، ب: بحركة.
    (4) ا، ب: عندهم هو رب البشر.
    (5) كلام: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (6) ن، م: لأن المقصود هنا ليس مستقبلا بالفيض، وهو تحريف.
    (7) ن، م: من استعداد القوابل.
    (8) ا، ب: أن.
    ****************************** *
    فإذا قالوا بعد هذا: إنه علة تامة أزلية، وإن فيضه عام لكنه (1) يتوقف على حدوث القوابل والاستعدادات، إما بحدوث الأشكال الفلكية والاتصالات الكوكبية، وإما بغير ذلك (2)قيل لهم: إن قلتم: هو علة أزلية لهذا الحادث لزم وجوده في الأزل.
    وإن قلتم:
    لا يصير علة تامة إلا بحدوث القوابلقيل لكم: فإذا كان حدوث القوابل منه فهو المحدث لهما جميعا، فقبل إحداثهما لم يكن علة تامة لا لهذا ولا لهذا، ثم أحدثهما (3) جميعا:
    القابل والمقبول، فإذا كان أحدثهما (4) بدون تجدد شيء، لزم أن يكون لم يزل علة تامة لهما أو لم يصر علة تامة لهما، فيلزم إما قدم هذين الحادثين وإما عدمهما.فإنه إن لم يزل (5) علتهما لزم قدمهما، وإن لم يحدث لزم عدمهما، وأنتم تجعلون علة هذين الحادثين حدثت بعد أن لم تكن،
    أي حدثت بتمامها بعد أن لم تكن (6) ، وليس هنا شيء أوجب حدوث التمام (7) ، فإن الفاعل للتمام (8) حالة بعد التمام وحالة قبل التمام (9) سواء، فيمتنع أن


    (1) ن، م: لكونه، وهو تحريف.
    (2) ن، م: هذا.
    (3) ن: إلا بحدث.
    (4) ب (فقط) : إحداثهما.
    (5) ب: فإن لم تزل. .؛ ا: فإنه لم تزل.
    (6) ن، م: حدث تمامهما بعد أن لم يكن؛ ا: حدث بتمامها بعد أن لم تكن.
    (7) ن، م: التام.
    (8) ن، م: التام.
    (9) ن، م: بعد التمام وقبل التمام.
    ************************
    يكون علة تامة له في إحدى الحالين دون الأخرى، وكل ما يقدرونه مما حصل تمام العلة (1) هو أيضا حادث عن الأول، فحقيقة قولكم أن حوادث العالم تحدث (2) ، عنه مع أنه لم يزل علة تامة لها (3) ،
    أو مع أنه لم يصر علة تامة، مع أن العلة التامة إنما تكون تامة عند معلولها لا قبل ولا بعد، وهذا يتقضى عدم الحوادث أو قدم الحوادث، وكلاهما مخالف للمشاهدة (4) .
    ولهذا كان حقيقة قولهم: إن الحوادث تحدث بلا محدث لها (5) ،
    وقولهم في حركة الفلك يشبه قول القدرية في حركة الحيوان، فإن القدرية (6) تقول: إن (7) الحيوان قادر مريد، وإنه يفعل ما يفعل (8) بدون سبب أوجب الفعل،
    بل مع كون نسبة الأسباب الموجبة للحدوث إلى هذا الحادث وهذا الحادث سواء، فإن عندهم كل ما يؤمن به المؤمن ويطيع به المطيع قد حصل لكل من أمر (9) بالإيمان والطاعة، لكن المؤمن المطيع رجح الإيمان والطاعة بدون سبب اختص به حصل به (10) الرجحان، والكافر بالعكس


    (1) ن، م: التمام العلة.
    (2) ا: حدوث العالم تحدث؛ ب: حدوث العالم يحدث.
    (3) ا، ب: له.
    (4) ن، م: بخلاف المشاهدة.
    (5) لها: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (6) ن (فقط) : فالقدرية.
    (7) إن: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (8) عبارة " ما يفعل ": ساقطة من (ب) فقط.
    (9) ن، م: لكل من آمن، وهو تحريف.
    (10) به: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    ***************************
    وهذا يقوله (1) هؤلاء في حركة الفلك:
    إنه يتحرك دائما بإرادته وقدرته من غير سبب أوجب كونه مريدا قادرا، مع أن إرادته وقدرته وحركاته حادثة بعد أن لم تكن (2) حادثة من غير شيء جعله مريدا متحركا، فقد حصل الممكن بدون المرجح التام الذي أوجب رجحانه، وحصل الحادث بدون السبب التام الذي أوجب حدوثه.
    ثم إنهم ينكرون على القدرية قولهم:
    إن القادر يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح بل بإرادة (* يحدثها [هو] (3) من غير أن يحدث له غيره تلك الإرادة،
    ويقولون:
    إنه أوجب الإرادة بلا إرادة *) (4) .وهؤلاء يقولون ما هو أبلغ من ذلك في حركة الفلك، وهو يناقض أصولهم الصحيحة، فإذا كانوا يسلمون أن الإرادات الحادثة والحركات (5) الحادثة لا تحدث إلا بسبب يوجب حدوثها، وأنه (6) عند كمال السبب يجب حدوثها،
    وعند نقصه يمتنع حدوثها، علموا أن ما قالوه في قدم العالم وسبب الحوادث باطل.
    فإنه ليس فوق الفلك عندهم سبب يوجب حدوث ما يحدث له من التصورات والإرادات إلا من جنس ما للمخلوق الفقير إلى واجب


    (1) ا: وهكذا يقوله؛ ب: وهكذا يقول.
    (2) ن (فقط) : حادثة من غير أن لم تكن، وهو تحريف.
    (3) هو: زيادة في (ا) فقط.
    (4) ما بين النجمتين ساقط من (ب) فقط.
    (5) ن (فقط) : الإرادة الحادثة والحركة.
    (6) ا، ب: فإنه، وهو خطأ.
    ****************************
    الوجود، ومعلوم أن ما كان بالقوة لا يخرج إلى الفعل إلا بمخرج، فلا بد أن يكون فوق الفلك ما يوجب حدوث حركته.وما يذكره أرسطو وأتباعه أن الأول هو يحرك الفلك حركة المعشوق لعاشقه، وأن الفلك يتحرك للتشبه به، وأنه بذلك علة العلل وبه قوام الفلك، إذ (1) كان قوام الفلك بحركته، وقوام حركته بإرادته وشوقه، وقيام إرادته وشوقه بوجود [المحبوب] (2) السابق المراد الذي تحرك للتشبه به، فهذا الكلام - مع ما فيه من الكلام الباطل الذي بين في غير هذا الموضع - غايته إثبات العلة الغائية لحركة الفلك،
    ليس فيه بيان العلة الفاعلية لحركته إلا أن يقولوا:
    هو المحدث لتصوراته وحركاته من [غير] (3) احتياج إلى واجب الوجود وإلى العلة الأولى في كونه فاعلا لذلك، كما أن المحب العاشق لا يحتاج إلى المحبوب المعشوق (4) من جهة كونه فاعلا للحركة إليه،
    بل من جهة كونه هو المراد المطلوب بالحركة، وهذا قول باستغناء الحركات المحدثة والمتحركات عن رب العالمين، وأنه لا يفعل شيئا من هذه الحوادث ولا هو ربها.
    فإن قالوا مع ذلك بأنه لم يبدع الفلك بل هو قديم واجب الوجود بنفسه،
    لم يكن رب شيء من العالم وإن قالوا:
    هو الذي أبدعه، كان تناقضا منهم كتناقض القدرية، فإن إبداعه لذاته وصفاته يوجب أن لا


    (1) ن (فقط) : إذا، وهو تحريف.
    (2) المحبوب: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (3) غير: ساقطة من (ن) فقط.
    (4) ن، م: المعشوق المحبوب.
    ****************************





    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (50)
    صـ 347 إلى صـ 353


    يَحْدُثَ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا بِفِعْلِ الرَّبِّ لِذَلِكَ وَإِحْدَاثِهِ [لَهُ] (1) ، كَمَا لَا يَحْدُثُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ حَادِثٌ إِلَّا بِخَلْقِ الرَّبِّ لِذَلِكَ وَإِحْدَاثِهِ لَهُ. فَقَوْلُهُمْ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ التَّعْطِيلِ الْعَامِّ وَبَيْنَ التَّعْطِيلِ (2) الْخَاصِّ الَّذِي يَكُونُونَ فِيهِ شَرًّا مِنَ الْقَدَرِيَّةِ (3) ، وَرَدُّهُمْ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ، وَهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
    وَقَدْ ذُكِرَ (4) مَا ذَكَرُوهُ مِنْ كَلَامِ أَرِسْطُو فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَبَيَّنَ مَا فِيهِ مِنَ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَأَنَّ الْقَوْمَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَمَعْرِفَةِ خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى خَيْرٌ مِنْهُمْ بِكَثِيرٍ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي سَلَكَهَا أَرِسْطُو وَالْقُدَمَاءُ فِي إِثْبَاتِ الْعِلَّةِ الْأُولَى هِيَ طَرِيقُ الْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ حَرَكَةِ الْفَلَكِ، وَأَثْبَتُوا عِلَّةً غَائِيَّةً كَمَا ذُكِرَ.
    فَلَمَّا رَأَى ابْنُ سِينَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِي نَ مَا فِيهَا مِنَ الضَّلَالِ عَدَلُوا إِلَى طَرِيقَةِ الْوُجُودِ وَالْوُجُوبِ وَالْإِمْكَانِ، وَسَرَقُوهَا مِنْ طَرِيقِ (5) الْمُتَكَلِّمِي نَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ احْتَجُّوا بِالْمُحْدَثِ عَلَى الْمُحْدِثِ، فَاحْتَجَّ أُولَئِكَ بِالْمُمْكِنِ عَلَى الْوَاجِبِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ تَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ وُجُودِ وَاجِبٍ، وَأَمَّا إِثْبَاتُ تَعْيِينِهِ فَيَحْتَاجُونَ فِيهِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ، وَهُمْ سَلَكُوا (6)

    (1) لَهُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
    (2) ن، م: الْعَامِّ وَالتَّعْطِيلِ.
    (3) ن، م: الْخَاصِّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ أَسْوَأَ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ.
    (4) ا، ب: وَقَدْ ذَكَرْنَا.
    (5) ن، م: طُرُقِ.
    (6) ن، م: يَسْلُكُونَ.
    ****************************** ****
    طَرِيقَةَ التَّرْكِيبِ، وَهِيَ أَيْضًا مَسْرُوقَةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ ، وَإِلَّا فَكَلَامُ أَرِسْطُو فِي الْإِلَهِيَّاتِ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ مَعَ كَثْرَةِ الْخَطَأِ فِيهِ، وَلَكِنَّ ابْنَ سِينَا وَأَمْثَالَهُ وَسَّعُوهُ وَتَكَلَّمُوا فِي الْإِلَهِيَّاتِ وَالنُّبُوَّاتِ وَأَسْرَارِ الْآيَاتِ وَمَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ، بَلْ وَفِي مَعَادِ الْأَرْوَاحِ بِكَلَامٍ لَا يُوجَدُ لِأُولَئِكَ، وَمَا فِيهِ مِنَ الصَّوَابِ فَجَرَوْا فِيهِ عَلَى مِنْهَاجِ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَا فِيهِ مِنْ خَطَأٍ بَنَوْهُ عَلَى أُصُولِ سَلَفِهِمُ الْفَاسِدَةِ.
    وَلِهَذَا كَانَ ابْنُ رُشْدٍ وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْمُتَفَلْسِفَ ةِ يَقُولُونَ:
    إِنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِينَا فِي الْوَحْيِ وَالْمَنَامَاتِ وَأَسْبَابِ الْعِلْمِ بِالْمُسْتَقْبَ لَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ أَمْرُ ذَكَرَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقُلْهُ قَبْلَهُ الْمَشَّاءُونَ سَلَفُهُ.
    [رد ابن ملكا ومتابعيه على سلفهم من الفلاسفة]
    وَأَمَّا أَبُو الْبَرَكَاتِ صَاحِبُ " الْمُعْتَبَرِ " وَنَحْوُهُ، فَكَانُوا بِسَبَبِ عَدَمِ تَقْلِيدِهِمْ لِأُولَئِكَ، وَسُلُوكِهِمْ طَرِيقَةَ النَّظَرِ الْعَقْلِيِّ بِلَا تَقْلِيدٍ، وَاسْتِنَارَتِه ِمْ بِأَنْوَارِ النُّبُوَّاتِ أَصْلَحَ قَوْلًا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، فَأَثْبَتَ (1) عِلْمَ الرَّبِّ بِالْجُزْئِيَّا تِ وَرَدَّ عَلَى سَلَفِهِ رَدًّا جَيِّدًا، وَكَذَلِكَ أَثْبَتَ صِفَاتِ الرَّبِّ وَأَفْعَالَهُ وَبَيَّنَ مَا بَيَّنَهُ مِنْ خُطَّاءِ سَلَفِهِ (2) ، وَرَأَى فَسَادَ قَوْلِهِمْ فِي أَسْبَابِ الْحَوَادِثِ، فَعَدَلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَثْبَتَ لِلرَّبِّ مَا يَقُومُ بِهِ الْإِرَادَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَوَادِثِ، وَقَوْلُهُمْ مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
    فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ:
    إِنَّمَا حَدَثَتِ (3) الْحَوَادِثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لِمَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِذَلِكَ، فَلَا يُثْبِتُونَ أُمُورًا مُتَجَدِّدَاتٍ مُخْتَلِفَةً


    (1) ن، م، ا: فَأَثْبَتُوا، وَهُوَ خَطَأٌ.
    (2) ب: وَبَيَّنَ مَا بَيَّنَ خَطَأُ سَلَفِهِ.
    (3) ا، ب، م: حَدَثَ.



    ****************************** **
    عَنْ وَاحِدٍ بَسِيطٍ لَا صِفَةَ لَهُ وَلَا فِعْلَ كَمَا قَالَ أُولَئِكَ، بَلْ وَافَقُوا قَوْلَ أَسَاطِينِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ أَرِسْطُو الَّذِينَ يُثْبِتُونَ مَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الْحَادِثَ الْمُعَيَّنَ إِنَّمَا حَدَثَ لَمَّا حَصَلَتْ عِلَّتُهُ التَّامَّةُ الَّتِي لَمْ تَتِمَّ إِلَّا عِنْدَ حُدُوثِهِ، وَتَمَامُ الْعِلَّةِ كَانَ بِمَا يُحْدِثُهُ الرَّبُّ تَعَالَى وَمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ إِرَادَتِهِ وَأَفْعَالِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (1) مِمَّا يَقُولُونَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ.
    وَلِهَذَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ مُدَبِّرًا لِهَذَا الْعَالَمِ إِلَّا عَلَى قَوْلِنَا بِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ فِيهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ وَالْعُلُومِ وَغَيْرِهَا، وَيَقُولُونَ إِنَّ مَنْ نَفَى ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَنْفِهِ بِدَلِيلٍ عَقْلِيٍّ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ لِمُجَرَّدِ تَنْزِيهٍ وَإِجْلَالٍ مُجْمَلٍ، وَإِنَّهُ يَجِبُ التَّنْزِيهُ وَالْإِجْلَالُ مِنْ هَذَا التَّنْزِيهِ وَالْإِجْلَالِ.
    فَإِذَا قِيلَ لِهَؤُلَاءِ:
    فَعِنْدَ حُدُوثِ الْحَادِثِ (2) الثَّانِي لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ، وَلَا يَكْفِي عَدَمُ الْأَوَّلِ.
    قَالُوا (3) : بَلْ حَصَلَ مِنْ كَمَالِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ مَا أَوْجَبَ حُدُوثَ الْمَقْدُورِ، وَلَا نَقُولُ إِنَّ حَالَ الْفَاعِلِ (4) قَبْلُ وَبَعْدُ وَاحِدٌ لَمْ يَتَجَدَّدْ أَمْرٌ يَفْعَلُ بِهِ الثَّانِي، [بَلْ تَتَنَوَّعُ] (5) أَحْوَالُ الْفَاعِلِ، وَنَفْسُهُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِتِلْكَ الْأَحْوَالِ الْقَائِمَةِ بِهِ، لَكِنَّ وُجُودَ الْحَالِ الثَّانِي مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ مَا

    (1) ا، ب: وَأَفْعَالِهِ أَوْ أَفْعَالِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. . إِلَخْ.
    (2) ن، م: الْحَوَادِثُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
    (3) قَالُوا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
    (4) ا: وَلَا يَقُولُونَ إِنَّ الْفَاعِلَ؛ ب: وَلَا يَقُولُ إِنَّ الْفَاعِلَ.
    (5) ا، ب: يَفْعَلُ بِهِ الثَّانِي بِتَنَوُّعِ. . إِلَخْ.
    *****************************
    يُضَادُّهُ، وَنَفْسُ الْفَاعِلِ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِلْأُمُورِ الْوُجُودِيَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَالِ الثَّانِي.
    فَوَاجِبُ الْوُجُودِ لَا يَحْتَاجُ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ أَنْ يُضَافَ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا فِي الْمُمْكِنَاتِ، بَلْ نَفْسُهُ الْوَاجِبَةُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِكُلِّ مَا يَحْدُثُ عَنْهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ الْفَاعِلُ لِلْمَلْزُومِ وَلَوَازِمِهِ، وَالْفَاعِلُ لِأَحَدِ الْمُتَنَافِيَي ْنِ (1) عِنْدَ عَدَمِ الْآخَرِ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.لَكِنَّ اجْتِمَاعَ الضِّدَّيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى تَحْرِيكِ الْجِسْمِ بَدَلًا عَنْ تَسْكِينِهِ، وَعَلَى تَسْكِينِهِ بَدَلًا عَنْ تَحْرِيكِهِ، وَعَلَى تَسْوِيدِهِ (2) بَدَلًا عَنْ تَبْيِيضِهِ، وَعَلَى تَبْيِيضِهِ (3) بَدَلًا عَنْ تَسْوِيدِهِ، وَهُوَ يَفْعَلُ أَحَدَ الضِّدَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ إِذَا حَصَلَتْ إِرَادَتُهُ التَّامَّةُ مَعَ قُدْرَتِهِ الْكَامِلَةِ، وَنَفْسُهُ هِيَ الْمُوجِبَةُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ فِعْلُهَا لِلْأَوَّلِ شَرْطًا فِي حُصُولِ الثَّانِي، فَلَيْسَتْ فِي تِلْكَ مُفْتَقِرَةً إِلَى غَيْرِهَا، بَلْ كُلُّ مَا سِوَاهَا فَقِيرٌ إِلَيْهَا، وَهِيَ غَنِيَّةٌ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهَا.
    وَهَؤُلَاءِ تَخَلَّصُوا مِمَّا وَرَدَ عَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ وَمِنْ فَسَادِ تَمْثِيلِهِمْ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ إِذَا مَثَّلُوا قَوْلَهُمْ بِمَا يُعْقَلُ (4) مِنْ حَرَكَةِ الْحَيَوَانِ وَالشَّمْسِ، لَا يَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَرْقِ وَالنَّقْضِ وَغَيْرِ ذَلِكَ [مَا يَرِدُ عَلَى] (5) مَنْ قَبْلَهُمْ.
    لَكِنَّ هَؤُلَاءِ (6) يُقَالُ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ لَكُمْ قِدَمُ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَلَيْسَ فِي


    (1) ن، م: الْمُتَنَاقِضَي ْنِ.
    (2) ن، م: وَتَسْوِيدِهِ.
    (3) ن، م: وَتَبْيِيضِهِ.
    (4) ن، م: بِمَا يَفْعَلُ.
    (5) عِبَارَةُ " مَا يَرِدُ عَلَى ": سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
    (6) الْإِشَارَةُ هُنَا إِلَى الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ مِثْلَ ابْنِ سِينَا وَمُتَابِعِيهِ.
    ****************************** **
    الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى [شَيْءٍ مِنْ] (1) ذَلِكَ؟ وَأَنْتُمْ فَجَمِيعُ مَا تَذْكُرُونَهُ أَنْتُمْ وَأَمْثَالُكُمْ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى دَوَامِ الْفِعْلِ، لَا عَلَى دَوَامِ فِعْلٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا مَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ دَوَامُ الْفَلَكِ أَوْ مَادَّةُ الْفَلَكِ (2) أَوِ الْعُقُولُ أَوِ النُّفُوسُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، مِمَّا يَقُولُ الْقَائِلُونَ بِالْقِدَمِ:
    إِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُقَارِنًا لِلرَّبِّ تَعَالَى قَدِيمًا بِقِدَمِهِ أَبَدِيًّا بِأَبَدِيَّتِهِ ؟ .فَيُخَاطِبُونَ أَوَّلًا مُخَاطَبَةَ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّلِيلِ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ أَصْلًا (3) ، بَلْ إِنَّمَا طَمِعُوا فِي مُنَاظَرَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ (4) الَّذِينَ قَالُوا:
    إِنَّ جِنْسَ الْكَلَامِ وَالْفِعْلِ صَارَ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنَعًا مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ، وَصَارَ الْفَاعِلُ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَوَادِثَ لَا فِي زَمَانٍ، وَإِنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْقَدِيمُ مُعَطَّلًا عَنِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ، لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَفْعَلُ مِنَ الْأَزَلِ، إِلَى أَنْ تَكَلَّمَ وَفَعَلَ (5) ، ثُمَّ يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: إِنَّهُ يَتَعَطَّلُ عَنِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ فَتَفْنَى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، أَوْ تَفْنَى حَرَكَتُهُمَا، كَمَا قَالَهُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ فِي فَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَكَمَا قَالَهُ أَبُو الْهُذَيْلِ [الْعَلَّافُ] (6) فِي فَنَاءِ الْحَرَكَاتِ.
    وَجَعَلُوا مُدَّةَ فِعْلِ الرَّبِّ وَكَلَامَهُ مُدَّةً فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ.


    (1) شَيْءٍ مِنْ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
    (2) ن، م: أَوْ مَادَّتُهُ.
    (3) ا، ب: أَبَدًا.
    (4) أَيْ أَنَّ ابْنَ سِينَا وَأَمْثَالَهُ رَغْمَ ضَعْفِ أَدِلَّتِهِمْ إِنَّمَا اسْتَعْلَوْا وَنَفَقَتْ بِضَاعَتُهُمْ بِسَبَبِ بَعْضِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ (الَّذِينَ قَالُوا كَيْتَ وَكَيْتَ) .
    (5) ن، م: إِلَى أَنْ فَعَلَ وَتَكَلَّمَ.
    (6) الْعَلَّافُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
    ****************************
    فَطَمِعَ هَؤُلَاءِ (1) فِي هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِين َ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَ ةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ (2) فِي أُصُولِهِمْ، وَأَقَامُوا (3) الشَّنَاعَةَ عَلَى أَهْلِ الْمِلَلِ بِسَبَبِ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِي نَ وَالْمُبْتَدِعِ ينَ (4) ، وَظَنُّوا أَنْ لَا قَوْلَ إِلَّا قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِين َ، أَوْ قَوْلُ أُولَئِكَ الْفَلَاسِفَةِ الْمُلْحِدِينَ (5) ، وَرَأَوْا أَنَّ الْعَقْلَ يُفْسِدُ قَوْلَ هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِين َ، وَرَأَوُا السَّمْعَ إِلَى هَؤُلَاءِ الْمُبْتَدِعِين َ أَقْرَبَ وَعَنِ الْمُلْحِدِينَ أَبْعَدَ،
    فَقَالُوا:
    إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ ضَرَبُوا الْأَمْثَالَ وَخَيَّلُوا، وَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْإِخْبَارُ بِالْحَقَائِقِ. وَدَخَلُوا مِنْ بَابِ الْإِلْحَادِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ بِحَسَبِ مَا أَنْكَرُوهُ مِنَ السَّمْعِيَّاتِ ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ الْفَلَاسِفَةُ الَّذِينَ نَفَوْا صِفَاتِ الرَّبِّ وَأَفْعَالِهِ الْقَائِمَةِ بِهِ - الَّذِينَ قَبْلَ هَؤُلَاءِ - أَعْظَمَ إِلْحَادًا وَتَحْرِيفًا لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الصِّفَاتِ وَالْأُمُورَ الِاخْتِيَارِيّ َةَ الْقَائِمَةَ بِهِ، وَقَالُوا مَعَ ذَلِكَ (6) بِقِدَمِ الْعَالَمِ.
    وَكِلْتَا (7) الطَّائِفَتَيْن ِ خَرَجَتْ عَنْ صَرِيحِ الْمَعْقُولِ، كَمَا خَرَجَتْ عَنْ صَحِيحِ الْمَنْقُولِ، بِحَسَبِ مَا أَخْطَأَتْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ كَانَ ذَلِكَ أَدْعَى لَهُ إِلَى قَبُولِ غَيْرِهِ، وَكَانَ يَلْزَمُهُ مِنْ قَبُولِهِ مَا لَمْ يَلْزَمْ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ الْحَقَّ، وَكَانَ الْقَوْلُ بِنَفْيِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ


    (1) الَّذِينَ يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ. .
    (2) ن، م: وَمَنْ تَبِعَهُمْ.
    (3) ن، م: وَإِقَامَةُ.
    (4) م، ا، ب: الْمُتَكَلِّمِي نَ الْمُبْتَدِعِين َ.
    (5) الَّذِينَ يُنْكِرُونَ النُّبُوَّاتِ مِنْ أَمْثَالِ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ وَأَبِي زَكَرِيَّا الرَّازِيِّ.
    (6) ن، م: مَعَ هَذَا.
    (7) ن، م، ا: وَكُلًّا، وَهُوَ خَطَأٌ.
    ****************************** *
    الْقَائِمَةِ بِالرَّبِّ بِاخْتِيَارِهِ (1) يُنَافِي كَوْنَهُ فَاعِلًا وَمُحْدَثًا.
    وَلِهَذَا لَمَّا ذَكَرَ ابْنُ سِينَا فِي " إِشَارَاتِهِ " أَقْوَالَ الْقَائِلِينَ بِالْقِدَمِ وَالْحُدُوثِ، لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا قَوْلَ مَنْ أَثْبَتَ قُدَمَاءَ مَعَ اللَّهِ [تَعَالَى] (2) غَيْرَ مَعْلُولَةٍ، كَالْقَوْلِ الَّذِي يُحْكَى عَنْ ذِيمُقَرَاطِيسَ بِالْقُدَمَاءِ الْخَمْسَةِ - وَاخْتَارَهُ ابْنُ زَكَرِيَّا الْمُتَطَبِّبُ (3) وَقَوْلُ الْمَجُوسِ الْقَائِلِينَ بِأَصْلَيْنِ قَدِيمَيْنِ، وَقَوْلُ الْمُتَكَلِّمِي نَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ، وَقَوْلُ أَصْحَابِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ أَئِمَّةِ الْمِلَلِ وَلَا أَئِمَّةِ الْفَلَاسِفَةِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا مَا يَقُومُ بِالرَّبِّ مِنَ الْأُمُورِ الِاخْتِيَارِيّ َةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا [بِمَشِيئَتِهِ] (4)
    إِذَا شَاءَ فِعَالًا بِمَشِيئَتِهِ، وَذَكَرَ حُجَجَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ، ثُمَّ أَمَرَ النَّاظِرَ (5) أَنْ يَخْتَارَ أَيَّ الْقَوْلَيْنِ تُرَجِّحُ، مَعَ تَمَسُّكِهِ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ عِنْدَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ، فَإِنَّ هَذَا جَعَلَهُ أَصْلًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُصُومِهِ (6) .
    وَاعْتَرَضَ (7) عَلَيْهِ الرَّازِيُّ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الصِّفَاتِ لَا تَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ. وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ الرَّازِيُّ، بَلْ نَفْيُ الصِّفَاتِ مِمَّا يُقَوِّي شُبْهَةَ


    (1) ، ب: وَاخْتِيَارُهُ.
    (2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
    (3) الْمُتَطَبِّبُ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
    (4) بِمَشِيئَتِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
    (5) ا (فَقَطْ) : الْمَنَاظِرَ.
    (6) انْظُرِ ابْنَ سِينَا: الْإِشَارَاتِ وَالتَّنْبِيهَا تِ 3/122 - 132 حَيْثُ يَعْرِضُ لِلْمَذَاهِبِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي مَسْأَلَةِ قِدَمِ الْعَالَمِ، ثُمَّ يَقُولُ (ص [0 - 9] 32) : " فَهَذِهِ هِيَ الْمَذَاهِبُ وَإِلَيْكَ الِاعْتِبَارُ بِعَقْلِكَ دُونَ هَوَاكَ بَعْدَ أَنْ تَجْعَلَ وَاجِبَ الْوُجُودِ وَاحِدًا ". انْظُرْ تَعْلِيقَ الْمُحَقِّقِ وَشَرْحَ الطُّوسِيِّ (ص [0 - 9] 32 - 143) .
    (7) ن، م: وَأَعْرَضَ.
    ****************************** ***********


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (51)
    صـ 354 إلى صـ 360


    الْقَائِلِينَ بِالْقِدَمِ، وَمَعَ (1) إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ الْقَائِمَةِ بِهِ يَتَبَيَّنُ فَسَادُ أَدِلَّتِهِمْ إِلَى الْغَايَةِ، بَلْ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، مَعَ [أَنَّ] (2) نَفْيَ الصِّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهِ، أَكْثَرَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِ مُنَازِعِيهِ.
    وَلَكِنَّ ابْنَ سِينَا نَشَأَ بَيْنَ (* الْمُتَكَلِّمِي نَ النُّفَاةِ لِلصِّفَاتِ، وَابْنُ رُشْدٍ نَشَأَ بَيْنَ الْكُلَّابِيَّة ِ، وَأَبُو الْبَرَكَاتِ نَشَأَ بِبَغْدَادَ بَيْنَ *) (3) عُلَمَاءِ السُّنَّةِ [وَالْحَدِيثِ] (4) ، فَكَانَ كُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ بُعْدُهُ عَنِ الْحَقِّ بِحَسَبِ بُعْدِهِ عَنْ مَعْرِفَةِ آثَارِ الرُّسُلِ، وَقُرْبِهِ مِنَ الْحَقِّ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنْ ذَلِكَ.
    وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَ ةُ رَأَوْا مَا قَالَهُ أُولَئِكَ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ بَاطِلًا، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ إِذَا أَبْطَلُوا قَوْلَ هَؤُلَاءِ بَقِيَ قَوْلُهُمْ، وَجَعَلُوا الْقَوْلَ بِدَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ مُجْمَلًا،
    كَمَا جَعَلَ أُولَئِكَ قَوْلَهُمْ:
    " إِنَّ مَا لَا يَسْبِقُ الْحَوَادِثَ فَهُوَ حَادِثٌ " مُجْمَلًا، فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ أَوْجَبَ [أَنْ] (5) ظَنَّ كَثِيرٌ مِمَّنْ سَمِعَ قَوْلَ هَؤُلَاءِ امْتِنَاعَ كَوْنِ الرَّبِّ [تَعَالَى] (6) لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ، إِذْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّوْعِ وَالْعَيْنِ، وَقَوْلُ أُولَئِكَ أَوْجَبَ أَنْ ظَنَّ كَثِيرٌ [مِمَّنْ] (7) سَمِعَ قَوْلَهُمْ دَوَامَ الْفَلَكِ أَوْ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، إِذْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّوْعِ وَالْعَيْنِ أَيْضًا.

    (1) ن، م: بِالْقِدَمِ مَعَ. .
    (2) أَنَّ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
    (3) مَا بَيْنَ النَّجْمَتَيْنِ سَاقِطٌ مِنْ (م) فَقَطْ.
    (4) وَالْحَدِيثِ: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
    (5) أَنْ: زِيَادَةٌ فِي (ب) فَقَطْ.
    (6) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
    (7) مِمَّنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
    ****************************** *******
    ودوام الفاعلية (* مجمل يراد به دوام الفاعلية المعينة، ودوام الفاعلية *) (1) المطلقة، ودوام الفاعلية (2) العامة.
    ومعلوم أن دوام الفاعلية العامة وهو دوام (3) المفعولات كلها مما لا يقوله عاقل، ودوام الفاعلية المعينة لمفعول معين مما ليس لهم عليه دليل أصلا، بل الأدلة العقلية تنفيه كما نفته (4) الأدلة السمعية.
    وأما دوام الفاعلية المطلقة فهذه لا تثبت قولهم، بل إنما تثبت خطأ أولئك النفاة الذين خاصموهم من أهل الكلام والفلسفة، ولا يلزم من بطلان هذا القول صحة [القول] (5) الآخر إلا إذا لم يكن إلا هذان القولان. فأما إذا كان هناك قول ثالث لم يلزم صحة أحد القولين، فكيف إذا كان ذلك الثالث هو موجب الأدلة العقلية والنقلية؟ !
    والمقصود هنا:
    أن كلتا (6) الطائفتين التي قالت بقدم الأفلاك ملحدة، سواء قالت بقيام الصفات والأفعال بالرب أو لم تقل ذلك، فهؤلاء الفلاسفة مع كونهم متفاضلين في الخطأ والصواب في العلوم الإلاهية، إنما ردهم المتوجه (7) لهم على (8) البدع التي أحدثها من أحدثها من أهل الكلام، (* ونسبوها إلى الملة.


    (1) ما بين النجمتين ساقط من (م) فقط.
    (2) عبارة " ودوام الفاعلية ": ساقطة من (ب) فقط.
    (3) ن، م: العامة ودوام.
    (4) ن، م: تنفيه.
    (5) القول: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (6) ن، م: كلا؛ أ: كلام.
    (7) ن، م: المترجمة، وهو تحريف.
    (8) على: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    ****************************** ***
    وأولئك المتفلسفة أبعد عن معرفة الملة من أهل الكلام *) (1) ، فمنهم من ظن أن ذلك من الملة، ومنهم من كان أخبر بالسمعيات من غيره، فجعلوا يردون من كلام المتكلمين ما لم يكن معهم فيه سمع،
    وما كان معهم فيه سمع كانوا فيه على أحد قولين:
    إما أن يقروه باطنا وظاهرا إن وافق معقولهم، وإلا ألحقوه بأمثاله وقالوا: إن الرسل تكلمت به (2) على سبيل التمثيل والتخييل للحاجة.
    وابن رشد ونحوه يسلكون هذه الطريقة، ولهذا كان هؤلاء أقرب إلى الإسلام من ابن سينا وأمثاله، وكانوا في العمليات أكثر محافظة لحدود الشرع من أولئك الذين يتركون واجبات الإسلام ويستحلون محرماته، وإن كان في كل من هؤلاء من الإلحاد والتحريف بحسب ما خالف به الكتاب والسنة، ولهم من الصواب والحكمة بحسب ما وافقوا فيه ذلك.ولهذا كان ابن رشد في مسألة حدوث العالم ومعاد الأبدان مظهرا للوقف ومسوغا للقولين، وإن كان باطنه إلى قول سلفه أميل.
    وقد رد على أبي حامد في " تهافت التهافت " ردا أخطأ في كثير منه، والصواب مع أبي حامد، وبعضه جعله من كلام ابن سينا لا من كلام سلفه، وجعل الخطأ فيه من ابن سينا، وبعضه استطال فيه على أبي حامد ونسبه فيه إلى قلة الإنصاف؛ لكونه بناه على أصول كلامية فاسدة، مثل كون الرب لا يفعل شيئا بسبب ولا لحكمة، وكون القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح، وبعضه حار فيه جميعا لاشتباه المقام.


    (1) ما بين النجمتين ساقط من (م) فقط.
    (2) به: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    ****************************** ****
    وقد تكلمت على ذلك، وبينت تحقيق ما قاله أبوحامد [في ذلك] (1) من الصواب الموافق لأصول الإسلام، وخطأ ما خالفه من كلام ابن رشد وغيره من الفلاسفة، وأن ما قالوه من الحق الموافق للكتاب والسنة لا يرد بل يقبل، وما قصر فيه أبو حامد من إفساد أقوالهم الفاسدة فيمكن رده بطريق أخرى يعان بها أبو حامد على قصده الصحيح، وإن كان هذا وأمثاله إنما استطالوا عليه بما وافقهم عليه من أصول فاسدة، وبما (2) يوجد في كتبه من الكلام الموافق لأصولهم، وجعل هذا وأمثاله ينشدون فيه (3)يوما يمان إذا ما جئت ذا يمن ... وإن لقيت معديا فعدناني (4) ولهذا جعلوا (5) كثيرا من كلامه برزخا بين المسلمين والفلاسفة المشائين، فالمسلم يتفلسف به على طريقة المشائين تفلسف مسلم، والفيلسوف يسلم به إسلام فيلسوف، فلا يكون مسلما محضا ولا فيلسوفا محضا على طريقة المشائين.
    وأما نفي الفلسفة مطلقا أو إثباتها فلا يمكن، إذ ليس للفلاسفة مذهب معين ينصرونه، ولا قول يتفقون عليه في الإلهيات والمعاد والنبوات والشرائع، بل وفي الطبيعيات والرياضيات، بل ولا في كثير من المنطق، ولا يتفقون إلا على ما يتفق عليه جميع بني آدم من الحسيات المشاهدة


    (1) في ذلك: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (2) ا، ب: وربما، وهو تحريف.
    (3) م (فقط) : مما ينشدون فيه.
    (4) ا، ب: وإن أتيت. والبيت ذكره ابن رشد في فصل المقال، ص [0 - 9] 1، طبعة جوتييه، الجزائر، 1938 (الطبعة الثالثة) وفيه: إذا لاقيت. من شعر عمران بن حطين وهو في الكامل للمبرد والشريشي في شرح المقامات.
    (5) ن، م: جعل.
    ****************************
    والعقليات التي لا ينازع فيها أحد.
    ومن حكى عن [جميع] (1) الفلاسفة قولا واحدا في هذه الأجناس، فإنه غير عالم بأصنافهم واختلاف مقالاتهم، بل حسبه النظر في طريقة المشائين أصحاب أرسطو كثامسطيوس والإسكندر الأفروديسي (2) وبرقلس (3) من القدماء، وكالفارابي وابن سينا والسهروردي المقتول وابن رشد الحفيد وأبي البركات ونحوهم من المتأخرين.
    وإن كان لكل من هؤلاء في الإلهيات والنبوات والمعاد قول لا ينقل عن سلفه المتقدمين، إذ ليس لهم في هذا الباب علم تستفيده الأتباع، وإنما عامة علم القوم في الطبيعيات، فهناك يسرحون ويتبجحون، وبه بنحوه (4) عظم من عظم أرسطو، واتبعوه؛ لكثرة كلامه في الطبيعيات وصوابه في أكثر ذلك، فأما (5) الإلهيات فهو وأتباعه من أبعد الناس عن معرفتها.وجميع ما يوجد في كلام هؤلاء وغيرهم من العقليات الصحيحة ليس فيه ما يدل على خلاف ما أخبرت به الرسل، وليس لهم أصلا دليل ظني فضلا عن قطعي على قدم الأفلاك، بل ولا على قدم شيء منها، وإنما عامة أدلتهم أمور مجملة تدل على الأنواع العامة، لا تدل على قدم شيء بعينه من العالم.
    فما أخبرت به الرسل أن الله خلقه:
    كإخبارها أن الله


    (1) جميع: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (2) ن، م: الأفريدوسي؛ ا، ب: الأفرديوسي. والصواب ما أثبتناه، وانظر ما سبق أن ذكرناه (ص [0 - 9] 70 ت [0 - 9] ) .
    (3) ن: ترفلس؛ ا، ب: برقس، وهو تحريف.
    (4) ا، ب:. . يسرحون ويتبجحون به. وبنحوه. .؛ م:. . يسرحون ويتبجحون فيه وبنحوه.
    (5) ن، م: وأما.
    ****************************
    خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام، لا يقدر أحد من الناس أن يقيم دليلا عقليا صحيحا على نفي ذلك.
    وأما الكلام الذي يستدل به المتكلمون في الرد على هؤلاء وغيرهم فمنه صواب ومنه خطأ، ومنه ما يوافق الشرع والعقل ومنه ما يخالف ذلك. وبكل حال فهم أحذق في النظر والمناظرة والعلوم الكلية الصادقة وأعلم بالمعقولات المتعلقة بالإلهيات (1) ، وأكثر صوابا وأسد قولا من هؤلاء المتفلسفة، والمتفلسفة في الطبيعيات والرياضيات (2) أحذق ممن لم يعرفها كمعرفتهم، مع ما فيها من الخطأ.
    والمقصود هنا أن يقال لأئمتهم وحذاقهم الذين ارتفعت عقولهم ومعارفهم في الإلهيات عن كلام أرسطو وأتباعه، وكلام ابن سينا وأمثاله: ما الموجب أولا لقولكم بقدم شيء من العالم، وأنتم لا دليل لكم على قدم شيء من ذلك؟ .
    وأصل الفلسفة عندكم مبني على الإنصاف واتباع العلم (3) ، والفيلسوف هو محب الحكمة، والفلسفة محبة الحكمة، وأنتم إذا نظرتم في كلام كل من تكلم في هذا الباب وفي غير ذلك لم تجدوا في ذلك ما يدل على قدم شيء من العالم، مع علمكم أن جمهور العالم من جميع الطوائف يقولون بأن كل ما سوى الله مخلوق كائن بعد أن لم يكن: وهذا قول الرسل وأتباعهم من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم.


    (1) ن، م، ا: بالإلهية. والمثبت من (ب) .
    (2) ن، م: والإلهيات، وهو خطأ.
    (3) ن، م: واتباع العالم.
    ******************************
    [قول أكثر الفلاسفة بتقدم مادة العالم على صورته]
    وذلك (1) القول بحدوث هذا العالم هو قول أساطين الفلاسفة الذين كانوا قبل أرسطو، بل هم يذكرون أن أرسطو أول من صرح بقدم الأفلاك،
    وأن المتقدمين قبله من الأساطين كانوا يقولون:
    إن هذا العالم محدث: إما بصورته فقط، وإما بمادته وصورته، وأكثرهم يقولون بتقدم (2) مادة هذا العالم على صورته.وهذا (3) موافق لما أخبرت به الرسل [صلوات الله عليهم] (4) ،
    فإن الله أخبر أنه:
    {خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء} [سورة هود: 7] (5) .
    وأخبر أنه: {استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين} [سورة فصلت: 11] .
    وقد ثبت (6) في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه (7) على الماء " (8) .


    (1) ا، ب: وكذلك.
    (2) ا (فقط) : بتقديم.
    (3) ا، ب: وهو.
    (4) صلوات الله عليهم: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (5) ن، م: أخبر بخلق السماوات. . على الماء.
    (6) ن، م: وثبت.
    (7) ا، ب: وعرشه.
    (8) الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - في: مسلم 4/44. (كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى - عليهما السلام -؛ سنن الترمذي (ط. المدينة المنورة) 3/311 (كتاب القدر، باب ما جاء في الرضا بالقضاء) ؛ المسند (ط. المعارف) 10/114 (عن أبي عبد الرحمن الحبلي) .
    ****************************** ***




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  14. #54
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (52)
    صـ 361 إلى صـ 367


    وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره عن عمران بن حصين - رضي الله عنه - (1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السماوات والأرض» "، وفي رواية:
    «ثم خلق السماوات والأرض» (2) . والآثار متواترة عن الصحابة والتابعين بما يوافق القرآن والسنة من أن الله خلق السماوات من بخار الماء الذي سماه [الله] (3) دخانا.وقد تكلم علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في أول هذه المخلوقات على قولين حكاهما الحافظ أبو العلاء الهمداني (4) وغيره.
    أحدهما: أنه هو العرش،
    والثاني:
    أنه هو القلم. ورجحوا القول الأول لما دل عليه الكتاب والسنة أن الله تعالى لما قدر مقادير الخلائق بالقلم الذي أمره أن يكتب في اللوح كان عرشه على الماء، فكان العرش مخلوقا قبل القلم.
    قالوا والآثار المروية أن:
    " «أول ما خلق الله

    (1) ن، م: وثبت في البخاري وغيره عن عمران بن حصين.
    (2) الحديث مع اختلاف في الألفاظ عن عمران بن حصين في البخاري 9/124 (كتاب التوحيد، باب وكان عرشه على الماء وهو رب العرش العظيم) ، 4/105 - 106 (كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده) ؛ المسند (ط. الحلبي) 4/431، 432، 433، 436؛ سنن الترمذي (مختصرا) 5/389 (كتاب المناقب، باب في مناقب ثقيف وبني حنيفة) .
    (3) لفظ الجلالة: ليس في (ن) ، (م) .
    (4) هو شيخ الإسلام محمد بن سهل العطار شيخ همدان. له تصانيف منها " زاد المسافر " في خمسين مجلدا، توفي سنة 569. ترجمته في تذكرة الحفاظ للذهبي (حيدر أباد، سنة 1334) 4/114 - 117.
    ****************************** ******
    القلم» " (1) ، معناها من هذا العالم. وقد أخبر الله أنه خلقه في ستة أيام، فكان حين خلقه زمن يقدر به (2) خلقه ينفصل إلى أيام، فعلم أن الزمان كان موجودا قبل أن يخلق الله الشمس والقمر، ويخلق في هذا العالم الليل والنهار.
    وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في خطبته عام حجة الوداع:
    " «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم: ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان» (3) ". وفي


    (1) الحديث عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - في: سنن أبي داود 4/311 (كتاب السنة، باب في القدر) ونصه: ". . قال عبادة بن الصامت لابنه. . سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب. قال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة " يا بني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من مات على غير هذا فليس مني ". وجاء الحديث عنه - رضي الله عنه - في سنن الترمذي في موضعين 3/310 - 311 (كتاب القدر، باب منه) وقال الترمذي: " هذا حديث غريب "، 5/96 (كتاب التفسير، سورة ن والقلم) وقال الترمذي " هذا حديث حسن صحيح غريب وفيه ابن عباس ". والحديث أيضا في المسند (ط. الحلبي) 5/317.
    (2) ن، م: زمن بقدرته.
    (3) هذا جزء من حديث طويل عن أبي بكرة - رضي الله عنه - في البخاري في عدة مواضع منها: 9/133 (كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة) ، 7/100 (كتاب الأضاحي، باب من قال الأضحى يوم النحر) ، 4/107 (كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في سبع أرضين) وأول الحديث فيه: " الزمان قد استدار "؛ مسلم 3/1305 - 1306 (كتاب القسامة، باب تغليظ تحريم الدماء. .) وأول الحديث فيه: " إن الزمان. . "؛ سنن أبي داود 2/265 (كتاب المناسك، باب الأشهر الحرم) ؛ المسند (ط. الحلبي) 5/37 وأول الحديث فيه: " ألا إن الزمان. . ".
    ****************************** ******
    الصحيح عن عمر [بن الخطاب] رضي الله عنه (1) قال: «خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطبة فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم» (2) .
    وهكذا في التوراة (3) [ما يوافق] (4) خبر الله (5) في القرآن، وأن الأرض كانت مغمورة بالماء، والهواء يهب (6) فوق الماء، وأن في أول الأمر خلق الله السماوات والأرض، وأنه خلق ذلك في أيام.
    ولهذا قال من قال من علماء أهل الكتاب:
    ما ذكره الله في التوراة يدل على أنه خلق هذا العالم من مادة أخرى، وأنه خلق ذلك في زمان (7) قبل أن يخلق الشمس والقمر.
    وليس فيما أخبر [الله تعالى] به (8) في القرآن وغيره أنه خلق السماوات والأرض من غير مادة، ولا أنه خلق الإنس أو الجن أو الملائكة (9) من غير مادة، بل يخبر الله أنه خلق ذلك من مادة، وإن كانت المادة مخلوقة من مادة أخرى، كما خلق الإنس (10) من آدم وخلق آدم من طين، وفي صحيح


    (1) ن: عن ابن عمر - رضي الله عنه -؛ م: عن عمر - رضي الله عنه -.
    (2) الحديث عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في: البخاري 4/106 (كتاب بدء الخلق، الباب الأول) .
    (3) ن، م: وهكذا في التورية؛ ا: وهذا في التوراة؛ ب: هذا وفي التوراة.
    (4) ما يوافق: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (5) م (فقط) : كما أخبر الله.
    (6) يهب: ساقطة من (م) فقط.
    (7) ا، ب: أزمان.
    (8) ن، م: أخبر به.
    (9) ن، ا: الإنسان أو الجن أو الملائكة؛ م: الإنسان والجن والملائكة. والمثبت من (ب) .
    (10) م (فقط) : الإنسان.
    ****************************** **
    مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " «خلقت الملائكة من نور، وخلقت الجان من مارج من نار (1) ، وخلق آدم مما وصف لكم» " (2) .والمقصود هنا أن المنقول عن أساطين الفلاسفة القدماء لا يخالف ما أخبرت به الأنبياء من خلق هذا العالم من مادة، بل المنقول عنهم أن هذا العالم محدث كائن بعد أن لم يكن.
    وأما قولهم في تلك المادة: هل هي قديمة الأعيان، أو محدثة بعد أن لم تكن، أو محدثة من مادة أخرى بعد مادة؟ قد تضطرب النقول عنهم في هذا الباب، والله أعلم بحقيقة ما يقوله كل من هؤلاء، فإنها أمة عربت كتبهم، ونقلت من لسان إلى لسان، وفي مثل ذلك قد يدخل من الغلط والكذب ما لا يعلم حقيقته.
    ولكن ما تواطأت به النقول عنهم يبقى (3) مثل المتواتر، وليس لنا غرض معين (4) في معرفة قول كل واحد منهم، بل: {تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون} . [سورة البقرة: 134، 141] .
    [ضلال أرسطو وأتباعه وشركهم]لكن الذي لا ريب فيه أن [هؤلاء] (5) أصحاب التعاليم كأرسطو وأتباعه كانوا مشركين يعبدون المخلوقات، ولا يعرفون النبوات ولا المعاد البدني، وأن اليهود والنصارى خير منهم في الإلهيات والنبوات والمعاد.


    (1) م، ن، ا: وخلقت الجان من نار.
    (2) الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - في: مسلم 4/2294 (كتاب الزهد والرقائق، باب في أحاديث متفرقة) ؛ المسند (ط. الحلبي) 6/153، 168.
    (3) ن: بنفي؛ ا: ينفي، وهو تحريف.
    (4) معين: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (5) هؤلاء: ساقطة من (ن) ، (م) .
    ****************************
    وإذا عرف أن نفس فلسفتهم توجب عليهم أن لا يقولوا بقدم شيء من العالم، علم أنهم مخالفون لصريح المعقول، كما أنهم مخالفون لصحيح المنقول، وأنهم في تبديل القواعد الصحيحة المعقولة من جنس اليهود والنصارى في تبديل ما جاءت به الرسل، وهذا هو المقصود في هذا الباب.
    ثم إنه إذا قدر أنه (1) ليس عندهم من المعقول ما يعرفون به أحد الطرفين، فيكفي في ذلك إخبار الرسل باتفاقهم عن خلق السماوات والأرض وحدوث هذا العالم، والفلسفة الصحيحة المبنية على المعقولات المحضة توجب عليهم تصديق الرسل فيما أخبرت به (2) ، وتبين أنهم علموا ذلك بطريق يعجزون عنها، وأنهم أعلم بالأمور الإلهية والمعاد وما يسعد النفوس (3) ويشقيها منهم، وتدلهم على أن من اتبع الرسل كان سعيدا في الآخرة، ومن كذبهم كان شقيا في الآخرة، وأنه لو علم الرجل من الطبيعيات والرياضيات ما عسى أن يعلم وخرج عن دين الرسل كان شقيا، وأن من أطاع الله ورسوله بحسب طاقته كان سعيدا في الآخرة وإن لم يعلم شيئا من ذلك.
    ولكن (4) سلفهم أكثروا الكلام في ذلك؛ لأنهم لم يكن عندهم من آثار الرسل ما يهتدون به إلى توحيد الله وعبادته وما ينفع في الآخرة، وكان


    (1) عبارة: " إذا قدر أنه ": ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (2) ا، ب: فيما أخبروا به.
    (3) ا، ب: النفس.
    (4) ن، م: لكن.
    ****************************** **
    الشرك مستحوذا عليهم بسبب السحر والأحوال الشيطانية، وكانوا ينفقون أعمارهم في رصد الكواكب ليستعينوا بذلك على السحر والشرك، وكذلك الأمور الطبيعية.
    وكان منتهى عقلهم أمورا عقلية كلية، كالعلم بالوجود المطلق (* وانقسامه إلى علة ومعلول وجوهر وعرض، وتقسيم الجواهر، ثم تقسيم الأعراض. وهذا هو عندهم الحكمة العليا والفلسفة الأولى، ومنتهى ذلك العلم بالوجود المطلق *) (1) الذي لا يوجد إلا في الأذهان دون الأعيان.
    ومن هنا دخل من سلك مسلكهم من المتصوفة المتفلسفة كابن عربي (2) وابن سبعين (3) والتلمساني (4) وغيرهم، فكان منتهى معرفتهم


    (1) ما بين النجمتين ساقط من (م) فقط.
    (2) هو أبو بكر محيي الدين محمد بن علي بن محمد الحاتمي الطائي الأندلسي، المعروف بابن عربي، والملقب عند الصوفية بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر وغير ذلك. انظر ترجمته في: نفح الطيب 2/361 - 348؛ شذرات الذهب 5/190 - 202؛ طبقات الشعراني 1/163؛ ميزان الاعتدال 3/659 - 660؛ لسان الميزان 5/311 - 315؛ فوات الوفيات 3/478 - 482؛ الأعلام 7/170 - 171 وانظر كتاب " ابن عربي " لآسين بلاثيوس، ترجمة د. عبد الرحمن بدوي، ط. الأنجلو، القاهرة، 1965؛ مناقب ابن عربي لإبراهيم بن عبد الله القارئ، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، بيروت، 1959؛ تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي للبقاعي مصرع التصوف، تحقيق عبد الرحمن الوكيل، ط. السنة المحمدية القاهرة، 1373/1953.
    (3) أبو محمد عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر المعروف بابن سبعين، ولد سنة 613 وتوفي سنة 669. انظر ترجمته في: شذرات الذهب 5/329 - 330؛ الطبقات الكبرى للشعراني 1/177؛ لسان الميزان 3/392؛ فوات الوفيات 1/516 - 518؛ نفح الطيب 2/395 - 406؛ الأعلام 4/51. وانظر رسائل ابن سبعين، تحقيق د. عبد الرحمن بدوي، القاهرة 1965.
    (4) ن، م: " ابن سبعين التلمساني " وهو خطأ. وهو عفيف الدين سليمان بن عبد الله علي الكوفي التلمساني، انظر ترجمته في: فوات الوفيات 1/363 - 366، وفيه: " كان كوفي الأصل، وكان يدعي العرفان، قال قطب الدين اليونيني: رأيت جماعة ينسبونه إلى رقة الدين، والميل إلى مذهب النصيرية "؛ البداية والنهاية 13/326؛ النجوم الزاهرة، 8/29 - 31؛ الأعلام 3/193 (وذكر من مؤلفاته شرح مواقف النغرى والصواب: النفرى) ووفاته سنة 69.
    ****************************** *****
    الوجود المطلق. ثم ظن من ظن منهم أن ذلك هو الوجود الواجب، وفي ذلك (1) من الضلال ما قد بسط في غير هذا الموضع (2) .وجعلوا غاية سعادة النفس أن تصير عالما معقولا (3) مطابقا للعالم الموجود، وليس في ذلك إلا مجرد علوم مطلقة، ليس فيها علم بموجود معين، لا بالله ولا بالملائكة ولا بغير ذلك.
    وليس فيها محبة لله ولا عبادة لله (4) فليس فيها علم نافع، ولا عمل صالح، ولا ما ينجي النفوس من عذاب الله (5) فضلا على أن يوجب لها السعادة.
    وهذا مبسوط في غير هذا الموضع (6) ، وإنما جاء ذكره هنا بالعرض؛ لننبه على أن من عدل عن طريق المرسلين فليس معه في خلافهم لا معقول صريح، ولا منقول صحيح، وأن من قال بقدم العالم أو شيء منه، فليس معه إلا مجرد الجهل والاعتقاد الذي لا دليل عليه، وهذا الخطاب كاف في هذا الباب، وتفصيله مذكور في غير هذا الموضع.
    وقد سلك هذا المسلك غير واحد من أهل الملل المسلمين واليهود


    (1) ن: الواجب في ذلك:؛ م: الواجب وذلك
    (2) ن، م: بسط في موضعه.
    (3) ن، م: مفعولا، وهو تحريف.
    (4) ن، م: محبة الله ولا عبادته.
    (5) ن، م: من العذاب.
    (6) ن، م: مبسوط في موضعه.
    ****************************** ****



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله



    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (53)
    صـ 368 إلى صـ 374

    [أدلة السمع على حدوث العالم لا يمكن تأويلها]
    والنصارى (1) وغيرهم، فبينوا فساد ما سلكه (2) القائلون بقدم العالم من العقليات، وذكروا الحجج المنقولة عن أرسطو وغيره واحدة واحدة، وبينوا فسادها،
    ثم قالوا: نتلقى هذه المسألة (3) من السمع، فالرسل قد أخبرت بما لا يقوم دليل [عقلي] (4) على نقيضه، فوجب تصديقهم في هذا.
    ولم يمكن تأويل ذلك لوجوه:
    أحدها: أنه قد علم بالاضطرار مرادهم، فليس في تأويل ذلك إلا التكذيب المحض للرسل.
    والثاني:
    أن هذا متفق عليه بين أهل الملل، سلفهم وخلفهم، باطنا وظاهرا، فيمتنع مع هذا أن تكون الرسل كانت مضمرة لخلاف ذلك، كما يقوله [من يقوله] (5) من هؤلاء الباطنية.
    الثالث:
    أنه ليس في العقل ما ينافي ذلك، بل كل ما ينافيه من المعقولات فهو فاسد يعلم فساده بصريح العقل.
    الرابع: أن في العقليات ما يصدق ذلك، ثم كل منهم يسلك في ذلك ما تيسر له من العقليات.
    الخامس:
    أنه معلوم بالفطرة [والضرورة] (6) أنه لا بد من محدث

    (1) والنصارى: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (2) ا، ب: ما سلك.
    (3) ا، ب: الملة، وهو تحريف.
    (4) عقلي: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (5) عبارة " من يقوله ": ساقطة من (ن) ، (م) .
    (6) والضرورة: ساقطة من (ن) ، (م) .
    ******************************
    للمحدثات، وفاعل للمصنوعات، وأن كون (1) المفعول [مقارنا لفاعله لم يزل ولا يزال معه ممتنع في فطر العقول. وهذا مما يحتج به على هؤلاء، كما قد بسط في موضعه، فإنه إذا بين لهم فساد قول إخوانهم، وتبين لهم أن الفاعل لا بد أن يقوم به من الأحوال مما يصير به فاعلا، امتنع مع هذا أن يكون مفعوله المعين] (2) مقارنا له أزلا (3) وأبدا، فإن هذا إخراج له عن أن يكون مفعولا له.
    السادس: أن يقال لهؤلاء وهؤلاء جميعا: أصل ما أنتم عليه الرجوع إلى الوجود، والفلسفة معرفة الوجود على ما هو عليه، والفلسفة الحقيقية هي العلوم الوجودية التي بها يعرف الوجود، وأنتم لا تثبتون [شيئا] (4) في الغالب إلا بقياس:
    إما شمولي وإما تمثيلي، فهل علمتم فاعلا يلزمه مفعوله أو يقارنه (5) في زمانه لا يحدث شيئا فشيئا، سواء كان فاعلا بالإرادة أو بالطبع؟ .
    وهل علمتم فاعلا لم يزل (6) موجبا لمفعوله، ولم يزل مفعوله معلولا له؟ فهذا شيء لا تعقلونه أنتم ولا غيركم، فكيف تثبتون بالمعقول (7) ما لا يعقل أصلا معينا، فضلا عن أن يعقل مطلقا (8) ؟ والمطلق فرع


    (1) ا (فقط) : وإن كان.
    (2) ما بين المعقوفتين ساقط من (م) ، (ن) .
    (3) ن، م: مقارنا لفاعله أزلا. .، وهو خطأ.
    (4) شيئا: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (5) م: أو يقاربه؛ ا، ب: ويقارنه.
    (6) ن، م: وهل علمتم أنه لم يزل.
    (7) ب (فقط) : بالعقول.
    (8) ا، ب: عن أن يكون مطلقا.
    ****************************** *******
    المعين، فما لا يكون موجودا معينا لا يعقل لا معينا ولا مطلقا، ولكن يقدر تقديرا في الذهن كما تقدر الممتنعات.يبين ذلك أن العلم بكون الشيء ممكنا في الخارج يكون العلم بوجوده، أو بوجود ما ذلك الشيء أولى بالوجود منه،
    كما يذكره الله في كتابه في تقرير إمكان المعاد كقوله:
    {لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس} [سورة غافر: 57] ،
    وقوله:
    {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [سورة الروم: 27] ،
    وقوله:
    {ألم يك نطفة من مني يمنى - ثم كان علقة فخلق فسوى - فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى - أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى} [سورة القيامة: 37، 40] (1) ،
    وقوله:
    {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير} [سورة الأحقاف: 33] ،
    وقوله:
    {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه} [سورة يس: 78] إلى قوله: {أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى} [سورة يس: 81] ، وأمثال ذلك مما يدل على أن إعادة الخلق أولى بالإمكان من ابتدائه، وخلق الصغير أولى بالإمكان من خلق العظيم. فأما ما لا (2) يعلم أنه ممكن إذا عرض على العقل ولم يعلم امتناعه، فإمكانه ذهني، بمعنى عدم العلم بالامتناع، ليس إمكانه خارجيا، بمعنى العلم بالإمكان في الخارج.
    ولهذا ما تذكره طائفة من النظار كالآمدي وغيره: إذا أراد أن يقرر


    (1) آية (40) من سورة القيامة لم ترد في [ن] ، [م] .
    (2) لا: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    ****************************** ****
    إمكان الشيء بأنه لو قدر وجوده لم يلزم منه محال، مجرد دعوى.
    وغايته أن يقول: لا نعلم أنه يلزم منه محال، وعدم [العلم] (1) ليس علما بالعدم (2) ، فهؤلاء إذا أرادوا أن يثبتوا إمكان كون المفعول لازما لفاعله، لا بد أن يعلموا ثبوت ذلك في الخارج، أو ثبوت ما ذاك أولى بالإمكان منه، وكلاهما منتف. فلا يعلم قط فاعل إلا فاعلا يحدث فعله أو مفعوله، (3) لا يقارنه مفعوله المعين ويلازمه، بل هذا إلى (4) نفي كونه فاعلا ووصفه بالعجز عن نفي اللازم له، أقرب منه إلى كونه فاعلا قادرا، فقد جعلوا الله مثل السوء، وهذا باطل.
    والواجب في الأدلة (5) الإلهية أن يسلك بها هذا المسلك فيعلم أن كل كمال كان لمخلوق فالخالق أحق به، فإن كمال المخلوق من كمال خالقه، وعلى اصطلاحهم كمال المعلول من كمال العلة، ولأن الواجب أكمل من الممكن، فهو أحق بكل كمال ممكن لا نقص فيه من كل ممكن، ويعلم أن كل نقص تنزه عنه مخلوق فالخالق أحق بتنزيهه عنه، فإن النقص يناقض الكمال، فإذا كان أحق بثبوت الكمال كان أحق بنفي النقص، وهذه القضية برهانية يقينية، وهم يسلمونها.
    وهم يقولون أيضا:
    إن الفعل صفة كمال، ويردون على من يقول من


    (1) العلم: ساقطة من (ن) فقط.
    (2) ن: بعدم.
    (3) ن، م: ومفعوله.
    (4) ا، ب: أولى، وهو خطأ.
    (5) الأدلة: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    *****************************
    أهل الكلام إنه ليس صفة كمال ولا نقص، وقد قال تعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون} [سورة النحل: 17] .
    وإذا (1) كان كذلك، فمن المعقول أن الفاعل الذي يفعل بقدرته ومشيئته (2) أكمل ممن لا قدرة له ولا إرادة، والفاعل (3) القادر المختار الذي يفعل شيئا بعد شيء، أكمل ممن يكون مفعوله لازما له يقدر على إحداث شيء ولا تغييره من حال إلى حال، إن كان يعقل فاعلا يلزمه مفعوله (4) المعين، فإن الذي يقدر أن يفعل مفعولات متعددة، ويقدر على تغييرها من حال إلى حال، أكمل ممن ليس كذلك. فلماذا يصفون واجب الوجود بالفعل الناقص إن كان ذلك ممكنا؟ كيف وما ذكروه ممتنع، لا يعقل فاعل على الوجه الذي قالوه؟ .
    بل من قدر شيئا فاعلا للازمه الذي لا يفارقه بحال، كان مخالفا لصريح المعقول عند الناس،
    وقيل له:
    هذا صفة له (5) أو مشارك له ليس مفعولا له.
    ولو قيل لعامة العقلاء السليمي الفطرة:
    إن الله خلق السماوات والأرض ومع هذا فلم تزالا معه، لقالوا: هذا ينافي خلقه لهما، فلا يعقل خلقه لهما إلا إذا خلقهما بعد أن لم تكونا موجودتين.
    وأما إذا قيل:
    لم تزالا موجودتين (6) كان القول مع ذلك بأنه خلقهما جميعا


    (1) ا، ب: فإذا.
    (2) ا، ب: بمشيئته وقدرته.
    (3) ا، ب: إرادة الفاعل، وهو خطأ.
    (4) ن، م:. . يلزمه (فاعله) مفعوله.
    (5) له: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (6) ن، م، ا: يكونا موجودين. . يزالا موجودين.
    *****************************
    بين المتناقضين (1) في فطر الناس وعقولهم التي لم تغير (2) عن فطرتها.ولهذا كان مجرد إخبار الرسل بأن الله خلق السماوات والأرض ونحو ذلك كافيا في الإخبار بحدوثهما،
    لم يحتاجوا مع ذلك أن يقولوا:
    خلقهما بعد (3) عدمهما، ولكن أخبروا (4) بزمان خلقهما،
    كما في قوله تعالى:
    {خلق السماوات والأرض في ستة أيام} [سورة يونس: 3] .والإنسان لما كان يعلم أنه خلق بعد أن لم يكن، ذكر بذلك ليستدل به على قدرة الخالق على تغيير (5) العادة.
    ولهذا ذكر تعالى ذلك في خلق يحيى بن زكريا [عليه السلام] (6) ، وفي النشأة (7) الثانية،
    قال تعالى:
    {يازكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا - قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا - قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا} [سورة مريم: 7 - 9] ، [وقال تعالى] : {ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا - أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا} ] (8) [سورة مريم: 66 - 67] .
    فذكر الإنسان بما يعلمه من أنه خلقه ولم يك شيئا؛ ليستدل بذلك على قدرته على مثل ذلك، وعلى ما هو أهون منه.


    (1) ب: المتنافيين.
    (2) ن، م: لا تغير.
    (3) ن: عند؛ م: عبد (وهو تحريف) .
    (4) ن، م: أخبر.
    (5) ن (فقط) : على قدرة، وهو خطأ.
    (6) عليه السلام: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (7) ا، ب:. . . السلام في النشأة. . .
    (8) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
    ****************************** *
    الوجه السابع: إن هؤلاء الذين قالوا بقدم العالم عن علة قديمة، قالوا مع ذلك بأنه في نفسه ممكن، ليس له وجود من نفسه، وإنما وجوده من مبدعه، فوصفوا الموجود الذي لم يزل موجودا، الواجب بغيره، بأنه ممكن الوجود. فخالفوا بذلك طريق سلفهم وما عليه عامة بني آدم من أن الممكن لا يكون إلا معدوما، ولا يعقل ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد إلا ما كان معدوما.
    وهذا قول أرسطو وقدماء الفلاسفة، ولكن ابن سينا وأتباعه خالفوا هؤلاء. وقد تعقب ذلك عليهم ابن رشد وغيره، وقالوا: إنه لا يعقل الممكن إلا ما أمكن وجوده وأمكن عدمه، فجاز أن يكون موجودا وأن يكون معدوما، أي مستمر العدم.
    ولهذا قالوا: إن الممكن (1) لا بد له من محل،
    كما يقال: يمكن أن تحمل المرأة (2) وأن تنبت الأرض وأن يتعلم الصبي، فمحل الإمكان هو الرحم والأرض والقلب، فيمكن أن يحدث في هذه المحال (3) ما هي قابلة له من الحرث والنسل والعلم.
    أما الشيء الذي لم يزل ولا يزال - إما بنفسه وإما بغيره - فكيف يقال: يمكن أن يوجد ويمكن أن لا يوجد؟
    وإذا قيل:
    هو باعتبار ذاته يقبل الأمرين. [قيل] (4) : إن أردتم بذاته ما هو موجود في الخارج فذاك لا يقبل الأمرين، فإن الوجود الواجب بغيره لا يقبل العدم، إلا أن يريدوا أنه يقبل أن يعدم بعد وجوده، وحينئذ فلا يكون واجبا بغيره دائما، فمتى قبل العدم


    (1) ا، ب: الإمكان.
    (2) ا: الأرض؛ ب: الرحم.
    (3) ن: الحالة؛ م: الحال.
    (4) م: قلنا. ومكان الكلمة بياض في (ن) .
    ******************************




    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  16. #56
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (54)
    صـ 375 إلى صـ 381


    في المستقيل أو كان معدوما، لم يكن أزليا أبديا [قديما] (1) واجبا بغيره دائما، كما يقول هؤلاء في العالم.فإن أريد بقبول الوجود والعدم في حال واحدة فهو ممتنع. وإن أريد في الحالين (2) : أي يقبل الوجود تارة والعدم أخرى (3) ، امتنع أن يكون أزليا أبديا لتعاقب الوجود والعدم عليه.
    وإن أريد أن ذاته التي تقبل الوجود والعدم شيء غير الوجود في الخارج، فذاك ليس بذاته.
    وإن قيل: يريد به أن ما يتصوره في النفس يمكن أن يصير موجودا في الخارج ومعدوما، كما يتصوره الإنسان في نفسه من الأمور.
    قيل: هذا أيضا يبين أن الإمكان مستلزم للعدم؛ لأن ما ذكرتموه إنما هو في شيء يتصوره الفاعل في نفسه، يمكن أن يجعله موجودا في الخارج ويمكن أن يبقى معدوما، وهذا إنما يعقل فيما يعدم تارة ويوجد أخرى، وأما ما لم يزل موجودا واجبا (4) بغيره، فهذا لا يعقل فيه الإمكان أصلا، وإذا قال قائل: ذاته تقبل الوجود والعدم، كان متكلما بما لا يعقل.وهذا الموضع قد تفطن له أذكياء النظار، فمنهم من أنكره على ابن سينا وأتباعه، كما أنكر ذلك ابن رشد.
    ومنهم من جعل هذا سؤالات واردة على الممكن، كما يفعله الرازي وأتباعه، ولم يجيبوا عنه (5) بجواب صحيح.

    (1) قديما: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (2) ا، ب: في حالين.
    (3) ا، ب: تارة.
    (4) ن، م: أو واجبا.
    (5) ب: عنها.
    *************************
    وسبب ذلك أنهم اتبعوا ابن سينا في تجويزه أن يكون الشيء ممكنا بنفسه واجبا بغيره دائما أزلا وأبدا.
    بل هذا باطل كما عليه جماهير الأمم من أهل الملل والفلاسفة وغيرهم، وعليه نظر المسلمين، [وعليه أئمة الفلاسفة - أرسطو وأتباعه] (1) -: لا يكون الممكن عندهم إلا ما يكون معدوما تارة وموجودا أخرى، فالإمكان والعدم متلازمان.
    وإذا كان ما سوى الرب تعالى ليس موجودا بنفسه، بل كان ممكنا، وجب أن يكون معدوما في بعض الأحوال، ولا بد ليصح وصفه بالإمكان.وهذا برهان مستقل في أن كل ما سوى الله محدث كائن بعد أن لم يكن، وأنه [سبحانه] (2) خالق كل شيء بعد أن لم يكن شيئا، فسبحان من تفرد (3) بالبقاء والقدم، وألزم ما سواه بالحدوث عن العدم.يوضح ذلك أنه إما أن يقال (4) : وجود كل شيء في الخارج عين ماهيته،
    كما هو قول نظار أهل السنة الذين يقولون:
    إن المعدوم ليس بشيء في الخارج [أصلا] (5) ،
    ويقولون:
    إنه ليس في الخارج (6) للموجودات ماهيات غير ما هو الموجود في الخارج،
    فيخالفون من يقول:
    المعدوم شيء، من المعتزلة وغيرهم، ومن قال: إن وجود كل شيء الثابت في الخارج مغاير لماهيته ولحقيقته الثابتة في الخارج، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة ونحوهم.


    (1) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
    (2) سبحانه: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (3) ا، ب: انفرد.
    (4) ا: لو صح ذلك أن يقال؛ ب: لو صح ذلك إما أن يقال.
    (5) أصلا: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (6) ن: بخارج.
    *****************************
    وإما أن يقال: وجود الشيء في الخارج زائد على ماهيته.فإن قيل بالأول، لم يكن للعالم في الخارج ذات غير ما هو موجود (1) في الخارج، حتى يقال: إنها تقبل الوجود والعدم.وإن قيل بالثاني، فإن (2) قدر أنه لم يزل موجودا، لم يكن للذات حال تقبل الوجود والعدم، بل لم تزل متصفة بالوجود.
    فقول القائل: إن الممكن هو الذي يقبل الوجود والعدم، مع قوله بأنه لم يزل موجودا، جمع بين قولين متناقضين.
    وإذا قيل:
    هو ممكن باعتبار ذاته، كان قوله أيضا متناقضا، سواء عنى بذاته الوجود (3) في الخارج أو شيئا آخر يقبل الوجود في الخارج. فإن تلك إذا لم تزل موجودة، ووجودها واجب، لم تكن قابلة للعدم أصلا، ولم يكن عدمها ممكنا أصلا.
    وقول القائل: هي باعتبار ذاتها غير موجودة، مع قوله: [إنها] (4) لم تزل موجودة، معناه أن الذات لم تزل موجودة واجبة بغيرها يمتنع عدمها، هي باعتبار الذات تقبل الوجود والعدم، ويمكن فيها هذا وهذا، وبسط هذا بتمام الكلام على الممكن (5) ، كما قد بسطوه في موضعه.يبين ذلك أن الممكن هو الفقير الذي لا يوجد بنفسه، وإنما يوجده غيره، فلا بد أن يكون هنا شيء يوصف بالفقر والإمكان [وقبول


    (1) ن، م: غير ما هي موجودة.
    (2) ا، ب: فإذا.
    (3) ن، م: الموجود.
    (4) إنها: ساقطة من (ن) فقط.
    (5) ا، ب: بتمام الكلام على (أن) الممكن. . . إلخ.
    ****************************** *
    العدم] (1) ، ثم يوصف بالغنى والوجود، فأما ما لم يزل موجودا غنيا، فكيف يوصف بفقر وإمكان؟ فإنه إن حكم بالفقر والإمكان وقبول العدم على الموجود الغني، كان ذلك ممتنعا فيه - كما تقدم - إذا كان لا يقبل العدم ألبتة، وإن حكم بالفقر والإمكان وقبول العدم على ما في الذهن، بمعنى (2) أنه يفتقر وجوده في الخارج إلى فاعل، فهذا يؤيد ما قلناه من أنه لا بد أن يكون معدوما ثم يوجد.
    وإن قيل:
    بل فاعله يتصوره في نفسه مع دوام فعله له، والممكن هو ما في النفس.
    قيل: ما في النفس الواجب واجب به لا يقبل العدم، وما في الخارج واجب به لا يقبل العدم، فأين القابل للوجود والعدم؟ .
    وإن قيل: ما تصور في النفس يقبل الوجود والعدم في الخارج.
    قيل:
    هذا ممتنع مع وجوب وجوده [دائما (3) في الخارج، بل هذا معقول فيما يعدم تارة ويوجد أخرى، فإذا كان كل ما سوى الله ممكنا فقيرا، وجب أن يكون موجودا تارة ومعدوما أخرى (4) .
    وهذا الدليل مستقر في فطر الناس، فكل من يتصور شيئا من الأشياء محتاجا إلى الله مفتقرا إليه، ليس موجودا بنفسه بل وجوده بالله، تصور أنه مخلوق كائن بعد أن لم يكن.
    فأما إذا قيل:
    هو فقير مصنوع محتاج، وأنه دائما معه لم يحدث عن عدم، لم يعقل هذا ولم يتصور إلا كما


    (1) وقبول العدم: ساقط من (ن) ، (م) .
    (2) ن، م: يعني.
    (3) دائما: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (4) ن، م: واجب أن يكون معدوما تارة وموجودا أخرى.
    ****************************** ****
    تتصور الممتنعات، بأن يقدر في الذهن تقديرا لا يتصور تحققه في الخارج، فإن تحققها (1) في الخارج ممتنع.
    وعلى هذا فإذا قيل: المحوج إلى المؤثر هو الإمكان أو هو الحدوث، لم يكن بين القولين منافاة، فإن كل ممكن حادث، وكل حادث ممكن، فهما متلازمان. ولهذا جمع بين القولين من قال: إن (2) المحوج إلى المؤثر هو الإمكان والحدوث جميعا. فالأقوال الثلاثة صحيحة في نفس الأمر، وإنما وقع النزاع لما ظن من ظن أنه يكون الشيء ممكنا مع كونه غير حادث.
    وهذا الذي قرر في امتناع كون العالم قديما، وامتناع كون فاعله علة قديمة أزلية صحيح، سواء قيل: إنه مريد بإرادة أزلية مستلزمة لاقتران مرادها بها (3) ، أو قيل: ليس بمريد، وسواء قيل: إنه علة للفلك مع حركته، أو للفلك بدون حركته.
    وهكذا القول في كل ما يقدر (4) قديما معه، فإنه لا بد أن يكون مقارنا لشيء من الحوادث، أو ممكنا أن يقارنه شيء من الحوادث.
    وعلى التقديرين يمتنع أن يكون قديما مع الله [تعالى] (5) ؛ لأن القديم لا يكون إلا عن موجب تام مستلزم لموجبه، وثبوت هذا في الأزل يقتضي أنه لا يحدث عنه شيء، والحوادث لا تحدث إلا عنه، فلا يكون موجبا أزليا


    (1) ب: تحققه.
    (2) إن: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (3) بها: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (4) ن، م: وهذا القول فيما يقدر.
    (5) تعالى: زيادة في (ا) ، (ب) .
    ******************************
    إلا إذا حدث عنه شيء، ولكن فاعل العالم يمتنع أن لا يحدث عنه شيء، فيمتنع أن يكون موجبا بالذات في الأزل.
    [الأقوال المختلفة في إرادة الله تعالى]
    وإذا قيل:
    هو مريد بإرادة أزلية مقارنة لمرادها الذي هو العالم، أو يتأخر (1) عنها مرادها الذي هو حوادثه، كان القول كذلك، فإنه إذا لم يكن له [إلا] (2) إرادة أزلية مقارنة لمرادها (3) ، امتنع أن تحدث عنه الحوادث، لكنه يمتنع أن لا تحدث عنه الحوادث، فيمتنع أن لا يكون له [إلا] (4) إرادة أزلية مقارنة لمرادها، مع أن الإرادة لمفعولات لازمة للفاعل غير معقول (5) ، بل إنما يعقل في حق الفاعل بإراداته أن يفعل (6) شيئا بعد شيء،
    ولهذا لم يقل أحد: إن الرب (7) يتكلم بمشيئته وقدرته، وإن الكلام المقدور المعين قديم لازم لذاته، فإذا لم يعقل هذا في المقدور القائم به، فكيف يعقل في المباين له؟ .
    وإذا قيل:
    له إرادة أزلية مقارنة للمراد، وإرادة أخرى حادثة [مع الحوادث] (8) .
    قيل: فحدوث هذه الإرادة الحادثة: إن كان بتلك الإرادة الأزلية التي يجب مقارنة مرادها لها، كان ذلك ممتنعا؛ لأن الثانية حادثة، فيمتنع أن


    (1) ن: ومتأخر؛ م: أو متأخر.
    (2) إلا: ساقطة من (ن) فقط.
    (3) لمرادها: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (4) إلا: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (5) ا، ن، م: غير مفعول. والمثبت من (ب) وهو الصواب.
    (6) عبارة " أن يفعل " ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (7) ن: إن الرجل، وهو تحريف.
    (8) عبارة " مع الحوادث " ساقطة من (ن) ، (م) .
    ******************************

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (55)
    صـ 382 إلى صـ 388



    تكون مقارنة للقديمة التي قارنها (1) مرادها.
    وإن كان بدون تلك الإرادة، لزم حدوث الحوادث بدون إرادته، وهذا يقتضي جواز حدوث الحوادث بدون إرادته، فلا يكون فاعلا مختارا، فإن الإرادة الحادثة إن كانت فعله فقد حدثت بغير إرادة، وإن لم تكن فعله كان قد حدث حادث بلا فعله، وهذا ممتنع، وهو مما أنكره جماهير الناس على المعتزلة البصريين في قولهم بحدوث إرادة الله بدون إرادة أخرى، وبقيام إرادته (2) لا في محل.
    وإن قيل: بل لم تزل تقوم به الإرادات للحوادث، كما يقول ذلك من يقوله من أهل الحديث والفلاسفة الذين يقولون: لم يزل يتكلم إذا شاء، ولم يزل فعالا لما يشاء.
    قيل: فعلى هذا التقدير ليس هنا إرادة قديمة لمفعول قديم.
    وإن قيل:
    يجتمع فيه هذا وهذا.
    قيل: فهذا ممتنع من جهة امتناع كون المفعول المعين للفاعل - لا سيما المختار - ملازما له، ومن جهة كون المفعول بالإرادة لا بد وأن تتقدمه الإرادة، وأن تثبت إلى أن يوجد، [بل] (3) هذا في كل مفعول، ومن جهة أن ما قامت به الإرادات المتعاقبة كانت مراداته أيضا متعاقبة، وكذلك أفعاله القائمة بنفسه، وكانت تلك (4) الإرادات من لوازم نفسه،

    (1) ن، م: فارقها.
    (2) ن، م: إرادة.
    (3) بل: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (4) ن (فقط) : بتلك.
    ****************************** *
    لم يجز أن تكون (1) مرادة لإرادة قديمة؛ لأنها إن كانت ملزومة لمرادها، لزم كون الحادث المعين في الأزل، وإن كان مرادها متأخرا عنها، كانت تلك الإرادة كافية في حصول المرادات المتأخرة، فلم يكن هناك ما يقتضي وجودها فلا [توجد] (2) ؛ إذ الحادث لا يوجد إلا لوجود مقتضيه التام.
    فإن قدر أن الفاعل يريد شيئا بعد شيء، ويفعل شيئا بعد شيء، لزم أن يكون هذا من لوازم نفسه، فتكون (3) نفسه مقتضية لحدوث أفعاله شيئا بعد شيء، فتكون (4) مفعولاته شيئا بعد شيء بطريق الأولى [والأحرى] (5) .
    وإذا كان كذلك، كانت نفسه مقتضية لحدوث كل من هذه الأفعال والمفعولات، وإذا كانت نفسه مقتضية لذلك، امتنع مع ذلك أن تكون مقتضية لقدم فعل ومفعول مع إرادتهما المستلزمة لهما، فإن ذاته تكون مقتضية لأمرين متناقضين؛ لأن اقتضاءها (6) حدوث أفراد الفعل والمفعول (7) وقدم النوع مناقض (8) لاقتضائها قدم (9) عين الفعل والمفعول (10) .


    (1) في جميع النسخ: يكون، والصواب ما أثبته.
    (2) توجد: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (3) ن (فقط) : فكون، وهو تحريف.
    (4) ن (فقط) : فكون، وهو تحريف.
    (5) والأحرى: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (6) ا، ب: لاقتضائها.
    (7) ن، م: حدوث أفعال فراد الفعل والمفعول، وهو تحريف.
    (8) ا، ب: متناقض.
    (9) ن، م: عدم.
    (10) ن، م: والمفعولات.
    **************************
    وإن قدر أن هذا المفعول غير تلك المفعولات، فإنه ملزوم لها لا يوجد بدونها ولا توجد إلا به، فهما متلازمان، وإذا تلازمت المفعولات، فتلازم أفعالها وإرادتها أولى،
    فيكون كل من القدماء الثلاثة:
    الإرادة المعينة (1) ، وفعلها، ومفعولها، ملزوما لحوادث لا نهاية لها لازما (2) .
    وحينئذ فالذات في فعلها للمفعول المعين علة تامة أزلية موجبة له، وهي في سائر الحوادث ليست علة أزلية تحدث فاعليتها وتمام إيجابها شيئا بعد شيء.
    والذات موصوفة بغاية الكمال الممكن، فإن كان كمالها في أن يكون ما فيها بالقوة هو بالفعل، من غير اعتبار إمكان ذلك، ولا كون (3) دوام الإحداث هو أكمل من أن لا يحدث عنها شيء - كما قد يقوله هؤلاء الفلاسفة - فيجب أن لا يحدث عنها شيء (* أصلا، ولا يكون في الوجود حادث. وإن كان كمالها في أن تحدث شيئا *) (4) بعد شيء؛ لأن ذلك أكمل من أن [لا] (5) يمكنها إحداث شيء بعد شيء، ولأن الفعل صفة كمال، والفعل لا يعقل إلا على هذا الوجه، ولأن حدوث الحوادث دائما أكمل من أن لا يحدث شيء، ولأن هذا الذي بالقوة هو جنس الفعل، وهذا بالفعل دائما.وأما كون كل من المفعولات أو شيء من المفعولات أزليا فهذا ليس


    (1) ن، م: العينية.
    (2) لازما: ساقطة من (ب) فقط.
    (3) ن، م: ولا يكون.
    (4) ما بين النجمتين ساقط من (م) فقط.
    (5) لا: ساقطة من (ن) فقط.
    ******************************
    بالقوة، فيمتنع أن يكون بالفعل، فليس في مقارنة مفعولها المعين لها كمال، سواء كان ممتنعا أو كان نقصا ينافي الكمال الواجب لها، لا سيما ومعلوم أن إحداث نوع المفعولات شيئا بعد شيء أكمل من أن يكون منها ما هو مقارن الفاعل (1) أزليا معه (2) .
    فعلى التقديرين يجب نفيه عنها، فلا يكون له (3) مفعول مقارن لها، فلا يكون في العالم شيء قديم، وهو المطلوب. وهذا برهان مستقل متلقى (4) من قاعدة الكمال الواجب له وتنزهه (5) عن النقص.
    ومما يوضح ذلك أن يقال: من المعلوم بالضرورة أن إحداث مفعول بعد مفعول لا إلى نهاية أكمل من أن لا يفعل إلا مفعولا واحدا لازما لذاته، إن قدر ذلك ممكنا. وإذا كان ذلك أكمل فهو ممكن (6) ؛ لأن التقدير أن الذات يمكنها أن تفعل شيئا بعد شيء، بل يجب ذلك لها، وإذا كان هذا ممكنا - بل هو واجب لها - وجب اتصافها به دون نقيضه الذي هو أنقض منه، وليس في هذا تعطيل عن الفعل، بل هو اتصاف بالفعل على أكمل الوجوه.
    وبيان هذا أن الفعل المعين، والمفعول المعين المقارن له أزلا وأبدا، إما أن يكون ممكنا، وإما أن يكون ممتنعا. فإن كان ممتنعا، امتنع قدم


    (1) الفاعل: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (2) ا، ب: من أن يكون منها ما هو مقارن أزلي معه.
    (3) ن، م: لها.
    (4) ن: ينافي، وهو تحريف.
    (5) ا، ب: وتنزيهه.
    (6) ن، م: وإن كان ذلك أكمل وهو ممكن؛ ا: وإذا كان ذلك أكمل وهو ممكن.
    ****************************** *
    شيء من العالم، وهو المطلوب. وإن كان ممكنا، فإما أن يكون هو الأكمل أو لا يكون.
    فإن كان هو الأكمل، وجب أن لا يحدث شيء.
    وإحداثه حينئذ عدول عن الأكمل، وهو محال. وإن لم يكن هو الأكمل، فالأكمل نقيضه، وهو إحداث شيء بعد شيء، فلا يكون شيء من الأفعال قديما.
    وهذا لا يرد عليه إلا سؤالا معلوم الفساد، وهو أن يقال: ما كان يمكن إلا هذا، فلا يمكن في الفلك أن يتأخر وجوده، ولا في الحوادث أن يكون منها شيء قديم.
    قيل: إن أردتم امتناع هذا لذاته فهو مكابرة، فإنه لو قدر قبل الفلك فلك، وقبله فلك، لم يكن امتناع هذا بأعظم من امتناع دوام الفلك، بل إذا كان الواحد من النوع يمكن دوامه، فدوام النوع أولى.
    ولهذا لا يعقل (1) أن يكون واحد من البشر قديما أزليا، مع امتناع قدم نوعه واحدا بعد واحد.
    وإن قدرتم أنه ممتنع لأمر يرجع إلى غيره:
    لوجود مضاد له، أو لانتفاء حكمة الفاعل، ونحو ذلك، فكل أمر ينافي قدم نوع المفعول، فهو أشد منافاة لقدم عينه.
    فإن جاز قدم عينه، فقدم النوع من حدوث الأفراد أجوز، وإن امتنع هذا الثاني، فالأول أشد امتناعا، وكل شيء أوجب حدوث أفراد بعض المفعولات الممكن قدمها، فهو أيضا موجب لحدوث نظيره.
    وهب أنهم يقولون: الحركة لذاتها لا تقبل البقاء، لكن الحوادث جواهر كثيرة شيئا بعد شيء، فالعناصر الأربعة إن أمكن أن تكون قديمة


    (1) ن (فقط) : ولا يعقل.
    *****************************
    الأعيان، أمكن إبقاؤها (1) قديمة الصورة، فلا يجوز استحالتها من حال إلى حال، وهو خلاف المشاهدة، وإن لم يمكن قدم أعيانها حصل المطلوب.وإن قيل: هذا ممكن دون هذا، كان مكابرة.وإن قيل: الموجب لاستحالتها حركة الأفلاك.قيل: من المعلوم بالاضطرار إمكان تحرك الأفلاك (2) دون استحالة العناصر، كما أمكن تحرك الفلك الأعلى دون استحالة الثاني. وتقدير استحالة الفلك الثاني والثالث وبقائهما (3) ، كتقدير استحالة العناصر وبقائها، لا يمكن أن يقال: هذا ممكن لذاته (4) دون الآخر. فعلم أن ذلك يرجع إلى أمر خارج يتعلق بالمفعولات المتعلقة بمشيئة الفاعل وحكمته.وهذا لا ريب فيه، فإننا لا ننازع أن فعل الشيء يوجب (5) فعل لوازمه، وينافي وجود أضداده، وأن الحكمة المطلوبة من فعل شيء، قد يكون لها شروط وموانع. فالخالق الذي اقتضت حكمته إحداث أنواع الحيوانات والنباتات والمعادن، اقتضت أن تنقل موادها (6) من حال إلى حال. ولكن المقصود أنه ليس لأحد الجسمين حقيقة اقتضت


    (1) ب (فقط) : بقاؤها.
    (2) ا، ب: الفلك.
    (3) ن، م، ا: وبقاؤها؛ ب: وبقاؤهما: ولعل الصواب ما أثبته.
    (4) ن (فقط) : لذاتها.
    (5) ن، م: موجب.
    (6) ن، م: مواردها.
    ****************************** ****
    اختصاصه بالقدم بحسب ذاته دون الأخرى، لا سيما ولا حقيقة لوجود شيء سوى الموجود الثابت في الخارج، فلا اقتضاء لحقيقته قبل وجود حقيقته، ولكن الباري [تعالى] (1) يعلم ما يريد أن يفعله، فعلمه وإرادته هو الذي يوجب الاختصاص.
    فقد تبين أنه إذا كان مقارنة المفعول المعين للفاعل أزلا وأبدا ممتنعا أو نقصا، امتنع قدم شيء من العالم، فكيف إذا كان كل منهما ثابتا هو ممتنع، ومع تقدير إمكانه فهو نقص؟ فإن قدم نوعه أكمل من قدم عينه، وهو أولى بالإمكان منه.
    فإذا كان أولى بالإمكان وهو أكمل، امتنع أن يكون نقيضه هو الممكن، وإذا امتنع ذلك امتنع قدم شيء من العالم.
    وعلى هذا فكل ما يذكرونه من دوام فاعلية الرب هو حجة عليهم، فإن فاعلية النوع أكمل من فاعلية الشخص، وهو الذي يشهد به [الشخص] (2) قطعا وحسا، فإنا نشهد بفاعلية نوع شيئا بعد شيء، فإن كان دوام الفاعلية ممكنا، فهذا ممكن لوجوده، ولسنا نعلم دوام الفاعلية لشيء معين، فلا يلزم من علمنا بدوام الفاعلية، دوام شيء معين أصلا.
    ودوام النوع يقتضي حدوث أفراده، فكل ما سوى الله حادث بعد أن لم يكن، وهو المطلوب، فتبين أن القول بمقارنة مراده له (3) في الأزل ممتنع، يمنع صدور الحوادث عنه.
    وهذا لا يحتاج فيه إلى أن يقال:
    الإرادة الحادثة لا يقارنها مرادها،


    (1) تعالى: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (2) الشخص: ساقط من (ن) ، (م) .
    (3) له: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    ****************************** ****
    بل يمكن أن يقال مع ذلك: [إن] (1) الإرادة الحادثة يقارنها مرادها، كما يقولون: إن القدرة الحادثة يقارنها مقدورها، وإن كان من الناس من ينازع في ذلك.
    [التقديرات الثلاثة في مقارنة المراد للإرادة]
    والمقصود هنا: أنه إذا قيل بأن الإرادة يجب أن يقارنها مرادها (2) ، كان [ذلك] (3) دليلا على حدوث كل ما سوى الله.
    وإن قيل:
    يجوز أن يقارنها مرادها ويجوز أن لا يقارنها، أو قيل: يمتنع مقارنة مرادها لها، فعلى التقديرات الثلاثة يجب حدوث كل ما سوى الله.أما (4) على تقدير وجوب مقارنة المراد للإرادة، فلأنه إن كانت الإرادة أزلية، لزم أن يكون جميع المرادات أزلية، فلا يحدث شيء، وهو خلاف الحس والعيان.
    وهذا مثل قولنا:
    لو كان موجبا بذاته أزليا (5) ، أو علة تامة لمعلوله، لزم أن يكون جميع موجبه ومعلوله مقارنا له أزليا، فيمتنع حدوث شيء عنه.
    وإن كان هناك إرادة حادثة، فإن الكلام (6) فيها كالكلام في غيرها من الحوادث: إن حدثت عن تلك الإرادة الأزلية التي يجب مقارنة مرادها لها كان ممتنعا، وإن حدثت بلا إرادة ولا سبب حادث كان ذلك ممتنعا.
    فتبين أنه على القول بوجوب مقارنة المراد للإرادة يمتنع قدم شيء من


    (1) إن: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (2) ا، ب:. . الإرادة لا يجب أن يقارنها مرادها، وهو خطأ؛ م: الإرادة يجوز أن يقارنها مرادها وهو خطأ أيضا.
    (3) ذلك: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (4) ن، م: وأما.
    (5) ن، م: أزلية.
    (6) ن، م: حادثة فالكلام.
    *****************************



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  18. #58
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله



    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (56)
    صـ 389 إلى صـ 395


    العالم، سواء قيل بقدم الإرادة أو حدوثها، أو قدم شيء منها وحدوث شيء آخر.
    وإن قيل بأن المراد يجوز مقارنته للإرادة ويجوز تأخره عنها، فإنه على هذا التقدير يجوز حدوث جميع (1) العالم بإرادة قديمة أزلية من غير تجدد شيء، كما تقول ذلك الكلابية ومن وافقهم من الأشعرية والكرامية والفقهاء المنسوبين إلى الأئمة الأربعة وغيرهم. وعلى هذا التقدير فإنه يجوز حدوث الحوادث بلا سبب حادث، وترجيح أحد المتماثلين على الآخر بمجرد الإرادة القديمة، وعلى هذا التقدير فإنه يبطل حجة القائلين بقدم العالم.وهؤلاء إنما قالوا هذا لاعتقادهم بطلان التسلسل في الآثار وامتناع حوادث لا أول لها.
    فإن كان ما قالوه حقا، وأنه يمتنع حوادث لا أول لها، لزم حينئذ حدوث العالم، وامتنع القول بقدمه؛ لأنه لا يخلو شيء منه عن مقارنة شيء من الحوادث.
    حتى العقول والنفوس عند من يقول بإثباتها، فإنها عندهم لا بد أن تقارن الحوادث، فإذا امتنع حوادث لا أول لها، كان ما لم يسبق الحوادث بمنزلتها، يمتنع قدمه كما يمتنع قدمها.
    وإن كان ما قاله هؤلاء باطلا، أمكن دوام الحوادث، وعلى هذا التقدير فيجوز مقارنة المراد للإرادة (2) في الأزل، ويمتنع حدوث شيء إلا بسبب حادث، وحينئذ فيمتنع كون شيء (3) من العالم أزليا، وإن جاز أن

    (1) جميع: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (2) ن (فقط) : للإرادات.
    (3) ا، م: الشيء.
    *************************
    يكون نوع الحوادث دائما لم يزل، فإن الأزل ليس هو عبارة عن شيء محدد، بل ما من وقت يقدر إلا وقبله وقت آخر، فلا يلزم من دوام النوع قدم شيء بعينه.
    وإنما قيل:
    يمتنع قدم شيء بعينه؛ لأنه إذا جاز أن يقارنها المراد في الأزل، وجب أن يقارنها المراد؛ لأن الإرادة التي يجوز مقارنة مرادها لها لا يتخلف عنها مرادها (1) إلا لنقص في القدرة، وإلا فإذا كانت القدرة تامة، والإرادة التي يمكن مقارنة مرادها لها حاصلة، لزم حصول المراد لوجود المقتضى التام للفعل، إذ لو لم يلزم (2) مع كون المراد ممكنا، لكان حصوله بعد ذلك يستلزم ترجيح أحد المتماثلين على الآخر بدون مرجح.
    وهو باطل على هذا التقدير.ولهذا كان الذين يقولون بامتناع شيء من الحوادث في الأزل،
    يقولون:
    إن حصول شيء من الإرادات (3) في الأزل ممتنع، لا يقولون بأنه ممكن، وأنه يمكن مقارنة مراده له.
    لكن أورد الناس عليهم أنه إذا كان نسبة جميع الأوقات والحوادث إلى الإرادة الأزلية نسبة واحدة، فترجيح أحد الوقتين - أو ما يقدر (4) فيه الوقت بالحدوث - ترجيح بلا مرجح، وتخصيص لأحد المتماثلين بلا مخصص.


    (1) ن: مرادها عنها؛ م: مرادها لها، وهو تحريف.
    (2) ن، م: لو لم يكن.
    (3) ا، ب: المرادات.
    (4) ن، م: أما يقدر.
    ****************************
    وهذا الكلام لا يقدح في مقصودنا هنا، فإنا لم ننصر (1) هذا القول، ولكن بينا امتناع قدم شيء من العالم على كل تقدير، وأن دوام الحوادث سواء كان ممكنا أو ممتنعا، فإنه يجب حدوث كل شيء من العالم على التقديرين (2) ، وأن الإرادة سواء قيل بوجوب مقارنة مرادها لها أو بجواز تأخره عنها، يلزم حدوث كل شيء من العالم على كل من التقديرين (3) .
    فإن القائلين بتأخر مرادها، إنما قالوا ذلك فرارا من القول بدوام الحوادث ووجود حوادث لا أول لها. وعلى هذا التقدير فيلزم حدوث العالم، وإلا فلو جاز دوام الحوادث، لجاز عندهم وجود المراد في الأزل، ولو جاز ذلك لم يقولوا بتأخر المراد عن الإرادة القديمة الأزلية، مع ما في ذلك من ترجيح أحد المتماثلين على الآخر [بلا مرجح] (4) وما في ذلك من الشناعة عليهم، ونسبة كثير من العقلاء إلى أنهم خالفوا صريح المعقول.فإنهم إنما صاروا إلى هذا القول (5) ؛ لاعتقادهم امتناع حوادث لا أول لها، فاحتاجوا لذلك أن يثبتوا إرادة قديمة أزلية يتأخر عنها المراد، ويحدث بعد ذلك من غير سبب حادث، واحتاجوا أن يقولوا: إن نفس الإرادة تخصص أحد المتماثلين على الآخر.
    وإلا فلو اعتقدوا جواز دوام الحوادث وتسلسلها، لأمكن أن يقولوا بأنه


    (1) ا، ب: فإنا لم ننص، وهو خطأ؛ ن، م: فإنا ننصر. وأرجو أن يكون الصواب ما أثبته.
    (2) ن، م: على التقدير.
    (3) ن: على كلا التقديرين؛ م: على كل التقديرين.
    (4) بلا مرجح: زيادة في (م) .
    (5) القول: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    **************************
    تحدث الإرادات والمرادات، ويقولون بجواز قيام الحوادث بالقديم،
    ولرجعوا عن قوله:
    (* بأن (1) نفس الإرادة القديمة تخصص أحد المثلين في المستقبل، وعن قولهم *) (2) بحدوث الحوادث بلا سبب حادث، وكانوا على هذا التقدير لا يقولون بقدم شيء من العالم،
    بل يقولون:
    إن كل ما سوى الله فإنه حادث كائن (3) بعد أن لم يكن.
    وكان هذا لازما على هذا التقدير؛ لأنه حينئذ إذا لم يجز حدوث شيء من الحوادث إلا بسبب [حادث] (4) ، ولم يترجح أحد الوقتين بحدوث شيء فيه إلا بمرجح يقتضي ذلك، لا يكون تأخر المراد عن الإرادة إلا لتعذر المراد، [إذ] (5) لو كان [المراد] (6) ممكنا أن يقارن الإرادة وممكنا أن يتأخر عنها، لكان تخصيص أحد الزمانين بالإحداث تخصيصا بلا مخصص.
    فعلم أنه يجب أحد الأمرين على هذا التقدير:
    وجوب (7) مقارنة المراد للإرادة أو امتناعه (8) ، وأنه يجب مقارنته للإرادة إذا كان ممكنا، وأنه لا يتأخر إلا لتعذر مقارنته: إما (9) لامتناعه في نفسه، وإما لامتناع لوازمه.


    (1) ب (فقط) : إن.
    (2) ما بين النجمتين ساقط من (م) .
    (3) كائن: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (4) حادث: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (5) إذ: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (6) المراد: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (7) ا، ب: ووجوب، وهو خطأ.
    (8) ن، م، ب: وامتناعه.
    (9) ن، م: وإما.
    ************************
    وامتناع اللازم يقتضي امتناع الملزوم، لكن يكون امتناعه لغيره لا لنفسه.
    كما يقول المسلمون:
    ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما شاء [الله] وجب (1) كونه بمشيئته لا بنفسه، وما لم يشأ يمتنع كونه لا بنفسه بل لأنه لا يكون إلا بمشيئته، فإذا لم يشأ امتنع كونه.
    وإذا كان على هذا التقدير أحد الأمرين لازما: إما مقارنة المراد [للإرادة] (2) ، وإما امتناعه لنفسه أو لغيره، دل ذلك على أنه لو كان شيء من العالم يمكن أن يكون قديما لوجب (3 أن يكون قديما لوجوب 3) (3) مقارنته له في الأزل. إذ التقدير أنه لا بد من وجوب المقارنة أو امتناع المراد، فإن كان المراد ممكنا في الأزل لزم وجوب المقارنة (4) ، لكن وجوب المقارنة ممتنع؛ لأن ذلك يستلزم أن لا يحدث شيء من الحوادث كما تقدم،
    فلزم القسم الآخر:
    وهو امتناع شيء من المراد المعين في الأزل، وهو المطلوب.
    فأما إذا قيل بأنه يجب تأخر المراد عن الإرادة - كما يقول [ذلك] كثير (5) من أهل الكلام - فبتقدير كونه مريدا يمتنع قدم شيء من العالم، وهو المطلوب.
    فتبين حدوث كل ما سوى الله على كل تقدير، وهو المطلوبواعلم أن من فهم هذه الطريق (6) استفاد بها أمورا:


    (1) ن، م: فما شاء وجب. .
    (2) للإرادة: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (3) (3 - 3) : ساقط من (ا) ، (ب) .
    (4) ا: في الأزل وجب المقارنة؛ ب: في الأزل وجبت المقارنة.
    (5) ن، م: كما يقوله كثير.
    (6) ن: هذه الطريقة؛ ا: هذا الطريق.
    ****************************** **
    أحدها: ثبوت حدوث كل ما سوى الله، حتى إذا قدر أن هناك موجودا سوى الأجسام - كما يقول من يثبت العقول والنفوس من المتفلسفة والمتكلمة:
    إنها جواهر قائمة بأنفسها وليست أجساما - فإن هذه الطريق (1) يعلم بها حدوث ذلك.
    وطائفة من متأخري أهل الكلام - كالشهرستاني (2) . والرازي والآمدي وغيرهم - قالوا: إن قدماء أهل الكلام لم يقيموا دليلا على نفي هذه، ودليلهم على حدوث الأجسام لا يتناول هذه.
    وقد بين في غير هذا الموضع أن هؤلاء النظار - كأبي الهذيل والنظام (3) والهشامين (4) وابن كلاب وابن كرام والأشعري والقاضي أبي بكر (5) [وأبي المعالي]


    (1) ن، م: هذه طريق.
    (2) أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني، ولد سنة 479، وتوفي سنة 548. كان من أئمة الأشاعرة وله اطلاع واسع على الفلسفة والمقالات المختلفة، ومن أشهر كتبه: كتاب " الملل والنحل "، وكتاب: " نهاية الأقدام في علم الكلام ". ترجمته في: طبقات الشافعية 6/128 - 130؛ وفيات الأعيان 3/403 - 404؛ الأعلام 7/83 84. وانظر: ياقوت: معجم البلدان، مادة شهرستان.
    (3) إبراهيم بن سيار بن هانئ البصري، ويعرف بالنظام، توفي سنة 231 وقيل: سنة 221 على روايتين، ويعد أعظم شيوخ المعتزلة، وهو رأس الفرقة النظامية. انظر ترجمته والكلام على مذهبه وفرقته في كتاب: " إبراهيم بن سيار النظام " تأليف الدكتور محمد عبد الهادي أبو ريده، القاهرة 1365/1946؛ الفرق بين الفرق، ص 79 - 91؛ الملل والنحل 1/56 - 61؛ تاريخ بغداد 6/97؛ أمالي المرتضى 1/132؛ خطط المقريزي 1/346؛ اللباب في تهذيب الأنساب 2/230، الأعلام 1/36.
    (4) ن: والهشاميين. والمقصود بالهشامين: هشام بن الحكم، وهشام بن سالم الجواليقي وسبق الكلام عنهما (ص 71 ت [0 - 9] ، 4) .
    (5) محمد بن الطيب بن محمد أبو بكر القاضي المعروف بابن الباقلاني، أو الباقلاني، ولد بالبصرة في الربع الأخير من القرن الرابع، وعاش في بغداد، وتوفي بها سنة 403، وهو يعد أعظم الأشاعرة بعد الأشعري، وقد ألف كتبا كثيرة نقد فيها الفلسفة والمنطق والملل المختلفة. ومن أهمها كتاب " الدقائق " وهو مفقود. ترجمته في: شذرات الذهب 3/160 - 170؛ تبيين كذب المفترى، ص 217 - 226؛ وفيات الأعيان 4/400 - 401؛ تاريخ بغداد 5/379 - 383؛ الأعلام 7/46.
    ***************************
    (1) وأبي علي (2) وأبي هاشم وأبي الحسين البصري (3) وأبي بكر بن العربي (4) وأبي الحسن التميمي والقاضي أبي يعلى و [أبي الوفاء] بن عقيل


    (1) وأبي المعالي: ساقطة من (ن) ، (م) . وهو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، ويلقب بإمام الحرمين. ولد بنيسابور سنة 419، وتوفي بها سنة 478، بعد أن تولى التدريس بالمدرسة النظامية مدة ثلاثين عاما. وهو من أعظم أئمة الأشاعرة، وقد تتلمذ عليه الغزالي. ترجمته في: شذرات الذهب 3/358 - 362؛ تبيين كذب المفترى، ص 278 - 285؛ طبقات الشافعية 5/165 - 222؛ وفيات الأعيان 2/341 - 343؛ الأعلام 4/306.
    (2) أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي المصري والد أبي هاشم الجبائي (سبق الكلام عنه: ص [0 - 9] 78 ت [0 - 9] ) . والفرقة التي تنسب إليه هي فرقة الجبائية من فرق المعتزلة بالبصرة، وقد ولد سنة 235، وتوفي سنة 303. انظر ترجمته والكلام على مذهبه في: ابن المرتضى: المنية والأمل في شرح كتاب الملل والنحل، ص [0 - 9] 5 - 48، حيدر آباد، 1316؛ شذرات الذهب 2/241؛ طبقات الشافعية 3/418؛ الفرق بين الفرق، ص 110 - 111؛ الملل والنحل 118 - 129؛ لسان الميزان 5/271؛ وفيات الأعيان 3/398 - 399، اللباب 1/208؛ الأعلام 7/136؛ تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 4/31 - 32.
    (3) أبو الحسين محمد بن علي الطيب البصري، من متأخري المعتزلة، توفي سنة 436. وانظر ترجمته والكلام على مذهبه في: شذرات الذهب 3/259؛ وفيات الأعيان 3/401 - 402؛ الملل والنحل 1/130 - 131؛ تاريخ بغداد 3/100؛ لسان الميزان 5/598؛ نهاية الإقدام ص 151، 175، 177، 221، 257.
    (4) وأبي بكر بن العربي: جاءت في (ن) ، (م) في آخر الأسماء الواردة وهو أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن العربي المعافري، ولد سنة 486، وتوفي سنة 543؛ وهو من أئمة المالكية بالأندلس. ترجمته في: وفيات الأعيان 3/423 - 424. وانظر مقدمة " العواصم من القواصم " بقلم الأستاذ: محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية، القاهرة، 1371؛ نفح الطيب 2/415 - 416؛ الأعلام 7/106.
    **************************


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  19. #59
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله


    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (57)
    صـ 396 إلى صـ 402


    وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الزَّاغُونِيِّ (1) وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ (2) - يُثْبِتُونَ (3) امْتِنَاعَ وُجُودِ (4) مَوْجُودٍ مُمْكِنٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ، فَبَيَّنُوا بُطْلَانَ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُجَرَّدَاتِ فِي الْخَارِجِ، لَكِنْ مِنْهُمْ مَنْ أَبْطَلَ ثُبُوتَ مَا لَا يُشَارُ إِلَيْهِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْطَلَ ذَلِكَ فِي الْمُمْكِنَاتِ.
    وَمِمَّا يُسْتَفَادُ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ الَّتِي قَرَّرْنَاهَا: الْخَلَاصُ عَنْ إِثْبَاتِ الْحُدُوثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ، وَالْخَلَاصُ عَنْ نَفْيِ مَا يَقُومُ بِذَاتِ اللَّهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ.
    وَمِمَّا يُسْتَفَادُ بِذَلِكَ: أَنَّهَا بُرْهَانٌ بَاهِرٌ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ الْجَوَابَ (5) عَنْ عُمْدَتِهِمْ.
    وَمِمَّا يُسْتَفَادُ بِذَلِكَ: الِاسْتِدْلَالُ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ وَالْفَاعِلِ بِالِاخْتِيَارِ . وَذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ غَلِطُوا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ، وَصَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ كَالرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ مُضْطَرِبِينَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَتَارَةً يُوَافِقُونَ الْمُعْتَزِلَةَ عَلَى الْفَرْقِ وَتَارَةً يُخَالِفُونَهُم ْ. وَإِذَا خَالَفُوهُمْ فَهُمْ مُتَرَدِّدُونَ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَبَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ أَتْبَاعِ أَرِسْطُو.
    وَأَصْلُ ذَلِكَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يَفْعَلُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، لَكِنْ هَلْ يَجِبُ وُجُودُ الْمَفْعُولِ عِنْدَ وُجُودِ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ أَمْ لَا؟ .
    _________
    (1) ن، م: وَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّاغُونِيِّ.
    (2) وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
    (3) ن: لَا يُثْبِتُوا؛ ا: يُثْبِتُوا.
    (4) وُجُودِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
    (5) ن، م: وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلْحَوَادِثِ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.

    ***********************
    فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ نُفَاةِ الْقَدَرِ، أَنَّهُ يَجِبُ وُجُودُ الْمَفْعُولِ (1) عِنْدَ وُجُودِ الْمُقْتَضَى التَّامِّ، وَهُوَ الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ وَالْقُدْرَةُ التَّامَّةُ.
    وَطَائِفَةٌ [أُخْرَى] (2) مِنْ مُثْبِتَةِ الْقَدَرِ: الْجَهْمِيَّةُ وَمُوَافِقِيهِم ْ، وَمِنْ نُفَاةِ الْقَدَرِ: الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا تُوجِبُ (3) ذَلِكَ، بَلْ يَقُولُونَ: الْقَادِرُ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ، وَيَجْعَلُونَ هَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ. وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَالْجَائِعِ مَعَ الرَّغِيفَيْنِ وَالْهَارِبِ مَعَ الطَّرِيقَيْنِ.
    ثُمَّ الْقَدَرِيَّةُ مِنْ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: الْعَبْدُ قَادِرٌ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ بِلَا مُرَجِّحٍ، كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الرَّبِّ. وَلِهَذَا كَانَ [مِنْ] (4) قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةِ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْعِمْ عَلَى أَهْلِ الطَّاعَةِ بِنِعَمٍ (5) خَصَّهُمْ بِهَا حَتَّى أَطَاعُوهُ بِهَا (6) ، بَلْ تَمْكِينُهُ لِلْمُطِيعِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ؛ لَكِنَّ هَذَا رَجَّحَ الطَّاعَةَ بِلَا مُرَجِّحٍ، بَلْ بِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أَوَجَبَ ذَلِكَ، وَهَذَا رَجَّحَ الْمَعْصِيَةَ بِمُجَرَّدِ قُدْرَتِهِ، مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ.
    وَأَمَّا الْجَبْرِيَّةُ - كَجَهْمٍ وَأَصْحَابِهِ - فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ أَلْبَتَّةَ.
    _________
    (1) ا، ب: الْفِعْلِ.
    (2) أُخْرَى: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
    (3) فِي جَمِيعِ النُّسَخِ: لَا يُوجِبُ.
    (4) مِنْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
    (5) ن، م: بِنِعْمَةٍ.
    (6) بِهَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
    ****************************** *******

    وَالْأَشْعَرِيّ ُ يُوَافِقُهُمْ فِي الْمَعْنَى فَيَقُولُ: لَيْسَ لِلْعَبْدِ قُدْرَةٌ (1) مُؤَثِّرَةٌ، وَيُثْبِتُ شَيْئًا يُسَمِّيهِ قُدْرَةً يَجْعَلُ وُجُودَهُ كَعَدَمِهِ، وَكَذَلِكَ الْكَسْبُ الَّذِي يُثْبِتُهُ.
    وَهَؤُلَاءِ لَا (2) يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ بِأَنَّ رُجْحَانَ فَاعِلِيَّةِ الْعَبْدِ عَلَى تَارِكِيَّتِهِ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَجِّحٍ - كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الرَّازِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْجَبْرِيَّةِ - وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرِ الْأَشْعَرِيُّ وَقُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ هَذِهِ الْحُجَّةَ.
    وَطَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ - كَالرَّازِيِّ وَأَتْبَاعِهِ - إِذَا نَاظَرُوا الْمُعْتَزِلَةَ فِي مَسَائِلِ الْقَدَرِ أَبْطَلُوا هَذَا الْأَصْلَ، وَبَيَّنُوا (3) أَنَّ الْفِعْلَ يَجِبُ وُجُودُهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمُرَجِّحِ التَّامِّ، وَأَنَّهُ يُمْتَنَعُ فِعْلُهُ بِدُونِ الْمُرَجِّحِ التَّامِّ، وَنَصَرُوا (4) أَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ لَا يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا بِالْمُرَجِّحِ [التَّامِّ] (5) . وَإِذَا نَاظَرُوا الْفَلَاسِفَةَ فِي مَسْأَلَةِ حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، وَإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ بِالْمُوجِبِ بِالذَّاتِ، سَلَكُوا مَسْلَكَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّة ِ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَعَامَّةُ الَّذِينَ سَلَكُوا مَسْلَكَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَطِيبِ (6) وَأَمْثَالِهِ (7) تَجِدُهُمْ يَتَنَاقَضُونَ هَذَا التَّنَاقُضَ.
    _________
    (1) ن، م: لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ.
    (2) لَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
    (3) ن، م: وَأَثْبَتُوا.
    (4) ا: وَيَنْصُرُوا؛ ب: وَيَنْصُرُونَ.
    (5) ن، م: إِلَّا بِمُرَجِّحٍ.
    (6) ن، م: ابْنِ الْخَطِيبِ. وَهُوَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ، وَسَبَقَتْ تَرْجَمَتُهُ (ص 168 ت [0 - 9] ) .
    (7) ن، م: وَأَمْثَالِهِمْ
    ****************************** ********

    وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنْ يُقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يُرَادُ بِلَفْظِ الْمُوجِبِ بِالذَّاتِ؟ إِنْ عُنِيَ [بِهِ] (1) أَنَّهُ يُوجِبُ بِذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ، فَهَذِهِ الذَّاتُ لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَلَا ثُبُوتَ فِي الْخَارِجِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً.
    وَالْفَلَاسِفَة ُ يَتَنَاقَضُونَ، فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ لِلْأَوَّلِ غَايَةً، وَيُثْبِتُونَ الْعِلَلَ الْغَائِيَّةَ فِي إِبْدَاعِهِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ الْإِرَادَةَ.
    وَإِذَا فَسَّرُوا الْغَايَةَ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ، وَجَعَلُوا الْعِلْمَ مُجَرَّدَ الذَّاتِ، كَانَ هَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ، فَإِنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْإِرَادَةَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ الْعِلْمِ، وَأَنَّ الْعِلْمَ لَيْسَ هُوَ مُجَرَّدُ (2) الْعَالَمِ، لَكِنَّ هَذَا مِنْ تَنَاقُضِ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْمَعَانِيَ الْمُتَعَدِّدَة َ مَعْنًى وَاحِدًا (3) ، فَيَجْعَلُونَ الْعِلْمَ هُوَ الْقُدْرَةُ وَهُوَ الْإِرَادَةُ، وَيَجْعَلُونَ الصِّفَةَ هِيَ نَفْسُ الْمَوْصُوفِ، كَمَا يَجْعَلُونَ الْعِلْمَ هُوَ [نَفْسُ] (4) الْعَالِمِ، وَالْقَادِرَ هُوَ الْقُدْرَةُ، وَالْإِرَادَةَ هِيَ الْمُرِيدُ، وَالْعِشْقَ هُوَ الْعَاشِقُ.
    وَهَذَا قَدْ صَرَّحَ بِهِ فُضَلَاؤُهُمْ - وَحَتَّى الْمُنْتَصِرُون َ لَهُمْ - مِثْلُ ابْنِ رُشْدٍ الْحَفِيدِ، الَّذِي رَدَّ عَلَى [أَبِي حَامِدٍ] الْغَزَالِيِّ (5) فِي " تَهَافُتِ التَّهَافُتِ (6) " وَأَمْثَالِهِ.
    وَأَيْضًا: فَلَوْ قُدِّرَ وُجُودُ ذَاتٍ مُجَرَّدَةٍ عَنِ الْمَشِيئَةِ وَالِاخْتِيَارِ ، فَيُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ الْعَالَمُ صَادِرًا عَنْ مُوجِبٍ بِالذَّاتِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ
    _________
    (1) بِهِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) .
    (2) مُجَرَّدُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ا) ، (ب) .
    (3) ن، م: فِي مَعْنًى وَاحِدٍ.
    (4) نَفْسُ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
    (5) ن، م: عَلَى الْغَزَالِيِّ.
    (6) ا، ب: تَهَافُتِ الْفَلَاسِفَةُ.
    ****************************** ********

    بِالذَّاتِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَسْتَلْزِمُ مُوجِبَهُ وَمُقْتَضَاهُ، فَلَوْ كَانَ مُبْدِعُ الْعَالَمِ مُوجِبًا بِالذَّاتِ بِهَذَا التَّفْسِيرِ، لَزِمَ أَنْ لَا يَحْدُثَ فِي الْعَالَمِ شَيْءٌ، وَهُوَ خِلَافُ الْمُشَاهَدَةِ. فَقَوْلُهُمْ بِالْمُوجِبِ بِالذَّاتِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ صِفَاتِهِ وَنَفْيَ أَفْعَالِهِ وَنَفْيَ حُدُوثِ شَيْءٍ مِنَ الْعَالَمِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ.
    وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ وَاحِدًا بَسِيطًا، وَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ، ثُمَّ احْتَالُوا فِي صُدُورِ الْكَثْرَةِ عَنْهُ بِحِيَلٍ تَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ (1) حَيْرَتِهِمْ وَجَهْلِهِمْ بِهَذَا الْبَابِ، كَقَوْلِهِمْ: إِنَّ الصَّادِرَ الْأَوَّلَ هُوَ الْعَقْلُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَوْجُودٌ، وَاجِبٌ بِغَيْرِهِ، مُمْكِنٌ بِنَفْسِهِ، فَفِيهِ ثَلَاثُ جِهَاتٍ، فَصَدَرَ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ وُجُوبِهِ عَقْلٌ آخَرُ، وَبِاعْتِبَارِ وَجُودِهِ نَفْسٌ، وَبِاعْتِبَارِ إِمْكَانِهِ [فَلَكٌ. وَرُبَّمَا قَالُوا: وَبِاعْتِبَارِ وَجُودِهِ صُورَةُ الْفَلَكِ، وَبِاعْتِبَارِ إِمْكَانِهِ] (2) مَادَّتُهُ. وَهُمْ مُتَنَازِعُونَ فِي النَّفْسِ الْفَلَكِيَّةِ: هَلْ هِيَ جَوْهَرٌ مُفَارِقٌ لَهُ، [أَمْ] (3) عَرَضٌ قَائِمٌ بِهِ (4) ؟ .
    وَلِهَذَا أَطْنَبَ النَّاسُ فِي بَيَانِ فَسَادِ كَلَامِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْوَاحِدَ الَّذِي فَرَضُوهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُ إِلَّا فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ. ثُمَّ قَوْلُهُمْ: الْوَاحِدُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ، وَهُمْ لَوْ عَلِمُوا ثُبُوتَهَا فِي [بَعْضِ] (5) الصُّوَرِ، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ تَكُونَ كُلِّيَّةً إِلَّا بِقِيَاسِ التَّمْثِيلِ، فَكَيْفَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاحِدًا صَدَرَ عَنْهُ شَيْءٌ؟ .
    _________
    (1) ا، ب: عِظَمِ.
    (2) مَا بَيْنَ الْمَعْقُوفَتَي ْنِ سَاقِطٌ مِنْ (ن) ، (م) .
    (3) أَمْ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
    (4) ا، ب: هَلْ هِيَ جَوْهَرٌ مُفَارِقٌ أَمْ عَرَضٌ قَائِمٌ.
    (5) بَعْضِ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
    ****************************** ******

    وَمَا (1) يُمَثِّلُونَ بِهِ مِنْ صُدُورِ التَّسْخِينِ عَنِ النَّارِ وَالتَّبْرِيدِ عَنِ الْمَاءِ بَاطِلٌ، فَإِنَّ تِلْكَ الْآثَارَ لَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ شَيْئَيْنِ: فَاعِلٌ وَقَابِلٌ، وَالْأَوَّلُ تَعَالَى كُلُّ مَا سِوَاهُ صَادِرٌ عَنْهُ، لَيْسَ هُنَاكَ قَابِلٌ مَوْجُودٌ.
    وَإِنْ قَالُوا: الْمَاهِيَّاتُ الثَّابِتَةُ فِي الْخَارِجِ الْغَنِيَّةُ عَنِ الْفَاعِلِ هِيَ الْقَابِلُ، كَانَ هَذَا بَاطِلًا مِنْ وُجُوهٍ: مِنْهَا: أَنَّ هَذَا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمُ الْفَاسِدِ، وَهُوَ إِثْبَاتُ مَاهِيَّاتٍ مَوْجُودَةٍ فِي الْخَارِجِ مُغَايِرَةٍ لِلْأَعْيَانِ الْمَوْجُودَةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا. وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ أَنَّ الْمُثَلَّثَ (2) يُتَصَوَّرُ قَبْلَ أَنْ يُعْلَمَ وُجُودُهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ (3) الْمُثَلَّثِ (4) فِي الْخَارِجِ، بَلْ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ فِي الذِّهْنِ، وَلَا رَيْبَ فِي حُصُولِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا فِي الْأَذْهَانِ وَمَا فِي الْأَعْيَانِ. وَمِنْ هُنَا كَثُرَ غَلَطُهُمْ، فَإِنَّهُمْ تَصَوَّرُوا أُمُورًا فِي الْأَذْهَانِ، فَظَنُّوا ثُبُوتَهَا فِي الْأَعْيَانِ، كَالْعُقُولِ وَالْمَاهِيَّات ِ الْكُلِّيَّةِ وَالْهَيُولَى وَنَحْوِ ذَلِكَ.
    وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَاهِيَّاتِ هِيَ بِحَسَبِ مَا يُوجَدُ، فَكُلُّ مَا وُجِدَ لَهُ عِنْدَهُمْ مَاهِيَّةٌ، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ، فَلَا يَجُوزُ (5) قَصْرُ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى أُمُورٍ لِتَوَهُّمِ (6) أَنَّهُ لَا مَاهِيَّةَ تَقْبَلُ الْوُجُودَ غَيْرَهَا.
    _________
    (1) ن: وَمِمَّا؛ م: مِمَّا.
    (2) ا، ب: الْمُثْبَتَ.
    (3) ا، ب: ثَبَاتِ.
    (4) ا، ب: الْمُثْبَتِ.
    (5) ن: وَمِنْهَا فَلَا يَجُوزُ؛ ا، ب: وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ.
    (6) ن، م: كَتَوَهُّمِ.
    *****************************

    وَمِنْهَا: أَنْ يُقَالَ: الْمَاهِيَّاتُ الْمُمْكِنَةُ فِي نَفْسِهَا لَا نِهَايَةَ لَهَا.
    وَمِنْهَا: أَنْ يُقَالَ: الْوَاحِدُ الْمَشْهُودُ الَّذِي تَصْدُرُ عَنْهُ الْآثَارُ لَهُ قَوَابِلُ مَوْجُودَةٌ، وَالْبَارِي تَعَالَى هُوَ الْمُبْدِعُ لِوُجُودِ كُلِّ مَا سِوَاهُ، فَلَا يُعْلَمُ أَمْرٌ صَادِرٌ عَنْ مُمْكِنٍ إِلَّا عَنْ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا، مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُ التَّأْثِيرَ (1) ، وَلَيْسَ فِي الْمَوْجُودَاتِ مَا يَصْدُرُ عَنْهُ وَحْدَهُ شَيْءٌ إِلَّا اللَّهُ [تَعَالَى] (2) .

    [بطلان ما يزعمه الفلاسفة من أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد]
    فَقَوْلُهُمْ: الْوَاحِدُ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ إِلَّا وَاحِدٌ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ: إِنْ أَدْرَجُوا فِيهَا [مَا] (3) سِوَى اللَّهِ فَذَاكَ لَا يَصْدُرُ عَنْهُ وَحْدَهُ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يُرِيدُوا بِهَا إِلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ فَهَذَا مَحَلُّ النِّزَاعِ وَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ، فَكَيْفَ يَكُونُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ هُوَ الدَّلِيلُ، وَذَلِكَ الْوَاحِدُ لَا يَعْلَمُونَ حَقِيقَتَهُ وَلَا كَيْفِيَّةَ الصُّدُورِ عَنْهُ؟ .
    وَأَيْضًا: فَالْوَاحِدُ الَّذِي يُثْبِتُونَهُ، هُوَ وُجُودٌ مُجَرَّدٌ عَنِ الصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ عَنْ [بَعْضِهِمْ]- كَابْنِ سِينَا وَأَتْبَاعِهِ (4) - أَوْ عَنِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّة ِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، وَهَذَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْخَارِجِ، بَلْ يُمْتَنَعُ تَحَقُّقُهُ فِي الْخَارِجِ، وَإِنَّمَا هُوَ [أَمْرٌ] (5) يُقَدَّرُ فِي الْأَذْهَانِ، كَمَا تُقَدَّرُ الْمُمْتَنَعَات ُ. وَلِهَذَا (6) كَانَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ سِينَا فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا نَازَعَهُ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ، وَقَالُوا: إِنَّ هَذَا لَيْسَ [هُوَ] قَوْلُ [أَئِمَّةِ] الْفَلَاسِفَةِ (7) ، وَإِنَّمَا ابْنُ
    _________
    (1) ن (فَقَطْ) : النَّاسَ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ.
    (2) تَعَالَى: زِيَادَةٌ فِي (ا) ، (ب) .
    (3) مَا: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) فَقَطْ.
    (4) ن، م: عِنْدَ ابْنِ سِينَا وَمَنْ تَابَعَهُ.
    (5) أَمْرٌ: سَاقِطَةٌ مِنْ (ن) ، (م) .
    (6) ا: كَمَا تُقَدَّرُ وَلِهَذَا؛ ب: كَمَا تَقَدَّمَ وَلِهَذَا.
    (7) ن (فَقَطْ) : لَيْسَ قَوْلَ الْفَلَاسِفَةِ.

    ****************************


    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  20. #60
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,179

    افتراضي رد: منهاج السنة النبوية ( لابن تيمية الحراني )**** متجدد إن شاء الله



    منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية
    أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي الدمشقي
    المجلد الاول
    الحلقة (58)
    صـ 403 إلى صـ 409

    سينا وأمثاله أحدثوه، ولهذا لم يعتمد عليه أبو البركات [صاحب " المعتبر "] (1) ، وهو من أقرب هؤلاء إلى اتباع الحجة الصحيحة بحسب نظره، والعدول عن تقليد سلفهم، مع أن أصل (2) أمرهم وحكمتهم أن العقليات لا تقليد فيها.
    . وأيضا: فإذا لم يصدر [عنه] (3) إلا واحد - كما يقولونه في العقل الأول فذلك الصادر الأول إن كان واحدا من كل وجه، لزم أن لا يصدر عنه إلا واحد، وهلم جرا. وإن كان فيه كثرة ما بوجه من الوجوه - والكثرة وجودية - كان قد صدر (4) عن الأول أكثر من واحد، وإن كانت عدمية لم يصدر عنها وجود، فلا يصدر عن الصادر الأول واحد.
    وأما احتجاجهم على ذلك بقولهم: لو صدر عنه شيئان، لكان مصدر هذا غير مصدر ذلك (5) ، ولزم التركيب.
    فيقال أولا: ليس الصدور عن الباري كصدور الحرارة عن النار، بل هو فاعل بالمشيئة والاختيار، ولو قدر تعدد المصدر فهو تعدد أمور إضافية، وتعدد الإضافات والسلوب ثابتة له بالاتفاق، ولو فرض أنه تعدد صفات، فهذا يستلزم القول بثبوت الصفات، وهذا حق.
    وقولهم: إن هذا تركيب، والتركيب (* ممتنع، قد بينا [فساده] بوجوه
    _________
    (1) صاحب المعتبر: زيادة في (ا) ، (ب) .
    (2) أصل: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (3) عنه: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (4) ا: كان بمقدر؛ ب: كان يصدر.
    (5) ن، م: غير مصدر هذا.
    ****************************** ****

    كثيرة [في غير هذا الموضع] وبينا أن (1) لفظ التركيب والافتقار والجزء والغير ألفاظ مشتركة مجملة، وأنها لا تلزم بالمعنى الذي دل الدليل على نفيه، وإنما تلزم بالمعنى الذي لا *) (2) ينفيه الدليل، بل يثبته الدليل.
    والمقصود هنا (3) أن الموجب بالذات إذا فسر بهذا فهو باطل، وأما إذا فسر الموجب بالذات [بأنه] (4) الذي يوجب مفعوله بمشيئته وقدرته، لم يكن هذا المعنى منافيا لكونه فاعلا بالاختيار، بل يكون فاعلا بالاختيار، موجبا بذاته التي هي فاعل قادر مختار، وهو موجب بمشيئته وقدرته.
    وإذا تبين أن الموجب بالذات يحتمل معنيين: أحدهما لا ينافي كونه فاعلا بمشيئته [وقدرته] (5) (5 والآخر ينافي كونه فاعلا بمشيئته وقدرته 5) (6) ، فمن قال: القادر لا يفعل إلا على وجه الجواز - كما يقوله من يقوله من القدرية والجهمية - يجعل الفعل بالاختيار منافيا للإيجاب، لا يجامعه (7) بوجه من الوجوه، ويقولون: إن القادر المختار لا يكون قادرا [مختارا] (8) إلا إذا فعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب.
    _________
    (1) ن (فقط) : قد بينا بوجوه كثيرة وبينا أن. .
    (2) ما بين النجمتين ساقط من (م) فقط.
    (3) ن: بها.
    (4) بأنه: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (5) وقدرته: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (6) (5 - 5) ساقطة من (ن) فقط.
    (7) لا يجامعه: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (8) مختارا: ساقطة من (ن) فقط.
    ****************************** *******

    والجمهور (1) من أهل السنة وغيرهم يقولون: القادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ (2) لم يفعل، لكنه إذا شاء أن يفعل مع قدرته، لزم وجود فعله، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فإنه قادر على ما يشاء، ومع القدرة التامة والمشيئة الجازمة يجب وجود الفعل.
    ولهذا صارت الأقوال ثلاثة: فالفلاسفة يقولون بالموجب بالذات المجردة عن الصفات، أو الموصوف بالصفات الذي يجب أن يقارنه موجبه المعين أزلا وأبدا.
    والقدرية من المعتزلة وغيرهم [من الجهمية، ومن وافقهم من غيرهم] (3) ، يقولون بالفاعل المختار الذي يفعل على وجه الجواز لا على وجه الوجوب (4) .
    ثم منهم من يقول: يفعل لا بإرادة، بل المريد عندهم هو الفاعل العالم. ومنهم من يقول بحدوث الإرادة، وما يحدثه (5) من إرادة أو فعل فهو يحدثه (6) بمجرد القدرة، فإن القادر عندهم يرجح (7) بلا مرجح. ثم القدرية من هؤلاء يقولون: يريد (8) ما لا يكون، ويكون ما لا يريد، وقد يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء، [بخلاف المجبرة] (9) .
    _________
    (1) ن (فقط) : والمقصود، وهو تحريف.
    (2) ا، ب: وإن شاء.
    (3) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) ، (م) .
    (4) ن، م:. . بالفاعل المختار الذي لا يفعل على وجه الوجوب.
    (5) ا، ب: وما يحدث.
    (6) ا، ب: فهو يرجحه.
    (7) ن، م: ترجيح.
    (8) ب (فقط) : قد يريد.
    (9) عبارة " بخلاف المجبرة ": ساقطة من (ن) ، (م) .

    ****************************** ********
    والجمهور من أهل السنة وغيرهم المثبتين للقدر والصفات، يقولون: إنه فاعل بالاختيار، وإذا شاء شيئا كان، وإرادته وقدرته من لوازم ذاته، سواء قالوا بإرادة واحدة قديمة، أو بإرادات متعاقبة، أو بإرادات (1) قديمة تستوجب حدوث إرادات أخر. فعلى كل قول (2) من هذه الأقوال الثلاثة يجب عندهم وجود مراده.
    وإذا فسر الإيجاب بالذات بهذا المعنى كان النزاع لفظيا، فالدليل الذي ذكرناه يمكن (3) تصوره (4) بلفظ الموجب بالذات، ولفظ العلة والمعلول، ولفظ المؤثر والأثر، ولفظ الفاعل المختار، وهو بجميع هذه العبارات يبين امتناع قدم شيء من العالم، ووجوب حدوث كل ما سوى الله.
    وهنا أمر آخر، وهو أن الناس تنازعوا في الفاعل المختار: هل يجب أن تكون إرادته قبل الفعل ويمتنع مقارنتها له؟ أم يجب مقارنة إرادته - التي هي القصد - للفعل، وما يتقدم الفعل يكون عزما لا قصدا؟ أم يجوز كل من الأمرين؟ على ثلاثة أقوال.
    ونحن قد بينا وجوب حدوث كل ما سوى الله على كل قول (5) من الأقوال الثلاثة: قول من يوجب المقارنة، [وقول من يقول (6) بأن المقارنة] (7) ممتنعة، وقول من يجوز الأمرين.
    _________
    (1) ا، ب: أو بإرادة.
    (2) قول: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (3) ا، ب: لا يمكن.
    (4) ن، م: تصويره.
    (5) قول: ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (6) ا، ب: ومن يقول.
    (7) ما بين المعقوفتين ساقط من (ن) فقط.
    ****************************** ****

    وكذلك تنازعوا في القدرة: هل يجب مقارنتها للمقدور [ويمتنع تقديمها] (1) ؟ أم يجب تقدمها على المقدور (2 ويمتنع مقارنتها؟ أم تتصف بالتقدم والمقارنة 2) (2) ؟ على ثلاثة أقوال أيضا (3) .
    وفصل الخطاب أن الإرادة الجازمة مع القدرة التامة مستلزمة للفعل ومقارنة له، فلا يكون [الفعل] (4) بمجرد قدرة متقدمة غير مقارنة، ولا بمجرد إرادة متقدمة غير مقارنة، بل لا بد عند وجود الأثر من وجود المؤثر التام، ولا يكون الفعل بفاعل معدوم حين الفعل (5) ، ولا بقدرة معدومة حين الفعل، (6 ولا بإرادة معدومة حين الفعل 6) (6) ، وقبل [الفعل] (7) لا تجتمع الإرادة الجازمة والقدرة التامة، فإن ذلك مستلزم للفعل، فلا يوجد إلا مع الفعل، لكن قد يوجد قبل الفعل قدرة بلا إرادة، وإرادة بلا قدرة، كما قد يوجد عزم على أن يفعل، فإذا حضر وقت الفعل قوي العزم فصار قصدا، فتكون الإرادة حين الفعل أكمل مما كانت (8) قبله، [وكذلك القدرة حين الفعل أكمل مما كانت قبله] (9) .
    وبهذا كان العبد قادرا قبل الفعل القدرة المشروطة في الأمر التي بها
    _________
    (1) ويمتنع تقدمها: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (2) (2 - 2) : بدلا من هذه العبارات في (ن) ، (م) : أم يجوز الأمران.
    (3) أيضا: زيادة في (ن) فقط.
    (4) الفعل: ساقطة من (ن) فقط.
    (5) ن (فقط) : ولا يكون الفاعل بفعل معدوم حين الفعل، وهو خطأ.
    (6) (6 - 6) : ساقطة من (ا) ، (ب) .
    (7) الفعل ساقطة من (ن) فقط.
    (8) ن: كان.
    (9) ما بين النجمتين ساقط من (ن) فقط.

    ****************************** *****
    يفارق العاجز (1) كما في قوله تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} [سورة التغابن: 16] ، وقوله: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا} [سورة آل عمران: 97] ، وقوله: {فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا} [سورة المجادلة: 4] . فإن هذه الاستطاعة لو لم تكن [إلا] (2) مقارنة للفعل، لم يجب الحج على من لم يحج، ولا وجب على من لم يتق الله أن يتقي الله، ولكان كل من لم يصم الشهرين المتتابعين غير مستطيع للصيام، وهذا كله خلاف هذه النصوص وخلاف إجماع المسلمين.
    فمن نفى هذه القدرة من المثبتين للقدر، وزعم أن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل، فقد بالغ في مناقضة القدرية الذين يقولون: لا تكون الاستطاعة إلا قبل الفعل.
    فإن هؤلاء أخطئوا حيث زعموا ذلك، وقالوا: إن كل ما يقدر (3) به العبد على الإيمان والطاعة فقد (4) سوى الله فيه بين المؤمن والكافر، بل سوى بينهما في كل ما يمكن (5) أن يعطيه للعبد (6) مما به يؤمن ويطيع.
    وهذا القول فاسد قطعا، فإنه لو كانا متساويين في جميع أسباب الفعل، لكان اختصاص أحدهما بالفعل دون الآخر ترجيحا لأحد المتماثلين على الآخر من غير مرجح. وهذا هو أصل هؤلاء القدرية
    _________
    (1) ن: في الأمر فارق بها العاجز؛ م: في الأمر التي فارق بها العاجز.
    (2) إلا: ساقطة من (ن) فقط.
    (3) ن (فقط) : كل ما قدر.
    (4) ن، م: قد.
    (5) ن، م، ا: يمكنه.
    (6) ا، ب: العبد.
    ****************************** ***

    الذين يقولون: إن الفاعل القادر يرجح أحد طرفي مقدوريه (1) على الآخر بلا مرجح، وهذا باطل وإن وافقهم عليه بعض المثبتين للقدر.
    وأما المثبتون للقدر المخالفون لهم في هذا الأصل، فمنهم طائفة إذا تكلموا في مسائل القدر وخلق أفعال العباد، (2 قالوا: إن القادر لا يرجح أحد مقدوريه على الآخر إلا بمرجح 2) (2) ، لكن إذا تكلموا في مسائل فعل الله، وحدوث العالم، والفرق بين الموجب والمختار، ومناظرة الدهرية، تجد كثيرا منهم يناظرهم مناظرة من قال من القدرية والجهمية المجبرة بأن الفاعل المختار يرجح أحد مقدوريه بلا مرجح.
    وبهذا ظهر (3) اضطرابهم في هذه الأصول [الكبار] (4) ، التي يدورون فيها بين أصول القدرية والجهمية المجبرة المعطلة لحقيقة الأمر والنهي، والوعد والوعيد، ولصفة (5) الله في خلقه وأمره، وبين أصول الفلاسفة الدهرية المشركين.

    [نقد فلاسفة اليونان المشركين]
    وإن كانوا من الصابئين فهم من الصابئين (6) المشركين، لا من الصابئين الحنفاء الذين أثنى عليهم القرآن، فإن أولئك يعبدون (7) الكواكب ويبنون لها (8) الهياكل، ويتخذون فيها الأصنام، وهذا دين
    _________
    (1) ن، م، ا: مقدوره.
    (2) (2 - 2) : ساقط من (ا) ، (ب) .
    (3) ا، ب: ولهذا يظهر.
    (4) الكبار: ساقطة من (ن) ، (م) .
    (5) ن، م، ا: لصفة.
    (6) الصابئين: ساقطة من (ب) فقط.
    (7) ا، ب: فإنهم يعبدون.
    (8) ن، م: ويثبتون لها، وهو تحريف.
    ****************************** *****

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •