الصيام مدرسة للصلاح والإصلاح



شرع الله -عز وجل- العبادة مِن أجل تحقيق الصلاح والفلاح، فإذا لم تُهذّب العبادة أخلاق المسلم، كانت بمثابة واجبات فارغةٍ مِن مضمونها الإيماني، اعتاد المسلم على أدائها؛ ولذا فإنّ أبرز السّمات الأخلاقيّة للمجتمع المسلم، الارتباط الوثيق بين العبادة والأخلاق، فالعبادة تُزكّي نفس صاحبها، وتُوجّه سلوكه توجيهًا شفّافًا، وتُهذّب أخلاقه باستمرارٍ، فالصّلاة الّتي هي أهمّ أركان الإسلام -بعد توحيد الله سبحانه-، نجد أنّها مِن أعظم وسائل تزكية النّفوس، قال -تعالى-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45)، فكأنّ حقيقة الصّلاة تطهيرٌ للنّفس مِن الأخلاق الرّديئة.

وأما عبادة الصيام فأعظم ما يحقق المسلم من تلك العبادة هو تقوى الله -عز وجل-؛ فقال -تعالى-: {لعلكم تتقون}، ومن فوائدها تقوية الإرادة، وذلك بالصبر على آلام الجوع والعطش، ما يجعل المسلم مالكا لزمام نفسه.

لذلك فإن فريضة الصيام هي إحدى وسائل الإسلام في تحقيق تربية الفرد المسلم على الصلاح والاستقامة، وتقويم اعوجاجه.


وتحقيق فضيلة التقوى في هذا الشهر المبارك له اتصال وثيق بقضية الإصلاح؛ فصلاح الفرد هو صلاح للمجتمع؛ ولذا كان شهر رمضان فرصة عظيمة لتحقيق ذلك الإصلاح.

والصيام -كالصلاة والزكاة والحج- فريضة وشعيرة إسلامية ذات أثر تربوي ودور فعال في بناء شخصية المسلم وإصلاحها، فهي ليست مجرد طقوس تؤدى ثم ينتهي أثرها بانتهاء أدائها، وإنما لكل عبادة من عبادات الإسلام غاية وحكمة وثمرة، وأثر كل العبادات على الفرد المسلم يتعدى حدود الأداء إلى مختلف الأخلاق والمعاملات الحياتية في رباط فريد ومنظومة متكاملة تستهدف في مجموعها صلاح الفرد والمجتمع.

هذه هي تربية الإسلام للمسلمين، وهي ثمرة العبادة والطّاعة، وهي صلاحٌ وإصلاحٌ، وتقدّمٌ وازدهارٌ، وسيادةٌ وسعادةٌ؛ فالواجب علينا أن نفهم أنّ هذه مقاصد العبادة الّتي خلقنا الله -عز وجل- مِن أجلها، وعلينا أن نعي جيّدًا أنّه متى صحّت سلوكيات الفرد، مِن: برٍّ للوالدين، وصلةٍ للأرحام، وأداءٍ للأمانة، وصدقٍ للحديث، وحُسنٍ للجوار، ونحوها، صحّت عبادته مِن: صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍّ ونحوها، وكان للمسلم أجرها عند ربّه ومولاه، ولكنْ إنْ فسدت سلوكياته, فسدت بفسادها عبادته، فيحدث عندئذٍ خلل في القيم والأخلاق والمعاملة الحسنة، فيؤثر ذلك سلبا على عبادته وشؤون حياته.
منقول