المؤمن لا يكفر بالمعاصي


- من أخطر ما يقع فيه بعض الناس أن يعتقدوا كفر بعض عصاة المسلمين استناداً إلى آيات من كتاب الله وأحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- هل لي مزيد إيضاح؟
- مثلاً.. حديث النبي صلى الله عليه وسلم : «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» (متفق عليه)، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن.. والله لا يؤمن»، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم : «الجار لا يأمن جاره بوائقه»، قالوا: يا رسول الله وما بوالقه؟ قال: «شره» (مسند الإمام أحمد، صحيح على شرط مسلم)، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «ليس بمؤمن من لا يأمن جاره غوائله» (السلسلة الصحيحة، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «ليس منا من لم يتغن بالقرآن» (البخاري، وزاد غيره «يجهر به»)، وقوله صلى الله عليه وسلم حين مُطروا: «أتدرون ما قال ربكم؟» قال: «أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما الذي يقول: مطرنا بنجم كذا وكذا، كافر بي مؤمن بالكوكب، والذي يقول: هذا رزق الله ورحمته، مؤمن بي وكافر بالكوكب» (البخاري)، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم : «من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد» (صححه الألباني).
- وماذا عن الآيات في كتاب الله التي يستند إليها بعض الناس في تكفير أصحاب المعاصي من المسلمين؟!
كان الحوار جاداً في المجلس (ديوانية) الأسبوعي في منطقة الجابرية التي كنت أسكن فيها قبل عشرين سنة.
- الآيات كثيرة، منها قوله تعالى بعد آيات المواريث من سورة النساء: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً فيها وله عذاب مهين} (النساء: 14)، وقوله سبحانه: {إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا} (الجن: 23)، وقوله عز وجل: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (المائدة: 44)، وقوله تعالى: {ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما} (النساء: 93)، هذه بعض الآيات والأحاديث التي استند إليها من قال بكفر صاحب المعصية، وهي بلا شك عقيدة خطأ، وقول باطل يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة، وحتى نبين الأمر:
- ابتداء يجب أن نعتقد أن نواقض الإسلام التي تخرج المسلم عن دائرة الإسلام وتجعله كافراً يخلد أبد الأبدين في جهنم ولا يغفر الله له، هذه النواقض حددها العلماء وبينوها أكمل بيان؛ فلا ينبغي لأحد أن يجتهد استناداً إلى فهمه لألفاظ الآيات والأحاديث في تكفير مسلم وإخراجه من الإسلام إلى الكفر، وبعد ذلك نأتي لنفهم الآيات والأحاديث التي أوردناها سابقاً.
لقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين في مواضع كثيرة من كتابه، كما في أول سورة (المؤمنون) وغيرها، فإذا ارتكب المؤمن شيئاً من المعاصي التي جاءت في الآيات والأحاديث ونفت الإيمان عمن يرتكبها، فإنما المقصود نفي حقيقته حينئذ، أي في وقت ارتكابه للمعصية وقيل: نفت عنه كماله، فقد نقص إيمانه بقدر معصيته ولم تخرجه من الإيمان إلى الكفر، وهذا مستفيض في كلام العرب الذي نزل به القرآن وتحدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في كتاب الإيمان لابن سلام: «ألا ترى أنهم يقولون إذا كان ليس بمحكم لعمله: ما صنعت شيئاً ولا عملت عملا، وإنما وقع معناهم هاهنا على نفي التجديد لا على الصنعة نفسها»، فعندما ينفي الرسول صلى الله عليه وسلم الإيمان عن الذي يؤذي جاره، فإن هذا لا يعني أنه كفر، وعندما يصف بالكفر من أتى حائضاً، فهذا لا يعني أنه كفر، وعندما يصف بالنفاق من فجر في الخصومة، فهذا لا يعني أنه منافق، وإنما هؤلاء ارتكبوا أعمالا يفعلها الكفار، واتصفوا بصفات هي من صفات المنافقين، وهكذا نفهم جميع الآيات والأحاديث التي تصف من ارتكب معصية ما بالكفر، أو الخلود في جهنم، أو النفاق؛ لأن الكافر الحقيقي لا يغفر الله له.
أما من وقع في الشرك، فإنه كافر وإن كان يصلي، مثلاً من ذبح لغير الله متقرباً إليه، ونذر لغير الله معتقداً فيه، ومن دعا غير الله رغبة ورهبة إليه، هذه العبادات التي يجب أن تصرف لله وحده إذا صرفت لغيره يكفر العبد كمن يسجد لغير الله، أما من لم يقع في نواقض الإيمان العشرة، فمهما ارتكب من معصية فإنه لا يكفر ولا يخلد في نار جهنم، وإن كان على خطر عظيم.
- وما النواقض العشرة هذه؟
- بعجالة، هي: الشرك بالله، واتخاذ الوسائط إلى الله، والشك في كفر الكافرين، والاعتقاد بأن هدياً آخر غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أحسن منه، وبغض شيء من الدين، والاستهزاء بشعيرة من شعائر الإسلام، وتعلم السحر وتعليمه اعتقادا، ومظاهرة الكافرين على المؤمنين، والإعراض عن دين الله ورفضه، والاعتقاد بأن أحداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم .


اعداد: د. أمير الحداد