تمتع بما تملك واترك ما لا تملك


شعاع الخلف



قرأت لك عزيزي القارئ من كتاب (تمتع بحياتك) للدكتور بشير الرشيدي ما أعجبني ودفعني إلى أن أنقله لك ببعض تصرف متواضع مني، إذ يروى أن فلاحا خرج من بيته في الصباح الباكر ليفلح أرضه ويزرعها، وقد اجتهد في ذلك اجتهاد المحتاج إلى محصوله، وجاءت الظهيرة وهو على تلك الوتيرة وأكمل مشواره بعد أن تناول طعامه، وهو عبارة عن طعام الفلاحين، وعندما مالت الشمس إلى المغيب قرر العودة للمبيت، وفي الطريق استراح في ظل شجرة كبيرة وغلبه النعاس من شدة التعب، وفجأة انفتح باب في جذع الشجرة ودخل من خلال ذلك الباب إلى مملكة عظيمة، ووجد الجنود في استقباله وكأنه ملك عظيم قد تم الاستعداد له، واستقبلوه بحفاوة وتكريم وأخذوه إلى مائدة كبيرة عليها ما لذ وطاب من جميع أنواع الأطعمة، فأكل وشرب ونظر فوجد الناس حوله خاضعين، قاده كبير الضباط إلى مقره وعرّفه على مملكته وأخبره أنهم في انتظاره منذ زمن طويل، وحمد الله على مجيئه إليهم وأخبره كذلك بأحوال المملكة وقصتها وأنه ملكها منذ سنين، ثم عرفه بغرفة نومه الكبيرة، وعاش الملك الفلاح أياما عديدة في نعيم دائم وكل يوم له برنامج خاص من التمتع في أرجاء مملكته، كلما طلب شيئا منح له، وكلما أمر لبي طلبه، هكذا عاش سلطانا في مملكته، و ذات يوم حضر إليه كبير الضباط وقال: أيها الملك، إن لك ما شئت في هذه المملكة باستثناء الباب المغلق داخل غرفتك إنه الشيء الوحيد المحرم عليك وما سوى ذلك فانه تحت يديك وطوع أمرك، نظر الملك الفلاح إلى الباب المحرم وقال فقط هذا الباب يجب ألا أفتحه؟ قالوا: نعم، ثم انصرفوا وأراد الملك النوم، لكنه بدأ ينظر إلى ذلك الباب وتقاطرت عليه الأفكار والهواجس: لماذا حرم عليه هذا الباب من دون الأبواب الأخرى ؟ وما السر الذي يخفيه؟ ولم يغمض له جفن، بل أصبح فكره فيما وراء الباب مسيطرا عليه، حاول مقاومة حب الاستطلاع عنده وصبر أياما، لكن أصبح الأمر بالنسبة له لا يقاوم، فقرر فتح الباب ليعرف ما وراءه، وفعلا فتحه فوجد نفسه عند حماره أمام الشجرة الكبيرة، حاول أن يعود إلى مملكته لكن الوقت قد فات.

هذه قصة رمزية لكنها تمثل واقع كثير من أحوال الناس؛ فقد تسيطر عليهم أفكار ليست في متناول أيديهم وينسون التمتع بما يملكون، إنهم يفكرون بما ينقصهم ويتحسرون على ما ليس في متناولهم، وينسون إمكانياتهم الكبيرة، هذا الملك كانت تحت قدميه كل المملكة وتركها وبدأ يركز كل تفكيره وخياله على هذا الباب حتى أخرجه من نعيمه وحرمه من الاستمتاع بما كان ملك يمينه، إن مشكلة الإنسان نابعة من نفسه، والتعامل مع الذات هو أساس السعادة أو التعاسة وليست العوامل الخارجية، إنها عمليات التحكم فيما يشعر به الإنسان من داخل نفسه فهو الذي يحدد مسار حياته، ويحدد درجة التمتع بعناصر الحياة حتى وان كانت بعض عناصرها ناقصة.

كثير من الناس مثل الفلاح يقضي طول عمره يندب حظه على صفقة قد فاتت عليه وخسرها أو ولد توفاه الله، أو فرصة كانت سانحة ومضت، أو غير ذلك من تلك الأمور التي لا يملكها الآن وأصبحت في حكم المستحيل أن يستعيدها، فيقضي طوال أيامه يفكر فقط في هذا الأمر تفكيرا سلبيا يزيده هما وغما وحسرة على ما نقصه من حياته مع العلم، إن التفكير الإيجابي يجعله يفكر في كيفية الوصول إلى تلك الصورة التي يريدها ويجدد الأمل في الحصول عليها وتكون دافعا للعمل، فتمتع بما تملك من إمكانيات، واترك ما لا تملك، ولا تذهب نفسك حسرات، وتذكر أن الله قد أعطاك الكثير حسب حاجتك، فإن أردت المزيد فاجتهد حسب إرادتك دون أن تمزق ذاتك أسفا على ما فاتك فان ما كان لك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك. من كتاب (تمتع بحياتك) للدكتور بشير الرشيدي، بتصرف.