مآخذ الأئمة ومسالكهم في أنواع القتل هل هي ثنائية أو ثلاثية؟

د. فؤاد بن يحيى الهاشمي


القتل العمد : أن يقصد الجاني من يعلمه آدميًا معصومًا فيقتله بما يغلب على الظن موته به .

مسألة : هل المراد بالقصد قصد الاعتداء أم قصد القتل ؟
اختلف الفقهاء في ذلك على قولين :
القول الأول : أن المراد قصد القتل ، وهذا هو قول الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة .
القول الثاني : أن المراد قصد الاعتداء ، وهذا هو قول المالكية ، فتكون الجريمة عندهم جريمة عمدية بمجرد قصد الجاني الاعتداء على اﻟﻤﺠني عليه ، وإن لم يقصد قتله .
وسبب الاختلاف في معنى القصد : أن المالكية لايعترفون بالقتل شبه العمد ، فعندهم شبه العمد نوع من العمد ، وهم يقسمون القتل إلى قسمين : خطأ ، وعمد فقط .
وسيأتي بيان الخلاف في المسألة وأن الراجح فيها هو قول الجمهور لعدة أدلة ، وعليه فإن الصحيح في معنى القصد هنا هو قصد القتل ، فلو قصد الجاني الاعتداء ولم يقصد القتل فهو شبه عمد وليس بعمد .

الاعتداء على النفس على ثلاثة أنواع عند الجمهور (الحنفية والشافعية والحنابلة):
1- القتل العمد.
2- القتل شبه العمد.
3- القتل الخطأ.
جمهور أهل العلم من الحنفية والشافعية والحنابلة أن القتل على ثلاثة أنواع.
الحنفية يقسمون القتل الخطأ إلى قسمين :
1- قتل خطأ.
2-ما جرى مجرى الخطأ .
وعلى هذا فتكون أقسام القتل عندهم أربعة ، وذهب إلى مثل ذلك بعض الحنابلة.
وبعض الحنفية يضيف إلى أقسام الخطأ قسمًا ثالثًا:
3- وهو القتل بالتسبب.
وعلى هذا فتكون الأقسام عندهم خمسة .
ويرى بعض أهل العلم أن هذه التقسيمات اصطلاحية والخلاف في كوﻧﻬا ثلاثة أو أربعة أو خمسة خلاف لفظي لايترتب عليه
حكم ، لأن النتيجة في النهاية واحدة .
قال المرداوي في الإنصاف :قال الزركشي: ولا نزاع أنه باعتبار الحكم الشرعي لا يزيد على ثلاثة أوجه:
1- عمد وهو ما فيه القصاص أو الدية.
2- و شبه العمد وهو ما فيه دية مغلظة.
3- وخطأ وهو ما فيه دية مخففة.
انتهى.
قلت ( القائل هو المرداوي ) :
الذي نظر إلى الأحكام المترتبة على القتل جعل الأقسام ثلاثة والذي نظر إلى الصور فهي أربعة بلا شك.

فالخلاف إذًا بين أصحاب هذا القول لفظي ، والخلاف الحقيقي مع قول المالكية الآتي .
وعند التحقيق: فإن الخلاف في كون القتل الخطأ قسمًا واحدًا أو اثنين أو ثلاثة لا يترتب عليه اختلاف في الحكم الشرعي عند الحنابلة ، وكذلك عند الأحناف بالنسبة لتقسيم القتل الخطأ إلى قتل خطأ محض ، وقتل يجري مجرى الخطأ ، فإن أحكامهما واحدة عندهم .
أما تقسيم القتل الخطأ عند الحنفية إلى قتل بالمباشرة وقتل بالتسبب فهذا ليس صوريًا إذ يترتب عليه اختلاف في الحكم ،
فالقتل بالمباشرة: فيه الكفارة والحرمان من الميراث.
بخلاف القتل بالتسبب: فلا كفارة فيه ولا يحرم المتسبب من الميراث على المشهور من المذهب الحنفي

القتل الخطأ عند الأحناف ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
1 - قتل خطأٍ محض بالمباشرة.
2- قتل بالمباشرة يجري مجرى الخطأ.
فهذان القسمان لا يختلفان في الأحكام ففيهما الدية المخففة والكفارة والحرمان من الميراث.

3 - قتل بالتسبب :وهذا فيه الدية دون الكفارة ولا يحرم القاتل من الميراث.
والصحيح أن حكم القتل بالتسبب كالمباشرة

القول الثاني :
وهو المشهور من مذهب المالكية ، وهو أن القتل على نوعين فقط :
1- عمد
2- وخطأ
وليس ثمة شبه عمد ، فهم يجرون أحكام القتل العمد على القتل شبه العمد .
يحسن التعرف على الملامح العامة في كل مذهب من المذاهب الأربعة وضوابطه في الأداة المستخدمة في القتل العمد ، فمن خلال استقراء نصوص أئمة المذاهب الأربعة يتبين أن لكل مذهب منحى خاصًا في تحديد الصور التي تدخل ضمن القتل العمد والتي لا تدخل ، وأن أشد تلك المذاهب المالكي ثم يليه الشافعي والحنبلي ثم يليهما
الحنفي .
وخلاصة اتجاهات الأئمة على النحو التالي :
1 - فالإمام مالك: لأنه لا يعترف بالقتل شبه العمد يعتبر القتل عمدًا ، مادام الفعل عمدًا وبقصد العدوان ، بصرف النظر عن الآلة: فلو اعتدى عليه بحجر صغير فقتله فهو قتل عمد ، يقتل به ، ولو لم يقصد قتله ، فهو لا يشترط في الآلة المستخدمة أي شرط إلا في جناية الأصل على فرعه فيشترط للقصاص تمحض قصد القتل بأن تكون الآلة المستخدمة مما يقتل غالبًا.
قال أبو فراس:
هذا الاستثناء عند المالكية يحتاج إلى مراجعة لمعرفة المقصود منه.
قال الدردير في الشرح الكبير : القتل الموجب للقصاص أن يقصد القاتل الضرب أي يقصد إيقاعه ولا يشترط قصد القتل في غير جناية الأصل على فرعه فإذا قصد ضربه بما يقتل غالبا فمات من ذلك فإنه يقتص له وكذا إذا قصد ضربه بما لا يقتل غالبا فمات من ذلك فإنه يقتص له منه أيضا ولذا بالغ عليه بقوله أي خليل - ( وإن بقضيب )
والشافعي وأحمد: يشترطان في الآلة شرطًا واحدًا وهو أن تكون مما يقتل غالبًا : كالسيف والحجر الكبير ، والإلقاء من مكان عال ونحو ذلك ، أما لو اعتدى عليه بآلة لا تقتل غالبًا كالعصا الصغيرة ، فمات ﺑﻬا فإن هذا شبه عمد وليس بعمد .
3 - أبو حنيفة: يشترط في الآلة شرطين :
الأول : أن تكون مما يقتل غالبًا.
والثاني : أن تكون معدة للقتل.
والآلة المعدة للقتل عنده: هي كل آلة جارحة أو طاعنة ذات حد لها مور في الجسم ، من أي شيء كانت ( حديد ، نحاس ، خشب ..) أو ما يعمل عمل هذه الأشياء في الجرح والطعن وهو النار والحديد وإن لم يكن محددًا .
وما سوى ذلك فليس بآلة قاتلة؛ فمن صور القتل العمد عنده : أن يطعن ه بالسيف أو بالسكين أو يرميه بالبندقية ، فهذه
الآلات تقتل غالبًا ، وهي معدة للقتل في عرف الناس ، لأﻧﻬا ذات نفوذ في البدن ، ومن ذلك أيضًا لو حرقه بالنار ، أو ضربه
بحديدة على رأسه من دون أن تنفذ في البدن ، فهذه أيضًا قتل عمد لأﻧﻬا وإن لم تكن ذات نفوذ إلا أن الحديد والنار من
الأدوات المعدة للقتل في عرف الناس .
أما لو ضربه بحجر كبير ، أو أرداه من جبل شاهق ، أو دهسه بالسيارة ، فليس بقتل عمد عنده لأن هذه الأدوات وإن كانت
تقتل غالبًا إلا أﻧﻬا غير معدة للقتل أصلا .
وسبب الخلاف بين أبي حنيفة من جهة ، والشافعي وأحمد من جهة أخرى :
أن أبا حنيفة: يرى أن عقوبة القتل العمد عقوبة متناهية في الشدة وهي القصاص ، وهذا يستدعي أن تكون جريمة العمد متناهية
في العمد بحيث يكون القتل عمدًا محضًا لا شبهة فيه ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العمد قود " ، و "أل" في لفظ
العمد تفيد الاستغراق والحصر ، ولأن استعمال آلة غير معدة للقتل دليل على عدم قصد القتل ، وعلى أقل الأحوال فهو يفيد
الاحتمال والاحتمال شبهة والشبهة تمنع القتل .
أما الشافعي وأحمد: فيريان أن استعمال آلة تقتل غالبًا يعد دليلا كافيًا في قصد القتل .
ويمكن أن نلخص أدلة الفريقين على النحو الآتي:
أدلة الحنفية:
قول النبي صلى الله عليه وسلم : " العمد قود " رواه ابن أبي شيبة من حديث ابن عباس ، وهو في السنن بلفظ: " من قتل
عمدًا فهو قود " ، ووجه الدلالة : أن "أل" في لفظ العمد تفيد الاستغراق والحصر ، ومفهوم الحديث : لا قود إلا في العمد
الكامل (المحض).
-2 ولأن عقوبة القتل العمد عقوبة متناهية في الشدة وهي القصاص ، وهذا يستدعي أن تكون جريمة العمد متناهية في العمد
بحيث يكون القتل عمدًا محضًا لاشبهة فيه .
-3 ولأن استعمال آلة غير معدة للقتل دليل على عدم قصد القتل .
-4 وعلى أقل الأحوال فإن استعمال آلة غير معدة للقتل يفيد الاحتمال والاحتمال شبهة والشبهة تمنع القتل .
أدلة الجمهور:
-1 الأدلة الآتية في القتل بالمثقل ، فإن المثقل أداة لا تستخدم في القتل عادة ، مع ذلك أجرى فيه النبي صلى الله عليه وسلم
القصاص.
-2 ولأن اشتراط أن تكون الآلة معدة للقتل لا دليل عليه ، بل دلت النصوص الشرعية على خلافه
3- ولأن استعمال آلة تقتل غالبًا يعد دليلا كافيًا في قصد القتل، لأن غلبة الظن معتبرة في القصاص ، فالقتل يثبت بشهادة اثنين مع أن غاية ما تفيده هو غلبة الظن.
-4 ولأن الجناية بآلة غير معدة للقتل قد تكون في بعض صورها أدل على قصد القتل من الجناية بالمحدد.
والراجح هو قول الجمهور .



وخلاصة اتجاهات الأئمة على النحو التالي :
1 - فالإمام مالك: لأنه لا يعترف بالقتل شبه العمد يعتبر القتل عمدًا ، مادام الفعل عمدًا وبقصد العدوان ، بصرف النظر عن الآلة: فلو اعتدى عليه بحجر صغير فقتله فهو قتل عمد ، يقتل به ، ولو لم يقصد قتله ، فهو لا يشترط في الآلة المستخدمة أي شرط إلا في جناية الأصل على فرعه فيشترط للقصاص تمحض قصد القتل بأن تكون الآلة المستخدمة مما يقتل غالبًا.
قال أبو فراس:
هذا الاستثناء عند المالكية يحتاج إلى مراجعة لمعرفة المقصود منه.
قال الدردير في الشرح الكبير : القتل الموجب للقصاص أن يقصد القاتل الضرب أي يقصد إيقاعه ولا يشترط قصد القتل في غير جناية الأصل على فرعه فإذا قصد ضربه بما يقتل غالبا فمات من ذلك فإنه يقتص له وكذا إذا قصد ضربه بما لا يقتل غالبا فمات من ذلك فإنه يقتص له منه أيضا ولذا بالغ عليه بقوله أي خليل - ( وإن بقضيب )

يقول الخرشي في شرحه على المختصر (ط. دار الفكر 8 / 7):
قولنا في غير جناية الأصل إلخ
مخرج لجناية الأب على ولده فإن قصد ضربه لا يكون موجبا لقتله كغيره لأنه كان سببا في إخراج الولد من العدم إلى الوجود فلا يقتل به إلا إذا قصد إزهاق روحه كما يأتي.
أبو حنيفة: يشترط في الآلة شرطين :
الأول : أن تكون مما يقتل غالبًا.
والثاني : أن تكون معدة للقتل.
والآلة المعدة للقتل عنده: هي كل آلة جارحة أو طاعنة ذات حد لها مور في الجسم ، من أي شيء كانت ( حديد ، نحاس ، خشب ..) أو ما يعمل عمل هذه الأشياء في الجرح والطعن وهو النار والحديد وإن لم يكن محددًا .
وما سوى ذلك فليس بآلة قاتلة؛ فمن صور القتل العمد عنده : أن يطعن ه بالسيف أو بالسكين أو يرميه بالبندقية ، فهذه
الآلات تقتل غالبًا ، وهي معدة للقتل في عرف الناس ، لأﻧﻬا ذات نفوذ في البدن ، ومن ذلك أيضًا لو حرقه بالنار ، أو ضربه
بحديدة على رأسه من دون أن تنفذ في البدن ، فهذه أيضًا قتل عمد لأﻧﻬا وإن لم تكن ذات نفوذ إلا أن الحديد والنار من
الأدوات المعدة للقتل في عرف الناس .
أما لو ضربه بحجر كبير ، أو أرداه من جبل شاهق ، أو دهسه بالسيارة ، فليس بقتل عمد عنده لأن هذه الأدوات وإن كانت
تقتل غالبًا إلا أﻧﻬا غير معدة للقتل أصلا .