تَرجمةُ سَمَاحَةِ الإِمامِ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّـهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحمنِ ابْنِ جِبْرِينٍ ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ تعالى ـ .
(1349هـ ـ 1430 هـ )
* اسمه ونسبه :
عبد اللَّـه بن عبد الرَّحمن بن عبد اللَّـه بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين بن مُحمَّد بن عبد اللَّـه بن رشيد، من بني زيد القبيلة المشهورة ، وكان أصلهم في شقراء، ثم تفرقوا إلى كثير من القرى ومنها القويعية بلدة الشيخ.
وأخواله هم آل مسهر المشهورون هناك، وجدُّه لأمه يلقب بمسهر، واسمه عبد الرَّحمن بن مُحمَّد بن سليمان بن عبد اللَّـه بن عثمان بن محمد بن عبد اللَّـه بن رشيد، فعثمان أخو جبرين.
* مولده :
ولد في سنة تسع وأربعين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية، في بلد محيرقة ، وهي إحدى قرى القويعية.
* نشأته وطلبه للعلم :
نشأ الشَّيْخ ـ حفظه اللَّـهُ تَعَالَى ـ في قرية الرّين ومحيرقة ، وقرأ القرآن وتعلَّم العلم على والده، وعلى عمه إمام جامع المحيرقة الشيخ سعد بن عبد اللَّـه بن جبرين بن فهد، وعلى قاضي الرّين فَضِيلَةِ الشَّيْخِ عبدِ العزيزِ بن مُحمَّد الشَّثريّ أَبُو حَبِيْب الدَّاعية المعروف ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ ، وكان عمره في بداية طلبه للعلم عشر سنوات.
وقد حفظ القرآن الكريم كاملاً عند ما كان عمره سبعة عشر عامًا، وأول متن حفظه عن ظهر قلب هو ثلاثةُ الأصول، ومتن الأربعين النَّوويَّة، والرَّحبية في الفرائِض، والآجرُّومية في النَّحو.
وحصل لشيخِنا من التّفوق والنّجاح ما يرجع إلى أمرين هامين :
أولا : توفيق اللَّـهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى له، حيث هيأ له سبل العلم والفهم ، وجعله ممن يقدِّمون العلم على كل شيء، فهو الموفق لكل خير، وبيده مفاتيح العلم والفهم، ولا حول ولا قوة إلا باللَّـه.
ثانيًا : إنكبابه على العلم والمذاكرة والبحث والاطلاع ، مع انشغال غيره بما لا يعود نفعه إلا لنفسه، فهو أعطى وقته كله للعلم، فوصل بإذن ربه عز وجل إلى ما وصل إليه.
وطلبُ العِلم في القِدَم ـ في زمن الشَّيْخِ ـ لا شك أنه كان من الصّعوبة بمكان، حيث لا اتصالات، ولا تقنيات، ولا مواصلات سريعة، فكان الذي يطلب العلم يطلبه بصِدقٍ وصَبرٍ وتحمل مشاق، وقد تحمل الشَّيْخ في ذلك مشقة عظيمة، إذ كان يسافر من بلد إلى آخر مشيا على الأقدام، وإن وجد راحلة فهي الإبل، ومن المعلوم أن الركوب على الإبل لا فرق بينه وبين المشي على الأقدام إلا الشيء اليسير من الوقت ، بل قد لا تتحصل الرواحل لكل أحد.
*ومما ذكره الشَّيْخ في سفره قديمًا :
أولا : سفره إلى بلدة محيرقة سنويا في الغالب وقت الصيف، للقراءة على إمام جامع محيرقة سعد بن عبد اللَّـه بن جبرين ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ تَعَالَى ـ، وبالأخص في القُرآن الكريم ، وكان سفره على الرّواحل من المطايا، والمسافة بين الرين ومحيرقة نحو خمس وستين كيلاً، وتقطع في يومين قاصدين، لكن السّير يكون نهاراً، مع إراحة الرواحل وقت القيلولة، والاستظلال تحت شجر العضاه حتى تنكسر حرارة الشّمس.
ثم يواصل السير مع من معه آخر النهار مع أول اللَّيل، ثم ينزل وقت العشاء، ويبيت إلى الصَّباح، ويتعاقب الاثنان أو الثَّلاثة على بعير يركب كل واحد عقبه، ويسير الآخر إذا كان قادراً على المسير كما هي عادة المسافرين منذ القدم.
ثانيًا : ذهابه للعَالِمِ في المكان البعيد سيرًا على الأقدام، فهناك عالِمٌ كبيرٌ وهو الشَّيْخ صَالِح بن مطلق ـ عَلَيْهِ رَحْمَةُ اللَّـهِ ـ، وكان إمامًا في إحدى قرى الرّين، فكان يذهب إليها راجلاً بصحبة والده ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ، وبعض زملائه للتزود من علم الشَّيْخِ صَالِحٍ ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ، والاستفادة منه يومًا أو نصف يوم، وإن تيسر ركوب حمار فهو من وسائل التنقل، وهي تبعد عن قرية الشَّيْخ ثمان كيلو متر وكان يقطعها في ساعتين تقريبًا.
وكثيرا ما يقدم الشَّيْخ صَالِح إلى القرية التي فيها الشَّيخ رغم كونه ضرير البصر تواضعًا منه واعترافًا بفضلِ الشَّيْخِ عبدِ العزيزِ الشَّثريِّ، فيتحمل مشقة السّير راجلاً ذهابًا وإيابًا، ولمدة ساعتين في الطريق للسَّلام والإفادة والاستفادة رَحِمَ اللَّـهُ الجميعَ، فهنالك يستقبل الشَّيخ صَالح بالحفاوة والاحترام، ويلقي على الحاضرين أنواعا من الفوائد في الآداب والأحكام والغرائب، ويودع بمثل ما استقبل به من الإكرام رَحِمَ اللَّـهُ الجميعَ.
*انتقال الشَّيْخ للرِّياض لطلبِ العلم :
وبعد انتقاله إلى الرياض عام 1374هـ التحق بمعهد إمام الدَّعوة واستمر فيه دارسًا إلى أن انتهى من القسم العالي في عام 1381هـ.
وكان ـ حَفِظَهُ اللَّـهُ تعالى ـ متفوقًا في المراحل الدّراسية كلها، وكان الأول بين الطُّلاب النَّاجحين.
قلتُ : وقد حدَّثني الشَّيْخ العلَّامة القاضي عبد الرَّحمن بن سحمان أن الشَّيْخَ ابْنَ جِبْرِينٍ والشَّيْخَ ابْنَ فَوْزَانَ كانا يفتيان أيام الشَّيْخِ مُحمَّد بْنِ إبراهيمَ ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ تَعَالَى ـ.
* مشايخه :
وأما مشايخه الذين قرأ عليهم فمنهم :
1 ـ سماحة الشَّيْخِ المُفْتِي العام للمملكة مُحمَّد بن إبراهيمَ بن عبد اللَّطيف آل الشَّيْخِ.
2 ـ فضيلة الشَّيْخِ عبد اللَّطيفِ بن إبراهيمَ آل الشَّيْخِ الفَرَضيّ المعروف ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ.
3 ـ سماحة الشَّيْخِ الإمام عبد العزيز بن بازٍ. المُفْتِي العام للمملكة ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ.
4 ـ فَضيلةِ الشَّيْخِ الإمام مُحَمَّد الأمين الشَّنْقِيطيّ صاحب « أضواء البيان » ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ.
5 ـ فضيلة الشَّيْخِ عبد اللَّـه بن حُمَيد. رئيس مجلس القضاء الأعلى ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ.
6 ـ فضيلة الشَّيْخِ عبد الرَّزَّاق عفيفي. نائب الرَّئيس العام لإدارات البحوث العلميّة والإفتاء والدَّعوة والإرشاد ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ.
7 ـ فضيلة الشَّيْخِ حَمَّاد بن مُحمَّد الأنصارِيّ. العلامة المُحَدِّث والأُستاذ بالجامعة الإسلاميَّة ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ.
8 ـ فضيلة الشَّيْخِ عبد العزيز بن ناصِر بن رشيد. الفقيه الفَرَضيّ ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ.
9 ـ فضيلة الشَّيْخِ إسماعيل بن مُحمَّد الأَنصاريّ.العل مة المُحَدِّث والباحث في إدارة الإفتاء ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ.
10 ـ فضيلة الشَّيْخِ عبد الرَّحمن بن مُحمَّد بن هويمل.
11 ـ فضيلة الشَّيْخِ مُحَمَّد بن إبراهيمَ المهيزع.
12 ـ فضيلة الشَّيْخِ عبد الحميد عمار الجَزائِريّ.
13 ـ فضيلة الشَّيْخِ مُحَمَّد البيحانيّ.
14 ـ فضيلة الشَّيْخِ مُحَمَّد الجنديّ المصريّ.
15 ـ فضيلة الشَّيخِ عبد العزيز بن محمد أبو حبيب الشَّثريّ. وقد قرأ عليه شيخنا « صحيح البُخَاريِّ » و « صَحِيْح مُسْلِمٍ ».
16ـ فضيلة الشَّيْخِ صَالِح بن مطلق.
ـ رَحِمَهُم اللَّـهُ جَمِيعًا ـ.
*تدريس شيخنا لطلبة العلم :
في عام 1381هـ درَّس شيخنا في معهد إمام الدعوة.
وفي عام 1395هـ درَّس شيخنا في كلية الشريعة.
وفي عام 1409هـ درَّس شيخنا في المعهد العالي للقضاء.
وفي عام 1402هـ باشر شيخنا العمل في دار الإفتاء وهي برئاسة شيخه المُفتِي العام سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ حتى عام 1417هـ حيث تقاعد الشَّيخ بعد أن مُدِّدَ له.
أما ابتداء شيخنا التَّدريس للطلبة ففي سنة 1381هـ وذلك في معهد إمام الدَّعوة ، ثم في بيته عام 1387هـ، وأول مادة ألقاها على طلابه في البيت متن الرَّحبية في الفرائض، وكان عدد الطُّلاب ما يقارب أحد عشر طالبًا أغلبهم من اليمن.
وفي عام 1389هـ جلس لطلاب العلم في مسجده لما عُيّن إمامًا فيه، وهو مسجد آل حماد قرب دخنة ، ودرَّس ـ كما هي عادة المربين من أهل العلم ـ بالمتون المختصرة كثلاثة الأصول، وكتاب التَّوحيد، وكشف الشبهات، والعقيدة الواسطية، وغيرها.
ثم نقل الدَّرس من مسجده إلى المسجد الواقع بحلة الحمادي بسبب هدم المسجد، وجاهد هناك في استمرار الدرس بكرةً وعشيًا، مع إقبال طلبة العلم لحضور دروسه.
وفي عام 1398هـ بدأ بدرس في العقيدة تخصص به بعض الطُّلاب، وذلك لمدة يومين في الأسبوع بعد العشاء، وكان ابتداؤه في المنزل في حلة الحمادي، ونقلهم إلى منزله الحالي في شبرا، وما زال يتزايد العدد حتى نقل الدرس إلى المسجد المجاور لمنزله.
وقد أنابه سماحة الشَّيْخ عبد العزيز بن بازٍ ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ تَعَالَى ـ كي يدرّس في الجامع الكبير وذلك بعد المغرب لمدة أربعة أيام في الأسبوع.
وفي عام 1408هـ أقام شيخنا درسًا في مسجد ( السالم ) في العليا في العمدة في الفقه، وغيره في الاعتقاد.
وفي عام 1409هـ أقام درسًا في مسجد الرَّاجحيّ بالرّبوة، يشرح فيه كتاب « شرح الطحاوية » لابن أبي العز الحنفي ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ. ثم تعددت دروس الشَّيْخِ في عدد من المساجد، وحتى الآن وللشَّيخِ دروسٌ في مختلف أنحاء الرِّياض.
*صفاته :
والشَّيْخ ـ حَفِظَهُ اللَّـهُ تَعَالَى ـ له خصال عديدة يتميز بها.
منها: سماحته لطلاب العلم ورفقه بالطلبة والحرص عليهم. وكذلك قيامه بتسهيل أمور العامة من المسلمين والشفاعة لهم عند المعنيين من ولاة الأمر والوجهاء وأهل الخير والاحسان. فشيخنا حفظه الله له اعتناء بهذا الشأن من البذل والعطاء ما يفوق الوصف، ويشبه في هذا بشيخه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رَحِمَهُ اللَّـهُ ـ.
ومنها: أنه ـ حَفِظَهُ اللَّـهُ ـ أكثر العلماء بذلاً للعلم في الوقت الحاضر، تجد مثلاً يشرح كتباً عديدة تصل أحيانًا إلى عشرة أو تزيد في وقت واحد، كبعد الفجر مثلا أو بعد العشاء. وأيضاً فقد تعددت الأماكن التي يدرس فيها الشيخ في أنحاء متفرقة خلال أيام الأسبوع بكامله.