الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، والفوز والسكينة لمن تبع هداه .
أما بعد ، فلا شك أن شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله له من الصدارة في العلوم الإسلامية ما لا ينكره كل ذي عينين . وما قدر الله له من الذكاء المفرط والنظر الثاقب مع قوة الفراسة وجمال الشيم ليظهر لهذا الإمام منزلته بين الأنام . وما يرث المسلمون من هذا الشيخ النبيل من الكتب والرسائل والفتاوى النيرة المباركة لأكبر دليل على مكانته وجلالته . وقد انتفع بتراثه القيم كثير ممن جاء بعده من العلماء والعظماء من جميع الطوائف أكبر انتفاع . . فلا يخفى عند كل منصف صادق ، أن الناس بعده في العلم والتحقيق : عيال على هذا البحر العميق . رحمه الله رحمة واسعة ، وجعل الفردوس متقلبه ومثواه ، وجمعنا وإياه مع الصالحين من عباده والشهداء والأنبياء في جنته ودار كرامته ، إنه - جل وعلا - ولي ذلك والقادر عليه .
ومع ذلك ، فكم يجد الطالب المبتدئ مثلي في كتابات الشيخ من الصعوبة في الفهم والعسر في الدرك . . وليس السبب أن الشيخ متنطع في الألفاظ متشدق في الأسلوب بشاشق الكلام . كلا ، ومعاذ الله أن يصدر ذلك من شيخ ناصح وإمام مخلص مثله ! بل السبب أن عقول أهل زمانا أكثرها لا تطيق الأفكار الدقيقة وإن قدمت إليها بأسلوب بسيطة ، وأن غالبهم لا يتحملون عبء البحث والنظر الطويل الذي يتحمله أصحاب الهمم العالية السابقين . وقد مضت عصورهم .
فمستعينا بالعلي القدير ، أضع هذا المشروع - لنفسي قبل أن يكون لغيري . . راجيا به إيجاد حل هادف لتلك المشكلة الكبيرة ، التى طالما اشتكى منها الكثير ويعانى منها من الطلبة الجم الغفير (وأولهم : أخوك الفقير) . نعم ، قد يأخذ مثل هذا الأمل الكبير شهورا وأعواما ليس في وسعنا إنفاق نصفها ؛ إلا أن المولى القدير لا يعجزه - عز وجل - شيء في الأرض ولا في السماء . . هو الخالق البارئ الذي يقلب الأمور كيف يشاء ، وهو المعين الهادى الذي أخرج بحكمته الجلاء ممن الجفاء . فحسبنا الله ونعم الوكيل . . نعم المولى ونعم النصير .
وأبتدئ هذا المشروع المتواضع بكتاب (الموافقة) ، أي (موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول) الذي اشتهر عند الناس بـ(درء تعارض العقل والنقل) . ذلكم الكتاب الذي ليس له في بابه من الموجود نظير ثان . . مؤلف جليل من إمام نبيل عجزت أرحام الأمهات أن تلد مثله عبر مئات السنين :