كتاب السنه
عداله الصحابه
================
الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على المبعوث رحمه للعالمين وعلى اله واصحابه والتابعين لهم باحسان الى يوم الدين.
اما بعد:
لقد اصطفى الله تبارك وتعالى محمدا صلى الله عليه وسلم بالرساله وجعله خاتم الانبياء والمرسلين قال تعالى :( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)
وارسله الى الناس كافه قال تعالى:( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (28).
واصطفى الاسلام وارتضاه على سائر الاديان قال تعالى :( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)
وجعل لكل رسول اصحاب واتباع يحملون الارث النبوى لتبليغ الدعوه لمن ورائهم فاختار لخاتم الانبياء والمرسلين خير الاصحاب وخير الاتباع.
قال تعالى:( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
فأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ابر الامه قوبا واعمقها علما واعلم الامه بالله ورسوله.
قال الله تعالى:( فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (122).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( إن العلماء ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وأورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
ولاشك ان اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم هم ائمه العلماء ،فقد اختارهم الله جل جلاله لصحبه نبيه الكريم وزكاهم ومدحهم فى كتابه واثنى عليهم .
لكن من الناس من ضل سعيه وعمت بصيرته يتهجم على سادات الامه ويطعن فى عدالتهم ،وربما يغالى بعض هؤلاء فيظن انه افضل منهم وهو لايساوى شسع نعل أحدهم او قلامه ظُفره.
ان المُنكر لعداله اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم الذين شهد لهم الله ورسوله بالعداله مكذبا لله ورسوله مكذبا بالقرأن والسنه.
قال تعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ)
فنعوذ بالله من علم لاينفع ودعوه لاترفع .
سوف نسرد بعض الايات البينات والاحاديث النبويه الشريفه واقوال العلماء فى عداله الصحب الكرام ثم نعرج على رد شبهات الطاعنين من الرافضه وغيرهم وممن وقع فى قلبه بعض شبهاتهم لعل الله ان يهدى قلوب الحائرين وينير ابصار الزائغين ويشف صدور قوم مؤمنين انه جواد كريم.
*******
تعريف الصحابه:
تعريف الصحابى لغه: قال الجوهريّ : الصَّحَابَةُ بالفَتْح : الأَصْحَابُ ، وهو في الأَصْلِ مَصْدرٌ وجَمْعٌ .
وجَمْعُ الأَصْحَاب أَصَاحِيبُ وأَمَّا الصُّحْبَةُ والصَّحْبُ فاسْمَانِ للجَمْع،وكُلُّ ما لَازَم شَيْئاً فَقَد اسْتَصْحَبَه.
تعريف الصحابى اصطلاحا:قال ابن حجر رحمه الله :الصَّحابيِّ هو مَنْ لَقِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ ُمؤمِناً بهِ وماتَ عَلى الإِسلامِ .(نزهه النظر)
*******
عداله الصحابه من الكتاب والسنه:
-------------------------
قال تعالى:( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا).
قال ابن كثير رحمه الله :لَنَجْعَلَكُمْ خِيَارَ الْأُمَمِ، لِتَكُونُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُهَداء عَلَى الْأُمَمِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُعْتَرِفُونَ لَكُمْ بِالْفَضْلِ. وَالْوَسَطُ هَاهُنَا: الْخِيَارُ وَالْأَجْوَدُ، كَمَا يُقَالُ: قُرَيْشٌ أوسطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، أَيْ: خَيْرُهَا. وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطًا فِي قَوْمِهِ، أَيْ: أَشْرَفُهُمْ نَسَبًا.وَلَمَّ جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ وَسَطًا خَصَّها بِأَكْمَلِ الشَّرَائِعِ وَأَقْوَمِ الْمَنَاهِجِ وَأَوْضَحِ الْمَذَاهِبِ.
(تفسير ابن كثير)
وروى البخارى فى صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يَجِيءُ نُوحٌ وَأُمَّتُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى، هَلْ بَلَّغْتَ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ لِأُمَّتِهِ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟فَيَقُولُونَ لاَ مَا جَاءَنَا مِنْ نَبِيٍّ، فَيَقُولُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ، فَنَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ، وَهُوَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) وَالوَسَطُ العَدْلُ "
قلت :والذين نزلت فيهم هذه الايات ابتداءً هم أصحاب النبى رضى الله عنهم والايه عامه الا انهم اول المعنيين بها وكيف تكون الامه شهيده على الامم ويقبل الله شهادتها على خلقه وأولها الذين هم افضلها بقول المعصوم غيرعدول على زعم الطاعنين هذا من الكذب والبهتان.
فان الله سبحانه وتعالى زكى شهادتهم وأثنى عليهم ثم يأتى من لا خلاق له فيتهمهم كذبا وحسدا نعوذ بالله من الضلال و الهوى.
قال تعالى :( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ).
قال الامام ابن كثير رحمه الله:يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّ ةِ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ.
رَوَى الامام أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قَالَ: هُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة .
قَالَ الْبُخَارِيُّ:ع أَبِي هُرَيْرَةَ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قَالَ: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ، تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ .
وَهَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ومُجاهد، وعِكْرِمة، وعَطاء، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَعَطِيَّةُ العَوْفيّ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} يَعْنِي: خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.
وَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ، وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ، وَمُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ، مِنْ رِوَايَةِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوية بْنِ حَيْدَة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أنْتُمْ خَيْرُهَا، وأنْتُمْ أكْرَمُ عَلَى اللهِ عزَّ وجَلَّ".
قلت:كيف تكون امه اكرم الامم على الله سبحانه وتعالى ويكون حمله الوحى المبلغين للشرع بعد النبى صلى الله عليه وسلم غير عدول على زعم الكذابين .حاشا لله نعوذ بالله من اقوال اهل البدع والضلال .
ان الايه نزلت لمجموع الامه الا أنها نزلت فى الصحابه ابتداءً .
وقد اخبرنا الله سبحانه وتعالى بحفظ الشرع فقال سبحانه:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ومن حفظه أن وكل به امه صدورها للحفظ وعاء وعقولها للعلم و الفهم ميزان واجسادها سُفن للعمل والجهاد حفظوا الشرع وأدوا ماحفظوا حتى تواترالشرع كما ترى كتابا وسنه فكيف يتجنى متجنى او يشكك مأفون فى عداله حمله شرع الله تبارك وتعالى .
ان هؤلاء الشرذمه المنكرين للسنه والطاعنين فى عداله حمله الدين ليس عندهم من الحجج الا المكذوبات أو استدلالات الواهيه من عقول مُغيبه حسدا وحقدا على الاسلام واهله ان كل من يطعن فى اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم مشكوك فى دينه .
كل فتره من الزمان يخرج على الامه من يطعن فى عداله الصحابه ثم يقضى نحبه ويذهب الى ربه بعمله لِيُحَاسَبَ عليه ،اما افكاره المسمومه وعفنه التاريخى فيذهب الى المزبله اعزنا واعزكم الله ويبقى الصحابه كما هم نجوما فى سماء هذا الدين ،يذهب الحاسد الباغى ويُمحى اثره ويبقى ذكر الصادق الطاهر الباذل نفسه وعمره لخدمه هذا الدين تبقى سيرته عطره ومناقبه ظاهره.
اخبرنى بالله عليك كم طاعن طعن على الصحب الكرام ؟ا. هل بقى من اثارهم شيئا ذهبوا ليلاقوا ماقدموا ،اما الكرام الاطهار مازال عطر سيرتهم باقيا الى ماشاء الله نتحدث كل يوم بفضلهم وعلمهم واخلاصهم.
وان هذا الخبيث العاوى ومن تبعه ممن حملهم الحسد والكراهيه على اتهام الصحابه والقدح فيهم بالكذب والبهتان ماعلم كيف يغسل سوءته الا بما نُقل عن الصحابه رضى الله عنهم عن النبى صلى الله عليه وسلم.
مدح الله للصحابه:
قال الله تعالى في اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم :(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
قال ابن كثير :وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ يَسَارٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرَيْبٍ الْمَلِيكِيَّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ في أصحاب الخيل" .
وعن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، قَالَ: هُمُ الَّذِينَ يَعْلِفُونَ الْخَيْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قال ابن جرير رحمه الله: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِدَنَانِيرَ كَثِيرَةٍ إِلَى أَصْحَابِ الصفة نهارا ، وَبَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ بِوَسَقٍ مَنْ تَمْرٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمَا: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ .الْآيَةَ ، عَنَى بِالنَّهَارِ:عَ َانِيَةً صَدَقَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف، وبالليل: سرّ صَدَقَةَ عَلَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَالَ أَبُو أُمَامَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَمَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِي ُّ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ يرتبطون الخيل للجهاد فإنها تعتلف لَيْلًا وَنَهَارًا سِرًّا وَعَلَانِيَةً.
عن طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سعيد قال: سمعت سعيد الْمَقْبُرِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«مَنِ احْتَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِيمَانًا بِاللَّهِ وَتَصْدِيقًا بوعده فإن شبعه وريّه وو روثه وَبَوْلَهُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
قلت:اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم انفقوا النفقات وجاهدوا بأنفسهم واموالهم فى سبيل الله فمن يدانيهم فى فضلهم ؟
فهم الذين ينفقون فى سبيل الله ويجاهدون مع رسوله ويعينون على النوائب وهم المؤثرون على انفسهم ولو كان بهم الفقر والحاجه ابتغاء رضوان الله وطلبا لما عند الله من الثواب .
قال تعالى (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
قال ابن كثيررحمه الله :يَقُولُ تَعَالَى مُبَيِّنًا حَالَ الْفُقَرَاءِ الْمُسْتَحِقِّي نَ لِمَالِ الْفَيْءِ أَنَّهُمْ {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} أَيْ: خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَخَالَفُوا قَوْمَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} أَيْ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَدَقوا قَوْلَهُمْ بِفِعْلِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ هُمْ سَادَاتُ الْمُهَاجِرِينَ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مَادِحًا لِلْأَنْصَارِ، وَمُبَيِّنًا فَضْلَهُمْ وَشَرَفَهُمْ وَكَرَمَهُمْ وَعَدَمَ حَسَدهم، وَإِيثَارَهُمْ مَعَ الْحَاجَةِ، فَقَالَ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَيْ: سَكَنُوا دَارَ الْهِجْرَةِ مِنْ قَبْلِ الْمُهَاجِرِينَ وَآمَنُوا قَبْلَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ.
قَالَ عُمَرُ: وَأُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِي نَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ كَرَامَتَهُمْ. وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبوّءوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلُ، أَنْ يَقْبَلَ من محسنهم وأن يعفو عن مسيئهم.رواه البخاري قال ابن كثير رحمه الله :وَقَوْلُهُ: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} أَيْ: مِنْ كَرَمهم وَشَرَفَ أَنْفُسِهِمْ، يُحبّون الْمُهَاجِرِينَ وَيُوَاسُونَهُم ْ بِأَمْوَالِهِمْ .
وَلَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَسَدًا لِلْمُهَاجِرِين َ فِيمَا فَضَّلَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ وَالشَّرَفِ، وَالتَّقْدِيمِ فِي الذِّكْرِ وَالرُّتْبَةِ.
قَالَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} يَعْنِي: الْحَسَدَ.
وقال ابن كثير:وَهَؤُلَاءِ آثَرُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مَعَ خَصَاصَتِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ إِلَى مَا أَنْفَقُوهُ وَمِنْ هَذَا الْمَقَامِ تَصَدَّقَ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بِجَمِيعِ مَالِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ ". فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. وَهَذَا الْمَاءُ الَّذِي عُرض عَلَى عِكْرِمَةَ وَأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْمُرُ بِدَفْعِهِ إِلَى صَاحِبِهِ، وَهُوَ جَرِيحٌ مُثْقَلٌ أحوجَ مَا يكون إلى الماء، فرده الآخر إلى الثالث، فَمَا وَصَلَ إِلَى الثَّالِثِ حَتَّى مَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ وَلَمْ يَشْرَبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.
روى الْبُخَارِيُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله أصابني الجهد فأرسل إلى نسائه فلم يجد عندهن شيئا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا رجل يضيفه هذه الليلة فقام رجل من الأنصار فقال أنا يا رسول الله فذهب إلى أهله فقال لامرأته ضيف رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تدخريه شيئا قالت والله ما عندي إلا قوت الصبية قال فإذا أراد الصبية العشاء فنوميهم وتعالي فأطفئي السراج ونطوي بطوننا الليلة ففعلت ثم غدا الرجل على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال ( لقد عجب الله عز و جل أو ضحك من فلان وفلانة ) . فأنزل الله عز و جل {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
قلت: هؤلاء اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من له عمل كعملهم ومن له ذكر كذكرهم ولقد وصفهم الله تعالى بالصادقين ومدحهم فى كتابه ولم يذمهم فهل كان الله لايعلم انهم سيرتدوا على ادبارهم كما يزعم الطاعنون حاشا لله أم ترى الله سبحانه وتعالى يخفى عليه امر من امور الخلق نعوذ بالله من الكفر بعد الايمان ومن ظن السوء والبهتان ،فمن هذا وصفهم وحالهم كيف يطعن فيهم اهل الضلال والهوى نعوذ بالله من الضلال بعد الهدى .
قال الله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)
قال البغوى رحمه الله:قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا": مُشْرِكُو مَكَّةَ،"وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ": الْأَنْصَارُ. {كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ} حَالَهُمْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: عَصَمَهُمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ، يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْإِصْلَاحَ يَعُودُ إِلَى إِصْلَاحِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى لَا يَعْصُوا.
قال السعدى رحمه الله:وأما {وَالَّذِينَ آمَنُوا} بما أنزل الله على رسله عموما، وعلى محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بأن قاموا بما عليهم من حقوق الله، وحقوق العباد الواجبة والمستحبة.
كَفَّرَ الله عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ صغارها وكبارها، وإذا كفرت سيئاتهم، نجوا من عذاب الدنيا والآخرة. وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ أي: أصلح دينهم ودنياهم، وقلوبهم وأعمالهم، وأصلح ثوابهم، بتنميته وتزكيته، وأصلح جميع أحوالهم، والسبب في ذلك أنهم: اتبعوا الْحَقُّ الذي هو الصدق واليقين، وما اشتمل عليه هذا القرآن العظيم، الصادر مِنْ رَبِّهِمْ الذي رباهم بنعمته، ودبرهم بلطفه فرباهم تعالى بالحق فاتبعوه، فصلحت أمورهم، فلما كانت الغاية المقصودة لهم، متعلقة بالحق المنسوب إلى الله الباقي الحق المبين، كانت الوسيلة صالحة باقية، باقيا ثوابها.
وقال تعالى (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)
قال ابن كثير رحمه الله:يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، أَنَّهُ رَسُولُهُ حَقًّا بِلَا شَكٍّ وَلَا رَيْبٍ، فَقَالَ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} ، وَهَذَا مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى كُلِّ وَصْفٍ جَمِيلٍ، ثُمَّ ثَنَّى بِالثَّنَاءِ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ}[الْمَائِدَةِ: 54]
وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ شَدِيدًا عَنِيفًا عَلَى الْكَفَّارِ، رَحِيمًا بَرًّا بِالْأَخْيَارِ، غَضُوبًا عَبُوسًا فِي وَجْهِ الْكَافِرِ، ضَحُوكًا بَشُوشًا فِي وَجْهِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التَّوْبَةِ: 123] ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ الواحد، إذا اشتكى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بالحمَّى والسَّهر" ، وَقَالَ: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحِ.
وَقَوْلُهُ: {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} : وَصَفَهُمْ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَةِ الصَّلَاةِ، وَهِيَ خَيْرُ الْأَعْمَالِ، وَوَصَفَهُمْ بِالْإِخْلَاصِ فِيهَا لِلَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَالِاحْتِسَابِ عِنْدَ اللَّهِ جَزِيلَ الثَّوَابِ، وَهُوَ الْجَنَّةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى فَضْلِ اللَّهِ، وَهُوَ سَعَةُ الرِّزْقِ عَلَيْهِمْ، وَرِضَاهُ، تَعَالَى، عَنْهُمْ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْأَوَّلِ، كَمَا قَالَ: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التَّوْبَةِ: 72] .
وَقَوْلُهُ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} : قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ} يَعْنِي: السَّمْتَ الْحَسَنَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي: الْخُشُوعَ وَالتَّوَاضُعَ.
قال ابن كثير رحمه الله :فَالصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ خَلُصَتْ نِيَّاتُهُمْ وَحَسُنَتْ أَعْمَالُهُمْ، فَكُلُّ مَنْ نَظَرَ إِلَيْهِمْ أَعْجَبُوهُ فِي سَمْتِهِمْ وَهَدْيِهِمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ، رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّصَارَى كَانُوا إِذَا رَأَوُا الصَّحَابَةَ الَّذِينَ فَتَحُوا الشَّامَ يَقُولُونَ: "وَاللَّهِ لَهَؤُلَاءِ خَيْرٌ مِنَ الْحَوَارِيِّين َ فِيمَا بَلَغَنَا". وَصَدَقُوا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مُعَظَّمَةٌ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَة ِ، وَأَعْظَمُهَا وَأَفْضَلُهَا أَصْحَابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نَوَّهَ اللَّهُ بِذِكْرِهِمْ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ وَالْأَخْبَارِ الْمُتَدَاوَلَة ِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ} ، ثُمَّ قَالَ: {وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} : {أَخْرَجَ شَطْأَهُ } أَيْ: فِرَاخَهُ، {فَآزَرَهُ} أَيْ: شَدَّهُ {فَاسْتَغْلَظَ} أَيْ: شَبَّ وَطَالَ، {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} أَيْ: فَكَذَلِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آزَرُوهُ وَأَيَّدُوهُ وَنَصَرُوهُ فَهُمْ مَعَهُ كَالشَّطْءِ مَعَ الزَّرْعِ، {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} .
وَمِنْ هَذِهِ الْآيَةِ انْتَزَعَ الْإِمَامُ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ-بِتَكْفِيرِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ، قَالَ: لِأَنَّهُمْ يَغِيظُونَهُمْ، وَمَنْ غَاظَ الصَّحَابَةُ فَهُوَ كَافِرٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ. وَوَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ. وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ بِمَسَاءَةٍ كَثِيرَةٌ ، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم.
ثُمَّ قَالَ: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ} مِنْ" هَذِهِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ، {مَغْفِرَةً} أَيْ: لِذُنُوبِهِمْ. {وَأَجْرًا عَظِيمًا} أَيْ: ثَوَابًا جَزِيلًا وَرِزْقًا كَرِيمًا، وَوَعْدُ اللَّهِ حَقٌّ وَصِدْقٌ، لَا يُخْلَفُ وَلَا يُبَدَّلُ، وَكُلُّ مَنِ اقْتَفَى أَثَرَ الصَّحَابَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِهِمْ، وَلَهُمُ الْفَضْلُ وَالسَّبْقُ وَالْكَمَالُ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُمْ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ، وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُمْ ، وَقَدْ فَعَلَ.
قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أحدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ" .
قال تعالى(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
قال ابن كثير رحمه الله:وَقَوْلُهُ: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} أَيْ: عَظَّمُوهُ وَوَقَّرُوهُ، {وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزلَ مَعَهُ} أَيِ: الْقُرْآنَ وَالْوَحْيَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُبَلِّغًا إِلَى النَّاسِ، {أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
قال الطبرى :يقول تعالى ذكره: فالذين صدَّقوا بالنبي الأمي، وأقرُّوا بنبوّته"وعزَّرو "، يقول: وَقَّروه وعظموه وحَمَوه من الناس،
وجاء فى محاسن التأويل :فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ أي بالنبيّ الأمي وهو محمد صلّى الله عليه وسلّم وَعَزَّرُوهُ أي عظموه ووقروه وَنَصَرُوهُ أي على أعدائه في الدين فمنعوهم عنه وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ وهو القرآن، فأحلوا حلاله، وحرّموا حرامه.
قال تعالى (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
قال الطبرى:لكن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والذين صدقوا الله ورسوله معه، هم الذين جاهدوا المشركين بأموالهم وأنفسهم، فأنفقوا في جهادهم أموالهم واتعبوا في قتالهم أنفسهم وبذلوها(وأولئك) ، يقول: وللرسول وللذين آمنوا معه الذين جاهدوا بأموالهم وأنفسهم (الخيرات) ، وهي خيرات الآخرة، وذلك: نساؤها، وجناتها، ونعيمها.
قال تعالى (وَالسَّابِقُون الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)
قال ابن كثير رحمه الله: يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ رِضَاهُ عَنِ السَّابِقَيْنِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَرِضَاهُمْ عَنْهُ بِمَا أعدَّ لَهُمْ مِنْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ.
قلت:أخبر الله تعالى برضاه عنهم والمُكَذِّبُونَ لله ورسوله يردون قول الله تعالى فأى هوى لعب بعقول هؤلاء الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياه الدنيا واضحوا كل عشيه وضحاها يتقربون زورا وبهتانا الى الله بسب اصحاب نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وسب أم المؤمنين عائشه الصديقه بنت الصديق زوج النبى فى الدنيا والاخره.
عن ام المؤمنين عائشة رضى الله عنها أنها ذكرت عند رجل فسبها . فقيل له : أليست أمك ؟ قال : ما هي بأم فبلغها ذلك فقالت : صدق إنما إنا أم المؤمنين ، وأما الكافرين فلست لهم بأم.
وعن ام المؤمنين عائشه رضى الله عنها قالت: لَا يَنْتَقِصُنِي أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا إِلَّا تَبَرَّأْتُ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ.
وقَالَ الشَّعْبِيُّ: السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ أَدْرَكَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ .
وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: هُمُ الَّذِينَ صَلَّوْا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: مرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِرَجُلٍ يَقْرَأُ: {وَالسَّابِقُون الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ} فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَقَالَ: مَنْ أَقْرَأَكَ هَذَا؟ فَقَالَ: أبيُّ بْنُ كَعْبٍ. فَقَالَ: لَا تُفَارِقْنِي حَتَّى أَذْهَبَ بِكَ إِلَيْهِ. فَلَمَّا جَاءَهُ قَالَ عُمَرُ: أَنْتَ أَقْرَأْتَ هَذَا هَذِهِ الْآيَةَ هَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وسمعتَها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نَعَمْ. لَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّا رَفَعَنَا رَفْعَةً لَا يَبْلُغُهَا أَحَدٌ بَعْدَنَا، فَقَالَ أبيُّ: تَصْدِيقُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْجُمُعَةِ:3] وَفِي سُورَةِ الْحَشْرِ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ} [الْحَشْرِ:10] وَفِي الْأَنْفَالِ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} [الْأَنْفَالِ:75] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ
قَالَ: وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا بِرَفْعِ "الْأَنْصَارِ" عَطْفًا عَلَى {وَالسَّابِقُون الأوَّلُونَ}
فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ الْعَظِيمُ أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنِ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ: فَيَا وَيْلُ مَنْ أَبْغَضَهُمْ أَوْ سَبَّهم أَوْ أَبْغَضَ أَوْ سبَّ بَعْضَهُمْ، وَلَا سِيَّمَا سيدُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ الرَّسُولِ وَخَيْرُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ، أَعْنِي الصِّدِّيقَ الْأَكْبَرَ وَالْخَلِيفَةَ الْأَعْظَمَ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي قُحَافَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّ الطَّائِفَةَ الْمَخْذُولَةَ مِنَ الرَّافِضَةِ يُعَادُونَ أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ ويُبغضونهم ويَسُبُّونهم، عِياذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُقُولَهُمْ مَعْكُوسَةٌ، وَقُلُوبَهُمْ مَنْكُوسَةٌ، فَأَيْنَ هَؤُلَاءِ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ، إِذْ يسبُّون مَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؟ وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَإِنَّهُمْ يَتَرَضُّونَ عَمَّنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَسُبُّونَ مَنْ سَبَّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُوَالُونَ مَنْ يُوَالِي اللَّهَ، وَيُعَادُونَ مَنْ يُعَادِي اللَّهَ، وَهُمْ مُتَّبِعُونَ لَا مُبْتَدِعُونَ، وَيَقْتَدُونَ وَلَا يَبْدُلونَ وَلِهَذَا هُمْ حِزْبُ اللَّهِ الْمُفْلِحُونَ وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ.
وقال أبو جعفرالطبرى رحمه الله: يقول تعالى ذكره: والذين سبقوا الناس أولا إلى الإيمان بالله ورسوله (من المهاجرين) ، الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم، وفارقوا منازلهم وأوطانهم (والأنصار) ، الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل الكفر بالله ورسوله (والذين اتبعوهم بإحسان) ، يقول: والذين سَلَكوا سبيلهم في الإيمان بالله ورسوله، والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، طلبَ رضا الله (رضي الله عنهم ورضوا عنه) .
قال الله تعالى (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ والَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ).
قال ابن كثير رحمه الله: وَمَا أَحْسَنَ مَا اسْتَنْبَطَ الْإِمَامُ مَالِكٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَنَّ الرَّافِضِيَّ الَّذِي يَسُبُّ الصَّحَابَةَ لَيْسَ لَهُ فِي مَالِ الْفَيْءِ نَصِيبٌ لِعَدَمِ اتِّصَافِهِ بِمَا مَدَحَ اللَّهُ بِهِ هَؤُلَاءِ فِي قَوْلِهِمْ: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} .
وَروي ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بسنده عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: أُمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لَهُمْ، فَسَبُّوهُمْ! ثُمَّ قَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ} الْآيَةَ.
وروي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَية، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أُمِرْتُمْ بِالِاسْتِغْفَا رِ لِأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَبَبْتُمُوهُ مْ. سمعتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "لَا تَذْهَبُ هَذِهِ الْأُمَّةُ حَتَّى يَلْعَنَ آخِرُهَا أَوَّلَهَا". رَوَاهُ الْبَغَوِيُّ.