جزاك الله خير..
لكن كلمات الشيخ ابن باديس- رحمه الله تعالى - التأصيلية خالفها عمليا في مسألة الإحتفال بالمولد ، ولا بأس من نقل فصل من كتاب: (الرد الوافي..) للأخت أم أيوب- وفقها الله -لتوضيح المقصود:
إصرار ابن باديس رحمه اللّه على بدعة المولد النّبوي
و من الأخطاء الّتي لفتت انتباهي عند الشّيخ "ابن باديس" رحمه اللّه، إصراره على إحياء بدعة المولد النّبوي، وهذا ينافي تماما سلفيّة علمائنا الكبار قديما وحديثا، والّذين عملوا بلا هوادة على إطفاء هذه البدعة والقضاء عليها، ولقد استغربت تماما هذا الموقف من "ابن باديس" والّذي خالف فيه بدون أدنى شكّ منهج السّلف الصّالح، ولقد وجدته مصرّا على حضور هذه الاحتفالات بنفسه، والزّيادة على ذلك بإلقاء كلمة عن هذه المناسبة (العظيمة) في زعمه، والّتي هي بدعة ضلالة في حقيقة أمرها.. تابعوا معي أيّها القرّاء الكرام مدى تمسك "ابن باديس" ببدعة المولد حيث ألقى خطابا ارتجاليّا في نادي التّرقي قال فيه ما يأتي :
» بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وعلى اسم الجزائر الرّاسخة في إسلامها، المتمسّكة بأمجاد قوميتها وتاريخها ـ أفتتح الذّكرى الأولى بعد الأربعمائة والألف من ذكريات مولد نبي الإنسانيّة ورسول الرّحمة سيّدنا ومولانا محمّد بن عبد اللّه عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ـ في هذا النّادي العظيم الّذي هو وديعة الأمّة الجزائريّة عند فضلاء هذه العاصمة ووجهائها. لسنا وحدنا في هذا الموقف الشّريف لإحياء هذه الذّكرى العظيمة، بل يشاركنا فيها نحو خمسمائة مليون من البشر في أقطار المعمور(1) كلّهم تخفق أفئدتهم فرحا وسرورا وتخضع أرواحهم إجلالا وتعظيما لمولد سيّد العالمين«(2)، ثمّ واصل كلامه قائلا :
» ما الدّاعي إلى إحياء هذه الذّكرى ؟ المحبّة في صاحبها..إنّ الشّيء يحبّ لحسنه أو لإحسانه وصاحب هذه الذّكرى قد جمع ـ على أكمل وجه ـ بينهما«(3)، ثمّ ازداد تمسّكا بهذه البدعة والاستدلال لها فقال : » فمن الحقّ والواجب أن يكون هذا النّبيّ الكريم أحبّ إلينا من أنفسنا وأموالنا ومن النّاس أجمعين ولو لم يقل لنا في حديثه الشّريف : "لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والنّاس أجمعين"، وكم فينا من يحبّه هذه المحبّة ولم يسمع بهذا الحديث ؟ فهذه المحبّة تدعونا إلى تجديد ذكرى مولده في كلّ عام.. ما الغاية من تجديد هذه الذّكرى ؟ استثمار هذه المحبّة...«(1)
لا يا أيّها الشّيخ، كلامك هذا فيه مؤاخذات كثيرة منها :
1 ـ التّرويج للبدعة وتشجيع النّاس على التّمسك بها..
2 ـ غياب روح التّصوّر السّلفي عند الشّيخ "ابن باديس" في هذه النّقطة، لأنّ الخير كلّ الخير في اتّباع من سلف والشّر كلّ الشّر في ابتداع من خلف، فكيف يخفى هذا عن رجل جعله طلاّب العلم من السّلفيّين عندنا مؤخّرا سلفيا محضا ؟!..
3 ـ القطع بأنّ الدّوافع لإحياء ذكرى المولد حبّ صاحبها وهو نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم، والمحبّة الحقيقية لا تكون إلاّ بالابتعاد عن البدع الّتي كان عليه الصّلاة والسّلام ينهي عنها، ويعلو صوته عند ذكرها كأنّه منذر جيش يقول : صبّحكم اللّه ومسّاكم، فكيف تجتمع المحبّة مع عدم الانقياد والتّسليم لأوامر اللّه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، وفي التّحذير من البدع وشرّها ؟..
إنّ هذا الكلام قرّة عين المبتدعة في هذا الموضوع.. أين هذا من تحذيرات علمائنا السّلفيّين من شرّ هذه البدعة "الفاطميّة" الأصل، والّتي تسمّى أصحابها بابنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (فاطمة) رضي اللّه عنها زورا وكذبا وتمويها وخداعا للنّاس، وهم أبعد النّاس عن سنّة النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام لأنّهم غلاة الرّوافض؟ أين كلام الشّيخ "ابن باديس" من كلام علمائنا في ذمّ بدعة المولد ؟ لقد قضى شيوخنا الكبار دهرا طويلا في محاربة هذه الضّلالة حتّى آخر أعمارهم، فها هو الشّيخ العلاّمة "ابن باز" رحمه اللّه يحذّر من بدعة المولد في عشرات الرّسائل، إيمانا منه بأنّ التّحذير من هذه البدعة فيه تعظيم لسنّة المصطفى صلّى اللّه عليه وسلّم حقّ التّعظيم وفيه حبّ له ومتابعة لهديه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولقد ظلّ إلى آخر رمق من حياته يدعو إلى محاربة هذه البدعة، لما يعرفه من شدّة حبّ النّاس لها وتمسّكهم بها حيث قال رحمه اللّه في إحدى رسائله عن حكم الاحتفال بالمولد ما نصّه : » لا يجوز الاحتفال بمولد الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم ولا غيره لأنّ ذلك من البدع المحدثة في الدّين، لأنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم لم يفعله ولا خلفاؤه الرّاشدون، ولا غيرهم من الصّحابة رضوان اللّه على الجميع.. ولا التّابعون لهم بإحسان في القرون المفضّلة، وهم أعلم النّاس بالسنّة وأكمل حبّا لرسول صلّى اللّه عليه وسلّم(1)، ومتابعة لشرعه ممّن بعدهم وقد ثبت عن النّبيّ صّلى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: » من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ« أي مردود عليه، وقال في حديث آخر: »عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين المهديين من بعدي تمسّكوا بها وعضّوا عليها بالنّواجذ وإيّاكم ومحدثات الأمور فإنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة«. ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها، وقد قال اللّه سبحانه في كتابه المبين وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتّهوا، وقال عزّوجلّ : فليحذر الّذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم، وقال سبحانه: لقد كان لكم في رسول اللّه أسوة حسنة لمن كان يرجو اللّه واليوم الآخر وذكر اللّه كثيرا، وقال تعالى : والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسان رضي اللّه عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم، وقال تعالى :اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا. والآيات في هذا المعنى كثيرة، وإحداث مثل هذه الموالد يفهم منه أن اللّه سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرّسول صلى اللّه عليه وسلّم لم يبلّغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع اللّه ما لم يأذن به زاعمين أن ذلك ممّا يقربهم إلى اللّه وهذا بلا شك فيه خطر عظيم واعتراض على اللّه سبحانه وعلى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، واللّه سبحانه قد أكمل لعباده الدين وأتمّ عليهم النّعمة«.(2)
ففي هذا الكلام الماتع ردّ قاطع على بدعية المولد النّبوي وعلى الخطأ الجسيم الّذي ارتكبه الشّيخ "ابن باديس" رحمه اللّه لمّا شارك في الاحتفال بالمولد مشاركة فعّالة فضلا عن الدّعوة إلى تجديد تلك الذّكرى في كلّ سنة، وهذا مستغرب غاية الاستغراب حيث أنّه لو صدر من شخص عاديّ لكان الخطب أهون ولكن أن يصدر من شخص أعطيت له راية العلم في بلادنا فهذا شيء عجاب، وليس فيه من دليل سوى غياب روح السّلفية الحقيقيّة في الكثير من الجوانب عند الإمام "ابن باديس" رحمه اللّه.. ويُمكن إجمال مؤاخذات أخرى في هذا الموضوع منها :
1) أنّ دعوتنا السّلفية علّمتنا بأن لا نحابي أحدا في ديـن اللّه، ولاشكّ أنّ السّكوت عن هذا الخطأ الجسيم، والّذي هو في حدّ ذاته بدعة ضلالة مجاملة لشخصية "ابن باديس" رحمه اللّه..
2) أنّنا لو تساهلْنا مع "ابن باديس" رحمه اللّه في مثل هذه البدعة الشّنيعة، نكون قد وقعنا في ظلم شخصيات أخرى آخذناها مؤاخذة شديدة على دعوتها للاحتفال بالمولد، وبلا شكّ سيكون معيارنا آنذاك مختلاّ، إذ سيقال حينها : أتكون بدعة المولد شنيعة لمّا يرتكبها بعض الناس وتكون طيّبة لما يرتكبها "ابن باديس" ؟ والجواب الصّحيح أن يُنكر على هذا وذاك بدون تفريق لأنّهما يشتركان في العمل نفسه وهو إحياء بدعة المولد النّبوي.
3) أنّ البدعة تظلّ بدعة مهما رآها النّاس حسنة.
4) أنّ الإنكار يشتدّ أكثر على الشّخصيات القيـاديّة والشّخصيات المعروفة في دنيـا العـلم والدّعوة، لأنّ تأثيرهم على الجماهير كبير وسريع المفعول كما يقال.
5) أنّ العامّة ستظلّ راكنة إلى هذه البدعة دون أن تنفر منها على أساس أنّ فلانا وهو من هو في دنيا النّاس يفعلها ويشارك عمليّا في احتفالاتها.
6) أنّ "ابن باديس" رحمه اللّه حصل له شرف الرّحيل إلى الحجاز بلد التّوحيد وعلماء التّوحيد، وبلا شكّ وجد كتبا في هذا المجال ووجد كتبا في قمع البدع، وخاصّة بدعة المولد..فما هو عذره يا ترى في إحياء مثل هذه المنكرات والدّعوة إلى تجديد الذّكرى في كلّ سنة بحجّة حبّ المصطفى صلّى اللّه عليه و سلّم ؟!.
7) أنّ هذا الكلام تكـرّر في كتب "ابن باديس" وتكرّر احتفاله بالمولد النّبوي وفي هذا دليل على إصْرار عجيب منه على هذه البدعة لأنّ ما تكرّر تقرّر كما يقال.
8) أنّ المسألة لو كانت مسألة اجتهاديّة لقلـنا بأنّ الرّجل أهل لذلك، ولكنّ الأمر ليس كذلك إذ أنّ مدار الموضوع حول بدعة ضلالة ولا اجتهاد مع بدعة.
9) أنّه لو قال قائل بأنّ "ابن باديس" يُدخل ذلك ضمن البدع الحسنة لكان الرّد الفوري بأنّ علماء السّلفية الكبار قديما وحديثا لا يقرّون بأنّ هناك (بدعة حسنة) بل غايتهم واحدة في أنّ كلّ محدثة بدعة وكلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النّار.
وحول هذه النّقطة قال الشّيخ العلاّمة "عبـد العزيز بن باز" رحمه اللّه ما يلي : » والآيـات والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وقد صرّح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتّحذير منها عملا بالأدلّة المذكورة وغيرها، وخالف بعض المتأخّرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات كالغلو في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلمّ، وكاختلاط النّساء والرّجال واستعمال آلات الملاهي وغير ذلك ممّا ينكره الشّرع المطهّر، وظنّوا أنّها من البدع الحسنة، والقاعدة الشّرعية ردّ ما تنازع فيه النّاس إلى كتاب اللّه وسنّة رسوله محمّد صلىّ اللّه عليه وسلمّ، كما قال اللّه عزّوجلّ : يا أيّها الّذين آمـنوا أطيعوا اللّه وأطيعوا الرّسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى اللّه والرّسول إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا، وقال تعالى : وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى اللّه، وقد رددنا هذه المسألة.. وهي الاحتفال بالمولد، إلى كتاب اللّه سبحانه فوجدناه يأمرنا باتّباع الرّسول صلّى اللّه عليه وسلمّ فيما جاء به ويحذّرنا عمّا نهى عنه ويخبرنا بأنّ اللّه سبحانه قد أكمل لهذه الأمّة دينها، وليس هذا الاحتفال ممّا جاء به الرّسول صلّى اللّه عليه وسلمّ فلم نجد فيها أنّه فعله ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضيّ اللّه عنهم فعلمنا بذلك أنّه ليس من الدّين بل هو من البدع المحدثة، ومن التّشبه بأهل الكتاب من اليهود والنّصارى في أعيادهم، وبذلك يتّضح لكلّ من له أدنى بصيرة ورغبة في الحقّ، وإنصاف في طلبه أنّ الاحتفال بالمولد ليس من دين الإسلام بل هو من البدع المحدثات، الّتي أمر اللّه سبحانه ورسوله صلّى اللّه عليه وسلمّ بتركها والحذر منها، ولا ينبغي للعاقل أن يغتّر بكثرة من يفعله من النّاس في سائر الأقطار فإنّ الحقّ لا يُعرف بكثرة الفاعلين، وإنّما يُعرف بالأدلّة الشّرعية، كما قال تعالى عن اليهود والنّصارى : وقالوا لن يدْخل الجنّة إلاّ من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، وقال تعالى : وإن تطع أكثر من في الأرض يضلّوك عن سبيل اللّه الآية، ثمّ إنّ غالب هذه الاحتفالات بالمولد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى...«.(1)
10) أنّ الشيّخ "ابن بـاديس" عُرف بحربه العظيمة على الطّرقية الضّـلال، ولكـن فـي إحيائه لأمـر الـمـولـد النـّبوي وتشجيـعـه عـلى ذلك قـمّة الإرضاء لهـؤلاء المـنحرفيـن الّذيـن اشتهروا بالتّرويج لهذه البدعة المنكرة.
11) أنّ "ابـن بـاديـس" رحمه اللّه يؤكّـد فـي الكثـيـر من قـواعـده أنّه لا فَـهْم للقـرآن الكـريـم والسنّة النّبوية إلاّ علـى ضـوء فهم السّلف الصّالح فلماذا لم يُعمل هذه القاعدة العظيمة في مسألة المولد هذه ؟
وأخيرا أقول : إنّ بدعة المولد النّبوي بدعة ضلالة، ولا تساهل فيها أبدا وهي ليست بالأمر الهيّن الّذي يمكننا غضّ النّظر عنه كسلفييّن، وتبقى هذه النّقطة نقطة سوداء تعكّر على الشيّخ "ابن باديس" سلامة منهجه، فلا مجال لأن يقول قائل : هذا أمر هيّن لا يحتاج إلى وقفة لأنّ البدعة بدعة مهما رآها النّاس حسنة.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــ
(1) هكذا وردت في الكتاب ولعلّ الصّواب : المعمورة..
(2) (مجالس التذكير من حديث البشير النذير)، [ص 287].
(3) (مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير)، [ص289].
(1) (مجالس التّذكير من حديث البشير النّذير)، [من 289 إلى 295].
(1) إذن حجّة الاحتفال بهذه البدعة بادّعاء حبّه صلّى اللّه عليه وسلّم حجّة أوْهَن من بيـوت العنكبوت!
(2) التّحذير من البدع [للشيّخ العلاّمة فقيد الأمّة "ابن باز" رحمة اللّه عليه].
(1) التّحذير من البدع [للشيّخ العالم العلاّمة "عبد العزيز بن باز" رحمه اللّه].
هذا الفصل منقول للفائدة من كتاب : (الرد الوافي..) للأخت أم أيوب وفقها الله.