يا شيخنا الفاضل، لا نزاع بيننا في أنه ( طَالَعَ )!!
النزاع في أنه ( قرأ من الجلدة إلى الجلدة )!
يا شيخنا الفاضل، لا نزاع بيننا في أنه ( طَالَعَ )!!
النزاع في أنه ( قرأ من الجلدة إلى الجلدة )!
قولنا ( يناهز عشرة آلاف ) هل ينطبق على 9000 مثلا؟
طيب
قولنا (قرأ أكثر الكتب التي عنده)، هل ينطبق على أنه قرأ منها 60%؟ أو 70%؟
أجب عن هذين السؤالين تعرف أنه لم يجاوز 10000.
وهذا كله بافتراض صدق الرواية، ثم بافتراض دقة الراوي، ثم بافتراض إمكان حكم شخص على شخص بذلك أصلا!
لقد أضفتَ شرطا آخر، شيخنا الفاضل، وهو أن يكون منصوصاً على أنه "قرأها من الجلدة إلى الجلدة"!!
وهو شرط يكاد يكون تعجيزيا، كما تلاحظ...
لا أمل إذن في الجائزة... (ابتسامة يائسة)
ويا سيدي لا تخف على الجائزة، اقرأ أنت ألف كتاب فقط وسأعطيك هذه الجائزة !
جزاك الله خيرا، شيخنا أبا مالك
عندما يقول أحدهم: "قرأتُ عشرين كتابا"، فالمتبادر إلى الذهن أنه قرأها كاملة؛ لا سيما إذا قال ذلك من باب المفاخرة.
وهنا سؤال، أطرحه للاستزادة من فوائدك:
ما هو الفرق بين المطالعة والقراءة؟
ولك مني خالص الشكر وأصدقه..
وريثما يعود علينا شيخنا أبو مالك بفوائده –كما عوَّدنا، هذه نكت منثورات رأيت لها علاقة بموضوعنا، فارتأيت إضافتها:
* جاء في "طبقات الشافعية الكبرى":
_ وعن إمام الحرمين: ما تكلمتُ في علم الكلام كلمة حتى حفظت من كلام القاضي أبي بكر وحده اثني عشر ألف ورقة.
_ قلت (السبكي): انظر هذا الأمر العظيم، وهذه المجلدات الكثيرة التي حفظها من كلام شخص واحد! في علم واحد! فبقي كلام غيره والعلوم الأخر، التي له فيها اليد الباسطة والتصانيف المستكثرة، فقها وأصولا وغيرهما. وكأن مراده بالحفظ: فهم تلك واستحضارها، لكثرة المعاودة. وأمّا الدرس عليها كما يدرس الإنسان المختصرات، فأظن القوى تعجز عن ذلك.
_ ويحكى أنه قال يوما للغزالي: "يا فقيه!" فرأى في وجهه التغيُّر، كأنه استقل هذه اللفظة على نفسه. فقال له: "افتح هذا البيت". ففتح مكانا، وجده مملوءا بالكتب. فقال له: ما قيل لي "يا فقيه" حتى أتيت على هذه الكتب كلها".
* وجاء في "خلاصة الأثر"، في ترجمة أبي بكر باعلوي الشلي (ت 1053هـ):
_ وكان كثير المطالعة للكتب، له جَلَدٌ عظيم على قراءتها؛ فربما استوعب المجلد الضخم في يوم أو ليلة!
_ ويقال إنه قرأ "الإحياء" في عشرة أيام؛ وهذا أمر عجيب بالنسبة إلى أهل هذا الزمن! وإن كان حكي عن بعض الحفاظ ما هو أعظم من هذا.
_ فقد قرأ مجد الدين الفيروزابادي صحيح مسلم في ثلاثة أيام!
_ وذكر القسطلاني أنه قرأ البخاري في خمسة مجالس وبعض مجلس!
_ وذكر الذهبي أن الحافظ أبا بكر الخطيب قرأ البخاري في ثلاثة مجالس. قال: وهذا شيء لا أعلم أحدا في زماننا يستطيعه. والذي في ترجمته أنه قرأه في خمسة أيام، وأظنه الصواب. (بل في تاريخ بغداد أنه قرأه على إسماعيل بن أحمد النيسابوري في ثلاثة مجالس؛ مجلسان متصلان، وثالث)
_ وذكر السخاوي أن شيخه الحافظ ابن حجر قرأ سنن ابن ماجه في أربعة مجالس؛ وصحيح مسلم في أربعة مجالس؛ وكتاب النسائي الكبير في عشرة مجالس، كل مجلس نحو أربع ساعات؛ ومجمع الطبراني الصغير في مجلس واحد، بين الظهر والعصر، وهذا أسرع ما وقع له.
_ وفي تاريخ الخطيب: أن اسماعيل ابن أحمد النيسابوري قرأ البخاري في ثلاثة مجالس؛ يبتدئ من المغرب ويقطع القراءة وقت الفجر، ومن الضحى إلى المغرب، والثالث من المغرب إلى الفجر.
_ وحكى أن حافظ المغرب العبدوسي قرأ البخاري بلفظه أيام الاستسقاء في يوم واحد.
* وفي "خلاصة الأثر" أيضا، في ترجمة أبي الضياء الشبراملسي (ت 1087 هـ):
_ وكان كثير المطالعة. وإذا تركها أياماً، تأتيه الحمَّى !!
وهذا في حد ذاته غريب! والأغرب منه أنّ الشبراملسي كان كفيفاً، كُفَّ بصره وهو ابن ثلاث سنين!!
وجزاك الله خيرا شيخنا الفاضل
نعم هذا هو المتبادر إلى الذهن، ولكن هذا المتبادر يذهب أدراج الرياح إذا كان العدد المذكور لا يمكن بشرًا أن يقرأه، ولا تقل لي: وما يدريك أنه لا يمكن؛ لأن دليل عدم الإمكان هو عدم الوقوع؛ إذ الإمكان المقصود هنا هو الإمكان الفعلي لا مجرد التجويز العقلي.
فإذا كان هناك شيء لم يثبت لبشر مطلقا، فكيف نحمل كلام المتكلم عليه؟
وأما المفاخرة فهي حاصلة بالمطالعة أيضا، فإنه من النادر جدا أن تجد شخصا قد طالع عشرين ألف كتاب، بل إنك تجد كثيرا من العلماء لا يستطيعون أن يذكروا (فقط مجرد ذكر) أسماء ألفي كتاب!
وأما الفرق بين المطالعة والقراءة فالمطالعة لا يشترط فيها أن تأتي على الكتاب حرفا حرفا، ومن المهم جدا لطالب العلم أن يكتسب هذه المهارة لأن هناك الكثيرَ من الكتب التي يحتاج إلى مطالعتها ومعرفة ما فيها إجمالا، ولو توقف عند كل حرف حرف فيها لفاته ما هو أهم من ذلك.
فقدم الأهم إن العلم جم ............. والعمر طيف زار أو ضيف ألم
جزيت خيرا على هذه الفوائد يا شيخنا الفاضل
وهناك ما هو أغرب منها؛ فقد حكي عن بعض العلماء أنه قرأ صحيح البخاري فقط سبعمائة مرة!
وقصة الحافظ ابن حجر لما قرأ مائة مجلد في شهر واحد مشهورة.
وقصته كذلك لما قرأ المعجم الصغير للطبراني بين الظهر والعصر معروفة.
وكان أبو بكر بن الأنباري يراجع من محفوظاته أكثر من ألف ورقة في اليوم!
ومات بسبب ذلك، والله المستعان!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أحسن الله إليك، شيخنا الفاضل، وزادك من فضله.
وكلامك يؤكد أن ما قاله العقاد، أو ما نسبه إليه أنيس منصور، إنما كان من باب التدليل على كثرة مطالعاته. والأمر نفسه ينطبق على كلام إمام الحرمين.. وكنت منذ فترة بصدد مراجعة إحدى الترجمات لمواقف الأمير عبد القادر الجزائري –رحمه الله. وفي الموقف الرابع عشر، يورد الأمير كلام الجويني للتدليل على قصور منهج المتكلمين. واستوقفني أن المترجم ترجم كلامه بالعبارة التالية: "لقد قرأت خمسين مرة خمسين ألف كتاب"! وهذا المعنى لم يورده الأمير. فبحثت في مظان العثور على تفسير لكلمة الجويني، لكنني لم أخرج بطائل. وظني أن مراد إمام الحرمين كان أيضا التدليل على كثرة ما قرأ، لا غير...
ولا أكتمك أنني البارحة عدت إلى بعض المصادر، بهاجس العثور على فروق بين القراءة والمطالعة. ولفتت انتباهي هذه الجملة في "القاموس المحيط": "والطُّلَعاء، كالفُقَهاء: القَيْءُ"! فأحزنني أن يقرن الفقهاء بالقيء.. وكان بإمكان الفيروزابادي أن يورد وزانا آخر أكثر ملاءمة، كالصُّعَداء أو الغُلواء. أم كان بينه وبين الفقهاء حساب قديم أراد تصفيته في قاموسه؟ (ابتسامة)
وسؤالي هو: هل للفيروزابادي معيار خفي في هذا الباب؟
وأراك، شيخنا الفاضل، لم تعلق على هذه الفقرة:
ألم تقرأها؟ أم لم تطالعها؟ أم هو تجاهُل العارف؟ أم "تجاوزتها" نظرا "للجائزة"؟ (ابتسامة)
بارك الله فيك، وجعل التوفيق حليفك.
بل علقت عليها يا شيخنا الفاضل!!
راجع المشاركة 42، والمشاركة 45
وأما ما علقت به على كلام الفيروزأبادي فهو في غير محله، قال تعالى: {من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم}
ولا يخفى عليك أن ما مثلتَ به من الغلواء والصعداء ليس في شهرة الفقهاء، نعم كان يمكنه أن يقول: الفقراء مثلا
ولكن أخشى أن يأتي شخص آخر من جمعية الرفق بالفقراء فيعترض عليه (ابتسامة)
( إضاءة )
لو فرضنا مجرد فرض أن فلانا من الناس قرأ خمسين ألف كتاب، فكم عدد الكتب التي لم يقرأها؟
ألوف مؤلفة من الكتب، بل ألوف الملايين من الكتب.
فبعد هذا تغتر وتظن أنك أحطت بالعلم يا مسكين؟!
لكي نعرف الفرق بين القراءة والمطالعة نتدبر استعمالها في كلام العلماء:
يقول ابن خالويه: فطالعت كتب اللغة ثلاثة أيام على أن أجد لها ثالثا فما استطعت
ويقول السيوطي في البغية: إنه طالع أكثر من 300 مجلد لجمع التراجم.
وذكر ابن حجر في تبصير المنتبه الكتب التي طالعها لاستخراج هذا الكتاب.
ويقول أحد العلماء: طالعت كتاب فلان فما رأيت له رواية عن مالك.
فالذي يظهر لي -والله أعلم- أن المطالعة تكون بقصد البحث عن شيء معين، أو بقصد استخراج الفوائد، وتعليق الفرائد، أو نحو ذلك.
والقراءة قد تطلق على ذلك أيضا؛ فهي أعم من المطالعة.
( لمعة )
(وليعذرنا شيخنا على السطو...)
ساشا غيتري، أحد ظرفاء الأدباء الفرنسيين، قال ما ترجمَتُه:
"عندما أستحضر ما قرأتُه من كتب، أنتفخ خيلاء. لكن سرعان ما أشعر بالقزم، عندما أتذكر ما لم أقرأه".
( تذييل )
كان بإمكان الفيروزابادي تذكُّر "السفهاء"، فهم أكثر عددا من الفقهاء!
عصمنا الله من السفه في القول والعمل..
( التفاتة )
من أنفس ما قرأته لمارون عبود (وكنيته: أبو محمود!)، قوله:
"الشعراء: في كل واد يهيمون... والعقاد، هامَ في كل واد؛ لكنه ليس بشاعر!"
أول شئ لا مدخل لذكر السلف كالجاحظ(سلف سبقا وقدما) واابن الجوزي وغيرهم هاهنا لاختلاف وحدة الكتاب والمجلد عن زماننا وعلى ما أذكر فالمجلد عندهم لا يكاد يعادل مائة صفحة من صفحاتنا..
والذي أراه صواب ماذكره أبو مالك عن بعد ذلك ودليله في ذلك ظني صالح للاحتجاج وليس قطعيا(ابتسامة)
وتوجيه المنقول أن إما أن يحمل على المبالغة والتزيد وهذا شئ غير بعيد عن سيرة المذكورين فلم يكن العقاد ولياً..
والثاني أن يحمل على التصفح وصغر حجم الكتب بحيث يساوي بعضها (خاصة المترجمات في هذا الزمان) كتيبات زماننا ...
كأنّ الأخ الفاضل لم يطلع على ترجمة الجاحظ، وفيها: (لم يقع بيده كتاب قط إلا استوفى قراءته = كائنا ما كان). (كائنا ما كان) .. ولو اطلعتَ على ترجمته وهذا الظن بك .. فبأي وجه كتبت ما كتبت .. وحدّ الكتاب من ورقة إلى ما شاء الله ..أما (المجلد) - وأنا هنا لست المعنيّ ولكن لا بأس - فأرى أنه لا بأس بالاستشهاد بقول ابن الجوزي وغيره في هذا الباب؛ وذلك لأن حد (المجلّد) ليس متفقا عليه، فقد يكون (10) ورقات وقد يكون (200) ورقة ... إلخ .. وهذا نوقش قديما في (ملتقى أهل الحديث) ..وظاهر عبارة ابن الجوزي أنه قرأ (20000) مجلد وهو لا يزال في مرحلة الطلب .. انظر ماذا يقول: (ولو قلت أني طالعت عشرين ألف مجلد، كان أكثر، وأنا بعد في الطلب، فاستفدت بالنظر فيها: من ملاحظة سِيَر القوم، وقدر هممهم، وحفظهم، وعباداتهم، وغرائب علومهم - ما لا يعرفه مَن لم يطالع).لا تقس همتك على همة الأفذاذ .. فتنكر الممكن!وقد يقول قائل: ما الغرض من إيراد رواية الربيع، عن الشافعي أنه كان يختم (60) ختمة في صلاة رمضان ..أقول: أردت ملاحظة عنصر الزمن .. وأنّ كثير من الأحداث لا يقاس عليها .. وإنما هي بركات من الله تعالى .. ولا ممسك لفضله ..أخي الكريم أبا فهر!أعجبني جدا في حديثك المرونة التي رأيتها منك .. وذلك بإعمالك الاحتمالات .. وهي احتمالات حسنة في جملتها .. فأما الاحتمال الأول فأنا لا أنكر أن يكون المقصود المبالغة .. ولذلك قلت في أكثر من موضع (الرقم المذكور أو ما يقاربه) .. إن لم يكن الرقم (50000) فليكن 40000 مثلا .. ولكني أنكر بشدة أن يكون قراءة (50000) عنوان في نهاية حياة عالِم بصفات خاصّة .. خارح عن سنن الله .. هذا أنكره ولا أرضاه أبدا .. مهما كتب الناس وكتبوا ثم كتبوا وكتبوا ..وبالنسبة للاحتمال الثاني فهو عندي من البدهيّات؛ ولذلك لم أشر إليه؛ وذلك لأن مسمّى الكتاب يدخل فيه الكتب الكبيرة وصغيرة الحجم = العلمية (علم بحت) والأدبية (قصص وروايات ودواوين ..) .. إلخ .. فكل هذا يدخل في مسمّى (الكتاب) .. ويدخل في الرقم المذكورالجويني (50000) مضروب في (50000)أحمل عبارته على (50000) كتاب في (50000) جلسة، وذلك بأن يكون له ثلاث جلسات في اليوم والليلة .. وهذا محل بحثولكن أنقل لكم عبارة محقق "نهاية المطلب" في مقدمة تحقيقه ص40:(وقد قال عن نفسه: (قرأت خمسين ألفا في خمسين ألفا) 50000، فهل يقصد الضرب؟! 50000 في 50000 = 2500000000 هذا مستحيل، أو يقصد العطف؟ أي 50000 زائد 50000 = 100000 أظن هذا هو المقصود والمعقول (= أظن هذا هو المقصود والمعقول - كذا قال المحقق ..)، ولا أحسبه يقصد العدد (100000) حقيقة، إنما المقصود كثرة ما قرأ وحصّل من العلوم العقليّة والنقلية.انتهى.إذا من كلام المحقق 100000 يدخل تحت حد الممكن والمعقول .. فمن باب أولى 50000 أن يدخل تحت الممكن والمعقول .. خاصة مع الأفذاذ والجهابذةلا تقس همتك على همة الأفذاذ .. فتنكر الممكن!(وكان أبو بكر بن الأنباري يراجع من محفوظاته أكثر من ألف ورقة في اليوم!)يا سبحان الله! ألف ورقة في اليوم .. يعني متوسط 5 كتب في اليوموأذكّر بقوله سبحانه وتعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم)
يا شيخنا الفاضل، هل ترى أن هذا الرقم ( 50000 ) هو غاية الإمكان في القراءة؟ أو أن هناك غاية أخرى؟
يعني مثلا لو جاءنا من يزعم أنه قرأ مائة ألف كتاب، فهل تصدقه؟
ولو جاءنا من يزعم أنه قرأ مائتي ألف كتاب، فهل تصدقه؟
ولو جاءنا من يزعم أنه قرأ أربعمائة ألف كتاب، فهل تصدقه؟
وهكذا يمكنك الزيادة حتى تصل إلى عدد من الكتب توافق وتسلم أنه من المحال قراءته.
فإذا وصلت إلى هذا الرقم فأخبرني على أي أساس بنيت أن هذا العدد دون غيره هو المحال؟
أستاذي المبجّل!
هل تظن أنني من أهل الغفلة ومن الأغرار ..
كل مسألة عندي، هي قضيّة بذاتها = أنظر في جزئيّاتها .. وأقوم بتحليل أفرادها .. وهكذا حتى تحصل لي قناعة أطمئن وأركن إليها .. وأرجو أن ترضَى عن هذا الجواب العام، والذي يشتمل على إجابة سؤالك!