أعجب لك لِمَ أعرضت عن بعض ما أوردُّته عليك وتكلَّمت عن بعض، فهل تتراجع عنه الآن أم ماذا؟
أوَّلًا: ما نقلته عن البغوي رحمه الله من تأويل الصِّفة في الآية وقلتَ إنَّه أحد أقواله =ليس كذلك بل هو قولٌ نقله ونسبَه إلى بعضهم، قال: "وقال بعضهم: "يؤذون الله" أي: يؤذون أولياء الله، كقوله تعالى: "واسئل القرية" (يوسف-82) ، أي: أهل القرية".
ولم أقل إنَّ البغوي قد أوَّل الصِّفة؛ وإنَّما قلتُ إنَّك قد وافقت ما نقلته عنه، وهو تأويلٌ بلا شكَّ.
وكان الأولى لك نقل كلامه هو لا نقله عن بعضهم، وهوالتالي بعد هذا الكلام مباشرة -دون بتر وتقيُّدًا بالأمانة العلميَّة-قال: "ومعنى الأذى: هو مخالفة أمر الله تعالى وارتكاب معاصيه، ذكره على ما يتعارفه الناس بينهم، والله عز وجل منزَّهٌ عن أن يلحقه أذى من أحد".
ثانيًا: كون فلانٍ استعمل المجاز في الآية هو معنى قولي إنَّه أوَّل الكلمة التي في الآية (يؤذون الله).
إذا التأويل ههنا هو استخدام المجاز في اللفظة المتأوَّلة، وانظر إلى ضرب المثال: بـ(واسأل القرية) أي: أهلها.
ثالثًا: لا دليل عندك على كون الآية عند البغوي ليست من آيات الصِّفات، مع كون هذا القول لا يحتمله سياق الآية ومنطوقها، ولا أعلم أحدًا قاله قبلك.
ثمَّ قد حيَّرتنا من تناقض كلامك المتكرِّر، حين نقلت قول البغوي في الأول كنت تريد بذلك التأكيد والاستدلال بقوله على قولك بأنَّ لفظ الآية على سبيل الإخبار في باب صفات الله، والآن تقول إنَّ البغوي لا يراها من آيات الصِّفات! فأيُّ قوليك أرجح؟
وأخيرًا: إن لم تكن الآية من آيات الصِّفات عند البغوي -وعندك لزومًا- فيلزم عندئذٍ التأويل، وهو ما تتبرأ منه وتبريء البغوي منه!
والتأويل بدليلٍ يدل عليه السِّياق مقبولٌ عند أهل العلم، أمَّا بدونه كما هو حالك ونقلك عن البغوي فهو تأويل المعطِّلة كما ذكر ذلك الشيخ الرَّاجحي فيما نقلته عنه.
كرَّرت عليك كثيرًا أنَّك لا تفرِّق بين تفسير الأذى الذي فعله العباد وهو الكفر والتَّكذيب ...و.. الخ، والتأذِّي القائم به سبحانه من هذا الأذى المذكور وصبره تعالى عنه كما في الحديث، وما زلت تعيد عليَّ وتؤكِّد عدم فهمك له! بل زدت على عدم فهمك لكلام الأئَّمة كالأمين الشنقيطي وعزوت إليهم ما لم يريدوه، فما عساي أفعل؟ قد تراجعت يا ابن عقيل الآن مجدّدًا! فأنت إنَّما سقت كلام البغوي في سياق الاحتجاج به والاعتماد على قوله، بل حتَّى سياقك لكلام الحافظ ابن حجر مع ما في كلامه في ذا الباب من الزلل.
أمَّا أني أثبتُّ ما لم يثبته أحدٌ فهذه مغالطة ومكابرةٌ، فقد تقدَّم كلام الأئمَّة سلفًا وخلفًا في إثباته، وأعدتُّ عليك بيان ذلك، ولكن كما قال الأول: ........... وما للشمس طالعة خفاءُ أولاً: كنتُ أتمنَّى أن تبيَّن لي جوابك عمَّا بيَّنتُه لك بالبرهان؛ من أنَّ قولك بعدم إثبات الصِّفة لسبب توهُّم تأثير فعل العبد على فعل الرَّب (وهو ممتنع، وتعالى الله عن ذلك) =مطابقٌ لمنهج وطريقة الجهميَّة، ليس غيره.
وذكرت نصَّ كلامك الواضح فلم تجب، ولا أظنُّك تجد جوابًا غير التنصُّل والتهرُّب، ولو اعتذرت عن الخطأ لكان خيرًا لك.
ثانيًا: قد أحسنتُ الظََّّنَّ بك وما زلتُ، فلم أقل إنَّ هدفك ومقصدك كان متابعة الجهميَّة أوالمعطِّلة عمدًا أوحبًّا لمنهجهم، كما تتَّهمني الآن.
لكنِّي أقول وما زلتُ إنَّك وافقتهم لعدم إتقانك لمذهب السَّلف في هذا الباب، وحسب.
وأخيرًا.. قد بقيت -والله- نقاط كثيرة في تعقيباتك الأولى لم تتح لي الفرصة في كتابتها فلعلَّ ذلك في مرات قادمة.