المبحث الخامس
الآيات التي هي أصل في باب القواعد الشرعية عند المفسرين
وفيه عشرة مطالب:
المطلب الأول:
أصل في قاعدة: (المشقة تجلب التيسير):
قال تعالى: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ الحج: 78
قال السيوطي: (هذه الآية أصل قاعدة المشقة تجلب التيسير). الإكليل: (صـ 185).
المطلب الثاني:
أصل في قاعدة: (المضارة لا تكون مشروعة):
قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة: 6
قال الرازي: (هذه الآية أصل كبير معتبر في الشرع، وهو أن الأصل في المضار أن لا تكون مشروعة). مفاتيح الغيب: (11/ 317).
المطلب الثالث: (أصل في سدِّ الذرائع):
توطئة:
المفسرون ذكروا تحت هذا المطلب ثلاث آيات:
الآية الأولى:
قال تعالى: وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام: 108
قال الشوكاني: (وهي أصل أصيل في سد الذرائع وقطع الطرق إلى أشبه). فتح القدير: (2/ 172).
الآية الثانية:
قال تعالى: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ الأعراف: 163
قال ابن العربي: (هذه الآية أصل من إصول إثبات الذرائع التي انفرد بها مالك رضي الله عنه، وتابعه عليها أحمد في بعض رواياته وخفيت على الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنه مع تبحرهما في الشريعة). أحكام القرآن: (2/ 331).
الآية الثالثة:
قال تعالى: وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ هود: 113
قال الطاهر بن عاشور: (هذه الآية أصل في سد ذرائع الفساد المحققة أو المظنونة). التحرير والتنوير: (12/ 178).
المطلب الرابع: (أصل في القول بالعموم):
قال تعالى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُون الأنبياء: 98
قال القرطبي: (هذه الآية في القول بالعموم وأن له له صيغًا مخصوصة). الجامع لأحكام القرآن: (11/ 343).
المطلب الخامس: (أصل في المصالح الشرعية):
قال تعالى: قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ يوسف: 47
قال القرطبي: (هذه الآية أصل في القول بالمصالح الشرعية التي هي حفظ الأديان والنفوس والعقول والأسباب والأموال). الجامع لأحكام القرآن: (9/ 203).
المطلب السادس: (أصل في اختلاف الاجتهاد):
قال تعالى: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ الأنبياء: 79
قال الطاهر بن عاشور: (هذه الآية أصل في اختلاف الاجتهاد، وفي العمل بالراجح، ومراتب الترجيح، وفي عذر المجتهد إذا أخطأ الاجتهاد أو لم يهتد إلى المعارض). التحرير والتنوير: (17/ 118).
المطلب السابع: (أصل في عدم العقوبة على المحسن):
قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ التوبة: 91
قال القرطبي: (وهذه الآية أصل في رفع العقاب عن كل محسن). الجامع لأحكام القرآن: (8/ 227).
المطلب الثامن: (أصل في سقوط التكليف عن العاجز):
قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ التوبة: 91 - 92
قال القرطبي: (الآية أصل في سقوط التكليف عن العاجز). الجامع لأحكام القرآن: (8/ 226).
المطلب التاسع: (أصل في أن لا يؤاخذ أحد بفعل غيره):
قال تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ الأنعام: 164
قال السيوطي: (هذه الآية أصل في أنه لا يؤاخذ أحد بفعل أحد). الإكليل في استنباط التنزيل: (صـ 125).
المطلب العاشر: (أصل في أن الناسي والمخطئ غير مكلف):
قال تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ البقرة: 286
قال السيوطي: (هذه أصل قاعدة: أن الناسي والمخطئ غير مكلفين). الإكليل في استنباط التنزيل: (صـ 66).
المبحث السادس
الآيات التي هي أصل في باب تهذيب الأخلاق عند المفسرين
وفيه:
ثمانية عشر مطلبًا:
توطئه:
تهذيب لاالأخلاق باب واسع يشمل تعامل الإنسان مع نفسه ومع الآخرين، ومن هذا الباب جاءت عبارات بعض المفسرين في التنصيص على أصالة بعض تلك الأخلاق من خلال بعض الآيات دون غيرها، فجمعت تحت هذا المبحث.
المطلب الأول: (أصل في التواضع):
قال تعالى: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ يوسف: 53
قال السيوطي: (أصلٌ في التواضع، وكسر النفس وهضمها). الإكليل في استنباط التنزيل: (صـ 155).
المطلب الثاني: (أصل من أصول الأخلاق):
قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ آل عمران: 102
قال ابن عاشور: (وهذه الآية أصل عظيم من أصول الأخلاق الإسلامية). التحرير والتنوير: (4/ 30).
المطلب الثالث: (أصل في الوعظ):
قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ إبراهيم: 5
قال ابن العربي: (هذه أصلٌ في الوعظ المرقق للقلوب). محاسن التأويل: (6/ 300).
المطلب الرابع: (أصل في المحاسبة):
قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ الحشر: 18
قال عبد الرحمن السعدي: (وهذه الآية أصلٌ في محاسبة العبد نفسه). تيسير الكريم الرحمن: (صـ 853).
المطلب الخامس: (أصل في أن العين حق):
قال تعالى: وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ الحشر: 18
قال السيوطي: (أصلٌ في أن العين حق). الإكليل في استنباط التنزيل: (صـ 272).
المطلب السادس: (أصل في ترك التنطع والتشدد):
قال تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ المائدة: 87
قال السيوطي: (هذه الآية أصل في ترك التنطع والتشدد في التعبد). الإكليل في استنباط التنزيل: (صـ 114).
المطلب السابع: (أصل في الهجرة والعزلة):
قال تعالى: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ الصافات: 99
قال القرطبي: (هذه الآية أصل في الهجرة والعزلة). الجامع لأحكام القرآن: (15/97).
المطلب الثامن: (أصل في آداب المناظرة):
قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ العنكبوت: 46
قال السيوطي: (آصل آداب المناظرة والجدل). الإكليل في استنباط التنزيل: (صـ 205).
المطلب التاسع: (أصل في حسن الظن بالآخرين):
قال تعالى: لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات ُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ النور: 12
قال ابن العربي: (هَذَا أَصْلٌ فِي أَنَّ دَرَجَةَ الْإِيمَانِ الَّتِي حَازَهَا الْإِنْسَانُ، وَمَنْزِلَةَ الصَّلَاحِ الَّتِي حَلَّهَا2 الْمَرْءُ، وَلُبْسَةَ الْعَفَافِ الَّتِي تَسَتَّرَ بِهَا الْمُسْلِمُ لَا يُزِيلُهَا عَنْهُ خَبَرٌ مُحْتَمَلٌ، وَإِنْ شَاعَ، إذَا كَانَ أَصْلُهُ فَاسِدًا أَوْ مَجْهُولًا). أحكام القرآن: (3/ 364).