ما حكم من يسمي يوم القيامة بمحكمة العدل العلوية.
ما حكم من يسمي يوم القيامة بمحكمة العدل العلوية.
ما المانع من الوصف
مَحْكَمَةُ الْعَدْلِ الْإِلَهِيَّةُ مَحْكَمَةٌ تَقُومُ عَلَى مَعَايِيرَ وَصِفَاتٍ، لَا يُمْكِنُ لِمَحْكَمَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ مَهْمَا حَرَصَتْ أَنْ تُحَقِّقَهَا وَلَا مُقَارَنَةَ
مَحَاكِمُ الدُّنْيَا لَا تَخْلُو مِنْ نَقَائِصَ وَمَعَايِبَ،
(ويل ثم ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء )
(قاض في الجنه وقاضيان في النار )
محاكم الدنيا وَلَا تَسْلَمُ مِنْ نَقْدٍ وَتَقْيِيمٍ بِسَبَبِ جَوْرِ وَجَهْلِ الْعَامِلِينَ فِيهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَآخِذِ وَالْمَثَالِبِ الَّتِي لَا تَسْلَمُ مِنْهَا مَحْكَمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، ؛ لِمَا يُلَازِمُهُمْ مِنْ ضَعْفٍ وَجَهْلٍ وَيَعْتَرِيهِمْ مِنْ خَطَأٍ وَنِسْيَانٍ، وَكَوْنِ عِلْمِهِمْ مَبْنِيًّا عَلَى مَا يَظْهَرُ لَهُمْ وَمَا يَسْتَنْبِطُونه مِنَ الدَّلَائِلِ وَالشَّوَاهِدِ والاعترافات. وَلَا يَزَالُ النَّاسُ عُمُومًا،والخصو م أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا خُصُوصًا، يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ شَيْئًا مِنْ مَحَاكِمِ الدُّنْيَا وَحُكَّامِهَا وَأَحْكَامِهَا؛ يَنْتَقِدُونَ فِيهَا سُلُوكِيَّاتٍ مُخْتَلِفَةً وَثُغُرَاتٍ شَتَّى، وَمَهْمَا بَلَغَ الْحِرْصُ بِأَهْلِهَا فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ شَيْءٌ ،
بِخِلَافِ مَحْكَمَةِ الْآخِرَةِ؛
فَإِنَّ أَهْلَ الْمَوْقِفِ لَا يَنْصَرِفُونَ حَتَّى يُقِرُّونَ بِالْأَحْكَامِ الصَّادِرَةِ فِي حَقِّهِمْ؛
وَأَهْلَ النَّارِ لَا يَدْخُلُونَهَا حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُمُ اعْتِرَافٌ وَشَهَادَةُ قَبُولٍ بِالْحُكْمِ الَّذِي وَقَعَ بِحَقِّهِمْ؛
قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)[الْأَحْقَافِ: 34].
ومن خصائص مَحْكَمَةِ الْآخِرَةِ
يَكُونُ فِيهَا رَبُّ الْعِبَادِ هُوَ الْحُكْمَ الْعَدْلَ؛
(لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ)
يَفْصِلُ فِيهَا بَيْنَ خَلْقِهِ؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ)
، وَلَيْسَ الْبَشَرُ فَحَسْبُ إِنَّمَا كُلُّ مَنْ يَدِبُّ عَلَى ظَهْرِ هَذِهِ الْبَسِيطَةِ يَشْمَلُهُ الْحِسَابُ وَالْفَصْلُ؛ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "يَقْتَصُّ الْخَلْقُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، حَتَّى الْجَمَّاءُ مِنَ الْقَرْنَاءِ، وَحَتَّى الذَّرَّةُ مِنَ الذَّرَّةِ"(أَوْرَدَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي الصَّحِيحَةِ).
بَعْدَهَا يَأْذَنُ اللَّهُ -تَعَالَى- بِالْحِسَابِ وَالْفَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَ
تَبْدَأُ الْمَحْكَمَةُ الْإِلَهِيَّةُ بِمُمَارَسَةِ مَهَامِّهَا؛
وَأَوَّلُ الْحِسَابِ الْعَرْضُ عَلَى اللَّهِ -تَعَالَى-،
وَيَكُونُ حِسَابُ الْمَلِكِ مُشَافَهَةً
ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ بِالْمُوَازِينَ فَتُنْصَبُ لِبَدْءِ الْحِسَابِ الْعَمَلِيِّ لِتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ، وَتُجَازَى بِمَا كَسَبَتْ؛
فَتُوزَنُ الْأَعْمَالُ وَأَصْحَابُهَا؛ (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)[غَافِرٍ: 17]؛
يَقُولُ الْقُرْطُبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "إِذَا انْقَضَى الْحِسَابُ كَانَ بَعْدَهُ وَزْنُ الْأَعْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ لِلْجَزَاءِ؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْمُحَاسَبَةِ، فَإِنَّ الْمُحَاسَبَةَ لِتَقْدِيرِ الْأَعْمَالِ، وَالْوَزْنُ لِإِظْهَارِ مَقَادِيرِهَا؛ لِيَكُونَ الْجَزَاءُ بِحَسَبِهَا".
****************
وَمَحْكَمَةُ الْعَدْلِ الْإِلَهِيَّةُ مَحْكَمَةٌ تَقُومُ عَلَى مَعَايِيرَ وَصِفَاتٍ،
وَمِنْ ذَلِكَ:
مِلَفَّاتُ الْعِبَادِ مَكْشُوفَةٌ وَغَيْرُ سِرِّيَّةٍ؛ وَلَيْسَتْ فِي طَيِّ الْكِتْمَانِ وَلَا مَحْصُورَةً بَيْنَ الْمُتَخَاصِمِي نَ؛ بَلِ الْبَشَرِيَّةُ شَاهِدَةٌ عَلَى تِلْكَ الْمُحَاكَمَةِ الْعَادِلَةِ وَحَاضِرَةٌ؛
قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا)،
وَهَذَا بِاسْتِثْنَاءِ مَنْ يُحَاسِبُهُ اللَّهُ حِسَابًا يَسِيرًا؛ فَهَذَا الصِّنْفُ يُقَرِّرُهُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِ وَيَسْتُرُهَا عَلَيْهِ.
حُضُورُ الْعَبْدِ لِلْحِسَابِ تَحْتَ حِرَاسَةٍ مُشَدَّدَةٍ؛
وَمَهْمَا كَانَ لِلْعَبْدِ فِي دُنْيَاهُ مِنْ عَوَامِلِ الْقُوَّةِ وَالْبَقَاءِ وَالسُّلْطَةِ وَالْغِنَى؛ إِلَّا إِنَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضُعَفَاءُ لَا يَجِدُونَ مَلْجَأً وَلَا مَفَرًّا وَلَا مَحِيصًا، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- جَعَلَ حِرَاسَةً مُشَدَّدَةً لَيْسَ تَحَسُّبًا لِهُرُوبِ زَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو؛ بَلْ زِيَادَةً فِي التَّرْهِيبِ؛ قَالَ الرَّبُّ -سُبْحَانَهُ-: (وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ)[ق: 21].
اسْتِحَالَةُ الظُّلْمِ فِي مَحْكَمَةِ الْعَدْلِ؛
قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[ق: 29]، فَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَنْ يَحْمِلَ الْعَبْدُ سِوَى مَا جَنَتْهُ جَوَارِحُهُ، وَلَا يُجَازَى غَيْرَ مَا هُوَ مُسَطَّرٌ فِي صَحِيفَتِهِ وَمَا قَامَتْ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الشُّهُودِ؛ وَمَهْمَا كَانَ تَقْصِيرُكَ وَإِسَاءَتُكَ فَسَتُوَفَّى جَزَاءَكَ دُونَ ظُلْمٍ أَوْ هَضْمٍ؛
قَالَ الْعَدْلُ -سُبْحَانَهُ-:
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا)[طه: 112]، وَلَنْ يَحْمِلَ عَبْدٌ وِزْرَ غَيْرِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبًا فِي إِغْوَاءِ أَحَدٍ؛
قَالَ الْعَدْلُ -سُبْحَانَهُ-: (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ)[النَّحْلِ: 25].
لَا وُجُودَ لِمُحَامٍ وَلَا مُدَافِعٍ فِيهَا؛
فَلَا وُجُودَ لِتَزْوِيرٍ وَلَا لِتَدْلِيسٍ وَلَا تَسَتُّرٍ،
وَكُلُّ شَيْءٍ مُوَثَّقٌ وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ؛ ابْتِدَاءً مِنْ جَوَارِحِ الْعَبْدِ؛ (مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ)[الشُّورَى: 47]، و(مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ)[غَافِرٍ: 18]،
وَحَتَّى الْمَكَانُ وَالْمَلَائِكَة ُ وَغَيْرُهُمْ؛ وَلَيْسَ الْحَالُ كَمَحَاكِمِ الدُّنْيَا؛
كَوْنَ الْخَصْمِ يَحْتَاجُ لِمُحَامٍ يَشْرَحُ عَنْهُ قَضِيَّتَهُ وَيُدَلِّلُ عَلَيْهَا لِيَصِلَ إِلَى حَقٍّ يَجْلِبُهُ أَوْ ظُلْمٍ يَدْفَعُهُ. (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ)[غَافِرٍ: 18].
الرَّشْوَةُ وَالْوَاسِطَةُ مُسْتَحِيلَةٌ؛
لِأَنَّ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ الْخَلْقِ هُوَ رَبُّهُمْ، وَكُلُّهُمْ عِبَادُهُ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهُمْ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِمْ وَهُوَ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا، وَحُصُولُ الرَّشْوَةِ يَلْزَمُ مِنْهَا وُجُودُ ظُلْمٍ وَهَوًى أَوْ وُجُودٍ لِمَا لَيْسَ لَكَ، أَوِ التَّنَصُّلِ مِمَّا هُوَ عَلَيْكَ؛ (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 88]،
(وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى)[سَبَأٍ: 37].
وَمِنْ خَصَائِصِ مَحْكَمَةِ الْعَدْلِ الْإِلَهِيَّةِ أَنَّ الْأَسْمَاءَ لَا تَتَشَابَهُ؛
وَإِنْ كَانَتِ الْبَشَرِيَّةُ جَمِيعُهَا مِنْ لَدُنْ آدَمَ وَحَتَّى آخِرِ أَيَّامِ الدُّنْيَا فِي صَعِيدٍ وَزَمَانٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ تَشَابَهَتْ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَجْسَادُهُمْ ، وَرَغْمَ كَثْرَتِهِمْ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا؛
(وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)[مَرْيَمَ: 95].
فِي مَحْكَمَةِ الْعَدْلِ لَا تُوجَدُ مِلَفَّاتٌ مَنْسِيَّةٌ وَلَا مَجَالَ هُنَاكَ لِلنِّسْيَانِ؛
فَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ مَكْتُوبٌ وَمَنْسُوخٌ، وَالشُّهُودُ لَا يَنْسَوْنَ وَلَا يَغْفُلُونَ؛
(هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[الْجَاثِيَةِ: 29]
، وَمَعَ طُولِ أَعْمَارِهِمْ وَاخْتِلَافِ أَعْمَالِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ
إِلَّا أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْصَى ذَلِكَ وَعَدَّهُ وَسَطَّرَهُ وَنَسَخَهُ وَحَفِظَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ؛ (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ)[الْمُجَادَلَةِ: 6]؛
فَلَا يَغِيبُ عَنِ اللَّهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ عِبَادِهِ،
وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِمْ،
وَلَا يَنْسَى لِكَثْرَتِهِمْ أَوْ لِتَشَابُهِهِمْ أَوْ لِطُولِ حَيَاتِهِمْ؛ (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)[مَرْيَمَ: 64].
اسْتِلَامُ النُّطْقِ بِالْحُكْمِ؛ (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)[الْإِسْرَاءِ: 14]،
وَمَعْرِفَةُ مَا فِي الْحُكْمِ وَالِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ، وَرَغْمَ أَنَّ الْعَبْدَ يُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهِ أَوَّلَ الْأَمْرِ؛ بَلْ وَيُقْسِمُ الْأَيْمَانَ الْمُغَلَّظَةَ عَلَى بَرَاءَتِهِ؛
قَالَ اللَّهُ حَاكِيًا عَنْ أُولَئِكَ الْمُجَادِلِينَ : (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ)[الْأَنْعَامِ: 23]؛
حَتَّى تَشْهَدَ عَلَيْهِمْ جَوَارِحُهُمْ وَشُهُودٌ آخَرُونَ، حِينَهَا يَعْتَرِفُونَ؛ (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)[السَّجْدَةِ: 12]؛ فَهَلْ بَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الشَّهَادَاتِ أَنْ يُنْكِرَ شَيْئًا جَنَتْهُ جَوَارِحُهُ؟!
هَلْ يَسْتَطِيعُ جَحُودَ ذَنْبٍ وَاحِدٍ *** رَجُلٌ جَوَارِحُهُ عَلَيْهِ شُهُودُ لَا يُوجَدُ حُكْمٌ غِيَابِيٌّ؛ فَالْكُلُّ حَاضِرٌ،
وَالْجَمِيعُ شَاهِدٌ عَلَى الدَّعْوَى قِرَاءَةً وَسَمَاعًا، وَلَهُ حَقُّ الرَّدِّ عَنْ نَفْسِهِ، وَحَقُّ الطَّعْنِ فِي الشُّهُودِ؛
(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ)[يس: 32]؛
وَلَكِنْ أَنَّى لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ يَجِدُ مَا عَمِلَ حَاضِرًا وَيَتَذَكَّرُ ذَلِكَ زَمَانًا وَمَكَانًا وَحَالًا.
استلام النطق بالحكم باليد*
﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ﴾...وَ أَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ
اسْتِحَالَةُ التَّزْوِيرِ فِي الشَّهَادَاتِ وَفِي الْمِلَفَّاتِ؛
فَالْأَمْرُ كُلُّهُ مَكْشُوفٌ وَوَاضِحٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَهُ وَعَلَيْهِ بَرَاهِينُ وَأَدِلَّةٌ، وَفِي الْقِيَامَةِ كُلٌّ مُهْتَمٌّ بِنَفْسِهِ وَكَيْفَ الْخَلَاصُ لَهَا؛ (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النُّورِ: 24].
لَا عُذْرَ حِينَئِذٍ لِمَنْ حَمَلَ ظُلْمًا؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ -سُبْحَانَهُ- قَدْ بَيَّنَ مُرَادَهُ لِعِبَادِهِ؛ فَأَنْزَلَ كُتُبًا وَأَرْسَلَ رُسُلًا لِبَيَانِ مَا فِيهَا؛ وَبِهَذَا أَقَامَ الْحُجَّةَ وَقَطَعَ الْعُذْرَ؛ (فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ)[الرُّومِ: 57]. دِقَّةُ مِيزَانِ الْأَعْمَالِ؛ فَلَا يُفَوِّتُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً، وَلَا يَعْجِزُ أَنْ يَحْمِلَ مَا يَزِنُ الْجِبَالَ مِنَ الْأَعْمَالِ لِعَظَمَتِهِ؛
(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)،
سُرْعَةُ الْبَتِّ فِي تَنْفِيذِ أَحْكَامِهَا الصَّادِرَةِ، فَيُسَاقُ الْمُتَّقُونَ إِلَى أَمَاكِنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ مَسْرُورِينَ؛ تَتَلَقَّاهُمْ حِرَاسَتُهَا عِنْدَ أَبْوَابِهَا مُبَارِكِينَ وَمُهَنِّئِينَ وَمُسْتَقْبِلِي نَ، (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ)[الزُّمَرِ: 73]، وَفِي الْمُقَابِلِ تَسُوقُ الزَّبَانِيَةُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا؛ فَتَتَلَقَّاهُم ْ خَزَنَتُهَا وَقَدْ عَلَتْهُمُ الدَّهْشَةُ بِسَبَبِ الْأَفْوَاجِ الْهَائِلَةِ الَّتِي تَرِدُ النَّارَ؛ فَيَسْأَلُونَهُ مْ: هَلْ جَاءَتْهُمْ رُسُلٌ؟! فَيُجِيبُونَ: أَنْ نَعَمْ، فَتُجِيبُ الْمَلَائِكَةُ: إِذًا فَادْخُلُوهَا.