الجهل عدم العلم ومنه المركب ومنه البسيط وهو جهلان ,جهل عجز وجهل إعراض
وهو ليس بعذر فى الجملة ...فقد كفر الله أعيان مع جهلهم وعدم علمهم ولكن الجهل ربما يكون سببا ومانعا من العقوبة والعذاب
تعريف الجهل....
الجهل لغة: نقيض العلم. يقال جهلت الشّيء جهلا وجهالة بخلاف علمته، وجهل على غيره سفه أو خطأ. وجهل الحقّ أضاعه، فهو جاهل وجهل. وجهّلته - بالتّثقيل - نسبته إلى الجهل.
وفي الاصطلاح: هو اعتقاد الشّيء على خلاف ما هو عليه،
وهو قسمان:
بسيط ومركّب.
أ - الجهل البسيط: هو عدم العلم ممّن شأنه أن يكون عالماً.
ب - الجهل المركّب: عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع.
حد الجهل: فقد العلم يعني عدم العلم بالشيء.
قال ابن منظور: الجهل نقيض العلم، وقد جهله فلان جهلا، وجهالة وجهل عليه،
والتجهيل: أن تنسبه إلى الجهل،
والجهالة: أن تفعل فعلا بغير علم،
والمجهلة: ما يحملك على الجهل،
والجاهلية: هي الحال التي كان عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والكبر والتجبر وغير ذلك
ويعد الجهل من العوارض الأهلية، فما معنى العوارض الأهلية؟
العوارض: جمع عارض: أي أمر عارض، أو جمع عارضة أي خصلة عارضة، أو آفة عارضة مأخوذ من عرض كذا، ومعنى أنها عوارض، أنها ليست من الصفات الذاتية كما يقال البياض من عوارض الثلج، والسواد من عوارض الفحم.
وقد عرّفها علماء الأصول: بأنها هي الحالات التي تكون منافية للأهلية، وليست من لوازم الإنسان من حيث هو إنسان، والعوارض تنقسم عند علماء الأصول إلى قسمين:
أ- عوارض سماوية: وهي ما لا دخل للإنسان في وجودها، أو وقوعها مثل: الصغر والجنون والنسيان والعته والنوم والإعياء والرق والموت.
ب- عوارض مكتسبة: وهي ما يكون للإنسان دخل في وجودها ووقوعها ومثلوا لها: بالجهل والخطأ والسكر والهزل
تعريف الأهلية: الأهلية لغة: معناها الصلاحية للشيء.
واصطلاحاً: صلاحية الإنسان للوجوب له، وعليه شرعاً، أو لصدور الفعل على وجه يعتدّ به شرعاً، وعرفها الرهاوي بقوله: "الأهلية صلاحية الشخص لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه" قال الجبوري: "الأهلية: صلاحية الإنسان لما يجب له من الحقوق، وما يلزمه من الواجبات بعد توفر الشروط اللازمة لصحة ثبوت الحقوق له، والواجبات عليه"
قال الدكتور عبد الكريم زيدان: "لكن قد يعرض لإنسان بعد كمال أهليته من الأمور ما يزيلها، أو ينقصها، أو يؤثر فيها بالإزالة والنقصان، وهذه هي التي تسمى بعوارض الأهلية"
...الجهل باعتباره عارضاً من عوارض الأهلية ومن حيث كونه يصلح عذراً، والحالات التي يصلح فيها عذراً، والحالات التي لا يصلح فيها عذراً، والذي يعنينا من معاني الجهل، الجهل بمعنى: عدم العلم، وإلا فالجهل له معان مختلفة ليس لها تعلق أصيل ببحثنا.
فالخلاصة من تعريف الجهل:
1ـأن الجهل تصور الشيء على خلاف ما هو عليه: و هذا هو الجهل المركب و خرج به الجهل البسيط الذي ليس فيه إدراك إطلاقا!
2ـ أن الجهل عدم العلم: أي عدم إدراك الشيء على ما هو عليه.
و ينقسم الجهل على هذا الرأي إلى بسيط و مركب:
ـ الجهل البسيط: يتعلق بالأمور الحسية.
ـ و الجهل المركب: يتعلق بالأمور الفكرية.
الجهل البسيط: عدم الإدراك بالكلية. وهو عدم العلم بالشيء
وهذا حال الإنسان عامة عندما يخلق ، قال تعالى : {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل : 78]
و الجهل المركب: إدراك الشيء على خلاف ما هو عليه.
أمثلة:
1ـ أن يقال: متى كانت غزوة بدر؟ فيقول: لا أدري.
فهذا جهل بسيط. ـ لأنه جهل واحد، لا يعلم شيئا.
2ـ أن يقال: متى كانت غزوة بدر؟ فيقول: في السنة الثالثة.
هذا جهل مركب، إذ إن غزوة بدر كانت في السنة الثانية. مركب من جهلين، جهل بالواقع و جهل بالحال، فهو لا يدري، و لا يدري أنه لا يدري!!
أيهما أقبح الجهل البسيط أو المركب؟؟
لا شك أن المركب أقبح، فالجاهل المركب شر من الجاهل البسيط، لأن الجاهل البسيط عرف نفسه فقال: لا أدري.
و أما هذا فادعى أنه عالم، و ليس بعالم، فكان جاهلا بنفسه و جاهلا بالحكم!!
إذاً تعريف الجهل: هو الظن والضياع ولا أدري ولا أعلم سواء في المجالات المادية أو الفكرية أو الواقعية، وهو عدم معرفة الجواب الصحيح على الأسئلة المطروحة، أو إعطاء إجابات خاطئة نابعة من آراء شخصية لم يتم الوصول لها بناء على أدلة يقينية.
والجهل في الاصطلاح: هو تصور الشيء على خلاف ما هو به في الواقع، إذا كان الإنسان يتصوره، وهذا النوع من الجهل هو الذي يسمى بالجهل المركب، فالجهل قسمان: عدم تصور الشيء أصلاً، وهذا الجهل البسيط، وتصوره على خلاف ما هو عليه، وهذا الجهل المركب، فكون الإنسان يظن أن الفقه هو علم الحساب فهذا جهل مركب؛ لأنه تصور هذا العلم على خلاف ما هو عليه، وكونه لا يعرف مدلول الفقه -أصلاً- فهذا هو الجهل البسيط. أقسام الجهل
وقد قسّم العلماء الجهل بهذا الاعتبار إلى قسمين:
1 - الجهل الذي لا يصلح عذراً، ومثّلوا له بجهل الكفار بصفات الله تعالى، وأحكام الآخرة، وكذلك الجهل الذي يخالف المشهور من الكتاب والسنة والإجماع؛ فإنه ليس بعذر أصلاً.
2 - الجهل الذي يصلح عذراً: ومثّلوا له بجهل المسلم بالشرائع في دار الحرب، وكذلك الجهل الذي في موضع الاجتهاد الصحيح بألا يكون مخالفاً للكتاب والسنة، وفرق العلماء بين ما يشترك غالب الناس في معرفته فلا تُقبل فيه دعوى الجهل، ومثلوا له بتحريم الزنا والقتل والسرقة والخمر وبين ما لا يشترك غالب في معرفته كما في مسائل المواريث والطلاق والعتاق، وفرقوا بين ما اشتهر علمه في العامة بخلاف ما كان خافياً علمه، وسموا الأول: علم العامة، والثاني: علم الخاصة
وقد قسم الأصوليون من الأحناف الجهل باعتباره عارضاً من عوارض الأهلية إلى أقسام نوجزها فيما يلي:
1 - الجهل الذي يكون عن مكابرة العقل، وترك البرهان القاطع، وهذا لا يكون عذراً كالجهل بالتوحيد والبعث والمعاد، والأمور المعلومة من الدين بالضرورة.
2 - الجهل الناشئ عن شبهة منسوبة إلى الكتاب والسنة مثل جهل الفرق الضالة من أهل الأهواء، وهذا الجهل لا يكون عذراً.
3 - جهل نشأ عن اجتهاد، ودليل شرعي صحيح، ولكن فيما لا يجوز فيه الاجتهاد بأن يخالف الكتاب والسنة والإجماع، وحكمه: أنه وإن كان عذراً يسقط به الإثم، فلا يكون عذراً في حق القضاء، فتنفذ به الأحكام والحدود إن ترتب عليه حد.
4 - جهل نشأ عن اجتهاد، وفيه مساغ للاجتهاد، كالمجتهدات التي يقع فيها الخطأ، وهو عذر البتة، وينفذ، القضاء على حسب نوعه.
5 - جهل نشأ عن شبهة، وخطأ مثل: رجل وطئ أجنبية وهو يظن أنها زوجته، وهذا عذر يسقط به الحد عند علماء الأحناف.
6 - جهل لزمه ضرورة كجهل المسلم بأحكام الإسلام في دار الحرب، وهو عذر وبه يسقط الحد
ومما قرره الفقهاء في باب الجهل أنه لا تقبل دعوى الجهل، والاعتذار به في الأمور المشتهرة بين الناس، بخلاف ما لا يعرفه إلا الخواص
ومما قرره العلماء أن الجهل لا يكون عذراً مطلقاً، وإلا كان خيراً من العلم قال الشافعي رحمه الله تعالى: (لو عُذِر الجاهل لأجل جهله لكان الجهل خيراً من العلم، إذ كان يحط عن العبد أعباء التكليف ويريح قلبه من ضروب التعنيف، فلا حجة للعبد في جهله الحكم بعد التبليغ والتمكين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل)
وقد فرق العلماء بين جهل المسلم بأحكام الإسلام في دار الإسلام، فلم يعتبروه عذراً بخلاف جهله في دار الحرب، فإنه يعتبر عذراً على تفصيل، وذلك لأن دار الإسلام محل لشهرة الأحكام بخلاف دار الحرب، فإنها ليست محلاً لشهرة أحكام الإسلام وقال العلماء: "لأن دار الحرب ليست بمحل استفاضة بأحكام الإسلام، فيعتبر الجهل بالخطاب عذراً لأنه غير مقصر في طلب الدليل، وإنما جاء الجهل من قبل خفاء الدليل في نفسه حيث لم يشتهر في دار الحرب بسبب انقطاع التبليغ عنهم".
وقد نقل الزحيلي عن الفقهاء قولهم: لأن دار الحرب ليست بمحل لشهرة الأحكام والعلم بها
وبعد هذا العرض الموجز لمعاني الجهل لغة، واصطلاحاً، وكذلك الأحوال التي تحدث فيها الفقهاء عن الجهل باعتباره عذراً، وباعتباره ليس بعذر يتضح لنا:
إن مسألة الجهل، واعتباره من الأعذار تكتنفها عدة أمور لا بد من ملاحظتها:
1 - نوعية المسألة المجهولة: معلومة من الدين بالضرورة، أم غير معلومة.
2 - المحل الذي وقع فيه الجهل: دار الحرب، أم دار الإسلام.
3 - كون المسألة مشتهرة، أو غير مشتهرة وعبر عنها العلماء: ما يشترك غالب الناس في علمه، وما لا يشترك غالب الناس في علمه.
4 - كون المسألة مما يقع فيها الخطأ والجهل عن اجتهاد صحيح، أو كونها لا يقع فيها الاجتهاد لمخالفتها المشهور من الكتاب والسنة والإجماع، ويطلق عليه العلماء (المسائل التس محل اجتهاد، والمسائل التي لا مساغ للاجتهاد فيها).
5 - حالة من وقع منه الجهل، ففرقوا بين حديث العهد بالإسلام، وغيره ممن ليس بحديث عهد بالإسلام.
6 - ومن قواعد العلماء في مسألة الجهل: اختلاف الجهل بحسب اختلاف متعلقه.
قال الشيخ تقي الدين الحصني الشافعي: "واعلم أن الخطأ الناشئ عن الجهل يختلف حكمه بحسب اختلاف متعلق الجهل، فمن جهل تحريم شيء ممن يشترك فيه غالب الناس فإن كان قريب العهد بالإسلام، أو نشأ ببادية يخفى فيها مثل ذلك، عُذِر فيه، وإن لم يكن ممن يشترك غالب الناس في معرفة تحريمه وكان مثله يخفى عليه عُذر فيه أيضاً وإلا لم يُعذر"
7 - قسّم العلماء الجهل إلى قسمين من حيث العجز والإعراض :
1 - قسم ناشئ عن تفريط صاحبه وتقصيره في إزالته فلا عذر له فيه.
2 - قسم ناشئ عن عدم تفريط، وإهمال لعدم وجود من يعلم صاحبه، فهذا صاحبه معذور.
__ قال الشيخ علاء الدين البعلي الحنبلي المعروف بابن اللحام في كتابه القواعد: "إذا تقرر هذا، فها هنا مسائل تتعلق بجاهل الحكم. هل هو معذور أم لا؟ ترتبت على هذه القاعدة، فإذا قلنا يُعذَر فإنما محله إذا لم يقصّر ويفرّط في تعلم الحكم، أما إذا قصر أو فرط فلا يُعذَر جزماً"
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى: "هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل، فنقول الجهل نوعان؛ جهل يُعذَر فيه الإنسان، وجهل لا يعذر فيه، فما كان ناشئاً عن تفريط، وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم، فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أو المعاصي، وما كان ناشئاً عن خلاف ذلك، أي أنه لم يُهمِل ولم يفرّط، ولم يقم المقتضي للتعلم بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء حرام، فإنه يعذر فيه"
الجهل البسيط:
أن يجهل الإنسان لا يدري ولكنه يدري أنه لا يدري, يقال له مثلاً: ما حكم التيمم؟ فيقول لا أدري, هذا يسمونه جهل بسيط هو جهل لكنه جهل بسيط للجهل المركب.
الجهل المركب
وهو معرفة الشيء على غير حقيقته مع اعتقاد أنه حق
وهذا حال المتعالمين ، وأنصاف المثقفين وأصحاب الصحف والمجلات ، وأهل البدع ، ممن يكلفون أنفسهم عناء البحث والتحري عن الحق ، ولكن مجرد أن يعرفوا طرفا من مسألة أو موضوع حتى يكتفوا بذلك ويعتمدوا في الباقي على جهلهم في استنباط النتائج .
قال تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}[البقرة : 78]
وقال تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)} [آل عمران : 65 - 67]
وقال تعالى : {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ }[الأنعام : 148]
وقال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ } [الحج : 3]
وقال تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)} [الحج فهؤلاء الذين يجادلون بغير علم إنما لظنهم أنهم على حق في ما يجادلون فيه ، ربما لعلمهم ببعض الكلمات التي تهم البحث في القضية المجادل فيها .
وقال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات ُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُم ْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18)} [النور : 11 - 18]
فهؤلاء الذين وقعوا في ما وقع فيه المنافقون كانوا على غير علم حقيقي وإنما كان يتكلمون بحسب ما سمعوا من معلومات دون التأكد من صحتها.
روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)
قال الصنعاني :
أي الشديد المراء أي الذي يحج صاحبه وحقيقة المراء طعنك في كلام غيرك لإظهار خلل فيه لغير غرض سوى تحقير قائله وإظهار مزيتك عليه.اهـ
وهذه صفة الجاهل المتعالم الذي يعلم شيء عن بعض الأشياء ويجادل بها للظهور أو العناد .
قال ابن الحاج :
الناس على أربعة أقسام عالم وهو يعلم أنه عالم فيتعلم منه.
وجاهل وهو يعلم أنه جاهل فعلموه .
وعالم وهو يجهل أنه عالم فنبهوه تنتفعوا به.
وجاهل وهو يجهل أنه جاهل فاهربوا منه .
فقد صارت أحوالنا اليوم من هذا القسم الرابع ؛ وهو الجهل والجهل بالجهل هذا هو السم القاتل لأنا لو رأينا أنفسنا على ما هي عليه من الجهل لرجى لنا الانتقال عن هذه الصفة الذميمة ولكن من ينتقل عن العلم والخير لا ينتقل أحد عن ذلك وظننا بأنفسنا أكثر من هذا كله ولولا ما تركب فينا من سم الجهل ما أقمنا الحجة في ديننا بمن سها أو غلط أو غفل لأنه لا يجوز أن يقلد الإنسان في دينه إلا من هو معصوم وذلك صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم ليس إلا أو من شهد له صاحب العصمة صلى الله عليه وسلم بالخير وهو القرن الأول والثاني والثالث اهـ
ونجد من هذا الصنف اليوم الذي ينكر السنة بزعم الاكتفاء بالقرآن ، فنراه يتخبط تخبط الأعمى في الظلم ، فلا هو بالقرآن أخذ ولا بالسنة اقتدى
أسباب الجهل المركب
والجهل المركب له أسبابه منها :
ـ حب الرئاسة وتصدر المجالس
وهو من الأسباب التي تجعل صاحبها لا يقبل أن يكون مخطئا خوفا من نزول مكانته ، فيضطره ذلك للإصرار على موقفه ولو كان خطأ.
ـ تحريف دين الله تعالى وإضلال الناس
وهذا تجده في أهل البدع أمثال الروافض وغيرهم ممن لا يقبلون حقا ولا ينصرفون عن باطل .
ـ الاستعجال في الظهور
وهذا غالبا ما يكون للشباب الذين لم يبدأوا طريق العلم بعد ، ولكن مجرد أن جلسوا مع شيخ مرات قليلة وقرأوا كتابا أو كتابين وجمع في بيته مجموعة من الكتب ، فوجد من يسلك طريق الدعوة والفتوى يصل إلى قلوب الناس وتتناقل أخباره بسيرة حسنة ، فيقحم نفسه في ذلك ، ويتكلم ولو كان خطأ .
ـ ثقل العلم عل صاحبه
فالعلم لا ينال إلا بشق الأنفس ، ولا ينال براحة البدن والنفس ، وكذلك لا يجتمع طالب علم وطالب مال ، فكل هذه العوامل تجعل العلم ثقيلا ولا يواصل فيه إلا الرجال الأفذاذ . فتجد هؤلاء الذين لا يستطيعون التواصل يختصروا الطريق في التعرض للفتوى والدعوة والجدال بما عرفوه من مسائل.
ـ عدم تقدير الدين والشرع والعلماء
إذا كان الجاهل جهلا مركبا لا هم له إلا نصرة نفسه ورؤيتها فوق الناس ، فمثل هذا لا يقدر شرعا ولا صاحب شرع ، ولا يقدر عالما إذا وجد نفسه يخالفه .
ـ الخوف من تنقص الناس له إن أبدى عدم معرفته
هوان الدين عند صاحبه فلو كان الدين عنده عظيم ، لعظم الكلام فيه بغير علم .
سئل مالك بن أنس عن مسألة فقال : لا أدرى
فقيل له : هذه مسألة خفيفة سهلة قال : ليس في الدين خفيف فقد قال الله تعالى لنبيه : { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا}
الجهل المركب:
هو أن يجهل الإنسان ولكنه يجهل انه لا يجهل أو يجهل أنه جاهل فهو جاهل ولكن عند نفسه فهو عالم فيسأل مثلاً رجل سافر لمدة عشرة أيام هل له حق القصر أو ليس له حق القصر فيقول ليس له حق القصر أو يسأل حكم تغطية المرأة لوجهها فيقول بأنه ليس بلازم أو يسأل إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتوضأ هل له أن يتيمم ؟ فيقول لا, لا يعدل إلى التيمم ونحو ذلك فهذا جهل مركب لأنه يجهل لكن يجهل أنه يجهل أيضاً مصيبة الأمة بهذا القسم
ولذلك خطر الجهل المركب على الأمة أعظم من خطر الجهل البسيط من الوجهين.
الوجه الأول: أن الجاهل جهل مركب يضلل الناس لأنه يفتي بغير علم لأنه يجهل وأما الجاهل البسيط فإنه لا يضللهم لأنه يفتي بعدم العلم.
الوجه الثاني: أن الجاهل جهل مركب غير قابل للتعليم لأنه يعتقد أنه عالم ليس بحاجة للتعلم وهنا مكمن الخطر بينما الجاهل جهل بسيط لكونه يدرك أنه لا يعرف فإنه قابل للتعليم بل ربما سعى بنفسه من أجل أن يتعلم.
وقد جمعها الإمام الشاطبي في ثلاثة أسباب:
الجهل، والهوى، واتباع الآباء والأشياخ على عمى.
قال الشاطبي - رحمه الله -:
كل خلاف على الوصف المذكور وقع بعد ذلك: فله أسباب ثلاثة، قد تجتمع، وقد تفترق:
أحدها: أن يعتقد الإنسان في نفسه، أو يُعتقد فيه أنه من أهل العلم، والاجتهاد في الدين، ولم يبلغ تلك الدرجة، فيعمل على ذلك، ويعد رأيَه رأياً، وخلافَه خلافاً، ولكن تارة يكون ذلك في جزئيٍّ، وفرعٍ من الفروع، وتارة يكون في كلِّي وأصلٍ من أصول الدين، كان من الأصول الاعتقادية، أو من الأصول العملية، فتارة آخذاً ببعض جزئيات الشريعة في هدم كلياتها حتى يصير منها ما ظهر له بادىء رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا رسوخ في فهم مقاصدها، وهذا هو المبتدع، وعليه نبه الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقبض الله العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يَبقَ عالمٌ اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) .
والثاني من أسباب الخلاف: اتباع الهوى، ولذلك سمِّي أهلُ البدع أهل الأهواء؛ لأنهم اتبعوا أهواءهم، فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها، والتعويل عليها حتى يصدروا عنها، بل قدموا أهوءاهم، واعتمدوا على آرائهم، ثم جعلوا الأدلة الشرعية منظوراً فيها من وراء ذلك، وأكثر هؤلاء هم أهل التحسين والتقبيح، ومن مال إلى الفلاسفة، وغيرهم، ويدخل في غمارهم من كان منهم يخشى السلاطين لنيل ما عندهم، أو طلباً للرياسة، فلا بد أن يميل مع الناس بهواهم، ويتأول عليهم فيما أرادوا حسبما ذكره العلماء ونقله من مصاحبي السلاطين، فالأولون ردُّوا كثيراً من الأحاديث الصحيحة بعقولهم، وأساؤوا الظن بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحسَّنوا ظنَّهم بآرائهم الفاسدة، حتى ردوا كثيراً من أمور الآخرة وأحوالها، من الصراط، والميزان، وحشر الأجساد، والنعيم، والعذاب الجسمي، وأنكروا رؤية الباري، وأشباه ذلك، بل صيَّروا العقل شارعاً جاء الشرع أو لا، بل إن جاء فهو كاشف لمقتضى ما حكم به العقل إلى غير ذلك من الشناعات.
والثالث من أسباب الخلاف: التصميم على اتباع العوائد وإن فسدت، أو كانت مخالفة للحق،
وهو اتباع ما كان عليه الآباء، والأشياخ، وأشباه ذلك، وهو التقليد المذموم؛ فإن الله ذم ذلك في كتابه بقوله: (إنا وجدنا آباءنا على أمة) الآية، ثم قال: (قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) ، وقوله: هل يسمعونكم إذ تدعون. أو ينفعونكم أو يضرون) فنبههم على وجه الدليل الواضح فاستمسكوا بمجرد تقليد الآباء، فقالوا: (بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون) وهو مقتضى الحديث المتقدم أيضا في قوله: (اتخذ الناس رؤساء جهالاً) إلى آخره، فإنه يشير إلى الاستنان بالرجال كيف كان.
" الاعتصام " (1 / 421 - 423) باختصار.
وعليه: فإنه من المستحيل اتفاق المسلمين واجتماعهم على غير التوحيد والعقيدة، وفي الإسلام مظاهر اجتماع واتفاق لا توجد في غيره، كالقبلة الواحدة، والقرآن، ومناسك الحج، وغيرها، فنرجو أن يتوحد المسلمون ويجتمعوا على اعتقاد واحد، ومنهج واحد في فهم القرآن والسنَّة، وما يحصل من خلافٍ محتمل بعد هذا فإن أمره يسير.
هذه الأسباب هى الأصل والأساس لظهور الغلو ويتفرع منها أسباب كثيرة منها :
1- قلة الفقه في الدين (أي ضعف العلم الشرعي) ، أو أخذ العلم على غير نهج سليم، أو تلقيه عن غير أهلية ولا جدارة.
2- الجهل بأحكام الشرائع السماوية وقلة البصيرة فيها أو مخالفتها ولو بمقصد شرعي ابتداء كما حصل لقوم نوح عليه السلام، وهذا يؤدي إما على فهم زائد عن الواجب وهو الغلو والإفراط، أو عكسه تفريط وغلو فيه عن الواجب.
ولا بد من التنبه إلى أنه لا يكفي حسن المقصد لتبرير تصويب الوسيلة أو التغافل عنها البتة.
والجهل بالدين يتمثل في جوانب متعددة منها:
- القصور في فهم مقاصد الشريعة من التيسير ورفع الحرج عن المكلفين. ويتجلى هذا في صنيع المتشددين على أنفسهم في العبادات.
- ومنها الجهل بحدود الشريعة التي يجب على المكلف أن يقف عندها ولا يتعداها ويتمثل هذا في كل أنواع الغلو المجاوزة لحدود الشريعة وذلك كتحريم المباح أو إيجاب ما ليس بواجب ويدخل فيه الخروج ببعض الأنبياء أو الصالحين عن حد البشرية بوصفهم بصفات الألوهية.
- ومنها القصور في فهم نصوص الشريعة، ويتجلى هذا الأمر في النظرة الجزئية القاصرة لنصوص الشريعة.
فمثلا. وردت النصوص الشرعية في الوعد والوعيد. فنصوص الوعد تبعث في قلوب الخائفين والمذنبين الرجاء والأمل في التوبة والوعد بالمغفرة والرحمة لكل من أقبل على الله تائبا من ذنبه.
وفي المقابل نرى نصوص الوعيد تتوعد الكفار والمشركين وأهل الكبائر المصرين على ذنوبهم بأليم العذاب وشديد العقاب إذا لم يتوبوا ويؤمنوا. فإن تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات تاب الله عليهم.
فهذه هي النظرة المتكاملة في باب الوعد والوعيد ولكن قصور الفهم يأتي من النظرة الجزئية إلى أحد الجانبين وإهمال الجانب الآخر والإعراض عنه، ومحاولة التأويل المتعسف للنصوص الشرعية.
كما وقع ذلك من الخوارج والمرجئة. فالخوارج غلبوا نصوص الوعيد وأهملوا نصوص الوعد، فحكموا بكفر مرتكب الكبيرة وتخليده في النار. وأما المرجئة فغلبوا نصوص الوعد وأهملوا نصوص الوعيد للعصاة فزعموا أنه لا تضر مع الإيمان معصية وعطلوا بذلك جزءا كبيرا من نصوص الشرع.
ومثلهم غلاة المتصوفة في الرسول صلى الله عليه وسلم حين غلوا فيه حيث نظروا إلى جانب التعظيم للرسول صلى الله عليه وسلم وأهملوا جانب التوحيد وسد الذريعة إلى الشرك، والسبب الذي أوقعهم في ذلك هو النظرة الجزئية القاصرة لنصوص الشرع، دون جمع النصوص بعضها إلى بعض حتى تكتمل النظرة ويصح الحكم عليها. لكن الجهل بمقاصد الشريعة مع غلبة الهوى وعدم البصيرة هو الذي أوقع المبتدعة فيما وقعوا فيه.
يقول الشاطبي . (ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد. وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها لبعض. فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المترتبة عليها، وعامها المرتب على خاصها، ومطلقها المحمول على مقيدها، ومجملها المفسر بينها، إلى ما سوى ذلك من مناحيها. . . . فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان. . وشأن متبعي المتشابهات أخذ دليل ما، أي دليل كان، عفوا وأخذا أوليا، وإن كان ثم ما يعارضه من كلي أو جزئي. فكان العضو الواحد لا يعطي في مفهوم أحكام الشريعة حكما حقيقيا. فمتبعه متبع متشابه، ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ كما شهد الله به {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء: 122].[بتصرف للغليفى]