ولعلّي أذكُر لأخيّاتي بعض تلك النّظريّات ، والأقاويل التي يكثًر ترديدُها في بعضِ المجالسِ ، أكتبُها على سبيلِ الذِكرِ لا الحصر :
1- الرِّجل ، إذا لم تحكمي قبضتك عليه من البداية ؛ تمرَّدَ عليكِ وسلبَكِ حقّك طوالَ عمرك!
بالعامية : ( من أوّلها ، فرجيه العين الحمرا ، و قصقصيلُه جنحانُه )!!!
2- الرّجال ما عليهم أمان!
بالعاميّة : ( يا مأمِّن الرجال ؛ يامأمن الميّة في الغربال )!!!
3-وكذا قولهم : الرِّجال غير صادقيين ، أنانيين!! ويتبعْنَها بقولهن (كل الرّجال مثل بعضهم)!
4- ( أهل زوجك ما تعطيهم عين )!!
وغيرِ ذلكَ كثير من العبارات ، التي ما تأتي بها إلّا صاحباتُ القلبِ السَّقيم والجهلِ المُقيم!
وعليه : فوصيّتي لمن تُجالسُ أمثالَ أولئك :
1- ألا تُرخي العنانَ لمقولاتهنَّ هذه ألبتّة!
2- وألّا تفتحَ لهنَّ مجالاً لحديثٍ كهذا ألبتّة!
3 -وألا تتوانَ عن إسقاطِ نظريّاتِهنِّ -الخربةِ- تلكَ بأدلّةِ الكتابِ والسّنة ؛ علّهنَّ ينتهينَ عمّا عندهن!
وليكُن ردُّك على كلِّ نظريّةٍ من تيكَ النّظريّات ، بنظريّةٍ اجعليها عقيدًة عندَك:
الأولى: الرّجُل إذا أحكمتِ قبضتكِ عليه من البداية ؛ عافَكِ في النّهاية .
الثّانية : في حين سمعت أخيّتُنا مقولة : " الرِّجال غير صادقين ، أنانيين ، ما عليهم أمان " وغيرها من المقولات التحريضيّة ، التي تفسد العقولَ والقلوب ؛ فتقابلها بقاعدة كثيراً ما تتناقلها النّساء كذلك -إلّا أنّي أراها سليمةً إن لم يُصاحبها سوءُ فهم واستهانة بقدر الزوج - وهي قاعدة :
(ولدك على ماربيتيه وزوجك على ماعودتيه)!!
فلمَ لا تعوِّد صاحبةُ هذه النظريّة زوجَها على الصّدقِ والإخلاص وعدمِ الأنانيّة ، وهذا لا يتأتّي إلّا حينَ تتحلّى أخيّتُنا بمحاسنِ الخلالِ أمامه ؛ لتصلَ بذلك لأرقى وسائلِ الدّعوةِ وهي الدّعوة بالقُدوة ، وليحسُنَ فيها بعدَها قولُ القائل:
" وراء كلِّ رجلٍ عظيم امرأة " !!
الثّالثة: بما أنَّ المرأةَ مدرسة ، ومن أعدّها أعدَّ أمّة ؛ فلعلّي أوافقُ الشّاعرَ إن قلت:
إنّما المرأةُ الأخلاقُ ما بقيت ... فإن هيَ ذهبت أخلاقها ؛ ذهبت!!
فالمرأةُ إن ذهبَ إحسانُها ، وذهبت أخلاقُها ؛ فستذهبُ محبّتُها ، وسيذهبُ احترامُها وإجلالُها من عينِ زوجها ، وستغدو حينَها ضحيّةً لنظريّاتٍ ومقولاتٍ بالية ، دارَ عليها الزّمنُ وبارت!
فلا ترجو زوجةٌ ذميمةُ الأخلاقِ سيّئةُ المعاملة ؛ صلاحاً أو سداداً!
وليس بعامر بنيان قوم = إذا أخلاقهم كانت خرابا!
ولتعلم أنَّ جُلَّ تيكَ النّظريات لا تُسمنُ ولا تغني من جوع ، وليست تصلحُ بيتاً ، ولا تصلحُ زوجاً ، بل كلُّ ما تسببه فسادُ الخلق ، وشتاتُ الأهلِ والقرابة !
ولي لفتةٌ أرى ضرورةَ تسليطِ الضّوءٍِ عليها ، ولفتِ الأنظارِ إليها :
" وهيَ أنَّه ليسَ كلُّ ما يٌقال يصلح لي ولغيري ؛ فقد يصلحُ لغيري ما لا يصلح لي وضدُّ الأمر صواب ، والعرب قديماً ضربوا مثلا بمثابة قاعدة تسقطُ على كُلِّ الأمثال ، وهو : ( ما يصلح لزيد قد لا يصلح لعمرو ، والعكس ) !!
فلتتأنَّ أخيّتُنا بعدَ كُلِّ ما تقرأ وتسمع ، ولتعلم أنّها حينَ تدخُل ذاكَ المِضمار أنّها ستسمع كلاماً كثيراً ، وستقرأ ، وهيَ مضطرّةٌ لأن تقرأ ، لكن لتكُن راشدةً عاقلة ، تُحسِن فَهمَ ما تسمع وتقرأ ، ولتتحرَّى الحقَّ والصّوابَ في سائرِ أحوالِها وشؤونِها ، ولتعلم أنَّ الحقَّ لا يكونُ إلّا بموافقةِ الكتاب والسنّة ، فهما الذانِ أنصفا المرأة ، واختارا لها الطّريقَ الرّاشدَ السويّ ، بعكس أهواءِ البشر وأحكامهم!
ولتنظُر أخيّتُنا لحياتها على أنّها حياة خاصّة ، لها قدسيّتُها وكيانُها المُستقل ، ولا تلتفت لما حولَها من نماذجَ سيّئة وحيواةٍ كدِرة ، بل تجعل النّظرةَ الحسنة تلازمها كلّما نظرت في حالِ مَنِ حولَها .. و العاقلُ من يعرف حدَّه فيقف عندَه .
هذا الذي تحتاجُه طالبةُ العلم ؛ أن تُفكِّرَ تفكيراً حكيماً راشداً ؛ يتلاشى ويندحرُ معه الفكرُ الفاسد أمامَ الفكرِ الصّالحِ السويِّ ..
آخذةً بنظريّة الإمامِ العلَم ( ابن القيّم -رحمه الله ) وهي قاعدةٌ جليلة القدرِ عظيمة الشّأن ، منطوقُها أنَّ:
" أصل الْخَيْر وَالشَّر من قبل التفكّر فَإِن الْفِكر مبدأ الْإِرَادَة " ..
والطلب فِي الزّهْد وَالتّرْك وَالْحب والبغض وأنفع الْفِكر الْفِكر فِي مصَالح الْمعَاد وَفِي طرق اجتلابها وَفِي دفع مفاسد الْمعَاد وَفِي طرق اجتنابها فَهَذِهِ أَرْبَعَة أفكار هِيَ أجلّ الأفكار ويليها أَرْبَعَة فكّر فِي مصَالح الدُّنْيَا وطرق تَحْصِيلهَا وفكّر فِي مفاسد الدُّنْيَا وطرق الِاحْتِرَاز مِنْهَا فعلى هَذِه الْأَقْسَام الثَّمَانِية دارت أفكار الْعُقَلَاء ، اهـ من كتاب الفوائد للإمام ابن القيم -رحمه الله- ج1 ، ص198 .
ولا تُبالي أخيّتُنا إن سمعت وصفاً من عبلةَ أو سلوى بـ (غباء) أو (سوءِ تصرُّفٍ) ، أو ، أو ...
بل : لتقل لهنّ بملء فيها :
ما أنتنَّ إلا كالراقم على الماء.. ولا يضرُّ السحابَ عتابُكن .. بل تأتي مثقلةً بالمياه .. فتغيث النّاس ، وتغيظ السُّفهاء!
( ولا يحيق المكرُ السيِّء إلا بأهله )!
وهاتِه أبيات أهديها لكلِّ أختٍ سئمتْ عتابَ من تبغي لها غيرَ ما يوافقُ شرعَ ربِّها ، ومن تظنُّ أنّها بعتابها هذا تُحسن لأخيّتها ، وتعنها على صلاحِ الحال ، ولكنها ما عرفت أنّها قد تودي بها إلى شفا جرفٍ هار!
أنشدي لها يا فاضلة:
أقلِّي عليَّ اللومَ يا ابنةَ مُنذِرٍ ... ونامي وإن لم تشتهِ النّومَ ؛ فاسهري!
وانتظرنني في الفصلِ القادم .. بمشيئة الله تعالى ، مع حِصنٍ آخر من حصونِ طالبةِ العلمِ حالَ زواجِها ..
وأسألُ اللهَ أن يصرف عنّا كلَّ خللٍ وزلل ، وأن يجعلَنا وقّافينَ عندَ الحقِّ ، عارفينَ له ..
وكتبتها : محبّتُكن / الطّويلبة ..