صوم السمع


للشيخ فايز النوبي



ينبغي لمن طلب كمال الصيام والقيام وتمامه أن يكف سمعه عن الإصغاء إلى كل محرم ومكروه من الكلام والغناء فكل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه والإعجاب به، ولذلك نجد المولى عز وجل في كتابه الكريم يسوّي بين المستمع للباطل الراضي به وبين آكل السحت يقول سبحانه وتعالى في وصف مجرمي يهود عليهم لعائن الله: (سماعون للكذب أكالون للسحت) وقال عنهم أيضا :( لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون).

وصيام السمع معناه أيضا: تعهد الأذن تلك الجارحة العظيمة والحاسة المهمة التي حبانا الله بها وجعلها آلة السمع لدى الانسان وامتن بها علينا حين قال عزوجل :(وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) لذا وجب علينا تعهد هذه الجارحة وتطهيرها وإبعادها عن التلوث السمعي الذى يطاردنا في أماكن كثيرة ولا أعنى بالتلوث السمعي فقط الضجيج والصخب وعلو الأصوات والإزعاج الناتج عن السيارات والآلات والمصانع وكثير من أدوات المدنية الحديثة وإنما أقصد ما يسمعه كثير من الناس هداهم الله في زمننا هذا من أغانٍ ماجنة ومعازف صاخبة وبرامج تافهة ومسلسلات هابطة وكلام بذيء فاحش فالأذن التي هي آلة السمع عندنا ومن أجلّ نعم الله علينا جعلها الله عز وجل وسيلة من وسائل نقل الآيات والعبر والعلوم والمعارف والحكم والأحكام والشرائع الى داخل فطرة الإنسان وذهنه وإلى قلبه وعقله، فآلة السمع هذه منفذ من منافذ الالتقاط؛ التقاط ما في الخارج إلى الداخل فحريٌ بالمسلم الواعي لاسيما من كان لله صائما أن يجعل سمعه يلتقط ما يحبه الله عزوجل ويرضاه ويرفض ما يبغضه ربه ويأباه وصدق القائل :

إذا لم يكن في السمع منى تصاون

وفى بصري غض وفى منطقي صمت

فحظي اذا من صومي الجوع والظما

فإن قلت إني صمت يومي فما صمت.

فيا من أطلق أذنه لسماع الباطل والخنا وفاحش القول وبذيء الكلام اتق الله في سمعك، واتق الله في نفسك، واتق الله في صومك فليس هذا من هدى الصالحين وسلوك المتقين وليس هذا شأن من يطلب كمال الصوم وتمامه، وتأمل سلوك الصالحين وأخلاقهم ونفرتهم وإعراضهم عن اللغو وكل قول قبيح يقول سبحانه وتعالى في وصف عباد الرحمن :(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) وقال أيضا :(وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين).

ويقول الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضى الله عنه :(إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب، ودع عنك أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا يكن يوم صومك ويوم فطرك سواء).

وذكر صاحب الإحياء رحمه الله تعالى قاعدة في أمر السمع قال فيها: (إن ما حرم النطق به حرم الاستماع إليه فالذي يستمع الغيبة شريك المغتاب بالإثم فالذنب شؤم على صاحبه وعلى غير صاحبه أيضا إن عيره ابتلي به وان تحدث به فقد اغتابه وان رضي به فقد شاركه بالإثم. قال تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً).


فالإنسان مسؤول عن سمعه وبصره وسائر جوارحه وقد أمرنا أن نسمع الخير وأن نكف عن كل ما هو شر، فإذا سمعت بأذنيك خيراً وعيته وإذا سمعت بهما شراً دفعته. وللأبرار صيام عظيم عن سماع ما يغضب الله عزوجل في رمضان وغيره، والصالحون من عباد الله هم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه فلنستمع لدروس العلم النافع والكلم الطيب والمواعظ الحسان، ولنغتنم فرصة رمضان شهر الخير والقرآن في سماع الآيات لاالأبيات الملحنة والغناء الفاجر الآثم ولنتدبر قوله عزوجل :(ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ).

ولنكن ممن عناهم الله تعالى بقوله :(وإذا مروا باللغو مروا كراماً).

ولا ينبغي أبدا أن نكون من هؤلاء الذين قال الله فيهم:(ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه واكفنا شر أنفسنا وشر أسماعنا وأبصارنا وعافنا واعف عنا والى سواك ربى لاتكلنا، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.