صوم البطن عن أكل الحرام


الشيخ فايز النوبى


صوم البطن معناه اجتناب أكل الحرام وهو أمر واجب وفرض لازم في رمضان وغيره، والصالحون من عباد الله يجتنبون الحرام وما فيه شبهة الحرام واختلط أمره ولا يعرف حله أو حرمته فيرفضونه استبراء لدينهم وأعراضهم.

والطعام حلاله وحرامه له أثره على حياة الإنسان وسلوكه وأخلاقه، ولذلك أمر الله عزوجل خيرته من خلقه وصفوته من عباده وهم الأنبياء والرسل بأكل الحلال الطيب والبعد عن الحرام الخبيث فقال سبحانه :(يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم).

وأمر عامة المؤمنين كذلك بنفس الخطاب فقال تعالى :(يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) وقال عز وجل في وصف نبيه صلى الله عليه وسلم :(يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث) والطيبات هي ما أحله سبحانه لعباده والخبائث ما حرمه، وأهل الإيمان الصحيح أبعد الناس عن الحرام وما قرب منه

فقد قيل في وصف أهل السنة: إنهم الذين يعرفون ما يدخلونه بطونهم من الحلال، حلالاً خالصاً، فلا يأكلون طعاما اشترى بثمن او مال ربوي فالمسلم بأكله الربا يغضب الله عز وجل الذى حرمه وحذر من مغبة التعامل به والوقوع فيه قال سبحانه وتعالى :(يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون، واتقوا النار التي أعدت للكافرين، وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون) وبين سبحانه انه أحل الكسب الطيب وحرم الخبيث، والربا من أخبث أنواع الكسب (وأحل الله البيع وحرم الربا).

وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم:(لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء).

وآكل الربا يضحك على نفسه، فيعب من الحرام ويدعو ربه فلا يستجيب له ، فقد سد على نفسه باب الإجابة والقبول، وصح عنه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في صحيح الجامع: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، ..الحديث وفي آخره ثم ذكر الرجل أشعث اغبر يمد يديه: يارب يارب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب له) فهذا رجل كثير العبادة لكنه آثم قلبه لا يتورع عن الحرام في مأكله ومشربه وملبسه، ولذا فالمسلم الورع والمؤمن الصادق بعيد كل البعد عن طرق الكسب الحرام، الربا والرشوة والسحت والسرقة والغضب وأكل مال اليتيم قال سبحانه :(ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون).

وكثيرا ما ذم الله عزوجل اليهود والنصارى في كتابه الكريم لأكلهم السحت والحرام (وترى كثيرا منهم يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون).

(إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ).

فالله تبارك وتعالى يحذرنا من صنيع هؤلاء المجرمين حتى لا نحذوا حذوهم ونتبع سننهم إنما نتبع سبيل المؤمنين ونقتدى بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم القائل :(إني لأنقلب إلى أهلي فأجد التمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها) صلوات ربي وتسليماته عليه ما أعظمه وأورعه فهو أعبد الناس وأخشاهم لمولاهم، وعلى دربه سار أصحابه وخلفاؤه فهذا الصديق رضي الله عنه أصابه الجوع يوما فأخذ لقمة من خادمه وأكلها ثم سأله عن مصدرها؟ فأجاب الغلام انه كان يتكهن في الجاهلية فأصاب مالا فاشترى منه طعاما، وإذا بالصديق رضي الله عنه ما أطيبه وأطهره إذا به يضع أصبعه في فيه وأخذ يتقيأ حتى كاد أن يهلك والغلام يقول :هون عليك يا خليفة رسول الله؛ ولم يهدأ أبو بكر حتى تقيأها وقال :كدت أن تقتلني ياغلام فو الله لولم تخرج هذه اللقمة إلا ومعها روحي لأخرجتها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به ) فعل ذلك أيضا بنفسه الفاروق عمر لمذقة لبن شربها خطأ من إبل الصدقة وما استراح حتى تقيأها ، وذكر ابن الجوزي في صيد الخاطر أنه أكل أكلة فيها شبهة فتغير قلبه وأظلم عليه فترة من الزمن ،سبحان الله يشعرون بأنفسهم وسرعان ما يصححون المسير هكذا إخواني الكرام كان سلفنا الصالح يعرفون من أين يأكلون ويشربون كانوا في قمة الحذر وفي غاية الخوف من أن تصل إلى أجوافهم ولو لقمة من حرام، كانت الزوجة أيضا تعين زوجها على ذلك فتوصي زوجها وقت خروجه للكسب قائلة له :اتق الله فينا ولا تطعمنا حراما فإنا نصبر على الجوع ولا نقوى على النار لذلك صفت نفوسهم وارتقت أذواقهم وصحت أبدانهم وأشرقت قلوبهم ، فلما فسد طعام المتأخرين وشرابهم وتلوث كسبهم انطمست معالم الهدى والنور في القلوب ولحقتنا المصائب والأزمات وتحكم فينا الظلمة المفسدون وصدق الحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم حين قال: ( يأتي على الناس زمان لا يبالى المرء ما أخذ منه أمن حلال أم من حرام) ، ولذا نقول: يا أحبابنا صوم البطن لا يتحقق الا بالتنزه عن كل انواع الحرام وكل ما فيه شبهة الحرام ولا يتعلل أحد بالظروف الاقتصادية الصعبة وتعقد أمور الحياة وصعوبتها وغلاء الأسعار وضنك المعيشة وقلة الرواتب فهذه كلها ليست أعذارا تبيح الحرام (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب).

والبركة في الطاعة والقناعة ولا خير في عبادة أو طاعة دون عفة وصيانة وبُعد عن الحرام. يقول يوسف بن أسباط رحمه الله تعالى: إن الشاب إذا تعبد الله قال الشيطان لأعوانه انظروا من أين مطعمه فإن كان مطعم سوء قال: دعوه يتعب فقد كفاكم نفسه إن اجتهاده مع أكل الحرام لا ينفعه.

ويقول ميمون بن مهران: لا يكون الرجل تقيا حتى يحاسب نفسه حسابا أشد من الشريك الشحيح لشريكه وحتى يعلم من أين مأكله ومشربه وملبسه.

وقال وهب بن الورد: لو قمت قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك أحلال هو أم حرام.

إي وربى فأكل الحرام له توابعه ومصائبه التي تلحق صاحبه دنيا وأخرى إن لم يتدارك نفسه ويرجع إلى ربه ويطهر كسبه فمن مصائب أكل الحرام أنه يوهن الدين، ويقسى القلب، ويطفئ نور الإيمان، ويصيب بعمى البصيرة، ويذهب البركة، ويظلم الفكر، ويقعد الجوارح عن العبادة، ويوقع الإنسان في حبائل الدنيا وغوائلها، ويمنع إجابة الدعاء ويكون سببا في دخول النار، وهذه أعظم المصائب إن لم يتدارك الإنسان نفسه ويرجع إلى ربه فيطيب كسبه، ويرد الحقوق لأصحابها، ويغير مساره في تعاملاته المادية كلها فتكون وفق ما أحل الله عز وجل وشرع ووفق ما بين رسوله صلى الله عليه وسلم فالإسلام العظيم الذي أكرمنا الله عز وجل به يربى المسلم على تقوى الله ومراقبته (واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لايظلمون).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم :(لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن علمه ماذا عمل فيه، وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه).

فلنعدّ لكل سؤال جوابا، نسأل الله العلي القدير أن يلهمنا رشدنا ويرزقنا والمسلمين جميعا كل حلال طيب ويباعد بيننا وبين كل حرام خبيث.

اللهم ارزقنا رزقا حلالاً طيباً واسعاً، وبارك لنا فيه إنك جواد كريم.

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.