رمضان شهر عظيم


للشيخ فايز النوبي

فهل عرفنا كيف نستقبل العظماء؟!

يقول الله عزوجل في كتابه الكريم: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن؛ هدى للناس وبينات من الهدى، والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضا، أو على سفر فعدة من أيام أخر، يريد الله بكم اليسر، ولايريد بكم العسر، ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ماهداكم، ولعلكم تشكرون ).

هذه الآية الكريمة، وماقبلها، ومابعدها قبس من النور القرآني أنزله الله عزوجل في: ركن من أركان الإسلام، وفريضة من فرائضه، ودعامة من دعاماته ذلك هو: الصيام في رمضان والذي أوشك زمانه أن يحل علينا بعد أيام قليلة.


وقبل الكتابة،والحديث عن الصيام، وفضائله وأحكامه، ينبغي أن نخصص حديثا عن رمضان نفسه الشهر الكريم والوافد العظيم، والذي هو خير الشهور، وسيدها، والشهر الوحيد الذي ذكر باسمه في كتاب ربنا عزوجل، وميزه الله بخصال من الخير ،والبركة ،والفضل ماليست في غيره.

وهو شهر حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم معالم الخير فيه فهو: عظيم مبارك ، يتجلى الله عزوجل فيه على عباده المؤمنين بالرحمات، ويحفهم بالخيرات والبركات.

شهر فضل الله عزوجل أيامه على سائر الأيام، وخص لياليه بالأسرار، والأنوار. ففيه نور يضيئ القلوب التي عمرت بالإيمان، وسعدت بإلتزامها الإسلام ،وله أسراره التي تعلو بالأرواح التقية والنفوس الزكية إلى السمو والرفعة في طاعة علام الغيوب ذي الجلال، والجمال والعظمة والإكرام .

شهر يحتفل بمقدمه السعيد: أهل السموات من الملائكة المقربين بالتسبيح ،والتحميد والتمجيد، ويستقبله أهل الأرض من عباد الله الصالحين بالحفاوة والترحاب، والإستبشار والفرح والسرور، والإكثار من ذكر الله ،وتلاوة القرآن، والبعد عن كل مايغضب الرحمن عزوجل. شهر جدير بأن يلقى من المسلمين هذا التكريم ،وحسن الإستقبال والتقدير.

فشهر رمضان: يمتاز بخصوصية من الفضل والبركة، ونفحات من البهجة والسرور، فيه اتصلت السماء بالأرض، واتصل الملك بالإنسان، فكان الأمين جبريل عليه السلام :ينزل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فيدارسه القرآن وذلك ليسلم للأمة الإسلامية: ينبوع حكمتها ،ودستور تشريعها ،محفوظا في صدره الشريف، وليتوارثه من بعده الخلفاء الراشدون، ويورثوه من بعدهم ،محفوظا مكتوبا بين دفتين؛ ليكون معين الحياة السعيدة، لأمة كتب الله عزوجل لها أن تكون خير أمة أخرجت للناس.

شهر أوله رحمة ، وأوسطه مغفرة ، وآخره عتق من النار.

فيه يتشبه المؤمنون بالملائكة الكرام الكاتبين الذين خلقهم الله عزوجل من نور، وفطرهم على طاعته وعبادته، فهم لايعصون الله ماأمرهم، ويفعلون مايؤمرون، لايأكلون ولايشربون ،ولايتناسلون.

شهر نهار المؤمنين فيه: عمل-للدنيا والآخرة- وجد وإنتاج،وليلهم: ذكر وتسبيح وصلاة، وتلاوة للقرآن.

شهر تمتد فيه أيادي المؤمنين بالبر والخير، والعطاء ،للفقراء والمعوزين.

شهر لايأت على أمة الإسلام شهر هو أفضل لهم منه. قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : (لو عرفت أمتي مافي رمضان من الخير لتمنت أن يكون الدهر كله رمضان )

شهر فيه الخير: للمؤمنين الذين أدوا حق ربهم، و التزموا ماكلفوا به. فلم يضيعوا فريضة، ولم يتهاونوا بنافلة؛ فأكرمهم ربهم، وغفر ذنوبهم. قال صلى الله عليه وسلم : (من صام رمضان إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه. ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا؛ غفر له ما تقدم من ذنبه )

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم : (الصلاة إلى الصلاة، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة: مكفرات لما بينهن؛ إذا إجتنبت الكبائر).

شهر: يرتفع فيه دعاء المؤمنين الصائمين عند فطرهم إلى مستوى الإجابة.

قال صلى الله عليه وسلم : (ثلاثة لاترد دعوتهم:الإمام العادل - وهو الحاكم المسلم الذي يتقي الله في رعيته له عند الله مكانة ،ودعوته مجابة -والصائم حين يفطر ودعوة المظلوم يرفعها الله عزوجل فوق الغمام يقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولوبعد حين).

شهر: تفتح فيه أبواب الخير والرحمة، وتغلق فيه أبواب الشر، ومنافذ العذاب. قال صلى الله عليه وسلم : (إذا جاء رمضان؛ فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب الجحيم فلم يفتح منها باب، وصفدت الشياطين أي سلسلت الشياطين، ومردة الجن، ونادى مناد من قبل الله عزوجل أن ياباغي الخير أقبل، وياباغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار).

من أدرك هذا الشهر، وكان صحيحا سليما مقيما، وأعرض عن صومه؛ كان عند الله ذميما ،وخسر خسرانا مبينا. يقول صلى الله عليه وسلم : (من أفطر يوما من رمضان، من غير رخصة ولامرض، لم يقضه صيام الدهر وإن صامه )

فمن فرط في صيامه بغير عذر فقد فاته النور، والرحمة والرضوان، و استولى عليه الشيطان، وجعل صدره ضيقا حرجا، وإن بقي على ذلك فله معيشة ضنكا، وحشره الله يوم القيامة أعمى؛ بسبب إعراضه عن ذكر الله ،وآياته وإقباله على لذاته ،وشهواته قال الله عز وجل : (ومن أعرض عن ذكري ،فإن له معيشة ضنكا ،ونحشره يوم القيامة أعمى)

شهر رمضان شهر عظيم فهل تعلمون كيف نستقبل العظماء؟! وضيف كريم يعرف حقه الأتقياء، ولايعص الله عزوجل فيه إلا السفهاء- الذين يخادعون الله والذين آمنوا ومايخدعون إلا أنفسهم ومايشعرون- )

شهر :سيكون شاهدا يوم القيامة بالإحسان لمن أحسن فيه العمل ،وبالإساءة على من أساء. وفي ختام الحديث عن الشهر الفضيل لانغفل عن ذكر بعض الأمور المهمة في كيفية إستقباله، وحسن الإستعداد له.

أولا :بالصلح مع الله عزوجل، ومع عباده. والصلح مع الله تعالى بالتوبة النصوح، والإنابة الخالصة، والعودة الصادقة إليه عزوجل، بالندم على مافات، وإصلاح ماهو آت، والصلح مع عباد الله برد حقوقهم ،وطلب العفو منهم إن أخطأ في حقهم، ومسامحتهم، والعفو عنهم إن كان له حق عليهم. ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله).

ثانيا :تهيئة القلب بكثرة ذكر الله عزوجل، وتلاوة كتابه الكريم ،والتفكر في صفاته والنظر، والتأمل في بديع صنعه، ومظاهر قدرته في مخلوقاته .

ثالثا:استحضار ماأعده الله للصائمين من أجر وفضل، وخير ومثوبة، واستحضار فوائد الصيام ، وهذا من شأنه أن يدفع الإنسان إلى الطاعة بحب وشوق.


رابعا: التدريب على الصيام قبل رمضان، بصيام أيام من شعبان. فقد كان صلى الله عليه وسلم: يكثر من الصيام في شعبان. والتدريب كذلك بقيام الليل، وتلاوة القرآن ومدارسة العلم ،وحضور مجالسه، وهذا التدريب بمثابة الإحماء، والإعداد وتهيئة النفس، والجسد للعمل والعبادة، تماما كما يفعل الرياضيون من تدريب وتسخين قبل ممارسة الرياضة، ودخول المباريات

وفي الأخير نقول:رمضان أوشك أن يقبل فماذا أعددنا له؟ جماع ذلك تقوى الله : {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} .وهي السلاح الأقوى وثمرة الصيام، وكل طاعة وعبادة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم