يقصر بعض المتعلمين في نطق حرفي الكاف والتاء الساكنتين، فمثلا إذا تلت التاء لاما نطق التاء ممتزجة باللام من الشدق الأيمن، ومثاله: {وأذنت لربها وحقت}، وكذلك إذا تلتها نون، ومثاله: {ذوقوا فتنتكم}، فتضيع التاء الفصيحة من مخرجها، وتسمع صوتا ممتزجا من تاء ونون من الأنف، وكذلك إن تلت التاء الساكنة ثاء مثل: {كذبت ثمود بالنذر}، فأسهل شيء على من لا يجيد التاء الفصيحة أن يقلبها ثاء، أو تصير تاؤه مكتومة، وإذا تلت الكاف الساكنة تاء قلب الكاف تاء، ومثاله: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل}، أو تصبح كافه الساكنة مكتومة مع السين في مثل: {تكسبون}.فما السبيل لتمييز كاف وتاء فصيحتين؟
ومن تأمل كلام العلماء وأقدمهم سيباويه ت-180-ه والمبرد ت-286-ه، رأى لتشبيه هذين الحرفين بحروف القلقلة فائدة، وقد نقل عنهم أئمة القراءة ذلك, قال الشاطبي رحمه الله في حرز الأماني المعروف بالشاطبية:
1159-وَأَعْرَفُهُنَّ القَافُ كُلُّ يَعُدُّهَا ... فَهذَا مَعَ التَّوْفِيقِ كَافٍ مُحَصِّلا

قال أبو شامة المقدسي في إبراز المعاني (1/755):
"أي: أعرف القلقلة القاف؛ أي: هي المشهورة بذلك المتضح فيها هذا الوصف فاعرف هذا الموضع هو من التفضيل في باب المفعول وهو مما شذ في كلامهم مثل هو أحد منه وأشهر ثم قال: كي يعدها؛ أي: هي مجمع على عدها من حروف القلقلة، قال الشيخ أبو الحسن: قالوا: أصل القلقلة للقاف؛ لأن ما يحس به من شدة الصوت المتصعد من الصدر مع الضغط والحصر فيه أكثر من غيره قال: وعد المبرد منها الكاف إلا أنه جعلها دون القاف؛ لأن حصر القاف أشد قال المبرد: وهذه القلقلة بعضها أشد من بعض فإذا وصلت ذهبت تلك النبرة؛ لأنك أخرجت لسانك عنها إلى صوت آخر فحال بينه وبين الاستقرار".
ففي النص السابق أن الكاف تشبه القاف في خروج صوت منها عند الإسكان لكنه أخف من صوت القاف مما جعل المبرد رحمه الله يعده من حروف القلقلة كما نقله أبو شامة رحمه الله، ولعله قصدالتشابه في الصوت الشديد الخارج عند الإسكان للقاف والكاف، قال المبرد رحمه الله في المقتضب (1/196):
"وَاعْلَم أَنَّ من الْحُرُوف حروفا محصورة فِي موَاضعهَا فَتسمع عِنْد الْوَقْف على الْحَرْف مِنْهَا نبرة تتبعه وَهِي حُرُوف القَلْقَلَة وإِذا تفقَّدت ذَلِك وجدته فَمِنْهَا الْقَاف وَالْكَاف إِلاَّ أَنَّها دون الْقَاف لأَنَّ حَصْر الْقَاف أَشدّ وإِنَّما تظهر هَذِه النبرة فِي الْوَقْف فإِن وصلت لم يكن لأَنَّك أَخرجت اللِّسَان عَنْهَا إِلى صَوت آخر فَحلت بَينه وَبَين الِاسْتِقْرَار وَهَذِه المُقَلْقِلَة بَعْضهَا أَشدّ حصرا من بعض كَمَا ذكرت لَك فِي الْقَاف وَالْكَاف".
هذا كلام المبرد بتمامه، وفيه التصريح بأن الكاف من حروف القلقلة إلا أنها أخف من القاف، فهذا التشابه وإن فارق في خفة الشدة وفي همس الكاف والتاء يساعدنا على التعرف على النطق الفصيح للكاف.
وفي شرح كتاب سيباويه للسيرافي (5/47):
"قال: " وأما الحروف المهموسة فكلها تقف عندها مع نفخ، لأنهن يخرجن مع التنفس لا صوت الصدر، وإنما تنسل معه وبعض العرب أشد نفخا كأنهم الذين يرومون الحركة فلابد من النفخ، لأن النفس نسمعه كالنفخ ".قال أبو سعيد: ذكر الأربعة الظاء والذال والضاد والزاي لأنها من الحروف المجهورة ومثلها في النفخ جميع الحروف المهموسة، فأجملها وهي عشرة أحرف السين والشين والصاد والحاء والخاء والثاء والكاف والفاء والهاء والتاء، وقد ذكر التاء في حروف القلقلة وهي من الحروف المهموسة، وقد ذكر لها نفخا".
فهذا ينبئك أيها المتعلم للعربية عن صدور صوت عند إسكان الكاف والتاء.
ويبدو أن وجه الشبه بين هذين الحرفين وبين حروف القلقلة صفة الشدة التي هي أبين في حال الإسكان، وبه تمتحن حروف القلقلة.
والذي استقر عليه القول أن أحرف القلقلة هي الخمسة المشهورة, قال ابن الجزري في التمهيد عن التاء والكاف ص111:
"وأما التاء: فتقدم الكلام على أنها تخرج من المخرج الثامن من مخارج الفم، وهي من فوق الثنايا العليا، مصعد إلى جهة الحنك يسيراً مما يقابل طرف اللسان، وهي مهموسة شديدة منفتحة مستفلة.
وقيل إنها من حروف القلقلة، وهذا في غاية ما يكون من البعد، لأن كل حروف القلقلة مجهورة شديدة، ولو لزم ذلك في التاء للزم في الكاف.
فلولا الهمس الذي في التاء لكانت دالاً، ولولا الجهر الذي في الدال لكانت تاء، إذ المخرج واحد، وقد اشتركا في الصفا"ت.، وفيه بيان المراد بأفصح عبارة.



فابن الجزري هنا يقر بالتشابه بين الكاف والتاء وبين حروف القلقلة، لكنه أنكر عدهما من حروف القلقلة، لكن له كلام آخر قد يبدو أول وهلة أنه تراجع عن كلامه السابق في نفي أنهما من حروف القلقلة, ففي النشر (1/203):
"(وَحُرُوفُ الْقَلْقَلَةِ) وَيُقَالُ اللَّقْلَقَةُ خَمْسٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُكَ: قُطْبُ جَدٍّ، وَأَضَافَ بَعْضُهُمْ إِلَيْهَا الْهَمْزَةَ لِأَنَّهَا مَجْهُورَةٌ شَدِيدَةٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْجُمْهُورُ لِمَا يَدْخُلُهَا مِنَ التَّخْفِيفِ حَالَةَ السُّكُونِ فَفَارَقَتْ أَخَوَاتِهَا وَلِمَا يَعْتَرِيهَا مِنَ الْإِعْلَالِ وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ مَعَهَا التَّاءَ مَعَ أَنَّهَا الْمَهْمُوسَةُ وَذَكَرَ لَهَا نَفْخًا، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الِاخْتِبَارِ، وَذَكَرَ الْمُبَرِّدُ مِنْهَا الْكَافَ، إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَهَا دُونَ الْقَافِ. قَالَ: وَهَذِهِ الْقَلْقَلَةُ بَعْضُهَا أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ، وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْحُرُوفُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا إِذَا سَكَنَتْ ضَعُفَتْ فَاشْتَبَهَتْ بِغَيْرِهَا فَيَحْتَاجُ إِلَى ظُهُورِ صَوْتٍ يُشْبِهُ النَّبْرَةَ حَالَ سُكُونِهِنَّ فِي الْوَقْتِ وَغَيْرِهِ وَإِلَى زِيَادَةِ إِتْمَامِ النُّطْقِ بِهِنَّ، فَذَلِكَ الصَّوْتُ فِي سُكُونِهِنَّ أَبْيَنُ مِنْهُ فِي حَرَكَتِهِنَّ، وَهُوَ فِي الْوَقْفِ أَمْكَنُ، وَأَصْلُ هَذِهِ الْحُرُوفِ الْقَافُ ; لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُؤْتَى بِهِ سَاكِنًا إِلَّا مَعَ صَوْتٍ زَائِدٍ لِشِدَّةِ اسْتِعْلَائِهِ".
فتأمل قوله: (وَذَكَرَ لَهَا نَفْخًا، وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الِاخْتِبَارِ)، ولا يظهر بين النصين تعارض, فليس المقصود إثبات أن الكاف والتاء من حروف القلقلة، لكن إثبات أن لهما صوتا يسمع عند إسكانهما لكنه صوت أخف من القلقلة لأنهما أشبهتا حروف القلقلة في الشدة، فابن الجزري رحمه الله في التمهيد أنكر قلقلة الكاف والتاء لهمسهما، وفي النشر أثبت الصوت المسموع الذي هو دون القلقلة, كاف وتاء مهموستان شديدتان عند إسكانهما يظهر معهما مثل النفخة، فبهذه الأوصاف مع ما قيل في مخرجهما تتخلصانفينتفي عنهما ما قيل في الأخطاء المذكورة في أعلى هذه السطور، ومن هنا تبرز قيمة تشبيههما بحروف القلقلة لظهور هذا الصوت فيهما حتى قيل إن بعض العلماء عدهما منها، والله أعلم.